عرض كتاب
التأليف المعاصر في قواعد التفسير؛ دراسة نقديّة لمنهجيّة الحُكْم بالقاعديّة
محمّد صالح محمّد سليمان، وخليل محمود اليمانيّ، ومحمود حمَد السيّد

المترجم : إسلام أحمد
كتاب (التأليف المعاصر في قواعد التفسير) من الكتب المهمّة الصادرة مؤخّرًا عن مركز تفسير، وقد حظي الكتاب بنقاش بحثي موسّع؛ يُقدِّم هذا العرض توصيفًا للدراسة، ويوضِّح مدى أهميتها للباحثين في حقول التفسير ودراسات القرآن والنظرية التأويلية، كما يُقدِّم بعض الملاحظات النقدية عليها، ويطرح بعض الأسئلة حول آفاق الاستفادة من الأسئلة التي طرحتها.

التأليف المعاصر في قواعد التفسير؛ دراسة نقديّة لمنهجيّة الحُكْم بالقاعديّة[1][2][3]

محمّد صالح محمّد سليمان، وخليل محمود اليمانيّ، ومحمود حمَد السيّد

  هذا العمل المرحَّب به للغاية حول قواعد التفسير هو الكتاب الثالث في سلسلةٍ من الكتب تنشرها (وحدة أصول التفسير) بمركز تفسير للدراسات القرآنيّة. فقد كان أوّل مُخرجات هذا المشروع هو استطلاع في العام 2015 حول (أصول التفسير في المؤلَّفات) المطبوعة بالعربيّة، كشف الاستطلاع عن عددٍ من النتائج، أبرزها أنّ حقل (أصول التفسير) في حالة اضطراب على ثلاثة مستويات: «مفهومًا، وموضوعًا، واستمدادًا»[4]، [أي: من جهة المفاهيم، ومن جهة الموضوع الذي يدرسه، والمصادر التي يستمدّ ويستقي منها]. ثمّ أعقبت هذا الاستطلاع دراسةٌ أنجزَتْهَا الوحدة بعد عام، وكانت حول (أصول التفسير في آراء المُتخصِّصين) وآفاق تطوّر هذا الحقل من الدراسات القرآنيّة. عزّزت البيانات التي جُمِعَتْ من 135 شخصًا، وكلّهم من دول عربيّة فقط، نتائجَ الدراسة السابقة؛ وهي أنّ جوانبَ عدّة من أصول التفسير تعاني ارتباكًا، وهذا يشمل مدى اعتباره تخصّصًا بذاته أم لا، وأصناف الموضوعات التي تقع في نطاقه[5].

يُعتبَر هذا الكتابُ قيد المراجعة هنا، وهو متاح للتحميل[6]، إضافةً قيّمة للغاية إلى هذه السلسلة. ولتناوُل الموضوع التأسيسيّ فيه، وهو (قواعد التفسير)، يتكوّن الكتاب/ الدراسة من مقدّمة ومَدْخَل وأربعة فصول وخاتمة وملحق مطوَّل. في المدخل يعرض لنا مؤلِّفو الكتاب (إشكاليّة الدراسة). في لُبّ الكتاب يحاول مؤلِّفو الكتاب استكشافَ منهجية درس قواعد التفسير في الوصول إلى قواعد معيّنة. وهذا يعني أنّ الدراسة معنيّة بالأساس الذي يقوم عليه (الحُكْمُ بقاعِديّة قواعد التفسير). وبصيغة أخرى، فإنّ إشكاليّة الدراسة تتعلّق بـ«منهجيّة التأليف المعاصر التي تأسّس عمله عليها في تقرير قاعديّة القواعد» (ص13). وهذا يشمل مستويَيْن أساسيّيْن؛ الأوّل: «تبيُّن المعالم المنهجيّة للتأليف المعاصر في الحكم بقاعديّة قواعد التفسير»، ومن ثَمّ «تقويم» تلك المنهجيّة (ص14). وقد جاءت هذه الدراسة نتيجة الافتقار إلى دراسات سابقة حول هذا الموضوع. فوَفقًا لما يقوله مؤلِّفو الدراسة، ليس هناك سوى ثلاث دراسات تتناول الجوانب التنظيريّة المتعلّقة بالقواعد؛ ولكنّ واحدةً منها لا تناقش «منهجيّة التأليف المعاصر لقواعد التفسير في الحكم بالقاعديّة» (ص15- 18). ولأجل هذا الهدف، تمّ اختيار خمسة عشر مؤلَّفًا [لدراستها وتحليلها]، كلّها تشترك في عددٍ من السِّمات؛ فكلّها مؤلَّفات أكاديميّة، وكلّها نُشِرَت في العام 1997م وما بعده «حين بدأ يتبلور حقلُ قواعد التفسير»، وكلّها تحوي في عناوينها تعبير «قواعد التفسير»، سواء «كانت عَنْوَنَتُها بصورةٍ مُطْلَقة» أو «كانت عَنْوَنَتُها بصورة مُقَيَّدة»، متّصلة بمفسِّر ما، وكلّها مؤلَّفات نقديّة[7]. أمّا فيما يتعلّق بالتوزيع الجغرافيّ، فهذه المؤلَّفات تنحدر من ستّة بلدان: ثمانية من المغرب، وثلاثة من المملكة العربيّة السعوديّة، وواحدة من كلٍّ من مصر والجزائر وماليزيا واليمن. يذكر مؤلِّفو الكتاب أيضًا أنّ تحليلَهم يتضمّن تناوُل كيف تقوم العيّنة المختارة من المؤلَّفات بـ«تعريف قواعد التفسير»، إضافة إلى تناوُل «منهجها في بناء الحُكْم بقاعديّة قواعد التفسير»؛ ومن الواضح أنّ كِلَا الأمرَيْن متشابكان.

ينقسم الفصل الأوّل إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأوّل عرضٌ وصفيّ في الأساس، وهو يحاول «بيان الأُطُر العامّة والمضامين الكُلّيّة المتعلّقة بمؤلَّفات القواعد الخمس عشرة، محلّ الدراسة» (ص32). فيشير مؤلِّفو الدراسة، على سبيل المثال، أنّ «جُلَّ التعريفات تدورُ في فَلَكٍ واحد، ويجمعها في الجملة أنّ قواعدَ التفسير أحكامٌ أو قضايا كُلّيّةٌ يُتوصَّلُ بها إلى بيانِ معاني القرآن الكريم» (ص37- 38). علاوة على ذلك، تسجّل الدراسة بعضَ الاختلاف الوارد بين التعريفات في الدراسات المختلفة؛ ومن ذلك حقيقة أنّ عدد قواعد التفسير في الأعمال المنشورة تتراوَح بين 549 قاعدة إلى خمس قواعد فحسب (ص47- 48). أمّا المبحث الثاني من هذا الفصل فيُعْنَى «ببيان الإطار المنهجيّ الكُلّيّ الذي تأسّسَ عليه الحُكْمُ بالقاعديّة في المؤلَّفات المعاصرة» (ص49). ولتوضيح مقصد مؤلِّفي الكتاب، دَعُونا هنا نتناول مثالًا: لنَقُل أنّ (س) قاعدة من قواعد التفسير، ويُشَار إليها في كتاب أو أكثر من المؤلَّفات المعاصرة في قواعد التفسير. السؤال الذي يطرحه الآن مؤلِّفو الكتاب هو ببساطة: على أيّ أساس تمّ تحديد (س) لتكون قاعدة من قواعد التفسير؟ والجواب يأتي في مُستهلِّ هذا المبحث [الثاني من الفصل الأوّل]، ألَا وهو أنّ «الأساسَ المنهجيّ الذي تأسّسَ عليه واقع التأليف المعاصر في الحُكْم بقاعديّة ما أوردَ في التفسير [هو] نسبةُ الحُكْمِ بالقاعديّة في التفسير للعلماء السابقين» (ص51). وهذا الأمر يستلزم فرضيّة مشكلة وليس لها ما يكفي من المبرّرات، مفادها أنّ قواعد التفسير قد «قرَّرها العلماء مسبقًا وحَكَموا بقاعديّتها». وبالتالي، فإنّ المؤلَّفات المعاصرة تتعامل مع قواعد التفسير التي تُورِدها على أساس أنّها «لا تحتاج إلى إثبات قاعديّتها وتقريرها؛ إِذْ تلك القواعد قرَّرها العلماءُ مسبقًا» (ص50). وتبعًا لذلك، فقد رأى أصحاب المؤلَّفات المعاصرة في قواعد التفسير أنّ دورهم هو محضُ «الجَمْع للقواعد من المصادر وترتيبها»؛ بل إنّ مسألة استقراء قواعد التفسير وتتبُّعها لم تدخل في الحسبان (ص58- 61). ولم يجد مؤلِّفو الكتاب صعوبةً في الاستدلال على هذا الأمر، فقدّموا عِدّة اقتباسات مختلفة من العيّنة المختارة (ص51- 58)؛ بينما بقيّةُ الكتاب، في الأساس، تعليقٌ على هذا الاستنتاج. ويحاول المبحث الثالث من هذا الفصل وضع الأبحاث المعاصرة المتّصلة بقواعد التفسير في سياقها مع الجهود السابقة في هذا الحقل، أي: الأعمال المُنْجَزة قبل العام 1997م، وهو العام الذي اتّخذه مؤلِّفو الكتاب عامًا فاصلًا في إضافة الأعمال إلى العيّنة محلّ البحث والتحليل. فالهدف إذن هو «التبصُّر بموقع التأليف المعاصر من خارطة التأليف السابق عليه» (ص62). هنا يطرح مؤلِّفو الكتاب تلخيصًا مفيدًا لخمسة عشر عملًا، بداية من كتاب قانون التأويل لابن العربيّ (ت. 543هـ/ 1148م) إلى كتاب فصول في أصول التفسير للدكتور/ مساعد بن سليمان الطيّار (ص65- 75). يخلص التحليل إلى استنتاج قاطع مفاده أنّ التأليف المعاصر في قواعد التفسير «لا تربطه بالمؤلَّفات السابقة [حول أصول التفسير] أيّة صلة، وليست بينه وبينها أيّة علاقة، وليست له جذور سابقة عليه في التاريخ، لا في المفهوم ولا في المقصد... ولا يُسْتَثنى من ذلك إلّا كتابَا التيسير في قواعد علم التفسير للإمام محيي الدين محمّد بن سليمان الكافيجيّ (ت. 875هـ/ 1474- 1475م)، وفصول في أصول التفسير للدكتور الطيّار» (ص85).

يقدِّم الفصل الثاني نقدًا وتقويمًا للفرضيّة المُشار إليها ذات بُعدَين: فيقومون بادئ ذي بدء بتناوُل «القول بتقرُّر القواعد» نفسه، ثمّ ينتقلون إلى تقييم مدى قدرة العيّنة محلّ الدراسة على برهنة هذا «القول» وإثباته. أمّا فيما يتّصل بالجانب الأوّل، فيتبنّى المؤلِّفون الرأي الذي يُفيد بأنّ «القول بتقرُّر قواعد التفسير الكُلّيّة قولٌ لا يشهد له تاريخُ التفسير، ولا واقعُ التأليف النظريّ فيه، ولا كلامُ العلماء وصنيعُهم، بل هو مُصادِمٌ تمامَ المصادَمة لذلك كلّه» (ص101). ويقدِّمون للتأكيد على هذا الرأي خمسَ دلائل في المبحث الأوّل من هذا الفصل؛ أوّلًا: يستدعي مؤلِّفو الدّراسة النقاش الدائر حول عِلْمِيّة التفسير، أيْ ما إذا كان من الممكن اعتبار التفسير عِلْمًا قائمًا بذاته. حقيقة أنّ عددًا من المرجعيّات البارزة في التفسير قد حاولت «نَفْيَ عِلْميّته أو جعلَها محلَّ نقاش، دالٌّ على عدم وجود القواعد الكُلّيّة للتفسير» (ص101- 104). ثانيًا: يُقال إنّه نظرًا لأنّ «التأليف في قواعد التفسير ضئيلٌ أو شبهُ منعدِم» قبل العام 1997م، ونظرًا لأنّ الأعمال الصادرة قبل ذلك العام وبعده «اختلفَت مفاهيمُها ومُراداتُها»، فإنّ هناك شكوكًا حول «القول بتقرُّر قواعد التفسير عبر التاريخ» (ص104- 106). ثالثًا: يحاول مؤلِّفو الدراسة أيضًا تدعيم حجّتهم من خلال إبراز الملاحظة أنّ «الكافيجيّ [في كتابه حول القواعد] صَدَرَ في عمله من محاولة تأسيسِ القواعد وتقريرِ قاعِدِيَّتها، لا جمعِها باعتبارِها مُقرَّرةً ومؤسَّسةً مِن قِبَل السابقين» (ص107). أمّا الدليل الرابع فجاء في حوالي تسع صفحات، واعتمد على اعتبارات تتعلّق بالبنية النظريّة للتفسير، وهي مجال أوسع من قواعد التفسير. فهنا، باختصار، يدفع مؤلِّفو الدّراسة بفكرة أنّ «المتتبِّع لحركة التأليف النظريّة في علم التفسير يجد أنّ هذا العلمَ لم يظفر عبر التاريخ بتأسيس قواعده الكُلّيّة الاستقرائيّة» (ص106- 107). خامسًا: يخلص مؤلِّفو الدراسة إلى أنّ «شكوى بعض العلماء [كالزَّرْكَشِيّ والسيوطيّ والفراهيّ] من عدم وجود بناء قاعديّ ضابط للتفسير ومن غياب التقنين النظريّ له، تؤكّد عدم وجود حركة تأليفٍ نشطت لهذا المقصد [أي: بناء قواعد للتفسير] عبر الزمن»، وهي الفرع الأكثر تخصّصًا في نظريّة التفسير (ص116- 119).

وفي تناغمٍ مع هذه التقريرات، ينظر المبحث الثاني من الفصل الثاني في كيفيّة وصول العيّنة محلّ الدراسة إلى الفرضيّة التي تنطلق منها، وهي «القول بتقرُّر القواعد»، ويجد أنّ العينة لا تقدّم دليلًا مقنعًا على هذا القول، وإنّما تقدّمه دون إثبات. فممّا تخلص إليه الدراسة «خطأ دعوى القول بتقرُّر قواعد التفسير»، فهو قولٌ ليس سوى «محض وهمٍ لا وجودَ له لا في التاريخ ولا في الواقع ولا في المصادر التي اشتغلَت بها ونَسَبَت لها التقرُّر» (ص152- 153). ويرِد في هذا المبحث عددٌ من الملاحظات القيِّمة، أبرزها أنّ مؤلِّفو الدراسة قد وقفوا «على اضطراب موقف المؤلَّفات تجاه بعض المصادر... فالمتأمّل لواقع المؤلَّفات [في قواعد التفسير] يجد ثَمّةَ تبايُنًا ظاهرًا بينها» (ص124). ومن ذلك أنّ مؤلِّف كتابٍ ما من تلك الكتب قد يصرِّح «باستبعاد كتب التفسير وعدم صلاحيتها لاستمداد القواعد؛ إلّا أنّه لمّا سَرَدَ المؤلَّفات التي استخرَجَ منها جميعَ ما تحويه من القواعد، جعلَ على رأسِها كتبَ التفسير» (ص123- 125). ووجدت الدراسةُ أيضًا أنّ هناك توجُّهًا في مؤلَّفات القواعد نحو «نقل النصوص من مصادر اللغة وأصول [الفقه]، ونسبة قاعديَّتِها للتفسير بعمومه»؛ وبهذا المعنى، فإنّ المؤلَّفات التي عملتْ من خلال كتب التفسير «لا تتّجه أصلًا لإثبات القاعديّة، ولا لبَيانِ مسوِّغات نسبتها للمصدر، بل تعتني فقط ببَيانِ وَجْهِ تطبيق القاعدة وإعمالها» (ص137- 143). وبشكلٍ عامّ، فإنّ هذا الأمر «يجعل الأصلَ في الانتقاء من تلك المصادر [هو] الذّوقُ الشخصيُّ الخاصُّ بكلِّ مؤلِّف» (ص143).

لو كان «القول بتقرُّر القواعد» قولًا دون ركيزة، ولو كان التأليف في قواعد التفسير عاجزًا عن إثبات ذلك القول «فلم يدعم منطلقَه هذا بأيّ حجّة، ولَم يُقَوِّه بأيّ دليلٍ أو برهان» (ص159)، فكيف برز هذا القول في المقام الأوّل؟ وبصيغة أخرى، هل من الممكن تقفّي أثر هذه الفكرة ومتى ظهرت؟ حرص مؤلِّفو الدراسة على تقديم جواب لهذا السؤال في المبحث الأوّل من الفصل الثالث. وللقيام بهذا، قرّروا تحليل أقدم عمل ضمن العيّنة المختارة من المؤلَّفات المعاصرة في قواعد التفسير، وهي دراسة الدكتور/ خالد السبت المعنونة بـ(قواعد التفسير؛ جمعًا ودراسةً). فبعد الاستشهاد باقتباس من السبت يقول فيه إنّ العلماء السابقين هم مَن «قرَّروا هذه القواعدَ بعد الاستقراء والتتبُّع» (ص162)، زَعَمَ مؤلِّفو الدراسة، وإن يكن على أُسُس أقلّ رسوخًا، أنّ «القولَ بتقرُّر القواعد» قد تسلَّل إلى دراسة السبت عبر اشتباكه مع عملَيْن سابقَيْن، هما: فصول في أصول التفسير للدكتور/ مساعد الطيّار، والقواعد الحِسان للشيخ/ عبد الرحمن السعديّ (1889- 1956م) (ص164- 170). علاوة على هذا، أبرزَ المؤلِّفون مؤثّرًا آخر ممّا قد يكون أَفْضَى «بالدكتور/ خالد السبت إلى القول بتقرُّر قواعد التفسير عبر العلماء السابقين» (ص171)، ألا وهو «قياسُ واقعِ قواعد الفقه على واقعِ قواعد التفسير»، بمعنى التعامُل مع قواعد التفسير من خلال المنهج نفسه الذي تعامل به الفقهاء مع قواعدهم [الفقهيّة] (ص170- 173). بناءً على هذا، يواصل مؤلِّفو الدراسة القول أنّ ما في الدراسات المتأخّرة من «منطلَق تقرُّر القواعد هو نتاج التقليد المحض» للدكتور/ السبت (ص174- 175). وبينما يشير مؤلِّفو الدراسة إلى المصادر المحتمَلة للتأثير على المؤلَّفات محلّ الدراسة، فإنّهم لا يتجاوزون ذلك؛ فهم لا يخبروننا -على سبيل المثال- من أين استقى الطيّار ذلك القول (ولكنّ الطيّار، بالتأكيد، لم يقل هذا صراحةً). لهذا يظلّ السؤال حول المصدر الأوّل لمسألة «القول بتقرُّر القواعد» بلا جواب. أمّا المبحث الثاني من الفصل الثالث فيسعى إلى تحليل آثار هذا النموذج الذي تعمل وَفقه المؤلَّفات في قواعد التفسير. ومع احتواء هذا المبحث على تكرارٍ وحشو، لكنه يركّز على بعض سمات التأليف المعاصر في قواعد التفسير، ومنها تشويه بعض النصوص التفسيرية و«التدليس في نسبة القاعديّة للمصادر» (ص181- 182)، و«كثرة القواعد» (ص188). ويرى مؤلِّفو الدراسة أيضًا أنّ المؤلَّفات في قواعد التفسير «لم تدخل في مَعْمَعَة الإشكالات المتعلّقة بتلك القضايا» (ص180)، وقد شابَها «قصور في التوفية بغرضها الرئيس الذي انتصبَتْ له؛ من الشرح والبيان والتمثيل للقواعد المقرَّرة»، فكانت سطحيّة إلى حدٍّ ما (ص189- 190).

ويأتي الفصل الرابع بعنوان: «إشكالات منهجيّة في مؤلَّفات قواعد التفسير»، وهو يعيد التأكيد على بعض النقاشات السابقة، ويجمع ما يرى مؤلِّفو الدراسة أنّها جوانب قصور في التأليف في قواعد التفسير. ومن تلك الجوانب إشكالات تتعلّق بالتعريفات (ص198- 205)، و«التلفيق» (ص206- 211)، و«الخلل في تنزيل القاعدة» (ص215- 219). في هذا الفصل الختاميّ القصير، يعيد مؤلِّفوها الإشارة إلى استنتاجاتهم السابقة (ص223- 227). ففي جوهره يمكن تلخيص استنتاجاتهم في جملة واحدة، مفادها أنّ التأليف المعاصر في قواعد التفسير قائم على «دعوى تقرُّر القواعد». ثمّ تُخْتَتم الدراسة بمُلْحَق مفيد يجري فيه تحليل ستّة عشر عملًا في أصول التفسير وعلوم القرآن، من أجل استكشاف الخلفيّة التي ارتكز عليها التأليف في قواعد التفسير (ص233- 281).

إضافة إلى الإشادة بالجهد المبذول في الدراسة، وبعد توضيح تقديري لجدَّتها، أودُّ هنا إضافة ستّة تعليقات ومأخَذ. أوّلُ هذه التعليقات يتّصل بالنطاق الذي تشمله الدراسة؛ فمع الإقرار بأنّ أيّ كتاب لا بدّ أن يخضع لقيود حتمية، لكن ربّما كان من المفيد إعطاء قدر مناسب من الاهتمام بالكتابات غير العربيّة[8]. أمّا التعليق الثاني، فلَم تَرُقني -تحديدًا- كثرةُ استخدام مؤلِّفي الدراسة مفهومَ «الذوقيّة» في شرح بعض ممارسات التأليف في قواعد التفسير. فَهُم، على سبيل المثال، يردُّون استخلاص اثنين من الباحثين قاعدتَيْن مختلفتَيْن من الفقرة ذاتها في تفسير الطبريّ (ت. 311هـ/ 923م) إلى «ذَوق المؤلِّف» (ص185). بدلًا من هذا، فهناك نموذج تفسيريّ قد يكون ألطف وأرفَق، وهو القول أنّ الأمر مسألة تفسير، فليس من غير المعهود أو المألوف أن تخضع الفقرة الواحدة لعدّة تفسيرات مختلفة. تتعلّق النقطة الثالثة بمزاعم الانقطاع؛ أي: أنّ التأليف [المعاصر] في قواعد التفسير منفصلٌ عن الأعمال السابقة في علوم القرآن. مبدئيًّا، لا أجادل في هذا؛ فالتأليف المعاصر في قواعد التفسير يحيد بالفعل عن الأعمال السابقة من عدّة جوانب، إلّا أنّ الصعوبة التي أواجهها حيالَ هذا الادّعاء هي أنّه يبدو مبالَغًا فيه، وعلينا أن نلاحظ هنا النّبْرة التي يستخدمها مؤلِّفو الدراسة في وصف هذا الانقطاع؛ إِذْ يقولون «ليست ثَمَّةَ عَلاقة من قريبٍ أو بعيد بين التأليف المعاصر [في قواعد التفسير] وكافّة المؤلَّفات القديمة السابقة عليه في التأصيل والتقعيد...» (ص95). ويمكن للمرء أيضًا التشكيك في مدى دقّة هذا الادّعاء، من خلال النظر في المسألة الآتية؛ يقتبس مؤلِّفو الدراسة، مُحِقِّين، من ابن عاشور (1879- 1973م) قوله: إنّ التفسير -في رؤيته- ليس علمًا مستقلًّا (ص102). إلّا أنّهم أغفَلوا أنّ ابن عاشور، وبعد ثلاث فقرات فقط، أقرَّ أنّ العلماء السابقين (أيْ: أولئك الذين ذهبوا إلى أنّ التفسير علمٌ قائمٌ بذاته) قد رأوا أنّ التفسير يستلزمُ بعض القواعد الكُلِّيَّة[9]؛ ووَفقًا لمؤلِّفي الدراسة (ص38)، فإنّ «الكُلّيّة» هي سِمَةٌ بارزة في تصوّر التأليف في قواعد التفسير لتلك القواعد. ومع أنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ مفهوم هؤلاء العلماء للقواعد يرتبط بما عُبِّر عنه في التأليف المعاصر حول قواعد التفسير، إلّا أنّ هذا الأمر يُضعِف من حِدّة الإطلاق الذي يظهر في ادّعاء مؤلِّفي الدراسة [بعدم عِلْمِيّة التفسير].

أمّا ملاحظتي الرابعة فتتعلّق بتقسيم العلوم الإسلاميّة؛ شعرتُ أحيانًا أنّ مؤلِّفي الدراسة يُولُون كثيرًا من الاهتمام لفكرة أنّ العلوم الإسلاميّة تتميّز بحدود واضحة المعالم. فقولُهم، على سبيل المثال، إنّه «ليس من الميسور أبدًا نسبةُ قواعدِ فنٍّ لآخَر، إلّا بعد إجراءاتٍ منهجيّة مطوَّلة وتغييرات قد تكون جوهريّة» (ص178) هو قولٌ يبدو فيه تشكيكٌ في أصالة العلاقات القائمة بين مجالات علميّة مختلفة وتقليلٌ من أهميّة وحدة العلوم في الرؤية الإسلاميّة[10]. تتعلّق النقطة الخامسة بزعم مؤلِّفي الدراسة أنّ «القول بتقرُّر القواعد»، وهو القول الذي يرتكز عليه التأليف [المعاصر] في قواعد التفسير، هو خطأ منهجيّ. أُقِرّ أنّه حتّى لو كان التأليف في قواعد التفسير يسير بالفعل وَفْقَ هذا القول فلا يعني هذا بالضرورة اعتبار ذلك الأمر عيبًا ونقصًا فيه؛ وإنّما بشكلٍ عامّ يمكننا النظر إلى مثل تلك الأقوال على أنها ضروريّة لأيّ محاولة استنتاج قواعد التفسير وإعادة بنائها من خلال التفاسير. فليس من الخطأ افتراض أنّ العلماء يعملون في إطار معايير مخطّطة ومحكومة. قد نتذكّر هنا، لتوضيح هذه النقطة، أنّ أصول الفقه قد أُعِيدَتْ صياغتها من خلال ممارسات الفقهاء الأوائل وعبر فروع الفقه وما تناثَر من أقوال وآراء الفقهاء[11]. وبدون افتراض نظريّة ضمنيّة كامنة، ما كان ممكنًا تشكُّل الأصول التأسيسيّة للفقه. وفي ضوء هذا، تصبح الأطروحة الأساسيّة لمؤلِّفي الدراسة موضع تشكيك.

الملاحظة السادسة التي أقدّمها هنا هي ملاحظة أعمّ، وتشمل إعادة التفكير في مشروع تأسيس قواعد التفسير. ومع أنّ أطروحة الكتاب تفيد أنّ التأليف المعاصر في قواعد التفسير لا يقوم على أُسُسٍ راسخة، يبدو مؤلِّفو الدراسة على ثقة من قابليّة تحقيق مشروعهم، وهو إمكانيّة تأسيس القواعد (ص226). لكنّي هنا أطرح هذه التساؤلات، وبعضها تمهيديٌّ: هل هذا المشروع عمليٌّ قابل للتنفيذ ابتداءً؟ هل من الممكن صياغة مجموعة من القواعد العامّة التي تضبط مسألة تفسير النصّ القرآنيّ؟ كيف تؤثّر طبيعة النصّ القرآنيّ على مشروع تأسيس قواعد التفسير؟ هل لعلم الكلام الدائر حول نصوص الوحي دورٌ هنا؟ لماذا عَزَفَ غالبيّة المفسّرين القدامى عن تحديد تلك القواعد؟ هل يمكننا استنتاج أنّ هذه العِلمويّة (scientism) الضمنيّة لم تكن تحظى بالتأييد في أوساط المفسِّرين في العصور الكلاسيكيّة؟ هل يعتبر مشروع تأسيس قواعد التفسير محاولة لفرض الخطّيّة على نصٍّ هو، لولا ذلك، نصٌّ غير خطّيّ؟ وهل يُعتبر ضعفُ التأليف المعاصر في قواعد التفسير، كما يقول مؤلِّفو الدراسة، دليلًا على مقاومة النصّ القرآنيّ لعمليّة التنظيم والمنهجَة؟ في هذا الصدد، كتَبَ رولان ميينه فصلًا رائعًا حول مَلَكَة التفسير في كتابهرسالة في بلاغة الكتاب المقدَّس، جاء فيه[12]:

«إنّ القواعد مفيدة، ولا غِنى عن وجود أسلوب معيّن، والعمل أكثر فائدةً من هذا؛ ولن يضرّ إعمال العقل والذّكاء. غير أنّ أيًّا من هذا كلّه لا يكفي. فكما الحياة نفسها، لا يُؤخذ التفسير أخذًا، بل يُتَلَقَّى. فبالتأكيد ليس هناك من مفسِّر يستحق الاسم إن لم تكن لديه، مرّة واحدة على الأقلّ خلال ممارسة مهنته، تلك التجربة الأساسيّة التي لا يكون هناك تفسير حقيقيّ بدونها. فكلّ المناهج في العالم، حديثه وقديمه، ستصبح عديمة النفع إن لم تؤدِّ إلى حيث يقبل المرءُ الموتَ طلبًا للحياة، تمامًا كما البذرة المدفونة في باطن الأرض. لا يعني ذلك أنّها عديمة الفائدة؛ بل على العكس من ذلك، وهنا تكمن المفارقة. فالأعمال التقنية لا غنى عنها، ولكنّها ليست مما يَهَبُ الحياةَ. ودليل ذلك هو تاريخ التفسير نفسه: فالناس لم ينتظروا أساليبَ ومناهجَ نقديّة لتفسير الكتاب المقدَّس؛ وقد كان اليهود والمسيحيون يقتاتون عليه ووجدوا فيه الحياة دون تلك الأساليب والمناهج، ولم يكن أعظم المفسّرين في الماضي بحاجةٍ إليها للبقاء والحركة والنشاط».

وبالمناسبة، فإنّ فكرة ميينه حول «تلقّي التفسير» تذكّرني بما يمكنني تسميته «اللحظات الإلهيّة»[13] لدى [فخر الدين] الرازي خلال كتابة تفسيره. ولننظر إلى الأمثلة الآتية: يقدِّم [الرازي] وجهًا رابعًا في تفسير الآية 273 من سورة البقرة، فيقول إنّ هذا الوجهَ «خَطَرَ ببالي... في هذا الوقت»[14]؛ ويصف لنا كيف وصل إلى أحد وجوه التفسير والاستدلال في الآية العشرين من سورة آل عمران، فيشير إلى أنّ هذا قد «خَطَرَ ببالي عِندَ كتابةِ هذا الـمَوضِع»[15]؛ ويقرّ أنّ الوجه الثالث الذي أورَدَه في تفسير «صَرْفِ الكلام مِن الخِطاب إلى الغَيْبة»، في الآية 22 من سورة يونس، «هو الذي خَطَرَ بالبالِ في الحال»[16]. ومع ذلك، لا أدعو إلى التشكُّك في التأويل، ولا أرمي بحالٍ من الأحوال إلى التقليل من أهميّة وجود نظريّة صارمة في التفسير؛ بل إنّ هذه المراجعة للدراسة المعنيّة إنّما هي دعوة إلى دفع الخطاب النظريّ قُدُمًا إلى الأمام. ما أريده، ببساطة، هو الإشارة إلى اعتقادي أنّه من هذا الموضع يجب أن ينطلق النقاش حول قواعد التفسير.

وهذا الأمر يقودنا إلى وجهٍ اعتراضي وانتقادي. فمع أنّ مؤلِّفي الدّراسة يقدّمون تفاصيل المصادر للعيّنة محلّ الدراسة (ص21- 22)، لكنّ الدراسة يشوبها غياب ثَبَتٍ كاملٍ بالمصادر. ولقد أزعجني حقًّا أنّ مؤلِّفي الدراسة في بعض الحالات، لكن ليس دومًا، قدّموا معلومات ببليوغرافيّة منقوصة حول المصادر الإضافيّة التي كانوا يشيرون إليها (انظر على سبيل المثال، ص65، 67، 109، 203). من المؤسِف أنّ عملًا يستقصي أوضاع الحقل المعرفيّ وحالته يتجاوز هذا الشرط الأساسيّ. ومع هذا الخَلَل، فإنّ هذه الدراسة عملٌ مهمّ وإضافة إلى مكتبة الدراسات القرآنيّة جاءت في الوقت المناسب. وهي تتطلّب مزيدًا من البحث والدراسة، وردودًا وتعليقاتٍ من قِبَل علماء التفسير وأساتذة النظرية التأويليّة على حدٍّ سواء، وحريٌّ بكلّ مَن ينوي التخصّص في التفسير أن يقرأها.

ختامًا، علينا الإشادة بمؤلِّفي الدراسة؛ لجذبهم انتباهَنا إلى هذا الموضوع، ولقيامهم بجَسر الهوّة الكبيرة في الأدبيّات حوله، ولجرأتِهم على طرح هذه النتائج التي يمكن وصفها بالسلبيّة حول وضع دراسات التفسير في العالم العربيّ على وجه العموم.

 

 

[1]  عنوان المقالة الأصلي هو:

Contemporary Scholarship on the Principles of tafsīr: A Critical Study of the Methodology for Identifying Hermeneutical Axioms

منشورة في Journal of Qur'anic Studies، في عام 2021.

[2]  ترجم هذه المراجعة، إسلام أحمد، مترجم وباحث، له عدد من الأعمال المنشورة.

[3] ما تم وضعه بين [...] هو إضافات من المترجم غرضها التوضيح، والاقتباسات من الدراسة قيد المراجعة تم إثباتها من الأصل العربي مباشرة. (المترجم).

[4] وحدة أصول التفسير، أصول التفسير في المؤلَّفات: دراسة وصفيّة موازِنة بين المؤلَّفات المسمَّاة بأصول التفسير، الرياض: مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، 2015، ص11.

[5] وحدة أصول التفسير، أصول التفسير في آراء المتخصّصين: دراسة استطلاعيّة، الرياض: مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، 2016م، ص91. في هذا الصدد، اقترح المفسِّر الكبير ابن عاشور إصلاحَ عمليّة التفسير، وذلك في عمله حول التعليم والتربية الإسلاميّة، (انظر: محمّد الطاهر بن عاشور، أليس الصبح بقريب- التعليم العربيّ الإسلاميّ: دراسة تاريخيّة وآراء إصلاحيّة، القاهرة: دار السلام ومؤسّسة دار سُحنون، 2006م، ص165.

[6] على موقع (مركز تفسير للدراسات القرآنيّة)، عبر هذا الرابط: tafsir.net/publication/8018.

[7]هذا القيد غير صحيح ولم تذكره دراسة (التأليف المعاصر في قواعد التفسير)، وإنما ذكرتْ إضافة لما بيّنه الكاتب قبل من عنونة المؤلَّفات بقواعد التفسير أن تكون المؤلَّفات كذلك شاملة لبدايات التأليف المعاصر في قواعد التفسير وأكثر كتبه شُهْرَة، وكذلك أنْ تكون معبّرة عن النتاج لأبرز المؤسّسات الأكاديمية في العالم العربي والإسلامي. (قسم الترجمات).

[8] انظر، على سبيل المثال:

Walid A. Saleh, ‘Ibn Taymiyya and the Rise of Radical Hermeneutics: An Analysis of an Introduction to the Foundations of Qurʾanic Exegesis, in Yossef Rapoport and Shahab Ahmed (eds.), Ibn Taymiyya and His Times (Oxford: Oxford University Press, 2010), pp. 123–162.

وانظر أيضًا نقاشًا حول مبادئ التأويل في:

Jacques Waardenburg, Islam: Historical, Social, and Political Perspectives (Berlin–Boston: De Gruyter, 2002), pp. 111–133.

إضافةً إلى النظرة العامّة المفيدة التي قدَّمها مصطفى شاه في مقدِّمته للكتاب الذي حرَّره بعنوان: Tafsīr: Interpreting the Qurʾān، وجاء الجزء الأوّل منه بعنوان: Tafsīr: Gestation and Synthesis، وقد صدَر في العام 2013 عن دار روتلدج اللندنيّة. جاءت المقدّمة في الصفحات الـ157 الأولى من الكتاب، وتلك النظرة العامّة بين صفحتَيْ 51- 53.

ومؤخّرًا قدَّم مارتن نغوين ملخّصًا للأعمال التي تتناول مبادئ التأويل، في دراسة له بعنوان: Sunnī Hermeneutical Literatureوجاءت في كتاب أكسفورد للدراسات القرآنيّة:

Mustafa Shah and Muhammad Abdel Haleem (eds.), The Oxford Handbook of Qurʾanic Studies (Oxford: Oxford University Press, 2020), pp. 832–847, at pp. 843–844.

وللاطّلاع على نقاش حول مبادئ وقواعد التفسير في سياق التأويل الداخليّ للقرآن [تفسير القرآن بالقرآن]، انظر:

Sohaib S. Bhutta, ‘Intra-Qurʾanic Hermeneutics: Theories and Methods in Tafsir of the Qurʾan through the Qurʾan’ (Unpublished PhD thesis: SOAS University of London, 2018), pp. 24–29.

[9] محمّد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (30 مجلَّدًا، تونس: الدار التونسيّة للنشر، 1984)، المجلَّد 1، ص13.

وإضافة إلى هذا، ربّما لا يُبعد المرءُ كثيرًا إن قال إنّ «القانون الكُلّيّ في التأويل» لدى الإمام أبي حامد الغزاليّ (ت. 505هـ/ 1111م) يشبه من بعض الجوانب مفهومَ قواعد التفسير. حول هذا القانون، انظر:

Frank Griffel, Al-Ghazālī at His Most Rationalist: The Universal Rule for Allegorically Interpreting Revelation (al-Qānūn al-kullī fī l-taʾwīl)’, in Georges Tamer (ed.), Islam and Rationality: The Impact of al-Ghazālī, Papers Collected on His 900th Anniversary Vol. 1 (Leiden: Brill, 2015), pp. 89–120.

[10] في هذا السياق، كتَبَت كارين باور (Karen Bauer)، تقول: «مع أنّ كلًّا من التفسير والفقه عِلْمَان منفصلان، لكن ليس من غير المنطقيّ افتراضُ أنّ النظريّات الفقهيّة ونظريّات التفسير قد تطوّرت وَفق أساليب متشابهة، أو أنّ مؤلِّفيها يتشاركون بعضَ الاهتمامات». جاء هذا في الصفحة 21 من كتابها: التراتُبيّة الجنسانيّة في القرآن: تفسيرات من العصور الوسطى وردود من العصر الحديث.

Karen Bauer, Gender Hierarchy in the Qurʾan: Medieval Interpretations, Modern Responses (Cambridge: Cambridge University Press, 2015).

وقد ناقَشَ هذا التلقيحَ المتبادَل، بالتفصيل، فهد الوَهبيّ في كتابهالمسائل المشتركة بين علوم القرآن وأصول الفقه، وأثرها في التفسير، الصادر عن مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، في العام 2015م.

[11] ناقَش بهنام صادقي إمكانيّةَ استخلاص مبادئ التأويل تجريبيًّا من القانون الوضعيّ. انظر:

Behnam Sadeghi, The Logic of Law Making in Islam: Women and Prayer in the Legal Tradition (Cambridge: Cambridge University Press, 2013), p. 27.

[12] Roland Meynet, Treatise on Biblical Rhetoric, tr. Leo Arnold, with Biblical texts tr. Rubianto Solichin and Llane B. Briese (Leiden: Brill, 2012), p. 403.

[13] وهو تعبير استقيته من هنا:

E.D. Hirsch, Validity in Interpretation (New Haven–London: Yale University Press, 1967), p. x.

«اللحظة الإلهيّة لحظة غير منهجيّة، بدهيّة، وعاطفيّة؛ أيْ أنّها تخمين وتقدير خياليّ مبتكَر، لا يمكن أن ينطلق شيء بدونه». ولكن هذه هي البداية فحسب؛ فلا بدّ أن يُعقِب هذه اللحظة لحظةٌ ثانية تُخضعها «إلى (معيارٍ فكريٍّ عالٍ)، من خلال اختبارها أمام جميع المعارف المتاحة ذات الصلة». وربّما كان هذا ما نتوقّعه من الرازي أيضًا. ومن المقترَح أيضًا التأكيد على عامل آخر ذي صلة ذي تأثير على عمليّة التفسير؛ فقد كتب طلال أسد في هذا السياق، في كتابه: ترجمات علمانيّة، فقال: «لا يتمّ تحديد المعاني القرآنيّة بصورة آليّة عبر معايير منطقيّة ومعجميّة أو حتّى عبر السياق الاجتماعيّ. فتقوى الله، باعتبارها خشية ورهبة، ...ليست مجرّد أمر إلهيّ؛ وإنّما تُعتبَر مسلَّمة ضروريّة للوصول إلى معاني القرآن». انظر:

Talal Asad, Secular Translations: Nation-State, Modern Self, and Calculative Reason (New York: Columbia University Press), p. 76.

وقد ترجمه: د/ حجّاج أبو جبر، ونشرته الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر.

[14] فخر الدين الرازيّ، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، (32 مجلَّدًا، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1981م)، المجلّد 7، ص88.

[15] الرازيّ، التفسير الكبير، المجلّد 7، ص228.

[16] الرازيّ، التفسير الكبير، المجلّد 17، ص72.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))