كتاب (جواهر القرآن) للإمام الغزالي (ت 505هـ)
عرض وتقويم

أورد الإمامُ الغزالي في كتابه (جواهر القرآن) خلاصة تجربته الفكرية والروحية في تدبّر القرآن الكريم، وهذه المقالة تعرِّف بالكتاب، وتعرض لمحتوياته، وأبرز مميزاته والملحوظات حوله، كما تذكر بعض ‏الملاحظات النقدية حول طبعات الكتاب وتحقيقاته.

تمهيد:

  تدبُّر القرآن من علوم القرآن النفيسة التي ينبغي على كلِّ مسلم أن يحرص عليها، وهو من العلوم التي كان حقُّها التقديم في البحث والتصنيف، فالقرآن هو رسالة الله -عز وجل- للعالمين أنزله عليهم ليكون لهم نبراسًا وهدى، فليس المراد من المسلم في حقِّ كتاب ربّه التلاوة المرتَّلة ثم الحفظ المكين فقط، وإن كان هذا من الفضل بمكان، وليس الواجب الوقوف على المعاني والأحكام الفقهية والعقدية فقط، وإن كان هذا أيضًا من الفضل والأهمية بمكان؛ بل المطلوب مع هذا وذاك التدبُّر والتفكُّر في هذه الآيات والاهتداء بنورها، وهو ما أُنْزِل القرآن لأجله، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]. وقد افتقرت المكتبة الإسلامية قديمًا وحديثًا للكتب المتفرِّدة بهذا الفنّ إذا ما قُورِنَت بالكتب التي كُتبت في معاني القرآن الكريم وبلاغته وإعجازه وغير ذلك من العلوم المتعلّقة بكتاب الله عزَّ وجل.

والكتاب الذي بين أيدينا من الكتب التي اعتنتْ بهذا الجانب، وهو كتاب فريدٌ في بابه، وفرادته في طريقة طرحه وبراعة أسلوبه ونَفَاسَة معلوماته، فقد جسَّد الإمام الغزاليّ[1] -رحمه الله- فيه خلاصة تجربته الفكرية والروحية في تَدَبُّرِ معاني القرآن الكريم، وأورد أسرارًا ومقاصد في القرآن الكريم لتكون مثالًا يُحتذى ونبراسًا يستضيء به من أراد التدبُّر الأمثل والاتِّباع الأفضل لمنهج الله تعالى في كتابه[2].

وهذه المقالة تعرِّف بالكتاب، وتعرض لمحتوياته، وأبرز مميزاته وعيوبه، وستأتي مقالتنا مقسومة لقسمين؛ أحدهما لعرض الكتاب، والآخر لتقويمه، وذلك بعد تمهيد يتناول بعض الملاحظات النقدية حول طبعات وتحقيق الكتاب.

الخلاف في اسم الكتاب:

اختلفَت النُّسَخ المطبوعة والمحقَّقة في اسم الكتاب، فمنهم من طبعه باسم (جواهر القرآن)، ومنهم من طبعه باسم (جواهر القرآن ودرره)، وهذا ما دفعني إلى العودة إلى المخطوط الأصلي للكتاب، فوقفتُ على ثلاث نُسَخ مخطوطة للكتاب موجودة في مكتبة الأسد الوطنية؛ فوجدتُ خللًا في نَسْخ الكتاب اتّفَقَتْ عليه النُّسَخ المطبوعة والمحقّقة التي اطّلعت عليها[3]؛ ولعلَّ ذلك لأنّ النُّسخة المطبوعة الأقدم قد تضمنّت هذا الخلل، وهي نسخة المكتبة التجارية بمصر لصاحبها مصطفى محمد، والتي طَبَعَتْ الكتاب سنة: 1352هـ= 1933م، ثم تابعتها النُّسَخ المطبوعة والمحقَّقَة[4].

والأخطاء الموجودة في النُّسَخ المطبوعة والمحقَّقَة التي وقفت عليها، هي:

1- مقدِّمة المؤلّف ليست من كلام الإمام الغزاليِّ وإنّما من كلام الناسخ:

مقدّمة الكتاب والتي تضمّنت فِهرسه أُورِدَتْ في النُّسَخِ المطبوعة والمحقَّقَة على أنّها من كلام الإمام الغزاليِّ، جاء في النُّسخة المطبوعة: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلاته على نبيّه محمد وآله وأصحابه أجمعين: فصل في فهرست الكتاب الذي سميّنَاه جواهر القرآن؛ اعلم هداك الله أنَّا رتَّبْنَا هذا الكتاب على ثلاثة أقسام...»[5]. لكنَّ النُّسَخ المخطوطة تضمّنت هذه المقدِّمة على أنّها من كلام الناسخ؛ جاء في مقدِّمة النُّسخة التي كُتِبَت سنة 1321هـ، وهي من كُتُب حاجي دير العكلجي: «اعلم أنّ واضع الكتاب الإمام الغزاليِّ ...سمّاه جواهر القرآن ودرره ورتّبه على ثلاثة أقسام...»[6]. ثم قال في نهايتها: «فهذه فصول الكتاب وترجمتها»[7]. ثم بدأ كلام الإمام الغزاليِّ بقوله: «وابْتَدَأَ وَاضِعُ هذا الكتاب، وقال: بسم الله الرحمن والرحيم، أمَّا بعد حمد الله الذي هو فاتحة كلّ كتاب والصلاة على رسله التي هي فاتحة كلّ خطاب، فإنّي أُنَبِّهُكَ عن رقدتك...»[8]. فهذه الأخيرة هي مُقَدِّمَةُ الإمام الغزالي والتي وردت في النُّسخة المطبوعة على أنّها الفصل الأول، وهذا يُفَسِّرُ الإشكالَ النَّاشئ من إيراد المؤلِّف مقدّمتَين؛ فالأولى من كلام الناسخ، والثانية من كلام المؤلِّف.

2- كتاب (الأربعين في أصول الدين) هو القسم الثالث من كتاب (جواهر القرآن) وليس كتابًا مستقلًّا، لكنَّ الإمام الغزاليِّ رخَّص في كتابته مفردًا، أمّا أن يُجَرَّد الكتاب الأصل منه فهذا محلُّ الإشكال:

النُّسَخ المخطوطة الثلاث التي اطّلعتُ عليها تضمّنت كتاب (جواهر القرآن) مع كتاب (الأربعين في أصول الدين)؛ لأنّ كتاب (الأربعين في أصول الدين) هو القسم الثالث من كتاب (جواهر القرآن)، وليس كتابًا مستقلًّا كما ورد في النُّسخة المطبوعة؛ ففي النُّسخة المخطوطة جاء قول الإمام الغزاليّ: «القسم الثالث من أقسام كتاب (جواهر القرآن) وهو قسم اللواحق... واسم هذا القسم كتاب (الأربعين في أصول الدين)، فمن شاء أن يكتبه مفردًا فليكتب، فإنّه يشتمل على زبدة علوم القرآن»[9]. أمَّا النُّسخة المطبوعة فقد جاء فيها: «...وهو كتاب مستقلّ لمن أراد أن يكتبه منفردًا سمّيناه الأربعين في أصول الدين»[10]. وهذا يُفَسِّر خَتْمَ الإمام الغزاليّ كتابه بخاتمة النمطين؛ لأنّ هذه خاتمة الفصل وليست خاتمة الكتاب، أمّا خَتْم الكتاب فقد جاء في نهاية القسم الثالث، وهو كتاب (الأربعين في أصول الدين)، قال الإمام الغزاليّ -رحمه الله-: «...ولنختم به (الأصول الأربعين) لنختم به كتاب (جواهر القرآن)»[11]. ثم جاء بخاتمة حثَّ فيها القارئ على الإفادة مما ورد في (جواهر القرآن)، وفي (الأربعين في أصول الدين)، فقال: «خاتمة في مناظرة النفس؛ اعلم أنّا قد نبّهناك وشوّقناك...»[12]. وأراد بذلك تنبيهه الذي ورد في مقدِّمة (جواهر القرآن).

لكنَّ الطبعات التي أخرجَت كتاب (جواهر القرآن) -فيما اطّلعتُ عليه- أغفلَت هذا القسم؛ فلم تطبعه مع الكتاب، ولم تُشِر إلى وجوده، ولعلَّ أوّلها طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر والتي اعتمَدَ عليها مَن جاء بعدها.

3- عنوان الكتاب (جواهر القرآن) وليس (جواهر القرآن ودرره):

الاختلاف في عنوان الكتاب وقع في النُّسَخ المخطوطة كما وقع في المطبوعة، فجاء في غلاف النُّسخة الأولى (جواهر القرآن)، وفي غلاف النسخة الثانية (جواهر القرآن ودرره)، أمّا النسخة الثالثة ففيها نقص من البداية، وبالنَّظَر في النُّسَخ نجد أنّ النَّاسخَين للنسخة الأولى والثانية ذَكَرَا في مقدّمتيهما أنَّ الإمام الغزاليّ سمّى الكتاب (جواهر القرآن ودرره)، لكنَّ الإمام الغزاليّ نصَّ في كلامه على أنّ اسم الكتاب (جواهر القرآن)، فقد قال في ابتداء كتاب (الأربعين في أصول الدين): «القسم الثالث من أقسام كتاب (جواهر القرآن)، وهو قسم اللواحق»[13]، وكذلك قال في الفصل الأخير من هذا الكتاب: «...ولنختم به (الأصول الأربعين) لنختم به كتاب (جواهر القرآن)»[14].

فالذي أرجّحه أن يكون (جواهر القرآن) هو عنوان الكتاب؛ لأنّ هذا ما نصَّ عليه الإمام الغزاليّ في كتابه، كما أنّ كُتُب التراجم لم تُورد إلا هذا العنوان للكتاب، فيما بحثتُ[15]. أمَّا تسمية (جواهر القرآن ودرره) فلم ينصّ عليها الإمام الغزاليّ، وإنّما وردت في كلام النُّسّاخ، ولعلّهم غلّبوا في التسمية ما ورد في القسم الثاني من الكتاب، وهو نمط الجواهر والدُّرر، والله تعالى أعلم.

القسم الأول: كتاب (جواهر القرآن)؛ عرض وبيان:

أولًا: أهداف الكتاب:

 لم ينصّ الإمام الغزاليّ -رحمه الله- على غرضه من الكتاب كما هي عادة المؤلّفين في الكتب التراثية، ولكن من خلال النَّظر في الكتاب وفي مقدِّمته يمكن لنا القول أنَّ أهدافه كالآتي:

1- تنبيه القارئ إلى أن يكون مقصده من تلاوة آيات كتاب الله -عزَّ وجلَّ- الوقوف على أسرارها والظفر بجواهرها ومصادفة ما فيها من علوم الأوّلين والآخرين دون الاكتفاء بالمعاني الظاهرية والأحكام الفقهية، وذلك من خلال التفكُّر والتدبُّر في هذه الآيات.

2- إيضاح أنَّ المقصد الأقصى من تلاوة كتاب الله وتدبُّره هو معرفة الله تعالى ومعرفة الصراط المستقيم الذي أُمِرَ باتِّبَاعه.

3- تعليم القارئ كيفية التدبّر الأمثل للقرآن الكريم من خلال ذِكْر أمثلة ثم طلب القياس على أشباهها.

4- تشويق القارئ إلى حال المتدبّرين العارفين من خلال توصيف حالهم وسعادتهم في الدنيا قبل الآخرة.

ثانيًا: منهج المؤلّف في كتابه:

تعدّدت المناهج التي اتّبعها الإمام الغزاليُّ في كتابه، وإن لم ينصّ على شيء منها لكن يمكن استنباطها من كتابه، وهي:

1- المنهج التحليلي، في تحليل بعض الآيات والسور.

2- المنهج النقدي، في نقد كثير من أحوال القارئ.

3- المنهج الاستنباطي، في استنباط مقاصد وأسرار من آيات القرآن الكريم.

4- المنهج الإحصائي، من ذلك: قوله عند أحوال أهل الجنة وأهل النار وما قبل ذلك من النشرِ والحشر والحساب والميزان والصراط: «وثلث آيات القرآن وسوره يرجع إلى تفصيل ذلك».

5- منهج التفسير الموضوعي، فقد حصر موضوعات القرآن الكريم في عشرة أنواع: ذِكْر الذات، وذِكْر الصفات، وذِكْر الأفعال، وذِكْر المعاد، وذِكْر الصراط المستقيم وفيه مجاهدة النفس وملازمة الذِّكْر، وذِكْر أحوال الأولياء وذِكْر أحوال الأعداء، وذِكْر محاجّة الكفار، وذِكْر حدود الأحكام. وقال فيها: «فهذه مجامع ما تنطوي عليه سور القرآن وآياتها». وكذلك جمع الآيات التي تتكلّم عن معرفة الله تعالى، والتي تتكلّم عن سلوك الصراط المستقيم.

ثالثًا: محتويات الكتاب ومضامينه[16]:

قسَّم المؤلِّف كتابه إلى مقدمة وثلاثة أقسام، وخاتمة للقسم الثالث؛ على النحو الآتي:

قسمٌ في المقدّمات والسَّوَابق، وقسمٌ في المقاصد، وقسمٌ في اللواحق:

1- فالقسم الأول؛ وهو مقدِّمات يجب على القارئ أن يعلمها ويعِيَها قبل أن يحاول الغوص والنَّظر في كتاب الله؛ لأجل أن يكون غوصه صحيحًا مثمرًا مبنيًّا على ركائز راسخة ودعائم ثابتة. ويشتمل على تسعة عشر فصلًا، وهي فصول صغيرة يقع أكثرها في صفحة أو صفحتين، وهذا القسم هو الأقل حظًّا من الكتاب، فقد وقع في ثلاث وأربعين صفحة، من ص8 إلى ص52.

2- والقسم الثاني، وهو المقاصد؛ ويشتمل على إحصاء آيات القرآن الكريم التي وردت في ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله خاصّة، وسمّاها (نمط الجواهر) وهي القسم العلمي. والآيات التي وردت في بيان الصراط المستقيم والحثِّ عليه، وسمّاها (نمط الدُّرر) وهو القسم العملي، وليس في هذا القسم سوى سرد الآيات وعدّها دون شرح أو تعليق مع إسنادها إلى سورها، فبدأ بالآيات التي وردت في سورة البقرة، ثم التي وردت في سورة آل عمران... وهكذا إلى نهاية سور القرآن الكريم. وسمّاه المقاصد؛ لأنّ معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله والصراط المستقيم هي أعلى ما يُقْصَد من قراءة القرآن الكريم، وهذا يكون بمعرفة الآيات الدالّة على هذه المعاني، وهذا القسم قد أخذ الحظَّ الأكبر والنصيب الأوفر من هذا الكتاب، فقد وقع في مائة وخمس عشرة صفحة من ص52 إلى ص167.

ثمَّ أورد فصلًا في خاتمة النمطين في بيان العذر في الاقتصار في آيات القرآن على هذه الجملة، وبهذا الفصل خُتِمَت النُّسخة المطبوعة، قال: «اعلم أنّا اقتصرنا من ذِكْر الآيات على نمط الجواهر والدُّرر لمعنيين؛ أحدهما: أنّ الباقية أكثر من أن تحصى. والثاني: أنّ هذا هو المهم الذي لا مندوحة عنه أصلًا؛ فإنّ الأصل هو معرفة الله تعالى ثم سلوك الطريق إليه، فأمّا أمر الآخرة فيكفي فيه الإيمان المطلق؛ فإنّ للعارف المطيع معادًا مسعدًا، وللجاحد العاصي معادًا شقيًّا، فأمّا معرفة تفصيل ذلك فليس بشرط في السلوك، لكنّه زيادة تكميل للتشويق والتحذير، وقد ترى الجواهر والدُّرر منظومة جملتها في بعض الآيات فتركناها إلا ما غلب فيه ذِكْر النمطين، فبذلك تنال غاية السعادة، جعلنا اللهُ وإياك من السعداء بفضله وجوده وطَوله وسعة رحمته، إنه هو الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم»[17].

3- ثمّ القسم الثالث في اللواحق، وسمّاه كتاب (الأربعين في أصول الدين)، وتكلّم فيه عن معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، وعن الأعمال الظاهرة والباطنة التي تُطلب في طريق السلوك إلى الله تعالى من العبادات والأخلاق المحمودة والمذمومة. وهذا القسم كما ذكرتُ سابقًا طُبِعَ مستقلًّا وجُعِلَ بمفرده -فيما اطّلعت عليه- وكان حقُّه أن يُضَمّن في كتاب (جواهر القرآن) كما فعل مؤلِّفه -رحمه الله- لتتمَّ الفائدة التي أرادها الإمام الغزاليّ من كتابه؛ ففي كتاب (الأربعين) تتمّة لِمَا ورد من قواعد نظرية في كتاب (جواهر القرآن) وشرح لبعض ما فيه، كما أنّه يتضمّن قواعد وفوائد مهمّة في تدبُّر القرآن.

فالكتاب يقع في قسمين؛ نظري، وهو المقدّمات والسوابق. وتطبيقي، وهو المقاصد. أمّا اللواحق وهو كتاب (الأربعين في أصول الدين) فقد طُبِعَ في كتابٍ مستقلٍّ، وجُلُّ قراءتنا ستكون بما يخصّ القسم النظري؛ لأنّ القسم الثاني ليس فيه إلا سردُ الآيات وعدُّها.

-بدأ الإمام الغزالي -رحمه الله- القسم النظري بمقدّمةٍ بسيطةٍ لكتابه أردفها بالفصل الأول في أنَّ القرآن هو البحر المحيط وينطوي على أصناف الجواهر والنفائس، وقد عاب فيها على القارئ وقوفَه مع المعاني الظاهرية لكتاب الله تعالى دون أن يغوص في أعماق الفهم لاكتناه الجواهر والدُّرر من المعاني والمقاصد، قال: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد حمد الله الذي هو فاتحة كلّ كتاب والصلاة على رُسله التي هي خاتمة كلّ خطاب، فإنّي أنبّهك عن رقدتك أيها المسترسلُ في تلاوتك، المتخِذُ دراسة القرآن عملًا، المُتَلَقِّفُ من معانيه ظواهرَ وجُمَلًا، إلى كم تطوف على ساحل البحر مغمضًا عينيك عن غرائبها، أوَمَا كان لك أن تركب متن لجّتها لتبصر عجائبها، وتسافر إلى جزائرها لاجتناء أطايبها، وتغوص في عمقها فتستغني بنيل جواهرها، أوَمَا تُعَيِّر نفسك في الحرمان عن دررها وجواهرها بإدمان النَّظر إلى سواحلها وظواهرها، أوَمَا بلغك أنّ القرآن هو البحر المحيط ومنه يتشعّب عِلْم الأوّلين والآخرين كما يتشعّب عن سواحل المحيط أنهارها وجداولها، أوَمَا تغبِطُ أقوامًا خاضوا في غمرة أمواجها فظفروا بالكبريت الأحمر، وغاصوا في أعماقها فاستخرجوا الياقوت الأحمر والدُّرَّ الأزهر والزّبرجد الأخضر، وساحوا في سواحلها فالتقطوا العنبر الأشهب والعود الرطب الأنضر، وتعلّقوا إلى جزائرها واستدَرُّوا من حيواناتها التّرياق الأكبر والمسك الأذفر، وها أنا أرشدك قاضيًا حقَّ إخائك، ومرتجيًا بركة دعائك إلى كيفية سياحتهم وغوصهم وسباحتهم»[18].

ثم الفصل الثاني[19]: وهذا الفصل لُبُّ الكتاب ولُبَابُه، وبَيّنَ فيه أنَّ في القرآن مقاصد أساسية؛ منها المهم، وهي التوابع، ومنها الأهم، وهي الأصول، وهي التي يجب أن يكون الذهن ملتفتًا إليها أكثر من غيرها عند تلاوة كتاب الله عز وجلَّ، ثمَّ بيّن الطريق لمعرفة هذه المقاصد في القسم الثالث من كتابه وهو اللواحق.

وأوضح أنَّ المقصد الأقصى للقرآن هو دعوةُ العباد إلى الجبّار الأعلى، ولخدمة هذا المقصد تنوّعت سور القرآن وآياته في ستة أقسام، ثم تكلّم عن هذه الأقسام الستة تباعًا في الفصل الثالث الذي جعله في شرح مقاصد القرآن على نحوٍ مختصر جدًّا:

فالقسم الأول: في تعريف المدعو إليه: وأراد به معرفة الله تعالى، وهذه المعرفة تشتمل على ثلاثة أمور؛ معرفة ذات الحقِّ تبارك وتعالى، ومعرفة الصفات، ومعرفة الأفعال، وبيّن أن معرفة الذات هي الأقل في كتاب الله تعالى، ثم معرفة الصفات والأفعال، وأنّ أشرف أفعال الله تعالى ما يتعلّق بعالم الملكوت، ولا يعلمها أكثر الخلق.

والقسم الثاني: عرَّف فيه طريق السلوك إلى الله تعالى: وبَيّن أنّه يكون بالإقبال عليه من خلال ملازمة الذِّكْر، والإعراض عن غيره بمخالفة الهوى والتَّنقّي عن كدورات الدنيا.

والقسم الثالث: ذَكَر فيه تعريف الحال عند ميعاد الوصال: ويعني بذلك حال أهل الجنة وأهل النار وما قبل ذلك من أهوال يوم الحساب من الحشر والنشر والصراط والميزان.

والقسم الرابع: تكلَّم فيه عن أحوال السالكين والناكبين: من قصص الأنبياء والأولياء، وقصص الجاحدين والكافرين، واكتفى بسرد الأمثلة وذِكْر الفائدة من هذا القسم.

والقسم الخامس: في محاجّة الكفار ومجادلتهم وإيضاح مخازيهم بالبرهان الواضح وكشف تخاييلهم وأباطيلهم؛ ذَكَرَ فيه أنَّ محاججة الكفار إمَّا أن تكون في افترائهم على الله تعالى، أو على رسوله ما لا يليق، أو بإنكار اليوم الآخر.

والقسم السادس: في تعريف عمارة منازل الطريق وكيفية التَّأهُّب للزَّاد والاستعداد بإعداد السلاح الذي يدفع سُرَّاق المنازل وقطَّاعها، وبَيّنَ فيه أنّه ما لم ينتظم أمر المعاش فلا يمكن أن ينتظم السلوك إلى الله تعالى، ووضّحَ كيفيّة تنظيم الشرع لأمر المعاش بالحدود والشرائع وغير ذلك.

الفصل الرابع: بيّنَ فيه أنّ العلوم كلَّها تنشعب عن الأقسام العشرة المذكورة، ثم قسَّمَ العلوم الدينية إلى: علوم الصدف، وعلوم الجوهر، وعلوم اللباب.

فصَدَفُ جواهر القرآن هو اللغة العربية، وتنشعب منه خمسة علوم، وهي: علم اللغة وعلم النحو وعلم القراءات وعلم مخارج الحروف وعلم التفسير الظاهر، وقد فَاضَل بين هذه العلوم كما يُفاضَل بين ظاهر الصَدَف وباطنه.

ثمَّ علومُ اللباب؛ فأوّلُها: قصص القرآن وما يتعلّق بالأنبياء والجاحدين، وثانيها: محاجّة الكفار ومجادلتهم ومنه ينشعب علم الكلام، وثالثها: علم الحلال والحرام ومنه ينشعب علم الفقه، والطبقة الأعلى من علوم اللباب هو العلم بالله واليوم الآخر ودونه العلم بالصراط المستقيم وطريق السلوك.

وذكر في هذا الفصل أنَّ أرفع العلوم قدرًا هو العلم بالله وطريق السلوك، ثم درجة الفقيه والمتكلّم متقاربة لكنَّ الحاجة إلى الفقيه أعمّ وإلى المتكلم أشدّ، ويليها علم قصص القرآن.

الفصل الخامس: ذَكَرَ فيه أنَّ العلوم كلّها منشعبة من القرآن الكريم، وأراد بذلك دليلها والإشارة إليها، وعلى القارئ أن يتفكَّر فيه ويلتمس غرائبه ليصادف هذه العلوم، من ذلك قوله في الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: 6- 8]: «لا يعرف كمال معنى قوله تعالى... إلا مَن عرَفَ تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرًا وباطنًا، وعددها وأنواعها وحكمتها ومنافعها، وقد أشار في القرآن في مواضع إليها، وهي من علوم الأوّلين والآخرين»[20].

الفصل السادس: بَيّن فيه معنى اشتمال القرآن على الكبريت الأحمر والترياق الأكبر والمسك الأذفر وسائر النفائس والدُّرر، وأنّ ذلك لا يعرفه إلا مَن يعرف كيفية الموازنة بين عالم الشهادة وعالم الملكوت.

الفصل السابع: بيّن فيه أنَّ القرآن إنّما عبَّر عن معاني عالم الملكوت بأمثلة مأخوذة من عالم الشهادة؛ لأنَّ الإنسان لا يحتمل أن يفهم هذه المعاني إلا وهي مصبوبة في قالب الأمثلة الخيالية، فالمثال قد يأتي في القرآن الكريم وليس المراد منه صورة المثال وإنّما حقيقته وروحه، وهذا الفهم يفتح آفاقًا للتدبُّر في كتاب الله عزَّ وجل.

الفصل الثامن: ذكَرَ فيه الطريق الذي يُدْرَكُ به وجه العلاقة بين عالم الملكوت وعالم الشهادة وهو المجاهدة والتقوى والاستعانة بأهل البصيرة.

الفصل التاسع: ذَكَرَ فيه وجه استعمال المصطلحات التي أوردها في كتابه على العلوم المستفادة من القرآن الكريم.

الفصل العاشر: بَيّن فيه أنَّ الفائدة من استعمال هذه الرموز تعريف المعاني الروحية الملكوتية بالألفاظ المألوفة الرسمية.

الفصل الحادي عشر: بيّن فيه أنَّ القرآن يفضُل بعضه بعضًا بنصِّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وما ينبغي أن يُنكَر.

الفصل الثاني عشر: ذَكَرَ فيه أسرار سورة الفاتحة، وأنها قد اشتملت على ثمانية أصناف من جملة الأصناف العشرة من نفائس القرآن، وهذا مع ما تضمّنته من معاني أهّلتها لتفضل على غيرها من سور القرآن.

الفصل الثالث عشر: ذكر فيه أنّ الأبواب الثمانية للجنّة مفتوحة بالفاتحة.

الفصل الرابع عشر: ذَكَرَ فيه سبب تسويد آية الكرسي على غيرها من آي القرآن.

الفصل الخامس عشر: ذَكَر فيه وجه كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن.

وهذه الفصول الأربعة الأخيرة بمثابة أمثلة على التدبُّر الأمثل في كتاب الله عزَّ وجل.

الفصل السادس عشر: تَسَاءَلَ فيه عن وجه كون سورة يس قلب القرآن، وترك إجابة ذلك للقارئ لأجل أن يُنشئ في داخله حبّ المعرفة والتدبُّر الذَّاتِي، ثم يقيس هذا على أشباهه.

الفصل السابع عشر: ذَكَرَ فيه وجه كون الفاتحة أفضل القرآن وآية الكرسي سيدة آي القرآن وأنَّ ذلك لِمَ صار أَوْلَى من عكسه.

الفصل الثامن عشر: أشار فيه إلى حال العارفين، وأنّهم في الدنيا في جنّةٍ عرضها أكبر من السماوات والأرض؛ لأجل أن يغرس حب التدبُّر والمعرفة في نفس القارئ.

الفصل التاسع عشر: قَسّمَ فيه لُبَاب القرآن إلى نمط الجواهر ونمط الدُّرر: والمقصود من نمط الجواهر الآيات التي تتكلم عن معرفة الله تعالى، والمقصود من الدُّرَر الآيات التي تتكلم عن الاستقامة على سواء الطريق بالعمل؛ فالأول علمي والثاني عملي.

القسم الثاني: المقاصد: أحصى فيه الآيات في كلٍّ من نمط الجواهر والدُّرر، والجواهر سبعمائة وثلاث وستون آية، والدُّرَر سبعمائة وإحدى وأربعون آية. وهذه الآيات يصلُح كلُّ نمطٍ منها أن يكون محَلًّا للبحث في التفسير الموضوعي.

فالإمام الغزاليُّ -رحمه الله- شديد الحرص في كتابه على إيقاظ القارئ من غفلته وإرشاده إلى طريق سعادته في كتاب الله تعالى، فبدأ بذِكْر أمور يجب الانتباه لها عند التدبُّر، ثمَّ أمثلة على هذا التدبُّر ببيان أسرار بعض الآيات والسور، ثمَّ حاول تمرين القارئ على التدبُّر، ثمَّ بيّن له نمط الآيات التي تختصّ بمعرفة الله تعالى، ونمط الآيات التي تختص بسلوك الطريق إلى الله تعالى، ثم تكلّم بتوسّع عن معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وعن الأعمال الظاهرية والباطنية التي تُعين القارئ في سلوك الطريق إلى الله تعالى في كتاب (الأربعين في أصول الدين)، وما زال يُنَبِّهه في كلّ فصل يستدعي التنبيه ويحثُّه ويستنهض عزيمته وهمَّته إلى خاتمة كتابه.

ثانيًا: كتاب (جواهر القرآن)؛ نقد وتقويم:

أبرز مزايا الكتاب:

في الكتاب عدد من المزايا، بيانها كالآتي:

1- الكتاب عبارة عن تنبيهات وإشارات، وهذا أسلوبٌ فريد في الكتابة، وذو أثر في نفس القارئ.

2- تمَّ عرض أفكار الكتاب بأسلوب بيانيّ بديع، مع كثرة المجازات والاستعارات والتشبيهات؛ من ذلك: استعارته مصطلح الكبريت الأحمر للتعبير عن معنى معرفة الله تعالى، والدُّر الأزهر للتعبير عن معنى معرفة طريق السلوك إلى الله تعالى، والزمرّد الأخضر للتعبير عن معنى معرفة الحال عند ميعاد الوصال، وغير ذلك.

3- تضمّنَ الكتاب تفسيرًا لبعض الآيات والسور على نحو بديعٍ ورشيقٍ، والذي يظهر أن هذا التفسير للإمام الغزاليّ؛ لا سيما أنَّ كتب التراجم ذكرت أنَّ له كتابًا في التفسير[21].

4- الغزاليّ -رحمه الله- صاحب نَفَس إبداعيّ، ويظهر هذا في تقسيماته للكتاب، وفي أسلوبه، وفي المصطلحات التي استعملها، وفي الأفكار التي أتى بها، أمَّا التقسيمات والأسلوب والمصطلحات فقد مرَّ ذِكْرها، وأمّا الأفكار فمن ذلك قوله: «ظهر لنا بالبصيرة الواضحة التي لا يُتَمَارى فيها أنَّ في الإمكان والقوّة أصنافًا من العلوم بعد لم تخرج من الوجود وإن كان في قوّة الآدمي الوصول إليها، وعلومٌ كانت قد خرجت إلى الوجود واندَرَسَتْ الآن فلن يوجد في هذه الأعصار على بسيط الأرض من يعرفها، وعلومٌ أُخَر ليس في قوة البشر أصلًا إدراكها والإحاطة بها»[22].

وقوله: «ما مِن شيء في عَالَمِ المُلْكِ والشَّهادة إلا وهو مثال لأمرٍ روحاني من عالَمِ المَلكوت كأنّه هو في رُوحه ومعناه، وليس هُوَ هُوَ في صورته وقالبه»[23].

5- ذكر قواعد في تفسير القرآن الكريم؛ من ذلك:

قوله عند تفسير قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 3]: «ولا تظنّ أنّه مكرّر، فلا تكرُّر في القرآن؛ إِذْ حدُّ المكرَّر ما لا ينطوي على مزيد فائدة»[24]، ثم ذكر طريق معرفة فائدة التكرار وهو السياق، فقال: «فإن رأيت شيئًا مكرَّرًا من حيث الظاهر فانظر في سوابقه ولواحقه لينكشف لك مزيد الفائدة في إعادته»[25].

6- أورد في كتابه حقائق علمية لا يُصَارُ إليها بالعين المجرّدة، وذلك إن دلَّ فهو يدلُّ على تطوّر العلوم في زمنهم ووصولها إلى شأوٍ لا يُستهانُ به، عَلِمَ مَن عَلِمَ وجَهِلَ مَن جَهِلَ، ومن ذلك قوله: «وانظر إلى الذباب كيف خَلَقَ أعضاءَه وخلقَ حدقتيه مكشوفتين بلا أجفان إِذْ لا يحتمل رأسه الصغير الأجفان، والأجفان يُحتاجُ إليها لتصقيل الحدقة مما يلحقها من الأقذاء والغبار، وانظر كيف خلق له بدلًا عن الأجفان يدين زائدتين، فله سوى الأرجل الأربع يدان زائدتان تراه إذا وقع على الأرض لا يزال يمسح حدقتيه بيديه يصقلهما عن الغبار»[26].

7- محاولة تكوين ملَكة التدبُّر لدى القارئ باتّباع أسلوب تربوي، وذلك بترك الإجابة على بعض الأسئلة لفهمه بعد الإجابة على نظائرها، فبعد أنْ ذكَرَ فضل سورة الفاتحة وآية الكرسي، قال : «لعلّك تشتهي الآن أنْ تعرف معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يَس قَلْبُ القُرْآنِ)[27]، وأنا أرى أنْ أَكِلَ هذا إلى فهمك لتستنبطه بنفسك على قياس ما نبّهتُ عليه في أمثاله، فعساك تقف على وجهه»[28]. ثم قال: «وأرجو أنّك إذا تنبّهتَ لسرٍّ واحد من نفسك توفّرت داعيتك وانبعث نشاطك لإدمان الفكر طمعًا في الاستبصار والوقوف على الأسرار»[29]. ومن الجدير اتّباع مثل ذلك في دور التعليم، فلا يُعطَى الطالبُ كلَّ المعارف تلقينًا، بل يُترك له محاولة معرفة بعضها والتفكُّر في طرائقها ونتائجها حتى يتكون لديه مَلَكَة البحث والنظر.

8- ذكر قواعد في التربية أو في ما يُسَمَّى اليوم علم البرمجة اللغوية العصبية، من ذلك قوله: «فالنشاط والتَّنبيه من نفسك أعظم من الفرح بالتنبيه من غيرك، والتَّنَبُّه يزيد في النشاط أكثر من التنبيه»[30].

الملحوظات على الكتاب:

كتاب (جواهر القرآن) كتاب مهم جدًّا، وينبغي العناية به وبطرحه، ولم أجد فيه ما يؤخذ عليه إلا ما تضمّنَه من أحاديث موضوعة، من ذلك الحديث الذي ورد في الصفحة الثالثة عشرة: (إنَّ اللهَ تعالى يتجلّى للناس عامّة ولأبي بكر خاصّة)[31].

الخاتمة:

حاولَت هذه المقالة تسليط الضوء على كتاب (جواهر القرآن) للإمام الغزاليّ -رحمه الله- واستعرضَت أهدافه ومحتوياته، وأبرزت أهمّ مزاياه، وبيّنت منهج مؤلّفه، كما كشفَت عن بعض الأخطاء في طباعته وتحقيقه، وحقَّقَت الرَّاجح في عنوانه، واللهَ أسأل أن يجعل فيها النَّفع والقبول والموافقة للصواب، وصلّى اللهُ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

 

[1] الإمام أبو حامد محمَّد بن أحمد الغَزَالِيُّ غنيّ عن التعريف فهو من المجدِّدينَ في الإسلام، وسُمِّيَ الغَزَاليّ نسبةً إلى غزالة، تُوفي سنة (505هـ)، اشتُهِرَ كشخصيةٍ فقهيةٍ وأصوليَّةٍ وعقديةٍ، لكن من يُطالع هذا الكتاب يجد ذوقًا رفيعًا وفكرًا راسخًا في فهم كتاب الله عزَّ وجلَّ، وبالنَّظر في حياة الإمام الغزاليّ نستطيع إدراك سِرّ هذا الذوق والفهم، فحياته قد شهدت ثلاث مراحل؛ الأولى: عالم مع السلطة مع الإمام المستظهر في بغداد، وله كَتَبَ (فضائح الباطنية). الثانية: عندما أصبح مدرِّسًا في المدرسة النظامية بطلب من نظام الملك. الثالثة: في تَرْكِ ذلك كلِّهِ في رحلته المعروفة إلى الشام وانقطاعه عن الناس، وفي هذه المرحلة المتأخِّرة من حياته كتب كتاب (الإحياء)، وبعد ذلك كتب هذا الكتاب الذي بأيدينا، ويدلُّ على ذلك أنّه أحال فيه إلى كتاب (الإحياء)، كما أنّه أشار فيه إلى أكثر كتبه، وإلى ندمه على كثرة اشتغاله بالفقه وإضاعة عمره في ذلك. ينظر: وفيات الأعيان، ابن خلّكان، تحقيق: إحسان عباس، بيروت: دار صادر، ط1: 1971، (4/ 216)، وسير أعلام النبلاء، الذهبي، (19/ 349).

[2] كتاب (جواهر القرآن) لمحمد الغزالي له طبعات متعدِّدة وتحقيقات كثيرة، وقد اعتمدت في الإحالة على الطبعة التي أصدرتها المكتبة التجارية الكبرى في مصر سنة 1352هـ= 1933م، وجاء في 167 صفحة.

[3] ينظر: جواهر القرآن، (مصر: المكتبة التجارية الكبرى، ط2: 1352هـ= 1933م)، وجواهر القرآن، (مصر: مكتبة الجنيدي، ط: 1384هـ= 1964م)، وجواهر القرآن، تحقيق: محمد رشيد القبَّاني، (لبنان، دار إحياء العلوم، ط2: 1406هـ= 1986م)؛ وجواهر القرآن، (بيروت: دار آزال، ط2: 1407هـ= 1987م)، وجواهر القرآن ودرره، (بيروت: دار الجيل، ط6: 1408هـ= 1988م)، وجواهر القرآن، شرح ومراجعة: الشيخ خليل إبراهيم، (بيروت: دار الفكر اللبناني، ط1: 1992م)، وجواهر القرآن، بعناية سالم شمس الدين، (بيروت: المكتبة العصرية، ط1: 1426هـ= 2005م)، وجواهر القرآن ودرره، تحقيق: محمد نجدات المحمد، (دمشق: دار الهادي، ط1: 1427هـ= 2006م)، وجواهر القرآن ودرره، تحقيق: محمود بيجو، (دمشق: دار التقوى- دمشق، ط1: 1428هـ= 2007م).

[4] ذكر محمد رشيد القَبَّاني أنّه اعتمد على هذه النُّسخة في التحقيق، ولعلَّ مَن حقّق بعده تابعه على ذلك. ينظر: جواهر القرآن، الغزالي، تحقيق: محمد رشيد القبَّاني، (لبنان: دار إحياء العلوم، ط2: 1406هـ= 1986م)، ص6.

[5] جواهر القرآن، الغزالي، ص3.

[6] النُّسخة المخطوطة [1/ أ].

[7] النُّسخة المخطوطة [4/ أ].

[8] النُّسخة المخطوطة [4/ أ].

[9] النسخة المخطوطة التي كُتِبَت سنة 1321هـ وهي من كُتُب محمد بن حسن الأنصكلي، وهو هبة من أخيه المرحوم الكاتب حاجي دير العكلجي، وعليها تملُّك لعمر بن محمد العكلجي، سنة 1339هـ: [42/ أ] وحيث وردت الإحالة إلى النسخة المخطوطة فالمقصود هذه النسخة.

[10] جواهر القرآن، الغزالي، ص6.

[11] النسخة المخطوطة [172/ أ].

[12] النسخة المخطوطة [172/ أ].

[13] النسخة المخطوطة [42/ أ].

[14] النسخة المخطوطة [172/ أ].

[15] ينظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط3: 1405هـ= 1985م، (19/ 343)، والأعلام، الزركلي، دار العلم، ط15، 2002م، (7/ 22).

[16] والمقصود النُّسخة المطبوعة التي ذُكِرَ الاعتماد عليها سابقًا والتي أغفلت كتاب (الأربعين في أصول الدين) وتابعها من بعدها على ذلك، أمّا الاعتماد على النُّسخ المخطوطة التي تضمّنَت الكتاب كاملًا من الصعوبة بمكان، ولعلَّ الله أن ييسر ذلك بعد أن يُعاد تحقيق الكتاب مكتمِلًا.

[17] جواهر القرآن، الغزالي، ص167.

[18] جواهر القرآن، الغزالي، ص9.

[19] عناوين الفصول والمباحث لم ترِد في النُّسَخ المخطوطة، فلم يرد فيها إلا عناوين الأقسام مع التبويب بكلمة (فصل) فقط قبل البدء بكل فصل.

[20] جواهر القرآن، الغزالي، ص27.

[21] واسمه (ياقوت التأويل في تفسير التنزيل). ينظر: طبقات المفسرين، الأدنهوي، ص152. وذكر حاجي خليفة أنّه يقع في أربعين مجلدًا. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الفنون، (بغداد: مكتبة المثنى، ط: 1941)، (2/ 2084).

[22]جواهر القرآن، الغزالي، ص26.

[23] جواهر القرآن، الغزالي، ص28.

[24] جواهر القرآن، الغزالي، ص42.

[25] جواهر القرآن، الغزالي، ص42.

[26] جواهر القرآن، الغزالي، ص40.

[27] وردَ ضمن حديث أخرجه النسائي عن معقل بن يسار، وهو: (وَيَس قلب الْقُرْآن لَا يَقْرَؤُهَا رجلٌ يُرِيد الله وَالدَّار الْآخِرَة إلا غُفِرَ لَهُ). عمل اليوم والليلة، تحقيق: فاروق حمادة، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2: 1406هـ)، باب ما يَقرَأ على الميت، رقم (1075).

[28]جواهر القرآن، الغزالي، ص48.

[29] جواهر القرآن، الغزالي، ص48.

[30] جواهر القرآن، الغزالي، ص48.

[31] هذا الحديث موضوع، يراجع: كشف الخفاء، العجلوني، (القاهرة: مكتبة القدسي، ط: 1351هـ)، (1/ 345)، والموضوعات، ابن الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن عثمان، (المدينة المنورة، المكتبة السلفية، ط1، 1386هـ= 1966م) كتاب المناقب والمثالب، باب في فضل أبي بكر الصديق، (1/ 305).

الكاتب

الدكتور نور محمد بشير الحبشي

حاصلة على دكتوراه التفسير وعلوم القرآن - جامعة دمشق.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))