نحو دراسة علمية لتاريخ التفسير وتطوّره

المؤلف : فريدة زمرد
تغيب عن أكثر الدراسات المهتمّة بتاريخ التفسير العنايةُ بتاريخ النظريات والمناهج التفسيرية وتطوّرها، وهذا البحث يستشرف مشروعًا علميًّا يسعى إلى الإسهام في تطوير الدرس التفسيري من جهة رصد تاريخه وتطوّره، من خلال عرض مستويات التأريخ وطرح ملاحظات مهمّة حولها.

درجت الدراسات المهتمّة بتاريخ التفسير على الاقتصار في هذا التاريخ على المستوى الأفقي الذي يرصد حركة العلم وتطوّرَه عبر الوصف والتعريف بالمراحل التي مَرَّ بها، وبأعلامه، ومدارسه، واتجاهاته، ومصنفاته. وغاب عن هذه الدراسات الاهتمام بالمستوى العمودي من هذا التأريخ الذي يبحث في تاريخ النظريات والمناهج التفسيرية وتطورها، وفي القضايا والمفاهيم والإشكالات العلمية التي تم تداولها في مؤلفات العلم في عصور مختلفة.

وعند التأمل في التأريخ العمودي لعلم التفسير، وبالنظر إلى خصوصية هذا العلم كونه يقدّم عصارة المزج بين منهجٍ تحكمه قواعد وقوانين، ونصٍّ يكتـنـز من المعاني والدلالات والأحكام والحِكم ما يستمر ويتجدد في الزمان والمكان؛ نجد أنفسنا أمام مستويين من التاريخ: تاريخ النظريات والمناهج التفسيرية، حيث يُرصد التطوّر الحاصل في مناهج التفسير وقواعده وقوانينه عبر العصور، وتاريخ القضايا والمفاهيم العلمية التي عالجها المفسرون في كتبهم.

وإذا كان التأريخ للنظريات والمناهج التفسيرية يفيد في رصد جهود العلماء في وضع أسس نظرية للتفسير، وتطور هذه الجهود، وما يحتاج منها إلى تتميم أو ترميم أو إضافة؛ فإنّ التأريخ للقضايا والمسائل والمفاهيم العلمية المتداولة في كتب التفسير مهم جدًّا في رصد التطوّر الحاصل في هذه المسائل نفسها، والتطوّر الحاصل في التفسير عمومًا، بحيث يمكن ملاحظة لحظات الإبداع والتجديد في تاريخ العلم، ولحظات الخمود والتقليد فيه مع ربط ذلك بأسبابه وملابساته.

إنّ أهمية هذا المفهوم الفلسفي لتاريخ العلم -إذا صحّ التعبير- تتجلى في كونه يُعِين على تبيُّن مكامن القوة والضعف في العلم؛ من أجل تدارك الخلل الذي وقع فيه، ومن أجل استئناف القول فيه على بصيرة، ومن أجل تحقيق التجديد المنشود فيه، خصوصًا وعلم التفسير من أكثر العلوم تأثُّرًا وتأثيرًا في باقي العلوم وفي واقع الناس أيضًا.

لذلك، وجب في ظلّ هذه الحاجة إلى دراسة تاريخ علم التفسير دراسة علمية (إبستمولوجية)، وفي ظلّ وجود نصّ تفسيري ممتد في التاريخ يمكِّن من رصد التطور الحاصل فيه، أن نفكر في مشروع علمي متكامل يمكِّن من تحقيق هذه الدراسة؛ إسهامًا في تطوير الدّرس التفسيري.

المؤلف

فريدة زمرد

أستاذ التعليم العالي بمؤسسة دار الحديث الحسنية للتعليم العالي والبحث العلمي، بالرباط.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))