دلائل ثبوت البعث في سورة ق
عرض وبيان

عالج القرآنُ الكريم موضوعَ البعث علاجًا مستفيضًا، وبَسَط الدلائل والبراهين عليه، وهذه المقالة تُعْنَى بتسليط الضوء على الدلائل المُثْبِتة للبعث في سورة (ق)، فتعمل على تجلية هذه الدلائل في السورة الكريمة، وتفصّل القول فيها.

  الحمدُ لله باعثِ الأموات، المقيمِ على صدق ذلك ووقوعه نواصِعَ الأدلة وواضِحَ الآيات، والصلاة والسلام على نبيّ الهدى وخاتم النبوّات، وعلى آله وصحبه ما دامت الأرض والسماوات.

أمّا بعد:

فقد عالـجَ القرآنُ الكريم موضوعَ البعث علاجًا مستفيضًا، وبَسَط الدلائل والبراهين الـمُثْبِتة لوقوعه بسطًا عريضًا؛ إِذْ كان هذا الموضوع أكثر موضوعات الرسالة المحمدية إشكالًا على الكُفّار وإثارةً لِعَجَبهم، كما قال تعالى عنهم: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ [ق: 2- 3]. وفي هذا الصدد يقول ابن عاشور -رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57]: «مناسَبةُ اتصال هذا الكلام بما قبله أنّ أهمّ ما جادلوا فيه من آيات الله هي الآيات الـمُثْبِتة للبعث، وجدالهم في إثبات البعث هو أكبر شُبهةٍ لهم ضلَّلَتْ أنفسهم وروَّجوها في عامَّتهم فقالوا: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [الرعد: 5]، فكانوا يسخرون من النبيء -صلى الله عليه وسلم- لأجل ذلك؛ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: 7]»[1]. وممّا يُنبِئُنا كذلك بمدى إنكار الكُفّار للبعث واستشكالهم له أن هذا الوصف -كما يقول ابن عاشور أيضًا- صار سِمَةً مميِّزةً لهم في القرآن، كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: 15]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [الفرقان: 21].

والقرآن الكريم إِذْ يذكُر لنا أن هذه القضية العقدية كانت أكثر القضايا إشكالًا على الكفار حين التنزيل فهو يذكُر لنا أيضًا أنّ التكذيب بيوم البعث كان ديدن المكذِّبين للرسل قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- كما تدلّ على ذلك هذه الآيات الواردة في معرض الاستدلال للبعث من سورة (ق) تهديدًا لكفار قريشٍ: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق: 12- 15]. والقصد أنّ استشكالَ البعث والتكذيبَ به لا يخلو منه زمانٌ ما دام هناك كفرٌ وإيمانٌ؛ وما دام هناك شيطانٌ يوسوس للإنسان؛ ولذلك فهو أمرٌ ممتدٌّ إلى قيام الساعة، ومن ثَمَّ كانت الحاجة ماسَّةً في كلّ وقتٍ إلى التذكير بدلائل القرآن الـمُثْبِتة للبعث تنبيهًا للمنكِرين وتثبيتًا للمؤمِنين.

وإنّ مِن أبرزِ السور القرآنية حديثًا عن موضوع البعث سورة (ق)؛ إِذْ جمَعَت هذه السورة -مع وجازتها- ذِكر أهمّ الدلائل القرآنية الـمُثْبِتة لوقوعِ هذا اليوم، وقد جاءت هذه المقالة لتجلية ذلك وتبيين هذه الدلائل والتفصيل فيها، وذلك بعد تمهيدٍ نعرِّف فيه بالسورة الكريمة.

تمهيد:

تُعَدّ سورة (ق) ذات الخمس والأربعين آيةً أول سور المفصَّل عند الحنابلة، أو ثاني سور المفصَّل عند جمهور العلماء، وتقع في الترتيب الخمسين ضِمنسور المصحف الشريف، كما تُعَدّ مِن أوائل ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذْ تجيء في ترتيب نزولها الرابعة والثلاثين بعد سورة (المرسلات) وقبل سورة (البلد)، وهي من السور المكية بإجماعٍ من المفسِّرين[2].

وهي من السُّوَر التي سُمِّيت بأسماء الحروف الواقعة في ابتدائها، مثل: طه وص ويس؛ لانفراد كلّ سورةٍ منها بعدد الحروف الواقعة في أوائلها بحيث إذا دُعِيَت بها لا تلتبس بسورةٍ أخرى. وفي (الإتقان) أنها تسمى: سورة الباسقات[3]، وكذلك ذَكَر في تسميتها صاحب (زاد المسير)[4].

وكسائرِ السور النازلة قبل الهجرة فقد تناولتْ هذه السورة الكريمة شؤون العقيدة الإسلامية، خاصَّةً منها ما تعلّق بموضوع البعث، بَيْدَ أنّ لها طابعًا خاصًّا في تناول هذا الموضوع والتذكير به، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخصُّها بالقراءة على منبر الجمعة كما في صحيح مسلم من حديث أمِّ هشامٍ بنت حارثة بن النعمان قالت: «مَا حَفِظْتُ (ق)، إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ»[5]، قال النووي: «قال العلماء: سبب اختيار (ق) أنها مشتملةٌ على البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة»[6].

ومما ذكَرَهُ العلماء في فضلها استحبابُ قراءتها في صلاة العيدين لحديث عمر بن الخطاب أنه سألَ أبا واقدٍ الليثي: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْأَضْحَى وَالفِطْرِ؟ فَقَالَ: «كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ: ق وَالقُرْآنِ الـمَجِيدِ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»[7]، قال الرازي: «هذه السورة تُقرأ في صلاة العيد؛ لقوله تعالى فيها: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ [ق: 42]، وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [ق: 11]، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق: 44]؛ فإنّ العيد يوم الزِّينة، فينبغي أن لا ينسى الإنسانُ خروجه إلى عَرصَات الحساب، ولا يكون في ذلك اليوم فرحًا فخورًا، ولا يرتكب فِسقًا ولا فجورًا»[8].

وممّا ذكرَهُ العلماءُ في فضلها أيضًا استحبابُ قراءتها في خطبة الجمعة أو قراءة بعضها[9]؛ وذلك لحديث أمِّ هشامٍ بنت حارثة بن النعمان المتقدِّم الذِّكر.

 

إذا كان القرآن الكريم -لا سيّما مَكيّه- قد اعتنى بذِكْر الدلائل الـمُثْبِتة للبعث وتكثيرها، فإنّ سورة (ق) قد استأثرتْ بطائفةٍ مهمِّةٍ من ذلك، هي من أقوى ما يُستدَل به على وقوع البعث، وفيما يأتي نعرض لهذه الأدلة مع شيءٍ من التفصيل فيها:

الاستدلال على وقوع البعث بما هو أعظم منه:

يقوم هذا المنهج من الاستدلال على لفتِ أنظار المنكِرين إلى أمورٍ تقع في الكون هي أعظم مِن خَلْقِ الإنسان وإحيائه؛ بحيث يُعَدّ ثبوتها إثباتًا لإمكان البعث بطريق الأَوْلى، أو كما يُعبِّر عنه بعض العلماء بمنهج الاستدلال بالأعلى على الأدنى، وهو منهجٌ استدلاليٌّ -كما يقول الفخر الرازي- في غاية الصحة والقوّة ولا يرتاب فيه عاقلٌ البتَّة[10]، وإليه أشار الله تعالى بقوله: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57]، يقول العلّامة ابن عاشور في تفسير الآية: «ولمّا كانوا مقرِّين بأنّ الله هو خالق السماوات والأرض، أُقيمت عليهم الحجّة على إثبات البعث بأنّ بَعْثَ الأموات لا يبلغ أمْرُهُ مقدار أمْرِ خَلْقِ السماوات والأرض بالنسبة إلى قدرة الله تعالى»[11].

وأمّا موقع هذا الاستدلال من سورة (ق) فنجده في الآيات من قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: 6]، إلى قوله: ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [ق: 11]؛ إذ القصد من دعوة المنكِرين إلى النظر في هذه المخلوقات المذكورة في هذه الآيات هو تنبيهم وتذكيرهم بقدرة الله على إيجاد ما هو أعظم منهم في الخَلْق والتكوين مما لا يخفى على أنظارهم؛ وذلك مثل إيجاده السماء وما اشتملت عليه من الكواكب العظيمة، وازدانت به من النجوم المتلألئة المشِعَّة، وإيجاده الأرض الممدودة الواسعة، وما اشتملت عليه من الجبال الراسية والنباتات المتنوِّعة، وكذلك ما يتصرّف بينهما من تقلبات الأجواء، ونزول الماء، وغير ذلك من الآيات الكونية التي لا يُعَدّ إيجاد الإنسان أمامها شيئًا يُذْكَر، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57].

وإنّ ممّا يزيد هذا الاستدلال قوةً في هذا الموقع من سورة (ق) أنه أرشد الناظر إلى أطرافٍ من مواطن العظمة وكمال التصرُّف الإلهي في هذه الموجودات؛ فبيَّن له ما فيها من تمام الإحكام والإتقان، كما في قوله تعالى في السماء: ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ[ق: 6]، أي: من شُقُوقٍ وصُدُوعٍ، ووصفه لطلع النخل بالنضيد، أي: المنظَّم المرتَّب، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾ [ق: 10]. وكذا تسمية الجبال بالرواسي في قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ [ق: 7]، إيماءً إلى تثبيت الأرض بها لئلا تضطرب بأهلها؛ إحكامًا لها وإتقانًا لخَلْقِها. كما بَيَّن له ما في هذه الموجودات أيضًا من النَّضَارة والجمال، كما يدلّ عليه قوله: ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ [ق: 6]، يعني: السماء، وقوله في الأرض: ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [ق: 7]؛ أي: أنبَتْنا فيها أصنافًا وأشكالًا من النبات الذي يسرُّ النظرُ إليه النفسَ ويمتعُ الحِسَّ لشدّة حُسنه ونضارته. كما بيَّن له ما فيها كذلك من التنوّع والتعدّد الذي يدلّ عليه قوله: ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ[ق: 7]، أي: من كُلِّ صنفٍ ونوعٍ. كما بيَّن له ما فيها كذلك من التكامل والترابط الذي يُعَدّ الماء مِن أبرزِ تجلّياته وصوره، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق: 9]. فكلُّ هذه الصفات المقترنة بخلقِ الله من الإتقان والجمال والتنوّع والترابط مما يزيد مِن قوّة الإيمان بإمكان البعث لِما تدُلّ عليه من كمال التصرُّف وتمام القدرة الإلهية في هذه المخلوقات العظيمة، وهو ما من شأنه أن يضع المنكِرَ للبعث في مأزقٍ أمام عقله إنْ هو ادّعى أنْ يكون فاعل هذا كلِّهِ عاجزًا عن بعثِ الموتى يوم القيامة! ولذلك جاء هذا الاستدلال في موضعٍ آخرَ من القرآن على صيغة الاستفهام التقريريِّ؛ لما فيه من الوضوح والجلاء على إمكان البعث بحيث لا يسعُ المرء إلّا الإقرار به، قال تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس: 81]، يقول ابن عاشور: «وجيء في هذا الدليل بطريقة التقرير الذي دَلّ عليه الاستفهامُ التقريريُّ؛ لأن هذا الدليل لوضوحه لا يسَعُ المقِرَّ إلا الإقرارُ به؛ فإنَّ البديهةَ قاضيةٌ بأنّ مَن خَلَقَ السماوات والأرض هو على خَلْقِ ناسٍ بعد الموت أَقدَرُ»[12].

ومِن لطيفِ المعاني البادية لي هنا أنّ الله استطرد في إيراد هذا الدليل وتفصيله؛ إمعانًا في التعجيب مِن حال مَن يتعجَّبُ إمكانَ البعثِ مع كلّ هذه القدرة الإلهية والتصرف التامِّ في الكون؛ ليكون ذلك ردًّا مناسبًا لِما ورَدَ في مفتتح السورة مِن ذكرِ تعجُّبِ الكافرين من البعث: ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ [ق: 2- 3]. فكأنّ هذا الاستدلال قُصد به تنبيه المنكرين إلى أنّ تعجّبهم في غير محلِّه؛ وأنّ المنطق السليم يقتضي أن يُتعجَّب من المنكِر للبعث لا من الـمُثْبِت له، كما جاء ذلك صريحًا في قوله تعالى في سورة الرعد: ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [الرعد: 5].

ثم إنّ مما تجدر الإشارة إليه هنا أنّ هذه الآيات الكونية المذكورة في سورة (ق) قد اشتملت إلى جانب إثبات البعث على إثبات وحدانية الله تعالى أيضًا، كما جاء في نظيرها من سورة لقمان في قوله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [لقمان: 10]، إلى قوله تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: 11]؛ إذ القصد مِن ذِكْر هذه المخلوقات أيضًا تبيين أنّ إيجادها مِن اختصاص الله وحده؛ وبالتالي الخلوص بذلك إلى كونه المستحقّ للعبادة دون سواه. كما أنّ مِن مقاصد ذِكرها أيضًا: الامتنان بها على الناس ليعرفوا قدر نِعم الله عليهم فلا يشركوا به في العبادة والشكر أحدًا؛ وإلّا كانوا من الجاحدين لحقّ المنعِم سبحانه تعالى، وقد نبَّه اللهُ على هذا المقصد في سورة (ق) حين قال: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ﴾ [ق: 9- 11]، كما أنّ في تسمية الجبال بالرواسي في قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ [ق: 7]، جاء لقصد المنَّة عليهم بخلقها؛ لأنها سببٌ في استقرار الأرض وهناءة العيش عليها[13].

الاستدلال على البعث بالمماثلة والمشابهة:

لا يخفى ما لهذا المنهج أيضًا من أثرٍ في تقرير المعاني المعقولة في النفوس، وتقريبها للأذهان؛ إِذْ ضَرْبُ الأمثال للمعاني المعقولة بالأشياء المشاهدة المحسوسة من شأنه -كما يقول الزمخشري-: «رفعُ الأستار عن الحقائق حتى تريكَ المتخيَّل في صورة المحقَّق، والمتوهَّم في معرض المتيَقَّن، والغائب كأنه مُشاهَدٌ»[14]. ومِن أكثرِ ما ضُرب به المثل في القرآن بقصد إثبات البعث ظاهرة الإنبات؛ إِذْ هي أشبه الأحوال بحال الإنسان في تكوُّنهِ وتشكُّلِه، وفي هذا يقول ابن عاشور -رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: 17]: «وأُطْلِقَ على معنى (أنشَأكم) فِعلُ (أنبتكم)؛ للمشابهة بين إنشاء الإنسان وإنبات النبات من حيث إنّ كليهما تكوينٌ، كما قال تعالى: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: 37]، أي: أنشأها، وكما يقولون: (زَرَعَك اللهُ للخير)، ويَزِيد وجه الشبه هنا قُربًا من حيث إنّ إنشاء الإنسان مُركَّبٌ من عناصر الأرض»[15].

وقد تضمّنَت الآياتُ المذكورات من سورة (ق) التنبيهَ على هذا المنهج في الاستدلال، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [ق: 11]، أي: إنّ خروج الناس من القبور يوم البعث كخروج النبات من الأرض. والقصد أنّ المنكِر إذا كان يقرُّ بأنّ الحبّة الموضوعة تحت الأرض تخرج بعد سقيها لتصير شجرةً أو نبتةً ناميةً ذات أزهارٍ وثمارٍ؛ بحيث تنتقل من حال الموت إلى حال الحياة بقدرة الله -عزّ وجَلّ-، فما باله -وهو يُعايِن هذا المشهد ويعرفه- ينكِر على الله أن يفعل نظيره في الإنسان، وهو إخراجه من الأرض وبعثه ليوم الحساب! فالمشهدان متماثلان يلزم من الإقرار بأحدهما إقرارٌ بالآخر. مع ما في استعمال عبارتي الحياة والموت في التعبير عن إخراج النبات من الأرض من زيادة تقريرٍ لهذا التماثل؛ وكونِ الإنبات دليلًا حسيًّا جليًّا على إمكان البعث.

ومِن الجدير بالذِّكر هنا القول: إنّ إيثارَ ظاهرة الإنبات لتكون مثالًا دالًّا على البعث راجعٌ إلى أمور[16]، وهي:

أولًا: التَّشابُه البَيِّن في كيفية التكوين بين الإنسان والنبات؛ ولذلك يُعبَّر عن نشوء الإنسان بالإِنبات، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: 37]، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: 17].

ثانيًا: تَشارُك الإنسان والنبات في الأصل المكوَّنَان منه وهو الأرض، كما قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ [آل عمران: 59].

ثالثًا: أنّ البعثَ إخراجٌ للإنسان من الأرض، وكذلك الإِنبات هو إخراجٌ للنبات من الأرض، فكان الإِنباتُ بذلك أقربَ الظواهر الكونية مشابَهةً للبعث؛ ولذلك استدلّ الله به على إمكانه في هذا الموضع من سورة (ق).

 وممّا يقوِّي هذا التماثل الكبير بين الإنبات والبعث قوله -صلى الله عليه وسلم- في وصفِ كيفية إخراج الناس يوم البعث إِذْ يخرجون كما يخرج النبات تمامًا: (ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ)[17].

الاستدلال على البعث بالنشأة الأولى:

يقوم هذا المنهج على تذكير المنكِرين للبعث بأصل خِلقتهم الأُولى باعتبارها أمرًا معلومًا عندهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾ [الواقعة: 62]، فإنّ القرآن هنا يستعرض لهم الآيات الكونية التي تبيِّن كيفية نشوء الإنسان وأصل نشأته تذكيرًا لهم بهذا المعنى الذي يعرفونه ويقرُّون به، ومن ثَمَّ تعجيبًا من حالهم كيف ينكرون ما هو مثله أو أيسر منه على احتمال فرض الصعوبة في أحدهما؛ إِذْ إعادة الشيء أيسر من إبداعه أول مرَّةٍ، كما هو معلوم، وفي هذا يقول تعالى: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء: 51]، ويقول تعالى أيضًا: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: 78- 79].

وقد تضمّنَت سورة (ق) ذِكْر هذا المنهج من الاستدلال أيضًا، كما هو ظاهرٌ في قوله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق: 15]؛ إذ المعنى: أنّ الخلق الأول للإنسان لم يُعجِز الله فكيف يُعجِزه خَلْقُهُ مرَّةً ثانيةً؟! فالشأن -كما قلنا- أن يكون الخَلْق الأول أصعبَ، فلمّا لم يكن كذلك لم يكن الثاني صعبًا، بل كان أهونَ وأيسرَ، كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: 27]، يقول العلّامة ابن عاشور في تفسير هذه الآية: «ولمّا كان إنكارهم الإعادة بعد الموت متضمِّنًا تحديد مفعول القدرة الإلهية جاء التنازل في الاستدلال إلى أنّ تحديد مفعول القدرة لو سُلِّم لهم لكان يقتضي إمكان البعث بقياس الأَحرى؛ فإنّ إعادةَ المصنوع مرَّةً ثانيةً أَهْوَنُ على الصانع من صنعته الأُولى، وأَدْخَلُ تحت تأثير قدرته فيما تعارفه الناس في مقدوراتهم. فقوله: ﴿أَهْوَن﴾ اسم تفضيلٍ، وموقعه موقع الكلام الموجَّه، فظاهرُه أنّ ﴿أَهْوَن﴾ مستعملٌ في معنى المفاضلة على طريقة إرخاء العِنان والتسليم الجدليِّ؛ أي: الخلقُ الثاني أسهل من الخلق الأول، وهذا في معنى قوله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق: 15]. ومراده: أنّ إعادةَ الخلقِ مرَّة ثانيةً مسَاويةٌ لبدء الخلق في تعلق القدرة الإلهية»[18].

ثم لك بعد هذا أن تتأمّل هذا الاستدلال مفصَّلًا في سورة الحج في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [الحج: 5]. فالذي خلقَ الإنسان من عدمٍ وأخرجه من ترابٍ، ثم كوَّنه من ماءٍ، ثم خلقه أطوارًا عجيبةً إلى أنْ يتوفاه في أحوال جسمه، وفي أحوال عقله وإدراكه =قادرٌ على إعادة خَلْقه بعد فنائه.

الاستدلال على البعث بذِكْر بعض أحواله:

مِن المناهجِ الدقيقة التي سلَكَها القرآن في إثبات البعث الإخبارُ بما يقع في يوم القيامة من أحوالٍ وأهوالٍ؛ إِذْ إنّ طريقة القرآن في محاججة المنكِرين للبعث لا تقتصر دائمًا على سَوْق الأدلة التي سبق ذكرها، بل يتجاوز الأمرُ ذلك في أحايينَ كثيرةٍ إلى ذِكْر بعض الوقائع والأحداث الرهيبة التي تحيط بيوم البعث، وفي ذلك إثباتٌ له من جهةٍ، وتخويفٌ للمنكِرين له من جهةٍ أخرى[19]. وقد أشار ابن عاشور إلى ما يدلّ على هذا الأمر عند تفسير قوله تعالى في آخر سورة لقمان: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ﴾ [لقمان: 33] الآية، حيث قال: «وخشية اليوم: الخوف من أهوال ما يقع فيه؛ إذ الزمان لا يُخشى لذاته، فانتصب يومًا على المفعول به. والأمر بخشيته تضمَّن وقوعه، فهو كنايةٌ عن إثبات البعث»[20].

والناظر في سورة (ق) يجد فيها هذا المسلك بارزًا؛ إِذْ عرضت السورة عدّة مَشاهِد مما يقع حين البعث وبعده، بدايةً من قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ﴾ [ق: 20]، إلى قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: 35]، وكذا في آخر السورة التي جاء فيها قوله تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق: 41- 44].

ولعلّ القصدَ من هذا المنهج في الاستدلال على البعث إفادةُ المنكِرين أنّ تكذيبهم بالبعث لا يؤثِّر شيئًا في حقيقة وقوعه، وأنه واقعٌ لا محالة أقرُّوا بذلك أم أبَوْا، فكان الواجب بهم -والأمر ذاك- أن يؤمنوا به ويستَعِدُّوا له بالتقوى والعمل الصالح بدل أن يُكذِّبوا به وينكِروا وقوعه، ولذلك غالبًا ما يُدمج في هذا الاستدلال ذِكر حال أهل النار وحال أهل الجنة إثارةً لوجدان المخاطبين وتحريكًا لمشاعر الرهبة والرغبة لديهم لعلّ نفوسهم تتأثرّ بذلك فتؤمنَ بالبعث. وقد ذكر الله حال أهل النار هنا في قوله تعالى: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ [ق: 24- 26]، كما ذكر حال أهل الجنة في قوله تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [ق: 31]، إلى قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: 35].

ولعلّ من مناسبات اشتمال هذه السورة الكريمة على الأدلة العقلية المبسوطة في الكائنات، وعلى الخطاب الوجداني المدمَج في دليل إثبات البعث من خلال ذِكْر بعض أحواله مجيءَ قوله تعالى هنا: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37]؛ إِذْ تضمّنت هذه الآية الكريمة ذِكْر القوّتَين اللتَيْن يُتوصَّل بهما إلى الإيمان بالبعث، وهما: قوة الفكر والنظر في الأدلة الكونية الحسيَّة، وقد بُسِط بعضها في السورة كما تقدم بيانه، ثم قوّة استحضار السمع والتأثّر بالموعظة القرآنية، وقد جاءت هذه الموعظة في هذه السورة في أبلغ صورةٍ من الترهيب والترغيب من خلال ذِكْر وقائع تقع في اليوم الآخر. وممّا يدلّ على كون هاتين القوّتين سببًا في الاهتداء قولُهُ تعالى في سورة الـمُلْك على لسان الكفار: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 10]، وقد خُوطبت هاتان القوتان معًا من خلال هذه الأدلة الـمُثْبِتة للبعث التي تضمّنَـتْها سورة (ق).

خاتمة:

والذي نخلص إليه مما تقدَّم بَسْطُه في هذه المقالة هو أنّ سورة (ق) تُعَدُّ مرجعًا قرآنيًّا بارزًا في موضوع إثبات البعث من خلال ما تضمّنته من الأدلة العقلية الـمُثْبِتة لذلك، مع تميُّزها بقوّة الخطاب الوجداني المخيف والمؤثِّر بذِكْر بعض أحوال ذلك اليوم، والذي يُعَدُّ هو أيضًا من أساليب القرآن ومنهجه في إثبات البعث. كما نخلص من هذا أيضًا إلى سرِّ اختياره -صلى الله عليه وسلم- لقراءة هذه السورة في المشاهد التي يجتمع لها الناس؛ كالجمعة والعيدين -على ما تقدّم ذِكره في التمهيد- وهو مناسَبةُ موضوعها لحال الاجتماع بعد تفرُّقٍ؛ وهو حال الحشر بعد البعث، كما ورد ذِكره في ختام السورة: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق: 44]. ومما يُخلَص إليه أيضًا من هذا الأخير مركزية التذكير بعقيدة البعث في تأسيس المجتمع المدني لأن الجمعة والعيدين لم يشرعَا إلا بعد الهجرة النبوية.

أمّا الذي نُوصي به فهو توسيع البحث في موضوع البعث ومنهج القرآن في تقريره وإثباته، مع الدعوة إلى إحياء سُنَّة قراءة سورة (ق) في المشاهد التي يجتمع لها المسلمون تذكيرًا بالبعث وأحواله؛ إِذْ كانت هذه السورة رأسًا في الدلالة على ذلك والتذكير به.

 

[1] التحرير والتنوير، لابن عاشور (24/ 175- 176).

[2] انظر: التحرير والتنوير (26/ 274).

[3] انظر: التحرير والتنوير (26/ 273).

[4] زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (4/ 154).

[5] صحيح مسلم، برقم: (873).

[6] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (6/ 161).

[7] صحيح مسلم، برقم: (891).

[8] التفسير الكبير، للرازي (28/ 119).

[9] انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/ 161).

[10] التفسير الكبير (27/ 526).

[11] التحرير والتنوير (24/ 176).

[12] التحرير والتنوير (23/ 78).

[13] انظر بحثنا: «دلالات الآيات الكونية من خلال تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير: سور المفصل نموذجًا»، مجلة تدبر، العدد 13، محرم 1444هـ، ص197.

[14] الكشاف، للزمخشري (1/ 72).

[15] التحرير والتنوير (29/ 204).

[16] انظر بحثنا: «دلالات الآيات الكونية من خلال تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير: سور المفصل نموذجًا»، مجلة تدبر، العدد 13، محرم 1444هـ، ص187.

[17] صحيح البخاري، برقم: (4935).

[18] التحرير والتنوير (21/ 83).

[19] انظر بحثنا: «دلالات الآيات الكونية من خلال تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير: سور المفصل نموذجًا»، مجلة تدبر، العدد 13، محرم 1444هـ، ص194.

[20] التحرير والتنوير (21/ 193).

كلمات مفتاحية

الكاتب

عبد الناصر سلامة

حاصل على الماجستير في الدراسات القرآنية، وله عدد من الأعمال العلمية.‏

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))