قراءة في كتاب (البدايات والنهايات في القصص القرآني)
للدكتور/ رجب أحمد عبد الرحيم حسن

تعدّدت أوجه العناية بدراسة القصة القرآنية، وقد اعتنى كتاب (البدايات والنهايات في القصص القرآني) بدراسة عنصري البداية والنهاية للقصة القرآنية، وهذه القراءة يُسَلِّط فيها مؤلِّف الكتاب ضوءًا على كتابه، ويستعرض أهدافه ومحتوياته، وأبرز مميزاته، وأهم الملحوظات حوله.

تمهيد:

  فإنه يسترعي انتباهَنا ونحن نتعامل مع القرآن الكريم، هذا الاستعمالُ المكثّف الواسع للأسلوب القصصي في أرجاء هذا الكتاب الكريم، فلا تكاد تخلو سورة من إشارة، أو تفصيل لقصة نبيّ من الأنبياء، أو أمّة من الأمم الغابرة، بل حتى المجالات الأخرى، من الأبواب التي تطرّق إليها القرآنُ الكريم: (كمَشاهد يوم القيامة، ومواقف النعيم والعذاب، والأخبار الغيبية، وبيان الآيات الكونية والطبيعية ...إلخ)، فضّل القرآن الكريم أن يعرضها علينا بأسلوب تصويري، هو أقرب ما يكون إلى الأسلوب القصصي، هذا الذي جعل أنظارَ الباحِثين تلتفت إلى القصة القرآنية، حيث رأَوا فيها مَعينًا لا ينضب من الجمال والجلال، وحُسن العرض وقوَّة التأثير؛ فكثرت الدراسات والبحوث التي جعلَتْ منها مجالًا للبحث، ومع اهتمامهم بالعناصر الجمالية للقصة القرآنية، مثل: الحدث، والشخصية، والمكان والزمان، والعقدة والحلّ، إلا أنهم أغفلوا -إلا القليل- عنصري البداية والنهاية في القصة القرآنية، بالرغم من أهميتهما الكبرى كمِفتاحين أساسيّين من مفاتيح النصّ، فبهما يُجلَّى الحدث وتُحدَّد محوريته، وعلى أساسهما تبدأ وتنتهي مسيرة الشخصيات، وتُنار الأزمنة والأمكنة. ناهيك عن جمال العنصرين في موضعهما الذي وُضعا فيه، فلا يمكن الاستغناء عنهما بحال. قال العلوي في الطراز، تحت عنوان: (في المبادي والافتتاحات): «اعلم أنّ هذا الفصل ركنٌ من أركان البلاغة، وحقيقته آئلة إلى أنه ينبغي لكل مَن تصدّى لمقصد من المقاصد، وأراد شرحه بكلام، أن يكون مفتتح كلامه ملائمًا لذلك المقصد، دالًّا عليه، فما هذا حاله يحب مراعاته في النَّظْم والنثر جميعًا»[1].

ومن هنا جاء هذا الكتاب الذي بين أيدينا: (البدايات والنهايات في القصص القرآني)[2]، لمؤلّفه دكتور/ رجب أحمد عبد الرحيم حسن[3]؛ ليسدّ فجوة متروكة في حقل الدراسات البلاغية والنقدية، بالتنظير لهذين العنصرين (البدايات والنهايات)، وجمع شتاتهما، وتبيين أهميتهما البيانية والإعجازية في القصة القرآنية، التي أغفلها كثير من الدارسين الذين قد تعرّضوا لدراسة القصة القرآنية؛ فقد أهملوا الحديث عن عنصري البداية والنهاية، مهتمِّين بغيرهما من العناصر القصصية: (المكان، الزمان، الشخصيات، الأحداث، العقدة)[4].

محتويات الكتاب:

 قسم الباحث كتابه إلى مقدّمة وتمهيد وثلاثة فصول، وخمسة مباحث، وخاتمة.

المقدمة: تحدّث فيها عن أسباب اختيار الموضوع، والدراسات السابقة، ومنهجه، والصعوبات التي واجهته.

التمهيد: عرّف فيه مصطلحات البحث (التناسب، البدايات، النهايات، القصة القرآنية).

الفصل الأول: البدايات وبنيتها الإعجازية في القصة القرآنية، وتحت هذا العنوان جاءت ثلاثة مباحث:

 المبحث الأول: طرُق عرض البدايات في القصة القرآنية، حيث تحدّث فيه عن:

 أولًا: البدايات من حيث ترتيب الحدث: (البداية الطبيعية - البداية من وسط الأحداث - البداية من النهاية والعودة للبداية).

 ثانيًا: البداية المباشرة وغير المباشرة:

- البداية المباشرة أن تبدأ القصة بدون مقدمات.

- البداية غير المباشرة (البداية بملخّص - البداية بتمهيد - البداية باستباق إعلامي).

المبحث الثاني: أنواع البدايات في القصة القرآنية.

 وقد ذكر الكاتب أنواعًا مختلفة للبدايات، وهي:

أولًا: البداية المكانية.

ثانيًا: البداية بالزمن، وقد تحدّث الكاتب عن:

1- الزمن من حيث العموم.

2- الترتيب الطبيعي للزمن.

3- خلخلة الزمن (الاسترجاع - الاستشراف).

4- الزمن النفسي.

ثالثًا: البداية بالشخصية، حيث تحدّث الكتاب عن:

1- الشخصيات من حيث تعريفها وتنكيرها: (البعد الشكلي والخلقي - البعد الاجتماعي والثقافي - البعد النفسي في الشخصية).

2- تنكير وتضبيب الشخصيات في القصة القرآنية، وذكَر أمثلة لشخصيات لم يُذكر لها اسمٌ في القرآن؛ كالذي مرّ على قرية، والمنسلِخ.

3- الشخصيات من حيث النمو والثبات على المبدأ، وتحت هذا العنصر تحدّث عن:
- رسم الشخصيات بملامح الثبات على المبدأ.
- رسم الشخصيات بملامح النمو والتحول.

رابعًا: البدايات المحورية:

خامسًا: البدايات الموسعة.

سادسًا: البداية بالصراع.

المبحث الثالث: تناسب البدايات في كلّ موضع وردت فيه.

وفي هذا المبحث تحدّث عن:

- تناسب بداية القصة مع الحروف المقطعة.

- تناسب بداية القصة مع استهلال السورة.

- تناسب بدايات القصص بعضها مع بعض ومع موضوع السورة.

- تناسب بدايات القصص في السور المتجاورة.

الفصل الثاني: النهايات وبنيتها الإعجازية في القصة القرآنية.

وتحت هذا الفصل جاءت المباحث الآتية:

المبحث الأول: طرق عرض النهايات في القصة القرآنية.

وذكَر المؤلِّف أنّ طرق عرض البدايات تتمثّل في:

1- النهاية المباغتة (كسر أفق التوقع).

2- النهاية بإرجاء المعلومات.

3- النهاية بلازمة وتعقيب.

4- التمهيد للنهاية.

5- النهاية تحلّ العقد المنوّعة.

6- تشابه النهايات.

7- تجزئة النهايات مع تكرار القصص.

8- قصص النهاية.

المبحث الثاني: أنواع النهايات في القصة القرآنية.

 أولًا: النهاية المفتوحة والمغلقة.

 ثانيًا: النهاية بالشماتة والسخرية.

 ثالثًا: النهاية بالحوار.

رابعًا: النهايات السعيدة والحزينة.

خامسًا: النهايات الاستعراضية الموسعة والممتدة

الفصل الثالث: الترابط والتناسب بين البدايات والنهايات.

ومن أوجه التناسب التي ذكرها المؤلِّف في هذا الفصل هو:

أولًا: التناسب بين ما قبل البداية وما بعد النهاية في القصة القرآنية.

ثانيًا: التناسب بين بداية السورة ونهاية القصة.

ثالثًا: الارتباط العضوي والتناسق بين البداية والنهاية.

رابعًا: تشابه البدايات والنهايات.

خامسًا: المقابلة والتضاد بين النهايات والبدايات.

سادسًا: البدايات والنهايات الدائرية.

سابعًا: النهايات تؤثِّر في بدايات القصص التي تليها.

ثامنًا: قصص البداية والنهاية.

الخاتمة: وقد ذكر فيها المؤلِّف أهم النتائج والتوصيات.

هدف الكتاب:

يهدف هذا الكتاب إلى:

- خدمة كتاب الله -عز وجلّ- على وجه العموم، والقصة القرآنية على وجه الخصوص، بمحاولة تبيين عنصري البداية والنهاية، والجوانب الإعجازية البيانية فيهما، وتوضيح خيوط الربط والتوازن بينهما، من خلال ربطهما ببحث التناسب.

- التركيز على عنصري البداية والنهاية التي أغفلهما كثيرٌ من الباحثين عند دراستهم للقصة القرآنية، وإبراز دورهما المهم في مسيرة الأحداث؛ فالبداية من أهمّ العتبات التي تمثّل التحقّق النصِّي الأول لمتن القصة، فهي منطلقها، والموجّه لدلالتها، والكاشفة عن العنصر المهيمن فيها، كما تعدّ النهاية (الخاتمة) الركن الأهمّ في تشكيل بنية النصّ القصصي، بما لها مِن وهج ودور في تحديد مسار العمل واتجاهه.

- إبراز دور التناسب المعنوي واللفظي لعنصري البداية والنهاية في القصة القرآنية؛ فللتناسبِ دورٌ كبيرٌ في التوازن والتلاؤم والترابط بين أجزاء العمل القصصي.

- الإسهام في سدّ فجوةٍ متروكة في حقل الدراسات البلاغية والنقدية، بالتنظير لهذين العنصرين وجمعِ شتاتهما، وتبيينِ أهميتهما البيانية الإعجازية، فلأوّل مرّة يتم الجمع بين التناسب والبداية والنهاية في القصة القرآنية في بحث واحد، حيث إنّ كثيرًا من الدارسين الذين قد تعرّضوا لدراسة القصة القرآنية، قد أهملوا الحديث عن عنصري البداية والنهاية، مهتمين بغيرهما من العناصر القصصية.

- يعدّ رسم البداية والنهاية في القصة القرآنية على غير مثال سابق، فرصة للتأمّل والتدبّر في معرفة كُنه الجمال القصصي القرآني، ودعوة للإفادة من توظيف بنيتهما البيانية والإعجازية في الأعمال الأدبية المختلفة، كما أنّ دراسة التعبير الجمالي للقرآن الكريم وقصصه هو دعوة للإيمان أو زيادته عند المسلمين وغيرهم.

- فهم مقصود السور القرآنية من خلال عنصري البدايات والنهايات، وهذا ما تنبّه له الباحثون المحدَثون؛ فمنهم مَن قسم السورة إلى مقدمة، أو مقدمات، وهو ما يُطلَق عليه اسم الديباجة، وإلى موضوع، أو موضوعات، تتناولها السورة، بنظام لا يتداخل فيه جزء مع جزء آخر، وإلى خاتمة تقابل ديباجة السورة. وهذا الرأي لمحمد عبد الله دراز[5].

الإشكالات المعرفية التي يقوم عليها الكتاب:

ذكر المؤلف أنّ مؤلَّفه هذا بِكرٌ في مجاله لم يتطرّق إليه أحدٌ في مجال القصة القرآنية إلا ما كان من بحث مختصر في حدود عشرين صفحة للدكتور/ صالح العريني[6]؛ ولذلك واجه المؤلِّف بعض الإشكالات المعرفية، وهي:

الكيفية التي ستدرس بها القصة القرآنية، لا سيما وهي تختلف عن قصص البشر في النَّظْم وفي الأسلوب وفي المضمون، فمصطلح القصة لا شك سيتقاطع مع ما يعرفه البشر من شخصيات وأحداث وعقدة وحلّ وغيرها، وربما ينزلق بعض دارسي القصة القرآنية في كثير من الأحيان إلى تحليل القصة تحليلًا أدبيًّا أو فنيًّا، فتنزل القصة القرآنية أو تتساوى مع قصص البشر، وفي هذا غمطٌ بيِّنٌ لها. وفي سبيل حلّ هذه الإشكالية وجد المؤلِّف أنّ الحلّ يكمن في استخراج قوانين القصة القرآنية من داخلها، فهي لا شك تختلف شكلًا ومضمونًا عن غيرها من القصص البشرية، فعلى سبيل المثال: نجد أنّ جميع القصص الأدبي يولع مؤلِّفوه بالاستطراد والوصف الداخلي والخارجي، أمّا قصص القرآن فهي تنحو نحو الإيجاز والتكثيف وإبراز المطلوب فقط بدون الدخول في كثير من التفاصيل التي لا طائل من ورائها.

  كذلك أيضًا البحث عن نقطة البداية القصصية مع تكرار القصص المختلفة في القرآن الكريم، هل البداية ستكون حسَب ترتيب المصحف، أم ترتيب النزول، أم الموضوع؟ وفي سبيل حلّ هذه الإشكالية، أخذ الباحث بترتيب المصحف، وانتقى النماذج التي تخدم فكرته بعناية شديدة. كما اعتبر أن كلّ قصة وردت في كلّ سورة إنما جاءت لخدمة الغرض العامّ فيها؛ ولذلك كان عنصر البدايات والنهايات يختلف في عرضه من مكان لآخر حسَب ما يقتضيه السياق، فمرة تُعرض القصة من بدايتها، ومرة تُعرض من وسطها، ومرة تُعرض من نهايتها.

كذلك كان من الإشكالات المعرفية أن القصة القرآنية حين النظر إليها يظنّ أنها تمتلك أكثر من بداية، ولحلّ هذه الإشكالية، وجد المؤلِّف أن هذه مقدمات للبداية (تمهيد، توطئة)، وليست بداية حقيقية. وقد قارن المؤلِّف ذلك بأدبيات البشر؛ فمن الباحثين مَن يرى أن النصّ الروائي أيضًا يمتلك أكثر من بداية، «فثمّة البداية الأصل أو الرئيسة، وهي بمثابة العتبة التي تقذف بنا إلى رحابة النصّ، وثمة بدايات أخرى تحتمل أن تكون ثانوية، وتتعلّق بالفصول المشكلة للنصّ الروائي»[7].

 كذلك كان من الإشكالات المعرفية، أن النهاية في بعض القصص القرآني تحتاج لكثير من التدبر من حيث موضعها، فأين تكمن النهاية؟ والقصص يتكرّر، والمواقف تتشابه. ولحلّ هذه الإشكالية وضع الباحث خطة محكمة خدمت عناصر البداية والنهاية وأوضحت أوجه الارتباط والتناسب بينهما. لقد عالج المؤلِّف عنصر النهاية بطريقة أفُقية وبطريقة رأسية؛ ففي الطريقة الأفقية، تحدّث عن النهاية في كلّ قصة وردت في سور القرآن على حدة. وفي الطريقة الرأسية، جمَّع عدة نهايات وردت بصور مختلفة لبعض قصص القرآن المكررة؛ كقصة هلاك قوم لوط، التي وردت مجزّأة في عدّة سور، وقام باستنباط طريقة النهاية، وذكر أنها لم تكن نهايات مختلفة، بل نهاية واحدة مجزّأة شكّلَت من مجموعها صورة نهاية كبرى.

مزايا الكتاب:

- موضوع هذا الكتاب يتعلّق بالإعجاز البياني في تناسب بدايات ونهايات القصص القرآني، وقد سعى الباحث إلى دراسة هذا الموضوع من كافة جوانبه، والكشف عن أسراره البيانية، وذلك من خلال الإفادة من مناهج الدارسين القدماء والمحدَثين، مع الإفادة من المنهج الاستقرائي الوصفي في تحليل النصوص وبيان دلالاتها المتنوّعة، والوقوف على أسرارها البيانية والجمالية. وهذا الموضوع له أهمّيته الكبيرة في الدراسات القرآنية؛ فهو يستحقّ الدراسة والبحث؛ نظرًا لجدته وبكارته.

- درَس الباحث عنصر البداية دراسة جمالية، مبرزة كلّ ما يمتّ لها بصِلة، فتحدّث عن طرق عرض البدايات من حيث الرتبة، والنوع والتناسب، ولا شك أن هذا سيجمع كلّ شيء عن عنصر البداية، ولم يكتفِ الباحث بذلك بل عقد فصلًا للتناسب بين البداية والنهاية، يوضح نقطة التلاقي والاختلاف.

- وفي دراسته لعنصر النهاية انتقى نماذج كثيرة للنهايات القصصية شملت جميع القرآن الكريم، وقام بدراسة النهاية دراسة أفُقية ورأسية، وقارن بينها وبين البداية، وأثر ذلك في الشخصيات والأحداث والأفكار والمضمون.

- ويمتاز الكتاب بوضوح الأفكار، وسداد المنهج، واللغة العلمية الرصينة، والتوثيق الدقيق للمادة العلمية، والالتزام بالمنهج العلمي في الوصف والتحليل.

- خطة البحث شملت جميع عناصر الموضوع (البداية - النهاية - النظرة الكلية)، وقد جاء ترتيب هذه الفصول منسجمًا مع المنهج الذي اتّبعه الباحث؛ كما ركّز البحث على دراسة النصوص وتحليلها تحليلًا علميًّا دقيقًا، واتّبع منهجًا موحّدًا في تحليلها، ويتجلّى في الاعتماد على معطيات علم البلاغة والنقد الحديث، ومع العناية بمراعاة السياقات المختلفة للآيات الكريمة، كما عُني الباحث بتعريف المصطلحات العلمية الواردة في بحثه، والتزم بتوثيق مادته من المصادر القديمة والمراجع العلمية الحديثة.

- لغة الباحث دقيقة وواضحة، وأسلوبه في العرض ممتاز، كما يمتاز بحثه بجودة الصياغة والعرض مع العناية بالتفاصيل الدقيقة، ويستخدم المصطلحات العلمية بصورة دقيقة، وهذا أحد مؤشرات الجودة في كتابة البحوث العلمية الرصينة.

- في هذا الكتاب إضافات علمية واضحة، حيث استطاع الباحث تقديم مادة علمية متميّزة عن موضوع البدايات والنهايات في القصة القرآنية، كما اتّبع المنهج الحديث في الدراسة، كما أفاد من الدراسات السابقة، وبَنى عليها وأضاف إليها، ولعلّ من أبرز مزايا هذا الكتاب تحليل النصوص القرآنية بطريقة حديثة، واتّباع المنهجية العلمية في المقاربة والاستنتاج، مع الابتعاد عن الأحكام والانطباعات الشخصية، والاعتماد على مصادر ومراجع متنوعة.

- يعرض الباحث آراء الدارسين القدماء والمحدَثين، ويحاول مناقشتها بمناقشات هادئة ويضيف إليها، وكثيرًا ما يرجّح ما يراه مناسبًا؛ استنادًا إلى السياق، والقرائن اللغوية والعقلية المختلفة.

- استعان الباحث بمصادر أصيلة ومراجع حديثة كثيرة، وقد أفاد من الدراسات الحديثة المتعلقة بالقصة الحديثة، كما اعتمد -في الغالب- على الطبعات الحديثة والمحقّقة، وأحسن التعامل معها.

أبرز الملاحظات على الكتاب:

- استطرد المؤلِّف استطرادًا كبيرًا في تعريف مصطلحي البدايات والنهايات[8].

- أجاد الباحث إجادة رائعة في توظيف مراجعه القديمة والحديثة التي اعتمد عليها وأفاد منها في كلّ موضع مناسب احتاج إليها بحثه، ولكن يؤخذ عليه في هذا الجانب أمران؛ أولهما: إسرافه كثيرًا في الاستشهاد بها، حيث بدا لي أنّ غرضه الإكثار من ذِكْر المراجع التي اعتمد عليها. ثانيهما: نقله من تلك المراجع دون مناقشتها -إلا نادرًا- وكأنّ نصوصها حقائق ثابتة لا تناقش ولا يُردّ عليها، على الرغم من أنها آراء تحتمل الخطأ والصواب.

- تكرار القصص التي استشهد بها مما أفقد القارئ تركيزه، وكان يمكن له الاستشهاد بقصص أخرى، والقرآن الكريم مليء بالقصص؛ فقد كرّر كثيرًا (قصص آدم، ويوسف، ومريم، وموسى، وصاحب الجنتين، وغيرها...)[9].

- يتعسّف المؤلِّف تعسفًا شديدًا، ويتمحَّل تمحُّلًا بَيِّنًا في إسقاط المصطلحات الحديثة الخاصة بالقصة، وأنواعها وبداياتها وأنواعها... على القصة القرآنية؛ حيث يذكر مصطلحًا، أو تعريفًا لكاتب، أو باحث، ويحاول أن يَذكر له شاهدًا من القصص القرآني، وهذا كما قلتُ فيه تمحُّل وتعسُّف شديدان، فلا ينبغي أبدًا أن ألوي عنق النصّ القرآني من أجل إثبات مجاراة القصص القرآني لأحدث تقنيات القصة في العصر الحديث، هذا -من وجهة نظري- فيه تكلّف شديد[10].

- حـديثه عن علاقة الحروف المقطعة في أوائل بعض السـور القرآنيـة بالقصص الواردة فيها غير مقنع في أغلبه، ولا دليل عليه، وفيه تكلّف بادٍ[11].

- حديث الباحث عن التناسب بين قصص السور الواحدة فيه تركيز على التناسب اللفظي أو الأسلوبي، وهذا أمر لا عناء فيه، ولا يحتاج إلى مجهود، وكان المأمول من الباحث أن يبحث عن العلاقة المعنوية وليست اللفظية التي تربط بين هذه القصص، ومن أمثلة ذلك ما ذكره في سورة (هود) في حديثه عن تناسب قصة نوح مع ما بعدها من قصص[12].

الخاتمة:

لقد كانت هذه قراءة موجزة -غير مخلّة- لكتاب (البدايات والنهايات في القصة القرآنية) لمؤلِّفه دكتور/ رجب أحمد عبد الرحيم حسن، حاولتُ فيها بموضوعية علمية عرض الكتاب وتعريف القارئ به، وقد طوّفتُ مع الكتاب فعرضتُ محتواه وفصوله ومباحثه وعناصره المختلفة ذاكرًا النماذج القصصية التي استشهد بها المؤلِّف ليكون ذلك مرآة موجزة للباحثين في الدراسات القرآنية ولا سيما البلاغية منها.

وكانت الإشكالات المعرفية التي واجهها المؤلِّف وطريقة حلّها من النقاط المهمّة التي لم نكن لنغفُل عنها في مقالتنا تلك؛ لأن تلك الإشكالات تعدّ منطلقًا لحلّ أمور كثيرة تتعلّق بنقطة الانطلاقة المعرفية للكاتِبين.

 وأمّا عن مزايا الكتاب فقد عرضنا أهمها؛ لنحث القارئ على اكتشاف المزيد منها ففي الكتاب كثير من المزايا ولا سيما تحليلاته الرائعة لنماذجه المختارة، ولفتاته الجمالية، وتدبّره الجميل؛ ولذا اختارت جائزة دبيّ عند نشر هذا الكتاب هذه الآية ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ لتضعها على صفحة الغلاف؛ نظرًا لِما في هذا الكتاب من تدبّرٍ وتفكرٍ في آيات الله.

 وأمّا عن الملاحظات على الكتاب، فهو كغيره من الكتب التي يعتريها بعض النقص، ولا شك أنّ هذا عملٌ بشرى، يصحبه الصواب والخطأ، والسداد والتقصير، وصدق السخاوي (ت: 902هـ) إِذْ يقول: «السعيد من عُدّت غَلطاته، وما اشتدّت سَقطاته؛ فكلّ إنسان سوى ما استدركوا يؤخذ من كلامه ويترك، وهي الدنيا لا يكمل فيها شيء، ولا يخلو مصنّف من نشر وطيّ»[13]. وقد صحّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (حقٌّ على اللهِ أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضَعَه)[14].

 

 

[1] الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم الإعجاز، العلوي اليمني (يحيى بن حمزة بن عليّ بن إبراهيم)، مطبعة المقتطف بمصر 1914 (2/ 266).

[2] البدايات والنهايات في القصص القرآني، دكتور/ رجب أحمد عبد الرحيم حسن، نشر جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، ط1/ 1439هـ= 2018م. وأصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه مخطوطة، بعنوان: تناسب البدايات والنهايات في القصة القرآنية؛ دراسة بلاغية نقدية، نال بها الباحث درجة الدكتوراه من كلية الآداب، جامعة أسيوط، بمصر، عام 2012م.

[3] مؤلِّف هذا الكتاب هو الدكتور/ رجب أحمد عبد الرحيم حسن، وهو من مواليد المنيا مصر عام 1971، تخرج في كلية دار العلوم، جامعة القاهرة عام 1994م، وحصل على الماجستير في الشعر العربي من الكلية نفسها عام 2009م، والدكتوراه من كلية الآداب جامعة أسيوط عام 2012م في تخصص الدراسات البلاغية والنقدية. عمل معلمًا بالمدارس الحكومية بمصر والسعودية، وعُيّن مدرسًا مساعدًا بكلية دار العلوم، جامعة المنيا عام 2015 ثم رُقّي إلى درجة مدرس عام 2016م ودرجة أستاذ مشارك عام 2022م. له العديد من الأبحاث والدراسات البلاغية والنقدية والإسلامية. فاز بحثه: (منهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إدارة الأزمات) بالجائزة الأولى بجائزة الأمير نايف بن عبد العزيز عام 2017م، وحصل بحثه (الوقف ودوره في حفظ الاستثمارات للأجيال القادمة) بالجائزة الأولى بجائزة الكويت الدولية 2019م. كُرِّم من قِبل مفتي جمهورية مصر العربية، وأمير المدينة المنورة، ووزير الأوقاف الكويتي.

[4] فعلى سبيل المثال: القصة القرآنية؛ الخصائص والأهداف، عليّ حسن محمد، مطبعة الحسين، القاهرة ط1/ 1415هـ، قد درس فقط العناصر الآتية: (الشخصية - الحوار - الأحداث - الأسلوب)، ولم يدرس عنصري البداية والنهاية. كذلك: القصص القرآني رؤية فنية، فالح الربيعي، الدار الثقافية، القاهرة، 1422هـ، درس العناصر: (الشخصية - الحوار - الزمان - المكان)، ولم يدرس أيضًا: عنصري البداية والنهاية برغم أهميتهما، وهذا دليل على أهمية هذا الكتاب الذي معنا؛ حيث أفرد بحثًا كاملًا لهذين العنصرين اللذَيْن ظُلِمَا في كثير من الدراسات النقدية والبلاغية.

[5] ينظر: النبأ العظيم (نظرات جديدة في القرآن)، محمد عبد الله دراز، ص175.

[6] جماليات البداية والنهاية في القصة القرآنية، عبد الله بن صالح العريني، الدرعية، السنة العاشرة، العددان: 37، 38، ربيع الأول- جمادى الآخرة 1428هـ/ أبريل- يوليو2007م.

[7] ينظر: البدايات والنهايات، رجب أحمد عبد الرحيم، ص32.

[8] استغرق الحديث عن تعريف مصلح البدايات والنهايات الصفحات من (21- 36) حيث عرّفها الباحث قديمًا وحديثًا، وفي هذا استطراد كبير، كان يمكن أن يختصر ويوجز.

[9] تكررت قصة آدم -عليه السلام- (101، 120)، ويوسف -عليه السلام- (56، 83، 99، 107)، وموسى -عليه السلام- (67، 70، 86، 87)، وأصحاب الكهف (65، 94، 123)، وصاحب الجنتين (126، 152).

[10] ينظر حديث المؤلف عن البداية بالصراع ص232، والمماطلة ص285.

[11] ينظر: ص237.

[12] ينظر: ص262.

[13] الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ، السخاوي (شمس الدين محمد بن عبد الرحمن)، مكتبة ابن سينا، القاهرة، مصر، ص165.

[14] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، تحقيق: محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية - القاهرة، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1400هـ، كتاب الرقائق، من رواية أنس بن مالك، برقم 2872.

الكاتب

الدكتور رجب أحمد عبد الرحيم حسن

أستاذ البلاغة والنقد والأدب المقارن المساعد بكلية دار العلوم، ‏جامعة المنيا - مصر، وله عدد من الأعمال العلمية والأدبية المنشورة.‏

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))