تفسير مقاتل بن سليمان (ت: 150هـ)
مكانته - موقف المفسِّرين منه - طرق روايته - ملامحه وموضوعاته
تفسير مقاتل بن سليمان (ت: 150هـ)
مكانته - موقف المفسِّرين منه - طُرق روايته - ملامحه وموضوعاته[1]
مقاتل بن سليمان البلخي الأزدي مولاهم، وُلِد عام 80 أو قبلها[2] بمدينة بلخ بخراسان، وتوفي عام 150[3] بالبصرة.
رَوَى عن نافع مولى ابن عمر، والضحّاك، ومجاهد، وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وعطية بن سعد العوفي، وعمرو بن شعيب، وأبي إسحاق السَّبِيعي، وأبي الزبير، والزهري، وثابت البناني، وزيد بن أسلم، وغيرهم[4].
وعنه إسماعيل بن عياش، وبقية بن الوليد، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عُيَيْنة، وعبد الرزاق، والوليد بن مزيد، والهذيل بن حبيب، وغيرهم[5].
منزلته في الرواية وعقيدته:
محلُّه عند المحدِّثين الكذب، حتى أجمعوا على تركه، كما ذكر الذهبي[6]، وعن وكيع (ت: 197) أنه قال: «كان كذّابًا؛ ليس حديثه بشيء». وقال ابن سعد (ت: 230): «وأصحاب الحديث يتّقون حديثه وينكرونه»[7]. وقال البخاري (ت: 256): «منكر الحديث، سكتوا عنه». وقال النسائي (ت: 303): «الكذّابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة...»، وذَكَـرَ مقاتلًا منهم[8].
كذلك اتُّهم في عقيدته بأنه كان مُجَسِّمًا يُشَبِّه اللهَ بخلقِه؛ فعن أبي حنيفة (ت: 150) أنه قال: «أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطِّل، ومقاتل مشبِّه». وسُئِل مرّة عنهما فقال: «كلاهما مفرِّط؛ أفرط جهم في نفي التشبيه حتى قال: إنه ليس بشيء، وأفرط مقاتل حتى جعل الله مثل خلقِه»[9].
ولأجل كذبه وعقيدته تُرِك حديثه والرواية عنه؛ حتى قال وكيع (ت: 197) عنه: «لو كان أهلًا أن يُروَى عنه لروينا عنه»[10].
ومع ما سبق فقد كان واسع المعرفة والاطّلاع، حتى قال عنه مقاتل بن حيان (ت: 150): «ما وجدتُ عِلْمَ مقاتل في عِلم الناس إلا كالبحر الأخضر في سائر البحور»[11].
مكانته وآثاره في التفسير:
أمّا تفسيره فله شأنٌ آخر؛ حيث أثنى عليه كثير مِن معاصِريه ومَن بعدهم، فهذا عباد بن كثير (ت: بعد 140) يقول: «ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من مقاتل»[12]. وقيل لحماد بن أبي حنيفة (ت: 176): إنّ مقاتلًا أخذ التفسير عن الكلبي، فقال: «كيف يكون هذا وهو أعلم مَن الكلبي؟!»[13].
وقال عبد الله بن المبارك (ت: 181) حين رأى تفسيره: «يا له من علمٍ لو كان له إسناد». وقال الذهبي: «قال ابن المبارك -وأحسن-: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة!»[14].
وعن نعيم بن حماد (ت: 228) أنه رأى كتابًا لمقاتل بن سليمان عند سفيان بن عُيَيْنة (ت: 198) فقال: يا أبا محمد؛ تَروِي لمقاتل في كتاب التفسير؟ قال: «لا؛ ولكن أستَدِلّ به وأستَعِين»[15].
كذلك تعدّدت الروايات عن الشافعي (ت: 204) في قوله: «الناس عيال في التفسير على مقاتل بن سليمان»[16]، وفي رواية: «مَن أراد أن يتبحّر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان»[17].
وسُئِل الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241) عنه فقال: «كانت له كتبٌ ينظر فيها، إلا أني أرى أنه كان له علمٌ بالقرآن»[18].
وقال عنه أبو يعلى الخليلي (ت: 464): «محلُّه عند أهل التفسير محلٌّ كبيرٌ، وهو واسع العلم؛ لكن الحُفّاظ ضَعَّفوه في الرواية، ...وقد رَوَى عنه الضعفاء أحاديث مناكير، والحمل فيها عليهم»[19].
وقال ابن تيمية (ت: 728): «ومقاتل بن سليمان وإن لم يكن ممن يُحتَجّ به في الحديث -بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة- لكن لا ريب في عِلْمِه بالتفسير وغيره، واطّلاعه»[20]. ووَصَفَه الذهبي (ت: 748) فقال: «كبير المفسِّرين»[21].
وقد تَرَكَ آثارًا عديدة في التفسير وعلوم القرآن تشهد بعِلْمِه وتمَكُّنِه، وهي مصداق ما وُصِفَ به في الأقوال السابقة، بل إنه لا يضاهيه أحد من أقرانه في ذلك الوقت المبكر من عصور التدوين؛ مما يمكننا وصفه بأنه عَلَمُ أعلام علوم القرآن في القرن الثاني؛ فمِن تلك التصانيف[22]:
1- التفسير الكبير.
2- الوجوه والنظائر.
3- تفسير الخمسمائة آية من القرآن الكريم.
4- نوادر التفسير.
5- متشابه القرآن.
6- التقديم والتأخير.
7- الناسخ والمنسوخ.
8- القراءات.
9- الأقسام واللغات.
10- الجوابات في القرآن.
11- الردّ على القدرية[23].
موقف أئمة التفسير منه:
من خلال المعطيات السابقة عن رواية مقاتل للتفسير دون إسناد أو عزو أقوال لأصحابها، مع ما عُرِفَ عنه من الكذب في الرواية، إضافةً إلى ما اشتهر عنه من المعتقد الرديء =يبدو أنّ أئمة المفسِّرين مِن نقَلَة التفسير المأثور اطَّرحوا تفسيره روايةً ودرايةً، إلا القليل منهم. فلم أقف على شيء منه عند الثوري (ت: 161) في تفسيره، ولا عند عبد الرزاق (ت: 211)، مع أنهما نقَلَا عن الكلبي (ت: 146) كما تقدّم.
وقال إبراهيم الحربي (ت: 285): «لم أُدخِل في تفسيري منه شيئًا»[24].
وكذا لم يَرْوِ عنه إمامُ المفسِّرين ابن جرير الطبري (ت: 310) إلا رواية واحدة فيما وقفتُ عليه[25].
كذلك لم أقف على رواية عنه في المطبوع بين أيدينا من تفسير عبد بن حميد (ت: 249)، وابن أبي حاتم (ت: 327) -الذي اعتنى بتفسير معاصِره وسَـمِيِّه مقاتل بن حيان (ت: 150)[26]-، وابن المنذر (ت: 318)، وكذا المتأخّرون كابن كثير (ت: 774) الذي لم يروِ عنه إلا بضعة مواضع[27]، ومثله السيوطي (ت: 911) في الدر المنثور[28]. أمّا مَن اعتنى بتفسير مقاتل روايةً ودرايةً فقِلَّةٌ؛ منهم:
1- أبو الليث السمرقندي (ت: 375) في تفسيره المسمى «بحر العلوم»، وهو من المكثِرين عنه[29].
2- أبو إسحاق الثعلبي (ت: 427) في تفسيره «الكشف والبيان» وهو مِن أكثرهم نقلًا لتفسير مقاتل، وقد أشار إليه في مقدّمته ضمن مصادره[30].
3- كذلك اعتنى به الواحدي (ت: 468) تلميذ الثعلبي في كتابه «أسباب النزول» -تبعًا لشيخه- حيث أكثر عنه[31].
4- وكذا البغوي (ت: 516) في تفسيره من طريق الثعلبي[32].
تفسير مقاتل بن سليمان وأبرز طرق روايته:
مع طرحِ أغلب المفسِّرين المسنِدِين لتفسير مقاتل وعدم اعتنائهم بنقله والإفادة منه؛ فقد شاء الله أن يصلنا تفسيره كاملًا دون تفاسير أقرانه! وقد حقّقه د. عبد الله محمد شحاتة قديمًا بعد أن درس منهجه في أطروحته للدكتوراه بجامعة القاهرة عام 1968م؛ ثم طُبع كاملًا بعد ذلك بمدة في أربعة مجلدات؛ وأفرد المجلد الخامس لقسم الدراسة[33].
وتقدَّم أنّ أبرز مَن رَوَى تفسير مقاتل هو أبو إسحاق الثعلبي (ت: 427) في تفسيره «الكشف والبيان»، وقد أشار إلى روايته له في مقدّمته ضمن مصادره، من خلال ثلاثة طرق أورد لها ثلاثة أسانيد؛ وهذه الطرق هي[34]:
1- طريق أبي صالح الهذيل بن حبيب (ت: 190)[35]، عن مقاتل عن ثلاثين رجلًا، منهم اثنا عشر رجلًا من التابعين، وبهذا الطريق وهذا السند وردت الرواية المطبوعة بين أيدينا بتحقيق د. عبد الله شحاتة؛ مما يؤكد صحة نسبة هذا التفسير إلى مقاتل، ويَروِي عن الهذيل أبو محمد عبد الله بن ثابت يعقوب التَّوَّزِي المقرئ عن أبيه[36].
ولأبي صالح الهذيل بن حبيب -أو مَن بعده من الرواة- روايات عديدة مدرجة في تفسير مقاتل، يُصَدِّرها عادةً بقوله: قال أبو صالح، أو قال الهذيل؛ يروِي فيها مِن قولهِ أو منسوبة إلى غير مقاتل، سواء كان من أقران مقاتل كالكلبي (ت: 146)[37]، أو إلى مَن بعده كالفرّاء (ت: 207)، وثعلب (ت: 291)[38].
2- طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم (ت: 173)[39]، يرويه عنه عليّ بن حسين بن واقد (ت: 211).
3- طريق إسحاق بن إبراهيم التغلبي؛ وهي طريق مجهولة[40].
ملامح منهج مقاتل بن سليمان في تفسيره ومزاياه وموضوعاته:
نوجز منهج مقاتل في تفسيره وما تميز به فيما يأتي[41]:
1- أنه تفسير تحليلي كامل لآيات وسور القرآن، مُرتَّبًا بحسَب ترتيب سوره؛ ولهذا هو أول تفسير كامل للقرآن يصل إلينا.
2- يمزج بين الآية وتفسيرها في سياق واحد -أشبه بما يُعرَف بالشرح الممزوج[42]- بأسلوب سهل ميسَّر، يفهمه العامة والخاصة. نحو قوله: «﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [المائدة : 48] يا محمد -صلى الله عليه وسلم- ﴿بِالْحَقِّ﴾ يعني القرآن بالحقّ، لم ننزله عبثًا ولا باطلًا لغير شيء، ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ يقول وشاهدًا عليه؛ وذلك أنّ قرآن محمد -صلى الله عليه وسلم- شاهد بأنّ الكتب التي أُنزِلَت قبله أنها من الله -عز وجل-، ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ إليك في القرآن ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ يعني أهواء اليهود ﴿عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ وهو القرآن، ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ يعني من المسلمين أهل الكتاب ﴿شِرْعَةً﴾ يعني : سُنّة ﴿وَمِنْهَاجًا﴾ يعني : طريقًا وسبيلًا، فشريعة أهل التوراة في قتل العمد القصاص ليس لهم عقلٌ ولا دِيَة؛ والرجم على المحصن والمحصنة إذا زنَـيَا. وشريعة الإنجيل في القتل العمد العفو ليس لهم قصاص ولا دِيَة، وشريعتهم في الزنا الجَلْدُ بلا رجمٍ. وشريعة أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- في قتل العمد القصاص والدّية والعفو، وشريعتهم في الزنا: إذا لم يُحصَن الجَلْدُ، فإذا أُحصِنَ فالرجمُ...»[43].
3- أنه تفسير أثري ونظري، يجمع بين المنقول والمعقول؛ فأمّا آثاره المروية فيرويها غُفْلًا دون نسبة لقائليها، أو إسنادٍ إليهم، وهو من أسباب ترك بعضهم لتفسيره[44]، مع ضعفه في الرواية، ثم إضافة تفسيره الاجتهادي إليها، فخرج تفسيره مختلطًا لا يُدرَى تفسيره من تفسير غيره، قال إبراهيم الحربي (ت: 285): «إنما جمع مقاتل تفسيره وفسَّر عليه من غير سماع، ولو أنّ رجلًا جمع تفسير معمر عن قتادة وشيبان عن قتادة؛ كان يحسن أن يُفسِّر عليه»[45].
والناظر في تفسيره المطبوع بين أيدينا يجد مصداق ذلك، فقد أوردَ في مقدّمته مَن رَوى التفسير عنهم من التابعين وغيرهم دون إسناد إليهم[46]، ثم تجده في ثنايا تفسير الآيات يندر أن ينسب تفسيرًا لأحد أو يُورد إسناده! لكن بالتتبع نجد أن أغلب تفسيره الاجتهادي تخيَّره من أقوال مَن قبله وبَنَى عليه؛ وفي المثالَيْن الآتيين بيان لذلك:
المثال الأول: في تفسيره لقوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، قال: «مَن أحرم بالحج فلْيُحِرم في شوّال أو في ذي القعدة أو في عشر ذي الحجة؛ فمَن أحرمَ في سوى هذه الأشهر فقد أخطأ السُّنَّة ولْيَجعلها عُمرة»[47]. وعند الرجوع لتفسير الآية في كتابه (تفسير الخمسمائة آية من القرآن) نجد أنه ذكرَ مرجعه في هذا القول مع إسناده إليه؛ فقال في المبحث الذي عنون له بـ(تفسير الإحرام بالحج قبل العمرة وما يَتَّقِي الـمُحرِم في إحرامه): «ذِكر قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾؛ حدّثنا مقاتل عن عطاء عن ابن عباس، قال: يعني بها شوّالًا وذا القعدة وعشرًا مِن ذي الحجة. يقول مَن أَحرمَ بالحج فلْيُحِرم في الأشهر المعلومات، ومَن أَحرمَ في سِواهُنّ بالحج فقد أخطأ السُّنّة، ولْيَجعلها عمرة»[48].
المثال الثاني: في تفسير قوله تعالى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: 12] قال: «ثم وعظَ الذين خاضوا في أمر عائشة فقال سبحانه: ﴿وَلَوْلَا﴾ يعني: هلّا، ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ يعني القذفَ، ﴿قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا﴾ يعني: ما ينبغي لنا ﴿أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا﴾ الأمر، هلّا قُلتم مثل ما قال سعد بن معاذ؛ وذلك أنّ سعدًا لـمّا سمعَ القول في أمر عائشة؛ قال: سبحانك هذا بهتانٌ عظيم. ثم قال عز وجل: ألَا قلتم: ﴿سُبْحَانَكَ﴾، يعني: ألَا نزَّهْتُم الربَّ جلّ جلاله عن أن يُعصَى، وقلتم: ﴿هَذَا﴾ القول ﴿بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ لشدة قولهم، والبهتان الذي يبهت، فيقول ما لم يكن من قذفٍ أو غيره»[49].
وعند النظر في أقوال السَّلَف في الآية نجد أن هذا القول يكاد يكون تفسير سعيد بن جبير للآية حيث قال: «﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ يعني القذف، ﴿قُلْتُمْ مَا يَكُونُ﴾ يعني: ألَا قلتم: ﴿مَا يَكُونُ﴾ ما ينبغي ﴿لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا﴾ ولم تره أعيننا، ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾، يعني ألَا قلتم: هذا كذبٌ عظيم. مثل ما قال سعد بن معاذ الأنصاري؛ وذلك أنّ سعدًا لـمّا سمعَ قول مَن قال في أمر عائشة قال: سبحانك هذا بهتانٌ عظيم. والبُهتان: الذي يبهت فيقول ما لم يكن»[50].
وربما يذكر أكثر مِن قول مِن أقوال السَّلَف في الآية إذا كانت متقاربة؛ كقوله في تفسير قوله تعالى: ﴿فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ [المدثر: 51]: «يعني الرُّمَاة، وقالوا: الأسد»[51].
إذن من خلال ما سبق يمكننا القول: «إنّ مقاتلًا لم يجمع تفسيرَ السابقين وآراءهم؛ وإنما درسها ومحّصها واختار أَوْلَاها بالصواب في رأيه، ثم عرض تفسيره في إيجاز ووضوح»[52]، ولكن عاب تفسيره بترك نسبة الأقوال وحذف الأسانيد في وقت كان الإسناد أساسًا في نقل مرويّات علوم الكتاب والسُّنّة، ومقاتل بهذا العمل ربما كان أوّل مَن فتحَ باب حذف أسانيد التفسير، ولو تأخّر تفسير مقاتل قرنَيْن من الزمان لَكان له شأنٌ آخرُ، ولَكُتِب له القبول أكثر مِن ذي قبل، والله أعلم.
ولا شكّ أنّ مرويّاته تتطلَّب دراسةً وتخريجًا وبحثًا عن شواهد ومتابعات؛ خصوصًا ما له حُكم الرفع؛ كأسباب النزول وتسمية مَن نزلَت فيهم الآيات[53]، وغيره مما لا يدخل فيه الاجتهاد كالنسخ وتعيين المبهمات؛ لا سيما أنه انفرد في ذلك بمرويّات لا تكاد تجدها عند غيره! مثال ذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ [البقرة: 13]، قال: «نزلَت في منذر بن معاذ، وأبي لُبَابَة، ومعاذ بن جبل، وأُسَيْد؛ قالوا لليهود: صَدِّقوا بمحمد أنه نبيّ كما صَدَّق به عبدُ الله بن سلام وأصحابه، فقالت اليهود: ﴿أَنُؤْمِنُ﴾ يعني: نُصَدِّق ﴿كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ يعني: الجُهّال؛ يعنون: عبد الله بن سلام وأصحابه، يقول الله -عز وجل- ردًّا عليهم: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ بأنهم السفهاء»[54].
4- تكثر في مرويّاته القصص والأخبار الإسرائيلية، مع ترك عزوها وعدم ذِكر مصدرها ونسبتها لقائليها؛ خصوصًا في تعيين المبهمات -التي غالبًا لا يحتاج إلى معرفتها[55]-، ويبدو أنّ سبب ذلك ما ذكره ابن حبان عنه حيث قال: «كان يأخذ عن اليهودي والنصراني مِن عِلْمِ القرآن ما يوافق كتبهم»[56].
5- تميز تفسيره النظري بمزايا لم يُسبَق إليها، مِن أبرزها: الاعتناء بتفسير القرآن بالقرآن، وبيان الوجوه والنظائر[57]. مثال ذلك في قوله تعالى: «﴿وَكَانَ أَمْرُهُ﴾ الذي يذكرُ مِن شَرَفهِ وحَسَبِه ﴿فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]، يعني: ضائعًا في القيامة، مثل قوله: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 38]، يعني: ما ضَيَّعنا»[58].
6- تميز أيضًا بذِكْر مقدّمة لكلّ سورة؛ يبيّن فيها كونها مكية أو مدنية وما استُثني في ذلك من آياتها، إضافةً إلى بيان عدد الآيات حسَب العدّ الكوفي مصرّحًا بنسبة ذلك! وقد يكون أوّل مَن أدرج مقدّمات السور في كتب التفسير.
7- أمّا موضوعات تفسيره؛ فأغلبها يدور بين توضيح المراد مع الآية وتفسير الغريب مع ذكرِ النظائر من القرآن كثيرًا، وبين ذكرِ سبب نزول الآيات، وتعيين المبهمات وتسمية مَن نزلَت فيهم الآيات، مع سردِ القصص ومنها الإسرائيليات، إضافةً إلى الاعتناء بالناسخ والمنسوخ من الآيات، أمّا أحكام القرآن فلم يعتنِ بها ويستطرد فيها، ولعلّ سبب ذلك أنه أفردَ فيه كتابًا مستقلًّا كما سيأتي.
كتاب (تفسير الخمسمائة آية من القرآن):
هو أوّل تفسير فقهي في بابه، وشاء اللهُ أن يصلنا في مخطوطة وحيدة له[59]، ومنهجه فيه كالآتي:
1- رتّبه بحسَب الموضوعات الفقهية[60]، بدءًا بتفسير الحلال والحرام، ثم تفسير الإيمان، ثم أبواب الصلاة، ثم الزكاة، وهكذا، وذلك من خلال حوالي مائة وثمانين عنوانًا.
2- يجمع الآيات الواردة في موضوع الباب، ثم يفسِّرها بأسلوب سهل مختصر بعيدًا عن الغموض والتكلُّف، ويذكر ما يتعلّق بها من أحكام فقهية.
3- يستدلّ بالأحاديث النبوية مسنِدًا أغلبها، ودون إسناد في بعضها[61]، ويذكر أيضًا أقوال الصحابة وبعض التابعين مسنِدًا أغلبها كذلك، وهنا ينبغي ملاحظة أنّ منهجه في هذا الكتاب اختلفَ عن منهجه في كتابه التفسير الكبير؛ حيث حرص في هذا الكتاب كثيرًا على الإسناد وعزو الأقوال إلى قائليها، وبالتالي انتفت عنه علّة كبيرة من علل ترك بعضهم لتفسيره.
4- استعان في توضيح الآيات بما وردَ فيها من أسباب نزول وناسخ ومنسوخ.
5- يختار أقوى الآراء دون ذِكْرٍ للخلافات الفقهية؛ ما يشهد بتمكُّنه في علم الفقه، في عصر بدأ فيه ظهور المذاهب الفقهية الكبرى.
ولنذكر نموذجًا لهذا المنهج ثم نقارنه بما ذكره في تفسيره الكبير:
في المبحث الذي عنون له بـ(تفسير ما حرم من تزويج النسب والصهر) قال: «قوله سبحانه في سورة النساء: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ يعني حرم تزويجهن[62]، وأُمّ الأُمّ فصاعدًا، ﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾ وما وَلَدْنَ وإنْ سفل. و[تزوج] عمّاتكم؛ فأمّا ابنة العَمّة فحلال، و[تزوج] خالاتكم حرام؛ فأمّا بنت الخالة فحلال، وحرم بنات الأخ وما وَلَدْنَ، وبنات الأخت وما وَلَدْنَ وإنْ سفلن. ثم ذكر سبحانه [تزوج] الأمّهات من الرضاعة قال -عز وجل-: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾، قال: إنْ أرضعت امرأةٌ غلامًا في الحولين مَصّةً واحدةً فقد حرمت على الغلام. قال: وقال عليّ بن أبي طالب -عليه السلام-: لا رضاع بعد فِصَال. ثم قال -عز وجل-: ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾، يعني ما ولدت الظِّـئْر وما أرضعَتْ من غيرِ ولدها، وكذلك يحرمهن رضاع الولائد؛ قال حدثنا مقاتل قال: لا بأس بتزويج بني الظِّـئْر لأخوات الغلام الذي أرضعته أُمّهم؛ لأنه ليس بينهم نَسَبٌ، فإن كانت التي أرضعت أُمّهم جارية فلا يحلّ لابن الظئر [تزوُّجها] بعينها لأنها أُختهم من أُمِّهم. قال: ولو أنّ تزويج الظئر الذي من اللبن من قبله تزويج أربع نسوة وتسرَّى مائة فوَلَدْنَ له جواري لم يحللن للغلام الذي أرضعت امرأته؛ لأن اللبن الذي رضع كان من قبله. قال: حدثنا مقاتل عن الحكم بن عمار عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَحرُم من الرضاعة ما يَحرُم من النَّسَب». قال: حدثنا عن حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود قال: «يحرم من الرضاعة ما أنبت اللحم والعظم وما كان في الحولين، ولا رضاع بعد فِصَال، ويحرم في الحولين مصّة واحدة»[63].
أمّا في تفسيره الكبير فلم يُورد شيئًا من هذه التفاصيل والآثار والأسانيد، مكتفيًا ببيان المعنى العام للآية فقال: «ثم حرم النسب والصهر ولم يقل: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾؛ لأنّ العرب كانت لا تنكح النسب والصهر. وقال -عز وجل- في الأختين: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾؛ لأنهم كانوا يجمعون بينهما. ثم بيّن ما حرم فقال تعالى ذِكْره: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ فهذا النسب، ثم قال -سبحانه-: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾، يعني: جامعتم أمهاتهنّ...»[64].
من هذا المثال يتبيّن لنا أنّ منهج مقاتل في تفسيره الفقهي يختلف كثيرًا عن تفسيره الشامل؛ إِذْ هو كتاب تفسير لآيات الأحكام جمعَ فيه بين المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وبين تفسيره الاجتهادي، ومن هنا ينبغي الاعتناء به ونشره[65] والإفادة منه ونقل آرائه الفقهية.
أمّا كتابه (الوجوه والنظائر)؛ فمقاتل أيضًا أوّل مَن ألَّف فيه[66]، وهو من مصادر الثعلبي في تفسيره أورده بسنده إليه[67].ومَن يطّلع على الكتاب يقف على تمكُّن مقاتل في هذا العلم ودقّة نظرته الشمولية لآيات القرآن[68].
الخلاصة:
إنّ تفسير مقاتل النظري الاجتهادي تفسير نفيس؛ يشهد لذلك ما وُجد فيه من بيانٍ ميسَّر موجز، ينمّ عن علمٍ وتمكُّن كما وصفه كثيرٌ مِن السَّلف، ومن هنا ينبغي نقله والإفادة منه وعدم اطّراحه مطلقًا، إلا ما وُجد فيه نكارة، ولا يضر كونه معروفًا بالكذب؛ إذ المنقول هو قوله واجتهاده لا قول غيره، بخلاف رواياته ونقوله فلا يُعتمَد عليها إذا انفرد بها[69].
أمّا ما نُسِبَ إليه من عقيدة التشبيه والتجسيم الشنيعة فينبغي تحرير ذلك، ويبعد أن يصل إلى ذلك الحدّ -كما ذكرَ ابن تيمية[70]- فقد تتبعتُ تفسيرَه فلم أجد شيئًا صريحًا مِن نحو ذلك، كما أثبت عددٌ من الباحثين المعاصرين براءته من ذلك القول الشنيع بعد تتبّعهم تفسيرَه لآيات الصفات في كتبه المطبوعة والمخطوطة[71].
بل وردَ ما يدلّ على أنه برّأ نفسه من تلك التهمة؛ حيث سأله الخليفة: بلغني أنك تُشَبِّه! فقال: «إنما أقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، فمَن قال غير ذلك فقد كذب»[72].
وقد تقدّم ثناءُ بعض معاصِريه عليه؛ وهذا شُعبة بن الحجاج(ت: 160) -أمير المؤمنين في الحديث في عصره- كان يُذْكَر عنده مقاتل فما يقول فيه إلا خيرًا[73]، وسُئِل إبراهيم الحربي (ت: 285): ما بالُ الناس يطعنون على مقاتل؟ فقال: «حسدًا منهم له»[74].
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلامٌ نفيس مُنْصِف في هذه المسألة؛ حيث قال بعد ما ذكرَ ما نُسِبَ إلى مقاتل من المقولة الشنيعة المنكَرة في التشبيه والتجسيم: «وأمّا مقاتل؛ فالله أعلم بحقيقة حاله والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة، وفيهم انحراف على مقاتل بن سليمان، فلعلّهم زادوا في النقل عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنّه يصل إلى هذا الحدّ، وقد قال الشافعي: مَن أراد التفسير فهو عيال على مقاتل، ومَن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. ومقاتل بن سليمان وإن لم يكن ممن يُحتَجّ به في الحديث -بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة- لكن لا ريب في علمه بالتفسير وغيره واطّلاعه، كما أنّ أبا حنيفة -وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه- فلا يستريب أحدٌ في فقههِ وفهمهِ وعلمهِ، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه وهي كذبٌ عليه قطعًا؛ مثل مسألة الخنزير البري ونحوها، وما يبعد أن يكون النقل عن مقاتل من هذا الباب»[75].
[1] هذه المقالة من كتاب: (تفسير أتباع التابعين؛ عرض ودراسة)، الصادر عن مركز تفسير سنة 1436هـ= 2015م، تحت عنوان: «مقاتل بن سليمان»، ص62 وما بعدها. (موقع تفسير).
[2] تضاربَت الأقوال في مولده؛ فبعضها يفيد أنه وُلِد بعد وفاة الضحّاك بن مزاحم (ت: 102هـ أو 105هـ) وهو قول بعيد! وبعضها الآخر يفيد أن الضحّاك تُوفي وهو صغير، بينما جاءت رواية غريبة تفيد أن الضحّاك اطّلع على تفسيره! وأنكر طريقته لأنه فَسَّر كلّ حرف، ورجّح د. عبد الله شحاتة أنه وُلِد عام 80 أو قبلها؛ لِما رُوِي عن أنه جادَلَ الجهم بن صفوان (ت: 128) ووضع كلٌّ منهما كتابًا ينقض على صاحبه، ويؤيّده أنه عُمِّر حتى رَوَى عن الكبار والصغار. ينظر: قسم الدراسة من تفسير مقاتل بن سليمان (5/ 27- 29).
[3] وهو المشهور عند أهل السِّيَر والتراجم، وأكَّده الهذيل بن الحبيب راوية تفسيره، إلا أن الذهبي يرى أنه تُوفي بعد ذلك حتى لقيه عليّ بن الجعد (134هـ- 230هـ)، وأيّد ذلك أبو يعلى الخليلي فقال: «وهو قديم معمَّر،... تُوفي قبل الستين ومائة». ينظر: الإرشاد في معرفة علماء الحديث (3/ 928)، تاريخ الإسلام (16/ 228)، سير أعلام النبلاء (13/ 232).
[4] ينظر: طبقات ابن سعد (7/ 263)، ميزان الاعتدال (4/ 173)، تهذيب التهذيب (10/ 279).
[5] ينظر: تهذيب الكمال (28/ 435)، سير أعلام النبلاء (13/ 232).
[6] سير أعلام النبلاء (7/ 202).
[7] طبقات ابن سعد (7/ 263).
[8] ينظر في ذلك في تهذيب الكمال (28/ 445).
[9] تهذيب الكمال (28/ 445).
[10] تهذيب الكمال (28/ 445).
[11] تهذيب الكمال (28/ 436). والبحر الأخضر: هو الذي يسميه المتقدّمون البحر المحيط ويصفونه بأن منه مادّة سائر البحور -ولعلّ هذا وجه تشبيه مقاتل به-؛ قال ياقوت الحموي: «وهو محيط بالدنيا جميعها كإحاطة الهالة بالقمر، ويخرج منه شعبتان: إحداهما بالمغرب والأخرى بالمشرق؛ فأمّا التي بالمشرق فهي بحر الهند والصين وفارس واليمن والزنج، والشعبة الأخرى في المغرب: تخرج من عند سلا فتمرّ بالزقاق الذي بين البر الأعظم من بلاد بربر المغرب وجزيرة الأندلس...»، معجم البلدان (1/ 344). وظاهر هذا الوصف ينطبق على ما يُعرَف اليوم بالمحيط الهندي والمحيط الأطلسي.
[12] تهذيب الكمال (28/ 438).
[13] تهذيب التهذيب (9/ 199).
[14] سير أعلام النبلاء (7/ 201). وينظر: تهذيب الكمال (28/ 437).
[15] تاريخ دمشق (60/ 117)، تهذيب الكمال (28/ 436).
[16] تاريخ دمشق (60/ 117)، تهذيب الكمال (28/ 436).
[17] تاريخ دمشق (60/ 117)، تهذيب الكمال (28/ 436).
[18] تاريخ دمشق (60/ 117)، تهذيب الكمال (28/ 436).
[19] الإرشاد في معرفة علماء الحديث (3/ 928).
[20] منهاج السُّنة النبوية (2/ 294).
[21] سير أعلام النبلاء (7/ 201).
[22] ينظر: الفهرست لابن النديم، ص253، 254، هدية العارفين (2/ 470)، تاريخ التراث العربي (1/ 85).
[23] من خلال هذه العناوين ينبغي عدّ مقاتل بن سليمان من أوائل كبار مدوِّني العلم عمومًا والتفسير خصوصًا كابن جريج وابن إسحاق؛ لكني لم أقف على مَن ذَكرَ ذلك في تاريخ تدوين العلوم!
[24] تهذيب الكمال (28/ 438).
[25] وهي رواية يتيمة أخرجها الطبري منسوبة إلى مقاتل دون تعيينه (15/ 212)، وذلك عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ﴾ [الكهف: 19]، حيث رَوَى بسنده عن سفيان عن مقاتل قال: «اسمه يمليخ»، ورجّحتُ أنّ مقاتلًا هذا هو ابن سليمان؛ لأن سفيان الراوي عنه هو ابن عُيَينة؛ الذي ذُكر عنه الرواية عن مقاتل بن سليمان دون سفيان الثوري، ولم يُذكر عن السفيانَيْن الرواية عن ابن حيان، ويؤكّد ما رجّحتُه أن هذا القول ورَدَ كذلك في تفسير مقاتل بن سليمان المطبوع (2/ 579).
[26] وغالبًا ما يُطلق اسمه مهمَلًا دون تعيين، وليس في ذلك التباس بمقاتل بن سليمان! لأنّ ابن أبي حاتم لا يروي إلا عن ابن حيان، ومن هنا لو ذكره السيوطي مهمَلًا -أو غيره- وعزا الرواية إلى ابن أبي حاتم فالمراد ابن حيان؛ لكن يبقى الإشكال عند الثعلبي ومَن نقلَ عنه كتلميذه الواحدي والبغوي -وكذا السيوطي إذا لم يعز إلى ابن أبي حاتم- إذا ذكروا مقاتلًا مهمَلًا دون تعيين فمَن المراد؟ من خلال تتبّعي لذلك عند الثعلبي والبغوي؛ ظهر لي أن المراد ابن سليمان، أمّا ابن حيان فغالبًا ما يُقيَّد عندهم، بل وقفت على مواضع عند الثعلبي يذكر المقاتلَيْن في المسألة الواحدة مع تقييد ابن حيان، وإطلاق الآخر الذي هو ابن سليمان، ويؤكّده مطابقة ما ورَدَ لِما في كتابه التفسير. ينظر على سبيل المثال: تفسير الثعلبي (6/ 120)، (7/ 294).
[27] أغلبها في جزء (عم) نقلًا عن البغوي، ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 271، 273، 322، 484، 485، 486).
[28] أغلبها معزوة إلى البيهقي، ينظر: الدر المنثور (4/ 314)، (12/ 25)، (15/ 418)، وجميعها من طريق البيهقي، مما يجعلنا نتساءل: ألم يقف السيوطي على تفسير مقاتل؟ ويؤكّده عدم إيراده ضمن مصادره في التفسير في مقدمة الدر المنثور؛ إلا أن يُقال: إنه يرى أن تفسير مقاتل لا يدخل في شرطه، وهو النقل عن الكتب المسندة!
[29] وتقدم أنه يوردها دون إسناد، ويلاحظ أنه أورد كلّ مروياته عن مقاتل دون تعيينه؛ والأظهر أنه مقاتل بن سليمان؛ والمسألة تتطلب مقارنة مع ما وردَ من تفسير مقاتل بن حيان لتبيين هل يروي السمرقندي عنه؟
[30] ينظر: مقدمة (الكشف والبيان عن تفسير القرآن)، تحقيق: د. خالد عون العنزي، ص72.
[31] أحصى له محقق الكتاب د. ماهر الفحل (34) نصًّا في أسباب النزول، لم يسند واحدًا منها! ويأتي بهذا في المرتبة الثالثة بعد الكلبي والسدي ممن هم أكثر مَن رَوَى لهم الواحدي في أسباب النزول، ينظر: مقدمة محقق الكتاب، ص58.
[32] ينظر مقدمة تفسير البغوي التي ذكر فيها مصادره وأسانيده إليها (1/ 36).
[33] صدرت عن مؤسسة التاريخ العربي: بيروت- لبنان؛ عام 1424هـ= 2002م.
ويحسن التنبيه إلى أن تفسير مقاتل يحتاج إلى إعادة تحقيقه ودراسته دراسة علمية موازنة؛ نظرًا لأنه حُقّق قديمًا، وقد صدرت كثير من التفاسير والكتب المعتمدة في التحقيق بعد ذلك -ومن أهمها تفاسير المفسِّرين الذين نقلوا تفسيره ومروياته كالثعلبي والواحدي- وذلك للموازنة بينه وبين تفسيره، فقد نقل الثعلبي مرويّات عديدة لمقاتل لا تجدها في تفسيره المطبوع؛ وبعضها فيه نكارة؛ -ينظر من ذلك: الكشف والبيان (6/ 9)-، هذا سوى التصحيف والسقط الوارد في مواضع كثيرة.
[34] ينظر: مقدمة (الكشف والبيان عن تفسير القرآن)، تحقيق: د. خالد عون العنزي؛ ص72- 75.
[35] الهذيل بن حبيب أبو صالح الدنداني -بالنون بين دالين مهملتين، وقد تصحّفت في تفسير مقاتل (1/ 26) إلى الزيداني- من أهل بغداد، قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (16/ 121): «حدّث عن: حمزة بن حبيب الزيّات، وروَى عن مقاتل بن سليمان كتاب التفسير. حَدَّث عنه: ثابت بن يعقوب التَّوَّزِي. أخبرنا الحسن بن أبي بكر، قال: أخبرنا عبد الخالق بن الحسن المعدل، قال: قال عبد الله بن ثابت، وهو المقرئ التوَّزِي: رأيتُ في كتاب أبي مكتوبًا: سمعتُ هذا الكتاب من أوله إلى آخره -يعني: كتاب التفسير- من هذيل أبي صالح؛ عن مقاتل بن سليمان؛ ببغداد في درب السدرة، بالمدينة في سنة تسعين ومائة».
[36] عبد الله بن ثابت بن يعقوب بن قيس المقرئ النحوي التّوَّزِي -وقد تصحّفت في تفسير مقاتل المطبوع (1/ 26) إلى الثوري- قال الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 82): «سكن بغداد، وروَى بها عن أبيه، عن الهذيل بن حبيب تفسيرَ مقاتل بن سليمان. وروى أيضًا عن عمر بن شبة النميري». توفي عام 308. أمّا أبوه فقال الخطيب عنه في تاريخ بغداد (8/ 15): «سكن بغداد، وحدَّث بها عن أبي صالح الهذيل بن حبيب الدنداني، عن مقاتل بن سليمان كتابَ التفسير. رواه عنه ابنه عبد الله بن ثابت، وقال: سمعته منه في سنة أربعين ومائتين، ومات وهو ابن خمس وثمانين سنة».
[37] ينظر مثلًا: (1/ 27، 29، 324)، (2/ 132)، (4/ 299).
[38] ينظر مثلًا: (2/ 298)، (3/ 620، 612).
وهذا يدل على أنّ هذا التفسير ليس خالصًا لمقاتل! مما يستدعي إعادة دراسة وتحقيق هذا الكتاب لتحديد ما لمقاتل من تفسير وما ليس له، وهل هذا هو تفسيره كاملًا؟!
[39] أبو عصمة؛ نوح بن أبي مريم القرشي مولاهم؛ قاضي مرو، مشهور بكنيته؛ ويعرف بنوح الجامع؛ لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى؛ والحديث عن حجاج بن أرطأة، والتفسير عن الكلبي ومقاتل؛ والمغازي عن ابن إسحاق؛ ومع هذا فهو مجمع على ضعفه؛ واتهم بوضع الحديث؛ وقيل إنّ مقاتلًا تزوج بأمّه؛ توفي عام 173. ينظر: تهذيب الكمال (3/ 56)، تاريخ الإسلام (4/ 785)، تهذيب التهذيب (10/ 280).
[40] ينظر: مقدمة (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) تحقيق: د. خالد عون العنزي، ص72- 75.
[41] أُشير هنا إلى أنه قد سُجّلت عدة رسائل جامعية عن تفسير مقاتل ومنهجه: فمن ذلك -إضافةً إلى رسالة د. عبد الله شحاتة-:
- منهج مقاتل بن سليمان البلخي في تفسيره؛ جهاد أحمد الحاج؛ رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية بغزة، عام 2010م.
- مقاتل بن سليمان ومنهجه في التفسير، حنان عبد الغني المحتسب، رسالة ماجستير بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بالأردن، عام 2011م.
- الدخيل في تفسير مقاتل بن سليمان: من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الأعراف، هنيدي عبد الرحمن عبد الجواد؛ رسالة ماجستير بجامعة الأزهر، عام 2010م.
- الدخيل في تفسير مقاتل بن سليمان: من أول سورة الروم إلى آخر سورة الناس، هيثم معوض عليّ فايد، رسالة ماجستير بجامعة الأزهر، عام 2010م.
- اختيارات مقاتل بن سليمان في التفسير في الأجزاء: 25- 26- 27 من القرآن الكريم؛ هالة محمد عليّ دليل، رسالة ماجستير بجامعة أم درمان بالسودان، عام 2007م.
- اختيارات مقاتل بن سليمان في تفسير الأجزاء: 16- 17- 18 من القرآن الكريم: دراسة تحليلية، نجاة حسين محمد الحسن النعيم، رسالة ماجستير بجامعة أم درمان، عام 2012م. ينظر: قاعدة أوعية المعلومات القرآنية.
[42] الشرح الممزوج: هو أحد أنواع الشروح الثلاثة، يمزج فيه عبارة المتن والشرح، وهو طريقة أكثر الشرّاح المتأخرين. ذكره صاحب كشف الظنون) 1/ 38). وقد أظهر مقاتل فيه براعة، نحو قوله في تفسيره (1/ 417- 418): «﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: 148] لأحدٍ من الناس ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ يعني: اعتُدِيَ عليه، فينتَصِر من القول مثل ما ظُلِم، ولا حرج عليه أن ينتَصِر بمثل مقالته، ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا﴾ بجهر السوء، ﴿عَلِيمًا﴾ به». وهذا يجعلنا نتساءل عن بداية ظهور الشرح الممزوج؛ وهل كان مقاتل مِن أوائل مَن أبرزه؟!
[43] تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 481).
[44] وهو مفهوم قول ابن المبارك: «يا له من علمٍ لو كان له إسناد».
[45] تاريخ دمشق (60/ 119).
[46] ينظر: تفسير مقاتل (1/ 25- 26).
[47]تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 173).
[48] ينظر بحث: تفسير الخمسمائة آية من القرآن في الأمر والنهي والحلال والحرام لمقاتل بن سليمان؛ توثيق ودراسة، ص439، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون. وعزاه إلى مخطوطة الخمسمائة آية من القرآن (اللوحات: 25- 29).
[49] تفسير مقاتل بن سليمان (3/ 191).
[50] أخرجه ابن أبي حاتم (8/ 2549).
[51] تفسير مقاتل بن سليمان (4/ 500)، وينظر مثالًا آخر (4/ 475).
[52] تفسير مقاتل بن سليمان، مجلد الدراسة (5/ 68).
[53] ويكاد كثير من تفسير مقاتل يكون خاصًّا بهذين الأمرين، ينظر: تفسير مقاتل (5/ 136)، (قسم الدراسة).
[54] تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 90)، وقد نقل ابنُ عطية (1/ 123) عن قوم: أنّ «الآية نزلَت في منافقي اليهود، والمراد بالناس: عبد الله بن سلام ومَن أسلمَ مِن بني إسرائيل»، ثم انتقده قائلًا: «وهذا تخصيص لا دليل عليه». وجمهور أهل العلم أنّ الآية في المنافقين، وليست في اليهود. ينظر أمثلة أخرى: (4/ 509- 510، 634- 639).
[55] ومَن يقرأ تفسيره لسورة الكهف -مثلًا- يقف على عجائب في ذلك، وقد أورد محقّق تفسيره د. عبد الله شحاتة أمثلة كثيرة لذلك في دراسته. ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان (5/ 220- 229).
[56] تاريخ الإسلام (16/ 228). ولعلّ مراده بعلم القرآن قصص القرآن المتعلقة ببني إسرائيل ونحوها.
[57]الجدير بالذِّكْر أنّ لمقاتل كتابًا مطبوعًا خصَّه في الوجوه والنظائر، وهو أوّل مَن ألَّف في هذا العلم كما سيأتي بيانه، وينظر: البرهان للزركشي (1/ 102).
[58] تفسير مقاتل (2/ 582).
[59] ينظر: كتاب تفاسير آيات الأحكام (1/ 80، 104)، بحث «تفسير الخمسمائة آية من القرآن في الأمر والنهي والحلال والحرام لمقاتل بن سليمان: توثيق ودراسة» في مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون. الجدير بالذِّكْر أنّ كُلًّا من الباحثين درس الكتاب ومنهجه من خلال صورة المخطوط الوحيدة للكتاب، وقد اعتمدتُ عليهما في ذِكْر منهج الكتاب، حيث لم يتيسّر لي الوقوف على مخطوطته أو مطبوعته. كذلك أورد د. عبد الله شحاتة وصفًا مقتضبًا للمخطوط في مقدمة تحقيق تفسير مقاتل (1/ ل، م). وذكر بعضًا مما تميز به هذا الكتاب، ثم ذكر أنّ هذا الكتاب يبدأ بنفس سلسلة الرواية التي يبدأ بها التفسير من طريق عبد الله بن ثابت يعقوب التوَّزِي عن أبيه عن أبي صالح الهذيل بن حبيب.
[60] وهذه الطريقة خلاف أغلب كتب أحكام القرآن التي اعتمدت الترتيب وفق ترتيب الآيات والسور، وقد وافق مقاتلًا في طريقته الطحاويُّ في كتابه أحكام القرآن، والبيهقيُّ الذي جمع كتاب أحكام القرآن للشافعي. ينظر: تفسير آيات الأحكام (1/ 80)، أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم، ص132.
[61] ينظر: بحث (تفسير الخمسمائة آية من القرآن في الأمر والنهي والحلال والحرام لمقاتل بن سليمان؛ توثيق ودراسة)، ص439.
[62] كذا في مطبوعة المصدر! ولعلّ الصواب: تزوُّجهنّ.
[63] تفاسير آيات الأحكام (1/ 112، 113)، وعزاه إلى مخطوطة الخمسمائة آية من القرآن (ورقة 50، 51). ويُنظر مثال آخر: مبحث تفسير الاعتكاف في تفاسير آيات الأحكام (1/ 111)، ويقارن بتفسير مقاتل بن سليمان (1/ 165).
[64] تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 366).
[65] حُقّق الكتاب عام 1409هـ= 1989م في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، في رسالة ماجستير مقدّمة من الباحث: عبيد بن عليّ العبيد، لكن لم يَرَ النور حتى حينه. كما حقَّقه الباحث نشأت صلاح الدين الدوري عام 1999م، في رسالة دكتوراه بجامعة بغداد، ثم نشر الرسالة مركز البحوث والدراسات الإسلامية، ديوان الوقف السُّنّي، ببغداد، في سلسلة الدراسات الإسلامية المعاصرة، في 526 صفحة. ينظر: دليل الكتب المطبوعة في الدراسات القرآنية، ص521، قاعدة أوعية المعلومات القرآنية. وذُكر أيضًا أنه صدر من تحقيق المستشرق اليهودي يشعياهو غولدفيلد الذي درس مخطوطة الكتاب وقدّم فيها بحثًا شكّك في نسبة الكتاب لمقاتل، وتوصّل إلى أنه ملخّص لكتاب مقاتل التفسير الكبير! وقد تولّى الردّ عليه الباحث وليد هويمل عوجان في بحثه: «تفسير الخمسمائة آية من القرآن في الأمر والنهي والحلال والحرام لمقاتل بن سليمان: توثيق ودراسة»، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، مجلد 35، عدد 2، 2008م. وأوردَ الباحث في قائمة المراجع ص454 أنّ الكتاب طُبع في إسرائيل! سنة 1980م. وفي موقع ملتقى أهل التفسير /http://b.tafsir.net/tafsimr1360أنّ هذه النشرة صدرت عن دار المشرق عام 1400هـ= 1980م، في 317 صفحة.
[66] وقد طُبع كتابه باسم (الأشباه والنظائر) من تحقيق د. عبد الله شحاتة عام 1975م، نشر الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، وأُعيد طبعه عام 2003م من إصدار دار غريب بالقاهرة، كما طُبع بتحقيق أ.د. حاتم الضامن عام 2006م، باسم (الوجوه والنظائر) وإصدار مركز جمعة الماجد بالإمارات.
[67] ينظر: مقدمة الكشف والبيان عن تفسير القرآن، ص108.
[68] بل كان سريع البديهة والاستحضار حتى أثناء السؤال والمشافهة؛ فعن يحيى بن شِبْل، قال: كنتُ جالسًا عند مقاتل بن سليمان، فجاء شابٌّ، فسأله: ما تقول في قول الله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88]، قال: فقال مقاتل: هذا جهميّ. قال: ما أدري ما جهم؟ إن كان عندك علمٌ فيما أقول، وإلا فقل: لا أدري. فقال: ويحك، إنّ جهمًا -واللهِ- ما حج هذا البيت، ولا جالَس العلماء؛ إنما كان رجلًا أُعطي لسانًا، وقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ إنما هو كلّ شيء فيه الروح، كما قال لملكة سبأ: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 23]، لم تؤتَ إلا مُلك بلادها، وكما قال: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: 84]، لم يؤتَ إلا ما في يده من الـمُلك. ولم يَدَعْ في القرآن ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ و﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ إلا سردَ علينا. ينظر: تاريخ دمشق (60/ 119)، تهذيب الكمال (28/ 438).
[69] قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه (16/ 540) في معرض بيانه لقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾: «والقول بأنه إنما خاطب بها مُعيَّـنِين قولٌ لم يقله من يُعتمَد عليه، ولكن قد قال مقاتل بن سليمان: إنها نزلت في أبي جهل والمستهزئين، ولم يؤمن من الذين نزلت فيهم أحدٌ، ونقل مقاتل وحده مما لا يُعتمَد عليه باتفاق أهل الحديث كنقل الكلبي؛ ولهذا كان المصنِّـفون في التفسير من أهل النقل لا يذكرون عن واحد منهما شيئًا كمحمد بن جرير، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبي بكر بن المنذر، فضلًا عن مثل أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه».
[70] ينظر: منهاج السُّنة النبوية (2/ 294).
[71] كالدكتور عليّ بن سليمان العبيد في رسالته: (تفاسير آيات الأحكام ومناهجها) (1/ 96)، والدكتور جابر بن إدريس بن علي أمير في رسالته (مقالة التشبيه وموقف أهل السُّنة منها) (1/ 327- 339)، وقبلهما الدكتور عبد الله شحاتة محقِّق تفسير مقاتل وكتابه الوجوه والنظائر، الذي أشار إلى ذلك ثم أوردَ عدّة تعليلات لهذه القضية؛ بأنه إمّا أن يكون مقاتل قال ذلك في صدر حياته ثم عدلَ عنه، أو يكون خصومه تقوّلوه عليه، أو يكون القائل بالتجسيم مقاتل بن سليمان آخر غير مقاتل بن سليمان المفسِّر، كما ذكر ذلك السكسكي في برهانه، أو يكون رواة تفسير مقاتل هذّبوه وحذفوا منه القول بالتجسيم، أو يكون مقاتل قال ذلك في علم الكلام، أو عند جداله مع جهم في الصفات، ولم يقله في تفسير القرآن الكريم. ولم يرجح شيئًا من هذه الفروض. ينظر: تفسير مقاتل (5/ 90- 95، 188- 189).
[72] الكامل في معرفة ضعفاء الرجال (8/ 189)، تهذيب الكمال (28/ 439)، تهذيب التهذيب (10/ 282). ويُلاحظ أن السائل هو الخليفة! مما يدل على أنّ قوله هذا كان في آخر حياته حين انتقل إلى العراق واستقر فيها.
[73] الكامل في معرفة ضعفاء الرجال (8/ 189)، تهذيب الكمال (28/ 435).
[74] تهذيب التهذيب (10/ 280).
[75] منهاج السُّنة النبوية (2/ 294)، وينظر أيضًا: (5/ 435)، وقال في مجموع الفتاوى (5/ 151): «وقد ينقل عن بعضهم مقالات ينكرها بعضهم، كما نقل عن مقاتل بن سليمان وهشام بن الحكم مقالات رديّة. ومن الناس مَن ردّ هذا النقل عن مقاتل بن سليمان فردّه كثير من الناس».