كتاب: (تفسير ابن سِيدَه اللغوي؛ جمع وتحقيق ودراسة)
د. بسام بن مصباح الأغبر
عرض وتعريف

اعتنى كتاب (تفسير ابن سِيدَه اللغوي؛ جمع وتحقيق ودراسة) بجمع تفسير ابن سِيدَه ‏الأندلسي من معجميه: المحكم والمحيط الأعظم، والمخصّص. وهذه المقالة تُعرِّف بالكتاب، فتعرض بياناته، ومنهج الجمع للمادة التفسيرية لابن سِيدَه، وأهمية هذا الجمع.

تمهيد:

  يظهر المنهجُ اللغويّ في تفسير القرآن الكريم جليًّا في منهجية ابن سِيدَه عندما عالج اللفظة القرآنية أَو تدبر آية قرآنية في أعماله اللغوية؛ فكان يأَتي بالأُصول اللغوية للّفظة، ويذكر منابعها -في الغالب- مستشهدًا بمحفوظه الأَدبي، وتعدّد القراءات القرآنية، إِن وُجِدَ في ذلك الموضع الذي يُعالجه، مبتعدًا عن مناهج التفسير الأُخرى؛ مثل: المنهج العقلي، أَو المنهج الإِشاري، أَو المنهج الفقهي. وهذا الكتاب (تفسير ابن سِيدَه اللغوي؛ جمع وتحقيق ودراسة) خُصّص لجمع تفسير ابن سِيدَه الأندلسي من معجمَيْه (المحكم والمحيط الأعظم، والمخصّص)، وفي هذه المقالة سنعرِّف بهذا الكتاب، فنذكر بياناته ومنهج الجمع للمادة التفسيرية لابن سِيدَه، وغير ذلك.

- بيانات الكتاب:

- اسم الكتاب: (تفسير ابن سِيدَه اللغوي؛ جمع وتحقيق ودراسة).

- مؤلِّفه: عمل على جمع مادته وتحقيقها ودراستها: د. بسام بن مصباح الأغبر - فلسطين.

-تاريخ الفراغ من تأليفه: فجر يوم الجمعة 24 من شوال عام 1445هـ، الموافق 3/ 5/ 2024م.

- طبعات الكتاب:

الطبعة الأولى، دار النابغة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1446هـ/ 2025م.

عدد صفحاته: 674 صفحة.

- منهج الكتاب:

يشهد الإِنتاج الثقافي الهائل للحضارة الإِسلامية على إخلاص أَبنائها، وتطويع أَوقاتهم في خدمة حضارتهم بمستوياتها المتعدّدة، وهذه الأَعمال البديعة التي وصلتنا جعلتنا أَمام مسؤوليات عُظمَى متعدّدة لهذا التراث الثَّري، ولا تقف تلك المسؤوليات عند حدود الاطلاع والدرس والحفظ، بل تتعدّاه إِلى إِعادة اكتشاف هذا التراث، واستخراج كنوزه ودُرَره، والسياحة بين كواكبه ونجومه؛ ومن هذه الكنوز ما أَنتجته الحضارة الإِسلامية لرعاية سامية في خدمة اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ووجدنا في فكر العلّامة الأَندلسي ابن سِيدَه -رحمه الله- كنوزًا ثمينةً، هدانا الله إِليها، تتمثّل في مادة غزيرة في التفسير اللغوي للقرآن الكريم.

ولقد قام الكتاب بجمع مادة هذا التفسير اللغوي لابن سِيدَه، وفيما يأتي نبيّن المنهج الذي اتّبعه مؤلِّف الكتاب في هذا الجمع:

1. جَمْعُ مادة التفسير اللغوي من المعجمَيْن، ثُمَّ جَمْعُ المادة اللغوية للآية الواحدة. وكُلُّ ما وردَ في هذا الكتاب هو من لغة ابن سِيدَه، إِلا ما كان مِن تدخُّل لغوي طارئ قمنا به؛ للتماسُك النصّي، وتسلسل الفكرة، ووضع -قبل التفسير- الآيةَ القرآنيةَ بالرسم العثماني برواية حفص عن عاصم؛ حتى يتدبّر القارئ الكريم الآية تدبرًا يُفضِي إِلى فهم مرامي كتاب الله كما أَراد الله عزَّ وجلّ. وبعد الانتهاء من تفسير الآية ينتقل إلى الآية التي ذكر ابن سِيده شيئًا من تفسيرها، فقد ينتقل من آية إلى أُخرى، كما حدث في سورة البقرة، على سبيل المثال، عندما انتقل التفسير من آية (25) إِلى آية (29)، فما بينهما من آيات لم يذكر ابن سيده في تفسيره شيئًا. وبعدها، عمل على ترتيب هذا الجمع في داخل السورة القرآنية الواحدة، ونظم السور القرآنية وفق الترتيب القرآني، من سورة الفاتحة إِلى سورة الناس، خلا (سورة الكافرون) التي لم يرِد في تفسير كلماتها شيء.

2. الاعتماد على نُسَخ المعجمَين المحققة، والرجوع إلى كُتب المعاجم الأُخرى؛ لضبط ما يمكن أَن يكون فيه شيءٌ من اللَّبس، وتجدر الإِشارة هنا، إلى أَنّ الباحث لم يوثّق ما نقله ابن سِيدَه من المعاجم؛ لأَكثر من سبب:

❖ أَوّلًا: كثرة نقله من تلك المعاجم؛ كالعين، مثلًا، وكثرة الحواشي ستُثقل الكتابَ، وتشتّت القارئ، وقد عاد الباحثُ إِلى تلك الأَقوال ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وتأَكّد من دقّة ضبطها، وأشار إلى بعض الملحوظات -على قلّة- في بعض الحواشي.

❖ ثانيًا: لم يوثّق محققو معجميه -جزاهم الله خير الجزاء- في الغالب تلك النقولات، فاعتمد الباحث على عملهم.

❖ أَخيرًا: فإِنَّ بعض ما ذكره ابن سيده من مواد لغوية أَو آراء علمية لم نجدها في مصنّفات صاحبها المنقول عنه، ومن أَمثلة ذلك -على سبيل المثال- بعض ما نسبه ابن سيده لابن جنِّي، وربما يعود ذلك إِلى وجود نُسخ مخطوطة لم يطّلع عليها محققو التراث العربي، فلم تُذكر تلك الآراء في النُّسخ المطبوعة المتداولة في العصر الحديث، أَو أَنَّ بعض تلك المصنّفات قد ضاع، وذكرنا ذلك سابقًا. 

3. حاول الباحث تجنُّب التَّكْرار في التفسير، ففي بعض السور القرآنية تتكرّر الآية القرآنية، فذكرها في أَول سورة وردت فيها، ومِن أَمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، الذي جاء في ست سور، هي: يونس: 48، والأنبياء: 38، والنمل: 71، وسبأ: 29، ويس: 29، والملك: 25. ويُضاف إِلى ذلك أَيضًا أَنّ الباحث لم يُكرِّر ذِكْرَ الآياتِ التي اعتمد عليها ابن سِيده في تفسير القرآن بالقرآن.

4. عزا الباحث القراءات القرآنية إِلى أَصحابها، وذكر المتواتر منها من الضعيف، معتمدًا في ذلك على كُتب القراءات القرآنية المتواترة، وهو أَمر لم يقم به محققو تراث ابن سيده -شكر الله لهم- في أَكثر الأَحيان.

5. عمل على تخريج الأَحاديث النبوية، مِن مظانّ السُّنَّة النبوية الصحيحة، وذكر في الحاشية المصدر ورقم الحديث الذي اختصره بـ (ح.ر) درجة صحة الحديث، وللأَسف لم يلتزم محققو المعجمين بتخريج تلك الأَحاديث غالبًا.

6. عاد الباحث إلى كتب الأَدب والدواوين الشعرية؛ لضبط الأَشعار، والتحقّق من صحتها، ووزنها، ووَضَع أَمام كلّ بيت وزنه العروضي، وإِذا وُجِد فرق بين البيت ومصدره، ذكرَ ذلك في الحاشية.

7. أرفق في العمل الفهارس الفنية، للحديث النبوي، والأَشعار.

- محتويات الكتاب:

يأتي هذا العملُ موزّعًا على تقديم، ومقدّمة، ومدخل عام، ثم تفسير ابن سِيدَه للقرآن الكريم، مرتبًا من سورة الفاتحة إِلى سورة النَّاس، ثمَّ التوصيات والخاتمة، وفهرسي الأَحاديث النبوية، والقوافي الشعرية، وقائمة المصادر والمراجع.

فقد بدأ الكتاب بتقديم من فضيلة الدكتور أحمد عيسى المعصراوي، شيخ عموم المقارئ المصرية السابق، الذي أشاد بهذا العمل، وحضّ الباحثين على سير الطريق ذاته، في خدمة اللغة العربية والقرآن الكريم.

ثم جاءت مقدّمة الباحث التي ظهرت فيها مشكلة البحث، وأهدافه، وأهميته. ثم كان المدخل العام للدراسة، وفيه: ابن سِيدَه؛ حياته وتراثه ومصادره العلمية، وأبرز العلماء الذين تلقّى الدرس على أيديهم.

ثم عالج الباحثُ معالم منهج ابن سِيدَه في التفسير اللغوي للقرآن الكريم.

ثم معالم منهج الباحث في هذا الكتاب.

- أهمية الكتاب:

تتجلّى أَهميَّةُ هذه الدراسة، في ثلاثة أَفرع، يُغطِّي كلّ فرع منها معرفة علمية يتفيَّأُ ظلالَها طلبةُ العلم، وشُداة المعرفة، والغُيُر على تراثهم العربي الإِنساني.

 أَوّلها: جمعها للتفسير اللغوي للقرآن الكريم الذي عالجه ابْنُ سِيدَه فِي مُعْجَمَيهِ: الُمخَصَّص، وَالـمُحْكَم وَالـمُحِيط الأَعْظَم؛ إِذْ تكاد تخلو المعاجم العربية الأُولى من الاستشهاد بالقرآن الكريم، أَو تتبّع اللفظة القرآنية أَو تفسيرها، في حين كان ابْنُ سِيدَه سَبَّاقًا مِن بين المعجميِّين في عرضه للتفسير اللغويِّ للأَلفاظ القرآنية وتحليلها، حتى أَصبح سِمة بارزة في عمله المعجميِّ، ويُعَدُّ ابن سيده رائدًا في الصِّناعة المعجميَّةِ، اعترف بفضله اللغويون، وهو إِمامهم في صناعة المعاجم المعنوية؛ فالمخصّص «لا يشتمل فقط على مادَّة لغوية ثرة، تصلح للتعبير عن الحضارة والثقافة، ولكنَّه -بما تضمَّنه من مصطلحات فنية- يمكن أَن يُسهم في حلّ مشكلة مطروحة بإِلحاح أَمام الكاتب العربي المعاصر، وهي مشكلة فقر اللغة في المصطلحات التي تكون ملائمة للتعبير عن معطيات التقدُّم الذي حقّقته العلوم الحديثة»[1].

 والأهميةُ الثانيةُ في هذا العمل، تتمثّل في جمع هذا التفسير القرآني من مدرستي المعجم العربي؛ مدرسة معجم الأَلفاظ، ومدرسة معجم المعاني المعنوية، فهذان المعجمان المخصّص، والمحكَم، «يمثّلان ذروة النضج والكمال التي انتهى إليها المنهاجان معًا، فيما عرفته العربية من معاجم في القرون الوسطى؛ وذلك ليس فقط لِمَا في بنيتهما من إِجادة وإِتقان، وما في مضمونيهما من ثراء واستفاضة، ولكن أَيضًا لما تميَّز به أُسلوبُهما من وضوح وإِيجاز، وتعاريفهما من دقة وإِحكام، فضلًا عن عناية المؤَلِّف بالتدقيق في ذكر المصادر التي يستقي منها»[2].

وتظهر الأَهمية البارزة الأَخيرة لهذا العمل، في إِحيائه لتراث علمي، وفكر قرآني للعالم ابن سِيدَه؛ إِذ تذكر كُتب التراجم والسِّيَر مصنفاتٍ له في اللغة لم تصلنا حتى هذه اللحظة، وفي هذا الجمع إِظهارٌ لمعالم فِكْره اللغوي القرآني، إِن جاز لنا التعبير.

الخاتمة:

عرَّفنا في هذه المقالة بكتاب (تفسير ابن سيده اللغوي؛ جمع وتحقيق ودراسة)، فذكرنا بياناته ومنهج العمل في جمع تفسير ابن سيده اللغوي، وأشرنا لمحتويات الكتاب وأهميته، وقد خُتم الكتاب بمجموعة من التوصيات، أذكرها لعلّها تُنير فكرةً، أَو تكون بذرةً لعمل يَخرجُ به أَحد الفضلاء الغُيُر على لغتهم، والعاملون على خدمة قرآنهم:

أَولًا: تحتاج المكتبة العربية لأَعمال مقارنة بين التفاسير اللغوية للقرآن الكريم، وإِبراز معالمها، وأَوجه الاتفاق والاختلاف بينها.

ثانيًا: إِنَّ في المعاجم العربية مادَّةً غزيرة، وعلمًا عظيمًا، ما يزال بحاجة إِلى هِمّة طلبة العلم، وإِخراج تلك الكنوز الباهرة؛ فالمعاجم لا تضمّ الكلمة ومعناها، بل هي مستودعات أَمينة لتراثنا العربي الإِسلامي، ويمكن لتلك المادة أَن تسدَّ حاجة الإِنسان المعاصر، في ظلّ حياة متسارعة، واكتشافات باهرة.

ثالثًا: يجب العودةُ إِلى خزائن المخطوطات والتنقيب فيها، للبحث عن تراث أَجدادنا المفقود، ولا سيما مَن نقلَ عنهم العلَّامة ابن سِيده.

رابعًا- إِنَّ أَقلّ تقديرٍ لعلمائنا الكرام، الذين فُقد إِنتاجهم، أَن نعمل على لَـمِّ شتاته، وإِعادة تبويبه، وتصنيفه، وإِخراجه، ومن ذلك على سبيل المثال: العودة إِلى إِنتاج ابن سيده، وإِخراج نقوله عن العالم اللِّحيانيِّ؛ فهذا العالم ضائع تراثه، ويمكن في هذا العمل -إِن تمَّ- تسليط الضَّوء على فِكْرِهِ وإِنتاجِه.

أَخيرًا: يحتاج معجم (المخصّص) إِلى إِعادة تحقيق من جديد، وفق أُصول التحقيق العلمي؛ لكثرة الأَخطاء في نُسَخِهِ المطبوعة المعاصرة، ولا يظننَّ أَحدٌ أَنَّ الصورة الحالية لهذا الكتاب تسرُّ صاحبه ابن سِيدَه رحمه الله تعالى.

وخير ما نختم به عملنا هذا، دعاء ابن سيده القائل فيه: نَسْألُ اللهَ إِعاذتَنا مِن العُجْبِ بما نُحْسِنُهُ، كَما نَسْأَلُهُ الإِعاذَةَ لَنا من الادِّعاء لِما لا نُحْسِن.

 

[1] ابن سيده المرسي، داريو كبانيلاس رودركس، الرباط: المناهل، وزارة الثقافة المغربية، ع7، 1976م، ص312،

[2] ابن سيده المرسي، داريو كبانيلاس رودركس، ص334.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))