التعريف بكتاب: "دليل الرسائل والأطروحات الجامعية بالمغرب في مجال الدراسات القرآنية"
مدخل:
هذا الكتاب «دليل الرسائل والأطروحات الجامعية بالمغرب في مجال الدراسات القرآنية، مع ما أنجز حول موضوعاتها في الجامعات العربية - جرد ببليوغرافي وتصنيف موضوعي وتقييم» من إصدارات مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، طباعة دار الأمان، سنة: 1438هـ/2018م، بالرباط، المغرب. وهو أحد الجهود الإحصائية، والتي تعد خطوة مهمّة لرصد واقع الدرس القرآني قطريًّا وعربيًّا، يتجاوز مجرد الإحصاء الميكانيكي الخدماتي إلى إحصاء وظيفي؛ يقدّم مؤشرات منهجية مهمّة، وذلك لحضور التصنيف المعرفي والموضوعاتي للرسائل.
وقد كان مِن أكثر ما يشغلني قيد إعداد الكتاب هو الهاجس المنهجي حتى يتسنى لهذا الدليل أن يقوم بتوضيح الرؤية حول سير الدرس القرآني بالمؤسسات الجامعية، والوقوف على مكامن القوة والضعف والتضخم والضمور في هذا الدرس المحوري بالنسبة للعلوم الشرعية من جهة، وكذلك بالنسبة لحضور الأمة الإسلامية في السياق الكوني المعاصر والإجابة عن الأسئلة الإنسانية الحارقة.
وفيما يلي عرض لكتابي هذا، يُبْرِزُ محتوياته ومنهج ترتيب مادته، وأهم النتائج والخلاصات التي اشتمل عليها.
منهج ترتيب المادة العلميّة بالكتاب:
كان المنهج العام لترتيب الرسائل والأطروحات داخل كلّ حقل معرفي من حقول الدراسات القرآنية، هو الترتيب الكرونولوجي الزمني وبحسب الشّعب، فبدأتُ بتحقيق المخطوط، وبعد جمع المادة تم تصنيف الرسائل والأطروحات تصنيفًا موضوعيًّا؛ بحسب المجال المعرفي الذي تندرج فيه ضمن الدراسة القرآنية، والمنهج العام لترتيب الرسائل والأطروحات داخل كلّ تخصص معرفي هو الترتيب الكرونولوجي الزمني، باستثناء مخطوطات التفسير حيث تم ترتيبها بحسب تاريخ وفاة المفسِّر، وضمن كلّ تفسير تم وضع الرسائل والأطروحات بحسب ترتيب السور في المصحف، وكذلك بالنسبة للتفاسير غير المكتملة التحقيق أو المحققة في بحث واحد؛ تم ترتيبها بحسب وفاة المفسِّر.
وقد تم تقديم الرسائل والأطروحات بتصنيف موضوعي بحسب الشعب، فكان العنصر الأول في شعبة الدراسات الإسلامية هو تحقيق المخطوط، حيث تم تصنيف رسائله وأطروحاته تبعًا لموضوعها إلى ما يتعلق منها بالمخطوطات المحققة في علم التفسير؛ اندرج تحتها مجموعة من التفاسير هي: جامع البيان في تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري (ت310هـ)، والهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب القيسـي (ت437هـ)، والتفصيل الجامع لعلوم التنزيل لأبي العباس المهدوي (ت440هـ)، ومخطوطات محققة أُلِّفَتْ حول الكشاف لمحمود بن عمر الزمخشـري (ت538هـ)، وأحكام القرآن لعبد المنعم بن محمد بن الفرس الغرناطي (ت597هـ)، والجامع لأحكام القرآن للإمام أبي عبد الله محمد القرطبي (ت671هـ)، وكشف التنزيل في تحقيق التأويل لأبي بكر الحداد اليمني (ت800هـ)، والتقييد الكبير في تفسير كتاب الله المجيد لأحمد بن محمد البسيلي (ت848هـ)، وجمع الغريب في ترتيب آي مغني اللبيب لأبي عبد الله محمد الرصاع (ت894هـ)، والبحر المديد في تفسير القرآن المجيد لأحمد بن عمر بن عجيبة (ت1224هـ)، ولب اللباب في تفسير القرآن الكريم لعبد الله بن محمد فودي (ت1245هـ)، وضياء التأويل في معاني التنزيل لعبد الله بن محمد فودي (ت1245هـ)، وكفاية ضعفاء السودان في بيان تفسير القرآن لعبد الله بن محمد فودي (ت1245هـ)، وجمع المتفرق من التفسير وتحقيقه، ثم تفاسير محققة في بحث واحد وأخرى غير مكتملة التحقيق...
وتعلّق النوع الثاني من المخطوطات المحقّقة بعلم القراءات، وقد اندرج ضمنه: مخطوطات محقّقة حول الرسم القرآني، وثانية محقّقة حول الوقف القرآني، وثالثة حول شروح «الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع»، ورابعة حول مخطوط «شرح طيبة النشر في القراءات العشر»، وأخرى في موضوعات متنوعة في علم القراءات.
أما النوع الثالث فقد تعلّق بالمخطوطات المحققة في علوم القرآن، واشتمل على مخطوط «مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور»، ومخطوطات محقّقة في علم الناسخ والمنسوخ، وثالثة محقّقة حول فضائل القرآن، ورابعة في علم العدد، وأخرى حول موضوعات متنوعة في علوم القرآن.
وتمحور العنصر الثاني حول الرسائل والأطروحات في علم التفسير، وقد تم تقسيم مادته إلى تاريخ التفسير وجمعه وتوثيقه أولًا، ومناهج التفسير واتجاهاته وجهود المفسرين ومناهجهم ثانيًا، وتضمّن العنصر الثاني: اتجاهات التفسير، ومناهج التفسير، وجهود المفسّرين ومناهجهم، والاستدراكات التفسيرية، أما النوع الثالث فهو أصول التفسير وقواعده.
وتعلّق العنصر الثالث بدراسات في علوم القرآن، والعنصـر الرابع بالقراءات القرآنية، وقد اشتمل هذا الأخير على المحاور الآتية: الجمع والتوجيه، والاختيارات، والرسم والوقف، والقرّاء ومناهجهم، وقراءات وروايات، ثم دراسات صوتية، وإحصائيات ومدارس قراءاتية، وأخيرًا دراسات متنوعة.
أما العنصر الخامس فقد تعلّق بالدراسات المصطلحية، والتي تم تقسيمها إلى دراسات مصطلحية من خلال القرآن الكريم والحديث الشريف، وثانية من خلال القرآن الكريم، وثالثة من خلال مؤلفات قرآنية.
ويدور موضوع العنصر السادس حول إعجاز القرآن والدراسات اللغوية والأدبية والأسلوبية، ويتضمن الإعجاز القرآني، والدراسات اللغوية والأدبية، ثم الدراسات الأسلوبية.
أما العنصر السابع فقد كان متشعّبًا بعنوان: مظاهر التكامل المعرفي بين الدراسات القرآنية وباقي العلوم الشرعية واللغوية، بحيث تم تقسيمه إلى سبعة أنواع، تعلّق النوع الأول بعلاقة القراءات القرآنية بالتفسير واللغة والأحكام الشـرعية؛ وقد تضمن المحاور الآتية: القراءات وعلم التفسير، والقراءات وعلوم اللغة، والقراءات والأحكام الشرعية، وتعلّق النوع الثالث بتكامل الدراسات القرآنية والدراسات الحديثية، وكان النوع الرابع حول الدراسات العقدية والأديان من خلال القرآن الكريم وآثار المذاهب الفكرية في اختلاف المفسرين؛ وقد تضمّن المحاور الآتية: دراسات عقدية من خلال القرآن الكريم، الأديان المقارنة؛ القرآن والتوراة والإنجيل، آثار المذاهب العقدية والتيارات الفكرية في التفسير، ويدور النوع الخامس حول تكامل الدراسات القرآنية والدراسات الأصولية، ويتضمن المحاور الآتية: توظيف أصول الفقه في التفسير، ودراسات قرآنية من خلال مباحث أصولية، ثم مقاصد القرآن، أما الأنواع الثلاثة المتبقية فهي: العلاقة بين الدراسات القرآنية والدراسات الفقهية، وعلاقة الدراسات القرآنية بالدراسات اللغوية والأدبية، ثم الدراسات القرآنية والفكر الفلسفي والمعرفي والنقدي.
وكان العنصر الثامن حول العلوم الاجتماعية والسنن الكونية والعمرانية من خلال القرآن الكريم، ويتضمن ثلاثة أنواع من الرسائل والأطروحات، أولها تتعلق بدراسات حول الإصلاح والدعوة، والثانية بالسنن الكونية والعمرانية، وترتبط الثالثة بالعلوم الاجتماعية؛ وكلّ ذلك من خلال القرآن الكريم، ويتضمن هذا الأخير المحاور الآتية: النظرية القرآنية في علوم التربية، النظرية القرآنية في الأخلاق والسياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان والبيئة والتاريخ.
ويتمحور العنصر التاسع حول دراسات قرآنية حديثة، تتضمن الأنواع الثلاثة الآتية: دراسات لسانية، والدراسات الاستشراقية والترجمة، والقراءات الحداثية.
وتم تخصيص العنصر العاشر لإحصاءات وفهارس ومعاجم حول القرآن الكريم والدراسات القرآنية، مضمنًا الأنواع الآتية من الرسائل والأطروحات: الأولى حول دراسات إحصائية، والثانية حول المعاجم والكشافات، والثالثة حول المدارس القرآنية.
أما شعبة اللغة العربية وآدابها فقد تم تصنيف الرسائل والأطروحات بها حسب العناصر الآتية: تحقيق المخطوط، ودراسات حول التفاسير القرآنية وقضية التأويل؛ وقد تضمن هذا الأخير نوعين من الدراسات: الأولى حول التفسير، والثانية حول قضية التأويل، ويتعلق العنصر الثالث بدراسات قراءاتية وصوتية، ويتضمن بدوره نوعين من الدراسات: الأولى دراسات قراءاتية، والثانية دراسات صوتية، أما العناصر المتبقية فهي: البلاغة والإعجاز القرآني، ودراسات مصطلحية، ودراسات لسانية، وأسلوبية، وأدبية، ونحوية، ومعجمية، ثم دراسات متنوعة.
ومن خلال هذا التصنيف حاولنا تغطية جُلّ الموضوعات المعرفية -التراثية منها والمعاصرة والاستشرافية كذلك- المنطلقة من القرآن الكريم أو المحيطة به والحائمة حوله، لوضع خارطة لمكامن التضخّم ومكامن الشّحِّ في الموضوعات المسجّلة في الدراسات القرآنية بالجامعة المغربية.
بعد هذا كلّه حاولتُ رصد موضوع كلّ رسالة جامعية مغربية في شتى الجامعات العالمية؛ للوقوف على ما أُنجز وما لم يُنجَز، وما أُنجز بعضه، وما أُنجز بمنهج مختلف في موضوع الرسالة المغربية، وقد تجاوزتُ في بعض الأحيان الأعمال الجامعية ليمتد الرّصد إلى المؤلفات بصفة عامّة، وذلك عندما أجد فراغًا في البحوث الجامعية، أو عندما أقف على دراسات جادة لا يمكن تجاهلها بحال، وقد خضتُ هذه المرحلة البحثية -على صعوبتها- لتجاوز الأحكام الناقصة المبنية على الإحصاء القطري الضيق.
وخُتِمَ الكتاب بنتائج وخلاصات تعدّ تقييمًا للجهود الجامعية في مجال الدراسة القرآنية وتقويمًا لمسارها واستشرافًا لمستقبلها، بالدعوة إلى النهوض بمجالات للدراسة القرآنية شحب لونُها مع ضرورتها الحاسمة في المرحلة الراهنة للأمة الإسلامية والإنسانية.
أما المساحة الزمنية التي غطاها الإحصاء فقد كان المسح التام -تقريبًا- لما أنجز بين سنتي 1961 وسنة 2005، ومسح جزئي بعد هذا التاريخ، وذلك لعدم تيسّر الحصول على لوائح البحوث المنجزة في السنوات الأخيرة؛ إما لعدم إنجازها بعدُ بدعوى ضعف التراكم في هذا المجال أو لأسباب إدارية أخرى، وحتى لا تبقى مادة هذا الدليل رهينة لهذه الصعوبات قررنا استباق الزمن وإخراجها للباحثين على أمل استدراك هذا الأمر في الجزء التالي بحول الله.
أهم الخلاصات والنتائج من هذا العمل الإحصائي:
القصد من الدراسات الببليوغرافية هو النتائج التي يمكن من خلالها حلّ مشكلٍ راهنٍ والتخطيط لمستقبل أفضل في أي مجال من المجالات، بوضع اليد على مكامن القوة والضعف، ومجال التضخّم والنقص في موضوع ما، ولهذا كان هدفنا هو وضع خطة إصلاحية تهدف إلى خدمة الباحثين بوضعهم أمام صورة الدرس القرآني بالجامعة المغربية.
وقد تم تلخيص مادة هذا الكشاف رقميًّا في الجداول الآتية:
جدول بعدد رسائل وأطروحات الدراسات القرآنية حسب الشّعب ونسبتها المئوية بالنسبة للعدد الإجمالي:
عدد الرسائل والأطروحات حسب الموضوعات ونسبتها المئوية بالنسبة للعدد الإجمالي:
من خلال معطيات الجداول السابقة يمكننا استخلاص نتائج مهمّة، وتقييم وتقويم واقع الدراسات القرآنية بالجامعة المغربية، واستشراف مستقبلها في النقط الآتية:
نتيجة الإحصاء:
هناك فوارق حادّة في نسبة الدراسات القرآنية بين شعبة الدراسات الإسلامية وباقي الشعب خصوصًا الفرنسية والإنجليزية، ناطقة عن نفسها، تسطر سؤالًا بارزًا حول الأسباب التي غيبت الدرس القرآني عن شُعَب اللغات، هل هو العوز في مواد الدراسات القرآنية للمتخصصين في هذه الشُّعب عمومًا؟ أم هو العزوف عن تناول العلوم الشرعية بلغات أجنبية؟ وأين شُعب العلوم الاجتماعية كعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية والأخلاق من الدّرس القرآني؟
إنه وضع محرج كرَّسته مجموعة من الأسباب المرتبطة بالتصوُّر العام لمنظومة التعليم العالي، والمتمثلة في الجدار المضروب بين العلوم الشرعية واللغات من جهة والعلوم الاجتماعية من جهة أخرى، وكأن مُنزِّلَ القرآن ليس هو خالق الإنسان، وكأن القرآن مختصٌّ وخاصٌّ بالناطقين باللغة العربية، ويكفيه العيش بين أسوار المساجد بعيدًا عن شؤون الحياة والأحياء، هذه هي الرسالة الواضحة المقروءة من هذه الأرقام الصارخة ومن هذه الصورة غير المتناسقة لحالة الدرس القرآني ضمن هذه الشّعب.
إنّ الدّرس القرآني في كليات الآداب وما يلحق بها درس أعرج؛ يقف عند الدراسات التراثية والوصفية بما في ذلك تحقيق المخطوط واستخراج مناهج المفسـرين والحديث عن اتجاهات التفسير في كلّ عصر، مع أن الضرورة المنهجية تقتضي تجنيد كلّ العلوم -بدرجات متفاوتة طبعًا- من أجل استكناه ذخائره وكنوزه، ما دام تبيانًا لكلّ شيء، فلماذا ابتعدت عنه علوم الاجتماع والحياة والأحياء؟! أو بالأحرى أُبعد عنها بمناهج تعليمية عقيمة، ولذلك نجد ندرة في الدراسات الاستنباطية لبناء نظريات قرآنية في علوم الإنسان، وقصورًا في الدرس اللساني واللغات الأجنبية وعلوم الاجتماع على مستوى شعبة الدراسات الإسلامية، إضافة إلى الشُّحِّ الكبير في الدراسات التحليلية والنقدية، وطغيان الدراسات التاريخية والوصفية.
الواقع العام للدّرس القرآني بالجامعة المغربية إلى حدود سنة 2005م:
- هناك حضور كثيف للدراسات المتعلقة بالقراءات القرآنية في مختلف الكليات المغربية، وهي تحتاج إلى جمع وتصنيف وتقييم لوحدها، هناك حضور قوي للدراسة المصطلحية كذلك؛ مما يدعو إلى جمع هذه المصطلحات في معجم مفاهيمي شامل.
- التكامل المعرفي بين الدراسات القرآنية وباقي العلوم الشـرعية واللغوية حاضر بقوة؛ مما يعني أن الحدود الفاصلة بين هذه العلوم هي مجرد حدود تفرضها مناهج الدراسة، ولا بد من أجل الوصول إلى نتائج علمية في أي فرع من فروع العلوم الشرعية من نظرة شمولية تكاملية لها.
- هناك خَصَاص واضح في مجال الدراسات النقديّة؛ لحاجة الباحثين في شعبة الدراسات الإسلامية إلى التزوّد باللغات الأجنبية والعلوم اللسانية والاجتماعية عمومًا.
- هناك نقصٌ حادّ في الدراسات القرآنية فيما يخصّ شُعب اللغات الأجنبية والعلوم الاجتماعية كالفرنسية والإنجليزية وعلم والنفس وعلم الاجتماع.
- هناك العديد من الرسائل والأطروحات المتشابهة تمامًا، والتي ربما لم يقصد أصحابها الاتكال على غيرهم، ولكن ركون هذه الأطروحات في الرفوف بدون تكشيف أو فهرسة يَحُولُ دون العلم بوجودها، فيتكرّر الموضوع.
- أغلب هذه الرسائل والأطروحات رازح تحت الغبار في رفوف مكتبات الكليات، والمطبوع منها قليل جدًّا، رغم أن بعضها ذو قيمة علميّة كبيرة.
محاولة في استشراف مستقبل الدّرس القرآني بالجامعة المغربية:
- هناك تخصصات قرآنية ران عليها الصدأ وقتلها الإهمال، ومساحات علمية فارغة على شساعتها، ومجالات للدراسة القرآنية شحب لونها مع ضرورتها الحاسمة في المرحلة الراهنة للأمة الإسلامية والإنسانية، وهناك مشاريع قرآنية ملحّة تحتاج إلى من يبنيها وينهض ببعضها الآخر، هكذا يجب على كلّ المؤسسات المعنيّة بالدراسة القرآنية أن تفتح لكلّ حاجة من هذه الحاجات صفحات بل ملفات؛ لصقل الصدأ، وبناء ما انهدم، والنهوض بما أُهمل واندرس، بعيدًا عن الاجترار والتكرار والتوقف المنهجي، والانغماس في الدراسات الوصفية، ليطرح السؤال الملح: أين النظريات الاجتماعية من خلال القرآن الكريم؟ هل القرآن كتاب فقهي فقط؟ أم كتاب معجز لغويًّا فقط؟
- مِنْ أَلَحِّ الضرورات المنهجية انفتاح شُعبة الدراسات الإسلامية على مختلف الشُّعب والتخصصات -الشـيء الذي لا تعكسه مناهجها المقرّرة حاليًا-، وليكن هذا الانفتاح في أقلّ تقدير بالتأطير والإشراف المتبادل، خصوصًا أن هناك مواضيع قرآنية مهمّة تحتاج إلى اللغات الأجنبية في الدراسة، ككلّ ما يتعلق بموضوع ترجمات القرآن، وبالدراسات الاستشـراقية، كما أن الكثير مما كُتب في إطار القراءات المعاصرة للنصّ القرآني مثلًا هو بلغات أجنبية، والعديد من مصادر العلوم الإنسانية مكتوب بغير العربية في ظلّ النقص الحادّ لحركة الترجمة، إضافة إلى الخَصَاص الواضح في التأصيل الإسلامي لهذه العلوم، ولا شك أنّ الانغلاق المفرط للشُّعَب على بعضها قد كرّس هذا الوضع الذي لا يمكن في ظلّه ترقّب أي تطوّر معرفي جامعي.
- موضوع مقاصد القرآن موضوع بِكر، كان ضمن مباحث أصول الفقه، وهو يسعى حثيثًا للاستقلال عنه، ويحتاج إلى جهود مكثّفة لصياغة نظرية مقاصدية قرآنية.
- نحتاج إلى مزيد من الرسائل والأطروحات في موضوع أصول التفسير وقواعده، من أجل التمكّن من صياغة نظرية تأويلية في التعامل مع النصّ القرآني.
- يجب أن ترصد مسيرة العلوم الشرعية بالجامعات المغربية -كلٌّ من جهة تخصّصه- الدرسَ الأصولي والدرسَ الفقهي وغيرها، حتى نكون أمام خريطة واضحة لواقع ومسيرة العلوم الشرعية في الجامعة، ونقف على مكامن القوة والضعف فيها.
- بالاطلاع على كشافات الرسائل الأطروحات في جامعات من خارج المغرب نجد هناك اجترارًا علميًّا كبيرًا؛ مما يعني أن الباحثين في أشدّ الحاجة لدليلٍ شاملٍ حول الدراسة القرآنية في المغرب وخارجه، إِذْ لا يستطيع الدرس القرآني السّير قدمًا مع ما يحرق من مجهودات علمية جبارة في التكرار، علاوة على تضييع وقت الأمة وأموالها في الإشراف على بحوث لا جديد فيها، ولعلّ اللهَ تعالى ييسـر الظروف لتوسيع نطاق هذا الدليل ليشمل جامعات المغرب العربي ثم الجامعات العالمية، وقد عقدنا العزم على أن نتبع هذا الكشاف بملاحق دوريّة لرصد مسيرة الدّرس القرآني بالجامعة المغربية ووضع الباحثين أمام واقعه بحول الله تعالى وعونه.
- لا بد من تكاتف جهود كلّ المؤسسات المعنيّة بالدراسة القرآنية للاهتمام بما أُهمل واندرس، وبناء ما انهدم في الدّرس القرآني، بعيدًا عن الاجترار والتكرار، والتوقف المنهجي، والانغماس في الدراسات الوصفية، ذلك أن انفتاح شُعبة الدراسات الإسلامية على مختلف الشُّعب والتخصصات أصبح ضرورة مُلحّة لإخراج الدّرس القرآني من حالة التقوقع التي تعيق السّير نحو أفق عالمية الرسالة القرآنية.
- إنشاء مؤسسة علمية عالمية تكون وسيطًا منسقًا يحتكم إليه، وتكون لها صلاحية منع أو السماح بالبحث في الموضوعات البحثية المقترحة لنيل شهادة الدكتوراه أو الماجستير أو ما يعادلها في جامعات العالم، ويتم تزويدها بكلّ المعطيات بما فيها الإضافات النوعية التي ينوي الباحث إضافتها في حال تكرار عنوان الموضوع، ومن ثمة يكون لزامًا على الجامعات في العالم إمداد هذه المؤسسة على الأقلّ بعناوين البحوث وخططها بعد المناقشة، ويمكن أن تتعدى هذه المهمّة التنسيقية إلى المعاهد والمراكز البحثية، بحيث تعطى الأولوية للمخطوطات التي لم تَرَ النور بعد، وللموضوعات التي لم يسبق بحثها أو التي لم تعطَ حقها الكافي في البحث والدراسة.