كتاب (تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة)
للدكتور/ حمدي سلطان العدوي
عرض وتقويم

الكاتب : هند الورداني
يُعَدّ كتاب (تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة) للدكتور/ حمدي سلطان العدوي من الكتب المعاصرة التي اعتنت بموضوع تاريخ القرآن، وتناولَتْ عددًا من الشبهات المحيطة بهذا الموضوع، وهذه المقالة تعرِّف بهذا الكتاب، وتسلِّط الضوء على منهجه ومحتوياته، كما تعرض لأبرز مزاياه والملاحظات حوله.

تمهيد:

  للقرآن تاريخ طويل تبارَى فيه العلماء لأجل خدمة كتاب الله، ومِن المهمّ الإحاطة بتلك الجهود العظيمة لفهم هذه القضايا التاريخية والإلمام بها؛ خاصّة مع وجود شبهات تظهر بين فينة وأخرى للطعن في القرآن والقضايا الحافة به، وفي هذا المقال نتناول بالعرض والتقويم كتاب (تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة)[1] للدكتور/ حمدي سلطان العدوي[2]؛ فهذا الكتاب يلقِي الضوء على طائفة من قضايا تاريخ القرآن، ويتفرّغ للردّ على مجموعة من الشبهات المحيطة بهذا الموضوع، وفيما يأتي نعرِّف بهذا الكتاب، ونسلِّط الضوء على منهجه ومحتوياته، كما نعرض لأبرز مزاياه والملاحظات حوله.

القسم الأول: كتاب (تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة)؛ عرض وبيان:

السبب الباعث على تصنيف الكتاب:

أوضح المؤلِّف أنّ هنالك عدّة أسباب دفعته إلى تصنيف هذا الكتاب، وقد أجملها في ثلاث نقاط، وهي:

أولًا: خدمة كتاب الله -عز وجل- ورجاء المؤلِّف أن ينال بذلك شفاعة القرآن، وأن يكون في ظلّ عرشه تعالى يوم القيامة.   

ثانيًا: الرد على شبهات بعض المستشرقين والمشكّكين حول أمورٍ تتعلّق بجمع القرآن الكريم وتاريخه، والتي تهدف إلى زعزعة الثقة لدى المسلمين في كتابهم... وأنَّى لهم ذلك، والله حافظه؟!

ثالثًا: ما كلَّفَت به كليةُ القرآن الكريم المؤلِّفَ من القيام بتدريس مقرّر تاريخ القرآن أكثر من مرّة على طلاب جامعة الأزهر[3].

محتويات الكتاب:

بدأ الكتاب بتقريظَيْن؛ الأول بقلم الدكتور/ عبد الكريم إبراهيم صالح[4]، والثاني كتبه فضيلة الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف[5] -رحمه الله-، وكان قد اطّلع على الكتاب قبل وفاته. ثم أردفهما المؤلِّف بمقدّمة له، أوضح فيها الهدف من الكتاب، والمنهج الذي سار عليه خلال التصنيف، ومخطّط تقسيم الكتاب. فقسّم المؤلِّف كتابه إلى أربعة فصول، يندرج تحت كلّ فصل منها مجموعة من المباحث، وهي كالآتي:

الفصل الأول: مدخل الدراسة: التعريف بالقرآن الكريم؛ مفهومه، وأسماؤه، ونزوله، ومقاصده، وترتيبه. وقد اندرج تحته ثلاثة مباحث: (المبحث الأول: لمحة عن مفهوم القرآن الكريم، وأسمائه، ومقاصده. المبحث الثاني: نزول القرآن الكريم وترتيبه. المبحث الثالث: نزول القرآن على سبعة أحرف).

الفصل الثاني: كتابة القرآن الكريم وقراءاته: متى كانت؟ وكيف بدأت؟ واندرج تحته أيضًا ثلاثة مباحث: (المبحث الأول: الكتابة العربية - البداية والتطور. المبحث الثاني: النصّ القرآني بين الحفظ الشفاهي والتسجيل الكتابي. المبحث الثالث: الخط العربي بعد الإسلام - الفن والجمال).

الفصل الثالث: الشبهات المثارة حول القرآن الكريم وقراءاته: عرض وتفنيد. وجاء تحتها مبحثان: (الأول: فكر المستشرقين بين الإنصاف ومناصبة العداء. والثاني: ادّعاءات المستشرقين وغيرهم على القرآن الكريم وقراءاته - عرض ومناقشة).

الفصل الرابع: نسخ المصاحف بين أطوار التحسين ودُور الطباعة. وفيه مبحثان: (المبحث الأول: المصاحف في طور التجويد والتحسين. المبحث الثاني: المصاحف في دُور الطباعة).

منهج الكتاب:

نصّ المؤلِّف على منهجه وبيَّن أنه اعتمد كلًّا من المنهج الوصفي والتاريخي، فقال: «واتخذت من المنهج الوصفي سبيلًا لتحقيق ما أهدف إليه مع الاستعانة بالمنهج التاريخي في النقاط التي يستلزم الاستعانة به فيها»[6]. ويمكننا أن نُضِيف لِما ذُكِر المنهجَ النقدي الذي استخدمه الكاتب في الردّ على شبهات المستشرقين وغلاة الشيعة في الفصل الثالث من الكتاب.

وقد أوضح الكاتب أنّ هنالك عدّة دراسات عربية وغربية سابقة قد عُنيت بدراسة القرآن الكريم من منظور تاريخي؛ وأشار إلى أسماء طائفة منها، إلا أنه لم يبيِّنْ موقعَ مؤلَّفِه بينها.

القسم الثاني: كتاب (تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة)؛ نقد وتقويم:

أولًا: المزايا:

1- الكتاب يسير الحجم في بابه، ويمكن إتمام قراءته في فترة وجيزة.

2- يعرض الكتاب تراجم مختصرة للشخصيات الواردة فيه؛ وبذلك يوفّر على القارئ مشقّة البحث عنها في مصادر أخرى. مثال: ترجمته لشخصية مسيلمة الكذّاب، وترجمة القاضي أبي المعالي عزيزي بن عبد الملك.

3- يهتم الكتاب بعرض العلل والحكم والمقاصد؛ مما يعزز استيعاب وفهم المباحث، ويعطي مزيد تشويق للقارئ كي ما يُقبِل عليها. ومنها: بيانه الحكمة من نزول القرآن الكريم جملة واحدة إلى السماء الدنيا ببيت العزة، ثم الحكمة من نزوله منجّمًا على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، على أنه قد لا يكتفِي بذلك، بل ويشير إلى كيفية تحقّق هذه الحِكَم، مثلما أدرج الكاتب خمسة وجوه تحت كيفية تحقيق تثبيت فؤاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقوية قلبه.

4- قوة الصنعة الترجيحية، كما في قضية (ترتيب السور القرآنية)؛ إِذْ يلتزم الكاتب بالأمانة العلمية عبر عرض كافة الآراء الواردة في القضية، والعِلَل التي يستند عليها كلّ رأي، وفي النهاية يوضح الرأي الأقرب للصواب فيما يترجح عنده. يقول الكاتب: «وبعد: ...فإن الذي تستريح إليه النفس هو الرأي الأول القائل بتوقيفية سور القرآن الكريم، فليس لأحد من الصحابة -رضي الله عنهم- ولا لغيرهم في أمر ترتيب المصحف مدخل، ولعلّ ما يؤيد هذا...»[7]، ثم شرع في بيان أدلته.

5- الكتاب ذو أهمية خاصّة لأهل القراءات؛ إِذْ يؤصّل لمجموعة من المسائل الشديدة الصلة بعلم القراءات، منها: (الأحرف السبعة - عدّ الآي وسبب الاختلاف فيها - العلاقة بين الحفظ الشفاهي والرسم العثماني، وأيهما التابع للآخر)، هذا بالإضافة إلى ردّه على عدد من شبهات المستشرقين فيما يخصّ تلك الموضوعات.

6- الكتاب مُشفَّع بصور توضيحية تُسهِّل على القارئ استيعاب الموضوعات، خاصةً فيما يتعلّق بأمر نشأة الكتابة العربية؛ إِذْ تبيّن الصور الفروقات بين أشكال الحروف العربية وحروف المسند اليمني والنبطية. وتظهر الصور أيضًا جمال الخط العربي فيما بعد الإسلام، من خلال عرض فنون الخط العربي وأنواعه المختلفة.

ثانيًا: الملاحظات:

1- اعتمد الكتاب في أغلب المباحث على النقل والاقتباس من التصانيف السابقة عليه؛ وقد أحسن المؤلِّف مشكورًا بتوثيق تلكم المصادر في كلّ صفحة من صفحات الكتاب للرجوع إليها، إلا أنّ الأمر آلَ إلى إخفاء سمت الكاتب وأسلوبه -ونستثني من ذلك الترجيح بين الأقوال؛ فإنّ بصمة المؤلِّف واضحة فيها-، ولكن نزولًا على الأعم الأغلب من محتوى الكتاب أرى اندراج الكتاب تحت بند (الجمع والترتيب) لا (التأليف).  

2- استخدم الكاتب بعض المصطلحات الفلسفية التي قد تخفى على بعض المبتدئين من طلبة العلم، أو قد تغمُض على من لم يطلب العلم وَفق المذهب الأشعري؛ كتحدُّثِ الكاتب عن المراتب (النفسية والنطقية والكتابية والذهنية) للقرآن الكريم، وكذلك إشارته إلى الوجودات الأربعة للقرآن الكريم.

3- تطرّق الكتاب إلى بعض القضايا الفرعية الخلافية التي لا تشغل موقعًا ذا بال فيما يخصّ الموضوع الرئيس للكتاب؛ مثال: الانشغال بالأسماء والصفات في قضية نزول القرآن، وكذلك كيفية تلَقِّي جبريل -عليه السلام- الوحيَ من الله -عز وجل- على الرغم من أنها تندرج تحت بند المتشابه، وليست ذات صلة كبيرة بموضوع تاريخ القرآن.

4- قد يكتفي الكاتب بالإشارة إلى بعض القضايا المؤثِّرة دون حسم الجدل فيها؛ مثل الإشارة إلى قضية فتنة خلق القرآن دون توضيحها، وكان الأجدرُ بقضية كهذه القضية التي دارَ حولها جدلٌ كبيرٌ في القديم والحديث وهي ذات صِلة وثيقة بتاريخ القرآن =أن يتمَّ بيانُها للقارئ بشكل جيّد بدلًا من الإشارة إليها بإشارات خاطفة تترك لدى القارئ انطباعًا من الحَيرة والعديد من التساؤلات التي قد لا يجد لها إجابة إلا بعد بحثٍ طويل في مصادر أخرى.

الخاتمة:

تاريخ القرآن يوثّق تاريخ أمّة ابتدأت مجدها وحضارتها بنزول الوحي ﴿اقْرَأْ﴾ على قلب قائدها النبي الأُمّي -صلوات الله وسلامه عليه-، ولا تزال الأمة بخير ما دام فيها رجال مخلصون يخدمون كتاب الله بملء عيونهم وأفئدتهم، ونحن إِذْ نشكر لفضيلة الدكتور/ حمدي سلطان العدوي مجهوده المبذول في كتاب (تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة)، إلا أنّنا نؤكد في ختام مقالنا أن الباب ما زال مفتوحًا أمام الباحثين للكتابة في تاريخ القرآن والمصحف الشريف والمسائل الشائكة فيه، والميدان ينادي فرسان الأقلام للذَّبّ عن القرآن والصحابة الكرام أمام شبهات المستشرقين، فأعان اللهُ بالتوفيق والتيسير والسداد كلّ مَن هَبَّ لتلبية النداء، والحمد لله على نعمة القرآن.

 

 


[1] كتاب (تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة) هو أحد المؤلّفات التي صدرَتْ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 1443هـ= 2022م، ويبلغ عدد صفحاته (292) صفحة.

[2] الأستاذ الدكتور/ حمدي سلطان العدوي: أستاذ فقه اللغة والقراءات بجامعتَي الأزهر الشريف بمصر، وجامعة الإمام محمد بن سعود بالمملكة العربية السعودية. عُيَّن معيدًا في كلية القرآن الكريم بجامعة الأزهر عام 1995م، وحصل على الماجستير والدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من قسم أصول اللغة في كلية اللغة العربية، فرع المنصورة. أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وناقَش عددًا غير يسير، فضلًا عن أنه عضو محكِّم في عدد من الحوليات والدوريات العلمية. من أشهر مؤلَّفاته: (القراءات الشاذة؛ دراسة صوتية ودلالية - جمال الأداء في تمام الوقف وحُسن الأداء - فقه القراءات في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة - علم اللغة القضائي؛ قراءة في تراثنا العربي والبناء عليه). انظر: تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة، ص289.

[3] انظر: تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة، ص14.

[4] الأستاذ الدكتور/ عبد الكريم إبراهيم صالح: أستاذ التفسير وعلوم القرآن - كلية القرآن الكريم - جامعة الأزهر، ورئيس لجنة مراجعة المصحف بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف. انظر: تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة، ص8.

[5] فضيلة الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف: شيخ عموم المقارئ المصرية الأسبق، تُوفي في يوم الجمعة الموافق السابع من ذي الحجة سنة 1437هـ= 9 سبتمبر 2016م، عن ثمانين عامًا مباركة في خدمة كتاب الله. انظر: ويكيبديا الموسوعة الحرة: https://ar.wikipedia.org/wiki/عبد_الحكيم_عبد_اللطيف

[6] انظر: تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة، ص14.

[7] انظر: تاريخ القرآن والمصاحف الشريفة، ص69.

الكاتب

هند الورداني

حاصلة على ماجستير العلوم البيطرية - جامعة الإسكندرية، ولها بعض الأعمال المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))