القراءات الحداثية للقرآن
(3-1)

ضيف الحوار : محمد كنفودي
يدور هذا الحوار مع أ/ كنفودي حول القراءات الحداثية للقرآن؛ وفي هذا الجزء الأول من الحوار يدور الحديث حول محددات القراءات الحداثية، وأهدافها، ومناهجها، وتلك النواظم المشتركة بينها، كما يتناول صلتها بالتراث التفسيري وموقع مقولة القطيعة المعرفية منها.

مقدمة:

  في نفس سياق اهتمام موقع تفسير بإثارة النقاش حول الدراسات المعاصرة للنصّ القرآني على تنوّعها واختلافها من حيث المنطلقات والأهداف والمناهج، بغية التعرّف على شتّى أبعاد المنتج المعاصر حول القرآن ودراسة سياقاته من أجل تحرير التقييم المنهجي له وتتبّع التطوّر المنهجي في حقل دراسات القرآن، قام فريق الموقع بعقد هذا الحوار مع الأستاذ/ محمد كنفودي، وهو صاحب اهتمام واسع بالدراسات الحداثية والمعاصرة، وله فيها بعض النتاج الذي صدر على موقع تفسير.

وينتظم هذا الحوار ثلاثة محاور رئيسة هي؛ الأول: المحددات الرئيسة للقراءات الحداثية، وسياق نشأتها وأهدافها وبنائها المنهجي. والثاني: أهم الأفكار المنبثقة عن الاشتغال الحداثي على النصّ. والثالث: انتقاد طه عبد الرحمن للقراءات الحداثية وتقديمه القراءة الائتمانية كبديل.

في هذا الجزء الأول من الحوار يدور الحديث حول المحور الأول، فيتناول فيه الأستاذ/ محمد كنفودي المحدّدات التي يراها أساسية في تحديد مصطلح القراءات الحداثية، وأهداف هذه القراءات، والمناهج التي تستخدمها، وتلك النواظم المشتركة بينها، كما يتناول صلتها بالتراث التفسيري وموقع مقولة (القطيعة المطلقة) في البناء المنهجي لهذه القراءات.

وفيما يلي نص الحوار:

نص الحوار

المحور الأول: القراءات الحداثية؛ المفهوم والمحددات، والصلة بالتراث:

س1: لكم اهتمام كبير بالقراءات الحداثية للقرآن وكتبتم الكثير من المقالات حولها، وقد نُشِر بعضها على موقع تفسير، وبالطبع تُدرِكون أكثر منّا هذا الاختلاف الواقع بين الباحثين في تحديد دلالة مصطلح القراءة الحداثية وحدود تلك القراءات التي يمكن تصنيفها تحت هذا الاصطلاح. مِن خلال اشتغالكم التطبيقي على نتاج هذه القراءات، في رؤيتكم، ما الدلالةُ الدقيقة لهذا الاصطلاح؟ والمحدداتُ التي تجمع هذا النتاج المنضوي تحته؟

أ/ محمد كنفودي:

بدأ اشتغالي بالبحث في موضوع (القراءات الحداثية للقرآن الحكيم في الفكر العربي والإسلامي) منذ عقدين من الزمن[1]، على صورة (كتُب) و(مقالات) و(محاضرات)[2]، وكانت نتيجة ومخض النظر في المتون الفكرية المتعلقة بالموضوع، عبارة عن (جملة محددات منهجية ومعرفية)، أهمها:

أولًا: (تنوع الإطلاق المفاهيمي) وصفًا وتحديدًا؛ بحيث إنّ محمد أركون يسمى هذا (النظر الجديد) في السياق المعاصر بـ(القراءة الحداثية)[3]، ومحمد عابد الجابري يسميه بـ(القراءة الجديدة)، أو (الفهم الجديد)[4]، ومحمد شحرور يسمه بـ(القراءة المعاصرة)، وأبو يعرب المرزوقي يصفه بـ(التفسير الفلسفي)[5]، وطه عبد الرحمن يطلق عليه (القراءة الحداثية-الائتمانية) وهكذا[6]. والناظم لها جمعًا، (إعادة النظر من جديد) في آيات نصّ وحي القرآن لـ(تجديد الصلة به) وتحديد معانيه فهمًا أو قراءةً أو تفسيرًا، بغضّ النظر عن كلّ ما ورد فيها من تفاسير؛ (تأسيسية) تراثية كانت أو (تجديدية) أو غيرهما[7].

ثانيًا: (تثوير النصّ القرآني) من خلال (إثراء المضامين)؛ إيمانية كانت أو معرفية أو أخلاقية أو حكمية ونحوها، بحيث يتغيَّا (البحث الجديد) في النصّ القرآني الاجتهاد في سبيل استنباط جملة معانٍ جديدة من النصّ المقروء، خفيت أو مُنعت أو غابت أو غُـيِّـبَت عن النظر التفسيري التراثي، أو كانت فوق الطور العقلي يومئذ ونحو ذلك[8].

ثالثًا: التلازم بين النظر الجديد ومقتضاه؛ بحيث إنّ الأصل الناظم له ما يسمى بـ(القطيعة) في بُعدها المنهجي مع (الاجتهاد التراثي العربي الإسلامي)، وخصوصًا (التفسيري) منه. إلا أنّ الاحتكام إلى هذا الأصل المنهجي يختلف من قارئ لآخر باعتبار الحدّة والصرامة، وذلك راجع إلى عدّة أسباب متعلقة أساسًا بالمنهج والظرف؛ فمثلًا (قطيعة) محمد أركون تختلف عن (قطيعة) محمد عابد الجابري، و(قطيعة) الجابري تختلف عن (قطيعة) محمد شحرور، و(قطيعة) محمد شحرور تختلف عن (قطيعة) أبي يعرب المرزوقي، وكذا عن (قطيعة) طه عبد الرحمن وهكذا[9].

رابعًا: اختلاف عدد الآيات القرآنية التي جدّد النظر فيها؛ بحيث إنّ (النظر الجديد) لمحمد أركون ومحمد شحرور وأبي يعرب المرزوقي وطه عبد الرحمن ونصر حامد أبو زيد وعدنان الرفاعي وغيرهم، لم يتجاوز آيات قليلة العدد، إِذْ إنّ الهمّ الاجتهادي كان منصبًّا بالأساس على وضع منهج لـ(النظر الجديد)؛ لذا كانت تلك الآيات بمثابة الأمثلة، باستثناء (النظر الجديد) لمحمد عابد الجابري الذي عَمّ آيات القرآن كلّه.

خامسًا: تفاوت العمق في النظر الاجتهادي؛ سواء على مستوى تأصيل مقومات منهج النظر أو تنزيله، بحيث إنّ محمد أركون طغى عليه الهمّ المبالغ فيه لتوظيف كلّ ما ظفر به في فضاء الفكر الحداثي الغربي. وأمّا محمد عابد الجابري، فإن اجتهاده بسيط للغاية؛ إِذْ عمل فيه على استعادة وتجميع ما تناثر في كتبه المتعلقة بنظريته التراثية التي سماها بـ(نقد العقل العربي)، أو جملة منقولات تراثية غير موثقة في الغالب، فضلًا عن أن تفسيره كأنه موجَّه إلى فئة تعليمية محدّدة، وليس إلى الأنظار العالية للمختصين. هذا عكس النظر الاجتهادي الطهائي، الذي اتّسم بعمق ملاحظ للناظر، ذي أبعاد متعدّدة، منها: البُعد الفلسفي، البعد اللغوي، البعد المنطقي، البعد الإيماني، البعد الأخلاقي، وقس عليه اجتهاد أبي يعرب المرزوقي.

سادسًا: استطاعت هذه (القراءات الحداثية) أن توطّن البحث في موضوع من أهم مواضيع الدراسات القرآنية المعاصرة؛ اعتمادًا على جملة تعليلات ليكون بالتّبع للنصّ القرآني راهنيته الدائمة، ولا راهنية بدون تحريكٍ للوجود للقيام بـ(الوظيفة الشهودية على الناس) كما كان الحال مع المرحلة الأولى بعد نزول القرآن، وذلك متوقف على (تجديد النظر) أو (استئنافه من جديد).

سابعًا: التوسّل بما استجدّ من مناهج ومفاهيم وآليات متعلقة بتحليل النصّ اللغوي؛ كالنص الديني/القرآني بوصفه -أولًا وقبل أيّ أمرٍ آخر- بِنية لغوية ذات علاقات ألسنية وسميائية، من هذا الحيث تنوّعت العدّة المنهجية المتوسل بها لـ(قراءة القرآن)، فعدّة محمد أركون ليست كعدّة محمد عابد الجابري، وعدة الجابري ليست كعدّة أبي يعرب المرزوقي، وعدّة المرزوقي ليست كعدّة طه عبد الرحمن وهكذا. والعدّة المنهجية هي بين محددات ثلاثة: إمّا النقل الجاهز عن الفضاء الفكري الحداثي الغربي[10]، وإما الاعتماد على بعض الأدوات المنهجية التراثية وإصلاح بعضها الآخر[11]، وإما الإنشاء الجديد لجملة من الأدوات المنهجية[12].

ثامنًا: إنّ الناظر في فضاء (القراءات الحداثية للقرآن) يجد أن أغلب أهلها خارج عن اختصاص ما يسمَّى بأهل (العلوم الشرعية) بالمعنى التراثي؛ وإنما هم من اختصاصات أخرى: فمن العلوم تجد قراءة محمد شحرور وعدنان الرفاعي وعلي منصور كيالي، ومن الفكر الفلسفي تجد أبا يعرب المرزوقي ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد، ومن المنطق تجد طه عبد الرحمن. والعلّة في ذلك كما يحدّدها باحث معاصر: أن عموم (المدرسة التراثية) تجدها أمْيَل إلى (ثبات المعنى) في النظر إلى النصّ القرآني، أمّا أهل (المدرسة المعاصرة)، فهم أميَل إلى (تغيُّر أو تطور المعنى بتغير وتطور الزمن)[13].

تاسعًا: يكاد يكون المشترك بين أهل (القراءات الحداثية للقرآن) على المستوى المنهجي، التعويل على (النظر العقلي المجرد)؛ أو قُل: (التأويل العقلي الصِّرف)، بحيث إذا كان (التفسير التراثي) يغلب عليه الاعتماد على (النقل)؛ خصوصًا نقل السنة النبوية، ونقل أقوال الصحابة، ونقل أقوال التابعين وعموم المجتهدين، فضلًا عن المنقول السابق على نزول القرآن المتمثل في معهود (أهل الكتاب) ونحوه -فإنّ هذا ما تتجرد عنه متون (القراءات الحداثية)، ويمكن أن نَعُدّ هذا نوعًا من (القطيعة الصامتة) أو (الضمنية). الأمر الذي أفرز اختلافًا في النظر إلى آيات النصّ القرآني، بل إنّ كثيرًا من أهلها لم يكتفوا بعدم الاعتماد على نصوص السنة النبوية مثلًا، بل عمدوا إلى نقدها، بل إلى رفضها وعدم الاعتماد عليها بتعليلات مختلفة فيما بينهم، كما هو الشأن بالنسبة لمحمد شحرور ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري وأبي يعرب المرزوقي[14].

عاشرًا: يلاحظ أن الفكر الإسلامي في عمومه ما يزال يتوجّس خيفة من (القراءات الحداثية للقرآن)؛ ويترجم توجسه هذا بشعارات وأفعال مختلفة: إمّا بالنظر إلى التصورات التي ألصقت بمفهوم (الحداثة)، أو بالنظر إلى الحكم على بعض الاجتهادات المسماة (حداثية)، بناء على تطبيق واحد لم يكن صائبًا في نظره ونحو ذلك. علمًا أن أساسها المعتبر هو مواصلة (الاجتهاد المبدع)، أو قُل:(قراءة القرآن بعيون الأحياء لا بعيون الأموات)[15].

وعليه؛ فإنّ ما يمكن أن نحدّد به هذا الاصطلاح القديم الجديد[16]: (القراءة الحداثية) أو (الجديدة) أو (المعاصرة للقرآن)، هو الاجتهاد من خلال مجموعة من الأدوات المنهجية والمعرفية الجديدة، أو بمحدّدات جديدة؛ لإعادة النظر في النصّ القرآني قَصْد استنباط معاني جديدة غير معهودة أو مخالفة لمن تقدّم ممن نظر فيه، تحقيقًا لأمر (التدبر) الوارد في القرآن نصًّا[17]، وكذا تصديقًا للوصف النبوي لماهية القرآن: «هو الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرّد»[18].

س2: نستطيع اعتبار القراءات الحداثية ظاهرة ناشئة على ساحة الدراسات القرآنية، وبالتالي ككلّ ظاهرة من الظواهر لها أسباب وسياقات لنشأتها وكذلك لها رهانات تتغيّاها. في رؤيتكم، ما هذه السياقات والرهانات التي تحكم نشأة القراءات الحداثية؟

أ/ محمد كنفودي:

مفهوم (الجِدة) في مسمّى (القراءات الحداثية) في حقيقة الأمر نفسه ليس على إطلاقه ليكون وقفًا عليها لا يتعداها، وإنما مناط (الجِدة) فيها يرجع أساسًا إلى اختلاف المضامين المستنبطة من آيات القرآن عن ما هو سائد في (التفسير التراثي)، القائمة على عدّة منهجية هي بين نواظم ثلاثة كما سلف القول: ناظم (النقل الجاهز المطابق لواقع محايث)، وناظم (الإبداع الجريء المتشوّف لمنشود متعالٍ)، ناظم (الاعتماد على بعض المعهود التراثي)، و(إصلاح البعض الآخر). فإذا اختلفت المضامين المعرفية جذريًّا كان ذلك أمارة على اختلاف العدّة المنهجية كليًّا أو جزئيًّا، إنْ تنظيرًا أو تنزيلًا.

بناء على هذا الأمر يمكن القول: إنّ السياق العامّ الذي حكم نشوء (القراءات الحداثية للقرآن)، والذي يمكن التأريخ له بشكل عامٍّ بـ(مرحلة ما بعد الاستعمار)، الموافق للنصف الثاني من القرن العشرين للميلاد، يمكن تفريع القول في تفصيله إلى ما يأتي:

أولًا: تداعيات هزيمة 1967؛ بحيث إنها أثارت جملة من الإشكالات والمشكلات المعرفية الوجودية عربيًّا وإسلاميًّا، خصوصًا تلك المتعلقة بالعقل بوصفه منتجًا للمعرفة. من هذا الحيث نهَض جملة من المفكرين بإنشاء مشاريع إصلاحية للعقل نقدًا وتأسيسًا؛ كمشروع محمد أركون (نقد العقل الإسلامي)، ومشروع (نقد العقل العربي) لمحمد عابد الجابري، فضلًا عن مشروع طه عبد الرحمن وأبي يعرب المرزوقي ونصر حامد أبو زيد والطيب التيزيني وعبد الله العروي وجورج طرابيشي وغيرهم برؤى مختلفة. استنادًا إلى معاني النصّ القرآني ومراميه؛ سواء بمسلك مباشر أو غير مباشر.

ثانيًا: سيادة الهمّ المعرفي القائم على (إعادة النظر)؛ سواء تعلّق الأمر بإعادة (قراءة التراث العربي الإسلامي) أو بإعادة (قراءة النصّ القرآني)، بل بإعادة النظر في (وحدة النصّ القرآني)، كما هو الأمر عند محمد أركون والطيب التيزيني وغيرهما، بل بإعادة النظر في (أصل وحي القرآن)، كما هو الأمر عندهما وفق مناظير (جديدة)، أو قُل: (حداثية)، متوافقة مع ما استجد من معابر منهجية، هي في غالب أمرها (منقولة).

ثالثًا: تزويد العقل بعدّة منهجية للنظر؛ ذلك أنّ (المعرفة أسيرة أدواتها) كما ينصّ محمد شحرور[19]، فإذا تجددت أو استجدت الأدوات المنهجية أمكن أن تتجدّد المعرفة الإسلامية؛ لذلك اتجه بعض أهل (القراءات الحداثية) إلى (نقل) ما ظفروا به في الفضاء الحداثي الغربي، واتجه الفريق الآخر إلى (الإصلاح) و(الإنشاء).

رابعًا: هيمنة أفق التحديث والنهوض؛ بحيث إنّ مرحلة ما بعد الاستعمار كشفت بصورة صريحة مدى تغلغل الانحطاط والتخلف، خصوصًا في النظام العقلي العربي الإسلامي[20]، فاتجه النظر شطر النصّ القرآني لتحديد جملة دلالات وأحكام جديدة تساعد على ذلك، لاستئناف (الشهود الاستخلافي العربي الإسلامي) كما حدث في المرحلة الأولى، أو قُل حسب تعبير طه عبد الرحمن: (تدشين الفعل الحداثي الإسلامي الثاني)، من خلال (قراءة ثانية للنصّ القرآني تكون قادرة على توريث الطاقة الإبداعية في هذا العصر، كما أورثتها القراءة المحمدية) أو (النبوية في عصرها)، ذلك أنه «لا دخول للمسلمين إلى الحداثة، إلّا بحصول قراءة جديدة للقرآن الكريم»[21].

أما المقاصد التي ابتغت تحقيقها (القراءات الحداثية للقرآن)، فهي عديدة ومتنوعة ومختلفة من ناظر أو قارئ لآخر، ومن ذلك على وجه التمثيل:

أولًامحمد أركون تجده تغيَّا تحقيق جملة من المقاصد، منها: (تأسيس إبستمولوجية) جديدة مخالفة لما هو معهود في الموروث التفسيري التراثي، ومن صفاتها أنها (ابتكارية، تشريحية نقدية، منفتحة مفتوحة، تجاوزية متحركة، جدلية دياليكتيكية، تزامنية تاريخية، حية حرّة)، عبر التوسل بـ(القراءة الألسنية والسميائية للخطاب القرآني)[22].

ثانيًا: طه عبد الرحمن، حَكَمَت اجتهادَه مقاصدُ شتّى، منها: تحقيق اليقظة - أو (الجلوة) و(الصحوة) و(البعث)- (الفكرية للفكر الإسلامي المعاصر)، (تجديد الفكر الديني الإسلامي المعاصر)، (وضع أنموذج حداثي عربي إسلامي معاصر)، (التمكين لإنشاء تراث جديد)، التمهيد لـ(بناء روح الجواب الإسلامي الخاصّ)[23].

ثالثًا: محمد شحرور، حَكَمَت اجتهادَه أهدافٌ عديدةٌ، منها على وجه الإجمال: (إعادة تأصيل الأصول الإسلامية)؛ كمفهوم (السنة)، (الإجماع)، (القياس)، (الحاكمية). (إعادة تأصيل مفهوم الحكم الشرعي)، خصوصًا مفهوم (الحلال) و(الحرام). (إعادة تأصيل الدلالات المركزية في الوحي المنزل)؛ كمفهوم (الإسلام)، (الإيمان)، (الشهادة)[24].

رابعًا: أبو يعرب المرزوقي، تحكمَت في اجتهاده عدّةُ مقاصد، نورد منها: (إعادة تأسيس القول لمفهوم إعجاز النصّ القرآني)، (إعادة تأصيل دلالات المفاهيم الأساسية في القرآن والسنة)؛ كمفهوم (الإسلام) و(الاجتهاد) و(الجهاد) و(السُّنة) و(الوسطية)، (التأسيس لمفهوم إستراتيجية القرآن التوحيدية)[25].

وهكذا تنوعت المقاصد المبتغاة من وراء (إعادة قراءة النصّ القرآني)؛ فالمقروء واحد والمقاصد متعدّدة، وذلك راجع أولًا إلى اختلاف (المنهج) في تحقيق (قراءة النصّ القرآني)، فضلًا عن اختلاف تقدير موطن الداء الذي تعيَّن تهييئ العلاج المناسب له.

س3: تنادِي القراءات الحداثية بتطبيق المنهجيات الحديثة على النصّ من أجل تثوير معانيه. ما أبرز هذه المناهج؟ وهل تتفق فيها هذه القراءات، أم تختلف كلّ قراءة في منظورها للمنهج الأفضل في قراءة النصّ؟

 أ/ محمد كنفودي:

مفهوم (الحداثة) في رحاب المتون الفكرية لأهل (القراءات الحداثية للقرآن) على ضربين: ضرب (الحداثة المقلدة) القائمة على (النقل)، وضرب (الحداثة المبدعة) القائمة على (الاجتهاد المستقل) حسب التقسيم الطهائي[26]، وما دام أنّ نوع العلاقة بـ(الحداثة) مختلف، فذلك مؤذن باختلاف (مناهج القراءة)، والمضامين المتوصّل إليها تبعًا لذلك؛ إِذْ إنّ أهل (الحداثة المقلدة) تجدهم في عمومهم يقبلون على مناهج النظر السائدة في فضاء الفكر الغربي المعاصر، والتي اتخذت النصّ الديني مجالًا من مجالات النظر، فكان تبعًا لذلك أهل (القراءات الحداثية المقلدة)، يتبنون جملة المناهج الغربية نقلًا لتجديد إعادة النظر في آيات النصّ القرآني، ومن أهم تلك المناهج؛ (المنهج التاريخي)[27]، وهو على مستوى صرامة التفعيل -تنزيلًا في فضاء (القراءات الحداثية المقلدة)- على صورتين: (صورة صريحة)، كما هو الأمر عند محمد أركون ونصر حامد أبو زيد. وأخرى (غير صريحة)، كما هو الأمر عند محمد عابد الجابري ومحمد شحرور.

وأمّا أهل (القراءات الحداثية المبدعة)، فهم على العموم لا يأخذون بالسائد المشهور في فضاء الفكر الحداثي الغربي، إلّا من باب (النقد)[28]، كما أنهم لا يقبلون على الاجتهاد التفسيري التراثي إلّا وفق التمييز بين (الحي) و(الميت)[29]، ولكن هَمّ نظرهم الاجتهادي متَّجِه شطر الاعتداد بالاجتهاد الشخصي، وفق منهج جديد؛ سواء كان مؤصلًا استلهامًا من الاجتهاد السابق في تاريخ الفكر الإسلامي، أو كان وقفًا على المجتهد، ومِن أهمّ مَن يمثل هذا الاتجاه في النظر الجديد: أبو يعرب المرزوقي وطه عبد الرحمن؛ فالمنهج المفضّل عند أبي يعرب المرزوقي هو ما سمّاه بـ(الفرض والافتراض والاستنتاج)[30]، أمّا عند طه عبد الرحمن فهو (المنهج) أو (المنظور) أو (الأنموذج) أو (الفلسفة الائتمانية)[31].

س4: تكررون في كتاباتكم قيام هذه القراءات على ناظم القطيعة المطلقة مع التراث وأدواته المنهجية في التفسير. ما أهم تلك المساحات التي يختلف فيها روّاد هذه القراءات مع المنهجية التراثية في التفسير؟ والأدوات التي يدعون للقطيعة معها؟

 أ/ محمد كنفودي:

إنّ مفهوم (القطيعة) صار مع أهل (القراءات الحداثية) وصفًا لازمًا غير مفارق، وكأنه لا (قراءة حداثية للقرآن) بدون (قطيعة مع التراث التفسيري)، بل إنّ (قطيعة) هؤلاء ليست مع (التراث التفسيري) فحسب، بل تشمل أيضًا (قطيعة فكرية) أخرى في علاقة بعض أهل (القراءات الحداثية) ببعض؛ إذ (المتأخر) زمانيًّا لا يُولي اهتمامًا لاجتهاد مَن (تقدم) في الموضوع، ليس سبق تحقيق (الإبداع)، وإنما مجرد (السبق الزمني). وكما سلف القول، فإن (قطيعة) هؤلاء مع (التراث التفسيري) ليست من باب واحد، خصوصًا على مستوى الصرامة والحدة والكلية والجزئية وأسباب اللجوء إليها؛ فمنهم من يعتمدها بصورة صارمة صريحة كلية كشأن محمد أركون[32]، ومنهم من يعتمدها بصورة جزئية صريحة كمحمد شحرور[33]، ومنهم من يعتمدها بصورة جزئية غير صريحة في الغالب كشأن محمد عابد الجابري[34]، ومنهم من يعتمدها بصورة من صور النقد الداعي للتجاوز والتخطي كما هو الأمر عند أبي يعرب المرزوقي وطه عبد الرحمن[35]. ومناط تعلق (القطيعة)، ينصبّ أساسًا على (الأدوات المنهجية) في النظر إلى النصّ القرآني.

 إذا كانت (القطيعة) منهجيًّا علامة محددة بصورةٍ ما لاجتهاد أهل (القراءات الحداثية للقرآن)، فإنهم يقرّون تبعًا لذلك أنّ جملة من (الأدوات المنهجية التراثية) لا يصح منهجيًّا الاعتماد عليها في السياق المعاصر، بوصفها (أدوات تاريخية ميتة)، أو أنها (لا تناسب النصّ القرآني)، أو أنها (أدوات وأقفال معطلة)، أو أنها (لا توافق الزمن المعاصر) بإشكالاته ومشكلاته ونحو ذلك. ومن (الأدوات المنهجية التراثية) التي لا يصح الاعتماد عليها لأعطابها البيِّنة[36]، نمثل لذلك بما يأتي:

أولًا: يرى محمد أركون أنّ (القراءات الموروثة) بوصفها (قراءات إسقاطية) أو (اختزالية) أو (محكومة بسياج دوغمائي مغلق) ونحوها مما أطلق المتن الأركون، انعكست هذه المحددات سلبًا على قراءة أو تفسير النصّ القرآني؛ لذا فإنّ من أهم (الأدوات المنهجية) التي تعكس ذلك، (الاعتماد على التفسير الواقعي الصِّرف)، مما حول النظر التفسيري حسب محمد أركون إلى (تفسير ماضوي علموي، بل حتى مادي)؛ لأنه يرى أنّ كلّ (كلمة تعود على أمرٍ ما)، وجب تقصّيه والبحث عنه، فضلًا عن (اعتماد التفسير الموروث على دلالات المفردات القرآنية كما هي في القواميس والمعاجم المدونة في أزمنة التأويل لا في زمن النزول)، الأمر الذي غيّب الأخذ بعين الاعتبار ما سمّاه بـ(الدلالات الحافّة) أو (المحيطة) أو (ظلال) أو(آثار المعاني)، الأمر الذي أبعدها عن اعتماد (القراءة التزامنية التاريخية)، مما جعل التفسير الموروث عبارة (كومة معجمية) ليس غير، لا تنضبط بنسق فكري عقلي منطقي[37].

ثانيًا: يذكر محمد عابد الجابري أنّ اعتماد التفسير التراثي على (الولع بمرويات أسباب النزول)، و(تفسير القرآن بترتيب المصحف)، و(الاعتماد على الموروث القديم)، و(طغيان المرجعيات المذهبية)، و(الاعتماد على الناسخ والمنسوخ)، و(التوسّل بمعاني الألفاظ المعجمية لبيان دلالات الألفاظ القرآنية)، و(ذكر جميع الاحتمالات التأويلية للألفاظ والتراكيب القرآنية)، أفضى إلى (إغفال السياق النصّي القرآني)، وتقوية (المنزع الإسقاطي)، و(إفراغ النصّ من محتواه الدلالي الموضوعي)، الأمر الذي جعل النصّ القرآني (معقدًا)فهمًا وتفسيرًا، فضلًا عن إثقال هوامشه بمختلف التاريخانيات[38].

ثالثًا: يرفض طه عبد الرحمن جملة القول بـ(الترادف) الذي أحدثه الاجتهاد التراثي بين جملة من المفاهيم، مثل: (الترادف) بين العقل والنطق، فضلًا عن عطب (الفصل) بين العقل والقلب، العقل والخُلق، العقل والشرع، العقل والوحي، العقل والإيمان، الدّين والخلق ونحوها، والسبب في ذلك كلّه من المنظور الطهائي هو (التأثر بالمنقول اليوناني)[39].

رابعًا: مما لم يعتمده محمد شحرور من (الأدوات التراثية) في (القراءة المعاصرة) للنصّ القرآني، الرفض المطلق لما سمي بــ(الترادف) بين (المفردات القرآنية)، أو (التناوب) بين الحروف، فضلًا عن (الزائد) في النصّ القرآني، (زيادة فضل وحشو)، أو ما ليس مهمًّا للناس في مطلق أزمنة التكليف، بالنظر إلى (دقّة النصّ القرآني لا تقلّ عن دقّة الخلق الرباني)[40]، فضلًا عن (معهود اللسان العربي)، (مرويات أسباب النزول)، و(الناسخ والمنسوخ) ونحو ذلك، كما سلف القول في سلسلة المقالات التعريفية بـ(القراءة المعاصرة) المنشورة بمركز تفسير[41].

س5: لو حاولنا أن نلقي الضوء على تلك الأدوات البديلة التي يقدمها أعلام هذه القراءات لتكون أساسًا للمنهجيات الجديدة المقترحة في القراءة، ماذا ستكون أهم هذه الأدوات؟

أ/ محمد كنفودي:

(القراءات الحداثية للقرآن) قائمة على (منهج فردي)[42]، بغضّ النظر عن سلامته واكتماله، ومن أهمّ معالمه الكبرى (القطيعة)؛ سواء كانت (مطلقة كلية)، أو كانت (قطيعة مع الميت) من (التراث التفسيري) فقط، أو كانت عبارة عن ملمح نقدي للتصحيح والتصويب. ومن أهم (الأدوات المنهجية الحداثية) البديلة عن (الأدوات التراثية)، التي يتوسّل بها أهل (القراءات الحداثية)، والتي هي -بالنظر إلى الطابع (الفردي)- ليست واحدة في عمومها وإنما تختلف من قارئ لآخر، ومما يمكن أن نورده على سبيل التمثيل ما يأتي:

أولًا: يعتمد محمد أركون على جملة من الأدوات المنهجية الجديدة في قراءته (الحداثية) للنصّ القرآني، منها على وجه الاقتضاب: مسلك (نزع المهابة عن النصّ القرآني). النظر إلى القرآن بوصفه (نصًّا لغويًّا ماديًّا مؤلفًا من عبارات وحروف ونقاط كأيّ نصّ آخر)، لنقل (النصّ المقروء من إطار الإيمان والاعتقاد إلى إطار اللغة والتاريخ). تنويع وتعديد قراءات النصّ القرآني، كالقراءة (التاريخية التزامنية) و(الألسنية) و(السميائية) و(الأنثروبولوجية). التوسّل بـ(المنهجية التقدمية التراجعية). اعتماد (التحوّل والتغير في دلالات النصوص). اعتماد مبدأ (الطرح الإشكالي لمفهوم الوحي)، بوصفه أصل النصّ القرآني. اعتماد قاعدة (التسوية) و(التداخلية النصيّة) بين النصوص الدينية المقدّسة وغيرها[43].

ثانيًا: تقوم (القراءة الجديدة) لمحمد عابد الجابري على مجموعة من الآليات المنهجية، نورد منها اختصارًا: تفسير القرآن في ضوء (المعهود العربي الكلامي التعبيري والثقافي الحضاري)، مراعاة (خصوصية النصّ القرآني)، اعتماد (خاصية تنجيم النصّ القرآني)، فهم القرآن بعيدًا عن (حصيلة العلوم مطلقًا)، استحضار مفهوم (المعاصرة المزدوجة)، تفسير القرآن باعتبار (ترتيب النزول)[44].

ثالثًا: تقوم (القراءة الحداثية) لطه عبد الرحمن، باعتبارها (حداثة قِيَم لا حداثة زمن)، على ناظم (الاجتهاد)، شرط كونه محددًا بالمحددات الآتية: أن يكون قائمًا على (روح الحداثة) لا (واقع الحداثة)، أن يكون (موصولًا) لا (مفصولًا)، أن يكون (مستقلًّا) و(مسؤولًا)[45].

رابعًا: تنبني القراءة المعاصرة لمحمد شحرور، وكذا التفسير الفلسفي لأبي يعرب المرزوقي على جملة من الضوابط أو الأدوات المنهجية، وكنا قد بسطنا القول فيه في سلسلة المقالات المتعلقة باجتهادهما، فلا داعي لإعادته تارة أخرى، إلا أن الناظم لهما جميعًا هو الاعتماد على أدوات غير معهودة بالنظر إلى سائد التراث التفسيري.

 


[1] ذلك أنّ هذا المنحى الجديد للنظر في النصّ القرآني ليس مقتصرًا على الاجتهاد العربي الإسلامي، وإنما يشمل أيضًا غيره من الاجتهادات في فضاءات فكرية متعددة، بحسب تنوع الأقطار والبلدان، غربية كانت أو غيرها؛ سواء كان ذلك على شكل كتب ومقالات، أو ندوات ولقاءات ومحاضرات ونحوها. وهذا ما يجعل للبحث في هذا الموضوع أهمية جديرة بالنظر وقمينة بالدراسة.

[2] بعض المقالات منشورة بمركز تفسير، خصوصًا ما تعلّق بالقراءة المعاصرة لمحمد شحرور، والتفسير الفلسفي لأبي يعرب المرزوقي.

[3] الوصف (الحداثي) أو (الجديد للقراءة)، هو الغالب في المتن الأركوني -نسبة إلى أركون- وإن كان يطلق أحيانًا وصف (التفسير الجديد). الهوامل والشوامل حول الإسلام المعاصر، محمد أركون، ترجمة وتقديم: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط1، 2010، ص155.

[4] مع العلم أن الإطلاق الغالب هو الوصف الثاني. ومصطلح (الفهم)، مصطلح تراثي، عنون به المحاسبي أحد أهم كتبه المتعلقة بالدراسات القرآنية، وهو بعنوان: العقل وفهم القرآن. علمًا أن له عناوين مختلفة، حسب اجتهادات المحققين.

[5] مع العلم أن أبا يعرب المرزوقي يتردد في إطلاق هذا الوصف على اجتهاده التفسيري، علمًا أن العنوان الذي وضعه لتفسيره وسمه بــ(الجليّ في التفسير إستراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية)، وهو لا ينحصر في هذا العنوان.

[6] الكتابات الأولى لطه عبد الرحمن، كان الإطلاق الغالب على اجتهاده في قراءة النصّ القرآني هو وصف (الحداثة)، إلا أنه في كتابته الأخيرة يطلق وصف (القراءة الائتمانية). والإطلاقان متلازمان من المنظور الطهائي، ما دام أنه لا (حداثة) بدون (إبداع)، كما لا إبداع بدون (حداثة)، فهما متلازمان في الإطلاق. والمنظور الائتماني في النظر إلى النصّ القرآني إبداعي؛ بمعنى أنه جديد وليس معهودًا حسب المنظور الطهائي. فسواء سُمِّي نظره الجديد في النصّ القرآني بـ(القراءة الحداثية) أو (الائتمانية)، فالأمر سيّان.

[7] يقسم طه عبد الرحمن (القراءات التراثية) إلى قسمين: (القراءات التأسيسية)، و(القراءات التجديدية). ويطلق في مقابلها: (القراءات الحداثية) بنوعيها: (المقلدة) و(المبدعة). روح الحداثة المدخل على تأسيس الحداثة الإسلامية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2006، ص176.

[8] أو بسبب ما سماه محمد أركون بـ(مستحيل التفكير فيه/ اللامفكر فيه/ ممنوع التفكير فيه)، الذي يشمل المنسي والمتنكر له، والبتر التاريخي والظروف الانتقائية، مثل: الكيفية التي فرضت بها نسخة واحدة للقرآن. وتتضخم أو تصغر دائرة (مستحيل التفكير فيه)، إمّا بسبب محدودية النظام المعرفي وطراز العقلانية الخاصّة بالنظام الاجتماعي والثقافي الموجود، وإما بسبب الذات المتحكمة والمسيطرة، وإما بسبب أن التفكير يصل إلى منطقة ما يستعصي عليه الوصف، ولا يتسنى له التجاوز. الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص254، 255. فيكون بذلك محمد أركون قد عمل على (إعادة الاعتبار لهوامش اللامفكر فيه)، في الفكر الإسلامي الكلاسيكي كما يقول إدريس هاني. الإسلام والحداثة إحراجات العصر وضرورات تجديد الخطاب، دار الهادي، بيروت، لبنان، ط1، 2005، ص301.

[9] أشدّها صرامة (قطيعة محمد أركون)؛ إِذْ هي قائمة على الانفصال التامّ والنهائي عن الماضي الإسلامي وإنتاجاته، كنتيجة لتغير نظرة العقل/نظام الفكر، وطرق إدراكه، وتعبيره عن تأويلاته، ذلك أن النظام الفكري القديم كان يعتمد على النظرة/الفكر الأسطوري. أما اليوم فهو يعتمد على النظرة/الفكر العلمي؛ لذا تعيّن القطع معه جذريًّا. وتبقى علاقتنا به كالتفسير الموروث، أن نتخذ منه ضمن السياق الجديد استكشاف نوعية العقل والخيال المهيمن، أكثر من أن نتخذ منه مصدرًا لإفادتنا معرفة أو معنى جديدًا. من فيصل التفرقة إلى فصل المقال أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط3، 2006، ص8. الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة: هاشم صالح، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1996، ص274. الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط4، 2007، ص150.

[10] هذا هو الغالب على مسلك (القراءة الحداثية) لمحمد أركون؛ إذ الناظر في المتن الأركوني يجده طافحًا بـ(المنقول الحداثي الغربي)، بالنظر إلى كونه سعَى إلى استبدال الأدوات المنهجية المنقولة بالأدوات المنهجية المأصولة. إلا أن الاجتهاد الأركوني، كان له في المقابل نقد للمنقول الغربي، واجتهاد في التأسيس الخاصّ، ومما يدلّ على ذلك، تأسيسه وريادته لما سماه منهج (الإسلاميات التطبيقية) أو (المطبقة)، تجاوزًا لـ(الإسلاميات الكلاسيكية) أو (الإسلامولوجيا-الاستشراقية). تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص23، 57، 275. أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ص36. الفكر الأصولي واستحالة التأصيل نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، ط3، 2007، ص242.

[11] يصدق هذا على اجتهاد محمد عابد الجابري ومحمد شحرور، فضلًا عن جزئيات عديدة من اجتهاد أبي يعرب المرزوقي، خصوصًا ما يتعلق بالمداخل المنهجية المعتمدة في التفسير التراثي، كمدخل (معهود اللسان العربي)، (مرويات أسباب النزول)، (اجتهادات الناسخ والمنسوخ)، (الموروث السابق عن الإسلام)، كـ(منقولات أهل الكتاب من اليهود).

[12] يتحقق هذا في بعض اجتهادات طه عبد الرحمن وكذا اجتهادات أبي يعرب المرزوقي بصورة مختلفة فيما بينهما.

[13] الإنسان والقرآن وجهًا لوجه، أحميدة النيفر، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط1997، ص107.

[14] للتفصيل في هذا الموضوع ترقَّبْ دراستنا: السنة النبوية من منظور القراءات الحداثية للقرآن.

[15] يقول رجاء جارودي: «...وقاية الإسلام من دائه الأكبر؛ قراءة القرآن بعيون الموتى». الأصوليات المعاصرة أسبابها ومظاهرها، تعريب: خليل أحمد خليل، دار عالم ألفين، باريس، فرنسا، ط1، 1992، ص97.

[16] إنّ الناظر في تاريخ التفسير يجد أن كلّ تفسير كان في عصره تفسيرًا (عصريًّا) أو (حداثيًّا) أو (جديدًا)؛ فالناظر من باب المقارنة بين تفسير الطبري والزمخشري، أو بين تفسير الزمخشري وابن عطية، أو بين تفسير ابن عطية والألوسي، أو بين تفسير الألوسي ومحمد عبده، وبين تفسير محمد عبده والطاهر بن عاشور، أو بين تفسير الطاهر بن عاشور وجمع من المعاصرين؛ سواء باعتبار اختلاف الأمكنة أو الأزمنة، منهجيًّا ومعرفيًّا، يلاحظ الفرق جليًّا على مستوى الاجتهاد تفسيرًا وتأويلًا وقراءةً وفهمًا.

[17] تأمل الآيات الآتية الآمرة بـ(التدبّر) بوصفه نظرًا في النصّ القرآني، بالنظر إلى كونه وحدة نسقية مرتلة: [النساء: 82]، [ص: 29]، [محمد: 24]. لا يتعلق مفهوم (التدبّر) حصرًا بـ(النظر في عواقب الأمور)، حسب الشريف الجرجاني، التعريفات، دار الفكر، ط1، 1997، ص40. وإنما يتعلق بكلّ استعمال سليم للأنظار العقلية؛ سواء كان مناطه النظر في النصوص، وهذا الذي يهمنا رأسًا، أو النظر في الوقائع والمآلات دقيقة كانت أو جليلة، خفية كانت أو جلية ونحوه.

[18] سنن الإمام الترمذي، باب ما جاء في فضل القرآن، حديث رقم: 6906.

[19] الدين والسلطة قراءة معاصرة للحاكمية، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط1، 2014، ص307. الدولة والمجتمع، دار الأهالي، دمشق. سوريا، ب. ت، ص236. تجفيف منابع الإرهاب، دار الأهالي، دمشق. سوريا، ط1، 2008، ص28. الإسلام والإيمان منظومة القيم، دار الأهالي، دمشق، سوريا، ب. ت، ص88.

[20] علمًا أنّ انطلاقة المشاريع الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي، قد بدأت بوادرها مع نهاية ق19م، على يد زمرة المصلحين، منهم: محمد عبد الوهاب، جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، رشيد رضا وغيرهم، على اعتبار أن المشروع ينطلق من تغيير أو تنظيف الجهاز المفاهيمي والفكري للأمة الإسلامية مما علق به وليس منه. وقد تم اختيار أصحاب تلك المشاريع الفكرية نظرًا لعدّة اعتبارات، منها: أنهم ركزوا على الجانب الفكري الذي صاغوه في نسق؛ سواء تعلق الأمر بمقاربة قارة التراث الإسلامي، أو النصّ الشرعي، أو الوجود والفكر الإسلامي، بالإضافة إلى أن رواد تلك المشاريع الفكرية وجدوا في مرحلة ما بعد الاستعمار، وبالتبع إبّان ازدهار التثاقف الفكري، الذي سيجلي لنا كيفية استقبال فكر الآخر الوافد على الذات.

[21] روح الحداثة، ص193.

[22] قضايا في نقد العقل الديني كيف نفهم الإسلام اليوم، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط3، 2004، ص50-93-111-112، 284. أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ص60. القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط2، 2005، ص121. الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص135-234.

[23] انظر على سبيل المثال المصنفات التالية: روح الحداثة المدخل لتأسيس الحداثة الإسلامية، الحقّ الإسلامي في الاختلاف الفكري، الحقّ العربي في الاختلاف الفلسفي، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية.

[24] بعض هذه الاجتهادات تناولناها تفصيلًا في مقالات منشورة في عدّة مجلات ومواقع، منها: مركز نماء للدراسات والبحوث.

[25] بعض هذه الاجتهادات تناولناها تفصيلًا في مقالات منشورة في عدّة مجلات ومواقع، منها: مركز نماء للدراسات والبحوث.

[26] انظر: روح الحداثة، ص21 وما يليها.

[27] فضلًا عن المنهج الألسني والسميائي والأنتروبولوجي والنفسي والاجتماعي والرياضي وعموم المناهج المستجدة في الفضاء الغربي؛ فمثلًا محمد شحرور من خلال تبنّيه للمنهج (الرياضي) الحديث، أعاد قراءة آيات الإرث في النصّ القرآني، فتوصّل لطريقة مخالفة لما هو سائد في التراث العربي الإسلامي، وخصوصًا في الفقه الإسلامي، في توزيع تركات الأموات وتقدير الوصايا ونحوهما.

[28] مِن أبرز مَن يمثّل الاتجاه المخالف في النظر لاتجاه محمد أركون، تجد طه عبد الرحمن الذي يتركز اجتهاده رأسًا على نقد الفكر الحداثي الغربي، انظر على سبيل المثال مصنفاته الآتية: بؤس الدهرانية، شرود ما بعد الدهرانية، دين الحياء، سؤال الأخلاق، روح الحداثة. فضلًا عن أن النقد الطهائي موجه أيضًا إلى كثير من الاجتهادات في تاريخ الفكر الإسلامي، انظر على سبيل المثال مصنفاته الآتية: العمل الديني وتجديد العقل، سؤال العمل، روح الدين، دين الحياء.

[29] يتضمن (التراث) من المنظور الطهائي القيم (الحية) أو المعتبرة، وأيضًا (القيم الميتة) أو التي لم يَعُد المجتمع يرغب فيها أو يعمل بها أو على وفقها. والمنظور الحداثي الجديد في دراسة التراث الإسلامي العربي، يقتضي تجاوز قيم التراث (الميتة) أو الملغاة أو غير المعتبرة، ولا يتعلق التجاوز أو التخطي إطلاقًا بالمصادر الإسلامية المؤسّسة (القرآن والسنة)، بل يتعلّق حصرًا بما يتضمنها في الإنتاجات التراثية الاجتهادية. فالتراث يبقى إذًا محمولًا في الذاكرة التي فيها الحي والميت، ما دام أن التراث -كما ينصّ طه عبد الرحمن- يتضمن قيمًا ميتة لم يَعُد من الممكن اليوم إطلاقًا الدخول إلى (الحداثة) بواسطتها. حوارات من أجل المستقبل، منشورات الزمن، ط2، 2008، ص15، 16، 87. سؤال المنهج في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد، إبداع، بيروت، لبنان، ط1، 2015، ص43. ولم يمثل طه عبد الرحمن للقيم الميتة تحديدًا، الأمر الذي يجعل من تحديداته تجريدية.

[30] سبق الحديث عن هذا المنهج لأبي يعرب المرزوقي، في سسلة المقالات التعريفية بالتفسير الفلسفي لأبي يعرب المرزوقي، المنشورة على موقع تفسير، في ستّ مقالات متتالية.

[31] إنّ الناظم الكلي للمنظور الفلسفي الذي يؤسسه المتن الطهائي -باقتضاب شديد- هو أنه أخلاقي باعتبار الأصل الأول المصدّر في الاعتبار، والذي يمتحُ إمكاناته الأخلاقية من النصّ الشرعي المؤسّس، فهو بالتّبع عبارة عن (فلسفة أخلاقية إسلامية خالصة بحقّ)؛ لذلك تجد أن (الفلسفة الائتمانية) قائمة في الأصل على خُلق أو قيمة (الأمانة) ومبدأ (الائتمان) بـ(شرط الاختيار)، فهي من هذا الحيث ذات وجهين: (تعبدي) و(تدبيري)، أو قُل جمعًا: (التعبّد التّدبيري)؛ ذلك أن (الأمانة) من المنظور الطهائي لها وجهان يختلفان باختلاف النظر إليها، فإذا تم النظر إليها من حيث تعلقها بـ(العالم الغيبي)، الذي طوره هو فوق طور العقل المجرد، سميت (تعبّدًا)، وإذا تم النظر إليها من حيث تعلقها بـ(العالم المرئي)، الذي طوره هو طور العقل المستقل، سميت (تدبيرًا)، فهي بهذا الاعتبار النظري، تفيد أن الإنسان تحمّل حفظ الأحكام الإلهية لا في ظواهرها كأوامر فحسب، وإنما في بواطنها كشواهد أيضًا، سعيًا نحو توسيع الوجود إلى أقصى مدى ممكن حسب الجهد المبذول المتواصل اجتهادًا وجهادًا. فكانت (الفلسفة الائتمانية) بهذا الحَيث عبارة عن النظر الذي يختص بالبحث والتفكير في الأصول والمبادئ العامة التي تنبني عليها القيم الأخلاقية المنطوية في الأحكام الشرعية النصية المؤسسة لها، اشرئبابًا نحو أفق الشاهدية الإلهية وائتمانية القيم الأخلاقية. وقد أطلق عليها طه عبد الرحمن اسم (النظرية الائتمانية)، باعتبار المبدأ الذي تنبني عليه، وهو (مبدأ الائتمان)، وهو عبارة عن علاقة بالأشياء تضاد علاقة (النسبة) أو (الإضافة)، أو علاقة (الامتلاك) و(التملك)؛ ذلك أنّ العلاقة بالأشياء من المنظور الائتماني ذات طبيعة (روحية) أخلاقية مجردة، تقوم على ناظم إضافة الشيء إلى مالكه الحقيقي -سبحانه- استخلافًا، أمّا العلاقة بها من المنظور النسبي أو الامتلاكي، فهو ذات طبيعة (نفسية) مادية محايثة تقوم على ناظم إضافة الشيء إلى الذات تملكًا وحيازة؛ بناء على أن مفهوم (النفس) غير مفهوم (الروح) في المتن الطهائي. وينبني هذا التمييز بينهما من المنظور الطهائي أيضًا وفق تسمية أو اصطلاح آخر، وهو أن خُلق (الائتمان) غير خُلق (الاحتياز). في سياق التأصيل الشرعي لـ(الفلسفة الائتمانية) بوصفها فلسفة إنسانية وجودية عملية مؤيدة، بيّن طه عبد الرحمن أنها تتأسس على مفهوم (الأمانة) الوارد في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب: 72]، ذلك أن (ميثاق) أو (مبدأ الائتمان) حسب منطوق النصّ القرآني، يكون به الإنسان قد حمَل (الأمانة) باختياره، وأُخذ منه (الميثاق) على ذلك تصريحًا. وتحديد معنى (الأمانة) في النص القرآني يقوم على ضابطين منهجيين؛ أولهما: أن يكون المعنى المعطى لها قريبًا من المعنى اللغوي، فهو بذلك: (الشيء الذي يؤتمن المرء على حفظه، فلا يحقّ له أن يحوزه متصرفًا فيه)، فيكون بالتبع للأمانة ضدان، هما: (الخيانة) و(الحيازة). ثانيهما: أن ينبني المعنى المعطى لها على نصّ قرآني، وهو في هذا السياق قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56]، فتحمل (الأمانة) على معنى (العبادة) بالمعنى الواسع، التي خُلِق من أجلها الإنسان في (العالم المرئي) أو في (عالم المُلك). بناء على هذين الضابطين يمكن تعريف معنى (الأمانة) بكونها هي (العبادة التي يأتيها الإنسان باختياره، ولا يدّعي حيازتها لنفسه)، أو هي على وجه التفصيل عبارة عن (عبادة الله تعالى التي ينهض بها الإنسان في كلّ أعماله بمحض إرادته، ولا ينسب منها شيئًا إلى ذاته)، أو هي بتعبير آخر (العبادة التي تسع كلّ الأعمال عن اختيار، والتي لا حيازة معها). و(العبادة) التي تعهّد الإنسان أن يقوم بها بكليته اختيارًا دون نسبة إلى نفسه، هي (العبادة الحقيّة) التي توجب (إيفاء الحقوق في كلّ شيء)، فتكون (الأمانة) هي (العبادة)، و(العبادة) هي (حفظ القيم الأخلاقية) التي تنطوي عليها الأحكام الشرعية النصية. بؤس الدهرانية النقد الائتماني لفصل الدين عن الأخلاق، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2014، ص19، 93. دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني، إبداع، بيروت، لبنان، ط1، 2017، ج1، ص13، 21. من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، إبداع، بيروت، لبنان، ط1، 2016، ص96. روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2012، ص449، 450. شرود ما بعد الدهرانية النقد الائتماني للخروج من الأخلاق، إبداع، بيروت، لبنان، ط1، 2016، ص21، 27.

[32] بالنظر إلى كون (القطيعة التامّة) أو (المطلقة) مع كلّ الإنتاج الفكري القروسطي -حسب المتن الأركوني- تُعَدّ (طاقة تهديمية تنشط الفكر الإسلامي) وتحفزه على (التفكير في مستحيل التفكير فيه وقتئذ). الإسلام والأنسنة، ص154. الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص88.

[33] تم الحديث عن بعض اجتهادات محمد شحرور المتعلقة بهذا الباب منهجيًّا ومعرفيًّا، في سلسلة المقالات المتعلقة بالتعريف بـ(القراءة المعاصرة)، وهي منشورة في موقع مركز تفسير ومركز نماء للبحوث والدراسات وغيرهما.

[34] النظر الجابري بقدر ما يعتمد على التراث التفسيري منهجيًّا ومعرفيًّا، ينفصل عنه؛ فهو مثلًا يعتمد مرويات أسباب النزول لإعادة ترتيب آيات النصّ القرآني، على الرغم مما تطرحه من إشكالات منهجية، فهو ينفصل عنه لما يقدم معاني للنص القرآني، لا تقتضيها مرويات معهود أسباب النزول، وكذا المعهود الثقافي العربي.

[35] لا يكاد الناظر يجد في المتن الطهائي ما يدلّ على التعبير عن (القطيعة مع التراث)، باستثناء النقد الموجّه لبعض الاجتهادات التراثية، بل هو شديد لأهلها. أما قطيعة أبي يعرب المرزوقي فهي أيضًا من باب النقد، إِذْ لما يكشف النقد عن مواطن الخلل والقصور فالقطيعة حتمية، وقد حدّد المرزوقي جملة من أعطاب النظر التفسيري التراثي، كما سلف القول في سلسلة المقالات المتعلقة بالتفسير الفلسفي لأبي يعرب المرزوقي، والتي نشرت في موقع مركز تفسير.

[36] مجمل أهل القراءات الحداثية تناولوا بالنقد مختلف الأدوات المنهجية للتفسير التراثي، خصوصًا المداخل المنهجية الكبرى، كـ(معهود اللسان العربي) وما يتعلق به، (أسباب النزول)، (الناسخ والمنسوخ)، (معهود أهل الكتاب)، (النقول والمرويات) ونحوها، فضلًا عن العدة المنهجية التي أسسها (علم أصول الفقه).

[37] القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص32، 161، 163. الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ص22.

[38] فهم القرآن الحكيم التفسير الواضح حسب ترتيب النزول، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، ط2008، ج1، ص63، 156. ج2، ص18، 131، 132، 165، 231، 232. ج3، ص93-110، 167. مدخل إلى القرآن الكريم في التعريف بالقرآن، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، ط2006، ج1، ص47، 194، 230.

[39] للتفصيل انظر: سؤال العمل بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم. سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية. يكاد طه عبد الرحمن يعلق مختلف اختلالات وأعطاب النظر في النصّ القرآني في التراث الإسلامي على الولع بالمنقول اليوناني، نظير ما رهن به مختلف مآزق ومزالق الفكر الإسلامي المعاصر بسبب الفكر الحداثي الغربي المنقول.

[40] تجفيف منابع الإرهاب، ص31، 32. السنة الرسولية والسنة النبوية رؤية جديدة، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط1، 2012، ص88. الإسلام والإيمان، ص48. الدولة والمجتمع، ص38.

[41] يمكن الإطلاع على سلسة المقالات للكاتب حول نتاج شحرور على الرابط التالي: tafsir.net/tag/محمد%20شحرور.

[42] من أهم ما تناوله الاجتهاد اليعربي، تجد ما سماه بـ(الاجتهاد الإجماعي المؤسّسي)؛ سواء في بُعْده التشريعي أو في أبعاده المختلفة الأخرى، وقد اعتبره أبو يعرب المرزوقي خاصًّا بالإسلام، لكونه يختلف اختلافًا بيِّنًا عن ما يسمى بـ(السلطان الروحي المقدّس المطلق) للأفراد، الذي جاء بمحاربته، وتثبيت سلطان (الاجتهاد الإجماعي الجماعي المؤسّسي) للأمة كلّها، دون حِيَل شيطانية مغرية، أو قوة استبدادية عمياء. يتميز (سلطان الاجتهاد الإجماعي الجماعي المؤسسي) تشريعيًّا كان أو غيره من منظور أبي يعرب المرزوقي بجملة محدّدات منهجية ومعرفية، نذكر من بينها ما يأتي: أ- إنّ (الاجتهاد التشريعي) في علاقة المتأخر بالمتقدم على مستوى الزمن، يمكن أن ينبني عليه -تطويرًا وترقِّيًا- أو ينسخه -تجاوزًا وتخطِّيًا- بالنظر إلى تراكم التجارب والخبرات والنضوج العلمي والمعرفي والمنهجي للقائمين به، مهما كانت سلطته، فلا يمكن أن ينسخ أو يتجاوز النصّ الشرعي دلالةً وحكمًا، ما دام أن الشرط الوحيد لنسخ النصّ الشرعي هو النبوّة اللاحقة. فإذا كان خاتمًا شأن النصّ الشرعي الإسلامي، بات مستحيلًا أن ينسخ أبد الدّهر. ب- إن (الاجتهاد) ببُعديه: النظري (في المعرفة الطبيعية)، والعملي (في المعرفة الشرعية)، يُعَدّ ضربًا من النظر شرعه الإسلام لتجاوز (السلطان الروحي المطلق المعصوم) للأفراد؛ سواء المتمثل في الحلّ (الحلولي الديني)، أو في الحلّ (الحلولي الفلسفي) نظريًّا، أو في الوجود الفعلي؛ بمعنى (سلطان القوة العمياء)، التي يصدر عنها قانون الظاهر وقانون الباطن عمليًّا. ج- إنّ (الاجتهاد) بالمعنى السالف الذّكر، يعدُّ الأساس الذي يقوم عليه ناظم (الاستخلاف الشهودي الكوني)، الثابت في الإسلام لكلّ إنسان ما دام أنه إنسان، فضلًا عن أنه يعدُّ أساس ما سماه بـ(الديموقراطية في الإسلامأيضًا. إنّ كلّ ما حقّقه الاجتهاد تشريعيًّا كان أو غيره يعدُّ من باب الحقائق الإجماعية النسبية الإمكانية المتجاوزة، ولا يعدُّ إطلاقًا من باب الحقائق المطلقة المتعالية. فضلًا عن أن ما لم يتحقق حوله أيّ اجتهاد إجماعي لا يعدُّ من باب الخطأ المطلق، بالنظر إلى أن الوجود بنوعيه يتضمن دومًا غيبًّا، الذي من المستحيل أو الممتنع أن يحصل التطابق بين الاجتهاد وموضوعه بنوعيه، الوجود النصي والوجود الخلقي. د- إن (الاجتهاد الإجماعي) بقدر كونه شموليًّا، يعدُّ أيضًا بابًا مشرعًا لا يغلق ولا يتوقف أبدًا؛ فأما كونه شموليًّا، فهو يتعلق بمختلف مجالات حياة الإنسان فردًا وجمْعًا، خصوصًا لما يتعلق الأمر بقضايا الشأن العامّ. وأما كونه مفتوحًا لا يغلق أبدًا، فبالنظر إلى أن المستجدات -خصوصًا على مستوى الشأن العامّ- سيل جارف غير متوقف أو لا حدّ لها. بناء على ما تقدّم يمكن القول: إنّ من أولى الضرورات الوجودية اليوم التي يتعيّن تأسيسها من قِبل المسلمين أكثر من أيّ وقت مضى، ما سماه أبو يعرب المرزوقي بـ(سلطان الاجتهاد الجماعي الإجماعي المؤسّسي)، الذي يعدُّ المؤسّسة الوحيدة التي يستند إليها العلم الحقيقي في المجال الطبيعي والشرعي معًا، الذي أسّسه الإسلام بديلًا عن السلطان الروحي المعصوم المطلق للأفراد. فلم يبقَ بعد (الإسلام الخاتم) إلا واحد من مصدرين يمكن أن يستند إليهما الإنسان في النظر والعمل؛ الأول: الاجتهاد العقلي الشخصي. الثاني: الإجماع اللامقصود في العرف. والاجتهاد الأول لا يكون إلّا ذاتيًّا، فيخلو أو يتجرد عن الموضوعية التي تؤهله لإدراك الحقيقة الممكنة للإنسان. والاجتهاد الثاني لا يكون إلّا واعيًا، فيخلو من التعليل والتفكير المتروِّي الذي يؤهله للاجتهاد العقلي. فالجمع بينهما يجعل الأول أقلّ ذاتية، والثاني أقل وعيًا، فيتحول الفكر الإنساني مستندًا إلى الأساس الوحيد الممكن له، ذلك هو (اتفاق المجتهدين في مجالٍ ما من مجالات البحث والمعرفة في النظر والعمل). و(الإجماع الاجتهادي الجماعي المؤسّسي) في هذا السياق، يشترط أن يتقدم عليه الاجتهاد مع تعدد الأطراف المجتهدة واختلافها، وهو يفترض في باب (الاجتهاد) أن يكون مفتوحًا حتى بعد حصول أو تحقق (الإجماع الاجتهادي المؤسّسي)، وإلّا كان الأول الحاصل نهاية كلّ اجتهاد، وذلك يعود على أصله المؤسّس له بالتعطيل أو الإبطال المطلق. بعد تحقق المنظور النظري لمفهوم أو (سلطان الاجتهاد الإجماعي الجماعي المؤسسي)، يبقى الجهد منصبًّا على طرق تحقيقه والتعبير عنه وجوديًّا، أو قُل: تحقيق مناطه فعليًّا، وصور تحقيق ذلك متطورة أو متغيرة وليست ثابتة أو ساكنة، وذلك يعدُّ من أهم مهمّات مؤسسات الدولة. إِذْ مفهوم الدولة على المستوى النظري والعملي معًا، لا معنى له بدون مؤسّسات فعلية قائمة مستقلة. وعليه؛ فإنّ ما أراد أن يخلص إليه أبو يعرب المرزوقي، التنبيه إلى ضرورة الانتقال بناظم (الاجتهاد) من (مقام الاجتهاد الفردي الزائل بزوال المجتهد)، إلى (مقام الاجتهاد المؤسسي الدائم بدوام منهج التأسيس المؤسسي)، باعتبار أن فعاليته الحية المؤثرة الشاهدة، تعمّ مختلف مجالات حياة الوجود الإنساني. شروط نهضة العرب والمسلمين، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1، 2001، ص195، 213، 214، 222، 223. وحدة الفكرين الديني والفلسفي، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1، 2001، ص94. أشياء من النقد والترجمة، جداول، بيروت، لبنان، ط1، 2012، ص151. فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، دار الهادي، بيروت، لبنان، ط1، 2006، ص26، 27. الجلي في التفسير، ج1، ص32، 48، 253. تحديات وفرص، دار فرقد، دمشق، سوريا، ط1، 2008، ص167.

[43] الهوامل والشوامل، ص115، 159. تحرير الوعي الإسلامي نحو الخروج من السياجات الدوغمائية المغلقة، ترجمة وتقديم: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط1، 2011، ص224. قضايا في نقد العقل الديني، ص10. الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص19، 33، 164، 221، 234. الإسلام والأنسنة مدخل تاريخي نقدي، ترجمة وتقديم: محمود عزب، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط1، 2010، ص181.

[44] فهم القرآن الحكيم، ج1، ص28، 112، 153، 158. ج2، ص304. ج3، ص37، 166. مدخل إلى القرآن الكريم، ص14.

[45] روح الحداثة، ص35، 68، 143، 144، 267. الحوار أفقًا للفكر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2013، ص82. سؤال العمل، ص45، 48. فقه الفلسفة، ج1، الفلسفة والترجمة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط3، 2008، ص32، 51، 52. الحقّ العربي في الاختلاف الفلسفي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط2، 2006، ص17، 18.

ضيف الحوار :

محمد كنفودي

باحث مغربي حاصلٌ على إجازة في الدراسات الإسلامية، درجة الماجستير في فقه المهجر أصوله وقضاياه وتطبيقاته المعاصرة، وله عدد من المؤلفات العلمية والمقالات المنشورة في مجلات ودوريات ومراكز بحثية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))