كتاب (قواعد الترجيح عند المفسِّرين) للدكتور/ حسين الحربي
نظرات نقدية
يُعَدّ كتاب (قواعد الترجيح) للدكتور/ حسين الحربي أحد المؤلفات البارزة جدًّا في العمل القاعدي للتفسير، وقد مَرّ معنا في مقالة سابقة التعرّض للبناء المنهجي لكتاب قواعد الترجيح عند المفسّرين وتقويم المنطلقات التي صدر عنها في اعتماد القاعدية[1]، وفي ضوء ما أثبتناه وبينّاه من غلط هذه المنطلقات وما ترتَّب عليها من أحكام بالقاعدية في الكتاب وما يفيده ذلك من عدم الحاجة لمزيد المناقشة للكتاب، إلّا أننا آثرنا في هذه المقالة تسليط الضوء على بعض الإشكالات المنهجيّة الأخرى في الكتاب ليزداد الأمرُ وضوحًا في بيان الاضطراب الحاصل في هذا الكتاب.
الناظر منهجيًّا في كتاب الحربي يلحظ أنّ هذا الكتاب يحتفُّ به أغلاط وأخطاء منهجية عديدة، إلا أنني سأركّز على أبرز هذه الأخطاء؛ وبيانها على النحو الآتي:
الإشكال الأول: غياب التأصيل لمنطلقات الكتاب ومحدّداته:
إنّ كلّ عمل بحثي لا شَكّ وأنه ينشأ مؤسَّسًا على منطلَق رئيسٍ يصدر عنه أو عِدّة مَبانٍ ينطلق منها، وتمثّل هذه المنطلقات ركيزةَ العمل وعماده، ولا شَكّ أنّ تقويم أيّ عمل إنما يكون بالنّظر في هذه المنطلقات بالأساس صحّةً أو غلطًا، ولا شَكّ أنّ أَوْلَى الأمور بالبيان والتحرير والضبط هي تلكم المنطلقات التي يصدر عنها العمل البحثي.
والناظر للكتاب يجده -وإن صدر كما قرّرنا قبل عن فكرة تقرّر القواعد وبالتالي راح يجمع هذه القواعد- لم يعتنِ بالتأصيل لمنطلقاته، ولم يَخُض غمار التأسيس لهذه المباني التي يصدر عنها، بل ولا بيانها بما يجلِّيها للناظرين، ولا شَكّ أنّ قيام البحث بهذه الصورة يجعل بناءَه هشًّا بصورة كبيرة، لا سيما إذا اتضح أنّ هذه المنطلقات التي صدر عنها ليست مسلَّمة في ذاتها.
وهذا الصنيع قد كان مثارَ إشكالٍ لدينا على طول معايشتنا للكتاب وواقعه، خاصّة إذا تعلّق الأمر بالتقعيد والتأصيل للعلوم، فإنّ التأسيس للمنطلقات والتدليل للمقدمات وإن كان ضرورة في أيّ باب من الأبواب؛ فإنه تشتدّ الحاجة إليه في باب التقعيد لخطورته وأهميته ولما ينجم عنه من آثار إذا ما جرى القول فيه على غير جهة الضبط والتحرير؛ ولذا فإنّ بناء الكتاب بهذه الصورة غير المؤسَّس لها يجعله أمرًا مشكلًا، خاصّة وأنّ الكتاب قد سبق إلى القول في أمور لا يُعْلَم له فيها سابق، وهذا وحده كافٍ في ضرورة التأسيس والتأصيل للمسالك ودَفْع ما يمكن أن يَرِد على هذه المسالك والأبواب التي استحدثها المؤلّف، وأمّا النسج الإجمالي هكذا والقول دون تأسيس وتأصيل يُعَدُّ من أعظم الأعطاب المنهجية في الكتاب.
إنّ هذه الضرورة المنهجية كانت لازمة أكثر لتعلّقها بعلم التفسير الذي لم يَحْظَ ببيان تقعيدي موسّع كما يثبته النّظر في تاريخه، وهو الأمر الذي لا يمكن تجاوزه ولا إغفاله عند الحديث التقعيدي لهذا العلم، فلما أنْ كانت ساحته خالية من بناء تقعيدي يضبط القول فيه؛ كان التأسيس والتأصيل الذاتي لهذه المنطلقات واجبًا، وصار متعذّرًا القولُ بالجمع والترتيب لما تقدّم من التأصيلات والتقعيدات؛ لأنه غير موجود بالأساس إلّا على نحو لا يلتقي مع ما انطلق منه المؤلِّف من منطلقات ومحدّدات لقواعده.
إنّ هذا الكتاب لم يَنُصّ على منطلقاته بشكلٍ سديد، ولم يُشبع القول في بيانها -كما سبق أن أثبتنا-، ولم يحدِّد بشكل سديد المصادر التي يرجع إليها في مثل هذا القول التقعيدي الذي صدر عنه، وهي إشكالات منهجية في الكتاب كان الواجب أن يتنزّه عنها.
الإشكال الثاني: التعريفات والاصطلاحات في الكتاب:
تمثّل الاصطلاحات وتعريفاتها نقطة مهمّة في أيّ عمل بحثي، لا سيّما وأنّ أحد مساحات الإشكال الحاصلة في علم التفسير عمومًا هو إشكال المصطلحات، وقد لاحظتُ في تعامل هذا الكتاب مع الاصطلاحات التي صدر عنها جملةً من الإشكالات:
أولًا: الاجترار الحاصل في التعريفات دون التنبّه لسياقاتها وآثارها:
سبق معنا أنّ المؤلّف قد تعرَّض لمفهوم التفسير وأقـرّ بحصول حالة من الاختلاف الدلالي لمفهوم التفسير، لكننا وجدنا المؤلّف قد اجترّ عددًا من التعاريف للتفاسير دون أن يتنبه لأمرين مهمَّين:
أولهما: الانتزاع الخاطئ للتعاريف من سياقاتها دون التنبّه لمدلولاتها الخاصّة.
وهذا يتبيّن بجلاء في نقل المؤلّف لتعريف أبي حيّان على أنه تعريف للتفسير، وهو غفلة شديدة عن سياق أبي حيّان وحتى عن لَفْظِه؛ فإنّ أبا حيّان نَصَّ بقوله: «ونبدأ برسم علم التفسير؛ فإنّي لم أقف على أحد من علماء التفسير قام برسمٍ له»[2].
فالحديث هنا عن علم التفسير باعتباره علمًا يتضمّن المبادئ العشرة التي تُذكر في مقدمات العلوم لا باعتباره ممارسة يقوم بها المفسِّر، والغفلة عن اللفظ هنا شديدة وتُحْدِث انحرافًا في فهم مراد أبي حيان، كما أنّ اعتبار حديثه عن عملية التفسير يُعَدُّ تسفيهًا لأبي حيان وصرفًا لكلامه إلى أمر لا يقول به غافلٌ فضلًا عن عالٍم كأبي حيان، فإنّ الحديثَ عن التفسير باعتباره ممارسة والتفريقَ بينه وبين التأويل قائمٌ قبل أبي حيان بخمسة قرون أو يزيد عند الماتريدي وعند الطبري وعند الأصفهاني...إلخ من هذه الطبقات المتقدّمة.
ومثل هذه الغفلة نلحظها عند المؤلِّف حينما نقل تعريف الزركشي، والذي صرّح فيه الزركشي بلفظة «العلم»، وهو أمر مستغرَب في عمل تأسيسيّ كهذا.
ثانيهما: الغفلة عن الآثار واللوازم للاختلاف الدلالي في مصطلح التفسير.
إنّ من يتأمّل صنيع المؤلّف في نقل تعريفات متباينة لمصطلح التفسير يجد غفلةً كبيرةً عن الآثار المترتّبة على هذا الاختلاف الدلالي، وحتى تَرْك المؤلّف لهذه التعريفات دون نقاشٍ موسّع وبحثٍ لدلالتها وأَوْلاها بالصواب وأقربها لاكتناز حيثية علم التفسير ونحوها من الأمور الضرورية في مثل هذا المقام =يُعَدُّ أمرًا شديد الغرابة، لا سيّما أنّ من يَقْصُر التفسير على بيان المعنى سوف يتوقّف في تقرير القواعد على ما له علاقة مباشرة بالمعنى دون غيره، وأمّا من يتوسّع إلى ما وراء ذلك من الحديث عن الأحكام والهدايات واللطائف سوف يلزمه حينئذ التقعيد لهذه الأمور باعتبارها داخلة في التفسير، بل سيلزمه عملٌ موسّع آخر وهو بحث تداخل التفسير مع هذه المساحات في علومها وقواعد الإدخال والإخراج، بل سيتوجّب عليه بيان الإجراءات المنهجية للتأصيل لقواعد هذه الأمور باعتبارها قواعد لأمور داخلة في التفسير... إلى آخر ذلك من الخوض الموسّع الذي سيترتب على بيان موقف المؤلّف من مفهوم التفسير، إلّا أنَّ الظاهر أنّ المؤلّف لم يتنبّه لمثل هذه اللوازم والآثار الناجمة بناء على الاختلاف الدلالي في مفهوم التفسير.
إلّا أنه من المهم -كما يقول أحد الباحثين المهتمين بالتقعيد للتفسير- "وقوع الاشتباك التقعيدي مع المعنى التفسيري أولًا في كتب التفسير، واستكناه البنية القاعدية الضابطة لهذا المعنى عند المفسِّر، فسواء أكانت حيثية التفسير ومفهومه متجسّدَيْنِ في بيان المعنى فقط أم هذا البيان إضافة لأمور أخرى، فإن المعنى يظلّ له مركزيّته الشديدة في العملية التفسيرية؛ فبدون ضبط المعنى التفسيري أولًا لا يمكن الانطلاق لبيان فائدة أو تحصيل حكم... إلى آخر ذلك مما يرِد عند موسّعة مفهوم التفسير عن بيان المعنى، وبالتالي فانصباب التقعيد على المعنى التفسيري في التفاسير هو الأكثر أولوية؛ إِذْ تبرز عبر التقعيد له أدوات هذا المعنى عند المفسّرين، وكذا تظهر كيفيات تصريف هذه الأدوات عند المفسّرين، خاصّة في حالات التقديم والتأخير لهذه الأدوات أو حالات الإعمال والإهمال لها عند التعارض وضوابط هذه وتلك في كلّ حال، الأمر الذي يقودنا لبناء النظريات التفسيرية عند المفسرين بشكلٍ متكاملٍ، ويُيَسِّر الوصول لغاية الضبط التقنيني للعملية التفسيرية لاحقًا وبناء القواعد والنظريات المعيارية الخاصّة بها"[3].
ثانيًا: عدم تحرير المصطلحات بصورة حَدِّيّة جامعة مانعة:
يُلاحَظ في عدد من التعريفات التي حاول المؤلِّفُ نَحْتَها وتحريرها حصولُ حالة من عدم الضبط للمفاهيم بصورتها المنطقيّة المعهودة عند العلماء في بناء التعريفات، ويظهر هذا في تعريفه للمفسِّر؛ إِذْ يقول كما مرّ معنا: «هو مَن له أهلية تامّة يَعرف بها مرادَ الله تعالى من كلامه المتعبَّد بتلاوته، قَدْرَ الطاقة، وراضَ نفسَه على مناهج المفسّرين، مع معرفته جملًا كثيرة من تفسير كتاب الله، ومارسَ التفسير عمليًّا أو تعليميًّا أو تأليفًا»[4].
وفي هذا التعريف إشكالات كثيرة جدًّا، منها: غموض المحدّدات التي وضعها للمفهوم؛ فقوله: «مَن له أهلية تامّة»، ولا ندري ما المحدّد في هذه الأهلية؟ وما الفارق بين مَنْ له أهلية تامّة ومَن له أهلية غير تامّة؟ وكيف نميّز بينهما؟ وما الداعي لإدخال تعريف القرآن في تعريف المفسِّر؟ وكيف يصحّ منهجيًّا هذا الصنيع أصلًا؟ وقوله: «راضَ نفسَه على مناهج المفسرين»، وأين هي مناهج المفسّرين كي يرتاض الإنسان عليها؟ وما حال من ابتدؤوا الصّنعة التفسيرية؟ وهل يدخلون في هذا التعريف وهُمْ مَن يُفترض أن يرتاض مَن يريد التفسير على مناهجهم؟ وما معيار هذا الارتياض الذي يتحدّث عنه المؤلِّف؟ ثم ما هذه التردّدات الكثيرة الحاصلة في التعريف والتي هي من مفسِدات التعاريف بالأساس؟
والحاصل أنّ مثل هذه الصَّنْعة لا يمكن أن تكون صَنْعة علمية منهجية في بناء التعاريف في ظلّ إقرار المؤلِّف بعدم تصدِّي أحدٍ لصناعةِ مثل هذا التعريف.
ولا شك -كما يقول أحد الباحثين- "أنّ ضبابية مفهوم المفسِّر وما هو المطلوب منه على مستوى العمل أو الأدوات، وعدم وضوح ذلك بصورة ظاهرة يَحُولُ دون تحويل التّفسير لصناعة محدّدة الملامح ولها نسق تحصيل معرفي يمهّد إليها، بل يظلّ التفسير معها ساحةً واسعة ليس لها جهات استمداد محدّدة، ويحتاج من يلج هذه الساحة إلى معارف متنوّعة لا حدود لها ولا أدوات ضابطة لممارستها، وهو أمرٌ ظاهرُ الإشكال في نسق الفنون على صُعُد مختلفة"[5].
وجميع مقاربات المؤلِّف في سياق الاصطلاحات لا تخلو من نظرٍ وإشكالٍ وعدم ضبط، بحيث لا نستطيع أن نثق بهذا المنتَج الذي أفرزه هذا الكتاب على مستوى الاصطلاحات، بل نقرّر بجلاء أنها مصنوعة صنعة غير علميّة ولا منهجيّة، ولم يتوفّر المؤلِّف على تحريرها وضبطها بصورة سليمة، ولم يسعنا الأمر لتتبُّع باقي الإشكالات في باقي صنيع المؤلِّف في سائر التعريفات، ولكن أردْنا التمثيل بهذه الأغلاط كنماذج لِما وراءها من الإشكالات.
الإشكال الثالث: الواقع التطبيقي وإشكالات مضامين القواعد ومنهج بنائها:
أ- إشكالات مضامين القواعد ومنهج بنائها:
قد كاثَرَنَا كتابُ الدكتور حسين الحربي بعددٍ كبيرٍ من القواعد سَمَّى بعضها رئيسة، وسَمَّى بعضها ثانوية مندرجة تحت الرئيسة، ولا يسعنا المقام بحال لتتبُّع جميع هذه القواعد على نحوٍ موسّع وإلّا طال بنا الكلام بما لا يحتمله المقام، ولكن سنجعل ما نضربه من سِجال في هذه الأمثلة التي تعرّضْنا لها؛ دليلًا على ما وراءها من الأغلاط الأخرى السائرة في جميع ما سمّاه بقواعد ترجيحية.
- نقد قاعدة: لا تصح دعوى النسخ في آية من كتاب الله إلّا إذا صَحّ التصريح بنسخها، أو انتفى حكمُها من كلّ وجه[6]:
وأَدْخَل المؤلف تحتها عددًا من القواعد الفرعية:
الأولى: إذا وقع التعارض بين احتمال النسخ واحتمال التخصيص فالتخصيص أَوْلَى.
الثانية: إذا وقع التعارض بين النَّسْخ والإضمار فالإضمار أَوْلى.
الثالثة: إذا وقع التعارض بين النَّسْخ والاشتراك فالاشتراك أَوْلى.
الرابعة: إذا وقع التعارض بين النَّسْخ والمجاز فالمجاز أَوْلى.
الخامسة: إذا وقع التعارض بين النَّسْخ والنقل فالنقل أَوْلى.
ثم ساق بعدها كلامَ الأصوليين في النَّسْخ وتعريفاته وتفاصيل أقسامه كما هو عند الأصوليين، ثم درج إلى الحديث عن مفهوم النَّسْخ عند السلف بما يراه شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الشاطبي، وذكر الزيادة على النصّ عند الحنفية، واكتفى المؤلِّف بتحليل مثال واحد لهذه القاعدة، وهو قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}[محمد: 4][7].
والمتأمّل يظهر له عددٌ من الإشكالات المركزية التي تشكّك بقاعدية هذا النصّ في الترجيح؛ لعدد من الأمور:
أولًا: إشكالية مدخليّة قواعد النسخ في قواعد الترجيح المرتبطة بالتفسير:
لا شَكّ أنّ الدكتور الحربي قَصَدَ في كتابه هذا معالجة قواعد الترجيح المرتبطة بالتفسير؛ ولذلك عالج مفهوم التفسير والمفسِّر، ومتى يكون الترجيح بين الأقوال التفسيرية...إلخ، لكن الإشكال هنا أنّ دخول النسخ وقواعده في حَدّ التفسير هو ما يحتاج إلى إثبات وبحث، وهو الذي لم يَلِجْهُ الدكتور الحربي ولم يَخُضْ غماره، في حين أن الدكتور الطيار -الذي شَقّ هذا الطريق- يرى أنّ النّسْخ وقواعده لا ينبغي أن يُدرج ضمن قواعد الترجيح المرتبطة بالتفسير، وإنما الصواب -بحسب رأيه- أنّ النّسخ من مباحث علوم القرآن؛ لأنّ القول بالنّسخ من عدمه لا يؤثّر في المعنى المراد من الآية، وقد أطال الدكتور الطيار في إثبات ذلك وبحثه[8].
ولذا فإنّنا نتساءل عن العِلَل التي بموجبها جرى الحديث عن قضايا النّسخ باعتبارها قواعد ترجيحية في الأقوال المتعلّقة بتفسير الآية، وعدم وجود جواب عن هذا يجعلنا لا نستطيع التسليم بدايةً بكونها قواعد ترجيحية في التفسير، وإلّا سيتّسع بنا المقام للحديث عن كلّ القواعد المتعلقة بجميع علوم القرآن بل وجميع قواعد العلوم الأخرى، وهذا أمر لا ينضبط ولا قانون له، ويجري القول فيه بذوقية وانتقائية؛ ولذا فإنّ عدم الجواب عن مثل هذا التساؤل المهم في منهجية السَّيْر في مثل هذا السياق يمثّل إشكالًا ظاهرًا.
ثانيًا: إشكالية إلحاق مفهوم النّسْخ وتفاصيله في كتب الأصول بساحة قواعد الترجيح في التفسير وإلصاقه بالمفسِّرين:
من المفترض هاهنا أن المؤلف يَبحث النّسخ وقواعده عند المفسِّرين، إلا أننا وجدناه قد انتقل إلى كتب الأصول ينقل عنها التعريفات والتقاسيم المتعلّقة بقضية النّسخ، وهذا أمرٌ مشكِل؛ إِذْ لو أن الحديث عن النّسخ في كتب الأصول لكان أمرًا متوقّعًا، أمّا أن يكون الغرض هو استكشاف قواعده ومبانيه عند المفسّرين فينتقل بالأمر لنقل كلام الأصوليين فهذا أمر مستغرَب جدًّا، هذا لو افترضنا توافقًا على هذه التفاصيل التي ذكرها المؤلّف في تفاصيل مبحث النّسخ؛ فكيف والأمر على خلاف هذا، فإنّ الأصوليين أنفسهم غير متّفقين على تفاصيل كثيرة من مبحث النّسخ[9]، فكيف يسوغ بعد هذا كلّه إلصاق اختيارات متنوّعة وجَعْلها في سياق واحد باعتبارها قواعد التفسير أو قواعد المفسّرين فيما يتعلّق بالنّسخ، وإذا نظرْنَا إلى الكتب التي أَطَّر المؤلّف عمله بها فإننا لا نجدها تعرّضت لهذه التفاصيل بتاتًا، فما معنى إذن (أطر المؤلّف عمله بها)؟ وكيف يستجلب كلام المدونة الأصولية في الحديث عن النّسخ ويلصقه بهذه الكتب التي لم يتعرّض أصحابها في هذه المدونات التفسيرية إلى هذه البحوث والتفاصيل؟!
ويتجلّى هذا الإشكال العميق في حديث المؤلّف عن النّسخ عند السّلف، فإنه أراد أن يحرّر مفهوم النّسخ عند السلف؛ فنقَل كلامًا لابن تيمية والشاطبي لمفهوم النّسخ عند السّلف، وهو أمر مشكِل جدًّا، فهل ابن تيمية هو السلف؟ أو هل الشاطبي الممثّل الحَصْري للسلف؟ ولماذا لم يعمد المؤلّف إلى نصوص السّلف فيستخرج منها مباشرة -على عين القارئ- مفهوم السّلف للنّسْخ، ويبيّن إجراءاته ومسالكه في تحرير هذا القول؟ والعجيب أنّ تفسير الطبري الذي يعمل عليه المؤلّف -أصالةً- له مفهومٌ للنّسخ وتحريرٌ آخر لمفهوم النّسخ عند السلف -بحسب بعض الباحثين[10]- بخلاف ما يراه ابن تيمية والشاطبي؟ فلماذا قدَّم رأي ابن تيمية والشاطبي لمفهوم النّسخ عند السلف على رؤية الطبري، مع أنّ الطبري هو الأقرب لعصر السلف وأَوْلَى بتحقيق قولهم من غيره ممن تأخّر؟! وكيف ساغ للمؤلّف تجاوز رؤية كتاب أصلي ممن يعمل المؤلّف على استخراج قواعدهم ويصير إلى قول غيرهم؟!
والغريب أنّ المؤلّف نَعَى على المفسّرين إغفالهم لنظرة ابن تيمية لمفهوم النّسْخ عند السلف، واعتبر ذلك منهم راجعًا إلى قِلّة تحقيقهم لأقوال السلف! وبِغَضّ الطرف عن القطع في أَوْلَى التحريرَيْن بالصواب، فيبقى أنّ المؤلّف ينسج قاعدة على خلاف عمل أهل الفنّ أنفسِهم، وخلاف نظرتهم، ويَنسج مبانِيَ لا يقول بها أكثرُ أهل التفسير، فكيف يسوغ القول بعد ذلك بأنها قواعد المفسّرين؟!
وكيف يسوغ القول بأنّ هذا الذي يتحدّث عنه قاعدة للتفسير والمفسّرين مع هذا التباين الكبير بدايةً على مستوى المفهوم، فكيف بما وراءه من التطبيقات والتباين فيها؟ وكيف يسوغ منهجيًّا أن تشتقّ قاعدة للفنّ من هذا الموضوع المشكل الذي يتباين النظر فيه؟!
والحقّ أنّ المؤلّف اضطرب اضطرابًا شديدًا في نسج هذه القاعدة، وأغفل كتبَ التفسير، وصار عملُه على الكتب التي يدّعي الاستخراج منها أمرًا شكليًّا لا حقيقة له؛ فلا هذه المباني مذكورة فيها، ولا هذه التفاصيل أشارتْ إليها، بل جملة تحريره في كثير من هذه المباني مخالف للعمل التطبيقي لأهل هذا الفنّ كما ذكر بنفسه ذلك، وقد أغفل الكتاب إحكام الرؤية في المناهج الكامنة في هذه الكتابات التى زعم الاستخراج منها، بما لم يمكنه استنباط المناهج الكامنة خلف تطبيقاتها، وخرج بتقريرات لعلماء آخرين تخالف تطبيق هذه المدونات كما حرّره بعض الباحثين.
ثالثًا: إشكالية تعارض القاعدة مع عمل المفسّرين:
ضرب المؤلِّفُ لهذه القاعدة مثالًا رئيسًا وهو قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}[محمد: 4]، ومقتضى القاعدة، تبعًا للمؤلف، أنّ هذه القاعدة كلية يُعْمِلها المفسّرون مباشرة في النصّ فيتحقّق مفادها أو مضمونها، وتبعًا للمؤلّف فإنّ هذه القاعدة تُفيد بالقطع في هذا الموضع ترجيح القول بالإحكام على القول بالنَّسْخ، في حين أنّ استقراء تعاطي المفسّرين مع هذه الآية تاريخيًّا عبر مختلف الطبقات أَثْبَتَ لنا ما يأتي:
- حضور هذا القول في طبقة الصحابة:
وهو مرويّ عن أبي بكر الصديق وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-.
- حضوره في طبقة التابعين وأتباعهم:
وهو مرويّ عن قتادة والسُّدِّيّ والضحّاك وابن جريج، وقاله كثير من الكوفيين[11].
- حضوره اختيارًا في كتب التفسير:
وممن اختار هذا القول من أهل التفسير؛ مقاتل بن سليمان[12]، الإمام السمرقندي، والإمام الواحدي، والزمخشري.
- حضوره لدى المذاهب الفقهية التي جرى العمل عليها:
والقول بنسخ هذه الآية هو قول الحنفية؛ فهو مروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وبه قالت الحنفية وهو مذهبهم.
- وكثير مِنْ كتب التفسير تحكي هذا القول كقولٍ معتبَرٍ قال به بعض الصحابة وجماعات من التابعين وجماعات من المفسّرين وجماعات من الفقهاء، وهو مذهب أهل الرأي وأتباعهم.
فقولٌ عليه بعض الصحابة وجماعاتٌ من التابعين وجماعاتٌ من المفسّرين وجماعاتٌ من الفقهاء وهو مذهب أهل الرأي وأتباعهم؛ كيف يسوغ أن يقال إنه خلاف القاعدة؟! وأنت بين احتمالَيْن؛ إمّا أن يكونوا قد غفلوا عن القاعدة وأُنْسُوها؛ وهو الأمر الذي يتعذّر القول به لدى أيّ باحث؛ إِذْ كيف تتوارد هذه الطبقات وتجتمع على نسيان قاعدة والغفلة عنها، وإمّا أنهم قد عرفوها وظهر لهم عدم عملها في هذا الموضوع لقرائن معيّنة هي عندهم أقوى في هذا الموضوع من هذا النصّ، بحيث لم يكن هذا النصّ قاعدة عندهم أصلًا، أو قد ظهر لهم عدم جريان شروط هذا النصّ في هذا الموضع.
فإن قيل: إنّ هذا القول مرجوح، وهو خلاف الدليل. فيقال: إنّ هذا الترجيح في مثل هذا الموضع من قَبِيل ترجيح مذهب فقهي معتبَر على مذهب فقهي آخر معتبَر، وترجيح قول مفسِّر على قول مفسِّر آخر، وترجيح قول صحابي على قول صحابي آخر، فما هي الحجج القاطعة في ترجيح مذهب الجمهور على مذهب الأحناف في هذه الآية؟ وما الذي جعل قولَ ابن عمر مقدَّمًا على قول أبي بكر الصديق وابن عباس في هذا الموضع؟ وما الذي يجعل اختيار الطبري وغيره مقدَّمًا على اختيار الزمخشري والسمرقندي وغيره من المفسّرين؟ وما الذي يجعل اختيار الطبري ومَن وافقه هو الممثل لقاعدة الفنّ؟ فهل ثَمّ خصوصية وميزة معتبرة لمن اختار القول الأول على من اختار القول الثاني فيما يتعلّق بالنسبة إلى الفنّ؟! كلّها أسئلة جوهرية تصادم تمامًا القول بأن هذا النصّ قاعدة كلية يجري إِعْمَالُها في جزئيات فيخرج حكمها اتفاقًا بين المفسّرين.
رابعًا: إشكالية تناقض المؤلّف بين التنظير والتطبيق:
قد مرّ معنا قول المصنّف أنّ قواعده مأطورة بالترجيح بين قولٍ قوي وقول ضعيف، ولنا أن نتساءل: كيف يمكن وصف قول عليه بعض الصحابة وجماعات من التابعين وجماعات من المفسّرين وجماعات من الفقهاء، بأنه قول ضعيف بقرينة إعمال الترجيح فيه، وزعم مخالفته للقواعد.
ثم يظهر تناقض المؤلّف في دعوى أنّ قواعده هي قواعد المفسّرين، في حين أنها تُصادِم تطبيقًا معتبرًا لدى جماعة من المفسّرين، وهو معتبَر بقرينة الحكاية لديهم، وكيف لا يكون معتبرًا بما أسلفناه من حكاية القائلين به؟!
خامسًا: إشكالية مضمون القاعدة ومدى جدواها في التفسير:
إنّ المتأمّل لمضمون هذه القاعدة لا يظفر بشيء ذي بال، وإلّا فماذا يفيد القول بـ«انتفى حكمها من كلّ وجه»؟! وانتفى على أيّ اعتبار؟! وعند مَن صحّ القول بأنه قد وقع في هذا الموضع أنه قد انتفى من كلّ وجه؟!
وعند التطبيق، ما فائدة هذا النصّ في القول بالنّسْخ من عدمه؟ وعلى الحقيقة، هذه المعلومة لا تفيد شيئًا تطبيقيًّا ذا بال، كما يتوهّم بعضهم، وإلّا ففي كلّ موضع سيقع الخلاف حول مدى انتفاء حكمها من كلّ وجه، وما يراه بعضهم قد انتفى حكمه من كلّ وجه، لا يراه بعضهم الآخر كذلك، بحيث لم نظفر بضابطٍ ذي بال في القول بالنسخ من عدمه.
وعند إعمال البحث التطبيقي والاستقرائي نجد الأمر على خلاف هذا تمامًا، فما من موضع قيل فيه بالنسخ إلّا وقد قيل فيه بالإحكام إلّا ستة مواضع في القرآن كما رصدته دراسة الدكتور مصطفى أبو زيد، وبحسب الدكتور عبد المتعال الجابري[13] فإنّه ما من موضع على الإطلاق في القرآن قد قيل فيه بالنسخ، إلّا وقد قيل فيه بالإحكام، وعليه فما من آية ولا موضع إلّا وبعض أهل العلم يرى أنه لم ينتفِ حكمها من كلّ وجه، بما يَؤُول بنا إلى القول بعدم وقوع النسخ في القرآن رأسًا، فبدل أنْ تفيد القاعدة في ضبط القول بالنّسخ؛ لزم من هذه القاعدة المدّعاة عدمُ القول بالنّسخ أصلًا، وبِغَضّ النظر عن طرد هذه اللوازم، فإنها لم تُعْطِ فائدة بتاتًا في البحث التطبيقي، وهو ما يجعلها بلا عائدة أصلًا، مما يجعل القول بقاعديتها في التفسير أمرًا مشكلًا.
سادسًا: مشكلات القواعد الثانوية وأغلاطها المنهجية:
مَرّ معنا أنّ المؤلّف قد ألحقَ بهذه القاعدة خمس قواعد أخرى ثانوية، من غير أن يسلك أيّ سبيل لإثبات قاعديتها، ولا بنقل نصوص عامّة عن من يقول بقاعديتها -بحسب زعمه- ولم يذكر لها أمثلة وتطبيقات لدى المفسّرين، وبمثل هذا الفراغ التأصيلي لا يمكننا القبول بمثل هذه النصوص كقواعد ترجيحية حاكمة على فنّ التفسير، فضلًا عن انبثاقها عن قاعدة مشكلة أصلًا.
ومن العجيب أن يصوغ المؤلّف قاعدة للمجاز وعلاقته بالنّسخ، وأنّ المجاز مقدَّم على القول بالنّسخ؛ في حين أن العلّامة الشنقيطي الذي قيّد المؤلِّف عمله به منكِرٌ للمجاز أصلًا، وغير قائل بوقوعه، فكيف يسوغ صياغة قاعدة من كتابٍ لقضية هو منكِر لها أصلًا؟! وهو ما يؤكّد أنّ القول بأن هذه القواعد هي قواعد المفسرين هو افتئات على كتب التفسير والمفسّرين.
- نقد قاعدة: إذا ثبتت القراءة فلا يجوز ردُّها أو ردُّ معناها، وهي بمنزلة آية مستقلّة:
وأعقبها المؤلّفُ ببيان ألفاظها، وشرح معناها، غير أنه نَصَّ على أمر مهم وهو أنّ هذه القاعدة تحمي حمى القراءات مِن تسوُّر بعض المفسّرين وبعض المعربين على حمى القراءات، وأخَذ في نقل نصوص عن بعض العلماء في التأكيد على أنه متى ثبتت القراءة فلا يجوز ردُّها، وبيَّن شروط قبول أيّ قراءة وأطال النّفَس في شرح ذلك وبيانه[14].
ومثّل لهذه القاعدة بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}[النساء: 1]، وذكر قراءة حمزة بالجر {والأرحامِ} ثم أخَذ في لَوْمِ الإمام الطبري والإمام ابن عطية على نقدهم لهذه القراءة، وأخذ في إبطال قولهم والتأسيس لخلافه.
وصنيع المؤلِّف في القول بقاعدية هذا النصّ مشكِلٌ جدًّا من وجوه:
أولها: انحراف المؤلِّف عن منهجه الذي يظهر في الكتاب نظريًّا وتطبيقيًّا:
يمثّل عمل المؤلّف في هذا النصّ أمرًا مستغربًا؛ فقد ابتعد تمامًا عن منهجيته التي تعمد إلى المفسِّرين وتستخرج قواعدهم -بحسب زعمه- إلى نقد المفسِّرين أنفسِهم، وبدل أن يعمد إلى التفاسير الثلاثة السالف ذكرها ليخرج قواعدها، إِذْ به ينتقدهم ويخطِّئهم ويشنِّع عليهم وينصُّ على مخالفتهم للصواب ومصادمتهم للقاعدة، يقول الحربي -بعد أنْ نَقَلَ نَقْد ابن جرير الطبري لقراءة حمزة: «وأمّا الإمام الطبري فمنهجه تجاه القراءات واضح، فهو يعترض أحيانًا على قراءات ثابتة، والحقُّ أنّ هذا المنهج مخالفٌ للصواب، وهنةٌ وقع فيها العالِم... بل نجده أحيانًا يَرُدُّ قراءة ثابتة بدعوى مخالفة قياسٍ لغوي، أو قاعدةٍ نحوية، أو لأجل الاستنباطات التي يستخرجها من الآيات... وكلُّ مَن فَعَلَ ذلك فلا يُنظر إليه ولا يُعتمد عليه، وطَعْنُه ردّ عليه»[15].
وكذلك فَعَل مع ابن عطية بعد أنْ نَقَلَ كلامه في نقد قراءة حمزة، فقد نقَل قول أبي حيان: «وأمّا قول ابن عطية... فهو جسارة قبيحة»[16].
فالعجب العجاب أن ينتهج الكتاب استخراج نصوص قواعد الترجيح من تفسيرَي الطبري وابن عطية، ثم هو يُغِير عليهما بما أتى به من قواعد.
وكيف يمكن نسبة هذه القواعد إلى هذه التفاسير والمؤلِّف يقرّر بملء فِيهِ أنّ الطبري خالَف القاعدة، وأن ابن عطية تجاسر على القاعدة تجاسرًا قبيحًا؟! وكيف تكون هذه قاعدة هؤلاء المفسرين وهم مخالفون، وعاملون بخلاف مقتضاها؟!
وهذا الصنيع يؤكّد ما سبقت الإشارة إليه في مقالنا الذي قوّمْنا فيه طريقة الحربي في الحكم بالقاعدية، وهو أن الحكم بالقاعدية جرى من قِبَلِ المؤلِّف لا من قِبَلِ المفسِّرين.
الثاني: التدليس في نسبة هذه القاعدة للمفسِّرين:
إنّ المؤلِّف في الحقيقة لم يستخرج قاعدة الكتب التي عمل عليها في هذا الموضع، بل راح يأتي بآراء عدد من العلماء الآخرين، مصادمًا تمامًا ما ارتأته الكتابات التي نَصّ على العمل عليها؛ فالواقع أنّ الطبري وابن عطية لا يعملان بموجب هذه القاعدة حتى على مستوى المثال الذي ضربه، في حين أنه يقرّر في مقدّماته النظرية أنه استخرج قواعد الطبري وابن عطية بالخصوص كما بنصوصهم ووجوههم الترجيحية.
الثالث: الإشكال في مسالك بناء القاعدة:
إنّنا وإنْ تجاوزنا عن انحراف مسلك العمل عند المؤلِّف، ونزوحه إلى ما يشبه بناء القاعدة، إلّا أنّ مسلكَ البناء الذي اتخذه المؤلِّف مسلكٌ مشكِل؛ إِذْ مَنْ يؤسّس لمثل هذه القاعدة كقاعدة نسقية لفنّ كالتفسير فيما يتعلّق بالقراءات، فإنه ولا بد أن يلحظ أنه مَرّ بمراحل، وأنْ يحرّر هذه القاعدة ومخالفة المفسّرين في ضوء واقع علم القراءات ومنعطفاته وتطوراته، وملاحظة صنيع المفسّرين في ضوء هذا التطوّر لعلم القراءات، كما أنّ الترجيح والتفضيل بين القراءات واقع على طول المدونة التفسيرية ولهم في كلّ موضع مبرّرات وقرائن لم يَخْطُ المؤلِّف لمناقشتهم في كلّ هذه المواضع وإبراز حُججه للخروج بهذا الحكم الكلي في كلّ جزئية من الجزئيات، فأين تتبُّع المؤلِّف للجزئيات ومناقشة حُجج المخالفين، وطرح التوجيهات في كلّ موضع بما يلتئم مع المعنى ويصحّ به الاعتبار للقراءة من حيث المعنى وما يستلزمه؟ كلّها خطوات مطوّلة لم يَخْطُ لها المؤلّف، بل اكتفى بحُكمه المسبَق، ورضي بآراء لجماعة من العلماء ممن لا يَرَوْن الترجيح بين القراءات، واكتفى بهذا دليلًا لإثبات هذا النصّ قاعدة في مقابل من يخالفها من جماعات المفسّرين، والحقُّ أنّ لإثبات قاعدية هذه المعلومة في الفنّ خطوات مطوّلة لم يَخْطُ لها المؤلف، وما أثبته لا يعدو كونه أقوالَ بعضِ العلماء، كما أنه يقابلها آراء أخرى لعلماء يخالفون في ذلك، وهو ما لا يكفي لنسبة نصّ كقاعدة تحكُم سَيْر هذا الفنّ عامّة[17].
- نقد قاعدة: اتفاق معنى القراءتين أَولى من اختلافه:
أسهب المؤلّف في تصوير هذا القاعدة، ثم ذكَر مَن يقول بذلك من العلماء، ومثّل لها بقول الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ}[البقرة: 9]، وذكَر في الهامش عددًا من الأمثلة.
والمتأمل لصنيع المؤلِّف في قاعدته هذه يلحظ عددًا من الإشكالات:
1- تناقض هذه القاعدة مع قواعد أخرى مما يقول بقاعديتها المؤلِّفُ:
فإننا لو قلنا إنّ الحكم الكلّي في كلّ اختلاف بين القراءات أنّ الاتحاد في المعنى أَوْلَى من الاختلاف ومقدَّم عليه، فإنّنا نضادّ النصّ القائل: «الحمل على التأسيس أَوْلَى من الحمل على التوكيد»؛ فإنّ الاختلاف بين المعنيَيْن يكون أَوْلَى وأحسن على اعتبار النصّ الثاني، وهو الأمر الذي لم يتنبه له المؤلّف، ولا أجاب عنه، ولا تعرَّض لحلِّه.
وهنا نتساءل: أيهما يكون هو القاعدة في الترجيح؟ وكيف وقع هذا التعارض مع القول بقاعدية كل منهما؟
فإنْ قيل: إنّ لكل منهما شروطًا خاصةً تحكم عمل كلّ منهما؟ فيقال: إنّ المؤلّف لم يُبْدِ شروطًا ولا محدّدات، ولا أرجع الأمر لقرائن داخلية خاصّة بكلّ منهما، بل المؤلّف قائلٌ بكلية كلٍّ من القاعدتين وكونهما قاعدتين نسقيتين في فنّ التفسير، وهو أمر مستغرَب مع مثل هذه الحالة.
2- عدم نصّ الأئمة الذين استشهد بهم المؤلّف على قاعدية هذا النصّ في الترجيح:
وهذا الصنيع نموذج تطبيقي لحالة الافتئات الشائعة في الكتاب، حيث ينسب المؤلّف القول بالقاعدية إلى العلماء في حين أنّ العلماء لم ينصُّوا على ذلك ولم يصرِّحوا به، وإنما جرى القول بالقاعدية من قِبَل المؤلّف؛ فإذا تأملتَ قولَ ابن عطية الذي نقله المؤلّف: «ويحتمل أن يراد بالآية... فيقرب من معنى الآية الأولى»[18]ي، فهل يمكن أن يكون هذا النصّ من ابن عطية تقريرًا لهذه القاعدة التي يريدها المؤلّف، ومن العجيب أن يقصد المؤلّف إلى كتاب موسوم بـ(التنكيل بما في التأنيب من الأباطيل)، وهو كتاب للمعلمي اليماني في الردّ على الشيخ الكوثري في صنعة الحديث وعلم الرجال...إلخ؛ لينتزع من هذه السياقات الأجنبية تمامًا عن التفسير وقواعده ومباني أصوله، قولَه: «واتحاد المعنى على القراءتين أَوْلَى من اختلافه» ويعتبر هذا تقريرًا للقاعدة!!
3- مصادمة هذه القاعدة لتطبيقات المفسّرين:
من الأمثلة التي ذكرها المؤلّف على هذه القاعدة، قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}[البقرة: 222]؛ ليقرّر من خلال القاعدة أنّ حَمْل التخفيف على معنى التشديد أَولى من غير ذلك، في حين أنّ هذا يصادِم تمامًا عمل المفسّرين الذي خصّهم المؤلّف باستخراج قواعدهم، وعلى رأسهم شيخ المفسّرين ابن جرير الطبري؛ إِذْ عرَض للخلاف بين القراءتين، ثم قال: «وأَولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: {حَتَّى يَطَّهَّرْنَ} بتشديدها وفتحها، بمعنى: حتى يغتسلن؛ لإجماع الجميع على أنّ حرامًا على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تَطهر»[19].
وليس محلّ الشاهد موافقة الطبري في الترجيح بين القراءتين؛ وإنما الشاهد هو مخالفة الطبري لهذه القاعدة وعدم اعتباره لها في ذات المثال الذي طرحه المؤلّف شاهدًا على القاعدة، على الرغم مِن زعمِ المؤلّف جَمْع قواعد الطبري!
وكذا الإمام ابن عطية في تفسيره في هذا الموضع ساق الاختلاف في القراءتين دون أن يُعمِل هذه القاعدة أو يقول بموجبها[20].
بما يجعل القولَ بأنّ هذه قاعدةُ ابن عطية أو الطبري فضلًا عن أن تكون قاعدة التفسير؛ أمرًا ظاهر البطلان.
وقد أنكر كثيرون أن يكون هذا النصّ قاعدة في الترجيح، فيقول سعود العجمي: «ومن القواعد التفسيرية التي جاءت مخالفة لغيرها قاعدة: (اتّحاد معنى القراءتين أَوْلى من اختلافه)»[21]، فهذه القاعدة خالفَتْ عدّة قواعد تفسيرية فضلًا عن علم القراءات وعلوم القرآن، ومن القواعد التي خالَفَتْها:
قاعدة: (القراءات يُبين بعضُها بعضًا)[22].
وقاعدة: (إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد، فحَمْلُه على التأسيس أَوْلَى)[23].
فهاتان القاعدتان واضح مخالفتهما للقاعدة الأُولى؛ إِذْ إنّ الأَوْلَى عند تعدُّد القراءات أن يُستفاد منها في دلالات أخرى، وليس أن تكون بذات المعنى، فهذا لا يعطيها مزيّة، فضلًا عن مخالفة ذلك لما هو متقرّر عند أهل القراءات، وأيضًا هي تخالف ما تقرّر في موضع آخر[24] من تقديم التأسيس على التوكيد، إِذْ إنّ اتحاد المعنى يُعَدّ من التوكيد لا التأسيس، وحينئذ تتحقّق المخالفة بين القاعدتين.
- نقد قاعدة: إدخال الكلام فيما قبله وما بعده أَوْلَى من الخروج به عنهما؛ إلّا بدليل يجب التسليم له:
وقد عرض المصنِّف لهذا النصّ باعتباره قاعدة ترجيحية، وذكر أنّ ذلك هو القاعدة إلّا إذا جاء خبر صحيح يخالف ذلك أو إجماع الحُجّة خلاف ذلك فترتفع هذه القاعدة.
ويأتي الإشكال على هذا النصّ كقاعدة كلية في عدد من الأمور، منها ما يأتي:
1- الإشكال التطبيقي لسريان القاعدة في أمثلتها:
فلقد مثّل المؤلّف لسريان هذه القاعدة، بقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ...}[الأنعام: 91] الآية. ويؤكّد المؤلِّف أنّ القاعدة تقتضي أن يكون المراد هو خبر عن مشركي قريش، وذكَر مَن اختار ذلك من العلماء كالطبري وغيره دون أنْ ينصُّوا أنّ هذا النصّ قاعدة ترجيحية.
ويأتي الإشكال في أنّ جماعات من أهل التفسير يقولون بخلاف هذا، ومنهم مقاتل بن سليمان، والماتريدي، والسمرقندي، والثعلبي، ومكيّ بن أبي طالب، والماوردي، والواحدي ونسبه للأكثرين، والسمعاني[25]، والزمخشري[26]، وذكَر ابن عطية الخلاف في الآية وصدَّره بالقول أنّهم اليهود[27]، والقرطبي[28]، والنسفي[29]، وابن جزي الكلبي[30]، وأبو حيان[31]، والبقاعي[32]، وعدد من المفسّرين الآخرين بما يمثّل هذا القول قول جمهور المفسّرين.
ومما ينبغي التنبّه له أنّ قول جمهور المفسّرين يمثّل صدًى لقول السلف في الآية؛ فهذا القول مرويّ عن السُّدِّيّ، وعِكرِمة، وسعيد بن جُبَير، ومحمد بن كَعْب القرظِيّ، وابن جريج، وقَتادة[33].
وهذه الإشكالية حاضرة هنا كما هي حاضرة في عدد مما ادّعى المؤلّف قاعديته؛ إِذْ تأتي قاعدته ومثالها على خلاف قول السّلف، وقول جمهور المفسّرين، وهو ما يثير الإشكال حول نسبة هذه القاعدة للمفسّرين فضلًا عن أن تكون قاعدة في التفسير!
2- إشكالية عموم القاعدة وجدواها في التطبيق:
إنّنا إذا نظرنا لهذا النصّ كنصّ عامّ فإنه لن يقع كثير من الخلاف حول أهمية القراءة السياقية للنصّ، لكن الإشكال يكمن في عدد من الأمور:
أولها: العمومية الشديدة لهذا النصّ، بحيث إنّ كلّ اختيار يقع من مفسِّر فإنه ولا شك متّصل بقرينة في السياق على مفهوم للسياق؛ ولذلك لا يمثّل هذا النصّ كبيرَ قِيمة في الفصل بين أقوال المفسّرين، إِذْ كلّ قول يُقال في الآية يمكن أن يُقال إنه داخل في السياق، بحيث لم يَعُد كبير فائدة لهذه القاعدة.
- نقد قاعدة: لا يجوز العدول عن ظاهر القرآن إلّا بدليل يجب الرجوع إليه:
في هذا النصّ يقرّر المؤلّف أنّ هذه القاعدة متقرّرة في علم الأصول[34]، وجملة القول فيها أنه لا يصح الخروج عن ظاهر قول المتكلّم حتى لا يفسد مُراده ويضيع مرامه، ويرى أن مَنْ خالَف ظاهر القرآن كان قوله مرجوحًا فتكون هذه القاعدة الأصولية قاعدة ترجيحية أيضًا[35].
وانطلق المؤلِّف يحرّر هذا النصّ من كلام الإمام ابن تيمية ويحرّر مفهوم الظاهر من زاوية نظر ابن تيمية، ويقرّر أنه لا يمكن اعتبار مفهوم الظاهر الذي يقصده المتكلّمون، وأن المتكلّمين قد انحرفوا بمفهومه للظاهر عن فهم السلف وحرّفوا الكَلِم عن مواضعه[36].
وأطال المؤلِّفُ النَّفَسَ في نقل كلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في ضرورة إجراء الألفاظ القرآنية على أصل دلالتها في اللغة دون صرفها عن دلالتها اللغوية، ونَقَلَ المؤلّفُ كلامًا للشافعي والطبري وابن عطية وابن تيمية؛ فحواه أنّ تَرْك الظاهر والانتقال إلى باطنٍ لا دليل عليه لا يصح بحال من الأحوال.
ثم انتقل المؤلّف إلى ذِكْر مَنْ خالَف هذه القاعدة، فيقول: «هم المرجئة والصاوي المالكي»[37].
ثم انتقل إلى الأمثلة التطبيقية فذكر عددًا من المسالك الكبرى في التراث التفسيري؛ فذكر تفاسير الباطنية، وتفاسير أهل الإشارة، وتفاسير المتكلّمين[38]، وهو في كلّ ذلك ينقل تقريرات ابن تيمية في تقويم هذه التوجهات والمسارات.
وإنّ من يتأمّل صنيع المؤلّف في القول بقاعدية هذا النصّ وتقريره لَيَتوقف في كلّ ما يأتي به المؤلِّف من قواعد، ويداخله الشكّ في قُدرة المؤلّف على أيّ قول صحيح في هذا الباب رأسًا، وسأبيِّن عددًا من وجوه الإشكال في صنيع المؤلف في هذه القاعدة:
1- نقل قواعد فنّ إلى فنّ آخر ونسبتها له دون أدلة:
قرّر المؤلّف أنّ هذه القاعدة مقرّرة عند علماء الأصول ولم يبيِّن لنا كيف قرّرها علماء التفسير، لا سيما وأنه في مقدّماته النظرية حَدّ للتفسير حدًّا، وكذا للمفسِّر؛ تمهيدًا للقول بأن هذه القواعد إنما يقرّرها المفسّر لا غيره، حتى تصلح نسبتها للتفسير، وإلّا فإنه لا يمكن بتاتًا نقل قواعد فنّ إلى فنّ آخر مغاير له واعتبارها قواعد لهذا الفنّ الآخر، فهذا غلط ظاهر، وقد أسلفنا إشباع القول فيه.
2- التناقض الصارخ في نسبة القاعدة للعلماء:
نسَب المؤلِّفُ تقريرَ هذه القاعدة إلى عدد من العلماء ومنهم الإمام فخر الدين الرازي، صاحب التفسير الكبير[39]، ومقتضى هذه النسبة أن يكون الرازي قد حرّر مضمون هذه القاعدة واستقرأ كلّيتها، وركّبها وحرّر مستثنياتها، ودلّل عليها، ونحوها من خطوات واسعة لإثبات قاعدة كلية في فنّ تطبيقي كالتفسير، ولنفرض جدلًا أنه قد حصل مثل هذا من الإمام الرازي -وهو ما لا يُسلّم به بتاتًا- إلّا أنه كيف يصحّ بأدنى نظر بعد هذا القول أن يكرّ المؤلّف بالبطلان على نفسه وعلى تقريره وعلى مجازفته في نسبته تقرير القاعدة للرازي فيقول عند ذكره للتفاسير المخالفة لهذه القاعدة، وذكر منها تفاسير المتكلمين: ...ومنهم فخر الدين الرازي في كتابه (تأسيس التقديس) وفي مواضع كثيرة من تفسيره[40].
ولا ندري كيف يصحّ في عقل عاقل أن يكون الرازي ممن قَعّد لهذه القاعدة في التفسير والترجيح وأثبت قاعديتها، ثم هو ممن خالفها ورمى بها عرض الحائط في كتاب خاصّ بنقض هذه القاعدة -في نظر المؤلّف- وهو كتابه: (تأسيس التقديس)، وفي مواضع كثيرة من تفسيره، كما يقول المؤلّف! فنحن أمام أمرين؛ فإمّا أن يكون الرازي لم يقرّر هذه القاعدة في التفسير ولم يَقُل بها أصلًا، ويكون القول بقاعدية هذا النصّ على هذا النصّ هو من صنيع المؤلّف ثم ألصقه تدليسًا باسم الرازي، وإمّا أن تكون هذه القاعدة الأصولية عند الإمام الرازي وعند غيره من الأصوليين يُقْصَد بها سياق آخر تمامًا في مقابل قول الباطنية الذين يحرّفون معاني الألفاظ عن دلالتها الظاهرية فيتوسّلون بذلك لهدم الشريعة وإفساد الملة، وهو الذي صنعه الإمام الغزالي في ردِّه على الباطنية في كتابه: (فضائح الباطنية)، لا كما يتوهم المؤلّف من أن تأويل الصفات الخبرية -الذي يسمّيه المؤلّف تحريفًا- يعدُّ خروجًا عن الظاهر، ومخالفًا للقاعدة التي سبق تقريرها أصوليًّا.
وصنيع المؤلّف في هذا المقام يدلّ على عدم تحقيق للقضية أصلًا، والحقّ أنّ جميع من يسمَّون بأهل السُّنة بالإطلاق العام والذي يَدخل فيه الأشاعرة والمتكلّمون بشكلٍ عام، وكلّ طوائف الموحّدين في مقابل الشيعة -كما يقرّ به المؤلّف- فإنهم يقولون بأنّ الألفاظ على ظاهرها، وهذا تجده في متون المبتدئين في علم الأصول[41]، وهذا الظاهر قد تعرض له عوارض تنقله عن معناه القريب للذّهن إلى معنى آخر تحتمله اللغة، وهذا وذاك كلّها معانٍ تحتملها اللغة، وترشّح القرائن المتصلة أو المنفصلة إحدى هذه المعاني، وتغليب إحدى هذه المعاني يرجع نهاية إلى ما يتوصّل إليه الناظر بعد استيفاء النظر فيما توفّر عليه من أدلة المعقول والمنقول.
ومَنْ تأمّلَ حقيقة الأمر وجد أنه ما من طائفة إلّا وفي القرآن ما تصرفه عن ظاهره، سواء أسمَّت ذلك صرفًا عن الظاهر أم لم تسمِّه، ولكن الحاصل أنه ضربٌ من ضروب ما يسمِّيه المؤلّف عند الآخرين تحريفًا.
3- مصادمة مفهوم المؤلّف للقاعدة لواقع كتب التفسير:
من العجيب في أغلب ما يجلبه المؤلّف من قواعد هي أن تأتي تطبيقاته على خلاف عمل المفسّرين، وكيف يصحّ نسبتها لهم بعد ذلك؟! بل كيف يصحّ جعلها قواعد المفسرين مع أنّ المؤلّف يَنعى على المفسّرين مخالفتهم للقاعدة التي يزعم أنها قاعدتهم، بما يُظْهِر المفسّرين وكأنهم غافلون فيما يطبِّقون عن ما سبق أن قرّروه وأصّلوه، وهذا مُسْقِط تمامًا للثقة فيهم، سواء التزم المؤلّف على هذا اللازم أو لم يلتزمه؛ لشدّة ظهور هذا اللزوم، وهو ما وقع من المؤلّف هنا، فمع ما يقرّره المؤلّف على طول الكتاب وعرضه أنه يجمع ما قرّره المفسّرون من قواعد ترجيحية، ثم هو يَنعى على المفسّرين مخالفتهم لهذه القواعد، وفي ذلك يقول: «وكُتُب التفسير مليئة بهذه التأويلات لصفات الباري، والمقصود بيان مخالفة المفسّرين لظواهر الكتاب والسنّة»[42].
وذَكَر منهم القاضي عبد الجبار، والزمخشري، وابن المنير[43]، وابن عطية، والرازي، والقرطبي، وأبا حيان، والسمين الحلبي، وابن جزي الكلبي، وأبا السعود، والشوكاني، وابن عاشور... وغيرهم[44].
والعجب إذا كانت هذه قواعد المفسّرين، وكلّ هؤلاء المفسِّرين قائلون أو عاملون بخلافها، فأيّ مفسّرين يعنيهم بهذه القواعد؟!
فإن قيل: إنّ المفسّرين قرّروا هذه القواعد، ولكنهم خالفوها في تطبيقاتهم، فيقال: إمّا أن يكونوا قد خالفوها غفلةً منهم وسهوًا، فلا يكونوا مفسّرين حينئذ، ولا ينبغي أن ننسج على منوالهم، وينهدم الأمر كليةً، وإنْ قيل: خالفوها لعلل خاصّة بهم، وقرائن ارتأوها تصرف القاعدة عن العمل في هذه المواضع، فتكون مخالفة المؤلّف لهم نسجًا على غير طريق أهل الفنّ، وحَيْدة بالمعرفة عن سبيل أهلها، ويكون هذا النظر خاصًّا بالمؤلف لا تصحّ نسبته للمفسّرين، بل يجب التوكيد على أنّ هذا الأمر على خلاف فهم المفسّرين وتطبيقاتهم، بحيث تكون نسبتها للتفسير نسبة إلى تفسير آخر غير الذي نسجه المفسّرون المعروفون الذين عَدّهم المؤلّف ضِمْن مَنْ خالفوا القاعدة وعملوا بمقتضاها.
ومن عجب أن يكون المؤلّف زاعمًا أنه يجمع القواعد بصفة رئيسة من كتب ثلاثة منها تفسير ابن عطية، ثم هو يَعُدُّ ابن عطية من الحائدين عن هذه القاعدة، وهو أمرٌ شديدُ الغرابة، لم نظفر -بعد طول النظر- بجواب عنه!
وجملة القول أنّ هذا النصّ لا يمكن أن يكون بهذه الحالة قاعدةً ترجيحية ولم يَجْرِ تركيبه في التفسير ولا بحث لكيفية سريانه، ولا يمكن توجيه اللّوم للمفسّرين على النحو الذي صنعه المؤلّف، وكلّ ما جلبه المؤلّف من نصوص هو في سياق السّجال العقدي بين الطوائف المتنازعة حول إثبات وجاهة نظريتها في باب الصفات الخبرية التي ذكرتْ في القرآن، وتفاصيل هذه الأقوال ومبانيها أَوْلَى بالبسط في كتب العقائد والفِرَق ولا تمثِّل صُلب التفسير.
وبعد هذا التجوال في هذا الواقع التطبيقي للكتاب بما رسمه له المؤلّف من شروط ومحدّدات، فإنه لا يمكننا الثقة بهذه القواعد ولا بجعلها معيارًا تُحاكَم إليه الثروة التفسيرية؛ لعدم صحة نسبة هذه القواعد للمفسّرين كما أسلفنا، وكما أنها غير مجدية من الناحية التطبيقية، كما أنها من قبِيل ما تنازع فيه العلماء بحيث يكون الخلاف بينهم قويًّا، ولا يمكن لمثل هذه النصوص التي يجلبها المؤلّف أن تفصِل في خلاف استمر على مدى القرون.
ب- إشكالات الصياغة والتحرير للقواعد:
إنه من الظاهر منهجيًّا أنه بعد هذا النقد الجذري لمنطلق العمل في الكتاب وفي مسالكه في بناء القواعد، وفي ضوء عدم اعترافنا بهذه المادة كثروة قاعدية جرى التوافق عليها بين المفسّرين؛ فإنّ الحديث عن الصياغة أو نحوها يبقى أمرًا بلا معنى، وإلّا فما جدوى الحديث عن إشكالات نصوص نحن غير معترِفِين بكونها قواعد المفسّرين أصالةً، إلّا أننا أردْنا أن نمضي بضرب عدد من الأمثلة لسببين رئيسين:
أولهما: بيان إشكالات الكتاب حتى من هذا الجانب أيضًا، وكيف أنه لم يُعْنَ منهجيًّا بضبط القواعد على سنن العلماء في التقعيد، وأنَّ عمله على هذا المستوى مشكِل ولا يمكن متابعته عليه.
ثانيهما: أردْنا أن يكتنز نقدنا إشارات ضمنية لمسالك الصياغة في تحرير القواعد، وبعض فوائد خفية في ذلك؛ ولذا سنضرب عددًا من الأمثلة التي صاغها المؤلّف على نحو غير محرّر في هذا الشأن.
المثال الأول:
- قاعدة: يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية القوية والمشهورة دون الضعيفة والشاذة الغريبة[45].
وفي هذه الصياغة عددٌ من الإشكالات؛ أهمها عدم الإيجاز، فالإيجاز من العناصر الأساسية للقاعدة، وخلاف ذلك يُفقد القاعدة جوهرها ورونقها وحقيقتها وماهيتها، «ذلكم أنّ القاعدة إذا صِيغت في جُمَل أو فقرة أو أكثر من ذلك، لم تَعُد تؤدّي وظيفتها التي هي جَمْع الفروع والجزئيات في حكم واحد»[46].
وهذا النصّ غير موجز وفيه استعمال للوصف والعطف بصورة لا تتناسب مع الصورة المعتصرة المختصرة لبناء القواعد عند العلماء، وكان يمكنه أن يصوغها على هذا النحو مثلًا: إعراب القرآن ينبغي أن يكون على أفصح الوجوه[47]. حيث جاءت هذه الصورة موجزة دون الأخرى، مع اجتماع الموضوع والحكم في كليهما، إلّا أنّ الخلاف في نوع الحكم بين القاعدتين؛ فالأُولى حوَت على (يجب)، والثانية على (ينبغي)، وهنا تَكْمُن الإشكالية الأخرى، فقد يقول قائل: إنّ هناك أمرًا دقيقًا متوفرًا في قاعدة دون الأخرى، وهذا صحيح مثل القيد الاحترازي في القاعدة الأولى (دون الضعيفة والشاذّة الغريبة) ولكن هذا الأمر ليس لازمًا توفّره في القاعدة، بل اللازم توفّره في تفاصيل وتفريعات القاعدة؛ لأن الشّاذ لا حكم له -كما تقرّر سابقًا- وهي تحمل الأصل العام، وهذا أيضًا يُفْقِد القاعدة كونها (جامعة مانعة)[48].
المثال الثاني:
- قاعدة: لا يصح حمل الآية على تفسيرات وتفصيلات لأمور غيبية لا دليل عليها من القرآن أو السنّة[49].
وعند تأمّل هذا النصّ يُلحظ إشكال على مستوى الصياغة وهو إدخال ما لا فائدة منه ولا حاجة فيه في مبنى القاعدة؛ كما يُلحظ كثرة الاحترازات التي لا مدخل لها في إدخال أو إخراج عن مضمون القاعدة، وكان يمكنه أن يعبِّر بمثل ما عبَّر به بعض المؤلّفين بقوله: «لا يقال في القرآن بالرأي»[50].
ومع أنّ هذا النصّ موجز وأكثر ملاءمة من حيث الصنعة البنائية للقواعد إلّا أنها جاءت بمخالفة غير صحيحة؛ ذلكم أنّ التفسير بالرأي منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، فلو جاء مصنِّفها بإيراد وصف (المذموم)، لكانت جديرة بالقبول عن الأخرى، فتكون حينئذ موجزة ومستوعبة لمعانيها وفروعها، وهذا على فرض استحقاق قاعديتها التفسيرية أصلًا[51].
ومثل ما قيل في هذه القاعدة يقال في هذه أيضًا؛ قاعدة: يجب حمل كلام الله تعالى على المعروف من كلام العرب دون الشاذ والضعيف والمنكر[52].
المثال الثالث:
قاعدة: إعادة الضمير إلى مذكور أَوْلَى من إعادته إلى مقدَّر[53].
وقاعدة: الأصل إعادة الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يرِد دليل بخلافه[54].
وفي هذه الصياغة للقاعدتين لدى المؤلّف تحدُث حالة من التشابه الكبير بين القاعدتين؛ مما قد يُظنّ معه أنهما بمعنى واحد، ولكنّ كلًّا منهما مختلفة عن الأخرى، صحيحٌ أنهما ذواتا موضوع واحد وهو الضمائر، إلّا أنّ القاعدة الأولى تتحدّث عن العلاقة بين الضمير المذكور والضمير المقدّر، بينما القاعدة الأخرى تبيّن العلاقة بين الضمير المذكور القريب مع الضمائر المذكورة قبله، وهذا يُحْدِث غفلة عن مضمون كلّ قاعدة، ويوجِد صعوبة في استلماح الفارق، وهذا الصنيع مما لا ينبغي أن يُسلك في صياغة القواعد المتقاربة في المضمون.
المثال الرابع:
قاعدة: يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية اللائقة بالسياق والموافقة لأدلة الشرع[55].
وقاعدة: يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية القويّة والمشهورة دون الضعيفة والشاذة الغريبة[56].
ولا ندري لماذا جعل المؤلّف قاعدتين مختلفتين لهذين المعنيين المتقاربين، اللهم إلّا أنه ينقل النصوص من مصادرها كما هي باعتبارها قواعد مختلفة عن بعضها لدى العلماء.
والناظر يجد مضمون القاعدتين واحدًا، إلّا أن القاعدة الأُولى اشتملت على مراعاة السياق وهو ما تفتقر إليه القاعدة الأخرى، وهذا القيد هو قيد ترجيحي فلو كان من ضوابط القاعدة لكان أَولى، ومع ذلك فلو سلّمنا خلاف ذلك فمن الممكن أن تحتمله القاعدة الأخرى، ويكون من شروط القاعدة أن تكون موافقة للشرع والسياق، وأمّا القاعدة الأخرى فقد أضاف إليها احترازًا بقول: «دون الضعيفة والشاذة الغريبة»، وهذا أمرٌ معلوم بأنّ الشاذ لا حكم له، وهذا أيضًا معلومٌ ذِكره ضمن تفصيلات وشروحات القاعدة لا في صياغتها[57].
ومثل هذا يقال في هاتين القاعدتين المذكورتين عند المؤلّف:
قاعدة: إذا اختلفت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية في تفسير كلام الله تعالى قُدِّمَت الشرعية[58].
قاعدة: إذا اختلفت الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية في تفسير كلام الله تعالى قُدِّمَت العرفية[59].
وفي هاتين القاعدتين أيضًا:
قاعدة: إعادة الضمير إلى مذكور أَولى من إعادته إلى مقدَّر[60].
قاعدة: القول الذي يجعل المشار إليه مذكورًا أَولى من القول الذي يجعله مقدّرًا[61].
وأيضًا في قاعدة: الأصل إعادة الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يرِد دليل بخلافه[62].
قاعدة: إعادة اسم الإشارة الموضوع للقريب إلى المذكور القريب أَوْلى من إعادته للبعيد[63].
والناظر في هذه المضامين يجدها متقاربة في المدلول إلا أنّ المؤلف وكأنه يريد أن يكاثر ساحة القواعد بعشرات القواعد وهي في أصلها متقاربة متداخلة، وكلّه تكرار لا معنى له.
والناظر في صنيع المؤلّف في الصياغات والبناءات يجده مشكلًا بصورة عامة، ولا يمكن أن يستلهم منه نظرية بنائية يمكن أن تستنبط من صنيعه، وإنما هو عمل ذوقي بلا محدّدات ولا شروط ولا ضوابط منهجية تصريحًا أو تلميحًا.
إننا وفي ضوء ما بينا من إشكالات كتاب د/ الحربي يتضح لنا أن الكتاب ما زال بحاجة لمزيد نقد وتقويم وأنه يحتوي على العديد من الأخطاء التي طرحنا فيها رؤوس أقلام، وعلامات تدل على ما وراءها إشكالات أخرى كثيرة.
خاتمة:
بعد هذا التطواف الموسّع مع كتاب (قواعد الترجيح عند المفسرين) للدكتور حسين الحربي وبيان الإشكالات المنهجية في كتابه يمكننا القول بأننا حتى لو غضَضْنا الطّرف عن غلط المنطلقات الكلية التي صدر عنها الكتاب فإنه ينطوي على ضعف منهجي كبير.
إنّنا ومن خلال ما قُمنا به من نقد كتاب الحربي في هذه المقالة وكذلك في مقالتنا الأخرى التي قوّمْنا فيها منطلقات الكتاب يمكننا القول أنّ مسار قواعد الترجيح برمّته مسار مشكِل من حيث هو ويحتاج لوقفة خاصّة تقوِّم سائر الكتابات فيه، بحيث يتم تقويم سائر الأعمال التي درجت على منوال هذا الكتاب وتابعته على القول في هذا الصّدد باعتبار مُضيِّها على الأغلاط نفسِها، وربما أكثر إيغالًا منه في الأغلاط والإشكالات، كما ندعو إلى إعادة التأمّل في منطلقات العمل في هذا الحقل الشديد الخطورة، وأنْ نحاول تحرير منطلق العمل فيه حتى تتهيّأ لنا انطلاقة يمكن اعتمادها في المسير قدُمًا نحو بناء هذا الحقل.
[1] يراجع مقالة: (كتاب قواعد الترجيح عند المفسّرين لحسين الحربي؛ قراءة نقدية لمنطلقات القول بالقاعدية)، على هذا الرابط: tafsir.net/article/5362.
[2] البحر المحيط، لأبي حيّان، (1/ 26).
[3] مقاربة في تحرير منطلق العمل في قواعد التفسير، خليل محمود اليماني، تحت هذا الرابط: tafsir.net/article/5336.
[4] قواعد الترجيح عند المفسرين، حسين بن علي الحربي، دار القاسم: الرياض، ط2، 1429هـ، ص33.
[5] مقاربة في ضبط معاقد التفسير، خليل اليماني، وهي منشورة تحت هذا الرابط: tafsir.net/article/5299.
ويعدُّ الباحث الفاضل/ خليل اليماني، مِن أحسن مَن قارَب في ضبط هذه الإشكالات وفي ضبط مفهوم المفسِّر، يقول: «فإنّ المفسِّر هو المشتغِل بتبيين المعنى المراد، وهذا الاشتغال يشمل جوانب عديدة؛ فمنه ما يتعلّق بإنتاج المعنى المراد ذاته، ومنه ما يتعلّق بالموازنة والتحرير بين هذه المعاني، ومنه ما يتعلّق بالجمع والترتيب لمادتها... إلى آخر ذلك من صور الاشتغال العلمي الممكن في دائرة التبيين للمعنى المراد. وأمّا مَن لا يَظْهَر في تصنيفه التفسيري اشتغالٌ بالمراد لا إنتاجًا ولا تحريرًا ولا جمعًا...إلخ، فإنّ إطلاق لقب المفسِّر عليه وتصنيفه في عِداد المفسِّرين لا يخلو من نظر؛ لأنه ليس صاحب اشتغال تفسيري على الحقيقة حتى يُصَنَّف في رجال الفنّ وضمن زُمرتهم ويكون كتابه من جملة الكتابات في الفنّ.
إنّ الاشتغال ببيان المراد هو ضابط حيازة لقبِ المفسِّر، وصحيح أن درجة هذا الاشتغال ببيان هذا المراد مما يتفاضل فيه المفسّرون ويقع بينهم التمايز فيه، إلا أنّ وجودَه في ذاته ونهوضَ العالِم بالتصدِّي للاشتغال فيه -بِغَضّ النظر عن رتبة هذا التصدي ومساحته- كافٍ في منحِ العالِم لقب المفسِّر وعَدِّه ضِمن جملة المفسّرين».
[6] قواعد الترجيح عند المفسرين، الحربي، ص69.
[7] قواعد الترجيح عند المفسرين، الحربي، ص81.
[8] انظر اللقاء المسجل بعنوان: تساؤلات حول قواعد التفسير، المنشور تحت هذا الرابط:www.youtube.com/watch?v=-aCFc7I6pxU.
[9] بَيْن الأصوليين أنفسهم خلافات واسعة في قضية النّسخ؛ فمنهم من ينكره أصلًا كأبي مسلم الأصفهاني وجماعة من المعتزلة الأُوَل، وتابَعَه من العصور الأخيرة جماعاتٌ من أهل العلم كمحمد عبده وعبد المتعال الجابري ومصطفى أبو زيد ومحمد الخضري بك وغيرهم.
ومن الأصوليين من ينكر وقوع بعض أنواع النّسخ ويُثبت بعضه، كمن يُثبت النّسخ عمومًا وينفي أن يكون هناك ما يسمى بنسخ التلاوة؛ كالسيد عبد الله بن الصديق الغماري، وله جزء في نقد القول بنسخ التلاوة، والشاهد هنا أنه كيف لنا أن نجمع هذه الأطياف المختلفة والآراء المتباينة كليًّا أو جزئيًّا تحت تأصيل نظري بهذه الصورة شديدة العمومية، مما يظهر بجلاء كون هذا التأصيل لا يصلح لتمثيل هذا الواقع بين الأصوليين والمفسّرين في هذه القضية.
[10] مفهوم النسخ بين المتقدّمين والمتأخّرين؛ نظرة تقويمية، مجلة تبيان، ص293.
[11] تفسير السمرقندي، (3/ 297).
[12] تفسير مقاتل، (4/ 44).
[13] النسخ في القرآن الكريم، ص310.
[14] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص94.
[15] قواعد الترجيح عند المفسّرين، للحربي، ص98.
[16] قواعد الترجيح عند المفسّرين، للحربي، ص97.
[17] ولعلّ مَن خَطَا نحو محاولة تأسيس هذا النصّ كقاعدة نسقية ودلّل عليها نظريًّا، وأسهب في بيانها تطبيقًا، وقام بعبءٍ كبير في تأصيلها؛ هو شيخنا الدكتور/ محمود عبد الجليل روزن، في كتابه: (الاختلاف الدلالي بين القراءات العشر في حكاية الأقوال).
[18] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص102.
[19] تفسير الطبري، (4/ 384).
[20] انظر: تفسير المحرر الوجيز، لابن عطية، (1/ 298).
[21] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (1/ 88).
[22] فصول في أصول التفسير، للطيار، ص129.
[23] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (1/ 120).
[24] قواعد التفسير؛ دراسة تقويمية، ص77.
[25] تفسير السمعاني، (2/ 224).
[26] الكشاف، (2/ 43).
[27] المحرر الوجيز، (2/ 320).
[28] تفسير القرطبي، (7/ 38).
[29] تفسير النسفي، (1/ 520).
[30] تفسير ابن جزي، (1/ 269).
[31] البحر المحيط، (4/ 580).
[32] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، (7/ 186).
[33] انظر: الدر المنثور، (3/ 315).
[34] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص137.
[35] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص137.
[36] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص139.
[37] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص150.
[38] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص158.
[39] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص143.
[40] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص158.
[41] انظر: لبّ الأصول وشرحه للمحلي، وانظر: شرح المحلي على جمع الجوامع، وحواشي العطار والبناني.
[42] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص161.
[43] ومن العجيب أن ابن المنير يتعقّب الزمخشري في أنه حرّف صفات الله بما دسّه في كشافه من الاعتزاليات، ثم يأتي المؤلّف فيسلك بابن المنير في سلك الزمخشري وهكذا... دواليك، كما يقول الغزالي: «فالحشوية تكفِّر الأشعرية والأشعرية تكفِّر الحشوية، والقدري يكفّر الجبري، والجبري يكفّر القدري...».
[44] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص162.
[45] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص242.
[46] نظرية التقعيد الفقهي، للروكي، ص68.
[47] فصول في أصول التفسير، للطيار، ص89.
[48] قواعد التفسير؛ دراسة تقويمية، لسعود العجمي، ص90.
[49] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، ص706.
[50] التحبير في قواعد التفسير، للعثمان، ص148.
[51] انظر: قواعد التفسير؛ دراسة تقويمية، لسعود العجمي، ص95.
[52] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 24).
[53] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 224).
[54] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 248).
[55] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 262).
[56] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 271).
[57] قواعد التفسير؛ دراسة تقويمية، ص100.
[58] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 53).
[59] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 64).
[60] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 224).
[61] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 229).
[62] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 248).
[63] قواعد الترجيح عند المفسرين، للحربي، (2/ 255).