جهود العلماء في الكشف عن مقاصد القرآن الكريم وموضوعاته من القرن الأول الهجري إلى القرن التاسع الهجري

آدم بللو

يتناول هذا البحثُ جهودَ العلماء في الكشف عن مقاصد القرآن وموضوعاته من القرن الأول إلى القرن التاسع الهجريَّين، ويسلِّط الضوء على مناهجهم في كشفها، وتحليل تناولهم لهذه المقاصد، ويقدِّم بين يدي ذلك: التعريف بمقاصد القرآن، وتمييز هذا المصطلح عن غيره من المصطلحات المقاربة له.

  جاءت نصوصٌ من القرآن والسُّنّة لبيان الهدف والقصد من نزول هذا الكتاب الكريم، وقد بدأَت الإشارات الحثيثة إلى تقسيم القرآن موضوعيًّا ومقاصديًّا في السُّنة النبوية؛ لمعرفة ما يُهْتَمُّ به عند تدبّر القرآن، وطلب معرفة ما يدعو إليه من هدايات وإرشادات إلهية، وقد اتخذ بعض التابعين من هذه الأحاديث منطلقًا ينطلقون منه إلى أنَّ في القرآن نفسه سورًا وآياتٍ دالَّة على مقاصده وغاياته، واستمرَّ العلماء في القرون المفضَّلة يستخرجون من نصوص السُّنة مقاصدَ القرآن وأقسامَه ومعانيَه، وكذلك استخرجوها من آيات قرآنية جامعة.

وواصل العلماء جهودهم في استخراج هذه المقاصد والموضوعات القرآنية المهمّة، حتى بلغ هذا الإمامَ الغزالي (ت:505هـ)، ويمكن اعتبار القرنين الخامس والسادس الهجريَّين عصرَا التأسيس والبناء لمقاصد القرآن وموضوعاته الأساسية.

 ومما لم يَتنبه له أكثرُ مَن بحثوا عن مقاصد الشريعة عند مَن اشتهروا به؛ كسلطان العلماء العز بن عبد السلام (ت:660هـ)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ)، وابن قيم الجوزية (ت:751هـ)، والإمام أبي إسحاق الشاطبي (ت:790هـ)، أنهم تطرَّقوا إلى مقاصد القرآن جنبًا إلى جنب مع تطرُّقهم إلى مقاصد الشريعة، إلا أنَّ مقاصد الباحثين في طلب مباحث علم مقاصد الشريعة أغفلهم عن استكشاف مباحث مقاصد القرآن أثناء استكشافهم لمقاصد الشريعة، وقد استطاع الباحث -من خلال هذا البحث- أن يخرج بمسائل جليلة ومهمّة في مقاصد القرآن من مؤلفات هؤلاء الأئمة، ويمكن تسمية القرنين السابع والثامن الهجريَّين بعصر النضج والتطور لمقاصد القرآن وموضوعاته الأساسية على أيدي بعض العلماء والمفسرين البارزين في هذا العلم ممن سيأتي ذكرهم في هذا البحث.

إنَّ موضوع مقاصد القرآن مع شديد أهميته وحاجة الباحثين وغيرهم إليه، لم يوجد مَن خصّصه ببحثٍ محرَّر وموسَّع -حسب علم الباحث-، وإنما تجد بحوثًا مفردة تتحدث عن جهود آحاد العلماء الذين تكلَّموا عن المقاصد، وبعض هذه البحوث غير محرَّرة، لا تجد فيها البحث الشامل الذي يدقِّق في الكشف عن منهج هؤلاء العلماء في استخراج مقاصد القرآن وموضوعاته، وقد وجد الباحث كثيرًا من العلماء -قديمًا وحديثًا- الذين تكلموا عن مقاصد القرآن لكن لم تتم الإشارة إلى جهودهم في هذا العلم، فضلًا عن كتابة بحث مستقل عن جهودهم؛ لذلك جاء البحث لجمع ما لم يتم جمعه من جهود العلماء في مقاصد القرآن وبيان منهج العلماء في الكشف عنها.

ونظرًا لطول هذا البحث وتناوله لجهود كثير من العلماء الذين تحدثوا عن المقاصد على مرِّ القرون، وتوسُّعه في كثير من مباحث مقاصد القرآن =دعت الضرورة إلى تقسيم هذا البحث إلى بحثَين مستقلَّين يتبع أحدهما الآخر، ويحاول هذا البحث الأول منهما الكشف عن جهود العلماء في مقاصد القرآن وموضوعاته من القرن الأول الهجري إلى القرن التاسع الهجري؛ عرضًا وتأصيلًا وتحليلًا.

Tafsir Center for Quranic Studies | مركز تفسير للدراسات القرآنية

www.tafsir.net