الإسرائيليات في الدرس الحداثي للقرآن

الكاتب : طارق حجي
يحاول هذا المقال استكشاف نظرة الخطاب الحداثي للإسرائيليات وعلاقتها بالتفسير، ويربط هذا بالنظرة الحداثية للقصة القرآنية، كما يحاول -عبر استخدام بعض المنهجيات المعاصرة- تسليط الضوء على الاستخدام التقليدي للإسرائيليات وإمكاناته الغائبة عن المنظور الحداثي.

  حين نتحدث عن الإسرائيليات في الدّرس الحداثي فإننا نتحدّث بالأساس عن تناول هذا الدرس للقصّة القرآنيّة، فالموقف الحداثي من الإسرائيليات -وخلافًا لكثيرٍ من المواقف الأخرى التي تشيع في المقاربات المعاصرة للقرآن[1]- مُنْبَنٍ في عمقه على هذا الموقف الأسبق من القصص القرآنية؛ وظيفةً، وعلاقةً بالعقل وبالتاريخ.

فرغم اشتراك هذا الموقف مع مواقف القراءات المعاصرة بالأساس في تفويته تحديد دلالة التفسير (كتبيُّن المعنى)، ووظيفة المفسّر (كمُبيِّن)، وكيفية استخدامه أداوته، وتفويت التساؤل حول الإسرائيليات من جهة كونها أداة أو لا، أي: من حيث صلتها بحيثية تبيين (المعنى) بمستوياته: «تفصيل المجمل، تعيين المبهم، ترجيح أحد أوجه المعنى على غيره»[2]، إلا أنّ نظرته تظلّ قائمة بالأساس على موقفه العميق هذا من القصة.

ورغم أننا لا ننفي حقيقة تنوّع المواقف الحداثية في تناولها القصص القرآني انطلاقًا من تنوّع هذه الخطابات ذاتها والتشكّل الخاصّ لبرامج قراءة القرآن فيها، إلا أننا مع هذا نستطيع الادِّعاء باشتراك هذه المواقف في عددٍ من السّمات الأساسية التي كان لها الأثر الكبير في النّظرة إلى حضور الإسرائيليات في التفاسير التقليدية، وهو اشتراك لا يفترق عن الاشتراك بين هذه القراءات في محدّدات ورهانات رئيسة كنا تناولناها تفصيلًا في سياق آخر[3].

ونحن في هذه المقالة سنحاول تحديد هذه السمات الأساسية المحدّدة للتعامل الحداثي مع القصة القرآنية بالأساس من حيث العلاقة بنظرة هذا الدرس للإسرائيليات، وسنركّز تناولنا على أربعة أسماء رئيسة في الدّرس الحداثي هم: محمد أحمد خلف الله، ونصر حامد أبو زيد، وعابد الجابري، ومحمد أركون. تأتي أهمية الأوّل[4] من كونه في ظنِّنَا من بَلْوَر في كتابه (الفن القصصي في القرآن) الكثيرَ من السّمات التي حكمت المقاربة الحداثيّة للقصّة فيما بعد ومايزت بينها وبين التعامل التفسيري، فحكمت نظرتها للاستعانة التفسيرية التقليدية بالإسرائيليات، وهي السمات التي أجملناها في «انزياح القصة في هذا الدرس عن أن تكون موضوعًا للفهم»، وهذه السّمات يحضر تكثيفها الأكبر والأدق والتفصيلي مع الجابري في كتابه (مدخل إلي القرآن الكريم)، أما أهمية نصر حامد أبو زيد فتأتي من كون اشتغاله في بعض مساحات القصّ القرآني في «مفهوم النصّ»، و«نقد الخطاب الديني»؛ يكشف بصورة كبيرة الصلة بين التناول الحداثي للقصة القرآنية وبين رهانات القراءة الحداثية للقرآن في العموم، أما أركون فأهميته تأتي من كون ما أسميناه بـ«انزياح القصة عن أن تكون موضوعًا للفهم»، يبرز بقوة في خطابه المهتم بكشف آليات اشتغال النصّ عبر القصة لا فهم القصة ذاتها.

وينقسم هذا المقال لجزأين؛ حيث سنخصص الجزء الأول منه لتوضيح السّمات الرئيسة للاشتغال الحداثي على القصة بما له صلة بالإسرائيليات «تحوّل القصة من موضوع للفهم إلى أداة»، أما الجزء الثاني فسنتناول فيه حضور الإسرائيليات في التفسير «القصة كموضوع للفهم»، من أجل التساؤل عن الفائدة التفسيرية لحضورها من جهة، وعن علاقتها بالقيم القرآنية الكلية من جهة أخرى، وهذا في مقارنة مع بعضِ الاشتغال الحداثي في نموذج تطبيقي محدّد هو قصة الوسوسة الشيطانية لآدم في الجنة خصوصًا في سورة الأعراف، وسنختم بمحاولة العودة في فهم القصّة القرآنية في علاقتها بالنصوص السابقة على القرآن إلى خطوة أسبق تتساءل عن نمط هذه العلاقة، وتحديدًا محاولة تفسير «السكوت» القرآني عن بعض مساحات القصص السابق عليه، وما هي دلالته: «القبول، الرفض، الإجمال»، وبالتالي نُسائل التعامل التفسيري في مثل هذه المساحات؛ لنصلَ في الأخير لمحاولة تقديم إضاءة جديدة للمفاهيم الرئيسة التي يتحرّك فيها إشكال الإسرائيليات في الدّرس المعاصر: «وظيفة القصة القرآنية»، «علاقة القرآن بالنصوص السابقة»، «فائدة الإسرائيليات التفسيرية»، «القيم القرآنية الكلية»، وهذا عبر الاستعانة ببعض المقاربات المعاصرة في دراسة الدّين والعلاقة بين النصوص.

أولًا: القصة القرآنية في الاشتغال الحداثي وصِلَة هذا بالإسرائيليات:

قبل الدخول في تفاصيل تناوُل القراءة الحداثية للقصص القرآني وعلاقة هذا بالإسرائيليات، نريد توضيح: لماذا تعدّ القصة القرآنية من الأساس إحدى المساحات المركزيّة للاشتغال الحداثي على القرآن؟ لأن هذا يستطيع أن يكشف لنا كثيرًا عن نمط تعاطي الخطاب لاحقًا مع الإسرائيليات.

في ظنِّنا لا تشكِّل القصةُ القرآنية إحدى المساحات التي شهدت الخلاف بين الدّرس التفسيري التقليدي والقراءة الحداثية للقرآن فحسب، بل إنّنا ندعي أنّ هذا الخلاف كان الساحة الأهمّ التي حدث فيها انتقال الخطاب الحداثي من «خطاب حداثي مجاور للإسلام/التقليد»، إلى خطاب حداثي منخرط في قراءة القرآن -باعتبار قراءته تمثّل أساسَ العقل المعرفي التقليدي المراد تحديثه[5]-، بمعنى أنّ القصة القرآنية شكَّلت الساحة لنشأة ما بات يعرف بـ(القراءة الحداثية للقرآن) بملامحها التي نعرف الآن، وعلى ما حاولنا توضيحه في مقال قيد النشر حول القصص في الدرس الحداثي، فإن هذه الانتقالة يمكن رصدها من خلال تحليل البناء المنهجي والمفهومي لكتاب خلف الله حول القصص (الفنّ القصصي في القرآن)، والذي شهد بداية الانتقال من «براديغم العناية»، إلى «براديغم القانون» الذي يعدُّ مركز مقاربة/رهان الاشتغال الحداثي المعاصر على القرآن[6].

ولفهم هذه الأهمية لدراسة القصة وكونها ساحة تشهد ما نعتبره أهم انعطافة في الخطاب الحداثي في تعامله مع (الدين) ومع (الحداثة)، يمكن لنا الاستعانة بتلك الترسيمة التي وضعها السواح لــ«بنية الدّين الأساس»، والتي وضع في قلبها (الأسطورة/القصة، والطقوس/الشعائر، والمعتقد)، فهذه النواة التي يسميها نواة «الحدّ الأدنى للدّين» تمثّل حرجًا لــ(الحداثة) بما هي، وكما يقول شايغان: «نسيان النبوات»، بما يعنيه هذا من محاولة الحداثة نسيان قصص الأصل والمآل التي تمثّل «الذاكرة الأزلية» التي تسكن الأديان، وأساس «العالم الديني» الذي ينوجد فيه المؤمن، وكذا بمحاولتها وسعيها في إطار خَلْق «دين طبيعي» لا يعارض القيم الحداثية لتخفيف الأبعاد الشعائرية والميثولوجية من الدّين، تلك التي يتكثّف حضورها في القصص من حيث هو يحدث في «زمن بدئي» خارج الأزمنة الثلاثة ويحكي فعال الآلهة ويؤسّس لأفعال شعائرية، تأتي هنا القصة القرآنية بما هي تجسيد للحظات بدئية (خلق آدم، التكليف، العهد)، وبما تستعيده من قصص الأصل والمآل «الأزل» فتواجه نسيان الحداثة للذاكرة/الأمانة، كما أنها بسردها تاريخ فعال الله في الطبيعة والتاريخ تعارض سمات الحداثة المركزية الهامة «التاريخية» و«العقلانية»، «استقلال الطبيعة والمجتمع والتاريخ بقوانين لا يمكن خرقها» كأحد المنجزات الأساس للحداثة، كما أنها لارتباطها بالشعائر: (قصة إبراهيم مثلًا وعيد الأضحى)، فإنها تعمل على تكريس أبعاد شعائرية يرى فيها الحداثي مجرد استيهامات هدفها التهدئة النفسية أو وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي لا غير لا تناسب الدّين في العصر الحديث[7]، كلّ هذا يجعل القصة (بما هي في ذاتها) إحدى المساحات المركزيّة للرفض الحداثي في تناوله للنصّ الديني.

وإذا كانت القصة بهذا الشكل للحضور في ذاتها أو في صلتها بالشعائر تعارض التحديث، فإنّ الخطاب الحداثي حين انتقل لضرورة تناولها مع الانعطافة الحاصلة في خطابه (القراءات الحداثية) -بدلًا عن التحرك بجوار السرديّة الدينيّة التي تسردها تجاهلًا لها أو في موازاةٍ معها كما في المرحلة الأولى للخطاب- فإنه قد وجد نفسه مضطرًا لـ(عقلنتها) -قراءتها كقصص عقلاني لا يعارض التاريخ ولا العقل- وهذا من أجل ضمان دمجها في القيم الأساسية للتحديث، وكانت إحدى محاور المواجهة هنا هي (الإسرائيليات) التي اعتُبرت إحدى (الاستطرادات) التفسيرية المشوّشة بما تسرّبه من قِيَم على إمكان اكتشاف (عقلانية القَصّ القرآني).

نقول: أحد محاور المواجهة رغم أن الخطاب الحداثي كان قد استفاد بالفعل من وضعية «اهتزاز التقليد» و«الوقوف على مسافة منه»، والتي تكرّست مع «قراءات ضدّ التقليد»[8]، وما شهدته هذه الوضعية من تهميش لحضور الإسرائيليات كإحدى التقنيات التفسيرية المرفوضة[9]، وكذا من شِبه اتفاق في معظم التناول المعاصر للقرآن على عدم التساؤل عن الفائدة التفسيرية لوجود الإسرائيليات في التفاسير من عدمه[10]، والاتجاه بدلًا عن هذا لإدانتها انطلاقًا من تشويشها على النصّ الذي تحتّم أن يُقرأ في إطار رؤى أكثر عقلانية تحت ضغط النقد الحداثي والاستشراقي، إلا أنّ الشكلَ الخاصّ لحضور القصة ووظيفتها القرآنية وفقًا للدرس الحداثي جعلت نقد حضور الإسرائيليات مهمًّا؛ لطبيعته الخاصة التي يظهر بها في هذا الدرس، رغم ما تحقق بالفعل من تقليل لحضوره وأهميته.

ثانيًا: الإسرائيليات في الدرس الحداثي، «انزياح القصة عن أن تكون موضوعًا للفهم»:

أثارت القصة القرآنية في الدرس المعاصر بعضَ تساؤلات حول (الوحدة) التي يمكن قراءتها عَبْرها، أي: الوحدة التي تمثّل أداة تفسيرية تُقرأ القصة في سياقها لاستكشاف دلالتها، وهذا مع تنامي طرق القراءة التي تعتمد تجاوز (التفسير التجزيئي) نحو تفسير أكثر سياقية وموضوعية[11]، وكذا مع تنامي رفض الأُطر التفسيرية التقليدية باعتبارها مشوِّشة على النصّ، في هذا السياق تم الربط بين (تجزيء القرآن) وبين (تفويت مقاصده) الحاصل بدمجه بعد تجزئته في (وحدات) أخرى تنحرف به لمقاصد مختلفة، بذا أصبح البحث عن (المقاصد القرآنية) مرتبطًا بتحديد الوحدات المناسبة لقراءته، وتجاوز الوحدات التي طالما اعتمد عليها التفسير التقليدي.

ونحن نجد بداية النظرة للإسرائيليات باعتبارها مسؤولة عن وضع (وحدة) للقصص مخالفة للمفترض القرآني في قراءتها عند محمد أحمد خلف الله، حيث اعتبر خلف الله أنّ القصة القرآنية قُرِئت تراثيًّا عبر (وحدة الشخصية التاريخية)، أو (وحدة الحدث التاريخي) تأثُّرًا بالإسرائيليات، وهذا في ظنّه يخالف تمامًا التسييق القرآني للقصص، والذي لم يفرد أيّ شخصية بسورة كاملة سوى يوسف، ولم يتناول قصة كاملة في موضع واحد إلا ذي القرنين، في حين اعتمد دومًا على الذِّكْر المجزَّأ والمفصَّل والمتعدِّد للقصص في أكثر من موضع، وهذا ما اعتبره خلف الله كاشفًا عن «وحدة الغرض»[12] كوحدة عميقة يقوم عليها الحضور القصصي في القرآن، وبالتالي ضرورة حضور هذه الوحدة كمبدأ أساس يقوم عليه تفسيرها.

والاتجاه لقراءة القصة عبر «وحدة الغرض» تتّفق مع المضمون الأعمق لقراءة خلف الله، والتي تقوم على «القراءة التاريخية» للقصة، لا بمعنى مقارنتها بالأحداث التاريخية التي تكشف عنها البحوث التاريخية فيما يتناول القرآن من وقائع أو اعتبارها هي ذاتها مصدرًا لتأريخ هذه الوقائع، بل على العكس من هذا تمامًا، بمعنى ربط القصص القرآني بالوضعية التاريخية لنزولها، سواء من جهة مصدريتها، حيث إن القرآن -وفقًا له- يتناول القصص القائم في البيئة الجاهلية والمعهود لها بغرض الإيضاح لقِيَمِهِ ومبادئه الخاصّة بصورة تمثيلية، أو من حيث ارتباط نزولها ببعض الوقائع في سيرة النبي محمد، مثل ارتباط قصة تآمر التسعة رهط على صالح بتآمر القرشيين على النبي[13]، وإن كان هذا غير شامل بالطبع؛ حيث إن القصّة القرآنية تتنزّل لأغراض أوسع من تثبيت النبي، منها الأهداف العقائدية والأخلاقية، لكن يظلّ حضور النبي هو الأهم، فكما يرى خلف الله فإنّ نفسية النبي تنعكس بوضوح في القصّ القرآني[14].

هذه القراءة للقصة تقف -وفقًا لخلف الله- على العكس من القراءة التقليدية التي تميل للتعامل مع القصص القرآني كــ«قصص واقع تاريخيًّا» بكلّ تفاصيله، وهو ما ظهر بصورة أكبر في إفراد قصص الأنبياء ببعض الكتب الخاصّة، أو في جعلها مادة أساسية في كتب التاريخ الكبيرة، مثل: تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير، أو حتى في ما يعتبره هو استطرادات وخلافات لا طائل وراءها كانت تستحضر في بعض مساحات القصّ في كتب التفسير، وهو نمط الكتابة والتلقِّي للقصص الذي حتّم استعادة الإسرائيليات من أجْلِ ملء فراغات بعض المساحات التي لم يذكرها القرآن، أو من أجل تفسير بعض غوامضه لإكمال تفاصيل القصّة التاريخية، أي: إنّ الاستعادة هنا -وفقًا لتوصيف خلف الله- هي استعادة إخبارية وليست تفسيرية.

وفقًا لخلف الله لا يعدُّ هذا تفسيرًا للقرآن، بل بالأحرى إخراجًا له عن مقاصده التي لم تتّجه لسرد القصص بهذا النمط، كما أنّ دمج قصص القرآن «باعتبار أنّ التداخل النصّي مع القصص الكتابي في كتب التفسير والتاريخ، يتخطى التفسير إلى الشمول والإضافة بل إلى (التعلُّق النصي)، واستيعاب قصص القرآن في قصص أكبر منه ينطوي على (موتيفات خاصة)[15] ينحرف بالقصّ القرآني عن أغراضه أحيانًا، حيث إنّ هذه الموتيفات -بالأساس تتعلق بصِلات (المقدس- العنف- الجنس)- قد تعارض ما يمكن استيعابه من قيم يقوم عليها القصّ القرآني إذا قُرئ بعيدًا عنها.

ونحن سنعود في الجزء الثاني من المقال لتناول هذه القضية قضية (موتيفات القصص الإسرائيلي)، و(أنماط التناص) مع القرآن المفترضة في استعادته، ومدى إمكان السّيْر في هذا الفعل التناصي من عدمه، وأثره على قيم القصّ القرآني ذاته، لكن مقصودنا هنا في هذه المرحلة من المقال هو إيضاح منظور خلف الله عن ربط القصص القرآني بالتاريخ مصدرًا وغرضًا، حيث إنه -وكما أسلَفْنا- يشكِّل الأساس العميق للمقاربة الحداثية للقصص.

فأهمّ ما في هذا المنظور في ظنِّنا هو أنه ينفي عن القرآن «الأحقيّة التاريخية» عبر تحويلها لــ«قصة تمثيلية»، فلهذا أثرٌ كبيرٌ على مستوى رهانات الخطاب في مقاربة القصّة، وكذا على مستوى التعامل التفسيري معها، فعلى المستوى الأول يتيح له هذا التخفف من كلّ المساحات في القصص القرآني التي تخالف نتائج البحوث التاريخية في تلك الوقائع التي يذكر القرآن، كما أنه عندما يحوّلها لأداة غرضها التقريب كالأمثال يتخفّف من تلك المساحات فيه التي تخالف العقلانية الحديثة، أما على مستوى التفسير -وهو الأهم لنا هنا-، فنستطيع أن نجمل نتاج هذا التعامل مع القصة في جملة واحدة، وهي: إنَّ افتراض «وحدة الغرض» بما هي «تحويل تاريخ الدعوة وقيم الدّين لوحدة مفسرة لقصص تمثيلي» قد أخرج القصة القرآنية تمامًا عن كونها موضوعًا للقراءة والفهم، حيث تحولت لمحض أداة مرتبطة بتكريس قيم قرآنية أو بحكاية «تاريخ يومي»، فهي تُقرأ لأهداف تقع خارجها.

هذه الإزاحة للقصّة من كونها موضوعًا للفهم أغلقت الباب على أيّ استعانة ممكنة بأي مصدر ممكن لتفسيرها سواء كان إسرائيليات أو حتى اكتشافات حديثة، حيث لا تنفرد القصة كموضوع للفهم من الأساس حتى يلزم البحث عن أدوات لهذا الفهم، لم تَعُد القصة القرآنية مساحة من مساحات القرآن تحتاج للفهم والتبيين كما كانت عند المفسِّر التقليدي الذي ظلّ يبحث عن أدوات لفهمها، بل أصبحت هي ذاتها أداة يسهل تجاوزها بالإغراق في تاريخ الدعوة أو بدمجها في قيم أكثر عمومية تُستقى من «روح النصّ»، وهي قيم غامضة بالنسبة للدّرس الحداثي بما يكفي لاعتبارها مغيّبة عن المفسِّرين، واضحة له بما يكفي للقطع بأنها تماثل القيم الحداثية!

لذا فإنّ القصة في الدرس الحداثي لا تصلح أن تكون موضوعًا للفهم، لا تصلح إلا لاكتشاف ما هو خارجها، إمّا اكتشاف (فنيّتها كأداة) كما هو عند خلف الله، أو لاكتشاف (تاريخ الدعوة) كما عند الجابري، أو أن تُقرأ في ضوء قيم (روح النصّ) العقلانية كما عند نصر أبو زيد، أو لاكتشاف (نمط اشتغال القرآن كنصّ ميثي) كما عند أركون، فــ(إزاحة القصة عن الفهم) هي السّمة العميقة للاشتغال الحداثي على القصّة القرآنية.

ونستطيع القول أن الجابري في كتابه (مدخل إلي القرآن الكريم)، وفي انتباه واضح لمركزية القصة من المنظور الحداثي في تقديم قراءة عقلانية/برهانية للقرآن؛ قدّم تكثيفًا عميقًا لفكرة خلف الله عن (وحدة الغرض) كوحدة مفسّرة تربط القرآن بــ(تاريخ الدعوة)، وقد تجاهل مسألة البحث في فنية القصة، واتجه للاستفادة من الجانب الآخر للفكرة بمحاولة ربط القرآن -عَبر القصص- بتاريخ الدعوة ومراحلها، والتي حددها -كما يقول: نعل بنعل- من خلال القصص القرآني، وهذا ما يبلوره الجابري في قولته عن القصة أنها «بيان بمثابة البرهان على قضية توجد خارج القصة»[16]، ولعلّ هذا ما جعل الإسرائيليات واستخدامها موضع نقدٍ كبيرٍ من الجابري؛ وهذا لأن هذا الاستخدام للإسرائيليات هو خروج من (البيان) و(البرهان) نحو الغنوصيات المُتسرِّبة عَبرها، وغير المقصودة للنصّ القرآني العقلاني وفقًا للجابري.

فالقرآن -وفقًا للجابري- هو كتاب له «برهانيته الخاصّة» التي يكشف عن بعض مساحاتها حضور القصة كــ(برهان) على تاريخ الدعوة المحمدية، وانطلاقًا من كون البرهان يقوم على التفريق بين أنماط المعقولية كلٌّ في مساحته (البيان) و(البرهان): (البرهان القرآني) و(البرهان العلمي) وعدم الخلط بينها، يرفض خلف الله والجابري مقايسة القصة القرآنية بالتاريخ وبالعلم، كما يرفضا الاستعانة بالإسرائيليات لتفسيرها، بما تحمله من رؤى غنوصية كونها تنفي التاريخ لصالح (رؤى أسطورية) تشوِّش على الإدراك العقلاني له، وعلى تجاهل طرق للمعرفة أكثر موثوقية.

أمّا لو نظرنا لتناول نصر أبو زيد لبعض القصص القرآني فربما لا نجد ذكرًا مباشرًا للإسرائيليات وعلاقتها بفهم القصة؛ هذا لأننا نرى بوضوح ما تحدَّثْنا عنه من تحوّل القصة بالفعل لأداة تُقرأ في ضوء قيم خاصّة، وابتعادها عن أن تكون قصة تحتاج للفهم عَبر أدواتٍ ما، سواء كانت الإسرائيليات أو التاريخ أو العلم، وما يجعل مقاربة نصر مهمّة كذلك هي أن المعايير القائمة في مقاربته القصص كــ«روح للنصّ» هي قيم التنوير العربي المراد تكريسها، وعلى رأسها العقلانية بالمعنى الحديث (نسيان الذاكرة) التي تحدَّثْنا عن كونها موضع الخلاف الحداثي مع القصة القرآنية أو كلّ قصة دينية، فقد تحوّلت هذه العقلانية هنا -وللمفارقة- وعَبر تحويل القصة لــ(أداة) للأفق الوحيد الممكن لقراءة القصة!

ولعلّ هذا يتضح تمامًا في تناول نصر أبو زيد لقصة تسمُّع الجنّ للنبي في سورة الجن، والتي لا يهتم بفهمها أو فهم تفاصيلها كالمفسّر التقليدي، وإنما يعتبر أنها مجرد (أداة تمثيلية) استخدمها النصّ القرآني عَبر جملة من التحويرات الدلالية من أجْلِ نفي وجود الجنّ، كذلك في قصة السحر والملَكين في سورة البقرة، لا نجد محاولة منه لفهم علاقة الملَكين بالناس أو بالشياطين أو بالسحر أو بسليمان كما يفعل المفسّر التقليدي المشتغل بفهم القصة لاستخراج قيمها ومعانيها، وإنما يعتبرها كذلك تحويرًا دلاليًّا من القرآن يستخدم القصة من أجل نفي فعالية السحر تمهيدًا لنفي وجوده، فلا تكون هذه القصص مساحة تواجه عقلانية الحداثة برؤية خاصّة للعالم الديني، بل أداة من أجل فتح الباب لانتقال الثقافة من الأسطورية للعقلانية بالمعنى الحداثي[17].

إننا هنا أمام افتراق واضح في تعاطي كلّ من المفسّر التقليدي والمفكّر الحداثي مع القصة، لا يتعلق بما هي المصادر المطلوب الاعتماد عليها لفهم هذا القصص، بل يتعلق بحضور القصص وكونه مساحة تستحقّ التفسير من الأساس في ظلّ فهم النصّ الديني في المجمل، أم أنه مجرد أداة ممكن عزلها عن كلّ سياق لتسييق النصّ في إطار مفاهيم ورهانات وأهداف أشمل.

في مقابل هذا نجد أنّ محمد أركون يقف في الجهة المقابلة من خلف الله والجابري وأبو زيد، حيث يعتبر أن فهم القرآن غير ممكن إلا باستحضار القصص التوراتي والإنجيلي -نفس الأمر مع يوسف الصدِّيق الذي يوسّع الدائرة لتشمل قصص غير أهل الكتاب-، إلا أننا لا نجد هنا اشتباكًا مع الاستخدام التفسيري للمرويّة الإسرائيلية، حيث يشهد اشتغاله انتقالًا من (المروية الإسرائيلية) لــ(المصادر الإسرائيلية)، كذلك نحن لا نتحدّث هنا عن نظرةٍ للاستخدام القرآني للقصص بــ(منطق العناية) أو (قوانين الأدب) أو (البرهان) أو (التحوير الدلالي) كما عند المفكرين الآخرين بدءًا من خلف الله، وإنما تحدث أركون عن قصص ديني معروف في كلّ الحضارات بما فيها حضارة الهلال الخصيب، يحضر في القرآن كنصٍّ له أصوله في هذا السياق الحضاري؛ فالقرآن هو نصّ يحمل قدرًا كبيرًا من التناص بكلّ مستوياته أو ما يسميه «التداخلية النصّانية» مع هذا القصص[18]؛ لتحقيق أغراضه الدينية والعقدية والأخلاقية، وأيضًا لتحقيق شمول وهيمنة نصيّة على هذه المدونات في إطار الهيمنة الدينية المرادة، هذا يعني أنه لا يمكننا قراءة القصة القرآنية بعيدًا عن هذا التراث بأيّ حال.

لذا فإنّ مقاربة القصص القرآني وفقًا لأركون تتطلب القيام بخطوتين مزدوجتين: الأولى: هي تحديد الحقيقة التاريخية لهذا القصص حتى يمكن الوصول لتحديد عمليات الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى التاريخ الواقعي. والثانية: القيام بتحليل بنيوي للقرآن لنتبيّن كيف ينُجِز ويُبلوِر القرآن بنفس طريقة الفكر الأسطوري شكلًا ومعنًى جديدًا؛ لذا تكون القصة القرآنية من منظور أركون هي أفضل تَجَلٍّ لسمة القرآن كنصّ ميثي يُعدِّل ويُحوِّر ويخلط من أجل إنجاز معانٍ جديدة، ويكون تناولها بالتحليل كشفًا عن هذه الطبيعة الميثية وآليات اشتغالها[19].

فالقصص القرآني كأكبر مساحات ما يسميه أركون بــ«العجيب المُدهِش»، هدفُه وفقًا لأركون إدراكُ أو بالأحرى الشهادةُ على حضور الكائن المُطلَق الفعَّال في التاريخ؛ لمنع انحطاط التاريخ الإلهي إلى مجرد تاريخ بشري دنيوي، عَبر كونها -أي: القصص- لا تُسْمَع بل تُتَمَثَّل كبِنْية تمثيلية يُدرِك المؤمن عبر وعيه كونه جزءًا لا يتجزأ منها، يكون الله فيها هو المُؤلِّف والمُرسِل للأحداث وهو مَن يُرسِل إليه الطاعة وفقًا للميثاق، ويُظهِر الأنبياء كمساعدين لعمل الله ضمن تاريخ النجاة[20].

هذا يجعلنا نقول أيضًا: إنّ أهمية حضور القصص التوراتي هنا على خلاف بقية الحدَاثيين يظلّ مختلفًا كذلك عن المفسّر التقليدي، حيث يحضر هنا لا لغرض تبيين المعنى بأيّ مستوى من مستويات التبيين، وإنما لاكتشاف طريقة اشتغال النصّ القرآني في بناء ذاته في مواجهة التاريخ وفي مواجهة المدونات النصيّة السابقة عليه وفي مواجهة المتلقّين؛ مما يعني استمرار حضور القصة في هذا النمط من التلقي «لا كمساحة للفهم لاستخراج معانيها وقيمها بل كأداة».

ثالثًا: الإسرائيليات في التعامل التقليدي كأداة تفسير:

صنَّف خلف الله القصص القرآني إلى ثلاثة أنواع أو وفقًا لتعبيراته لــ«ثلاثة ألوان»: (لون تاريخي)، و(لون تمثيلي)، و(لون أسطوري). فــ(القصة التاريخية) هي قصة ذات أصل تاريخي وتدور حول أشخاص تاريخيين، وإنْ لم يَعْنِ هذا ضرورة تقيُّد القرآن في روايتها بتفاصيل القصة التاريخية الواقعية وترتيبها الزمني، بل القرآن يستخدم هذا القصص بصورة أدبية تُحقِّق صورة من صور تعريف القصة عند الأدباء، حيث القصة هي: «ذلك العمل الأدبي الذي يكون نتيجة تصوير القاصّ لأحداث وقعَتْ مِن بطلٍ له وجود، لكنها نُظِّمت على أساس أدبي أو عاطفي فقُدِّم بعضها وحُذِف بعضها وذُكِر بعضٌ آخر أو بُولِغ في تصويرها إلى الحدّ الذي يستأثر بعواطف القارئ أو السامع»، فينتقي القرآن منها ويُشكِّل فيها وفقًا لأغراضه؛ سواء العقدية والأخلاقية والتربوية بصورة عامّة، أو وفقًا لأغراضه الخاصّة المرتبطة بالسياق التاريخي الخاصّ لتنزّل القصة، ويُمثِّل هذا النوع من القصص القرآني قصص الأنبياء.

النوع الثاني وفقًا لتقسيم خلف الله هو (القصة التمثيلية)، والمقصود بها القصة المُختَلَقَة أدبيًّا، والتي يُراد بها التمثيل لموقفٍ ما من أجلِ هدف أخلاقي أو تربوي، وهذا النوع من القصة بالطبع هو موضع اتفاق بين الجميع، بحيث لا يوجد خلاف ذو بال حول وقوع هذا النوع من القصة داخل القرآن، وإن كان الخلاف بين خلف الله ومعارضيه في هذا الإطار هو في كونه يُوسِّع هذا النوع ليشمل بعض القصص الذي يعتبره الجانب الأكبر من المفسّرين قصصًا واقعيًّا لا تمثيليًّا، مثل قصة آدم وسجود الملائكة له، وكذا قصة آدم وحواء والشيطان في الجنة.

ثم القسم الثالث وهو (القصة الأسطورية)، وهي قصص تستخدم أساطير كانت معروفة للجاهليين من أجلِ وظائف أخلاقية وعقدية عبر التداخل مع السياق التداولي لمخاطَبيه، وبالطبع القول بوجود القصص الأسطوري داخل القرآن كان هو الخلاف الأكبر مع خلف الله، حيث اعتبر البعض هذا القول ترديدًا للقول الجاهلي المُدان قرآنيًّا:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}[الفرقان: 5، 6]، لكن ووفقًا لخلف الله فإنّ القرآن وربما في هذه الآية تحديدًا لم ينفِ وجود الأساطير فيه، بل نفَى فقط كون هذه الأساطير من عند محمد.

تقع قصة آدم وحواء والشيطان في جنة عدن ضمن النوع الثاني من تصنيف خلف الله، فهي قصة تمثيلية لا تسرد واقعًا حقيقيًّا وفقًا له، بل مجرد تمثيل لصراع الإنسان مع الذنب والتوبة، وتجسيد لصراع الخير والشّر الذي يعتمل أول ما يعتمل في صدر الإنسان، ويورد خلف الله الخلاف بين المفسرين في تفسير وسوسة آدم لإبليس وكيفيتها، وهل كانت وإبليس خارج الجنة، أم أنه دخل إلى الجنة، وكيف دخل إلى الجنة؟[21]، ويعتبر أنّ هذا الخلاف نتاج القراءة التاريخية غير المهمّة للقصة بل والمُعيقة عن فهم القيم القرآنية النفسية والاجتماعية المراد بثّها عَبر القصص!

ولعلّ هذا المثال يكشف لنا تمامًا الفارق بين تناول القصص القرآني عند المفسر التقليدي وعند خلف الله، فبينما يعتبر خلف الله مثل هذه التفاصيل -مثل فعل المقاسمة الوارد في الأعراف والذي يفترض (المباشرة) كما يحاجج الطبري: «وذلك أنه غير مَعقول في كلام العرب أن يقال: قاسم فلانٌ فلانًا في كذا وكذا: إذا سبَّب له سببًا وصَل به إليه دون أن يحلف له، والحلف لا يكون بتسبب السبب»[22]- هي من متطلبات فنيّة القصة وأنها شديدة الطبيعية في قصص تمثيلي لا يحكي واقعًا حقيقيًّا، وبالتالي لا تحتاج جهدًا لبحثها؛ فإنّ المفسر التقليدي والذي استوقفته كذلك نفس التفاصيل انخرط في محاولة البحث عن بيانها، باعتبار وظيفة المفسّر هي (بيان المعنى)، فقد حاول المفسّر أن يفهم كيف تمت المباشرة التي يقتضيها فعل المقاسمة وإبليس خارج الجنة؟! وقد بحث المفسّر عن تفسير هذا في المرويّات الإسرائيلية، فوقف على مقولة «الاستجنان»، والتي تشير لدخول إبليس الجنة مستجنًّا في (حيّة) أو في غيرها.

ونحن نريد هنا أن نمضي خطوة فنحدّد نمط حضور مقولة «الاستجنان» في ضوء ترسيمة جينيت للتناص التي تجعل مستويات التناص -بعد استخدام مفهوم أوسع هو (التعالي النصي)- هي «معمارية النص/جامع النصّ، التناص الداخلي، الميتا نصانية، المُناصَّة، النصّ اللاحق أو الاتساع النصي»[23]، وكذا أن نحدّد مدى تماشي هذه المقولة مع القيم الإسلامية من عدمه، وسنحاول تحديد هذه القيم انطلاقًا من مقارنة التوحيد الإبراهيمي بغيره من التوحيديّات في نمط رؤيته لعالم القداسة وعالم الدناسة مستفيدين من اشتغال عدد من علماء وفلاسفة الأديان مثل: أوتو وتيليش.

فمبدئيًّا فإن نمط حضور مقولة الاستجنان هو نمط تفسيري شديد الجزئية، فهو لا يقع في أيّ دائرة أوسع من دوائر تناص جنيت «مثل المناص كأحد أنواع (التعلق النصي) بالمعنى الذي حدده يقطين، والذي يفترض المحاكاة من النصّ اللاحق (التفسير) للنصّ السابق (القصة الإسرائيلية)، محاكاة تقوم على التنويع وإدامة قيم النصّ السابق وتظلّ السلطة لهذا النصّ السابق»[24]، مما يعني أن حضورها لا يعدو كونه أداة تفسيرية مندمجة في أدوات أخرى غرضها بيان تفصيلة محددة «وهي كيفية دخول إبليس الجنة، وهو ما تقتضيه لفظة المقاسمة رغم كونه مطرودًا منها ومدفوعًا عن بابها»، وهذا مهمّ؛ حيث لا يمكن اعتبار هذا الحضور حضورًا مجانيًّا أو عجائبيًّا أو نتيجة لولع بالثقافة التاريخية كما يقول خلف الله؛ لارتباطه بكلّ وضوح بتفسير إحدى مساحات النصّ المشكِلة على القارئ.

أما علاقتها بقيم العالم الديني الإسلامي أو الإبراهيمي عامّة، فنحن نستطيع القول بأنها شديدة التماشي معه، فالعالم الديني الإسلامي أو الإبراهيمي عالم لا يشهد الانقسام الحدِّي والحصري بين عالم القداسة وعالم الدناسة (أو العالم المسحوب من التداول) من جهة، والعالم العادي من جهة أخرى، التي تشكل أي (عالم ديني)، بحيث تشمل القداسة في (العالم الديني الإبراهيمي) العالم في مجمله وتهيمن عليه، ويحضر (العالم المدنس/الشيطان) كجزء من هذا العالم غير قادر على اختراق الحدود المرسومة له والدور المنوط به ولا يستطيع منازعة الهيمنة الشاملة والكلية للقداسة المتحدة بالخيرية والعدل[25]، أمّا (العالم العادي) هنا فهو عالم قادر على الانتقال في مراتب تُقرِّبه من (عالم القداسة) أو تُبْعِده عنه وتقرِّبه بالمقابل من (عالم الدناسة)، وهي حركة تتم ضمن الهيمنة الكلية للقداسة المتحدة بالخيرية والعدل كذلك، لكن أهم نقطة هنا هي أنّ (المدنس) في العالم الديني الإبراهيمي يستطيع التحرك في قلب (العالم العادي)، بل يستطيع أن يُلبس على المؤمن (العالم المقدس) ذاته، فــ(المدنس) في العالم التوحيدي لم يمت، بل لُعن، أو أُرشف بتعبيرات جاك دريدا، بمعنى أنه «قائم على الحدود بين العالم وخارجه»، فقد أُبعد من (رحمة الله) لكنه يظلّ قائمًا في قلب العالم يوسوس ويحاول صدّ الإنسان عن عالم القداسة، وهذا يختلف عن حضور المدنس بل الشيطان ذاته في أديان أخرى مثل: الزرادشتية أو المانوية، والتي تجعل له حضورًا حقيقيًّا مُصرِّفًا.

ولعلّ قصة آدم وحواء والشيطان في عدن تسرد تمامًا هذه الرؤية الخاصة جدًّا للتوحيد الإبراهيمي، حيث لا يُمْنَع الشيطان في هذه القصة من دخول الجنة للوسوسة لآدم، حتى لو طرد منها ولو مَنعته خزنتها، فهو مطرود من (رحمة الله)، لكنه قادر على الدخول حيث يوجد آدم عبر ملعونيته نفسها «حيث اللعن برزخ بين الوجود والعدم، بين الحياة والموت، بين الظهور والخفاء، بين اليأس وما يسميه كركيجارد: يأس التحدي»، من هنا تصبح (مقولة الحية) سواء صحّت أم لم تصح كمقولة تفسيرية، فإنها مقولة لا تعارض (قيم العالم التوحيدي) ولا تهدرها بالاندماج في (موتيفات أسطورية)، بالعكس فإنها تستطيع باستحضارها قيم (الاستجنان) والدخول والخروج وحركية المدنس في العالم العادي أن تستحضر الكثير من قيم هذا العالم، مما يعني أنها ليست فحسب مقولة تفسيرية بالمعنى الجزئي الذي يجعلها بيانًا جزئيًّا، بل إنها مقولة تفسيرية بمعنى أنها تفتح الآية على آفاق لم تبدُ لقارئها أول وهلة، وهي آفاق تنفتح في نفس أفق النصّ الأصلي أو «في العالم الذي يبسطه أمامه» كما يقول ريكور لا في مواجهته أو في مضادته!

ولعلّ هذا المثال التطبيقي يكشف تمامًا الفارق بين التناول التفسيري التقليدي والتناول الحداثي، كما يكشف عن نمط أساس لحضور المروية (التفسير)، مما يحدّ من هذا الافتراض الدائم عن قصص قرآني مستوعب في الإسرائيليات في كتب التفسير، والأهم أنه -وكما حاولنا أن نوضح- لا يعارِضُ دومًا -وكما هي الفكرة الشائعة- القيمَ القرآنية عبر تسريب موتيفات مخالفة، بل أحيانًا يأتي متماشيًا معها تمامًا مكثفًا لها كما في هذا المثال.

ولعلّ هذه المقارنة تجعلنا نتساءل في مواجهة التناول الحداثي ذاته، كيف لا يكون لجوء القرآن ولو (تمثيلًا) لفكرة دخول الشيطان الجنة «البادي في مباشرة فعل المقاسمة» أي تفسير؟ وكيف لا يكون اعتبارها مجرد مقتضى فني (كسلًا) عن فهم (مقاصد القرآن) المتهمة بتضييعه الإسرائيليات المستعادة في التفسير؟

إنّ تحديد هذه القيم والمقاصد مرتبط أصلًا بقراءة للقصة تحاول فهمها كإحدى المساحات المهمّة لــ(تأسيس العالم الديني)، وإذا كان البحث في طريقة حضور القصة وكيفية صنعِها قيمَها الخاصَّةَ أمرًا مهمًّا إلا أنه لا بد أن يكون محض مقدمة لاكتشاف هذه القيم ذاتها، لكن ارتهان المقاربة الحداثية للقصة لثنائيات التاريخ/التمثيل، العقل/اللا عقل، جعلَت اهتمامها الأكبر هو موضعة القصة القرآنية بحيث لا تشوِّش على القيم الحداثية أو حتى لتكون أداة لتكريسها، دون اجتهاد تفسيري في اكتشاف ما تقترحه هي من قيم خاصّة وما تبنيه من ملامح خاصة للعالم الديني -باعتبارها أحد عناصر النواة الأساس للدين- وما تتبناه من تصوّر للتاريخ وللعقل.

في هذا المثال استطعنا الوقوف على توظيف تفسيري للمقولات الإسرائيلية لا يخالف القيم القرآنية العامة بل يساعد في الحقيقة على اكتشافها وتكثيفها، لكن هذا لا يمنع وجود بعض التوظيفات التي ربما قد تخالف هذه القيم أو تقف عائقًا على اكتشافها كما في المثال القادم.

رابعًا: سكوت النصّ، إجمال أم رفض؟ في مساءلة الاشتغال التفسيري التقليدي:

ثمة عائق أساس في خطاطة جينيت عن التناص، بل كذلك في كثير من الأدوات والتقنيات الأكثر تفصيلًا التي تدخل تحت هذه الأنماط الأشمل والأوسع (الحذف، الإضافة، التعديل، القلب، التحوير)، تجعل من الصعب استخدامها بصورة مضطردة في تفسير صلة كتب التفسير بالقرآن بالكتب السابقة، وهذا لأن ثمة نقطة أساسية تغفلها بطبيعة الحال هذه الخطاطات، وهي تنوّع مواضع الإضافة والحذف بين القرآن والكتب السابقة بصورة لا توضحها هذه الخطاطات، وهذا يرتبط بما نفترضه هنا من كون (سكوت النصّ) في بعض مساحات القصص الكتابي لا يمثل دومًا نوعًا من (الإجمال) الذي يحتاج بالتالي لبيان عبر (الإضافة) التفسيرية، بل ربما مثَّل نوعًا من القبول وربما مثَّل كذلك تقصُّدًا للسكوت غرضه رفض ما تم السكوت عنه.

وسنضرب هنا مثالًا على هذا، بتجاهل القرآن لنَسب يوسف النجار الوارد في إنجيل لوقا ومتَّى والواصل إلى داود، وإصراراه بدلًا عن هذا على نسبة عيسى لمريم ابنة عمران، وهو الذي تماشى معه بعض المفسرين باعتباره (إجمالًا) قاموا هم بتوضيحه في عملية (قلب) استعادت نَسب يوسف الوارد في متَّى ولوقا فنسَبَتْه لمريم[26]، فعمل المفسِّر هنا يبغي لتوضيح (داودية عيسى) التي تمثّل أهم شروط مسيحيته عبر إثبات داودية مريم ذاتها، وهو ما قد يعدُّ أمرًا تفسيريًّا لاعتبار القرآن أنَّ عيسى هو بالفعل (المسيح).

لو عدنا للقرآن فسنجد بدايةً أنّ هذا التجاهل لنَسب يوسف لافتًا للنظر؛ وهذا لأن نِسبة عيسى للنجار لا تمثّل ربما أيّ خروج على الأعراف العربية في التنسيب، فنسبة الرجل لمتبنِّيه أو مربِّيه أمر شائع في الأعراف العربية وربما السامية بأكملها، وكون هذا  النّسب الداودي شديد الأهمية؛ حيث عليه الاعتماد في إثبات كون عيسى هو (المسيح) -مع كثرة المُسَحاء الكَذَبة في ذاك الزمان-؛ لذا اعتمد عليه كُتَّاب الإنجيل بدلًا عن نسب مريم اللاوي المعروف تمامًا لهم، كذلك يتوازى مع هذا السكوت عن نسب النجار ذِكْرٌ لنسب مريم لعمران اللاوي وتأكيدٌ عليه، هو ما يجعل السكوت القرآني شيئًا أكثر من مجرد الإجمال ربما.

ونحن ربما نجد تفسيرًا لهذا الصنيع القرآني في التشكيك اليهودي الشهير في نسب عيسى، حيث تَركّز قدرٌ كبيرٌ من هذا التشكيك في داودية عيسى، إما بنسبته لرجل روماني (بانثيرا)، أو بالتشكيك في نسب النجار لداود[27]، وهذا التشكيك الأخير ذاته تم على طريقتين: إما بالتشكيك في صحة النسب ذاته إلى داود والدفع بكونه نسب مختلَق، أو بقبول هذا النسب باعتباره نسب حقيقي لكن مع اعتباره نسب غير مقدّس ولا مؤهل لــ«دخول الملكوت»؛ لاحتوائه زانيات في بعض حلقاته، وهنا يحضر السؤال: هل تخلّص القرآن من هذا النسب قصدًا، وهل سكوته عنه هو رفض له؟

هذا ما يفترضه السواح في كتابه (الإنجيل برواية القرآن)، حيث يرى أنّ القرآن قرّر التخلّص من هذا النسب دفاعًا عن المسيح، ووضع في مقابله نسب آخر هو نسب مريم لعمران حتى تتأكد يهودية المسيح بعيدًا عن نسب النجار المشين الذي استخدمته الأناجيل[28].

لكن ظنّنا أنّ الأمر يحتاج تعميقًا أكثر من هذا؛ فالنّسب الموضوع لمريم في القرآن لا يجعلها مجرد إسرائيلية يثبت من خلالها يهودية عيسى وداوديته ضمن الشروط اليهودية للمسيح، بل يجعل المسيح من سبط لاوي وليس من سبط يهوذا، وهذا يعني تفكيكًا للشروط الموضوعة من قِبل التوراة لمَن هو المسيح!

إنّ القرآن -والذي هو شديد الصرامة في كون عيسى ابن مريم هو المسيح لا غيره- يقوم هنا بتنسيب مريم هذا النسب وتجاهل نسب النجار في ذات الوقت، ويعدّ هذا بمثابة إعلان قرآني أن الشروط التي وضعها اليهود لمن هو المسيح هي محض تعسّف!

فما يبدو هو أن التفاسير وقفَتْ هنا ذات الموقف الإنجيلي، حيث حاولَتْ أن تستعيد ذات النسب الداودي لإثبات داودية عيسى وكونه هو المسيح كما يكرّر القرآن ويقرّ، لكن هذه الاستعادة والتي هدفت لتفسير مسيحية عيسى كأنها قد شوّشت على إمكان فهم كون القرآن قد رفض تمامًا الشرط التوراتي للمسيح الذي حاولَتْ الأناجيل تثبيته في مواجهة الجدل اليهودي.

ولو حاولنا التعليق بدقّة على هذا المثال فسنقول: إنّ فهم هذا المقصد القرآني في بعض المساحات خصوصًا التي تتقاطع مع القصص التوراتي والإنجيلي مرتبط بأمرين: الأول: هو الإمعان أكثر في المصادر العِبرية والإنجيلية، وليس في رفضها، فليس الإشكال هنا في المثال الذي ذكَرْنا في استخدام المفسّر للمرويات الإسرائيلية، بل في كونها أحيانًا غير شاملة وغير قادرة على تركيب صورة دقيقة لبعض الخلافات الأساسية، ولكن تَوفُّر هذه المصادر في الوقت الحالي هو ما يمكن حين استخدامها من فتح الباب لتأويلات أدق ربما.

الأمر الثاني: هو أنّ الاعتماد على الكتب السابقة للقرآن في تفسير القرآن يحتاج إعادة تفكير في أنماط العلاقة بين النصّ القرآني وبين هذه النصوص، حيث هي علاقة تقوم على الإقرار والقبول والرفض والتعديل والتصحيح؛ مما يعني ضرورة تحديد تمظهرات هذه العلاقة في المواضع الجزئية كمقدمة لنمط الاستفادة اللاحق من هذه المصادر، وهي استفادة لا تؤدي في ظنِّنا لأيّ تشويش على النصّ، بل على العكس تستطيع أن تفتح الكثير من الآفاق لاستكشاف أعمق لقيم النصّ طالما انتبهت لهذه العلاقة ومدى تعقّدها، كما حاولنا أن نوضح في المثالين.

لذا فالإشكال ليس في استعادة القصص السابق على القرآن لمحاولة كشف بعض معانيه وتثويرها، بل في نمط الاستعادة وضرورة أن تقوم على استكشاف سابق لنمط علاقة النصّ في كلّ جزئية محددة مع النصوص السابقة، لتكون بهذا أداة شديدة الفعالية في استكشاف الكثير من مقصودات النصّ التي ربما لا تظهر إلا بعد عقد مثل هذه المقارنات.

خاتمة:

نظنّ أنّ العناصر الرئيسة لإشكال الإسرائيليات كما يتم عرضه وتناوله في المقاربات المعاصرة للقرآن، والتي تدور حول (فائدة الإسرائيليات)، و(علاقتها بقِيَم النصّ القرآني)، و(الحاجة إليها)، وكذلك هذا العنصر الذي يحضر متجاهلًا (فائدتها التفسيرية)، باعتبار أن هذه الكتابات لا ترى لها فائدة تفسيرية، تحتاج في مجملها لإعادة تفكير لتشخيص أكثر دقّة لحضور الإسرائيليات في التفاسير، وكذا لتقديم رؤى أكثر تحريرًا لإمكان الاستفادة من القصص الكتابي -المدوّن الآن بقانونيه ولا قانونيه- في فهم الكثير من أبعاد النصّ، إعادة تفكير تبتدئ بتحديد العلاقة بين النصّ التفسيري والنصوص السابقة في علاقتها بالقرآن، اعتمادًا على بعض المنجزات الحديثة في دراسة التناص وعناصره وطرق حضوره في العلاقة بين النصوص، وكذلك إعادة التفكير في مسألة القيم الدينية للقصص بمحاولة تفعيل رؤى أكثر جِدَة في قراءتها تستطيع استكشاف العالم الديني الإسلامي لتحديد دقيق لتلك العناصر التي يختلف فيها القصّ القرآني خلافًا جذريًّا مع القصص الإسرائيلي أو غيره من القصص.

إِنّ إعادة التفكير هذه كفيلة بطرحٍ جديدٍ تمامًا للإشكال الذي سقط في الأهداف الفكرية المتباينة للتيارات المتصارعة ولمَّا يتحرر كإشكال علمي وبحثي بعدُ، فبتحرير هذا الإشكال وإعادة بناء أطرافه، يمكن تأسيس لَبِنَات منهجية تفتح الباب لاستفادة واسعة ودقيقة من النصوص السابقة على القرآن.

 

[1] الرفض المعتاد والشائع في الكتابات المعاصرة للإسرائيليات يتعلّق غالبًا بكونها تشوّش على فهم النصّ، وتستعيد قصصًا عجائبيًّا يشوّش على القِيم التربوية والوعظية للقصة، وفي بعض الأحيان يرتبط بكون هذه الروايات ضعيفة سندًا، أما الرفض الحداثي فمرتبط بصورة أكبر بالموقف من القصة كما سنحاول أن نوضح.

[2] بالنسبة للقصص تحديدًا فقد عيَّن (الطيار) أربعة أوجه لفائدة المرويات الإسرائيلية، أولًا: توجيه الآية لمعنى محتمل. ثانيًا: تعيين المبهمات. ثالثًا: معرفة سبب القصة. رابعًا: توضيح المجمل. انظر: حوار حول الإسرائيليات، منشور على موقع تفسير، على هذا الرابط: tafsir.net/interview/14

[3] انظر للكاتب: القراءات الحداثية للقرآن، (1) المحددات الرئيسة للقراءات الحداثية للقرآن، على هذا الرابط: tafsir.net/article/5079

[4] لا نعتبر خطاب محمد أحمد خلف الله ضمن خطابات القراءة الحداثية للقرآن، وهذا وفقًا للمحددات التي ذكرناها سابقًا باعتبارها محدّدة لهذه الظاهرة، لكنه في ظننا يعتبر حلقة وسيطة لهذا الانتقال للتأسيس الثاني للنهضة كسياق معرفي منشئ للقراءة الحداثية.

[5] انظر، القراءات الحداثية للقرآن: (1) المحددات الرئيسة للقراءات الحداثية للقرآن.

[6] للتوسّع حول فكرة الانتقال من براديغم العناية إلى براديغم القانون انظر للكاتب: نصر حامد أبو زيد وطبيعة القول القرآني، أولًا: الأبعاد السياسية والاجتماعية لخطاب نصر أبو زيد، على هذا الرابط: tafsir.net/article/5095

[7] تتبلور هذه النظرة للقصص والشعائر بوضوح في خطابات بعض المفكّرين الحداثيين، مثل: الشرفي والعفيف الأخضر، لتفصيل أكثر لنظرة الشرفي انظر مقالنا على هذا الرابط: tafsir.net/article/5116

[8] قراءات لا تنشغل بصورة كبيرة بقضية تأسيس المنهج، ولا تجري نقاشًا منهجيًّا مع الطرائق التقليدية في التفسير، بل إنَّها تتخفّف من الأدوات التقليدية، وتحاول إنجاز طريقة جديدة في التفسير، جدتها «مضمونية» و«اتجاهية» في الغالب، أي: تتعلق بمضامين التفسير وبالاتجاه العام لها -وربما ظرفية وانفعالية كذلك تتعلّق بالردِّ على إحراجات فكرية غربية-، أمَّا في المنهج فكانت جدتها في معظمها سلبية، تعمل على تنقية القرآن من صدأ الخرافات والإسرائيليات، وتجريد تفسيره من ثِقل الاصطلاحات الفنية، وهي إحدى القراءات الناشئة في وضعية «الخروج من التقليد».

[9] اتجاه التفسير في العصر الحديث، مصطفى محمد الطير، ص(21 ،22)، نقلًا عن اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر، محمد إبراهيم الشريف، دار التراث، القاهرة، ط1، 1982، ص(120).

[10] في مقابل هذا انطلق بحثٌ نُشر مؤخرًا على موقع تفسير للباحث خليل اليماني من محاولة إثبات كون الإسرائيليات قد وردت في التفاسير كإحدى أدوات تبيين المعنى، أي: إحدى الأدوات المرتبطة بحيثية فنّ التفسير، وقد أثبت هذه الصلة من خلال الاشتغال على تفسير قصة السامري في سورة طه، يمكن الاطلاع على البحث من خلال هذا الرابط: tafsir.net/research/25

[11] هناك عددٌ كبيرٌ من الوحدات الموضوعية والسياقية التي اعتُمِدَت في قراءة القصة في المقاربات المعاصرة للقرآن، منها: وحدة السورة، وحدة التاريخ، وحدة المنهجية المعرفية، وحدة النبوة والرسالة، ويكثر استخدام مصطلح التفسير التجزيئي في وصف التناول التفسيري التقليدي، وإن كان يوجد بشكلٍ أكثر تفصيلًا في المقارنة بينه وبين الموضوعي في كتابات محمد باقر الصدر. انظر: المدرسة القرآنية، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي لمحمد باقر الصدر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية لمحمد باقر الصدر، ط1، 2000، انظر الدرسين: الأول والثاني. 

[12] الفنّ القصصي في القرآن، محمد أحمد خلف الله، سينا للنشر، دار الانتشار العربي، لندن، بيروت، القاهرة، ط4، 1999، ص(224).

[13] نفسه، ص(347، 348).

[14] نفسه، ص(358)، مهمّ هنا التأكيد على أن خلف الله لا يتحدث هنا عن كون القرآن هو انعكاس لفكر النبي أو إنتاجًا له، بل يعتبر خلف الله أن هذه الموافقة قائمة على فكرة العناية الإلهية، فكما قلنا فإن خلف الله يظلّ يشتغل من داخل براديغم العناية رغم أن خطابه يفتح الباب لخطاب لبراديغم القانون لاحقًا مع القراءات الحداثية للقرآن.

[15] يترجم مجدي وهبة وكامل المهندس (الموتيف) بــ(الموضوع الدّال)، وجاء في معجمهما: «هو موضوع أو حدث قصصي أو شخصية أو فكرة أو عبارة تتكرر في أدبٍ ما أو مأثورات شعبية معيّنة»، ونستخدم هنا (الموتيفات المركزية) بمعنى الموضوعات المركزية التي تتمحور حولها أساطير معيّنة وقصص معيّنة. انظر: معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مجدي وهبة وكامل المهندس، مكتبة لبنان، بيروت، الطبعة الثانية، 1984، ص(396).

[16] مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول: في التعريف بالقرآن، محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006، ص(258).

[17] نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، دار سينا للنشر، القاهرة، ط2، 1994، ص(213).

[18] محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2005، ص(40).

[19] الفكر الإسلامي، قراءة علمية، محمد أركون، دار الطليعة، ص(203).

[20] نفسه، ص(204).

[21] الفن القصصي في القرآن، ص61.

[22] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، طبعة هجر، (2/ 568).

[23] سعيد يقطين، الرواة والتراث السردي، من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، ط1، 1992، ص(23).

[24] سعيد يقطين، الرواية والتراث السردي، ص(30).

[25] يختلف المقدَّس التوحيدي عن المقدس بصورة عامّة، حيث ينفي المقدّس التوحيدي عن ذاته صفات الوحشة التي تشكل جزءًا أساسيًّا من المقدّس؛ ليتماهى بهذا مع العدل والخير. انظر: بول تيتيش، بواعث الإيمان، ترجمة: سعيد الغانمي، دار الجمل، بغداد، كولونيا ألمانيا، ط1، 2007، ص(22).

[26] يذكر الطبري في تفسير آية: {إذ قالت امرأت عمران...}[آل عمران: 35]، أن نسب عمران هو: عمران بن ياشهم بن أمون بن منشا بن حزقيا بن أحزيق بن يوثم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أحزيهو بن يارم بن يهفاشاط بن أسابر بن أبيا بن رحبعم بن سليمان بن داود بن إيشا، وهذا النسب مشابه بقدر كبير جدًّا لنسب يوسف في الأناجيل، حيث هو يوسف بن يعقوب بن متان -وفقًا لمتَّى- أو ابن هالي -وفقًا للوقا-، الواصلَيْن لداود عبر ذات النسب الذي يذكره الطبري وفقًا للعهد القديم. انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، طبعة هجر، (5/ 331).

[27] يسوع في التلمود، المسيحية المبكرة في التفكير اليهودي الحاخامي، بيتر شيفر، ترجمة: بيل فياض، المركز الأكاديمي للأبحاث، ط1، 2016، ص(89).

[28] الإنجيل برواية القرآن، فراس السواح، منشورات دار علاء الدين، سورية، ط1، 2011، ص(81، 82).

الكاتب

الأستاذ طارق حجي

باحث مصري له عدد من المقالات البحثية والأعمال المنشورة في مجال الدراسات القرآنية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))