من خلال عدسة الهرمنيوطيقا المعاصرة
«قصد المؤلف» في تفسير الطبري والغزالي لآية النور

المترجم : مصطفى هندي
تستعين مارتنسون في هذه الدراسة بعددٍ من المنهجيّات والمفاهيم المعاصرة حول التأويل ودلالته وأهدافه، لتستكشف طبيعة النظريات التأويلية الإسلامية في بعض التفاسير الكلاسيكية السُّنِّيّة والشيعيّة، وتُحدِّد اشتغالها بتفسير الطبري والغزالي لسورة النور، مقارِنة له ببعض التأويلات الإسماعيلية، وَعَبْرَ هذا تحاول الباحثةُ ذِكْرَ بعض النتائج حول الأبعاد الكلية لعملية التفسير في التقليد الإسلامي، خصوصًا ما يتعلّق بقضايا هدف التفسير ومقصد القائل وقَبْليات المفسِّر.

  تُعَدّ قضايا تأويل النصوص من أهم القضايا التي تهتم لها الدراسات الأدبية والفلسفية المعاصرة، وتحتلّ مسائلُ التأويل وعلاقته بالنص والمؤلف والقارئ مركزَ النقاشات التأويلية؛ حيث يتنازع الساحةَ عددٌ من النظريات، مِن بينها مَن يعطي الأولوية للمؤلف ويعتبر عملية التأويل هي عملية الوصول لمقصد المؤلف [هيرش]، في مقابل من يعطي الأولوية للقارئ [نظرية استجابة القارئ، غادامير]، بالإضافة للنظريات التي تُولِي الأهمية الأكبر للنص نفسه، على خلافات وتداخلات تفصيلية بين هذه النظريات بطبيعة الحال.

في هذه الدراسة التي بين أيدينا تحاول أولريكا مارتنسون أن تستلهم هذه النقاشات المعاصرة حول تأويل النصوص وقضاياه، بالإضافة لصلته بــ(التقليد) أو (التراث) والتي بدأت مع نقاشات غادامير وهيرش، في فهم طبيعة النظريات التأويلية الكبرى للقرآن في التراث الإسلامي، في التقليدين السُّنّي والشيعي.

تُشغّل مارتنسون هذه المفاهيم والنقاشات بصورة تطبيقية على تفسيرَي الطبري والغزالي لآية النور وذلك في مقابل بعض التفسيرات الشيعية لذات الآية، باعتبار هذه الآية -وفقًا لها- تتعلق بعملية التأويل ذاتها، محاولةً تحديد طبيعة العملية التأويلية في التقليدين، خصوصًا في قضيتي موقع مؤلف النص وموقف التقليد الذي يشكِّل مسبقات المفسِّر وقَبْلياته في عملية التأويل.

تصل مارتنسون من اشتغالها إلى أنه ورغم اختلاف هرمنيوطيقا الطبري عن الغزالي، خصوصًا مع اعتماد الأول على الأحاديث والأخبار والسياق التاريخي للنص واللغة، واعتماد الثاني على الفلسفة والقياس المنطقي، إلّا أنّ اشتغال المفسرين يُبرِز مركزيةً لمقصد المؤلف كهدفٍ لعملية التفسير يَبرُز في تفريق الطبري بين (التأويل) و(البيان)، هذا في مقابل تحكّم مسبقات المفسِّر في التأويل الشيعي الإسماعيلي حتى إنها لتطغى على السياق التاريخي واللغوي كما يظهر في أقوال ابن الهيثم.

كذلك توضح مارتنسون كيف أن إيمان مفسري السُّنة بتعدد التفسيرات وعدم إمكان حسمها دائمًا وتحررهم من الأحكام المسبقة يبرز بصورة كبيرة فردية لعمل المفسر، وكيف أن اعتمادهم على أدوات عمومية عالمية مثل اللغة أو المنطق يوفّر لتفسيراتهم بُعدًا واسعًا وغيرَ حصريّ أو إقصائيّ، بصورة تعارض ما يفترضه بعضهم من كون التأويل السُّني حصريًّا وقَبْليًّا كما يرى أنتوني بلاك.

إن الفائدة الكبيرة لهذه الورقة، هي في تطبيقها عددًا من المنهجيات والمفاهيم والنقاشات المعاصرة كأدوات لفهم بعض الأبعاد الكلية لعملية التفسير في التقليد الإسلامي، والذي يُعَدّ مفيدًا في إلقاء ضوء منهجي أكبر على هذه العملية والبناءات المنهجية للنسق العامّ لها.

المؤلف

أولريكا مارتنسون - ULRIKA MÅRTENSSON

باحثة سويدية، أستاذ الفلسفة ودراسات الأديان بجامعة العلوم والتكنولوجيا النرويجية
تتركز اهتماماتها في تاريخ بدايات الإسلام، والقرآن، وتاريخ التفسير.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))