جهود المغاربة في الانتصار للنص القرآني

كان لعلماء المغاربة جهود جليلة في خدمة النص القرآني، يتطلب بحثها العديد من الدراسات والبحوث، ويأتي هذا البحث مسلِّطًا الضوء على شيء من هذه الجهود في علوم القرآن والقراءات والرسم والتفسير.

  شكَّل الجناح المغربي للعالم الإسلامي حصنًا منيعًا في الانتصار للنص القرآني وخدمته قراءةً وتفسيرًا وتأصيلًا منذ وطِئَت أقدام الصحابة والتابعين أراضيه، وكان لمدارس التعليم والمساجد الدَّور الأهمّ في ترسيخ القراءات القرآنية وخاصة قراءة أبي عمرو البصري وحمزة الكوفي. إلا أن القراءة التي سادت هي قراءة نافع المدني؛ لارتباط المالكية بميراث المدينة المنورة، وعليه فقد أسهم المغاربة والأندلسيون في التأسيس العلمي للقراءات؛ القراءات عامة وقراءة نافع خاصة، وذلك بجهود أمثال أبي عمرو الداني والشاطبي ومكّي بن أبي طالب، كما برع المغاربة في خدمة النص القرآني في الرسم، وصارت كتبهم المنهجية مرجعية في دُور ومعاهد القرآن الكريم.

ومع أن المغرب تميز بواحدية ثقافية مذهبية طوال تاريخه الأوسط والمتأخر إلا أنه لم يعدم وجود نِحَل ومذاهب مناوئة لأهل السنة، فكان الصراع المرير مع الشيعة الإسماعيلية في قضايا التأويل وحفظ القرآن من التحريف، ثم كان الصراع مع نِحْلَتَين بربريتَين ابتدعتا قراءات معارضة، هما نحلتا برغواطة وغمارة؛ ولذلك أبدع المغاربة طرُقًا عديدة في حفظ القرآن، مثل: الحزب الراتب، والقراءة الجماعية، والابتداء في التعليم بحفظ القرآن دون سواه.

كما جاء الإسهام المتأخر للمغاربة في تفسير القرآن الكريم مع ابن العربي وابن عطية وابن جُزَيّ؛ ليكسر حدة التقليد المذهبي الذي كان ينأى عن الخلاف حتى لا تتسرب المذاهب الأخرى إلى حوزة المغرب والأندلس، ثم افتتح الدرس التفسيري من جديد مع النهضة الإسلامية بمفسِّرِين كبار أمثال ابن باديس الجزائري والطاهر بن عاشور التونسي، والذِين أسهموا بجدٍّ في إحلال النص القرآني مكانته السامقة في المعركة ضد العلمانية وبقايا التصوف الحلولي، والتقليد المذهبي الأصمّ.

والجهد المغاربي والأندلسي في الانتصار للنص القرآني يجدِّد دلائله في الحصانة الثقافية التي يحياها المغرب الإسلامي والتي نأت به كثيرًا عن الفُرقة والاختلاف والانسلات للمذاهب المنحرفة.

إن الإلمام بجهود المغاربة في خدمة النص القرآني من الصعوبة بمكان؛ وذلك أن هذا الجهد العريض يتطلَّب عديد الدراسات والبحوث والمسح للموسوعات والتراجم، ولكن هذا هو بعض التوصيف لفهم تطور علوم القرآن والقراءات والرسم والتفسير في هذا الجزء الكبير من العالم الإسلامي.

المؤلف

الدكتور محمد عبد الحليم بيشي

أستاذ بقسم العقائد والأديان بكلية العلوم الإسلامية - جامعة الجزائر، وله العديد من المشاركات والمؤلفات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))