بواعث سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- واستشكالاتهم في التفسير

كانت تَعرِض للصحابة -رضي الله عنهم- بعض التساؤلات في تفسير القرآن الكريم، وهذه المقالة تتناول بواعث هذه التساؤلات لديهم، فتذكر أحد عشر باعثًا مع التمثيل عليها، ثم تسجّل بعض الملاحظات العامة حول هذه البواعث، والمقالة مستلّة من كتاب (سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- للرسول -صلى الله عليه وسلم- واستشكالاتهم في التفسير).

بواعث سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- واستشكالاتهم في التفسير[1]

  نزل القرآن الكريم بلغة العرب، وعلى أساليبهم في الكلام، فكان الصحابة -رضي الله عنهم- يفهمون القرآن بسليقتهم، إلّا أنهم لم يكونوا على درجة واحدة في فهمِ القرآن، فكانت تَعرِض لهم بعض السؤالات والاستشكالات، فيعرضونها على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبيّنها لهم، ولم يُعرف عن أحد منهم أنه كان يُعارض القرآن بالعقل، قال ابن القيم: «وكانوا يسألونه عن الجمع بين النصوص التي يُوهِم ظاهرها التعارض، ولم يكن أحد منهم يُورد عليه معقولًا يعارض النصّ البتة، ولا عُرف فيهم أحد -وهم أكمل الأمم عقولًا- عارض نصًّا بعقله يومًا من الدهر، وإنما حكى الله سبحانه ذلك عن الكفار»[2].

ولا يلزم من سؤال أحد الصحابة -رضي الله عنهم- عن الآية إشكالُـها على الجميع، فقد يُشكل على بعض الصحابة -رضي الله عنهم- ما لا يُشكل على غيرهم. وسؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- واستشكالاتهم في التفسير تشترك في باعثين رئيسين، هما:

1- الرغبة في التعلُّم.

2- خفاء المعنى، أو التردّد فيه.

أمّا بقية البواعث التي تختلف باختلاف السائل والآية المسؤول عنها، فأهمّها:

1- العموم:

وإذا كان اللفظ عامًّا يكون سؤال السائل -غالبًا-:

1- للتأكّد من بقاء اللفظ على عمومه، أو أنه عامّ يراد به الخصوص.

2- لمعرفة أَوْلَى الأشياء دخولًا في عموم الآية.

- ومن الأمثلة على ذلك:

أ- سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- له عن دخول المشركين في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53]، حيث قالوا بعد أن سمعوا هذه الآية من النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، ومَن أشرك؟[3]

ب- سؤال أُمّ هانئ -رضي الله عنها- عن المنكَر الوارد في قوله تعالى: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: 29][4][5].

2– الإطلاق:

وإذا كان اللفظ مطلقًا يكون سؤال السائل للتأكّد من بقاء اللفظ على إطلاقه، أو أنّ هناك ما يُقيِّده.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- له عن: ﴿سَبِيلًا﴾ من قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97][6].

3- الإبهام:

وإذا كان اللفظ مبهمًا يكون سؤال السائل؛ لرغبته في تعيين ما أُبهم في الآية.

ولم تكن سؤالات الصحابة رضي الله عنهم عمّا لا فائدة مِن تعيينه، وإنما كانت فيما يفيد في معنى الآية، وبناء على ذلك اختلفت بواعثهم في السؤال عن المبهَم، ومن أبرز هذه البواعث:

أ- الثناء على المذكورين في الآية:

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54][7][8].

ب- ذمّ المذكورين في الآية:

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات: 4][9][10].

ج- اشتمال الآية على تأكيد عبادة من العبادات:

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- له عن المراد بالصلاة الوسطى في قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: 238][11][12].

د- اشتمال الآية على بيان فضل مكان من الأمكنة:

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن المسجد الذي أُسِّس على التقوى الوارد في قوله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ [التوبة: 108][13].

4- الاشتراك اللفظي:

وذلك بأن يكون اللفظ محتملًا لأكثر من معنى، وليس بين تلك المعاني ما يجمعها، فيكون سؤال الصحابي -رضي الله عنه- لمعرفة المعنى المراد.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن معنى ﴿عِضِينَ﴾ في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر: 91]. فهذا اللفظ يحتمل أن يكون مشتقًّا من العضو؛ فيكون على معنى التفريق والتجزئة، وقد يكون مشتقًّا من العِضَة، بمعنى الكذب والبهتان[14].

5 - غرابة اللفظ على السائل:

وهذه الغرابة قد تعود إلى أنّ اللفظ غير مستخدَم في لغة قومِ السائل، بأن تكون الآية نزلت بلفظ مستخدَم عند بعض قبائل العرب دون بعضها، وقد تعود إلى التفاوت في العلم باللغة، وإن كان اللفظ مستخدمًا عند قومِ السائل، وقد تعود إلى أنّ السائل من غير العرب.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال قطبة بن مالك -رضي الله عنه- عن معنى بُسُوق النخلة الوارد في قوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ [ق: 10]، وقوله بعد سماع هذه الآية من النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فجعلت أردّدها ولا أدري ما قال»[15].

فخفاء هذا المعنى على قطبة -رضي الله عنه- يدلّ إمّا على عدم استخدام قومه لهذا اللفظ، أو غرابة هذا اللفظ عنده وإن كان مستعملًا عند قومه.

6- تعلُّق الآية بأمر غيبيّ:

سواء كانت الآية تتعلّق بأمرٍ غيبيّ في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.

- فمِن الأمثلة على السؤال عن الأخبار الماضية:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- له عن الأجَلِ الذي قضاه موسى، الوارد في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾ [القصص: 29]، قالوا: أيّ الأجَلَيْن قضى موسى[16][17]؟

- ومن الأمثلة على السؤال عن الأمور الحاضرة:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن مستقرِّ الشمس الوارد في قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس: 38][18][19].

- ومن الأمثلة على السؤال عن الأمور المستقبلية:

سؤالهم عن المستثنَى من قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النمل:87][20]،وقوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: 68][21][22]. ولأنّ أغلب الغيبيات المستقبلية تتعلق بالآخرة، فإنّ أكثر سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- كانت في الآيات التي اشتملت على ذِكر النعيم؛ لتشوّق النفوس إلى معرفته.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- عن قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26][23][24].

7- الرغبة في معرفة الكيفية:

وذلك بأن يكون السؤال عن كيفية ما هو مذكور في الآية، خاصّة إذا كان لفظ الآية مجملًا.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن كيفية الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- الواردة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، قالوا: «يا رسول الله، قد عَلِمْنَا كيف نسلِّم عليك، فكيف نصلِّي عليك؟»[25][26].

8- توهُّم التعارض بين معنى الآية وبعض ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:

وذلك بأن يحدِّث النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث، فيتوهّم الصحابة -رضي الله عنهم- مخالفته لآية في القرآن الكريم، ويَعرِضون فهمهم على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

- ومن الأمثلة على ذلك:

الإشكال الذي وقع لعائشة -رضي الله عنها- في الجمع بين قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: 8]، وبين قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس أحد يُحاسَب يوم القيامة إلا هلك»، حيث قالت بعد أن سمعت هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: 7- 8][27][28].

9- توهُّم مخالفة الآية لأمرٍ مستقرّ في الشريعة:

وذلك بأن يفهم الصحابي -رضي الله عنه- من ظاهرِ الآية إثبات حكمٍ مخالفٍ لحكم آخر مستقرّ في الشريعة الإسلامية، فيسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ لِيُزيل الإشكال.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال الصحابة له عن معنى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: 105][29].

فقد أشكلَت هذه الآية على الصحابة؛ لأنهم توَهّموا أنّ ظاهرها يُوهِم الرخصة في تركِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، فسألوا عنها النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-.

10 - عدم معرفة المراد ببعض الألفاظ الشرعية:

وذلك بأن يكون في الآية لفظ معلوم المعنى لغةً، إلا أن المراد به المعنى الشرعي، واستخدام اللفظ بهذا المعنى الشرعي غير معلوم عند الصحابة -رضي الله عنهم-.

وغالبًا ما تكون هذه السؤالات في الآيات حديثة النزول، قبل انتشار هذا اللفظ عند الصحابة -رضي الله عنهم- ومعرفتهم بالمراد به.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن المراد بيوم الحجّ الأكبر، بعد نزول قوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: 3][30].

11 - التأكّد من صحةِ الفهم:

وذلك بأن يفهم الصحابي -رضي الله عنه- معنى الآية، إلا أنه يريد التأكّد من صحةِ فهمه، فيَعرِض ما فهمه على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقرّه على فهمه، أو يصوّبه له.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- عن قوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]، قال لـمّا نزلت هذه الآية: يا رسول الله، المتوفَّى عنها زوجها، والمطلَّقة[31]؟

وهناك بعض الملاحظات التي يحسن التنبيه عليها، وهي:

1- جميع سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- واستشكالاتهم في التفسير كانت لطلبِ الفهم والمعرفة، ولم تكن لأغراض أخرى كالإنكار؛ لأنّ الاستفهام «إذا صدرَ ممن يجهل ما سأل عنه قيل له: استفهام واستخبار، واستعلام واسترشاد، ونحو ذلك من المعاني التي يطلب بها الإنسان معرفة ما لا يعرفه... فإنْ صدرَ الاستفهام عن عالمٍ بالشيء المستفهم عنه سُمّي تقريرًا، وتثبيتًا، وتنبيهًا، وإنكارًا، وتوبيخًا»[32].

2- أنّ أكثر سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- كانت في الآيات التي نزلت ابتداءً دون سبب، أمّا الآيات التي كان لها سبب نزولٍ فغالبًا لا يسألون عنها؛ لمعايشتهم نزولها، ومعرفتهم بملابساتها وأحداثها.

وأمّا ما ورد من سؤال عن الآيات التي كان لها سبب نزول، فإنه يعود -والله أعلم- إلى عدم حضور الصحابيّ للحادثة التي نزلت بسببها الآية، أو يكون سؤاله عن أمرٍ في الآية لا يتعلق بسبب نزولها.

3- سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- له واستشكالاتهم في الآية؛ إمّا أن تكون ابتداءً منهم دون إشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الآية.

- ومن الأمثلة على ذلك:

ما جاء عن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26][33].

= أو تكون بعد قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- للآية.

- ومن الأمثلة على ذلك:

ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38]، كان سلمان إلى جنب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، مَن هؤلاء القوم الذين إنْ تولّينا استُبدِلوا بنا[34]؟

4- أنّ أكثر السؤالات الموجَّهة للنبي -صلى الله عليه وسلم- كانت من رجالِ الصحابة -رضي الله عنهم-، أمّا سؤالات الصحابيّات -رضي الله عنهنّ- فكان أكثرها من أُمّهات المؤمنين.

5- لا تقتصر السؤالات الموجَّهة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في التفسير على الصحابة -رضي الله عنهم-، وإنما وقعت بعض السؤالات من أهلِ الكتاب والمشركين؛ بغرض الاستهزاء والتعجيز.

- ومن الأمثلة على ذلك:

ما جاء عن صفوان بن عسَّال -رضي الله عنه- أنّ يهوديَّيْن قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله، فقال: لا تَقُل له نبي، فإنه إن سمعك تقول نبي كانت له أربع أعين، فأتيَا النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألاه عن قول الله -عز وجل-: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: 101]، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصَنة -أو قال-: ولا تفرُّوا من الزحف، وعليكم اليهود خاصّة أنْ لا تعتدوا في السبت» فقبَّلَا يدَيْه ورِجلَيْه وقالا: نشهد أنك نبي، قال: «فما يمنعكما أن تُسْلِمَا؟» قالا: إنّ داود دعا الله، أنْ لا يزال في ذريته نبي، وإنّا نخاف إنْ أسلَمْنا أن تقتلنا اليهود[35].

6- يسأل الصحابة رضي الله عنهم -أحيانًا- عن أكثر من آية في وقت واحد، وغالبًا ما يكون هناك رابط بين الآيات المسؤول عنها؛ بكونها تتحدث عن موضوع واحد[36].

7- تُشكِل على التابعين بعض الآيات التي أشكلَت على الصحابة -رضي الله عنهم-، وفي ذلك دلالة على قوة هذا الاستشكال[37].

8- هناك بعض الأسباب يساعد وجودها على وقوع الإشكال للصحابي وسؤاله عن الآية، إلا أنها ليست باعثًا للصحابي على السؤال، منها:

أ- تأخُّر إسلام الصحابي:

فقد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لأصحابه معنى الآية، أو أنّ في الآية سبب نزول شهده الصحابة -رضي الله عنهم- فعلموا المراد بها، إلا أنّ بعض الصحابة -رضي الله عنهم- تأخّر إسلامهم، فسألوا عمّا هو معلوم عند غيرهم.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال عديّ بن حاتم -رضي الله عنه- عن قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]، مع أنه قد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تفسير للآية قبل سؤال عديّ -رضي الله عنه-.

فتأخُّر إسلام عديّ -رضي الله عنه- من أسباب سؤاله عن هذه الآية؛ لأنه لو سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمَا سأل عنه، إلا أنّ هذا ليس باعث التساؤل عنده -كما هو معلوم-، وإنّما خَفِيَ عليه شيء في الآية فسأل عنه النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-[38].

ب - عدم التنبّه لسياق الآية والقرائن الموجودة فيها:

وذلك بأن يدلّ سياق الآية أو القرائن الموجودة فيها على معنى معيَّن، إلا أنّ الصحابي يحمل الآية على معنى آخر؛ لعدم تنبّهه لسياق الآية، أو القرائن الموجودة فيها.

- ومن الأمثلة على ذلك:

الإشكال الذي وقع لحفصة -رضي الله عنها- في فهم قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: 71]، حيث فهمت من هذه الآية العموم، وأنها تدل على دخول المؤمنين النار؛ لذا قالت بعد أن سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها»، قالت: بلَى يا رسول الله، فانتهرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم بيّنَت له حُجَّتها في هذا الفهم، فقالت: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فقد قال الله عز وجل: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾[مريم: 72]».

وبهذا يتبيَّن أنّ عدم تنبّه حفصة -رضي الله عنها- لسياق الآية سبَّب لها هذا الإشكال، إلا أنه ليس الباعث لها على الخطأ في فهم الآية، ومناقشة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وإنما أشكلَ عليها فهمُ بعض الألفاظ في الآية[39].

9- يحرص الصحابة -رضي الله عنهم- على السؤال عن الآيات التي تتحدّث عن الجزاء والحساب، أو التي اشتملت على بعض الأوامر والنواهي.

- فمِن الأمثلة على سؤالهم عن الآيات التي تتحدّث عن الجزاء:

سؤال أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 8]، حيث قال بعد أن سمع هذه الآية: يا رسول الله، إني أُجزَى بما عملتُ من مثقالِ ذرة من شرّ[40][41]؟

- ومن الأمثلة على سؤالهم عن الآيات التي اشتملت على الأوامر:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]، فقد سألوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية، فقالوا: يا رسول الله، لقد أُوقينا أنفسنا، فكيف بأهلينا[42][43]؟

- ومن الأمثلة على سؤالهم عن الآيات التي اشتملت على النواهي:

سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- عن معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: 18][44].

10- قد يكرر الصحابي سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الآية بعد بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- معناها، وتكرار السؤال بعد معرفة المراد بالآية يعود -غالبًا- إلى رغبة الصحابي في الاستزادة من معاني الآية وأحكامها.

- ومن الأمثلة على ذلك:

سؤال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن معنى: ﴿الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: 176]، وكثرة مراجعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السؤال عنها حتى بعد بيان معناها[45].

 

[1] هذه المقالة من كتاب «سؤالات الصحابة -رضي الله عنهم- للرسول -صلى الله عليه وسلم- ‏واستشكالاتهم في التفسير»، الصادر عن مركز تفسير، سنة 1439هـ، (1/ 234) وما بعدها. (موقع تفسير)

[2] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (3/ 1052- 1053).

[3] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (52)، (2/ 213).

[4] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (42)، (2/ 120).

[5] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسائل رقم (1، 7، 15، 19، 27، 42، 44، 69).

[6] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (9)، (1/ 373).

[7] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (12)، (1/ 406).

[8] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسائل رقم (45، 55، 63).

[9] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (56)، (2/ 245).

[10] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (66).

[11] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (5)، (1/ 311).

[12] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (58)، (2/ 261).

[13] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (23)، (1/ 502).

[14] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (31)، (2/ 18).

[15] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (57)، (2/ 253).

[16] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (41)، (2/ 115).

[17] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (18).

[18] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (48)، (2/ 166).

[19] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (60).

[20] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (40)، (2/ 101).

[21] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (53)، (2/ 223).

[22] يُنظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألتان رقم (14، 32).

[23] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (26)، (1/ 529).

[24] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسائل رقم (33، 49، 62، 73).

[25] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (46)، (2/ 147).

[26] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسائل رقم (38، 51، 65).

[27] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (68)، (2/ 349).

[28] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (35).

[29] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (13)، (1/ 414).

[30] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (20)، (1/ 471).

[31] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (64)، (2/ 317).

[32] البديع في علم العربية، لابن الأثير الجزري (2/ 215).

[33] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (26)، (1/ 523).

[34] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (55)، (2/ 236).

[35] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب: تفسير القرآن، باب: ومِن سورة بني إسرائيل، ص705، ح (3144)؛ والنسائي في سننه، كتاب: تحريم الدم، باب السحر، ص629- 630، ح (4078)؛ وأحمد في مسنده (30/ 12- 13)، ح (18092)، و(30/ 21)، ح (18096)؛ قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»، وضعّفه الألباني في السُّنن، وقال محققو المسند في الموضعين: «إسناده ضعيف». قال ابن كثير في تفسيره (5/ 125): «وهو حديث مشكِل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات؛ فإنها وصايا في التوراة لا تعلُّق لها بقيام الحُجة على فرعون -والله أعلم-».

[36] ينظر على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسائل رقم (7، 49، 59).

[37] ينظر على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسائل رقم (10، 13، 18، 44، 59).

[38] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (1)، (1/ 271).

[39] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (35)، (2/ 57).

[40] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (70)، (2/ 364).

[41] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (7).

[42] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (65)، (2/ 328).

[43] ينظر أيضًا على سبيل المثال: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة رقم (67).

[44] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (43)، (2/ 126).

[45] يُنظر: سؤالات الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، المسألة (11)، (1/ 391).

الكاتب

الدكتور نورة بنت خالد العرفج

حاصلة على الدكتوراه من كلية الشريعة والقانون قسم الدراسات الإسلامية - جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، ولها عدد من الأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))