التفسير بالرأي
مفهومه، حكمه، أنواعه
التفسير بالرأي
مفهومه، حكمه، أنواعه[1]
مفهوم الرأي:
الرأي: مصدر رأى رأيًا. مهموز، ويُجمع على آراءٍ وأرءاءٍ.
والرأي: التفكُّرُ في مبادئ الأمور، ونظر عواقبها، وعلم ما تؤول إليه من الخطأ والصواب[2].
والتفسير بالرأي: أن يُعْمِلَ المفسّر عقله في فَهْمِ القرآن، والاستنباط منه، مستخدمًا آلات الاجتهاد.
ويَرِدُ للرأي مصطلحاتٌ مرادفةٌ في التفسير، وهي: التفسير العقلي، والتفسير الاجتهادي. ومصدرُ الرأيِ: العقلُ؛ ولذا جُعِلَ التفسيرُ العقليُّ مرادفًا للتفسير بالرأي.
والقول بالرأي: اجتهادٌ من القائل به؛ ولذا جُعِلَ التفسيرُ بالاجتهادِ مرادفًا للتفسير بالرأي.
ونتيجة الرأي: استنباطُ حُكمٍ أو فائدةٍ؛ ولذا فإنّ استنباطات المفسِّرين من قَبِيلِ القول بالرأي.
أَنْوَاعُ الرّأي، وموقف السّلف منها:
يحمِل مصطلح (الرأي) حساسية خاصّة، تجعل بعضهم يقف منه موقف المتردِّد؛ ذلك أنه وردَ عن السلف آثارٌ في ذمِّه.
بَيْدَ أنّ المستقرئ ما وردَ عنهم في هذا الباب (أي: الرأي) يجد إعمالًا منهم للرأي، فما موقف السلف في ذلك؟
لنعرض بعض أقوالهم في ذلك، ثمّ نتبيّن موقفهم منه.
أقوالٌ في ذمِّ الرأي:
1- وردَ عن فاروق الأمة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قوله: «اتقوا الرأي في دينكم»[3].
وقال: «إياكم وأصحابَ الرأي؛ فإنهم أعداء السُّنَن. أَعيَتْهُم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا برأيهم، فضلُّوا وأضلُّوا»[4].
2- وورد عن الحسن البصري (ت: 110هـ) قوله: «اتَّهِموا أهواءكم ورأيَكم على دين الله، وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم ودينكم»[5].
أقوالٌ في إعمالِ الرأي:
وردَ عن عمر بن الخطاب والحسن البصري -اللذَين نقلتُ قولًا لهما بذمِّ الرأي- ما يدلّ على إجازتهما إعمال الرأي، وهذه الأقوال:
1- أمّا ما ورد عن عمر فقوله لشريح -لـمّا بعثه على قضاء الكوفة-: «انظر ما تبيّن لك في كتاب الله؛ فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبيّن لك في كتاب الله، فاتبع فيه سُنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما لم يتبيّن لك فيه سُنّة، فاجتهد رأيك»[6].
2- أمّا ما ورد عن الحسن، فإنّ أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله: أريت ما يفتى به الناس، أشيءٌ سمعته أم برأيك؟
فقال الحسن: «ما كلّ ما يُفْتَى به الناس سمعناه، ولكنَّ رَأْيَنا لهم خيرٌ من رَأيهم لأنفسهم»[7].
هذان عَلَمان من أعلام السلف وردَ عنهما قولان مختلفان في الظاهر، غير أنك إذا تدبّرت قولهم، تبيّن لك أنّ الرأي عندهم نوعان:
- رأيٌ مذمومٌ، وهو الذي وقع عليه نهيُهم.
- ورأيٌ محمودٌ، وهو الذي عليه عملُهم.
وإذا لم تَقُلْ بهذا أوقعتَ التناقض في أقوالهم، كما قال ابن عبد البَرِّ (ت: 463هـ) لـمّا ذكر من حُفِظ عنه أنه قال وأفتى مجتهدًا: «ومن أهل البصرة: الحسن وابن سيرين، وقد جاء -عنهما وعن الشعبي- ذمّ القياس، ومعناه عندنا قياسٌ على غيرِ أصلٍ؛ لئلا يتناقض ما جاء عنهم»[8]، والقياس: نوع من الرأي؛ كما سيأتي.
العلوم التي يدخلها الرأي:
يدخل الرأي في كثيرٍ من العلوم الدينية، غير أنه يبرز في ثلاثة علوم، وهي: علم التوحيد، وعلم الفقه، وعلم التفسير.
أما علم التوحيد، فيدخله الرأي المذموم، ويسمَّى الرأي فيه: (هوىً وبدعة)؛ ولذا تجد في كثيرٍ من كتب السلف مصطلح: (أهل الأهواء والبدع)، وهم الذين قالوا برأيِهم في ذات الله سبحانه.
وأما علم الفقه، فيدخله الرأيان: المحمود والمذموم، ويسمَّى الرأي فيه: (قياسًا)، كما يسمى رأيًا؛ ولذا تجد بعض عباراتٍ للسلف تنهَى عن القياس أو الرأي في فروع الأحكام، والمراد به القياس والرأي المذموم.
وأما علم التفسير، فيدخله الرأيان: المحمود والمذموم، ويسمى فيه: (رأيًا)، ولم يَرِد له مرادفٌ عند السلف، وإنما ورد مؤخرًا مصطلح: (التفسير العقلي).
وبهذا يظهر أن ما وردَ مِن نهي السلف عن الرأي فإنه يلحق أهل الأهواء والبدع، وأهل القياس الفاسد، والرأي المذموم؛ إِذْ ليس كلُّ قياسٍ أو رأيٍ فاسدًا أو مذمومًا.
حُكْمُ القَوْلِ بالرّأي:
سيكون الحديث في حكم الرأي المتعلّق بالعلوم الشرعية عمومًا -وإن كان يغلب عليه الرأي والقياس في الأحكام- وقد سبق أن الرأي نوعان: رأي مذموم، ورأي محمود.
أولًا: الرّأيُ المَذْمُومُ:
وردَ النهي عن هذا النوع في كتاب الله -تعالى- وسُنة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، كما ورد نهي السلف عنه.
حَدُّ الرأي المذموم:
أن يكون قولًا بغير علمٍ، وهو نوعان: علم فاسد ينشأ عن الهوى، أو علم غير تامّ وينشأ عن الجهل.
وهذا الحدّ مستنبَط من كتاب الله وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أمّا من كتاب الله فما يلي:
1- قوله تعالى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 33].
2- وقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 168، 169].
3- وقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: 36].
في هذه الآيات نهيٌ وتشنيع على القول على الله بغير علم؛ ففي الآية الأولى جعله من المحرّمات، وفي الآية الثانية جعله من اتّباع خطوات الشيطان، وفي الآية الثالثة جعله منهيًّا عنه. وفي هذا كلِّه دليلٌ على عدم جواز القول على الله بغير علم.
وأمّا في سُنّة الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
فإنّ مِن أصرحِ ما ورد فيها قوله: «إنَّ الله -عزّ وجلّ- لا يَقبِض العلمَ انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكنْ يَقبِض العلماءَ، فيُقبَض العـلمُ، حتى إذا لم يَترك عالـمـًا، اتخذ الناس رؤساء جُهّالًا، فـأفتَوا بغير عـلم، فضلُّوا وأضلُّوا». رواه البخاري في كتاب الاعتصام، وتَرجم له بقوله: (بابُ ما يُذكَر من ذمِّ الرأي وتكلُّف القياس)[9].
وأمّا ما ورد عن السلف، فمنها:
1- ما سبق ذكره عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والحسن البصري -رحمه الله- من نهيهما عن الرأي.
2- عن مسروق (ت: 63هـ) قال: «من يرغب برأيه عن أمر الله يَضِلّ»[10].
3- وقال الزهري (ت: 124هـ): «إياكم وأصحابَ الرأي، أَعيَتْهُم الأحاديث أن يَعُوها»[11].
وممن نُقِل عنه ذمّ الرأي أو القياس ابن مسعود (ت: 33هـ) من الصحابة، وابن سيرين (ت: 110هـ) من تابعي الكوفة، وعامر الشعبي (ت: 104هـ) من تابعي الكوفة، وغيرهم[12].
صور الرأي المذموم:
ذكر العلماء صورًا للرأي المذموم، ويطغى على هذه الصُّوَر الجانب الفقهي؛ لكثرة حاجة الناس له، حيث يتعلّق بحياتهم ومعاملاتهم. ومن هذه الصور ما يلي:
1- القياس على غير أصل[13].
2- قياس الفروع على الفروع[14].
3- الاشتغال بالمعضلات[15].
4- الحكم على ما لم يقع من النّوازل[16].
5- ترك النظر في السنن اقتصارًا على الرأي، والإكثار منه[17].
6- مَن عارض النصّ بالرأي، وتكلّف لردِّ النص بالتأويل[18].
7- ضُروب البدع العقدية المخالفة للسنن[19].
هذه بعض الصور التي ذكرها العلماء في الرأي المذموم، وسيأتي صور أخرى تخصّ التفسير.
ثانيًا: الرأي المحمود:
هذا النوع من الرأي هو الذي عَمِلَ به الصحابة والتابعون ومَن بعدهم مِن علماء الأمّة، وحدُّه أن يكون مستندًا إلى علمٍ[20]، وما كان كذلك فإنه خارج عن معنى الذمِّ الذي ذكره السلف في الرأي.
ومن أدلة جواز إعمال الرأي المحمود ما يلي:
1- مفهوم الآيات السابقة والحديث المذكور في أدلة النهي عن الرأي المذموم؛ لأنها كلّها تدلّ على أن القول بغير علم لا يجوز، ويفهم من ذلك أن القول بعلم يجوز.
2- فعل السلف وأقوالهم، ومنها:
أ- عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أكثرَ الناس على عبد الله (يعني: ابن مسعود) يسألونه، فقال: «أيها الناس، إنه قد أتى علينا زمانٌ لسنا نقضي ولسنا هناك، وإنه قد قُدِّر أن بلغنا من الأمر ما ترون، فمن ابتلي بقضاءٍ بعد اليوم فليقضِ بمـا في كتاب الله، فإن أتاه ما ليس في كتاب الله -ولم يَقُلْهُ نبيّه- فليقضِ بما قضى به الصالحون، فإن أتاه أمرٌ لم يقضِ به الصالحون -وليس في كتاب الله، ولم يقل فيه نبيّه- فليجتهد رأيه، ولا يقول: أخاف وأرى، فإنّ الحلال بَيِّنٌ، والحرام بَيِّنٌ، وبَيْنَ ذلك أمورٌ مشتبهات، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم»[21].
قال ابن عبد البر (ت: 463هـ) معلقًا على هذا القول: «هذا يوضح لك أن الاجتهاد لا يكون إلا على أصولٍ يضاف إليها التحليل والتحريم، وأنه لا يجتهد إلا عالمٌ بها، ومن أشكل عليه شيءٌ لزمه الوقوف، ولم يَجُز له أن يُحيلَ على الله قولًا في دينه لا نظير له من أصلٍ ولا هو في معنى أصلٍ. وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديمًا وحديثًا؛ فتدبّره»[22].
ب- وعن الشعبي (ت: 104هـ) قال: لـما بعث عمرُ شريحًا على قضاء الكوفة قال له: «انظر ما تبيّن لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبيّن لك في كتاب الله فاتّبع فيه سُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما لم يتبيَّن لك فيه السُّنة فاجتهد رأيك»[23].
ج- وعن مسروق (ت: 63هـ) قال: «سألتُ أُبَيّ بن كعب عن شيءٍ؛ فقال: أكان هذا؟ قلت: لا. قال: فأجمّنا (أي: اتركنا أو أرحنا) حتى يكون؛ فإذا كان اجتهدنا لك رأينا»[24].
الرّأيُ فِي التّفْسِير:
اعلم أن ما سبق كان مقدّمة للدخول في الموضوع الأساس، وهو التفسير بالرأي، وكان لا بدَّ لهذا البحث من هذا المدخل، وإن كان الموضوع متشابكًا يصعب تفكيك بعضه عن بعض؛ ولذا سأحرص على عدم تكرار ما سبق، وسأكتفي بالإحالة عليه، إن احتاج الأمر إلى ذلك.
وسأطرح في هذا ثلاثة موضوعات:
الأول: موقف السّلف من القول في التفسير.
الثاني: أنواع الرأي في التفسير.
الثالث: التفسير بين المأثور والرأي.
وسيتخلّل هذه الموضوعات مسائل عِدّة؛ كشروط القول بالرأي، وأدلة جواز الرأي في التفسير، وصور الرأي المذموم...إلخ، وإليك الآن تفصيل هذه الموضوعات:
أولًا: موقف السّلف من القول في التفسير:
التفسير: بيان لمراد الله -سبحانه- بكلامه. ولما كان كذلك، فإن المتصدِّي للتفسير عُرضة لأن يقول: معنى قول الله كذا. ثم قد يكون الأمر بخلاف ما قال؛ ولذا قال مسروق بن الأجدع (ت: 63هـ): «اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله -عزّ وجلّ-».
وقد اتخذ هذا العلم طابعًا خاصًّا من حيث توقِّي بعض السّلف وتحرّجهم من القول في التفسير، حتى كان بعضهم إذا سُئل عن الحلال والحرام أفتى، فإذا سئل عن آية من كتاب الله سكت كأنْ لم يسمع.
ومن هنا يمكن القول: إنّ السلف -من حيث التصدِّي للتفسير- فريقان: فريق تكلّم في التفسير واجتهد فيه رأيه، وفريق تورّع فقلّ أو نَدُرَ عنه القول في التفسير.
وممّن تكلّم في التفسير ونُقِلَ رأيه فيه عمر بن الخطاب (ت: 23هـ)، وعلي بن أبي طالب (ت: 40هـ)، وابن مسعود (ت: 33هـ)، وابن عباس (ت: 67هـ)، وغيرهم من الصحابة.
ومن التابعين وأتباعهم: مجاهد بن جبر (ت: 103هـ)، وسعيد بن جبير (ت: 95هـ)، وعكرمة مولى ابن عباس (ت: 107هـ)، والحسن البصري (ت: 110هـ)، وقتادة (ت: 117هـ)، وأبو العالية (ت: 93هـ)، وزيد بن أسلم (ت: 136هـ)، وإبراهيم النخعي (ت: 96هـ)، ومحمد بن كعب القرظي (ت: 117هـ)، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت: 182هـ)، وعبد الملك بن جريج (ت: 150هـ)، ومقاتل بن سليمان (ت: 150هـ)، ومقاتل بن حيان (ت: 150هـ)، وإسماعيل السدي (ت: 127هـ)، والضحاك بن مزاحم (ت: 105هـ)، ويحيى بن سلام (ت: 200هـ)، وغيرهم.
وأما من تورّع في التفسير فجمعٌ من التابعين [25]، من أهل المدينة والكوفة.
أما أهل المدينة، فقال عنهم عبيد الله بن عمر: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلظون القول في التفسير؛ منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع[26].
وقال يزيد بن أبي يزيد: «كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام -وكان أعلم الناس- فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأنْ لم يسمع»[27].
وقال هشام بن عروة بن الزبير: «ما سمعتُ أبي يتأوّل آية من كتاب الله قطّ»[28].
وأمّا أهل الكوفة فقد أسند إبراهيم النخعي إليهم قَوْلَه: «كان أصحابنا -يعني: علماء الكوفة- يتّقون التفسير ويهابونه»[29].
هذا، ولقد سلك مسلك الحذر وبالغ فيه إمام اللغة الأصمعي (ت: 215هـ)، حيث نُقل عنه أنه كان يتوقَّى تبيين معنى لفظة وردت في القرآن[30].
فما وردَ عن هؤلاء الكرام من التوقِّي في التفسير إنما كان تورُّعًا منهم، وخشية ألَّا يصيبوا في القول.
ثانيًا: أنواع الرأي في التفسير:
الرأي في التفسير نوعان: محمود، ومذموم.
النوع الأول: الرأي المحمود:
إنما يُحمَد الرأي إذا كان مستندًا إلى علم يقي صاحبه الوقوع في الخطأ.
ويمكن استنباط أدلةٍ تدلّ على جواز القول بالرأي المحمود، ومن هذه الأدلّة ما يلي:
1- الآيات الآمرة بالتدبّر:
وردت عدّة آيات تحثّ على التدبّر؛ كقوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: 24]، وقوله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[ص: 29]. وغيرها من الآيات.
وفي حثِّ الله على التدبّر ما يدلّ على أن علينا معرفة تأويل ما لم يُحْجَب عنا تأويله؛ لأنه محالٌ أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له: اعتَبِر بما لا فَهْمَ لك به[31].
والتدبّر: التفكّر والتأمّل الذي يبلغ به صاحبه معرفة المراد من المعاني، وإنما يكون ذلك في كلامٍ قليلِ اللـفظ كثيرِ المعاني التي أُودِعَتْ فيه، بحيث كلما ازداد المتدبِّر تدبّرًا انكشف له معانٍ لم تكن له بادئ النظر[32].
والتدبّر: عملية عقلية يجريها المتدبّر من أجلِ فهمِ معاني الخطاب القرآني ومراداته، ولا شكّ أن ما يظهر له من الفهم إنما هو اجتهاده الذي بلغه، ورأيه الذي وصل إليه.
2- إقرارُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- اجتهادَ الصحابة في التفسير:
لا يبعد أن يقال: إنّ تفسير القرآن بالرأي نشأ في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفي ذلك وقائع يمكن استنباط هذه المسألة منها، ومن هذه الوقائع ما يلي:
أ- قال عمرو بن العاص: «بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام ذات السّلاسِلِ، فاحتلمْتُ في ليلة باردةٍ شديدة البرد، فأشفقتُ إن اغتسلت أَنْ أَهْلَكَ، فتيمّمتُ، ثمّ صليتُ بأصحابي صلاة الصبح، فلما قَدِمتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرتُ ذلك له، فقال: يا عمرو، صليتَ بأصحابك وأنت جُنُبٌ؟ قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمتُ في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أَهْلَكَ، وذكرتُ قول الله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[النساء: 29]، فتيمَّمْتُ، ثم صليتُ، فضحك ولم يقل شيئًا»[33].
في هذا الأثر ترى أن عَمْرًا اجتهد رأيه في فهم هذه الآية، وطبّقها على نفسه، فصلّى بالقوم بعد التيمم، وهو جُنُب، ولم ينكر عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الاجتهاد والرأي.
ب- وفي حديث ابن مسعود، لما نزلت آية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ}[الأنعام: 82]، قلنا: يا رسول الله، وأيُّنا لم يظلم نفسه؟! فقال: «إنه ليس الذي تَعنُون، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: 13]»[34]. ترى أن الصحابة فهموا الآية على العموم، وما كان ذلك إلا رأيًا واجتهادًا منهم في الفهم، فلما استشكلوا ذلك سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأرشدهم إلى المعنى المراد، ولم ينهَهُم عن تفهُّم القرآن والقول فيه بما فهموه. كما يدلّ على أنهم إذا لم يستشكلوا شيئًا لم يحتاجوا إلى سؤال الرسول -صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.
3- دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-:
دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس بقوله: «اللهم فقِّهه في الدِّين، وعلِّمه التأويل»، وفي إحدى روايات البخاري: «اللهم علِّمه الكتاب»[35].
والتأويل: التفسير، ولو كان المراد المسموع من التفسير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمَا كان لابن عباس مَزِيّةٌ بهذا الدعاء؛ لأنه يشاركه فيه غيره[36]، وهذا يدلّ على أن التأويل المراد: الفهم في القرآن[37]، وهذا الفهم إنما هو رأيٌ لصاحبه.
4- عمل الصحابة -رضي الله عنهم-:
مما يدلّ على أن الصحابة قالوا بالرأي وعملوا به ما وردَ عنهم من اختلافٍ في تفسير القرآن؛ إِذْ لو كان التفسير مسموعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لَما وقع بينهم هذا الاختلاف.
ومما وردَ عنهم نصًّا في ذلك قولُ صدِّيق الأمة أبي بكر -رضي الله عنه- لما سئل عن الكلالة، قال: «أقول فيها برأيي؛ فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمِنِّي ومن الشيطان»[38].
وكذا ما ورد عن علي -رضي الله عنه- لما سئل: هل عندكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ سوى القرآن؟ قال: «لا، والذي فَلَق الحَبَّة، وبرأ النسمة، إلا أن يُعطِي اللهُ عبدًا فهمًا في كتابه»[39].
والفهم إما هو رأي يتولّد للمرء عند تفهُّم القرآن؛ ولذا يختلف في معنى الآية فهمُ فلان عن غيره.
شروط الرأي المحمود في التفسير:
متى يكون الرأي محمودًا؟
سبق في بيان حدِّ الرأي المحمود أنه ما كان قولًا مستنِدًا إلى علمٍ؛ فإن كان كذلك فهو رأيٌ جائز، وما خرج عن ذلك فهو مذموم.
ولكن.. هل لهذا العلم حدٌّ يُعْرَفُ به، بحيث يمكن تمييزه والتعويل عليه في الحكم على أيِّ رأيٍ في التفسير؟
لقد اجتهد بعض المتأخِّرين في بيان جملة العلوم التي يحتاجها من يفسّر برأيه حتى يخرج عن كونه رأيًا مذمومًا.
فالراغب الأصفهاني (ت: القرن الخامس) جعلها عشرة علوم، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والنحو، والقراءات، والسِّيَر، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الأحكام، وعلم الكلام، وعلم الموهبة[40].
وجعلها شمس الدين الأصفهاني (ت: 749هـ) خمسة عشر علمًا، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والقراءات، وأسباب النزول، والآثار والأخبار، والسنن، وأصول الفقه، والفقه والأخلاق، والنظر والكلام، والموهبة[41].
وقد ذكر الأصفهانيان أن من تكاملت فيه هذه العلوم خرج عن كونه مفسرًا للقرآن برأيه (أي: المذموم).
وقد نبّه الراغب على أن «مَن نَقص عن بعض ما ليس بواجبٍ معرفته في تفسير القرآن، وأحسّ من نفسه في ذلك بنقصه، واستعان بأربابه، واقتبس منهم، واستضاء بأقوالهم، لم يكن -إن شاء الله- من المفسّرين برأيهم»[42]. (أي: المذموم).
وفيما يظهر -والله أعلم- أنّ في ذكر هذه العلوم تكثُّرًا لا دليل عليه، مع ما على بعضها من ملاحظة؛ كعلم الكلام.
إنّ تكامل هذه العلوم أشبه بأن يكون شرطًا في المجتهد المطلق لا في المفسّر؛ إذ متى يبلغ مفسّر تكامل هذه العلوم فيه؟!
ولو طُبّق هذا الرأي في العلوم المذكورة لخرج كثيرٌ من المفسّرين من زمرة العالمين بالتفسير؛ ولذا تحرّز الراغبُ بذكر حال مَن نقص علمه ببعض هذه العلوم، وبهذا يكون ما ذكره بيانًا لكمال الأدوات التي يحسن بالمفسّر أن يتقنها، وإن لم يحصل له ذلك فإنه يعمد إلى النقل فيما لا يتفق له.
ويظهر أن أغلب المفسِّرين على هذا السبيل؛ ولذا ترى الواحد منهم يُبْرِز في تفسيره العلم الذي له به عناية، فإن كان فقيهًا -كالقرطبي- برز عنده تفسير آيات الأحكام، وإن كان نحويًّا -كأبي حيان- برز عنده علم النحو في تفسيره للقرآن، وإن كان بلاغيًّا أديبًا -كالزمخشري- برز عنده علم البلاغة في تفسيره للقرآن،... وهكذا.
هذا.. ويمكن القول بأن النظر في هذا الموضوع يلزم منه معرفة ما يمكن إعمال الرأي فيه مما لا يمكن، ثم تحديد مفهوم التفسير لمعرفة العلوم التي يحتاجها المفسر برأيه.
أما التفسير فنوعان: ما جهته النقل، وما جهته الاستدلال.
والأول لا مجال للرأي فيه، والثاني: هو مجال الرأي.
ومن التفسير الذي جهته النقل: أسباب النزول، وقصص الآي، والمغيبات، ويدخل فيه كلّ ما لا يتطرّق إليه الاحتمال؛ كأن يكون للفظ معنى واحدٌ في لغة العرب.
وأما التفسير من جهة الاستدلال: فكلّ ما تطرّق إليه الاحتمال؛ لأن توجيه الخطاب إلى أحد المحتملات دون غيره إنما هو برأيٍ من المفسّر، وبهذا برز الاختلاف في التفسير.
وأما مفهوم التفسير؛ فهو بيان المراد من كلام الله -سبحانه-، وما يمكن أن يحصل به البيان فهو تفسيرٌ.
وبهذا يظهر أنّ كثيرًا من العلوم التي ذكرها الأصفهانيان لا يلزمان في التفسير إلا بقدر ما يحصل به البيان، وما عدا ذلك فهو توسّع في التفسير، بل قد يكون في بعض الأحيان به خروجٌ عن معنى التفسير، كما حصل للرازي (ت: 604هـ) في تفسيره، ولابن عرفة (ت: 803هـ) في إملاءاته في التفسير.
ثم اعلم أنّ هذه التوسّعات إنما حصلت بعد جيل الصحابة والتابعين -في الغالب- وإنما كان ذلك بظهور أقسام العلوم -من نحوٍ وَفِقْه وتوحيد وغيرها- وتَشَكُّلها؛ مما كان له أكبر الأثر في توسيع دائرة التفسير، حتى صار كلّ عالمٍ بفنٍّ -إذا شارك في كتابة علم التفسير- يصبغ تفسيره بفنِّه الذي برّز فيه.
ويمكن تقسيم العلوم التي يحتاجها مَنْ فَسَّر برأيه إلى نظرين:
الأول: نظرٌ في علوم الآية:
ويكون ذلك بالنظر إلى ما في الآية من علوم؛ كالناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والخاصّ والعام، ومفردات اللغة وأساليبها، وهكذا.
وإنما يقال ذلك؛ لأنه ليس يلزم في كلّ آية بحث هذه العلوم؛ إذ قد توجد في آية، وتتخلّف عن آيات.
وإذا أمعنتَ النظر وجدتَ أنّ علم اللغة هو من أهم العلوم التي يجب على المفسّر معرفتها؛ ذلك أنه لا تخلو آية من مبحثٍ لغوي.
ومن الآثار التي وردت عن السلف في بيان أهمية اللغة، ما يلي:
1- عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذِكْرُه»[43].
2- وروي عن مجاهد (ت: 104هـ) أنه قال: «لا يحلّ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالـمًا بلغات العرب»[44].
3- وعن يحيى بن سليمان قال: سمعت مالك بن أنس (ت: 179هـ) يقول: «لا أوتى برجلٍ يفسّر كتاب الله غير عالم بلغات العرب إلا جعلته نكالًا»[45].
ولو قرأتَ في تفسير السلف لوجدتَ أثر اللغة في التفسير عندهم، ومن أوضح ذلك استشهادهم بأشعار العرب.
ومن أمثلة أهمية معرفة اللغة لمن فسر برأيه ما يلي:
أ- في تفسير قوله تعالى: {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ}[التوبة: 47]، قال الأزهري (ت: 370هـ): «قول الليث: الوضع: سيرٌ دونٌ. ليس بصحيح. والوضع: هو العَدْوُ. واعتبر الليث اللفظ ولم يعرف كلام العرب فيه»[46].
ب- قال الأزهري (ت:370هـ): «... عن أبي حاتم (ت: 255هـ) في قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}[الأنبياء: 87]، أي: لن نُضيِّق عليه. قال -أي: أبو حاتم-: ولم يَدْرِ الأخفش ما معنى {نَقْدِرَ}، وذهب إلى موضع (القُدرة)، إلى معنى: فظنَّ أن يفوتنا، ولم يعلم كلام العرب، حتى قال: إنّ بعض المفسِّرين قال: أراد الاستفهام: أفظنّ أن لن نقدر عليه؟ ولو علم أن معنى نقدر: نضيِّق، لم يَخْبِط هذا الخبط، ولم يكن عالـمًا بكلام العرب، وكان عالـمًا بقياس النحو»[47].
- ومن العلوم التي يلزم معرفتها الناسخ والمنسوخ وما شابهه من المباحث؛ كالمطلق والمقيد، والخاص والعام، ومعرفتها لازمة للمفسّر بلا شكّ، ومن الآثار التي يمكن الاعتماد عليها في ذلك ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي قال: «انتهى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى رجل يقصُّ[48]، فقال: أَعَلِمْتَ الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هَلكْتَ وأَهلكْتَ»[49].
وقد استدلّ مَنْ كتب في علم الناسخ والمنسوخ في القرآن بهذا الأثر لبيان أهمية هذا العلم. وإذا كان علي -رضي الله عنه- قد اعترض على القاصِّ؛ فالمفسِّر من باب أَوْلى ينبغي أن يُنبَّه إلى ذلك؛ لما في جهل هذا العلم من أثر في عدم فهم التفسير.
- ومن العلوم سبب النزول وقصص الآي؛ ذلك أن معرفة سبب النزول وقصص الآي يفيد في معرفة تفسير الآية.
ومن الأمثلة التي تدل على أهمية معرفة هذا الجانب، وأن عدم معرفته يوقع في الخطأ، ما وقع لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت: 210هـ) في تفسير قوله تعالى: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}[الأنفال: 11]، حيث قال: «مجازه: يفرغ عليهم الصبر، وينزِّلُه عليهم، فيثبتون لعدُوِّهم»[50].
وقصد الآية يدلّ على خطأ أبي عبيدة في تفسيره هذا، فلما غفل عن القصة نحى في تفسيره هذا المنحى اللغوي الذي لا تدلّ عليه الآية.
والتثبيت المذكور في الآية حقيقي، وهو أن أقدام المسلمين لا تسوخ في الرمل لـمّا نزل عليه المطر، وبهذا جاء التفسير عن الصحابة الذين شاهدوا النزول، وعن التابعين الذين نقلوا عنهم[51].
- ومنها معرفة السُّنة النبوية، ويكون ذلك بالرجوع إلى صريح التفسير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما يكون بالرجوع إلى أقواله وأفعاله التي لها أكبر الأثر في فهم القرآن.
ومما يمكن التمثيل به من استعانة المفسِّر بالسُّنة النبوية، ما رواه الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «ما رأيتُ أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنّ الله كتَب على ابن آدم حظّه من الزّنى، أدركه ذلك لا محالة، فزِنَى العينين النظر...»[52].
ثم إنّ عدم معرفة السُّنة التي تفسّر القرآن قد تجعل المفسّر يجنح إلى مصدر آخر؛ فيفسر به لعدم ورود هذا التفسير النبوي إليه.
ومما يمكن أن يُمثَّل به هنا ما روي عن السلف في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}[القلم: 42]، فقد فسّر جمعٌ من السلف الساق بالمعنى اللغوي، أي: عن أمر شديد[53]، ومنهم: ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعكرمة[54].
وقد ورد في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أنه قال: «سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كلُّ مؤمن ومؤمنة، ويبقَى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسُمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا»[55].
وهذا الحديث يفسِّرُ الساق الذي جاء في الآية نكرةً لم يُضَفْ، ويبيِّن أن المراد بالساق ساق ربِّنا -عزّ وجلّ-.
ولو لم يَرِدْ هذا الحديثُ لاعتُمِدَ قول ابن عباس وتلاميذه في تفسير الساق، والله أعلم.
وبعد.. فهذه بعض العلوم التي يكون جَهْل المفسّر بها موقعًا له في التأويل الخطأ، ولا يحالفه الصواب في معنى الآية[56].
الثاني: نَظَرٌ في طبقة المفسر:
المفسِّرون الذين يجب الرجوع إلى أقوالهم والأخذ بها وعدم الخروج عنها هم الصحابة والتابعون وأتباعهم. فما جاء عنهم فإنه لازم لمَن بعدهم من حيث الجملة ولا يجوز مخالفتهم.
وكان عدم الاعتماد على تفسيرهم من أهم أسباب بروز الرأي المذموم، كما يشير إليه شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) بقوله: «وأما النوع الثاني من سبَبي الخلاف وهو ما يُعْلَم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتَين حَدَثَتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، فإنّ التفاسير التي يُذْكَر فيها كلام هؤلاء صرفًا لا يكاد يوجد فيها شيءٌ من هاتين الجهتين»[57].
ولما كان لهؤلاء السلف مِن تقدُّمٍ في العلم شهد لهم به كلُّ مَن جاء بعدهم من العلماء؛ فإنّ الاعتماد على أقوالهم مدعاة للخروج عن الرأي المذموم؛ ولذا جعل ابن جرير من شروط المفسِّر أن لا يكون تأويله وتفسيره خارجًا عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة والخلف من التابعين وعلماء الأُمّة[58]. ويجب التنبُّه إلى أنّ كلّ مَن رجع إلى أقوالهم وتخيَّر منها، فإنه قائل بالرأي؛ لأنّ تخيُّره معتمد على عقله كما فصَّل ابن جرير الطبري في تفسيره.
النوع الثاني: الرأي المذموم وصوره في التفسير:
الرأي المذموم في التفسير هو القول في القرآن بغير علم، سواءً أكان عن جهلٍ أو قصورٍ في العلم أم كان عن هوى يدفع صاحبه إلى مخالفة الحقّ، وقد سبق بيان ذلك مع أدلة النهي عنه.
ومن صور الرأي المذموم ما يلي:
1- تفسير ما لا يعلمه إلا الله:
وهو أحد أوجه التفسير التي أوردها ابن عباس، ويشتمل على أمرين:
أحدهما: تكييف المغيبات التي استأثر الله بعلمها؛ كتكييف صفاته سبحانه، أو غيرها من المغيبات.
ثانيها: تحديد زمن المغيبات التي ورد ذِكْرُ خروجها؛ كزمن خروج الدابة، أو نزول عيسى، أو غير ذلك.
فهذه الأشياء لا سبيل للبشر إلى معرفتها؛ فمَن زعم أنه قادرٌ على ذلك فقد أعظم الفِرية على الله.
2- مَن ناقض التفسير المنقول أو أعرض عنه:
يشمل التفسير المنقول: كلّ ما نُقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أصحابه أو التابعين وأتباعهم، فمَن أقدمَ على التفسير دون الرجوع إلى التفسير المنقول فإنه سيقع في الرأي المذموم؛ لأنّ جُزءًا من التفسير لا يمكن معرفته إلا عن طريق النقل عنهم؛ كأسباب النزول، وقصص الآي، وناسخها... وغيرها.
3- مَن فسَّر بمجرد اللغة دون النظر في المصادر الأخرى:
إنّ التسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلّق بغرائب القرآن وغيرها؛ مُوقِعٌ في الخطأ، فمَن لم يُحكِّم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كَثُر غلطه، ودخل في زمرة من قال برأيه المذموم[59].
واعتماد اللغة فقط دون غيرها من المصادر، هو أحد أسباب الخطأ الذي يقع في التفسير، كما حكى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية[60].
4- أن يكون له رأي فيتأوَّل القرآن على وفق رأيه[61]:
ويكثر هذا عند أهل الأهواء والبدع، حيث إنهم يعتقدون الرأي، ثم يبحثون عن دليله، وقد يحرِّفون الكلم عن مواضعه ليوافق آراءهم، ولو لم يكن لهؤلاء هذا الاعتقاد والرأي لَمَا فسّر القرآن بهذه التفسيرات المنحرفة.
ويقع خطأ أولئك على أقسام:
الأول: الخطأ في الدليل والمدلول: وذلك أن المفسر يستدلّ لرأيه بدليل، ويكون رأيه الذي استدل له باطلًا، فيستلزم بطلان دلالة الدليل على المستدلّ له.
ومثال ذلك: أن المعتزلة اعتقدوا أن الله -سبحانه- لا يُرى في الآخرة، وهذا باطل، ثم استدلوا لهذا بقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف: 143]، فجعلوا {لَنْ} لتأبيد النفي، وهذا غير صحيح في هذا الموضع.
ومثاله كذلك: استدلال بعض المتصوِّفة على جواز الرَّقص -وهو حرام- بقوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ}[ص: 42][62].
فالرّقص حرام، والآية لا تدلّ عليه لا من قريب ولا من بعيد.
الثاني: الخطأ في الاستدلال لا في المدلول: وفي هذا يكون المدلول بذاته صحيحًا، ولكن حَمْل الآية عليه لا يصح.
ومثاله: ما فسر به بعضهم قوله تعالى: {إنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}[البقرة: 249].
حيث قال: «هذه الآية مَثَلٌ ضربه الله للدنيا، فشبهها الله بالنهر، والشارب منه بالمائل إليها المستكثر منها، والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهد فيها، والمغترف بيده غرفة بالآخذ منها قدر الحاجة، وأحوال الثلاثة عند الله مختلفة»[63].
فهذا الكلام من حيث هو في ذاته مجردًا عن الآية كلام صحيح، ولكنَّ جَعْلَهُ تفسيرًا للآية خطأٌ ظاهرٌ؛ ولذا قال القرطبي (ت: 671هـ) معلقًا على هذا القول: «ما أحسن هذا لولا ما فيه من التحريف في التأويل، والخروج عن الظاهر، ولكن معناه صحيح من غير هذا»[64].
وبعدُ.. فهذه بعض صور التفسير بالرأي المذموم. والله أعلم.
التفسير بين الأثر والرأي:
لقد ظهر من خلال الأمثلة الدالة على جواز الرأي أن الرأي قد برز في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان قليلًا، ثم اتسع وانتشر أكثر في عهد الصحابة ومَنْ بعدهم.
كما ظهر أن مِن الصحابة والتابعين وأتباعهم مَنْ فسروا القرآن برأيهم، فهل نُسَمِّي ما وردَ عنهم تفسيرًا بالمأثور، وما ورد عن غيرهم تفسيرًا بالرأي؟
إن تقسيم التفسير على هذا النحو فيه نظر[65] وذلك لأمرين:
الأول: أنّ أغلب من قسّم هذا التقسيم جعل حكم المأثور وجوب الأخذ به على إطلاقه، مع أن بعضهم يحكي خلاف العلماء في قبول أقوال التابعين، كما ينسى حكم ما اختلفوا فيه: كيف يجب الأخذ به مع وجود الاختلاف بينهم؟
الثاني: أنّ في ذلك تناسيًا للجهد التفسيري الذي قام به السلف، وتجاهلًا لرأيهم في التفسير الذي يُعَدُّون أوّل مَن بَذَرَه وأنتجه.
إنّ هؤلاء السلف قالوا في القرآن بآرائهم، كما قال المتأخرون بآرائهم، ولكن شتان بين الرأيَين؛ فرأي السلف هو المقدَّم بلا إشكال.
إنّ المقابلةَ بين التفسير بالمأثور (على أنه تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسُّنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين)، والتفسير بالرأي (على أنه ما عدا ذلك) خطأ محضٌ لا دليل عليه من قول السلف أو من العقل.
إنّ تسميةَ تفسير السلف تفسيرًا بالمأثور باعتبار أن طريق الوصول إليه هو الأثر تسميةٌ لا غبار عليها، وهو بهذا لا يقابل التفسير بالرأي، بل التفسير بالرأي ممتزج فيه؛ لأن مِن تفسيرهم ما هو نقلٌ لا يصح تركه أو إنكاره؛ كأسباب النزول، ومنه ما هو استدلال وقولٌ بالرأي، وكلا هذين عنهما؛ إنما طريقنا إليه هو الأثر.
كتب التفسير بين الرأي والأثر:
بناءً على ما وقع من مقابلة التفسير المأثور بالتفسير بالرأي، وقع تقسيم التفاسير إلى تفاسير بالمأثور وتفاسير بالرأي، وفي هذا التقسيم نظر، وذلك في أمرين:
الأول: أنه قَلَّ أن تترك التفاسيرُ المعتبَرة أقوالَ السلف، بل تحرص على حكايتها، ومع ذلك تجد أن بعض هذه التفاسير حُكِمَ عليه بأنه من التفسير بالمأثور والآخر من التفسير بالرأي[66].
والصواب أن يقال: إنّ المفسِّر الفلاني مُكْثِر من الرواية عن السلف مكثر من الاعتماد على أقوالهم، والآخر مُقِلّ من الرواية عنهم أو الاعتماد عليهم.
الثاني: أن من حُكِمَ على تفسيره بأنه من التفسير بالمأثور قد حِيفَ عليه وتُنُوسي جهده الخاص في الموازنة والترجيح بين الأقوال التي يذكرها عن السلف، وأشهر مثالٍ لذلك إمام المفسّرين ابن جرير الطبري، حيث يعدُّه من يقابل بين التفاسير بالمأثور والتفسير بالرأي مِن المفسرين بالأثر، وهذا فيه حكم قاصرٌ على تفسير الإمام ابن جرير، وتعامٍ أو تجاهلٌ لأقواله الترجيحية المنثورة في كتابه.
هل التفسير منسوب إليه أم إلى مَن يذكرهم من المفسرين؟! فإذا كان تفسيره هو؛ فأين أقواله وترجيحاته في التفسير؟! أليست رأيًا له؟! أليست تملأ ثنايا كتابه الكبير؟! بل أليست من أعظم ما يميّز تفسيره بعد نقولاته عن السلف؟!
إنّ تفسير ابن جرير من أكبر كتب التفسير بالرأي، غير أنه رأي محمود؛ لاعتماده على تفسير السلف وعدم خروجه عن أقوالهم، مع اعتماده على المصادر الأخرى في التفسير.
كما أن تفسيره من أكبر مصادر التفسير المأثور عن السلف، وفَرْقٌ بين أن نقول: فيه تفسير مأثور، أو أن نقول: هو تفسير بالمأثور؛ لأن هذه العبارة تدلّ على أنه لا يذكر غير المأثور عن السلف، وتفسير ابن جرير بخلاف ذلك؛ إِذْ هو مع ذِكر أقوالهم يرجِّح ويعلِّل لترجيحه، ويعتمد على مصادر التفسير في الترجيح.
ولكي يَبِين لك الفرق في هذه المسألة: وازِنْ بين تفسيره وتفسير عَصْرِيِّهِ ابنِ أبي حاتم (ت: 327هـ) الذي لا يزيد على ذِكر أقوال السلف، وإن اختلفت أقوالهم فلا يرجح ولا يعلّق عليها، أليس بين العالِمَيْن فَرْقٌ؟
وأخيرًا.. هذه بعض قضايا في التفسير بالرأي، والموضوع يحتاج إلى بحث أعمق وأطول، والله الموفِّق.
[1] نُشر في ملتقى أهل التفسير بتاريخ 1/ 2/ 1419هـ. (موقع تفسير).
[2] الغيث المسجم في شرح لامية العجم للصفدي، (1/ 63).
[3] المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي، ص(190)، وانظر، ص(192)، الأثر رقم (217).
[4] المدخل إلى السنن الكبرى، ص(191)، وانظر قولًا لمسروق في جامع بيان العلم، (2/ 168)، وقولًا للزهري، (2/ 169).
[5] المدخل إلى السنن الكبرى، ص(196).
[6] جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، (2/ 71)، وانظر، ص(74).
[7] جامع بيان العلم، (2/ 75).
[8] جامع بيان العلم، (2/ 77)، وانظر كلام ابن بطال في هذا الموضوع في فتح الباري، (13/ 301).
[9] انظر الحديث في فتح الباري، (13/ 295).
[10] جامع بيان العلم، (2/ 168).
[11] جامع بيان العلم، (2/ 169).
[12] انظر: جامع بيان العلم، (2/ 77)، وفتح الباري، (13/ 310).
[13] جامع بيان العلم، (2/ 70، 71، 77).
[14] جامع بيان العلم، (2/ 170).
[15] جامع بيان العلم، (2/ 170).
[16] جامع بيان العلم، (2/ 170).
[17] الاعتصام للشاطبي، (1/ 104).
[18] فتح الباري، (13/ 303).
[19] جامع بيان العلم، (2/ 169).
[20] العلم يقابل الجهل المذكور في حدِّ الرأي المذموم، أما الهوى، فيقابله الوَرَع؛ لأنّ الورع يقي صاحبه من مخالفة الحقّ.
[21] جامع بيان العلم، (2/ 70، 71).
[22] جامع بيان العلم، (2/ 71).
[23] جامع بيان العلم، (2/ 71).
[24] جامع بيان العلم، (2/ 72)، وانظر غيرها من الآثار، ص(69- 79).
[25] لم أجد نقلًا عن أحد من الصحابة يدلّ على أن مذهبه كهذا المذهب الذي برز عند التابعين.
[26] تفسير الطبري (ط: شاكر)، (1/ 85).
[27] تفسير الطبري (ط: شاكر)، (1/ 86).
[28] فضائل القرآن لأبي عبيد، ص(229).
[29] فضائل القرآن لأبي عبيد، ص(229).
[30] انظر في ذلك: الكامل للمبرد (تحقيق: الدالي)، (2/ 928، 4135)، تهذيب اللغة (1/ 14)، إعجاز القرآن للخطابي (تحقيق: عبد الله الصديق)، ص(42).
[31] انظر: تفسير الطبري (ط: شاكر)، (1/ 82، 83).
[32] التحرير والتنوير، (23/ 252).
[33] مسند الإمام أحمد، (4/ 203، 204)، وأبو داود برقم (335)، وانظر تفسير ابن كثير، (2/ 480)، والدر المنثور، (2/ 497).
[34] أخرجه البخاري في أكثر من موضع، كتاب الإيمان (ح/ 32)، أحاديث الأنبياء (3360، 3428).
[35] انظر: فتح الباري، (1/ 204)، وانظر شرح ابن حجر، (1/ 204، 205).
[36] انظر: تفسير القرطبي، (1/ 33)، وجامع الأصول، (2/ 4).
[37] انظر: فتح الباري (1/ 205).
[38] انظر قوله في تفسير الطبري، (ط: شاكر)، (8/ 53، 54).
[39] رواه البخاري، (فتح الباري، 1/ 246) وغيرها من المواضع التي ذكرها لهذا الحديث.
[40] انظر: مقدمة جامع التفاسير، ص(93- 97).
[41] انظر: حاشية 7، ص(148)، من كتاب التيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي، وقد استفاد شمس الدين من الراغب؛ كما يظهر بالموازنة بين قوليهما، وقد نقل عن شمس الدين كل من: الكافيجي في التيسير ص(145- 148)، والسيوطي في الإتقان، (4/ 185).
[42] انظر: مقدمة جامع التفاسير للراغب (تحقيق: أحمد فرحات)، ص(96)، وعنه نقل الكافيجي في التفسير.
[43] تفسير الطبري (ط: شاكر)، (1/ 75).
[44] انظر: البرهان للزركشي، (1/ 92).
[45] ذم الكلام للهروي، (تحقيق: سميح دغيم)، وشعب الإيمان للبيهقي، (5/ 232).
[46] تهذيب اللغة، (3/ 73).
[47] تهذيب اللغة للأزهري، (9/ 20).
[48] القُصّاص: قوم جلسوا للوعظ والتذكير، وهم يذكرون آياتٍ وأحاديثَ يستشهدون بها في أحاديثهم مع الناس.
[49] الناسخ والمنسوخ للنحاس (تحقيق: اللاحم)، (1/ 410)، ومما ينبغي التنبُّه له أن النسخ عند السلف أوسع من اصطلاح الأصوليين؛ حيث يشمل كلّ إزالة تكون في الآية.
[50] مجاز القرآن، (1/ 242).
[51] انظر: تفسير الطبري، (ط: الحلبي)، (9/ 195- 197).
[52] تفسير الطبري، (ط: الحلبي)، (27/ 65، 66) عند تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}[النجم: 32].
[53] انظر: الطبري (ط: الحلبي)، (29/ 38)، حيث ترجم عن من قال بهذا القول بهذه الترجمة.
[54] انظر: تفسير الطبري (ط: الحلبي)، (29/ 38) وما بعدها.
[55] رواه البخاري تحت تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}، (فتح الباري 8/ 531).
[56] هذا الموضوع يحتاج إلى بسطٍ أكبر، وما ذكرتُه فهو إشارة لا تُغني عن البحث فيه.
[57] مقدمة في أصول التفسير (تحقيق: عدنان زرزور)، ص(79).
[58] انظر: تفسير الطبري (ط: شاكر)، (1/ 93).
[59] انظر: تفسير القرطبي (1/ 34) (بتصرف).
[60] انظر: مقدمة في أصول التفسير، (تحقيق: عدنان زرزور)، ص(81).
[61] انظر: تفسير القرطبي (1/ 33)، ومقدمة في أصول التفسير، ص(81) وما بعدها.
[62] انظر: تفسير القرطبي، (15/ 215).
[63] تفسير القرطبي، (3/ 251).
[64] تفسير القرطبي، (3/ 251).
[65] قد فصّلت القول في مصطلح التفسير بالمأثور، انظر مجلة البيان عدد (76).
[66] انظر على سبيل المثال محمد حسين الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون) وتقسيمه التفسير بين المأثور والرأي من غير أن يورد ضابطًا يمكن التعويل عليه في هذا التقسيم، وقد قلَّده آخرون في هذا من غير استدراك ولا تعقيب.