توظيف القراءات في التفسير عند الصحابة
أساليب التوظيف ووجوهه
مدخل:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فتعدّ القراءات أحد أهم المصادر المهمّة في تفسير القرآن الكريم، وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها -كغيرها من مصادر التفسير- لم تلقَ عناية بدراستها من خلال تطبيقاتها في كتب التفسير ومن ثمَّ بناء القواعد والأحكام النظرية المتعلقة بها انطلاقًا من تطبيقات المفسِّرين.
ولذا أردنا في هذه المقالة أن نتناول مسألة من أبرز المسائل المركزية التي تتعلّق بهذا المصدر من مصادر التفسير، وهي مسألة أوجه توظيف القراءات في التفسير، من خلال تفسير الصحابة -رضوان الله عليهم- نظرًا لمركزية تفسير السَّلَف وأهميته.
وتأتي مقالتنا مقسومة إلى قسمين؛ نتناول في القسم الأول منها أساليب الصحابة في توظيف القراءات في التفسير، وأمّا في القسم الثاني فنبيّن أوجه توظيف الصحابة للقراءات في التفسير، وذلك بعد تمهيد نبرز فيه فكرة توظيف القراءات في التفسير وحدود تناولنا للمسألة في المقالة وطريقتنا في ذلك.
تمهيد:
اعتمد الصحابة في تفسيرهم للقرآن على عدد من المصادر؛ كالنظائر القرآنية والقراءات واللغة العربية والأخبار وغيرها، وتأتي فكرة المقالة في تسليط الضوء على إحدى المسائل المركزية المتعلقة بمصدر القراءات في التفسير عند الصحابة وهي مسألة أوجه توظيفهم للقراءات في التفسير.
وقد سلَكْنا في جمع المرويات التي جاء فيها توظيف للقراءات في التفسير عند الصحابة منهجًا استقرائيًّا، وفصَّلنا منهجنا وطريقتنا في الاستقراء والجمع في دراستنا (المفسِّرون من الصحابة -جمعًا ودراسة وصفية-)، فلتراجع هنالك[1].
ويجدر بنا أن ننبّه على أن التفسير عملية مركّبة من عدّة عوامل تسهم في إنتاج ثمرته النهائية[2]، ونعني بذلك أنّ الصحابي مثلًا عندما يوظّف القراءات في التفسير فيما يظهر لنا من خلال فهمنا لكلامه فإنه في الحقيقة لم يقتصر على توظيف القراءات فقط، وإنما هناك موارد كامنة أسهمتْ كذلك في إنتاج الصحابي لهذا المعنى أو غيره؛ كاستخدامه للّغة، فهو حتمًا قد وظَّف اللغة في إنتاجه لذلكم المعنى، أو السياق، بالإضافة إلى ما يظهر لنا من توظيفه للقراءات، فهي عملية مركّبة، ولكن لا سبيل لنا إلى دراسة تلك الموارد سوى عن طريق إفراد كلّ موردٍ وحده من خلال جمع مروياته والنظر فيها.
وقبل أن نشرع في بيان أقسام المقالة نلمّح إلى واقع دراسة تلك المسألة في الدراسات المعاصرة، ثم نبيّن أهمية سلوك الطريقة التي انتهجناها في دراستها من خلال ما يأتي:
- أولًا: واقع دراسة مسألة أوجه توظيف القراءات في التفسير:
لم نقف -فيما طالعناه- على دراسات اعتنت بدراسة أوجه توظيف القراءات في التفسير بصورة تطبيقية وَفق استقراء منهجي منضبط، وهذا الإشكال نفسه واقع في مؤلَّفات مناهج المفسِّرين، والتي من المفترض عند دراستها لمنهج المفسِّر أن تقوم بدراسة تطبيقاته بصورة منضبطة، إلا أنّ هذه المؤلَّفات لا تفعل ذلك، بل تنطلق من التنظيرات المسبقة لتلك المسألة في كتب أصول التفسير وتقوم بتسييق هذه التنظيرات على التفسير الذي تدرس منهجه، فتجعل التفسير خاضعًا لهذا التنظير، ولا تسمح بدراسة واقعه التطبيقي، وقد بينَّا أبرز إشكالات هذه الطريقة في دراسة مناهج المفسِّرين في مقالة مستقلّة[3].
- ثانيًا: أهمية دراسة أوجه توظيف القراءات في التفسير:
تعدّ مسألة أوجه توظيف القراءات في التفسير من المسائل شديدة الأهمية، وتبرز أهميتها على عدّة أصعدة، أبرزها ما يأتي:
1- تحديد أوجه توظيف المفسِّر للقراءات في التفسير بصورة دقيقة:
إنّ الاستقراء التام لكافة الروايات والمواضع التي وظَّف فيها المفسِّر القراءات في التفسير يتيح لنا الوقوف بدقّة على هذه الأوجه، وتحديد أيّ هذه الأوجه أكثر حضورًا عند المفسِّر، ما ينعكس على اكتشاف وبيان كثير من المسائل المركزية في التفسير؛ كمفهوم التفسير والحيثيات المكوّنة له في الكتب على اختلاف الأزمنة والمناهج والمقاصد.
2- معرفة منهج المفسِّر في توظيف القراءات في التفسير:
إنّ مِن أبرز الانعكاسات على دراسة أوجه توظيف القراءات في التفسير بصورة دقيقة عند المفسِّر أنها توقِفنا على منهج المفسّر وطريقته في هذا التوظيف بصورة واقعية من خلال تفسيره، بعيدًا عن تحكيم أيّ تنظيرات مسبَقة لم تخرج من رَحِمِ كتابه، وبذلك نقف على المنهج الحقيقي للمفسِّر.
3- بناء أصول التفسير وقواعده:
يعدّ بناء أصول التفسير وقواعده مشغلًا من أهم المشاغل في حقل الدراسات القرآنية، وقد أبانت بعض الدراسات عن وقوع إشكالات مركزية في بنائه المعاصر[4]، وإنّ دراسة أوجه توظيف المفسِّر للمصادر في تفسيره بصورة منهجية دقيقة لَمِن أهم الخطوات وأبرزها في الخطو إلى التأصيل الجيد والبناء الدقيق لأصول التفسير وقواعده حال القيام بها عند كافة المفسِّرين، وخاصة المؤسّسين والروّاد منهم في صناعة التفسير.
القسم الأول: أساليب الصحابة في توظيف القراءات في التفسير:
بلغت مرويات القراءات التي وظّفها الصحابة في التفسير من خلال استقرائنا (61) رواية، وقد تعدّدت أساليب الصحابة في توظيف القراءات في التفسير من خلال هذه الروايات، فجاءت على ثلاثة أساليب، وهي:
الأسلوب الأول: إبدال كلمة بكلمة: وهذا يعني ما وقع من القراءات فيه إبدال كلمة بكلمة أخرى، وجاء فيه (24) رواية، ومن أمثلته في قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الرعد: 31]، جاء عن مولى بحير: أنّ عليًّا -رضي الله عنه- كان يقرأ: ﴿أفلم يَتَبَيَّن الذين آمنوا﴾[5]، فأبدلت كلمة (ييأس) بكلمة (يتبيّن).
ومن أمثلته أيضًا في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: 226]، قرأ أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-: ﴿للذين يُقْسِمُون﴾[6]، فأُبدلت كلمة (يؤلون) بكلمة (يقسمون).
الأسلوب الثاني: زيادة عدة كلمات: وهذا يعني ما وقع من القراءات فيه زيادة أكثر من كلمة، وجاء فيه (23) رواية، ومن أمثلته في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104]، فعن عمرو بن دينار قال: «سمعنا ابن الزبير -رضي الله عنه- يقرأ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ "ويستعينون على ما أصابهم")»[7]، فزادت هنا عدّة كلمات، وهي: (ويستعينون على ما أصابهم).
ومن أمثلته أيضًا في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا﴾ [يونس: 24]، فعن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: «سمعتُ مروان يقرأ على المنبر هذه الآية: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا "وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها"﴾، قال: قد قرأتها، وليست في المصحف! فقال عباس بن عبد الله بن العباس: هكذا يقرؤها ابن عباس، فأرسلوا إلى ابن عباس -رضي الله عنه-، فقال: هكذا أقرأني أُبيُّ بن كعب -رضي الله عنه-»[8]، فزادت هنا عدّة كلمات وهي: (وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها).
الأسلوب الثالث: زيادة كلمة: وهذا يعني ما وقع من القراءات فيه زيادة كلمة واحدة، وجاء فيه (14) رواية، ومن أمثلته في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾، فعن عطية العوفي قال: «كان ابن عباس -رضي الله عنه- يقرؤها: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ويقول الراسخون في العلم آمنّا به﴾»[9]، فزادت كلمة (ويقول).
ومن أمثلته أيضًا في قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾[آل عمران: 159]، فعن عمرو بن دينار قال: «قرأ ابن عباس-رضي الله عنه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي بعض الأمر﴾»[10]، فزادت كلمة (بعض).
القسم الثاني: أوجه توظيف الصحابة للقراءات في التفسير:
أشرنا فيما سبق إلى تعدّد أساليب الصحابة في توظيف القراءات في التفسير، وفي هذا القسم نبيِّن ما ظهر لنا من أوجه ذلك التوظيف مع التمثيل لها.
لقد تعدّدت أوجه توظيف الصحابة للقراءات في التفسير، فبلغت ثلاثة أوجه، بيانها كما يأتي:
الوجه الأول: بيان المعنى: والمقصود به بيان معنى الآية بالقراءة، وعدد المرويات الواردة فيه (44) رواية، ومن أمثلته في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾[الأعراف: 201]، فعن سليط بن عبد الله بن يسار، قال: «سمعت عبد الله بن الزبير -رضي الله عنـه- يقول: ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تأمّلوا﴾»[11]، فبينت قراءة (تأمّلوا) معنى كلمة (تذكروا) في الآية.
ومن أمثلته أيضًا ما يأتي:
1- في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء: 16]، فعن هارون قال: «قراءة أبيّ بن كعب -رضي الله عنـه-: ﴿فإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا أكابر مجرميها فمكروا فيها فحقّ عليها القول﴾»[12]، فبيّنت قراءة (بعثنا أكابر مجرميها ففسقوا فيها) معنى الآية.
2- في قوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾[الطلاق: 1]، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنـهما-: «أنه قرأ: ﴿فطلقوهن لقُبُلِ عدتهن﴾»[13]، فبين المقصود بالعدة بأنه لقُبُل عدّتهن.
الوجه الثاني: تخصيص المعنى: والمقصود به تخصيص معنى الآية وتقييده بشيء معيّن، وعدد المرويات الواردة فيه (13) رواية، ومن أمثلته في قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: 24]، فعن أبي نضرة قال: «سألت ابن عباس -رضي الله عنـهما- عن متعة النساء. قال: أمَا تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت: بلى! قال: فما تقرأ فيها: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجلٍ مسمى﴾؟ قلت: لا؛ لو قرأتُها هكذا ما سألتُك. قال: فإنها كذا»[14]، فخصصت قراءة: (إلى أجل مسمى) الآية، وقيّدَتها.
ومن أمثلته أيضًا ما يأتي:
1- في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾[البقرة: 198]، فعن عبيد الله بن أبي يزيد قال: «سمعت ابن الزبير -رضي الله عنـه- يقرأ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ في مواسم الحج﴾»[15]، فقيّدَت قراءة: (في مواسم الحج) الآية.
2- في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ [النساء: 12]، فعن القاسم بن ربيعة قال: «سمعت سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنـه- قرأ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ من أُمّهِ﴾»[16]، فقيّدَت قراءة: (من أُمّهِ) الآية.
الوجه الثالث: تقوية المعنى: والمقصود به تقوية معنى الآية بالقراءة والتأكيد عليه، وعدد المرويات الواردة فيه (4) روايات، ومن أمثلته في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: 20]، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنـهما-: «أنه كان يقرأ هذه الآية: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ فَإِن أخطأكما أَن تَكُونَا ملَكَيْنِ لم يُخطِئْكُما أَن تَكُونَا خَالِدين فَلَا تموتان فِيهَا أبدًا﴾»[17]، فقوّت القراءة هنا معنى الآية، وأكّدته.
ومن أمثلته أيضًا ما يأتي:
1- في قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6]، فعن بجالة التميمي قال: «وجد عمر بن الخطاب-رضي الله عنـه- مصحفًا في حِجر غلام له، فيه: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهو أبٌ لهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم﴾... فقال: احكُكْها يا غلام، فقال: والله لا أحكّها وهي في مصحف أُبيّ بن كعب -رضي الله عنـه-، فانطلق عمر إلى أُبيّ بن كعب، فقال: شغلني القرآن، وشغلك الصَّفْق بالأسواق إذ تعرض رَحَاك على عنقك بباب ابن العَجْماء»[18]، فقوّت قراءة: (وهو أبٌ لهم) هنا معنى الآية، وأكّدته.
2- في قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: 79]، فعن مجاهد قال: «في قراءة أُبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود-رضي الله عنـهم-: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وأنا كتبتُها عليك﴾»[19]، فأكّدت قراءة: (وأنا كتبتُها عليك) معنى الآية، وأكّدته.
ويلحظ أنّ أكثر الأوجه ورودًا في توظيف الصحابة للقراءات في التفسير هو بيان المعنى وبلغت مروياته (45) رواية، ثم تخصيص المعنى وبلغت مروياته (13) رواية، ثم تقوية المعنى وبلغت مروياته أربع روايات.
والرسم الآتي يوضح مقدار أوجه توظيف الصحابة للقراءات في التفسير:
وقد جاء توظيف القراءات في التفسير عن أربعة عشر صحابيًّا، والجدول الآتي يبيِّن مقدار الوارد عن كلّ واحد منهم في ذلك بالنظر لجميع المرويات، مرتبةً حسَب الأكثر:
م | اسم الصحابي | عدد المرويات |
1. | أُبيّ بن كعب | 25 |
2. | عبد الله بن عباس | 21 |
3. | عبد الله بن الزبير | 12 |
4. | عبد الله بن مسعود | 6 |
5. | عمر بن الخطاب | 2 |
6. | أُم سلمة | 1 |
7. | أنس بن مالك | 1 |
8. | بريدة الأسلمي | 1 |
9. | زيد بن أرقم | 1 |
10. | سعد بن أبي وقاص | 1 |
11. | عبد الله بن عمر | 1 |
12. | عثمان بن عفان | 1 |
13. | عليّ بن أبي طالب | 1 |
14. | فضالة بن عبيد | 1 |
المجموع الإجمالي[20] | 75 |
خاتمة:
سلّطنا الضوء في هذه المقالة على مسألة مركزية في مصادر التفسير، ألا وهي مسألة أوجه توظيف القراءات في تفسير القرآن الكريم، بالنظر في مرويات الصحابة رضوان الله عليهم، وقد بينَّا أساليب الصحابة في توظيف القراءات في التفسير، ورصدنا أوجه توظيفهم لها.
وقد بلغت مرويات توظيف القراءات في التفسير عند الصحابة إحدى وستين رواية، وبلغت أوجه توظيفهم للقراءات في التفسير ثلاثة أوجه، وهي: بيان المعنى، وتقوية المعنى، وتخصيص المعنى.
وأمّا أساليب الصحابة في توظيف القراءات في التفسير فبلغت ثلاثة أساليب، وهي: إبدال كلمة بكلمة، وزيادة عدة كلمات، وزيادة كلمة.
وننبّه على أنّ ما ذكرناه في هذه المقالة إنما هو لَبِنة أُولى في دراسة أوجه توظيف الصحابة للقراءات في التفسير، وأنّ هذا الموضوع بحاجة إلى تكثيف الدراسات التحليلية حوله لتدقيق النظر في الأوجه التي ذكرناها، والتي يمكن تفريع بعضها إلى عدّة أوجه أكثر دقة، وكذا إعادة النظر فيها بصورة عامة من خلال الدراسة التحليلية المعمقة.
ومن خلال مقالتنا هذه ندعو المؤسّسات العلمية والبحثية والجامعات إلى العناية بدراسة أوجه توظيف السلف بصورة عامة لمصادر التفسير دراسة تحليلية، وكذلك دراسة أوجه توظيف المفسّرين لمصادر التفسير في تفاسيرهم، فهذه من المشاريع الرائدة شديدة الأهمية والتي تسهم بصورة كبيرة في تأسيس أصول التفسير ومعرفة مناهج المفسرين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
[1] ينظر: المفسرون من الصحابة جمعًا ودراسة وصفية، د/ عبد الرحمن المشدّ، إصدار مركز تفسير للدراسات القرآنية، عام 1437هـ= 2016م، (1/ 11- 34).
[2] وللتوسّع في معرفة هذه الفكرة يمكن الرجوع إلى: (منهج تفسير القرآن بالقرآن؛ رصد لمرتكزات المنهج وجذوره، وتقويم لمنطلقاته وغاياته -محمد عناية الله أسَد سُبحاني أنموذجًا-) للباحث/ خليل محمود اليماني، وهو بحث منشور على موقع مرصد تفسير للدراسات القرآنية تحت الرابط الآتي: tafsiroqs.com/article?article_id=3871
[3] وذلك من خلال مقالة بعنوان: (الطريقة الشائعة في دراسة مناهج المفسّرين؛ عرض وتقويم -كتاب منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم للدكتور/ عبد الوهاب فايد أنموذجًا-)، وهي منشورة على موقع تفسير تحت الرابط الآتي: tafsir.net/article/5357
[4]ينظر: (تأسيس علم أصول التفسير قديمًا وحديثًا؛ قراءة في منهجية التأسيس، مع طرح مقاربة منهجية لتأسيس العلم) للباحث/ خليل اليماني، وهو بحث منشور على موقع تفسير تحت الرابط الآتي: tafsir.net/research/67
- (أصول التفسير في المؤلفات؛ دراسة وصفية موازنة)، إصدار: مركز تفسير للدراسات القرآنية.
- (التأليف المعاصر في قواعد التفسير؛ دراسة نقديّة لمنهجية الحكم بالقاعدية) إصدار: مركز تفسير للدراسات القرآنية.
- ويمكن متابعة السجال الحاصل في قضية أصول التفسير ومناقشتها من خلال مطالعة المواد التي اشتمل عليها ملف أصول التفسير وقواعده من خلال الرابط الآتي: tafsir.net/article/5356
[5] أخرجه الطبري في جامع البيان (16/ 543) (20408)، وقال أحمد شاكر: «حَسْبُ هذا الإسناد وهاءً أن يكون فيه أبو إسحاق الكوفي».
[6] أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، ص165.
[7] جامع البيان للطبري (7/ 92) (7596)، والكشف والبيان للثعلبي (3/ 122).
[8] أخرجه الطبري في جامع البيان (15/ 57) (17601)، وقال أحمد شاكر: «وهذا الخبر كما ترى، هالك الإسناد من نواحيه، والقراءة التي فيه إذا صحّت من غير هذا الطريق الهالك؛ فهي قراءة تفسير».
[9] أخرجه عبد الرزاق في التفسير (1/ 384) (377)، والطبري في جامع البيان (6/ 202)، وأبو داود في المصاحف، ص194.
[10] أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (3/ 802) (4421)، والبخاري في الأدب المفرد، ص136 (257)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى: سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب، وابن المنذر (2/ 359)، وحسَّن السيوطي سنده.
[11] تفسير ابن أبي حاتم (5/ 1641) (8696)، والكشف والبيان للثعلبي (3/ 108).
[12] أخرجه القاسم بن سلام في فضائل القرآن، ص305.
[13] أخرجه القاسم بن سلام في فضائل القرآن، ص315، وسعيد بن منصور في السنن (1/ 298) (1058)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 529) (14904).
[14] أخرجه الطبري في جامع البيان (8/ 177) (9036).
[15] أخرجه ابن وهب في تفسير القرآن من الجامع (3/ 60) (137)، وعبد الرزاق في التفسير (1/ 323) (226)، والطبري في جامع البيان (4/ 167) (3778)، وابن خزيمة في الصحيح (4/ 352) (3055)، وابن أبي داود في المصاحف، ص204.
[16] جامع البيان للطبري (8/ 62) (8775)، والكشف والبيان للثعلبي (3/ 270)، والواحدي في الوسيط (2/ 24).
[17] عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى أبي الشيخ (3/ 431).
[18] أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (3/ 32) (2317)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 110) (13419)، وقال ابن حجر في المطالب العالية (15/ 118) (3683): «هذا إسناد صحيح على شرط البخاري».
[19] أخرجه القاسم بن سلام في فضائل القرآن، ص297، وابن المنذر في التفسير (2/ 800) (2028).
[20] يلاحظ هنا زيادة العدد الإجمالي عن العدد المثبت أعلى المقالة؛ وذلك لوجود العديد من الروايات المكرّرة عن عدد من الصحابة.