موقع تفسير وانطلاقته الجديدة (2-2)

يواصل أ.د/ عبد الرحمن الشهري -المدير العام لمركز تفسير- حديثه حول الانطلاقة الجديدة لموقع تفسير وما تحمله من أبعاد وغايات وتحديات، وبعد أن بيّن -في الجزء الأول من هذا الحوار- طبيعة الرؤية الكليّة التي صدرت عنها هذه الانطلاقة الجديدة للموقع، فإنه يفصّل في هذا الجزء الثاني من الحوار طبيعة الخدمات التي يقدّمها الموقع لزوّاره والمتصلين به، وأهم السياسات التي يتبناها في قبول الأعمال وإجازتها للنشر، والجهد المبذول في إدارته، والمراحل التي تمر بها الأعمال قبل ظهورها للقرّاء، كما يستعرض أهم التوقعات المستقبلية المتوخاة وراء هذه الإطلاقة الجديدة، وأبرز التحديات التي جابهتها.

مقدمة:

يواصل أ.د/ عبد الرحمن الشهري -المدير العام لمركز تفسير، والمشرف العام على شبكة تفسير للدراسات القرآنية- حواره معنا حول الانطلاقة الجديدة لـ«موقع مركز تفسير» وما تحمله من أبعاد ورؤى ومضامين وغايات وتحديات، وبعد أن تعرّفنا معه -في الجزء الأول من هذا الحوار-[1] على الرؤية الكليّة التي صدرت عنها هذه الانطلاقة الجديدة للموقع، ومسارات الموقع وأقسامه، وأبرز محطّات هذه الانطلاقة وكيفية إنجازها، فإننا في هذا الجزء الثاني من الحوار سوف نهتم بالغوص العملي في هذه الإطلاقة الجديدة للموقع؛ لنتبين طبيعة الخدمات التي يقدمها الموقع لزوّاره والمتصلين به بصورة مركّزة، وأهم السياسات التي يتبناها في قبول الأعمال وإجازتها للنشر على ساحاته، والجهد المبذول في إدارته والمراحل التي تمر بها الأعمال قبل ظهورها للقرّاء، كما سنحاول أيضا أن نتعرف على أهم التوقعات المستقبلية المتوخاة وراء هذه الإطلاقة الجديدة للموقع، وأبرز التحديات التي جابهتها.

وقد بيّن أ.د/ الشهري في المحور الأول كيف زخر الموقع في حُلّته الجديدة بالعديد من الخدمات والإفادات العلمية المتنوعة التي يمكن أن ينتفع منها الزوار من الباحثين والمتخصصين في القرآن الكريم وعلومه وجمهور المسلمين من المحبين لكتاب الله تعالى، وأن هناك مجموعة من السياسات التي يتبناها الموقع، والتي تهدف للتيسير على الكُتّاب والراغبين بنشر موادهم على ساحاته، وأن تكون مشاركاتهم محلًّا للقبول والنشر على الموقع. وكذلك أوضح معايير اللجنة العلمية للموقع في مراجعة الأعمال وقبولها وطبيعة دورها، وكيف أن الموقع لا يتحكم فيه توجه خاصّ أو أيديولوجيا بعينها في رَدّ الأعمال وقبولها، كما أشار لما يبذله الموقع من جهود في خدمة الأعمال، والمراحل التي تمرّ بها هذه الأعمال على الموقع قبل ظهورها في شكلها النهائي. 

وفي المحور الثاني للحوار فصّل أ.د/ الشهري في الحديث عن أبرز التطلعات التي يرجوها «مركز تفسير» من وراء إطلاقته للموقع، وأهم الانعكاسات الإيجابية المتوقعة من ورائها في خدمة حقل الدراسات القرآنية وباحثيها، كما طوّف حول أهم التحديات والصعوبات التي جابهت هذه الإطلاقة الجديدة للموقع وكيف تم التعامل معها، مبرزًا تحدي العنصر البشري وتوفير الكفاءات المطلوبة في ضوء شحّ الخبرات في مجال إدارة المحتوى الرقمي في التخصصات الشرعية، ومؤكدًا في ذات الوقت على ضرورة الاهتمام بالعنصر البشري؛ كونه سبيل إنجاز التجارب والبقاء على نضارتها وازدهارها، وفيما يلي نصّ الحوار.

نص الحوار

المحور الأول: الانطلاقة الجديدة للموقع؛ الخدمات، السياسات، الآليات:

س1: يخاطب الموقع شريحة المشتغلين علميًّا وبحثيًّا بالدراسات القرآنية، وكذا شريحة المحبّين والمهتمين بكتاب الله تعالى، فهل يمكن أن نسلّط الضوء قليلًا على أهم الخدمات العلمية والمعرفيّة التي يقدمها الموقع لهاتين الشريحتين لا سيما شريحة الباحثين؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

ذكرنا قبلُ أن الموقع يخاطب بصفة رئيسة شريحة المتخصصين والمهتمين علميًّا وبحثيًّا بالدراسات القرآنية، وكذلك يخاطب بشكلٍ جزئي شريحة المثقفين وجمهور المسلمين من المحبين لكتاب الله تعالى وعلومه، وتقوم اللجنة العلمية للموقع بتحديد نِسَبَ هذا الخطاب ومواده وكيفيه ظهوره على الموقع وفق مخططات يضعونها لذلك، ولكن بخصوص الإفادات التي يقدمها الموقع لهاتين الشريحتين؛ ففيما يتعلق بشريحة المثقفين والمحبين لكتاب الله تعالى وعلومه، فالموقع يقدم العديد من المضامين العلميّة المشوقة التي تقرّب هذا التخصص لمحبيه وتعين على حسن فهم القرآن الكريم والتعاطي معه بصورة ميسّرة ومناسبة، كما يُبرز العديد من الموضوعات المهمّة التي تعين الإنسان على حسن السّير إلى مولاه -عز وجل-. ومثل هذه الموضوعات الدعوية وإن كانت مطروحة في مواضع عديدة على الشبكة بشكلٍ أو بآخر، إلا أن ما يميز ظهورها على الموقع أننا نحرص على طرحها من منظور قرآني ومقاربتها بِنَفَسٍ قرآني سهل وميسور، وهو ما يعمل على ربط القرّاء -لهذه الموضوعات وفقًا لهذه الصورة- بكتاب الله تعالى وفهمه، ويعينهم على القرب منه واستجلاء نظرته واستحضارها تجاه العديد من الأمور والقضايا.

وأما بالنسبة لشريحة الباحثين؛ فالموقع فعليًّا يقدم العديد من الخدمات العلمية المهمّة لهذه الشريحة، لا سيما أن كثيرًا من أقسام الموقع تخاطب هذه الشريحة بصورة رئيسة، فمن خلال تواصل الباحثين مع الموقع وزيارتهم له يمكنهم أن يتعرفوا على جديد المواد العلمية التي يتداولها الكُتّاب والباحثون في التخصّص، والتي يمكن أن تمثّل لهم رافدًا علميًّا مهمًّا يفيدون منه في أعمالهم العلمية ومقارباتهم البحثية بصورة مباشرة؛ حيث إن تحرير المواد على الموقع يخضع لقواعد الأعمال البحثية في تحريره.

كما أن تواصل الباحثين مع المواد المطروحة على الموقع واطلاعهم عليها يفتح للدارسين بصورة عامّة العديدَ من الآفاق البحثية التي يمكنهم أن يرتادوها في أعمالهم وأطروحاتهم لاحقًا، خاصّة وأننا في الموقع نحرص على استكتاب العديد من شباب الباحثين ممن لديهم أفكارٌ ورؤى جديدة في التخصّص، فمن الممكن أن يقوم الباحث بالتقاط بعض الأفكار المهمّة من خلال اطلاعه على المواد المنشورة، وأن يعمل على تطوير الطَّرْح فيها وتعميقه ليغدو عملًا علميًّا متكامل الأركان، وهذه النقطة مهمّة جدًّا في ضوء ما نعلمه جميعًا من معاناة الباحثين -لا سيما الأكاديميين- في إيجاد عناوين لأطروحاتهم البحثية.

كذلك يمكن للباحثين أن يتعرفوا على الأقلام المميزة والكفاءات العلميّة في التخصص من خلال متابعاتهم للموقع والأعمال المنشورة عليه.

وهناك العديد من المسارات العلمية المهمّة على الموقع، والتي يمكن أن تفيد الدارسين بصورة كبيرة -والتي نعتقد أن هناك تفردًا على الموقع في طرحها- كمسار المقاربات الحداثية للقرآن الكريم، والذي يتعرف فيه الدارس على طبيعة هذه المقاربات وأهم المنطلقات والركائز التي تصدر عنها في التعامل مع القرآن الكريم، وكذلك هناك قسم الترجمات الذي يعرّف بالفكر الغربي، وهناك مسار قراءات ومراجعات الكتب والمؤلفات والذي يهتم بالتقويم العلمي والمنهجي الناضج لمؤلفات الدراسات القرآنية بما يعرّف الدارس بقيمة المؤلفات في التخصص وجدواها فيه وطبيعة أوزانها العلمية بصورة منهجية دقيقة، وكذلك إتاحة عرض بعض المواد والبحوث العلميّة المهمّة والتي قد يغفل عنها الباحث لقدمها وعدم اشتهارها، وهو ما نقدمه في «من عيون المجلات» و«من ذاكرة بحوث المؤتمرات»، وغير ذلك.

في الحقيقة لا نبالغ في قولنا إن الموقع يزخر حاليًا بالعديد من الخدمات والإفادات العلميّة المتنوعة التي يمكن أن ينتفع منها الباحثون بصورة كبيرة جدًّا، خاصّة إذا استحضرنا أننا نعاني فقرًا كبيرًا في المواقع المتخصصة في الدراسات القرآنية والتي تطرح أعمالًا علمية تخاطب شريحة الباحثين بصورة مركزة.

س2: هناك ملف سياسات خاصّ بالموقع وباستقبال الأعمال العلمية وطرق إعدادها كما هو موضح في (شاركنا بقلمك)، فما هي أهم ملامح تلك السياسات؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

لكلّ موقع مجموعة من السياسات التي يصدر عنها، والتي تحدد آلياته في استقبال الأعمال العلميّة ونشر المواد، وغير ذلك، وهذه السياسات من المهم جدًّا ضبطها وتوضيحها بصورة دقيقة بحيث يستطيع الزوار -خاصة من لديهم أعمال يرغبون بنشرها على الموقع- أن يحسنوا تصورها بلا لَبْسٍ أو غموض.

ومن المهم قبل أن أعرّج على أبرز سياسات الموقع أن أبيّن أننا خلال الفترة الماضية كانت قد هيمنت فكرة الملتقيات والمنتديات على الفضاء الإلكتروني كما نعلم، وهذه الملتقيات تعتمد غالبًا على التدوين والكتابة المفتوحة والمباشرة ولها مجموعة من السياسات المعروفة والمشهورة، إلا أننا لما كنا نتغيّا في تطويرنا للموقع جعله نافذة للباحثين في مجال الدراسات القرآنية يعبرون خلالها عمّا لديهم من رؤى وأفكار بصورة علمية مؤصلة في هيئة مقالات علمية وبحوث وغير ذلك، وأن يقدّم إضافات تنفع الدارسين وتثوّر فضاء التخصص =فقد صرنا بذلك أمام حالة جديدة قد تبدو غير مألوفة للكثيرِ من الكُتّاب والباحثين ممّن ألِفوا التعامل مع الملتقيات؛ فقد فرضت علينا هذه الحالة الخروج عن نمط التدوين المفتوح والممارس منذ فترات على الملتقيات والمنتديات المختلفة لنصبح أمام حالة أخرى مغايرة، فالباحث يقوم بإعداد فكرته ويجتهد في تحريرها وضبطها ثم يراسل بها الموقع، ثم يقوم الموقع بالنشر بعد مراجعة العمل وإقراراه. فالموقع هاهنا أصبح جهة نشر لأعمال علمية موثقة؛ ومن ثَمّ كان لزامًا علينا وضع جملة من السياسات الضابطة لذلك، والتي تشبه بصورة عامة ما هو متّبع في المجلات المحكّمة، من النظر في حقوق النشر وخلوّ الأعمال من السرقات العلمية، وغير ذلك مما قد يخلّ بالحقوق والأمانات كما هو معلوم، وقد يعرض الموقع لحرج وإشكالات.

كما أن الموقع له لجنة علمية وهيئة تحرير تقوم بمراجعة المادة ومخاطبة الباحث برأيها وقرارها إزاء مادته. ومن هاهنا كان واجبًا علينا -ضبطًا لذلك كله- وضع جملة من السياسات الواضحة التي تبيّن للكُتّاب وجهة الموقع بوضوح تجاه الأعمال وكيفية استقبالها والشروط التي يجب أن تتوفر فيها حتى تجاز للنشر وغير ذلك.

وهذه السياسات مهمّة جدًّا لضبط العلاقة بين الكُتّاب وبين الموقع، وهي أمور متّبعة بصورة عامّة في العديد من المواقع التي تستقبل أعمالًا علمية وتقوم بنشرها على مسؤوليتها.

وأحب أن أنوّه هاهنا على أمور:

أولًا:الإطار العام للأعمال المنشورة هو باب الدراسات القرآنية، فالموقع قائم لخدمة هذا التخصص رأسًا وطرح خدمات لباحثيه ومحبيه؛ ومن ثَمّ فالمواد المنشورة يجب أن تكون ضمن هذا الإطار ولها مساس واتصال ظاهر به.

ثانيًا:الموقع يسعد باستقبال كافّة الأعمال بلا شك، ولكن من المهم مراجعة الكُتّاب ممن يرغبون بنشر أعمالهم لتلك السياسات التي ينتهجها الموقع؛ فذاك أدعى لتيسير عملية النشر، وهذه السياسات موضحة بصورة كاملة ومفصّلة على الموقع تحت عنوان «شارك بقلمك».

ثالثًا:قد شفعنا هذه السياسات بدليل لإعداد المواد العلمية التي يستقبلها الموقع، وقد ضمنّا هذا الدليل كافة الشروط والتنبيهات التي يجب مراعاتها أثناء إعداد المواد بمختلف أنواعها، وهي أمور لا تخرج في غالبها عن العُرف المعهود في إعداد الأعمال العلمية، ولكننا حرصنا على التأكيد عليها؛ تيسيرًا على الكُتّاب في التعامل مع الموقع وفي أن تكون موادهم محلًّا للقبول والنشر على مختلف أقسامه، كما أن هناك مسارات على الموقع كانت لنا من ورائها طموحات معينة؛ ومن ثَمّ كان لا بد من توضيح خطة السير في إعداد المواد العلميّة المندرجة فيها لتكون أقرب في تحقيق هذه الأهداف والطموحات، ومن ذلك مسار قراءات الكتب مثلًا، والذي نطرح فيه تقويمًا منهجيًّا للمؤلفات يبيّن ما لها وما عليها وحجم إضافتها في التخصص بعيدًا عن أَسْرِ تقويمها تبعًا للموقف الأيديولوجي كما قلنا قبل، وقد أفردناه بمساحة خاصّة في الدليل تبيّن كيفية السير في إعداد قراءة في كتاب بصورة توافق أغراض طرح هذا المسار.

والغرض أن رجوع الكُتّاب لدليل إعداد المواد العلمية له أهميته في استيعابهم للشروط العامة التي ارتضاها الموقع، سواء تلك المعهودة في الأعمال العلمية بصورة عامة أو في بعض المواد مما كان للموقع فيه نَفَس خاصٌّ أو طريقة إعداد فيها مخالفة للسائد تبعًا لأهدافه من وراء طرح هذه المواد.

رابعًا:من يطالع دليل السياسات على الموقع سيلاحظ أننا عالجنا أمرًا مهمًّا يتعلق بنظام الاستكتاب المدفوع، وهو مخاطبة الموقع لبعض الكتّاب بإعداد أعمال معينة نظير مقابل مادي؛ فاللجنة العلمية للموقع تتابع الكتابات الواردة وتنظر فيها بصورة دقيقة، وتقوم بالتواصل مع أصحاب الأعمال المميزة لاستكتابهم بصورة خاصّة وفق مقدرات مالية يتفق عليها معهم. وفي الحقيقة إننا قمنا بهذا الأمر رغبة في خدمة الأقلام الجادّة ورفع بعض الأعباء عنها بما يعينها على تجويد البحث، ومساهمة في دعم استمرار عطاء هذه الأقلام ودوام نفعها العلمي للباحثين، وكذلك حرصًا على إثراء الموقع بأكبر قدرٍ ممكن من الكتابات الجادة ذات النفع والتميّز في إفادة التخصّص والباحثين.

خامسًا:ندرك في الموقع -بطبيعة الحال- حداثة مثل هذا النوع من السياسات بالنسبة لكثير من الباحثين ممن تعودوا طرح كتاباتهم على الملتقيات والمنتديات، ولكننا نأمل بعد مدة من الزمن أن يعتادوها وأن تسري بينهم، خاصّة وأن الموقع يسهر على متابعته فريقٌ إداري محترف يقوم بالرد السريع والإجابة على مختلف استفسارات الكُتّاب ومساعدتهم بما ييسر عليهم إرسال الأعمال وغير ذلك.

س3: بخصوص سياسات الموقع والمراجعات التي تتم للأعمال والمواد التي ترِده قبل النشر كما تفضلتم، كنا نود منكم التعريج على الأطر العامة لهذه المراجعات وحدودها، وهل هناك توجهات فكرية معينة للموقع يحاكِم من خلالها الموادَّ التي تَرِدُهُ قبولًا وردًّا؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

في الحقيقة هذا سؤال مهم، وللتوضيح أحبّ أن أبيّن أن من غايتنا -كما قلتُ سابقًا- أن يكون الموقع حاضنة للمتخصصين في الدراسات القرآنية كما هو الشأن في «ملتقى أهل التفسير»؛ ولذا فنحن في الموقع نسعد باستقبال مختلف الأعمال في التخصص ومختلف المقاربات والمطارحات العلمية فيه ونقوم بنشرها، وليس لدينا توجهٌ فكريٌّ معينٌ أو موقفٌ أيديولوجيٌّ نحاكم من خلاله الأعمال فننشر ما يتفق معه ونرفض ما يخالفه ويعارضه، وإلا فلن يمكننا أبدًا أن نحقق غرضنا بأن نكون نافذة تمثّل سائر المتخصصين بمختلف توجهاتهم وأفكارهم، وصحيح إننا -باعتبارنا مركزًا متخصصًا في الدراسات القرآنية- لدينا -بطبيعة الحال- توجهات علمية حول بعض القضايا في التخصص، والتي قد نخالف فيها غيرنا من المتخصصين، ولكن هذا غير مؤثرٍ إطلاقًا على الموقع والذي نريد جعله فضاء مفتوحًا لمختلف المتخصصين ينشرون خلاله ما لديهم من أفكار علمية في المجال.

وبخصوص المراجعات التي تتم للمواد قبل النشر، فأحب التنويه على أمرين:

أولًا:التناول العلمي الجيد والمعالجة المنهجية المنضبطة للمسألة ومراعاة الأخلاق والأسلوب العلمي في الطرح هو الأساس الذي تتبناه هيئة تحرير الموقع ولجنته العلمية في النظر للمواد ومراجعتها، فالمهم عندنا هو أن يتحقق ذلك في المواد المنشورة بغضّ النظر عن النتائج التي تنتهي إليها المواد، والتي قد نختلف أو نتفق معها بطبيعة الحال. إنّ الباحث قد يفيد من العمل العلمي الذي توفرت فيه شروط المنهجية السليمة في التعاطي مع المسألة المبحوثة وإن لم يتفق معه في النتيجة التي خلص إليها، وهذا معلوم؛ ولذا فالموقع يركز فقط على توفر تلك الشروط في المواد المرسلة حتى تكون أكثر نفعًا وإفادة للدارسين بغضّ النظر عن درجة اتفاقه مع النتائج العلمية التي تحملها المواد في ذاتها، وكذلك يتثبّت من التزام المواد بالمذكور في دليل إعداد الأعمال العلمية ويستوفي ما يكون فيها من نقص أو سهو.

ثانيًا:الموقع لا يحدث تعديلات جوهرية في المواد التي تَرِدُهُ إطلاقًا، ولكن اللجنة تستقبل العمل وتنظر فيه فإن لاحظت حاجته إلى تعديلات جوهرية وعميقة خاطبت بها صاحب العمل ليقوم بها بنفسه فهو أولى بها وأحقّ، وأما إن كان العمل مقبولًا في جملته فإن اللجنة قد تحدِث تعديلات طفيفة جدًّا على المواد كالضبط اللغوي لما يشكل، وتفقير المقالة بما يعين على حسن قراءتها وفهمها، واستدراك بعض الفنيّات في العزو والتخريج وغيره مما لم يُلتزم فيه بالشروط المنشورة في دليل إعداد المواد على الموقع، وهذه التعديلات الطفيفة تقوم اللجنة بإدراجها مباشرة في المواد دون الرجوع للكُتَّاب غالبًا؛ كونها غير مؤثرة جوهريًّا على المواد والتواصل بشأنها فيه تطويل كبير قد يعرقل مسار توقيتات النشر.

إننا في الموقع نريد أن نكون فضاء نشر لمختلف الأعمال العلمية الأصيلة في باب الدراسات القرآنية؛ ومن ثم فإننا نسعد بتلقي مختلف المشاركات والمواد من الباحثين والمتخصصين ونشرها.

س4: يرغب الموقع في أن يكون نافذة يعبّر من خلالها الكُتّاب عن أفكارهم ورؤاهم كما بينتم، لو تطوّفون بنا حول أبرز الخدمات والإفادات التي يمكن أن يتحصّل عليها الباحثون من خلال التواصل مع الموقع بالأعمال والكتابات من مقالات وبحوث ونحو ذلك؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

في الحقيقة هذا سؤال مهم؛ لأن من أغراضنا -كما ذكرت- أن يكون الموقع ساحة تلتقي فيها الأقلام المعنية بمعالجة قضايا الدراسات القرآنية بصورة علمية مركزة، وغير خاف أن إعداد المواد العلمية من مقالات وبحوث وغيرها عمل مرهق ويحتاج إلى وقت وجهد؛ ومن ثَمّ فتحديد هذه الخدمات والإفادات التي تنعكس على الباحثين لدى تواصلهم بالأعمال مع الموقع وبيانها بصورة دقيقة يبدو مهمًّا؛ كونه مما يساعد على تحفيز الكُتّاب على إعداد المواد والتواصل بها، وهو ما يصل بنا إلى تحقيق الغرض، وأن يكون الموقع ميدانًا للأعمال العلمية الرائدة في باب القرآن الكريم وعلومه.

ولا شك أن رأس هذه الخدمات في تصورنا هو ما يتيحه الموقع بصورة عامّة من فرصة ومجال للمتخصصين يستطيعون من خلاله نفع مختلف الدارسين عبر طرح رؤاهم وما لديهم من كتابات بصورة علمية مرتبة؛ فنحن في تجربتنا مع الملتقى -لما أكرمنا الله بإطلاقه- لاحظنا هذا الإقبال الشديد من المتخصصين -والذي لا يزال قائمًا بحمد الله- على المناقشات وطرح الأفكار والتصورات، وهو الأمر الذي أظهر لنا مدى الحاجة إلى توفير مثل هذه المساحات وخلق تلك الفضاءات التي تسمح للكُتّاب بإبراز أفكارهم وطرح هموهم البحثية، وكيف أن ذلك يمثّل حاجة ماسّة لمختلف الدارسين والباحثين في التخصص. والموقع هو بلا شك يمثل فضاء لمثل هذا، إلا أنه فضاء يُعْنَى بالطرح العلمي المؤصّل للقضايا، والذي نعاني شحًّا ظاهرًا فيه -رغم فرط أهميته-؛ لندرة المواقع التي تُعْنَى بالدراسات القرآنية وتهتم بالطرح المؤصل فيها؛ ومن ثَمّ فتوفير مساحة حرة وفرصة نشر مجانية لسائر المهتمين بمناقشة القضايا علميًّا وطرح ما لديهم من كتابات وأعمال يحاولون عبرها إثراء التخصص ودفع عجلته إلى الأمام، ونفع الباحثين وإفادة الدارسين =هو خدمة نراها كبيرة جدًّا؛ لأن صاحب الفكر والهمّ البحثي يشغله بصورة كبيرة كيفية التواصل بفكره مع الآخرين لينتفع برؤى الآخرين تجاهها وينفع بها غيره، وهو ما يطرحه الموقع بصورة علمية مرتبة ودقيقة تهتم بخدمة المواد وعرضها وإخراجها بما يزيدها بهاء وجمالًا ويعين على كثرة الإقبال والاطلاع عليها.

وإذا ما جاوزنا ذلك فإن الموقع يقدم لكُتّابه عددًا من الخدمات والإفادات الكثيرة؛ منها:

- توفير مساحة نشر لها جمهور واسع:فموقع تفسير هو ساحة نشر لها جمهور جيد وكبير -بحمد الله- من المهتمين بالدراسات القرآنية؛ ومن ثَمّ فإنه يفتح للكُتّاب بابًا ليتعرف على نتاجهم عددٌ كبيرٌ من المتابعين، كما أن الموقع يقوم بخدمة المواد ويجتهد في التعريف بها ونشرها من خلال نطاقات واسعة جدًّا عبر منصات التواصل الخاصة بالمركز وغيرها ليوسع دائرة الشرائح التي يمكن أن تفيد منها وتتابعها، وفي هذا التعريف خدمة جيدة ومهمّة للكُتّاب بصورة عامة لا سيما لشرائح الشباب والأقلام الجديدة.

- دعم الكفاءات البحثية معنويًّا وماديًّا:وهذه نقطة مهمّة، فالكفاءات العلميّة في التخصص ينبغي أن يتم دعمها على المستويين المعنوي والمادي؛ حتى تتمكن من الاستمرار في متابعة البحث وفي نفع الباحثين بما لديها من أفكار ورؤى مهمّة في التخصص، فالموقع يتبنى الأعمال الجيدة بصورة خاصّة ويخدمها وينشرها بصور عديدة ليفيد المتخصصين منها بأكبر صورة ممكنة، وفي هذا خدمة معنوية للكفاءات نراها لازمة وواجبة لهم، كما أنه عبر الاستكتاب المدفوع الذي أشرنا إليه سلفًا يقوم الموقع بدعم هذه الكفاءات ومساعدتها ماليًّا بصورة مناسبة نظير ما تكتبه من أعمال؛ حتى تتمكن من تجويد تلك الأعمال.

وأشير هاهنا أيضًا إلى أننا في «مركز تفسير» نبحث عن الكفاءات الجيدة بصورة عامّة ونتبناها ونجتهد في أن نفتح لها مجالات أرحب في المشاركة في مشروعات علمية لها أصالتها وغير ذلك من الآفاق التي يمكنهم أن يفيدوا فيها؛ ومن ثَمّ فتواصل الكفاءات بأعمالهم مع الموقع يفتح لنا الباب لمعرفتهم، ومن ثَمّ إفادتهم بما يعينهم على إكمال رسالتهم العلمية من وجوه مختلفة.

-مساعدة الباحثين علميًّا في تجويد الأعمال وتحريرها:فالموقع تشرف عليه هيئة تحرير لها خبرة طويلة في ممارسة البحث العلمي، وهي التي تقوم بمراجعة الأعمال قبل النشر؛ ومن ثَمّ فالتواصل معهم بالأعمال العلمية يفيد الدارسين -لا سيما الأقلام الجديدة- كثيرًا في تجويد أعمالهم وتحريرها، وكذلك في إِكْسَابِهم خبرات جيدة في فنون التصنيف وتحرير الأعمال، وذلك عبر ما تقترحه هيئة التحرير من ملحوظات ومقترحات لتطوير الأعمال.

س5: يظهر من خلال ما ذكرتم أن الموقع يبذل جهدًا كبيرًا في خدمة الأعمال على مستويات عديدة وأن هناك فِرَقًا متنوعة تعمل على ذلك، فوددنا لو تطلعوننا على طبيعة هذا الجهد؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

في الحقيقة هذا عندي سؤال شديد الأهمية؛ فالناس عادة لا تطالع إلا الصورة النهائية والشكل الخارجي للأمور وتغفل كثيرًا عن الجهود الكثيرة التي تبذل وتكمن خلف تلك الصورة ولا تنتبه لها، وهذا أمر مؤسف من وجهة نظري؛ لأن الشكل النهائي ما كان ليظهر أبدًا بدون هذه المجهودات؛ ولذا فإني سأحاول توضيح ذلك الجهد المبذول من الموقع إزاء المواد، ليس فقط لعِظَمِهِ واتساع دائرته في الموقع في ضوء ما أرى كما سأبيّن، ولكن وفاء لمثل ذلك الجهد الذي يبذل في الخفاء خلف أي عمل دون أن ينتبه له الناس، والذي أحب -على المستوى الشخصي- تثمينه والإشادة به، كما أن التبصير بمثل هذه المجهودات التي تقف خلف الأعمال مهمّ أيضًا بنظري خاصّة لأرباب المشروعات والمقبلين عليها، فالبعض يتحمس للفكرة وتعجبه ولكنه يذهل عن مسوغات قيامها ومستلزمات وجودها، فإذا تعنّاها بعد ذلك اصطدم بما لم يكن يتحسب له فيصيبه الإحباط وقد يقع في الفشل، بخلاف من يكون بصيرًا بمستلزمات الفكرة قبل الخطو والشروع لتنفيذها.

إنّ الرحلة التي تقطعها المواد حتى تخرج على الموقع في صورتها النهائية التي نراها لها محطات ومراحل عديدة؛ أُجْمِل رؤوسها فيما يلي:

أولًا:مرحلة استقبال الأعمال العلمية:والتي تعمل على تلقي المواد وتقوم بفرزها تبعًا لتصنيفاتها على الموقع لتكون مهيأة للمراحل التالية، وتردّ على استفسارات الكُتَّاب وتتواصل معهم.

ثانيًا: مرحلة المراجعة: حيث يجري في هذه المرحلة مراجعة المواد بصورة علميّة للتثبّت من التزام المواد بالشروط المتّبعة في الموقع والمقيدة في دليل السياسات، واتخاذ القرار بشأنها سواء بإجازتها للنشر أو التواصل مع الكاتب حال كانت المادة بحاجة إلى بعض التعديلات، وغير ذلك.

ثالثًا:مرحلة التدقيق اللغوي والتنسيق الفني:حيث يتم ضبط المواد لغويًّا وتنسيقها وفق المتّبع في ضوابط النشر على الموقع، وغير ذلك.

رابعًا: مرحلة التصميم والإخراج الفني:والتي يتم فيها إعداد التصاميم اللازمة للمواد حتى تخرج على الموقع في صورة زاهية.

خامسًا: مرحلة النشر:والتي تختصّ بنشر المواد على الموقع وترويجها عبر حسابات التواصل ومتابعتها، وغير ذلك.

هذه أبرز المراحل التي تمرّ بها المادة قبل ظهورها على الموقع، وبالطبع هناك لكلّ مرحلة مهام تفصيلية وضوابط عمل وأطر ونماذج محددة تعمل من خلالها؛ ولذا -كما قلت قبل- هناك فريق عملٍ كبير في الموقع منه ما هو إداري وما هو علمي وما هو فني وتقني.

في الحقيقة إنّ إدارة المواقع لا سيما التي تهتم بالأعمال العلمية المركزة والتي تستهدف شرائح علمية بعينها وتجتهد في خدمتها ونفعها وفق مخططات مدروسة =عمل يحتاج إلى جهود عديدة جدًّا؛ ففضلًا عن تلك المراحل التي ذكرتُ وما تحتاجه من كوادر محترفة، فإن هذه المواقع تحتاج أيضًا إلى تخطيط جيد ينظر لها بصورة كليّة ويتابعها من أعلى ويراقب أداءها وينظر في الأهداف الموضوعة وكيفية السّير إليها وتقويم ذلك السّير ومستوى الأداء ومعدلاته ووضع الخطط للتطوير اللازم، وكذلك تحتاج لمتابعة كبيرة لفريق العمل وتوجيهه وحلّ إشكالاته وتوفير مستلزماته، لا سيما وأن لكلّ قسم من أقسام الموقع موادّ مختلفة ومستلزمات معينة في ضوء طبيعة المواد بداخله، ويحتاج كلّ منها لترتيب وتخطيط في ضوء طبيعته وما يحتاجه من مستلزمات، وغير ذلك من المهامّ الإدارية المعهودة، والتي لا تخفى أهميتها وأهمية احترافية المشتغلين بها لضمان نجاح الموقع واستمرارية تميزه.

المحور الثاني: الانطلاقة الجديدة لموقع تفسير؛ أبرز التطلعات وأهم التحديات:

س6: في ضوء التطوير الجذري الذي قمتم به في الموقع، فما هي أبرز الآثار والتطلعات التي تتوقعونها وأهم النتائج المنتظرة من ورائه في حقل الدراسات القرآنية؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

نحن نتوقع -بإذن الله- من وراء الإطلاقة الجديدة للموقع والتطوير الذي تم خلال الفترة الماضية أمورًا عديدة وكثيرة؛ منها على سبيل المثال:

أولًا: تثوير فضاء البحث في الدراسات القرآنية:فلا يخفى أن فتح المجال أمام الكتابات العلمية والبحثية الجادّة التي تناقش مسائل الفنون أمر له أهميته في تحريك هذه الفنون والتخصصات والدفع بها إلى الأمام، وهو ما نرجوه من وراء الموقع من خلال توفير مجالٍ مفتوحٍ لمختلف الكتابات والمقاربات العلمية لمسائل الدراسات القرآنية، والتي من المتوقع أن تسهم -بلا شكّ- في تحرير قضاياها وإثارة النقاش حولها؛ وهو أمرٌ عظيمُ النفع وله آثار جليلة على التخصص بصورة عامّة والانتقال به نحو فضاءات جديدة وآفاق متنوعة عبر ما تثيره الكتابات من أفكار ورؤى.

صحيح إن لدينا «ملتقى أهل التفسير» وهو فضاء مهمّ لتثوير البحث في التخصص عبر إتاحته الفرصة لإثارة العديد من النقاشات العلمية المهمّة، إلا أن أهمية الموقع تأتي من كونه فضاء خاصًّا بالطرح العلمي المؤصّل والمتكامل للأفكار في صورة مقالات علمية أو بحوث وغير ذلك، وهو أمر له أهميته الظاهرة في إحداث المثاقفات العلميّة في التخصص على نحو أكثر عمقًا وريادة.

ثانيًا: دعم البحث العلمي في الدراسات القرآنية:وذلك من خلال توفير الموقع للعديد من المواد العلميّة التي يستقبلها، والتي يكون إخراجها وتحريرها تبعًا لقواعد البحث العلمي في صورة مقالات وبحوث علميّة، وهذا ما يبين اختلاف الموقع عن الملتقى، حيث لا يتيسر في الأخير -تبعًا لطبيعته في التدوين الحرّ والنقاش العام- طرح كتابات علمية تأصيلية وفق القواعد المتبعة في إعداد الأعمال العلمية بصورة مناسبة، بخلاف الموقع والذي تكون المعالجة في مواده معالجة بحثية تخضع لقواعد البحث العلمي بشكلٍ عامٍّ.

ثالثًا:دعم الأعمال الرائدة في التخصص والتعريف بها:وذلك من خلال إعطاء هذه المواد فرصة للحضور والانتشار وإتاحة الاطلاع عليها وقراءتها عبر الموقع، ولا شك أن لهذا فائدته وأثره وانعكاساته الحميدة في إثراء الفضاء العلمي للتخصص، وهذا الأمر لا يكون فقط للأعمال العلمية المعاصرة، وإنما أيضًا يقوم الموقع بخدمة الأعمال العلمية المميزة التي صدرت منذ فترات ولها ريادتها وأهميتها، فهناك مساحة في قسمي المقالات والبحوث لإعادة طرح بعض المقالات والبحوث العلمية المهمة -كما قلنا قبل-، والتي ينبغي ألا يغفل عنها الدارسون في ظلّ كثرة النتاج العلمي واتساع دائرته.

رابعًا: تنشيط حركة البحث حول الفكر الغربي والمقاربات الحداثية للقرآن الكريم:فنحن -كما قلنا سابقًا- قد خصصنا قسمًا كاملًا على الموقع للترجمات، والذي يُعنى بطرح ترجمات متنوعة لمقالات وبحوث غربية حول القرآن الكريم وعلومه، والتي نتوقع عبرها أن نحدث حراكًا بحثيًّا في هذا الجانب المهم والمغفول عنه، وأن نساعد في توفير أرضية مهمّة لمناقشة الفكر الغربي، والتي لطالما أعاقها ضعف حركة التعريب للفكر الغربي. وكذلك خصصنا مساحة مهمّة على قسم المقالات للتعريف بالمقاربات الحداثية للقرآن الكريم وبيان منطلقاتها وركائزها...إلخ مما يساعد في دفع حركة البحث في هذا الجانب المهمّ نحو الاشتباك المنهجي المعمّق.

خامسًا:إثراء المحتوى القرآني على الشبكة:فالمطالع للمحتوى العربي على الشبكة بصورة عامّة يعلم ضعفه الشديد مقارنة بالمحتويات الموجودة بلغات أخرى، ولذا فنحن عبر نشرنا للعديد من المحتويات العلمية ذات الصلة به وبعلومه نتوقّع أن نحسّن جزئيًّا من حضور المحتوى العربي بشكلٍ عام والقرآني بشكلٍ خاصّ على العالم الرقمي.

سادسًا:استكشاف أصحاب الخبرات العلمية في التخصص:وهذه نقطة مهمّة جدًّا لنا وللباحثين كذلك، فـ«مركز تفسير» هو مركز بحثي يقوم على إنتاج العديد من الأعمال العلمية؛ ومن ثَمّ فإننا نكون بحاجة إلى معرفة الباحثين من ذوي الكفاءات والقدرات العلمية الجيدة في مناح مختلفة في التخصص؛ ليتم التعاون معهم والاستعانة بهم في تنفيذ العديد من المشروعات العلميّة، والموقع في صورته الأخيرة سيكون أداة مهمّة لتحقيق هذا الغرض؛ حيث يتيح لنا تتبع ورصد الكتابات العلمية المتميزة على الموقع، ومن ثَمّ تحديد الكفاءات الجيدة والتواصل مع أصحابها للاستعانة بهم في أعمال علمية أخرى، وهذا مفيد لنا كمركز بحثي من جانب وللتخصص أيضًا في معرفة واستثمار الكوادر والكفاءات الجيدة لتسهم في دفعه إلى الأمام عبر ما لديها من طاقات وآفاق وأفكار.

وهناك العديد من الغايات التي نأملها من وراء الانطلاقة الجديدة للموقع، وعلّ ما ذكرته كافٍ في بيان الصورة العامة للغايات المرجوّة من وراء الانطلاقة الجديدة للموقع، والتي نسأل الله أن يعيننا على تحقيقها وأن يكرمنا بتحصيلها.

س7: لكلّ عمل وإنجاز صعوبات ومعوقات تقف في طريقه وتعوق ظهوره، فما هي أبرز تلك الصعوبات التي واجهتموها في سبيل الانطلاقة الجديدة لموقع تفسير؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

لكلّ عمل صعوباته وإشكالاته، والتي تزداد وتكثر -بلا شك- بحسب طبيعة هذا العمل وغاياته وأهدافه؛ فكلّما كان العمل عظيم النفع والأثر فستجد في سبيل تحقيقه الكثير والكثير من العراقيل والعقبات، وتتمثل أهم تلك العقبات التي تعرضنا لها إبّان هذه الانطلاقة الجديدة لموقع تفسير في صعوبة توفير الكوادر اللازمة للنهوض بتلك الانطلاقة.

إنّ عنصر الكوادر البشرية عنصر شديد الأهمية -كما لا يخفى- في نجاح الأفكار وتحقيقها بصورة عملية على أرض الواقع، فالأحلام تبقى أحلامًا ما لم نفتح أعيننا ونسعى على أقدامنا لنحققها كما يقال، وهذا لا يحدث مع الأفكار والمشروعات الكبيرة إلا من خلال كوادر بشرية متميزة، بل إنه يمكننا القول بأن قوة الظهور للفكرة ونجاحها في الاستمرار يرتهن في جوانب كثيرة منه بمدى قوة العنصر البشري الذي يقف خلفها ومقدار تميّزه، وقد مثّل لنا توفير العناصر البشرية اللازمة لقيادة هذا العمل والنهوض به تحديًا كبيرًا، خاصّة مع شُحّ الخبرات في إدارة المحتوى الرقمي في التخصصات الشرعية والإسلامية بصورة عامة؛ فالمنصات الإخبارية ومواقع الرأي والفكر تعمل منذ قديم؛ ولذا أوجدتْ محيطًا كبيرًا من الخبرات المتخصصة في إدارة محتوياتها مما سمح لها بتطوير تجاربها وتكاثر أعدادها مؤخرًا بصورة ملحوظة، وأما في مجال المواقع والمنصّات ذات المحتوى الإسلامي فالتجربة لمّا تتعمق كما بينتُ سابقًا؛ ومن ثَمّ فتوفّر الكفاءات اللازمة للنهوض بها ممن يجمعون بين الخبرة الشرعية وما تحتاجه المواقع وإدارة أعمالها من خبرات فيه ضعف بصورة ظاهرة، فكيف الحال إذا كنّا أمام موقع متخصص في فنّ من هذه الفنون الشرعية بعينها كعلوم القرآن؟! فلا شك أن الأمر هاهنا أعقد بكثير وأشدّ صعوبة في إيجاد الكفاءات التي يمكن أن تنهض به وتسيّر مختلف أعماله وتدير محتوياته ومراحلها بصورة احترافية وتحرر مواده علميًّا وفنيًّا، خاصّة وأن إدارة المحتويات تتطلب أعمالًا كثيرة -كما بينتُ- وكوادر متنوعة الخبرات في مجالات واتجاهات عديدة.

كما أننا خطونا في انطلاقتنا الجديدة لطرْق مسارات علمية تحتاج إلى كفاءات خاصّة كقسم الترجمات مثلًا، والذي يتطلب خبرة طويلة بالأرضية الاستشراقية ونتاجها العلمي لترشيح الملفات المناسبة والمواد المهمّة، وكذا توفُّر مترجمين أكفاء لديهم القدرة على الترجمة في باب متخصص كالقرآن الكريم وعلومه، وغير ذلك، وهذا ما زاد من صعوبة أمر الكوادر البشرية وتوفيرها لإتمام الانطلاقة الجديدة للموقع، إلا أننا -وبحمد الله- استطعنا التغلب على هذا الأمر ومجابهته من خلال البحث والتقصّي واستثمار ما لدينا من شبكة اتصال واسعة مع العديد من الباحثين في التخصص؛ حيث استطعنا -بفضل الله وتوفيقه- توفير نواة طيبة جدًّا من الكوادر في مناحي مختلفة، ولا نزال نجتهد في ذلك، كما أننا حرصنا على دوام التدريب للكوادر لإكسابها ما يلزم من خبرات ومهارات؛ بحيث يكون عطاؤها دومًا في ارتقاء ونماء، ونسأل الله العون والسداد.

س8: يتطلب استمرار الأعمال جهدًا كبيرًا للحفاظ على ريادتها وجودتها، فمن خلال تقييمكم للفترة الماضية لانطلاقة الموقع، ما هي أبرز الصعوبات التي ترونها تمثل تحديًا لضمان استمراريته في قابل الأيام؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

في الحقيقة يظلّ عنصر الكوادر البشرية وتوفير الكفاءات بنظري هو التحدي الأبرز، ليس فقط في النهوض بالتجربة كما ذكرتُ منذ قليل؛ ولكن أيضًا في كفالة دوام تميزها وبقاء نضارتها واستمرار عطائها ورفدها، فالتجربة الناجحة هي التي تخلق في أثناء ممارستها الكوادرَ والأفرادَ الذين ينهضون بها ويحملون هَمّ تطويرها والارتقاء بها والتفكير الدائم في الدفع بها نحو الأمام. إنّ إشكال العديد من التجارب في ضوء متابعتي للعديد منها -والتي قد تستفتح عهدها ببدايات مبشّرة- أنها لا تهتم بالعنصر البشري وتوفير المستلزمات والبيئة المناسبة له لكي يتحرك ويبدع؛ ومن ثَمّ سرعان ما تفقد بريقها وتنطفئ جذوتها وتخفق في الاستمرار على ذات المنوال الذي بدأت به، أو تعجز عن تحقيق الأهداف التي أرادتها لنفسها في البدايات رغم ضخامة الإمكانات والمقدرات المتاحة والمتوفرة لديها، إنّ الكوادر البشرية الجيدة -متى توفرت لها البيئة المناسبة- تستطيع أن تنجح وتبدع في استغلال ما لديها من مساحات وإمكانات حتى لو كان بها قصور، والعكس صحيح، وهو أمر صار راسخًا ومقررًا في ضوء القراءة لمختلف التجارب الناجحة في واقعنا المعاصر، وتلحّ عليه المؤلفات التي تُعْنَى بالإدارة وفنونها؛ ومن هاهنا فإننا نجتهد في المركز من أجل مجابهة تحديات ضمانة استمرار هذه الانطلاقة المتميزة للموقع في التركيز على العناصر والكوادر البشرية التي تعمل في هذه التجربة، والاجتهاد -قدر طاقتنا- في توفير بيئة جيدة لهذه الكوادر تحقق لها الاستقرار وتعينها على الإبداع والابتكار؛ حتى لا تذبل التجربة ويذهب سناها وينطفئ ضوؤها، وإنما تظلّ متجددة باستمرار في مواكبة الواقع وملاحقته بجديد الأفكار بحسب ما يفرضه من مستجدات وما يظهر فيه من تطلّعات وآفاق.

س9: في ضوء ما مرّ بكم من صعوبات في الإطلاقة الجديدة لموقع تفسير، كيف هي نظرتكم لمستقبل هذه الإطلاقة وهذا النوع من المواقع بصورة عامة؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

طبعًا لا أخفي تفاؤلي بمستقبل هذه الإطلاقة الجديدة للموقع، والدور الجيد الذي ستؤديه في تثوير فضاء البحث في الدراسات القرآنية والدفع به نحو آفاق أكثر عمقًا وريادة بإذن الله تعالى، فنحن لما أطلقنا «ملتقى أهل التفسير» قديمًا أكرمنا الله تعالى بإقبال كبير، وأظنّ أننا وُفّقنا في إثارة حراك نافع ومفيد في التخصص، ونحن نأمل أن نحقق ذات النجاح مع الموقع بإذن الله تعالى، وأن يمتد نفعه ويتجاوب معه المتخصصون وينتفعون منه بصور مختلفة ويتحقق من ورائه ما سبق وذكرته من آثار نرجوها ونؤملها -بإذن الله- خاصّة وأننا بذلنا فيه جهدًا كبيرًا.

كما أن الموقع ذاته سيكون حافلًا في قابل الأيام بخدمات أكثر لا تقلّ أهمية عن المطروح حاليًا، فهناك بعض الأقسام والتبويبات الأخرى التي ستظهر على الموقع، والتي سيكون فيها مسارات علمية جديدة ومهمّة بإذن الله، وهناك خدمات أخرى كانت موجودة على الموقع قديمًا كالمكتبة ورابطة المتخصصين وغيرها، ولكننا لا نزال بصدد تطويرها، وعلّها تظهر بصورة أكثر إفادة خلال الفترات المقبلة بإذن الله. ونحن نرحب بكلّ فكرة أو مقترح للتطوير من قِبَل الزوار ومتابعي الموقع ونرغب في أن يراسلونا بانطباعاتهم ورؤاهم باستمرار عن الموقع وسبل تحسينه، فمركز تفسير مركز لكلّ المحبين للقرآن الكريم وعلومه وموقعه منبرٌ مفتوحٌ لهم.

وبخصوص مستقبل هذه المواقع التي تهدف لإثراء ساحات تخصصية بعينها فأنا لا أبالغ إذا قلتُ بأني -برغم ما ذكرت من صعوبات سالفة وعقبات وتحديات- متفائل وبصورة كبيرة بمستقبل هذا النمط من المواقع المتخصصة، وبأن الاتجاه نحوها في مختلف الفروع والتخصصات سيكون ضرورة تدفع إليها الرغبة العامّة والنامية في تطوير واقعنا البحثي والنهوض به، والذي بات يمثل ضرورة لازمة وأولوية قارّة لا يمكن تجاهلها، فبدون وجود حركة بحث رائدة في عالمنا العربي والإسلامي لن يتيسر لنا أيّ إقلاع أو نهوض حضاري، وهو ما يمكّن لهذه المواقع أن تلعب دورًا مهمًّا ورياديًّا فيه من خلال استثمارها للشبكة العنكبوتية الواسعة الانتشار وذات الإمكانات الضخمة، وطرحها لخدمات علميّة تخصصية تعين على الدفع بحركة البحث إلى الأمام، وتوفيرها لمساحات نشر وطرح للعديد من المضامين المعرفية التي تسهم -بلا شك- في تثوير قضايا الفنون وتحريرها والانطلاق بها نحو فضاءات أكثر عمقًا وريادة.

وأحبّ أن أؤكد أننا -إزاء هذه المواقع- بصدد تجربة جديدة، سيكون لها صعوباتها وأخطاؤها وإشكالاتها، ومن ثَمّ فلا بد من الصبر عليها والتحمّل في سبيلها؛ فمن الخطأ يولد الصواب، ومع الوقت وتتابع الجهود تكثر الخبرات وتتوالد الكفاءات وتنضج التجارب، بإذن الله تعالى.

إننا في «مركز تفسير» على قناعة تامّة أن هذه المواقع المتخصصة برغم كثرة مستلزماتها وصعوبات السير فيها، إلا أنها ضرورية جدًّا للنهوض بواقعنا البحثي المعاصر والخطو به نحو آفاق أرحب، وأنا أقول دومًا للكوادر معنا في الموقع: إننا لا بد سنقع في أخطاء، وقد نتعرض لنقد من هنا أو هناك، ولكن لا بد من الصبر على التجربة والكفاح في سبيلها لتستمر وتزكو، فهذه الإشكالات التي نواجهها وتؤرقنا حاليًا كثيرٌ منها سببه عدم وجود تجارب وعدم تراكم خبرات سابقة علينا في هذا الباب الذي سرنا فيه، ولذا فمن الخير -ما دمنا نؤمن بضرورة السير في هذا الباب- أن نترك تجربة ناضجة فيه، وأن نضع لبنة جيدة يسترشد بها الآخرون في سيرهم فيه؛ فإنها بلا شك ستكون مفيدة جدًّا في إنارة الطريق وتوضيحه بدلًا من أن نتركه كما هو أو نتركه مع تجربة هزيلة فتبقى الإشكالات قائمة كما هي.

ونسأل الله -عز وجل- أن نكون عبر إطلاقتنا الجديدة للموقع قد قدّمنا تجربة نافعة في هذا الباب تُعَبِّد الطريق لغيرها وتدفع لمزيد من التجارب الأخرى التي تنضم إليها وتتكامل معها، سواء في تخصص الدراسات القرآنية أو غيره من بقية التخصصات الشرعية، والله الموفِّق.

 


[1] يمكن الاطلاع على الجزء الأول من الحوار، على هذا الرابط: tafsir.net/interview/8 

 

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))