تنطلق هذه الدراسة من النظر إلى المسؤولية كمفهوم جوهري ثابت في وجود الإنسان، يتّصل بمعتقده بالأساس، ويتّصل بحركته الواعية في النفس والمجتمع والآفاق وفق سنن تشمل كلّ مناحي الحياة، فبه يتحدّد مصيره لكونه يشكّل أساس العقد الإنساني مع الخالق سبحانه.

وإذا كانت المسؤولية مفهومًا مركزيًّا، فإنّ تصوّر الإنسان له سيتأثّر ولا شك بالأفكار والتفسيرات الوجودية المختلفة، خاصة تلك الأطروحات المادية التي خلَصت إلى منطق النهايات الآيسة، من قبيل نهاية التاريخ، وموت الإله، وتسيّد الإنسان، وغيرها، ما يبرر البحث في الموضوع من منظور عقدي ثم سنني بدراسة متوسّلة بمنهجية تحليلية نسقية، تستند إلى مقاربة علاقية لمفهوم المسؤولية مع المفاهيم الرئيسة المتشابكة معه؛ كالقضاء والقدَر والإرادة والمشيئة والجبر والاختيار والإيمان والعمل والسُّننية، في محاولة لتجلية الفهم حوله وفق المنهج القرآني الذي يربط مفاهيمه بخيط ناظم متّسق يحتاج إلى تدبر مستمر لتكشُّف أسراره. وهو المنهج الذي يجب أن يبقى أساسًا تقويميًّا ممتدًّا في الزمان والمكان لكلّ الانحرافات المفاهيمية المستحدثة، لمدارسة المفاهيم وتجديدها بمقصد القرآن الأول الرامي إلى صلاح حال الإنسان دنيويًّا وأخرويًّا. إِذْ بمناقشة مفهوم المسؤولية من هذه المداخل ستطمح الدراسة إلى تقديم صورة لتشكّل النسق العقدي السنني حول الفعل الإنساني في علاقته بالمسؤولية؛ إعلاءً لوجهة نظر فلسفية مستمدة من الوحي.

وقد انتظم البحثُ في مقدّمة وخمسة مباحث وخاتمة، أمّا المقدمة فلبيان الإشكالية والأهداف... إلخ، وأمّا المباحث فجاءت كالآتي:

المبحث الأول: في معنى المسؤولية. المبحث الثاني: الإرادة والمشيئة؛ يشمل مطلبين: مطلب الإرادة، ومطلب المشيئة. المبحث الثالث: القضاء والقدَر؛ يشمل مطلبين: مطلب القدَر، ومطلب القضاء. المبحث الرابع: الجبر والاختيار؛ يشمل مطلبين: مطلب في معنى الجبر والاختيار والعلاقة بينهما، ومطلب في شبهات حول مسألة الجبر والاختيار. المبحث الخامس: السُّننية والمسؤولية الإنسانية؛ يشمل أربعة مطالب: مطلب سُننية القدر وقدرية السُّنن، ومطلب السُّنن وخصائصها، ومطلب المسؤولية وسُنن الاهتداء، ومطلب اقتضاء السُّننية للمسؤولية الفردية الاجتماعية.

وأمّا الخاتمة فلبيان أهم النتائج والتوصيات.