تعريف بكتاب
Behind the Story
Ethical Readings of Qurʾānic Narratives

يُعَدّ كتاب: Behind the Story: Ethical Readings of Qurʾānic Narratives من الكتب الغربية الصادرة مؤخرًا، نقدّم هنا تعريفًا بالكتاب، وبمحتويات فصوله، كما نشير لبعض جوانب أهميته للدارِسين.

الكتاب:

 Behind the Story: Ethical Readings of Qurʾānic Narratives

ما وراء الحكاية: دراسات أخلاقية في القصة القرآنية 

المحرّر: سامر رشواني -Samer Rashwani

دار النشر: BRILL.

تاريخ النشر: 2024م.

عدد الصفحات: 320.

الترجمة: الكتاب غير مترجم للعربية.

محتوى الكتاب:

يتضمَّن هذا الكتاب عشر دراسات، مقسّمة لجزأين.

الجزء الأول: إعادة التفكير في السرد القرآني:

يضمُّ هذا الجزء خمسَ دراسات تحاول أن تطرح وجهات نظر جديدة للتعامل مع القصة القرآنية:

الدراسة الأُولى لسامر رشواني، بعنوان: (قصة الأخوين)، وتحاول هذه الدراسة إلقاء نظر مختلف على ثراء التعامل مع القصص القرآني في التراث الإسلامي، حيث إنه ورغم تهميش دراسة القصة في التراث وفق الكاتب، إلا أن هذا لم يعنِ غياب التنبه للقضايا الأخلاقية والفقهية التي تثيرها، تحاول الدراسة إظهار هذا عبر تناول القضايا الأخلاقية والفقهية التي أثارتها قصة ابني آدم والتي تنبّهت لها الجدالات التراثية بشكلٍ كبير، فتتناول الدراسة كيف تم توظيف القصة في النقاشات الكلامية حول الإيمان والعمل وحول معنى التقوى، وكيف تمّ توظيفها فقهيًّا في فهم السلوك المفترض تجاه الإساءة، وفي نقاش مسألة قبول الأعمال وعلاماته فيما قبل الإسلام، وفي فهم قضية حمل الآخرين لأوزار غيرهم.

فتعتبر الدراسة أن الجدل المعاصر حول القصة وعلاقتها بقضية العنف واللّاعنف، مثل الكتابات المعاصرة الذي انطلقت من ابن آدم كنموذج للّاعنف (جودت سعيد)، وبعض الكتابات التي نظرت للقصة في إطار نفسي يتعلّق بالاستعلاء الإيماني ودوره في نشأة العنف (سحر أبو حرب)، ليست جدالات جديدة بالشكل الكامل، بل سبقها جدالات تراثية حول الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية للقصة.

الدراسة الثانية هي دراسة لديفن ستيوارت: (الآثار القديمة في القرآن)، يتناول فيها كيف يرسم القصص القرآني معالم طريقةٍ للتعامل مع التاريخ ومع الآثار التي تركها السابقون، حيث يعرض القرآن عبر القصص هذا التاريخ وهذه الجغرافيا الآثارية باعتبارها علامة على تاريخ تعامل الله مع البشر وحواره معهم عبر إرسال الرُّسُل وعبر إظهار آياته وقدرته وإنعامه وعقابه.

الدراسة الثالثة هي دراسة لهانيليس كولوسكا، بعنوان: (الله والضيافة الإنسانية في سورة الحِجْر)، وهذه الدراسة تنطلق بالأساس من محاولة فهم مفهوم الضيافة القرآني في ضوء القصص القرآني وفي ضوء التلقي الإسلامي كذلك لهذا المفهوم، فتحاول عبر الانطلاق من النظر لقصة إبراهيم في سورة الحجر في ضوء وحدة السورة، أن تقدّم فهمًا لمفهوم الإسلام حول الضيافة، ومن أجل تعميق النظر في تفرّد هذا المفهوم تعمل كولوسكا على إثارة العلاقة بين مفهوم الضيافة في القرآن ومفهوم الضيافة في السياق العربي وكذلك في السياقَيْن اليهودي والمسيحي، فتعتبر أنّ القرآن لا يقدّم الله كمضيف بالمعنى المسيحي الذي يرتبط بشكل أساسي بـ(العشاء الإلهي)، بل يقدّمه كمضيف للبشر من خلال العناية الكاملة في الدنيا، وكذلك من خلال الاستقبال الإلهي للمؤمنين في الفردوس، يعمل القرآن -وفق كولوسكا- على نزع رمزية المائدة والعشاء الأخير في سورة أخرى هي سورة المائدة، لتصبح آية من الله المتعالي.

تبرز كولوسكا بهذا أن مفهوم الضيافة القرآني ليس مجرّد مفهوم متعلّق بالسياق العربي بل هو كذلك مفهوم يدخل في جدل مع مفهوم الضيافة المؤسّس كتابيًّا في قصة إبراهيم مع الرُّسُل، وتصبح الضيافة عبر إعادة السرد القرآني مفهوم متعلّق بالخيرية والإحسان ويقوم على تبادل الدعم بين البشر.

كما تحاول كولوسكا وفي ضوء اهتمامها بإبراز الأهمية الكبيرة للسرد في الوجود البشري، ومحاولة الخروج من قصر القصة القرآنية في سياق التحليل الأدبي المنفصل عن المتلقي، أن تبرز كيف ترك مفهوم الضيافة المتجلّي في سورة الحجر أثرًا كبيرًا في بناء قصر الستّ طشقند المظفرية والنقوش الموضوعة عليها، حيث يبرز هذا كيف تلقَّى المسلمون مفهوم الضيافة كمفهوم إلهيّ مرتبط بالإحسان.

الدراسة الرابعة لمحمد فاضل: (التضحية والليبرالية، قراءة الإسلام النقدية لمفهوم "العهد إلى إسحاق")، يحاول فاضل في هذه الدراسة أن يقرأ قصة التضحية في الإسلام (أَمْر إبراهيم بذبح ابنه)، في ضوء الجدل المعاصر حول الديموقراطية والاستثناء والسيادة والعهد واللاهوت السياسي، يبدأ فاضل من جدالات خان ورولز وغيرهما حول إمكان اعتبار التضحية جزءًا أساسيًّا في لاهوت سياسي تقوم فيه السياسة على أرضية مقدّسة، ويبرز فاضل الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها هذه النظرية، خصوصًا ما يتعلق بمفهوم الاستثناء ومفهوم المقدس/ المدنس- الإلهي/ الشيطاني، حيث يمكن أن يفضي إقامة المجتمع على الاستثنائية إلى السيادة الطغيانية كما في حالة النازية، بشكلٍ أكثر تفصيلًا وعبر عرض قصة التضحية في اليهودية والمسيحية، يبرز فاضل أنّ مفهوم العهد اليهودي والمسيحي كذلك غير مناسبين لبيئة ديموقراطية، حيث قد يفضي مفهوم العهد اليهودي لنوع من العرقية والأنماط ما قبل الحديثة للحكم، كما قد يفضي مفهوم العهد المسيحي القائم على التضحية، إلى نهاية السياسية ذاتها.

في مقابل هذا يفترض فاضل أن الإسلام يقدِّم مفهومًا مختلفًا عن التضحية، حيث ترتبط التضحية في الإسلام بالعيد والإحسان والتضامن أكثر مما ترتبط بالعهد أو بالتضحية والشهادة، مما يجعل الأضحية في الإسلام -وفقًا له- أقرب كأساس للديموقراطية العقلانية، كذلك يشير إلى اختلاف الإسلام في عرض القصة فيما يتعلّق بموقف الذبيح، حيث قرآنيًّا يُظهِر نوعًا من التداول والنقاش بين الأب والابن يستوضح ما رآه الأب، وينتج عنه اتفاق أنه أَمْر إلهيّ، مما يجعل (التداول) لا (الاستثنائية) أساسًا للقرارات، مما يقرب قصة التضحية في الإسلام بشكل أكبر من النموذج العقلاني للحكم.

الدراسة الأخيرة في هذا الجزء لطاهرة أمين: (الأبعاد ما وراء السردية للقصة القرآنية)، تحاول طاهرة أمين في هذه الدراسة أن تقرأ قصة سليمان وملكة سبأ من خلال الأُطر السردية الأعمّ للقصة والتي تظهر من خلال تحليل أدوار الفاعلين وعلاقاتهم وفئاتهم؛ فتقارن بين القصة القرآنية عن سليمان وملكة سبأ وبين القصة الكتابية في سفر الملوك، من خلال منهجية (أدوار الفاعلين) لفان لوين، فتبرز كيف تتمركز القصة القرآنية حول مفهوم التوحيد، عبر إعادة رسم اللقاء بين سليمان وملكة سبأ وموضع الهدايا وسببها وطبيعة حكمة سليمان، وعبر إعادة رسم علاقة سليمان بالجنّ وبالسحر، كما تبرز كذلك كيف تعمل القصة القرآنية عن سليمان على إعادة رسم صورة داود وسليمان كعبدَيْن طائعَيْن ومنيبَيْن لله على خلاف الصور الكتابية، تقدّم طاهرة أمين افتراض بأنّ إعادة سرد القرآن للقصص لا تتعلّق فحسب بالمشاغل الاجتماعية للأمّة الناشئة والتفاوض مع المجتمعات الأخرى كما تفترض نويفرت، بل تتعلّق بطرح رؤية قرآنية شاملة منبثة داخل القصص عن الأنبياء والشخصيات التقية كنماذج للسلوك البشري.

الجزء الثاني: التلقي التاريخي للقصة القرآنية وأخلاقيتها:

يضمُّ هذا الجزء خمس دراسات:

الدراسة الأُولى لسامر رشواني: (القصص القرآني والتلقي التاريخي)، حول القصة القرآنية في التراث وفي السياق المعاصر، تفترض الدراسة أن السرد القرآني لم يكن موضوعًا للاهتمام المركَّز فيما قبل العصور الحديثة، حيث لم يتم اعتبار القصة القرآنية عِلْمًا في الكتب الخاصّة بعلوم القرآن مع الزركشي والسيوطي، كما أن تناول القصة اقتصر على القُصّاص الذين عُدّ عِلْمُهم عِلمًا هامشيًّا ولا يستحقّ الوجود ضمن العلوم الإسلامية العُليا مثل الفقه والكلام والتفسير، وفق الغزالي.

 وفي محاولة تتبّع الحضور المهمّش للقصة القرآنية في التراث، تَتَتَبّع الدراسة تناول القصة القرآنية في كتب التفسير ونشأة قضية الإسرائيليات والتعامل معها وما طرحته من أسئلة فقهية وتشريعية، كما تَتَتَبّع نشأة وتطور أدب قصص الأنبياء الذي بدأ منذ وهب بن منبه في (أخبار المبتدأ)، ووصل لحال نضج مع الثعلبي في كتابه: (قصص الأنبياء)، كما ألقت الضوء على الاهتمام المعاصر بالقصة القرآنية بداية من محمد عبده وطرح قضية القصة الرمزية وتطورها مع خلف الله، كما يلقِي ضوءًا على التعامل الغربي مع القصة، وكيف بدأ في إطار دراسة الأثر التوراتي والإنجيلي في القرآن مع جايجر وهورفيتس، ثم تطور في العقود الأخيرة ليهتم بالقصة ذاتها وأبعاد تركيبها الخاصّة مع نشأة المقاربة الأدبية للقرآن، كذلك تطور الكتابات التي تحاول النظر للقصة القرآنية من منظور فلسفي وأنثروبولجي كما مع أمينة الشاكري وغيرها.

الدراسة الثانية لفاتح إرمش: (السرد الصوفي والقيم الأخلاقية)، تدور حول السرد الصوفي للقصة القرآنية في ضوء بلورة تصورات الحكمة العملية، تحاول هذه الدراسة انتقاء عدد من الكتابات الصوفية التي اعتمدت على قصص قرآني معيّن لرسم صورة عن بعض القيم الروحية والمعرفية؛ مثل اعتماد المثنوي على قصة موسى والخضر وقصة موسى والراعي لرسم صورة عن مفهوم الاعتدال والحكمة، أو اعتماد بعض المتصوفة على قراءة رمزية لقصة إبراهيم والطير في رسم صورة عن النفس البشرية وأقسامها وطريقة التعامل الحكيمة العادلة معها.

الدراسة الثالثة لهالة عطا الله: (خطاب غير القادرين وأخلاقيات التعامل معهم من خلال القصة القرآنية)، حيث تشير الكاتبة للجدل الذي يثيره بعض الدارسين الغربيين حول تعامل القرآن مع غير القادرين، حيث افترض ريبين على سبيل المثال أنّ الأوصاف القرآنية للكفّار بالصمم وعدم القدرة على الكلام والعمَى تشكِّل سياقًا لتهميش وتجاهُل غير القادرين، خصوصًا في دين يعتمد بشكلٍ أساس على الكلمة وحيًا وتلاوةً وسماعًا، تحاول هالة عطا الله طرح رؤية مختلفة، حيث تبرز عن طريق تحليل قصة موسى في القرآن أن القرآن يقدِّم قبولًا واسعًا لغير القادرين، حيث لا يعتبر أنّ عدم القدرة على الكلام على سبيل المثال أو الإشكالات التي تصاحبه سببًا للتقليل من كفاءة الفرد أو سببًا في عدم نيله مرتبة روحية عالية كالنبوّة، فقد قبل اللهُ موسى مع خوف موسى من عدم انطلاق لسانه، وأعانه عليها عبر الإرسال لهارون كهبةٍ من الله، في ضوء هذا تتعجّب هالة عطا الله من عدم مراعاة غير القادرين أثناء بناء المساجد عبر تخصيص أماكن خاصّة لهم وكتب خاصّة للاطلاع وغير ذلك.

الدراسة الرابعة لبلال بادات: (سردنة الآيات القرآنية وبناء الأخلاق: تقليد الكتب التمهيدية في علم الخط العثماني)، تدور هذه الدراسة حول القصص القرآني وأخلاقيات الكتابة في الإسلام، حيث يحاول الباحث دراسة تطور فنّ الخط ونسخ المصاحف في السياق العثماني، باعتباره خطابًا ومؤسسة اجتماعية، ويبرز عبر تحليل مقدمات كتابات السِّيَر والطبقات للخطاطين كيف يتم بناء أخلاقيات علم الخط في الإسلام، وكيف استخدم هؤلاء الكتاب الآيات القرآنية حول القلم وحول النبوّة والقصص الحديثي الحافّ بها في رسم صورة عن الخطاط باعتباره سليلًا للأنبياء وباعتبار عمله استمرارًا لمركزية الكلمة والكتابة في خلق الكون، وما يفرضه هذا من نظر لحرفة الخط باعتبارها مسؤوليةً أخلاقيةً تَفرِض على الخطاط سلوكًا خاصًّا كما تحتِّم عليه انتقاء ما يخطُّه، حيث تقع عليه مسؤولية خط الحكمة والموعظة والنصيحة ونقلها للاحقين.

الدراسة الأخيرة لإيمانويلا ستيفانيدز: (القصص القرآني في الموسوعة الشرقية (1697) التلقي الأخلاقي للقرآن في أوروبا في بدايات الحداثة)، تدور حول القصة القرآنية كجزء من التلقي الأوروبي للقرآن في القرن السابع عشر والثامن عشر، حيث ترسم سياقَ تلقِّي القرآن أوروبيًّا ضمن سياق تلَقٍّ أوسع للسرد الشرقي، والذي بدأ منذ ترجمة ألف ليلة وليلة ثم ترجمة كليلة ودمنة وأعمال مثل حكمة لقمان، تعتبر ستيفانيدز أن موسوعة هيربوليت الشرقية تأثَّرت بشكلٍ كبيرٍ بهذا الاهتمام بالقصص الشرقي والدور الأخلاقي كذلك لهذا القصص.

وتحلّل ستيفانيدز كيف أنّ هذا الاهتمام بالدافع الأخلاقي للقصص الشرقي والذي ازداد مع مَيل هيربوليت للتصوّف، أدّى لابتعاد الموسوعة عن الاستغراق في الطابع الجدلي في التعامل مع القرآن، وأنها استطاعت بشكلٍ كبيرٍ عرض اشتمال قصص القرآن على كثير من القيم الأخلاقية الرفيعة، بل وكذلك القيم الروحية والصوفية، كما أدّى لاهتمام هيربوليت بالتفسيرات الإسلامية ودورها -وفقًا لها- في سدّ ثغرات وفجوات السرد وإبراز القيم الأخلاقية، كما في مثال قصة هود ومرثد والتي تدين النفاق.

أهمية الكتاب:

تهتم الدراسات الغربية المعاصرة بإنتاج أدلّة وموسوعات شاملة حول القرآن، تضمّ وتجمع تنوّعًا كبيرًا من حيث الجنسيات والتقاليد الدراسية.

يمثِّل هذا الكتاب إحدى المحاولات الحديثة في هذا السياق؛ حيث يجمع دراسات لباحثين عرب وغربيين حول موضوع محدّد هو القصة القرآنية.

ويختلف هذا الكتاب عن الكتب الصادرة حول القصة القرآنية سواء عربية أو غربية، حيث لا تزال المقاربات السردية المعاصرة قليلة التطبيق بشكلٍ واسعٍ على القصص القرآني في السياق العربي، كذلك فإن الدراسات الغربية وإن تطورت عن مرحلة الاهتمام باكتشاف آثار القصص الكتابي داخل القرآن، نحو قراءة أكثر تركيبية وأدبية للسياق السردي الخاصّ للقرآن، إلا أنها كذلك تظلّ على الأغلب منحصرة في فهم معنى القصة القرآنية في سياق التفاوض مع مخاطبيها الأوائل غافلة عن أهمية مجادلة هذا السرد القرآني الذي يشكِّل أساسًا سرديًّا للمجتمع المسلم مع القضايا الإنسانية الكبرى والقضايا المعاصرة الملحّة، في المقابل يضمّ هذا الكتاب دراسات تحاول تقديم قراءة للقصص معتمدة على مستجدّات دراسة السرد وعلاقته بالمجتمع، وكذلك تحاول نقاش بعض القضايا الإنسانية الشاملة مثل السياسة والتعامل مع غير القادرين جسديًّا من خلال القصص القرآني ذاته. مما يجعل من المهمّ للقارئ العربي الاطلاع على هذا العمل.

المؤلف

فريق موقع تفسير

موقع مركز تفسير للدراسات القرآنية

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))