مستويات الإشكال المنهجي في أصول التفسير؛ بحث في المفهوم والنسق والمنهج
أحمد ذيب
هناك حالة من التعدّد والاختلاف في تصوّر أصول التفسير، يأتي هذا البحث ليحاول بيان موضوعات هذا العلم ومدى استقلاليتها واتساقها وطبيعة المعايير التي يمكن تصنيفها تبعًا لها.
إنَّ المتأمِّل في طبيعة العلم، من حيث كونه «عِلْمًا»، يجد أنه يَـمُرُّ خلال نشأته بثلاثة مستويات تراتيبيّة؛ هي بمثابة دِلائه السَّجِيلَةِ وأَشْطَانهِ الـمُمْتَدّة: المفهوم، والنَّسَق، والمنهج.
فأَوَّلُ ما يُولَدُ من العِلْم عادةً هو «المفهوم»، أي: الـمعنى العِلْمي البسيط الذي يُشَكّل مضمون الـمُصطلح في مرحلته الجنينيّة. ثم تنمو تلك الـمفاهيم وتَتَّسِقُ فيما بينها لتُشَكِّل مباحث العلم وموضوعاته (النَّسَق)، ثم تنضبط تلك الـمباحث والقضايا لترتقي به إلى مستوى النّموذج النَّظَريّ الإرشادي (الأصول والقوانين) الذي يُحَقِّق للعلم عِلْمِيّته، ويُـمَيِّزُه عن غيره من العلوم الـمُشابهة له. وبتنزيل هذا الـمبدأ الإبستيميّ على علم التفسير نجد أنَّه حينما حَقَّقَ حَدًّا مُعتبرًا من الاستقرار الـمَفْهُوميّ والتداول الـمَوثوق، لَــجَّ الدَّاعِي فيه إلى قَوانين يُصَارُ إليها في معرفة دلائل الكتاب، وضبط عملية البيان. ومن أجل ذلك يأتي هذا البحث لـمُعَايَرة هذه الـمستويات الثلاثة، وإثارة التساؤل حول عِلْمِيّة هذا اللّون من الـمعرفة، مع اقتراح ما يُرشد إلى تفعيله وتقوية الثقة به.