نظرتان للتاريخ والمستقبل البشري
الوعود الإلهية في القرآن والكتاب المقدّس

المترجم : مصطفى هندي
في هذه الورقة تدرس أنجيليكا نويفرت مسألة النظرة القرآنية للتاريخ والمستقبل البشري، واختلافها عن النظرة الكتابية السابقة في الكتاب المقدّس، وكذلك عن النظرة الجاهلية، وهذا عبر المقارنة بين سورة الرحمن وسِفر المزامير، وتصل لاختلاف النظرة القرآنية وأنها تقوم على اعتبار الآخرة بديلًا عن الوعد المستقبلي التاريخي، كما تقوم على رفض ارتهان الإنسان للطبيعة والدهر بعد إعلان الهيمنة الإلهية على الطبيعة والتاريخ.

  تُعَدّ أنجيليكا نويفرت واحدة من أهم الباحثين المعاصرين على ساحة الدراسات القرآنية الغربية، وتحظى أعمالها باهتمام كبير، ويتركّز اشتغالها على الدراسة الأدبية التركيبية للنصّ القرآني، ودراسة سياق النصّ التاريخي العربي والكتابي، وكذلك دور النصّ في سياق نشأة الأمة المؤمنة.

وهذه الورقة التي بين أيدينا تُعَدّ على صِغَرِ حجمها معبّرة تمامًا عن نمط اشتغال الباحثة الألمانية، حيث تتمحور هذه الورقة حول القراءة التركيبية لسورة الرحمن، وتسييقها في سياق الفترة المكية، وكذلك بيان علاقتها بسفر المزامير، وكذلك بالرؤية الجاهلية حول التاريخ والطبيعة، وأيضًا تحاول كشف وظيفة السورة ضمن تاريخ الأمة المؤمنة، ولا تنظر نويفرت للنصّ القرآني باعتباره تجميعًا أو انتحالًا من النصوص السابقة كتلك الرؤية المشكلة لبعض الكلاسيكيين مثل جاجير وهوفيتس، بل تَعتبر نويفرت أن القرآن قام باستعادة وإعادة تركيب بعض النصوص السابقة العربية والكتابية في سياق الحوار مع المخاطبين بالنصّ سواءٌ من الجاهليين أو الكتابيين، من أجل تكريس رؤاه الخاصة التي دومًا ما تختلف وتتميز بأصالتها تجاه هذه الرؤى.

في تحليلها لعلاقة سورة الرحمن بسفر المزامير والرؤية الشعرية الجاهلية حول الطبيعة والتاريخ، تحاول نويفرت إبراز كون السورة القرآنية تقدّم رؤية معارضة للرؤية الجاهلية التي تجعل الإنسان خاضعًا للطبيعة وقُواها وخاضعًا لـ«الدهر»، وكذلك مخالفة للرؤية الكتابية بوعد مستقبلي خلاصي وتاريخي، حيث يقدّم القرآن في المقابل الهيمنة الإلهية الكلية فوق الطبيعة والتاريخ، ويقدِّم وعدًا أخرويًّا مقابل الوعد المستقبلي التاريخي، كما تحاول نويفرت في تحليلها التركيبي للسورة إبرازَ كيف تشكِّل أمورٌ مثل اختيار القافية ومثل التقابل والتثنية أكثرَ من مجرّد توظيفات بلاغية كما يرى معظم الدارسين، بل تحضر في رؤيتها مرتبطة بطبيعة العالم الذي يرسمه القرآن، والذي يحضر كعالم متماثل ومتناسق على مستوى الخلق وعلى مستوى الكلمة/ البيان.

إنّ أهمية هذه الورقة تأتي من كونها تبرز ملامح اشتغال متّسع ضمن الدراسات الغربية المعاصرة، وبالتالي توفّر للباحثين فضاء لإمكان فهمه والتعرّف عليه وبلورة مثاقفات معه.

المؤلف

أنجيليكا نويفرت - ANGELIKA NEUWIRTH

أستاذ الدراسات السامية والعربية في جامعة برلين الحرة، تُعد من أشهر الباحثين الألمان والأوروبيين المعاصرين في الدراسات القرآنية والإسلامية.
درست الدراسات السامية والعربية والفيلولوجي في جامعات برلين وميونيخ وطهران، عملت كأستاذ ومحاضر في عدد من الجامعات، مثل: برلين وميونيخ وبامبرغ، كما عملت كأستاذة زائرة في بعض الجامعات مثل: جامعة عمان بالأردن، وجامعة عين شمس بالقاهرة.
أشرفت على عدد من المشاريع العلمية، منها مشروع (كوربس كورانيكوم).
ولها عدد من الكتابات والدراسات المهمّة في مجال القرآن ودراساته.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))