القول بتوقف تفسير القرآن على أقوال السلف؛ دراسة في استدلالات ابن تيمية من خلال كتابه «جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية»
أحمد فتحي البشير
تُعدُّ قضية توقّف أخذ التفسير على أقوال السلف وعدم جواز الخروج عنها من أشهر القضايا المثيرة للجدل في الدرس التفسيري، وهذا البحث يناقش أحد أبرز المؤصِّلين لهذه القضية، وهو الإمام ابن تيمية، فيعرض لاستدلالاته في المسألة ويحلِّلها ويناقشها.
يقوم هذا البحث على مناقشة قضية مركزية تأسيسية فيما يَتعلَّق بتفسير النصّ القرآني، وهي: القول بتوقُّف أخذ تفسير ألفاظ القرآن وتراكيبه على أقوال السَّلَف، وعدم جواز الخروج عنها. وقد جعلتُ دراسة هذه القضية عند ابن تيمية (ت728هـ)؛ لأنه الذي نَظَّر لهذا القول، ولمَّ شعث الكلام فيه، وانتَهض للاستدلال له، وهو أكثرُ مَنْ فصَّل في ذِكر المسألة بأدلتها.
وقد اعتنى ابن تيمية بتناوُل هذه المسألة في العديد من كتبه، لكننا في بحثنا هذا اعتمدنا على طرحه لهذه القضية في كتابه المطبوع حديثًا، وهو «جواب الاعتراضات المصرية على الفُتيا الحموية»؛ فقد توسَّع ابن تيمية في هذه المسألة في كتابه هذا بما لم يَفْعَله في كتبه الأخرى، فاعتنى بذكرها والاستدلال عليها بالأصالة، بخلاف تعرُّضه لهذه المسألة في باقي كتبه، فإنه لم يُلْمِلمْ بعرضها ولا باستيفاء أدلتها كمَا فعَل في هذا الكتاب؛ فاستدلَّ فيه عليها بعشرة أوجُه: خمسة في بيان استقامة الاعتماد على طريقة السَّلَف وقيام الأدلة في نظره على ذلك، وخمسة على عدم نهوض الاعتماد على طريق التفسير الآخَر، وهو الاعتماد على اللغة. ولا يَعنِي هذا أننا أغفلنا ما سطره شيخ الإسلام عن هذه المسألة في باقي كتبه، بل رجَعْنا إليها، ولم نجده قد زاد شيئًا على ما كتَبه في «جواب الاعتراضات...»، ولكننا قد نَدْعَم في بعض المواضع كلامَه في هذا الكتاب من كتبه الأخرى لمزيد بيان أو تحرير أو فائدة.
لكن المتأمِّل ما استدلَّ به ابن تيمية يَجِد أن هذه الأوجُه التي اعتمد عليها لا تخلو من نظر ومناقشة؛ ولهذا رأَينا مَن يُعارِض ما ذهَب إليه ابن تيمية ويُناقِشه في بعضها، ومنهم أبو حيان الأندلسي في مقدمة تفسيره «البحر المحيط»؛ إذ ذكَر هناك أن أحد معاصِرِيه يَرَى أن معرفة معاني ألفاظ القرآن وتراكيبه متوقِّفة على أقاويل السَّلَف -وقد ترجَّج لدينا أنه يَعني بمعاصره ابنَ تيمية كمَا سيأتي بيانه في موضعه من بحثنا هذا-، وقد ناقش أبو حيان رأي معاصِرِيه هذا، ولم تكن هذه المناقشة لكلِّ الأوجُه التي ذكَرها ابن تيمية؛ ولهذا فإننا استعنَّا في مناقشتنا لابن تيمية بمناقشة أبي حيان له في المَواضِع التي ناقَشه فيها، ولكنَّنا لم نقتصِر على ما ذكَره أبو حيان.
وقد عرضنا لأدلة ابن تيمية وناقشناها؛ فأَوردنا ما قد يعضدها أو يَرِد عليها.
ومذهب ابن تيمية في هذه المسألة لازمُه هو المنع من إحداث تأويل جديد، وهو ما تقلَّده ابن تيمية بالفعل، وقد عَرَضْنَا لمذهب ابن تيمية في هذه المسألة وأدلته فيها في مواجهة قول الجمهور، بعد مناقشة أدلته التي استدلَّ بها على قوله بتوقُّف التفسير على أقوال السَّلف.