أشكال الفهم الأكاديميّ المعاصِر لتماسُك النصّ القرآنيّ
أشكال الفهم الأكاديميّ المعاصِر لتماسُك النصّ القرآنيّ[1]
أندرو ريبّين[2]
حين يحاول العلماء والباحثون تناوُلَ النصّ القرآنيّ، فإنّهم يواجهون نصًّا يتطلّب تبنّي سلسلةٍ من الفرضيّات في عمليّة القراءة من أجل استقراء المعنى من الكلمات المكتوبة. لذا، حين نطرح أسئلة حول المنهجيّات الكامنة وراء كيفيّة دراسة القرآن وكيف ينبغي فَهْمه وتفسيره، كما هو مطلوب عند «إعادة التفكير» في القرآن، فإنّ علينا ابتداءً أنْ نتناوَل بعناية سؤالَ كيفيّة قراءتنا القرآن في المقام الأوّل. بعض الفرضيّات الكامنة وراء منهجيّاتنا المتّصلة بعمليّة القراءة هذه هي فرضيّات يحتّمها «المنطق السليم»؛ فهي من سمات قراءة أيّ نصّ. على سبيل المثال، لا بُدّ من تقديم افتراض مشترَك لطبيعة اللغة المستخدمة. يتّفق جميعُ العلماءِ والباحثين تقريبًا على أنّ النصّ القرآنيّ باللغة العربيّة، وأنّ بإمكاننا استخدام مصادر التراث المعجميّ والنحويّ العربيّ لفَهْم ذلك النصّ، طالَما كان هذا يتمّ من منظورٍ نقديٍّ مناسب. فالغايةُ هنا ألّا نعتبر النصّ مكتوبًا بشفرةٍ تحتاج إلى مفتاحٍ لحلّها؛ بل نفترض أنّ النصَّ عملٌ معبِّر من أعمال التواصُل اللُّغويّ. وتخضع الفرضيّات الأخرى لمزيدٍ من النقاش بين العلماء والباحثين، خصوصًا تلك الفرضيّات المتعلّقة بالسياق التاريخيّ الذي يحتاج النصّ أنْ يُوضَع فيه من أجل فَهْمه.
تميل الخطوط العريضة لهذا النقاش -كما يتجلّى اليوم- إلى النظر في المدى الذي يُتاح فيه اعتبار التراث النصّيّ اليهوديّ والمسيحيّ -على نطاقٍ واسع- من المصادر المهمّة للمعلومات اللازمة لفَهْم القرآن، مُقارَنةً بتراث عربيّ معيَّن قد يَحوِي عناصر يهوديّة ومسيحيّة محلّيّة مُمتزِجة به. يتمّ تأطير كثير من هذا في نقاشٍ آخر يتعلّق بمدى توظيف التاريخ، خصوصًا ما تنطوي عليه السيرة النبويّة، من أجل وضع النصّ القرآنيّ في سياقه. ويُعَدّ التفريق بين السوَر المكيّة والمدنيّة هو الموضع الأوضح والأساسيّ الذي تبرز فيه هذه القضيّة؛ فيُطرَح سؤال: هل هناك معايير مستقلّة تسمح للمرء بقراءة القرآن في إطار هذا الإدراك للتطوّر التاريخيّ والدينيّ؟ تمثّل مثل تلك النقاشات أجزاء أساسيّة من التحليل العِلميّ.
هناك مجالٌ ثالث صار محطّ اهتمامٍ خاصّ في السنوات الأخيرة، يدور حول النظريّات التي تتناوَل وحدة البنية الأدبيّة في النصّ. ولتوضيح هذا بصورةٍ أفضل، عادةً ما يتمّ تأطير القضيّة على أنّها تدور حول إنْ كان ينبغي للمرء قراءة كلّ سُورة على أنّها وحدة متكاملة (وعادةً مع إمكانيّة وجود آيات مدنيّة في سوَر مكّيّة) أمْ قراءة القرآن على أنّه سلسلة من قِطَع وأجزاء قصيرة.
ينبع اهتمامي بنقاش هذا الموضوع من ملاحظة طرَحها كارل إرنست[3] في كتابه المنشور مؤخّرًا،[4] بعنوان: كيف نقرأ القرآن (How to Read the Qurān’)، وفيه يقول: «...إنّ فَهْمَ البنية والتنظيم الداخليَّين للقرآن يساعدنا كثيرًا في استيعاب رسالته الكليّة، ويقدِّم لنا طرقًا لإدراك العلاقة بين مقطعٍ منه وآخر. فضمن الإطار الزمنيّ، تمثّل السورةُ الوحدةَ الأوّليّة للتحليل، وعلينا فهْمُها كوحدة أدبيّة متكاملة، لا مجموعة عشوائيّة من آياتٍ غير مترابطة»[5]. هذا التأكيد على أنّ «الوحدة الأوّليّة للتحليل» هي السورة، يمثّل -في تقدير إرنست- الاتّجاه السائد في الدراسة والعمل البحثيّ اليوم. وقد علّق آخرون على هذا الأمر أيضًا، فعلى الأرجح بدأ هذا النقاش مع مقالةٍ نشرها مستنصِر مير[6] في العام 1993م[7]. إلّا أنّ هذه النقطة الأساسيّة تثير سؤالًا يبدو لديّ أنّه لَم يَسْتَوْفِ حقَّه من النقاش. من المؤكَّد أنّ إرنست محقٌّ في قوله إنّ العديد من الاتّجاهات المهمّة في الدرس القرآنيّ الحديث تُولِي السورةَ اهتمامًا خاصًّا باعتبارِها الوحدة الأساسيّة للتحليل. صدمتني حقيقة وصحّة هذه الملاحظة بشكلٍ خاصّ في مؤتمرٍ حول القرآن عُقِد في شيكاغو في العام 2012م، وفيه بَدَا أنّ عددًا كبيرًا من الأوراق البحثيّة تضمّنت مُحاجَجة للقول بوحدة الوحدات الأدبيّة الطويلة في النصّ؛ ولاحظتُ أيضًا وجود هذا الاتّجاه في عددٍ من الأوراق العِلميّة التي طُرِحَت في لقاءٍ للأكاديميّة الأمريكية للأديان[8] عُقِد أيضًا في شيكاغو في العام 2012م. تساءلتُ حينها -وما زلتُ- لماذا صارت فكرةُ تناوُل القرآن من خلال أجزاء[9] معتبَرة الطول -وعادةً ما تكون سُورًا بأكملها- سائدةً بشكلٍ كبير في الدوائر الأكاديميّة. وكيف نفسِّر ونُعلّل هذه السيادة والهيمنة في مجالنا؟
إنّ هدف هذه الورقة، إذن، هو القول إنّنا -كأكاديميّين نحاول قراءةَ النصّ القرآنيّ- بحاجة إلى أنْ نعي أنّ قراءتنا تقع في إطار المنظور الأكاديميّ لكلٍّ منّا. وسأُشير هنا إلى أنّ فكرة وَحدة السورة (أو، ضمنيًّا وغالبًا، وَحدة القرآن ككلّ) على النحو الذي تُوظّف به كإستراتيجيّة للقراءة هي -جزئيًّا على الأقلّ- ردّة فعل على الاتّجاهات الأدبيّة المعاصِرة خارج مجال دراسة القرآن. تتميّز هذه الفرضيّة عن البنى الأدبيّة للقرآن -التي يبدو بالفعل أنّها صارت نمطًا سائدًا في التحليل الأكاديميّ في هذه المرحلة بعينها من التاريخ- بأنّها تميل إلى محاولة إثبات منظور مفرَد؛ ومن ثَمّ رؤية أيّ تحدّيات لذلك المنظور على أنّها دليلٌ على حالة «الفوضى» أو «الأزمة» أو «التهافُت» التي يحياها مجالنا الدراسيّ. لا يُقيّد هذا المنظور آفاق استكشاف النصّ القرآنيّ فحسب، وإنّما يتجنّب التعامُل المباشر مع بعض الجوانب الأكثر تحدّيًا في القرآن كنصّ.
وختامًا للورقة، أشير إلى أنّ طرقًا أخرى في فَهْم القرآن بتركيزٍ على تحليل تجرِبة القارئ (بدلًا من الغوص في البنى الأدبيّة النظريّة) قد تقدِّم لنا حلًّا مثمِرًا بديلًا لما يبدو أحيانًا كأنّه هو المعضلة في كيفيّة قراءة القرآن من منظورٍ أكاديميّ.
الوحدة الأدبيّة للمقاطع الطويلة:
عادةً ما تمثّل النقاشات الدائرة حول الوحدة الأدبيّة للمقاطع الطويلة في النصّ القرآنيّ تأكيدًا للإستراتيجيّة المقابِلة «للمُقارَبة الذرّيَّة» (atomistic approach) في تفاسير العصور الوُسطى، والمقابِلة أيضًا للمُقارَبة اللُّغويّة (approach philological) لدى بعض الدراسات المعاصِرة التي تركّز على كلماتٍ أو جُمَل بعينها. ومع ذلك، فهذا وصفٌ لا يُجسِّد تجربة القراءة لدى المفسِّرين القُدامى ولا المُقارَبة التي يتبنّاها فقهاء اللغة (philologists)؛ وإنّما هو خطوة بلاغيّة من قِبَل الكُتّاب المعاصِرين بُغيَة تبرير نَبْذ تراث العصور الماضية. بالنسبة لمفسِّري العصور الوُسطى، وبَينما ينقسم النصّ إلى أجزاء قصيرة لتركيز الانتباه، فإنّه لا يُقرَأ أبدًا بطريقةٍ تُغفِل ما يأتي في مواضعَ أخرى من النصّ. فقد تشبَّث المفسِّرون بوحدةٍ ضمنيّة لبنية النصّ ومحتواه، حتّى إنْ كان شكل كتاباتِهم في إطار عِلم التفسير قد أخفى ذلك عبْر المُقارَبة المَوضِعيّة [مقابل المَوضوعيّة][10]، التي تتناوَل الآيةَ تلو الآية والجملةَ تلو الأخرى. من المؤكد أنّ المفسِّرين لَم يبحثوا عادةً عن روابط كامنة وخفيّة بين الآيات، بل إنّ بعض الكُتّاب أنكروا حتميّة وجودها. ولكنّ الوعي بوحدة النصّ المعياريّ[11] يكمن وراء جُلّ التقنية التفسيريّة القديمة/ الكلاسيكيّة التي تبحث عن «الوجوه والنظائر» خلال النصّ بُغيَةَ فهْمِه؛ ويُعزّز أيضًا المُقارَبة الخطّية بالضرورة في القراءة، وهي المُقارَبة التي ربّما يكمن فيها الاختلاف الأساسيّ عند مُقارَنتها مع بعض النظريّات الحديثة حول الوحدة الأدبيّة لأجزاء طوال من النصّ، كما سنرى.
عادةً ما يُنظَر إلى وحدة الأجزاء الطوال من النصّ على أنّها لا تتوافق مع قراءة تاريخيّة ولُغويّة/ فيلولوجيّة تامّة، وهي القراءة التي ترى كلّ قسم من النصّ مدفوعًا بسياقات تاريخيّة متغيّرة، كما ينعكس في الفكر الإسلاميّ القديم، حيث فكرة أسباب النزول، وفي الدراسة الأكاديميّة من خلال الطريقة التي تبنّت بها هذا المنظور الإسلاميّ القديم وقامت بتكييفه. تشير متطلّبات التاريخ إلى القدرة على تعيين أقسام القرآن في قِطَع أصغر وأصغر. غير أنّ هذا يُبهِم القضيّة الجوهريّة؛ لأنّنا حين نتحدّث عن «وحدة» يكون انشغالنا فعلًا بحجم الجزء الذي علينا اعتباره الوحدة الأساسيّة التي ستُوجِّه وتدفع تفسيرَ المرء للنصِّ. ربّما لا يزال ممكنًا اعتبارُ مثل هذه الوحدات الأدبيّة الطويلة مُضمَّنة في سياقٍ تاريخيّ.
تتعلّق النقطة الكامنة في مفاهيم وحدة المقاطع الطويلة بتدفّق النصّ. ومن المهمّ أنْ نتذكّر أنّ القرارات المتعلّقة بانسياب النصّ تُحدِث فارقًا كبيرًا في عمليّة فَهم النصّ. وأعتقد أنّنا نتّفق جميعًا على ذلك. هناك بعض الأمثلة التقليديّة على المواضع التي يمكن أنْ نرى فيها كيف يؤثّر هذا المفهوم حول السياق النصّيّ -المدفوع حينها بفكرة وحدة جزءٍ ما من النصّ- في فهْمنا للنصّ. يأتي مثالٌ واضح على ذلك في قصّة رؤيا الذبح التي رأى فيها نبيُّ الله إبراهيمُ أنّه يذبح ابنه. كما يُشار غالبًا، فإنّ قراءة سورة الصافّات (وترتيبها في المصحف رقم 37) بطريقة خطّيّة تعني أنّ الآية 101: {فبَشّرناهُ بغُلامٍ حَلِيمٍ} لا بُدّ أنْ تُشير إلى إسماعيل (ومِن ثَمّ فهو المقصود بالذبح والتضحيّة التي رآها أبوه في المَنام)؛ لأنّ آيةً لاحقةً (112) تقول: {وبَشّرناهُ بِإسْحَاقَ نبيًّا مِنَ الصَّالِحين}. وبَينما من الممكن التمسّك بأنّ وَحدة السورة لا تتطلّب توالي السرد الخطّيّ، والعديد من النظريّات المعاصِرة تنفي هذه الخطّيّة صراحةً، فإنّ مثالًا بسيطًا كهذا يوضِّح تمامًا أنّ قضيّة تجزئة النصّ هي قضيّة حاسمة بالنسبّة لأيّ قارئ. وحدة سورة الصافّات أمرٌ جوهريّ بالنسبة لقراءةٍ ترى أنّ هاتَين الإشارتَين هما بالضرورة إلى ابنَي إبراهيم [لا أحدِهما فقط][12].
كنظريّة حول النصّ القرآنيّ، فإنّ فكرة وحدة الأجزاء الطوال من النصّ قد طُرِحَت بشكلٍ خاصّ من خلال محاولات إقامتها على قواعد وأسس صارمة (وقد نقول على قواعد وأسس «عِلميّة»). تؤدّي مثل هذه النظريّات مباشرة إلى ظهور إستراتيجيّات في القراءة، ولكنْ ما نراه مُميَّزًا في هذه النظريّات هو تلك الرغبة في إثبات أو على الأقل إظهار الشعور بالوحدة الأدبيّة لجزءٍ طويل [من النصّ]. وهذا أمرٌ مهمّ: فالحجّة لا تقوم على أساس تجرِبة القارئ؛ إذ ليس «مجموع التأثير أو الانطباع»[13] هو ما تُشير إليه -في هذه النقاشات- وحدة الجزء الطويل، فهذا الشعور بـ«الوحدة» أو «المجموع» يكمن في ذهن القارئ، ويتطلّب قرارًا واعيًا من قِبَله ليجلس ويقرأ قِسمًا من النصّ باعتباره شيئًا كاملًا. إنّما تتمّ مُقارَبة النصّ من زواية بِنيته الأدبيّة، ويُقترَح -ضمنيًّا- أنّ علينا قراءة الأجزاء المعنيّة من النصّ كأجزاء طوال، بل مُصاغة عمدًا على تلك الشاكلة من منظور مؤلّفها وقائلها.
تسير مثل تلك الاستدلالات والنقاشات، حول نظريّات وحدة الأجزاء الطوال من النصّ، على عددٍ من الأسس التي تحتاج إلى بعض التمييز. ويُمكن أيضًا عَزوُها إلى طائفة واسعة من العلماء، ممّا يُشير إلى أنّ هذا اتّجاه واسع الانتشار أكثر من كونه وقع كمجرّد نتيجة لتأثير مُقارَبة واحدة بعَينها سادت وهيمنَت. المُقارَبات التي سأصفها هنا ليست بالضرورة بمعزلٍ عن بعضها بعضًا؛ فربّما ينبغي لهذه الفئات أنْ يُنظَر إليها على أنّها تلخيصات لاتّجاهات عامّة يمكنها أنْ تتمظهر وتعبّر عن نفسها بعدّة طرق وأشكال.
في المُقارَبة الأولى، كان ترابُط الآيات والسوَر من الأمور التي جرى رصدها وملاحظتها ضمن النهج التفسيريّ للمسلمين في العصور الوُسطى، وعادةً ما رُبِطَ ذلك بفكرة أنّ هناك حكمةً ما في الأسلوب الذي انتظم به النصّ. وهذا ما اصطُلِح عليه عادةً باسم «عِلم المناسَبات»، وكان ممّن أبرزَه وأشاعَه في علوم القرآن السُّيُوطيّ والزَّرْكَشي[14].
أمّا المُقارَبة الثانية فهي أنّ السوَر يربطها ويجمعها موضوع ومحتوىً ما، وهي المُقارَبة التي حاجَج عنها كثيرون، منهم سيّد قطب من خلال فكرته عن «محورٍ» يجمع كلّ الوحدات الأدبيّة معًا. وهذه المُقارَبة متأصِّلة أيضًا في كثير من المُقارَبات الأخرى، كما هو الحال مع إصلاحيّ[15] وتأكيده على فكرة «العَمود»[16] في تطويره مفهومَ «النّظْم». تنشغل مثل هذه المُقارَبات أساسًا على قاعدة المحتوى أوّلًا، ثمّ تحديد الروابط بين أقسام ذلك المحتوى.
والمُقارَبة الثالثة فهي أنّ كَون السوَر تربطها وتجمعها اللغة والأسلوب هي مُقارَبة صارت عنصرًا مركزيًّا في العديد من النظريّات، ولكنّها تبرز تحديدًا كنظريّة منعزلة في أحد أعمال بِهنام صادقي[17] الأخيرة في القيام بما يسمّيه تحليلًا «أسلوبيًّا موزونًا» stylometric للقرآن[18].
تتحاشَى مثل هذه المُقارَبة أيّ اتّصالٍ بمحتوى وبنية النصّ، وإنّما تركّز حصرًا على الطابع الأسلوبيّ للغة. تبحث مُقارَبة صادقي في أكثر المقاطع الصرفيّة[19] شيوعًا في النصّ (العلامات النحويّة بشكلٍ أساسيّ)، وتتتبّع تكرارَها وأنماطها في المقاطع الطويلة. وهو يرى اختلافاتٍ في تواتُر استخدام المقاطع الصرفيّة المختلفة بين الأجزاء المختلفة [من النصّ]؛ ثمّ يُحاجِج أنّ تقسيم الأجزاء الكبيرة [من النصّ] إلى نصفها يكشف لنا أنّ تواتُر المقاطع الصرفيّة يتشابه في كلا نصفَي أيّ مقطعٍ طويل. وهكذا يخلُص إلى أنّ هذَين النصفين يتشابهان في الأسلوب ويرتبطان معًا بشكلٍ واضح.
أمّا المُقارَبة الرابعة، التي لا شكّ أنّها الأشهر اليوم، فتقول إنّ السوَر تربطها وتجمعها بنية كامنة فيها. تتّخذ تلك البُنى الكامنة العديدَ من الصِّيَغ، ومنها الصِّيَغ الوعظيّة والطقوسيّة -كما تمّ الحديث عنها خصوصًا في أعمال أنجليكا نويفرت[20][21]- والبلاغيّة، كما نرى في أعمال ميشيل كويپرس[22][23]. قد تنطوي مثل تلك البنى أيضًا على ملاحظات حول الموضوع والمحتوى معًا، ولكنّ الأهمّ أنّ تلك النظريّات تؤكِّد أنّ النصّ يجب أنْ يستخدم مثل تلك الصِّيَغ، بغضّ النظر عن محتواها، لأنّ تلك الصيغة هي ما تتطلّبه رسالةُ القرآن[24].
نظر كثيرٌ من العلماء والباحثين في السمات البنيويّة للسوَر[25]، واستخدم كلٌّ منهم بناه النظريّة ومفرداته الخاصّة لترسيم حدود الأجزاء القرآنيّة والطابع الأدبيّ للنصّ ككلّ. كان الهدف من كلّ هذه الجهود هو رفض ما يُفهَم على أنّه زعْمُ بعضِ العلماء والباحثين الآخرين أنّ القرآن خليطٌ غير متجانس من النصوص ذات قافية متكلّفة، جرى تأليفها وتركيبها دون وجود تصوّر كلّي، وعلى مدى فترة زمنيّة طويلة، ثمّ جُمِعَت تلك النصوص من قِبَل أشخاص قاموا بتحريرها ولَم يكن لديهم فهْمٌ كافٍ للمقصد الأصليّ للنصّ. ولكنْ بالأحرى، ترى حُجّة أولئك العلماء والباحثين أنّ هناك وحدة يُمكن إدراكُها بالتأكيد في كلّ جزءٍ طويلٍ من النصّ، وهي وحدة يمكن الكشف هنا واستشفافُها.
ما يميّز هذه المُقارَبات هو اليقين الذي يُنافِح به ممارِسوها عن نظريّاتهم: فهناك زعمٌ ضمنيّ أنّ التحليل تصدُر عنه نتيجة «موضوعيّة» بسبب تجانُس واتّساق البناء ضمن النصّ القرآنيّ الكلّيّ (أو، ربّما، ضمن الفترات الزمانيّة). ويشير جابريل سعيد رينولدز[26]، في مراجعته مقالةَ ميشيل كويپرس حول سورة المائدة (وترتيبها في المصحف رقم 5)، إلى أنّ كويپرس يخلص إلى القول أنّ «النصّ القرآنيّ مرتّب ومنظّم بدقّة رياضيّة مذهِلة». وتعلّق رايتشيل فريدمان [على عمل نويفرت] قائلةً إنّ نويفرت تؤكِّد على أنّ «القرآن يقوم بالفعل على أساسٍ من منطقٍ داخليّ يمكن للقارئ الفطِن المتيقّظ أنْ يكتشفه ويَستخلِصَه (وإنْ كان مِن الملحوظ أنّ أحدًا لَم ينتبه إلى هذا النمط من البنى في النصّ القرآنيّ، قبل أتباع المنهج البنيويّ مؤخّرًا)». مع ذلك، وفي الأساس، فإنّ هذه الملاحظات حول وحدة المقاطع الطويلة، التي أبداها أناسٌ مثل كويپرس ونويفرت، ليست دائمًا مُقنِعة. من السهل في كثيرٍ من الأحيان تسجيل أنّ البنى التي يقترحها مؤلّفٌ ما تختلف عن تلك التي يقترحها قارئٌ آخرُ لِذاتِ النصّ. مِن ثَمّ نرى أنّ تلك البنى يفرضها القارئ نفسه؛ فهي لا «تنبثق» تلقائيًّا وبصورة طبيعيّة من النصّ. فمثل تلك البنى هي -في الواقع- قراءات للنصّ تبرز كأشياء عِلميّة؛ ومثل تلك القراءات، في رأيي، يفوتها ملاحظة (أو على الأقلّ تغضّ الطرفَ عن) جزءٍ مهمّ من أيّ نصّ، وهو الانقطاعات [التي ترِد فيه]. إذ إنّنا نميل إلى التقليل من أهميّة (بل إلى إنكار) الأقسام التي تشوّش على القراءة السلِسة، والتي لا تتوافَق [بسهولة مع بقيّة النصّ]، والتي تُعِيق انسياب اللغة أو الموضوع أو بنية النصّ؛ بدلًا من تسليط الضوء عليها. إلّا أنّ مثل تلك الانقطاعات قد تحمل أيضًا بعضَ المعنى من خلال عمليّة الانقطاع ذاتها؛ وقد تكون أيضًا انقطاعاتٍ هدفها تحريك ذهن القارئ وجذب انتباهه.
لماذا التأكيد على وحدة المقاطع الطويلة؟
إلّا أنّ النقطة التي أطرحها هنا ليست في نقد هذه المُقارَبات التي تركّز على وحدة المقاطع الطويلة. فالتطوّر الفكريّ لهذا الاتّجاه في تناوُل القرآن هو ما يجذب انتباهي. بالتأكيد ليست فكرةُ تناوُلِ السوَر كوحدات متكاملة جديدةً تمامًا في البحث العِلميّ. ففي القرن التاسع عشر الميلاديّ، تناوَل تيودور نولدكه[27][28] سُوَر القرآن بهذه الطريقة، ما عدا المواضع التي شعر عندها بوجود تداخلات من أجزاء مدنيّة في سُوَر مكّيّة من النصّ، تبعًا للتقاليد الإسلاميّة. ولكنّ أعمال بعض العلماء والباحثين اللاحِقين[29] ركّزت على الفجوات في النصّ، ومن ثَمّ برزت فكرة أنّ تقسيمَ النصّ إلى وحدات أقصر كان هو أمثَلَ نموذج يمكن من خلاله فهْمُ معنى النصّ (وسياقه التاريخيّ). تعايشَت هاتان الرؤيتان دون اهتمامٍ كبير بالقضيّة الأساسيّة حتى وقتٍ قريب. لذا يجب أنْ يكون السؤال: ما الذي دفعَ مجالَ الدراسات القرآنيّة مؤخّرًا للتركيز على الوحدات الأدبيّة الكبرى كأساسٍ للتحليل؟
يبدو من المؤكَّد أنّ الفكرةَ -كما تمّ التعبير عنها بوحدة الموضوع في كلّ سورة؛ وَفق ما جاء في تفسيرَي الفراهيّ[30] وإصلاحيّ مطلعَ القرن العشرين الميلاديّ- قد لفتَت انتباهَ العلماء والباحثين إلى الفكرة الأساسيّة [وراء تلك الوحدة]. ففي تحليل مستنصِر مير لظهور النظريّات الإسلاميّة حول وحدة السوَر[31]، نجده يشير إلى احتماليّة أنّ مثل تلك الأفكار نفسِها ربّما ظهرَت كردّة فعلٍ على اتّهامات غربيّة قديمة حول الطابع المُفكَّك [غير المُترابِط] للنصّ القرآنيّ. فهل يمكن إذَن النظر إلى هذا القبول المعاصِر في الأوساط العِلميّة والبحثيّة بوحدة المقاطع الطويلة في النصّ [القرآنيّ] على أنّها استجابة اعتذاريّة، بدافعٍ من [ذلك] المُنعطَف [في الفكر] الإسلاميّ[32]؟ هذا تفسيرٌ وتوضيح لا يمكن تجاهلُه واستبعادُه. فمن المؤكَّد أنّ تفسير مير لاهتمامِ المسلمين بهذه المُقارَبة -من تشديدٍ على الوَحدة كطريقةٍ للتخلّص من «حمولة» الأزمان الماضية ولإعادة قراءة القرآن للتأكيد على صلاحيته وصِلته بالوقت الحاضر- هو تفسيرٌ مقنِعٌ لهذه الظاهرة في إطارٍ من الإخلاص الدينيّ؛ ولكنّه غير مقنع عند محاولة تعليل ذلك التركيز الأكاديميّ [من قِبَل الباحثين والأكاديميّين].
من أجلِ استيعاب وفهْمِ هذا التأكيد على تحليل الأجزاء الطوال من النصّ في أعمال عِلميّة/ بحثيّة، أعتقد أنّ من الضروريّ النظرَ خارجَ مجال الدراسات الإسلاميّة. ففي دراسات الكتاب المقدَّس، ظهر المَيل نحو تجزئة نصّ الكتاب المقدَّس إلى قطع صغيرة نتيجةَ الحاجة إلى فهْمِ تركيبة النصّ. وكان الإخفاق في إيجاد عناصر تُشير إلى وحدانيّة مؤلّف أسفار الكتاب المقدَّس قد دفَعَ العلماءَ والباحثين إلى ابتكار نظريّات -خاصّة حول نقد المصادر ونقد الصيَغ [اللُّغويّة]- تُتيح لهم استيعاب النصوص الموجودة في أسفار الكتاب المقدَّس على أنّها حشدٌ من قطع [صغرى من النصوص]، وذلك من خلال وضع تلك القطع الصغرى في السياق التاريخيّ لأصلها ونشأتها. ومع ذلك، وردًّا على مثل تلك المُقارَبات، ظهرت نظريّات جديدة ذات تأثير ونفوذ في القرن العشرين الميلاديّ. انطلقَت تلك النظريّات من حقيقة وجود نصوص معياريّة للكتاب المقدَّس (biblical canon)، قِيل إنّه «لا بُدّ أنّ شخصًا ما قام بجمعه»[33] بهدف تقديم نصّ مفهوم، مع وجود فكرة النوع الأدبيّ كنتيجة نهائيّة وراء تلك العمليّة. بمعنى أنّه في دراسات الكتاب المقدَّس كان هناك علماء وباحثون -مثل بريڤارد تشايلدز[34] وجيمس ساندرز[35]، اللذَين برزَا في عقد السبعينيّات من القرن العشرين الميلاديّ- ينادون بـ«نقد النصوص المعياريّة» (canonical criticism) الذي يرى أنّ المعنى ينبثق من أسفار الكتاب المقدَّس عند جمعها في الكتاب الكلّيّ الإجماليّ[36].
هذا التطوّر في دراسات الكتاب المقدَّس، في حدّ ذاته، لَم يُوجَد أو ينبع من فراغ؛ فهنا أيضًا نحن بحاجة إلى الاهتمام بالاتّجاهات الأوسع في النقد الأدبيّ، من أجل فهْمِ سبب ظهور هذه الأفكار. إذ إنّ هذا المنعطَف نحو العناية بوحدة الأجزاء النصّيّة الطوال يعكس أيضًا اتّجاهاتٍ في النقد الأدبيّ بمفهومٍ أعمّ. وهناك تشابُهات جوهريّة بين «نقد النصوص المعياريّة» للكتاب المقدَّس وبين ما يُعرَف باسم «النقد الجديد» في الدوائر الأدبيّة؛ ومن ذلك: التركيز على النصّ نفسه والقراءة الفاحصة له، ورفض مقصد المؤلّف الأصليّ، واللامبالاة بالسياق التاريخيّ للنصّ[37]. وبَينما خضع «النقد الجديد» نفسُه لنقدٍ مكثّف ولَم يَعُد يشغَل مكانَ الصدارة في الدوائر الأدبيّة الأكاديميّة، لكنّه في صِيَغٍ معدَّلة ما يزال يمثّل نظريّة قويّة وذات تأثير، وخصوصًا بين أولئك الراغبين في رؤية العودة إلى تقدير القِيَم الجماليّة للأدب.
لا أرغب في الدفاع عن معنًى تبسيطيّ للتأثير أو فرض نظريّات من الخارج على عمليّات التناوُل العِلميّ والبحثيّ للنصّ القرآنيّ. وإنّما يبدو لي أنّ الأهمّ هو الإحساس العامّ بالأجواء المتغيّرة في الاهتمام الأكاديميّ بالنصوص ومُقارَباتِها. فتلك الملاحظات تقودنا إلى العديد من الأسئلة: هل هذه العناية بالوحدات التركيبيّة الكبرى في القرآن جزءٌ من استجابة أكاديميّة عامّة تعكس المخاوف التي تبَدّت في كثيرٍ من الأوساط في بدايات القرن الحادي والعشرين الميلاديّ حول «الطبيعة الهدّامة» لعمليّة البحث عن المصادر وطبقات التركيب [النصّيّ]؟ هل هذه العناية بالوحدات الكبرى تعكس حافزًا شُوهِد في بعض الأقسام الأدبيّة للانتقال من النظريّة والعودة إلى دراسة «الأدب» والخصائص الجماليّة وما إلى ذلك، وعادةً ما يُنظَر إليه على أنّه خطوة رجعيّة إلى حدٍّ كبير وتراجُع نحو «نقدٍ جديد» مُعادة صياغته؟ هل هي رفضٌ لفكرة الطبيعة السياسيّة للأدب، التي يكون فيها موقعُ النصّ وموضَعَتُه أمرًا أساسيًّا، وهل هي عودة إلى التأكيد على جماليّات النصّ وتركيبه، وهي رؤيةٌ آمَنُ للنصوص المقدَّسة في هذا العالَم شديد التسييس الذي نحيا فيه[38]؟
لا أعتقد أنّ هناك إجابات بسيطة على هذه الأسئلة التي طرحتها توًّا؛ ولكنّ النقطة الأساسيّة التي أودّ توضيحها هنا هي أنّنا في قراءتنا الأكاديميّة للقرآن نحتاج إلى أنْ نكون على وعيٍ بموقع قراءاتنا وموضعها. إنّ الميل والرغبة في إثبات منظور واحد -وفي رؤية أيّ تحدّيات لذلك المنظور على أنّها دليلٌ على حالة «الفوضى» أو «الأزمة» أو «التهافُت» التي يحياها مجالنا الدراسيّ- أمرٌ حقيقٌ بالإخفاق، وذلك بسبب الطبيعة المتغيّرة لوجهات النظر الأكاديميّة. لن أنكر أنّ هذه الدراسات البنيويّة تمثّل قراءات وجيهة تقدِّم معنًى للقارئ الذي يرغب في تبنّيها؛ ولكنّا كعلماء وباحثين، علينا الحذر من ادّعاء احتكار عمليّة إنتاج المعنى عبْر مُقارَبة معيَّنة وحيدة. ومن المهمّ التأكيد على النقطة الأساسيّة من أنّ هناك قِيَمًا معاصِرة معيَّنة مرتبطة بالتماسُك والوحدة، وأنّ عالمنا الأكاديميّ المُكرَّس لدراسة القرآن إنّما يعكس تلك القِيَم.
وهناك مُقارَبات أخرى تتحاشي بعض ذاتيّة الأفكار المتعلّقة بالأجزاء الطوال من النصّ، وفي الوقتِ نفسِه لا ينتج عنها اختزال النصّ إلى أجزاء قصيرة توحي بانعدام الوحدة الأدبيّة. ومن المهمّ أنْ نستذكر النقطة التي بدأتُ بها [الورقةَ]؛ وهي أنّ على المرء أنْ يُقرِّر إستراتيجيّةً في القراءة كخطوةٍ أولى لفهْمِ القرآن، ومِن ثَمّ تدريسه ودراسته.
نحو إعادة التفكير في القرآن:
كانت هنالك معضِلة فيما سبَق: إذ إنّ قراءة القرآن تتطلّب من المرء أنْ يتبنّى مجموعةً ما من الإستراتيجيّات القِرائيّة التي تعتني بالوحدات الأدبيّة، وذلك من أجل تحديد امتداد السياق الذي سيأتي من خلاله فهْمنا للنصّ. وتظلّ المُقارَبةُ التي تتناوَل الوحدات الأدبيّة الكبيرة، كما أشرتُ آنِفًا، مع ادّعاءاتِها الموضوعيّة = ذاتيّةً كأيّ مُقارَبة أخرى تتناوَل الوحدات الصغرى من النصّ، وهي تعكس اتّجاهات فكريّة أخرى في الوقت الحاليّ.
ومع ذلك، فإنّ فكرة وحدة النصّ يمكن توظيفها -باعتبارها افتراضًا مسبَقًا واعيًا- كطريقة لمُقارَبة النصّ بحيث يتمّ تأطير النصّ في تجرِبة القارئ، سواءٌ كان ذلك القارئ من القرن السابع الميلاديّ أمْ من القرن الحادي والعشرين. توصَف هذه المُقارَبة غالبًا بالتزامُن؛ وفي بعض النقاشات[39] تُتّهَم بانطوائها على فرضيّات لاهوتيّة/ كلاميّة؛ ويُقال إنّ المُقارَبة المُتزامِنة، عند النظر إليها من زاوية تاريخيّة، تفترِض وجود نصّ معياريّ canonical text بحوزة جماعة المسلمين في العصور المتأخّرة لَم يكن في العهد النبويّ. تُعَدّ القراءاتُ الدلاليّة semantic-كتلك التي نربطها بإيزوتسو[40]- وتحليلاتُ الخطاب التي تركّز على لغة القرآن أمثلةً على المُقارَبات التي يوضَع فيها القارئ بشكلٍ واعٍ أمامَ النصِّ المعياريّ canonical text كوحدة كليّة؛ ويصير التركيز حينها على كيفيّة معايشة القارئ النصَّ. ليس هنالك نقاش دائر حول الوحدات الأدبيّة؛ وإنّما تمّ قبول هذه الإستراتيجيّة باعتبارها «حقيقة». هل يمكن لمثل هذه المُقارَبة أنْ تقدِّم نموذجًا للتحليل؟ من المؤكَّد أنّها مسارٌ يستحقّ أنْ يُسلَك.
إنّ المُقارَبة العِلميّة التي قد تُعالِج بعض هذه المسائل هي نظريّة «استجابة القارئ» reader response أو «نظريّة/ تاريخ التلقّي» reception history/ theory؛ وقد أشرتُ في عددٍ من كتاباتي السابقة[41] إلى أنّ هذا اتّجاهٌ يمكن للدراسات القرآنيّة، وينبغي لها، أنْ تسلُكَه. يتفادَى مثلُ هذا المنظور العِلميّ بعضَ المشكلات الجوهريّة التي أوضحتُها آنِفًا. فالنظرة الأساسيّة نظرةٌ مشتركة؛ والمعنى ليس «حاضِرًا» في أيّ نصٍّ ينتظر استخراجَه، وإنّما يتمّ إنشاؤه من جديد عبْر فعل القراءة الذي يُمارِسه كلّ فردٍ على حدة. ولكنّ هذا لا يفيد أنّ المعنى عشوائيّ؛ فعمليّة إنشاء المعنى تقع في فضاءٍ اجتماعيّ يتقاسَم بعض أشكال الفهْم المشتركة؛ وتلك هي القاعدة التي يتواصل بعضُنا مع بعضٍ عبْرها بنجاح، لأنّنا نتقبّل أعراف الخطاب وتقاليده. وقد صار اهتمامي الخاصّ بعدئذٍ ينصبّ على السجل التاريخيّ لكيفيّة قراءة المسلمين القرآنَ كما تجسّدت في التفاسير.
من جهة القراءة المعاصِرة للقرآن، قد يشجِّع مثل هذا المنظور -كمنهجيّة من أجل «إعادة التفكير» في القرآن- توجيه الانتباه إلى «الفضاء الاجتماعيّ» الذي يحدث فيه فهْمُ [النصّ القرآنيّ]، والتأمّل في ذلك الفضاء. وهو يستدعي تحليلًا للافتراضات المسبَقة لا ضمن فعل القراءة نفسه فحسب، كما أشرتُ هنا، وإنّما أيضًا من منظور القِيَمِ التي سيتمّ استنباطُها من القرآن والحاجةِ إلى توضيح تلك القِيَم. وهذا يخلق فيما بعد «الفضاء الاجتماعيّ» للتواصل. ستظهر، بالطبع، أفهامٌ مختلفة نتيجةً لذلك؛ إذ إنّ بعضًا سيجدون فضاءَهم الاجتماعيَّ المشترك في سياق الجامعة العِلمانيّة الحديثة، وسيجده آخرون في سياق كليّةٍ لاهوتيّة (seminary). وهذه مُقارَباتٌ ما زلتُ أعتقد أنّها بحاجة إلى مزيدٍ من الاستكشاف خلال دراستنا القرآن.
[1] نُشِرت الورقة عامَ 2013م في مجلّة البيان (Al-Bayan Journal)، الصادرة عن قسم القرآن والحديث في أكاديميّة الدراسات الإسلاميّة بجامعة المالايا (University of Malaya) في العاصمة الماليزيّة كوالالمپور.
[2] أندرو ريپّين (1950-2016م) Andrew L. Rippin - عالِم وباحث كنديّ من أصول بريطانيّة، متخصّص في الدراسات الإسلاميّة والقرآنيّة وعِلم التفسير وتاريخ الإسلام المبكّر، إضافةً إلى بعض الدراسات حول المذهب الإباضيّ. كان زميلَ الجمعيّة الملكيّة الكنديّة منذ 2006م. درَس في جامعة ماك-غيلّ (McGill)، وتولّى عمادة كليّة العلوم الإنسانية بجامعة ڤيكتوريا، في ولاية "كولومبيا البريطانيّة" (British Columbia) بكندا، ودرَّس فيها. من كتبه: المعتقدات والممارسَات الدينيّة لدى المسلمين (1990م) Muslims: Their Religious Beliefs and Practices، وهو كتاب ذائع الانتشار، والقرآن وتراثٌ من التفاسير (2001م) The Qur’an and its Interpretative Tradition. حرّر ريپّين أيضًا عددًا من الكتب، منها: مُقارَبات لتاريخ التفسير (1988م) Approaches to the History of the Interpretation of the Qur’an، والقرآن: الأسلوب والمحتوى (2001م) The Qur’an, Style and Content، وقراءات في التعريف بالإسلام (2007م) Defining Islam: A Reader، والعالَم الإسلاميّ (2010م) The Islamic World، الذي يأتي في سلسلة دار روتلِدج اللندنيّة عن العوالِم القديمة والدينيّة. وقد أسهَم ريپّين في تحرير كتب أخرى، منها: مصادِر نصّية لدراسة الإسلام (1987م) Textual Sources for the Study of Islam، بالاشتراك مع جان كناپّيرت Jan Knappert، والإسلام التقليديّ: مرجعٌ من النصوص والتراث الدينيّ (2003م) Classical Islam: A Sourcebook of Religious Literature، بالاشتراك مع جاويد مُجدّدي Jawid Mojaddedi ونورمان كالدِر Norman Calder، ودليل وايلي-بلاكويلّ إلى القرآن The Wiley-Blackwell Companion to the Qur’an، بالاشتراك مع جاويد مُجدّدي، وصدر في العام 2017م بعد رحيله. حرَّر عددًا من سلاسل الكتب الأكاديميّة، منها سلسلة «دراسات روتلدج حول القرآن». [المترجِم]
[3] كارل إرنست (1950م-…) Carl W. Ernst - أستاذ الدراسات الإسلاميّة في قسم الدراسات الدينيّة بجامعة نورث كارولينا الأمريكية، ومدير مشارِك لمركز دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلاميّة بالجامعة نفسها؛ وهو زميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم. نالت ترجمته أشعارَ الحسين بن منصور الحلّاج (244- 309هـ = 858- 922م) إلى الإنكليزيّة جوائزَ في الترجمة. ومن كتبه: اتّباع محمّد: إعادة التفكير في الإسلام في العالَم المعاصِر (2003م) Following Muhammad: Rethinking Islam in the Contemporary World، وقد نال العديد من الجوائز الدوليّة للإنجاز الثقافيّ العِلميّ، وكيف نقرأ القرآن: دليل جديد، مع ترجمات مختارة (2011م) How to Read the Quran’ A New Guide, with Select Translations، وانعطافات الإسلام في الهند: وضع التصوّف واليوغا (2016م) Refractions of Islam in India: Situating Sufism and Yoga، وليس الأمر أكاديميًّا فحسب: مقالات في التصوّف والإسلام (2017م) It’s Not Just Academic: Essays on Sufism and Islam. أسهم أيضًا في تحرير عددٍ من الكتب، منها: إعادة التفكير في الدراسات الإسلاميّة: من الاستشراق إلى الكوزموبّوليتانيّة (2010م) Rethinking Islamic Studies: From Orientalism to Cosmopolitanism، بالاشتراك مع ريتشارد مارتن، ورُهاب الإسلام في أميركا (2013م) Islamophobia in America؛ وغير ذلك من الكتب حول التصوّف والإسلام، تحريرًا وتأليفًا. وقد سافر في كثير من الرحلات البحثيّة والعِلميّة، ومن أجل حضور المؤتمرات، إلى الهند وباكستان وجنوب شرق آسيا وتركيا وإيران ومنطقة الخليج العربيّ. [المترجِم]
[4] نتذكّر هنا أنّ هذه الورقة نفسَها منشورة في العام 2013م. [المترجِم]
[5] انظر: Carl W. Ernst, How to Read the Quran: A new guide, with select translations (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2011), 12.
[6] مستنصِر مير (1949م- ...) Mustansir Mir -أستاذ الدراسات الإسلاميّة في جامعة يونغستاون، بولاية أوهايو الأمريكية، ومدير مركز الدراسات الإسلاميّة فيها. ينحدر من أصول باكستانيّة؛ وقد درَّس في كلّيات مدينة لاهور في پاكستان وجامعة ميتشغان الأمريكية والجامعة الإسلاميّة العالميّة في ماليزيا. تنصبّ اهتماماتُه الأكاديميّة والبحثيّة على الدراسات القرآنيّة والتفسير ودراسة أفكار الشاعر والفيلسوف الهنديّ المسلم محمّد إقبال. من أبرز كتبه: التماسُك في القرآن: دراسة مفهوم النَّظْم في تفسير «تدبّر القرآن» لإصلاحيّ (1986م) Coherence in the Quran A Study of Islahi Concept of Nazm in Tadabbur-i Quran ، وقاموس المصطلحات والمفاهيم القرآنيّة (1987م) Dictionary of Quranic Terms and Concepts، وقاموس الاصطلاحات اللفظيّة في القرآن (1989م) Verbal Idioms of the Quran، وإقبال (2006م) Iqbal، في سلسة «صنّاع الحضارة الإسلاميّة» الصادرة عن دار بلومزبري اللندنيّة، وفَهْم النصّ المقدَّس الإسلاميّ: دراسة لمقاطع مختارة من القرآن (2008م) Understanding the Islamic Scripture: A Study of Selected Passages from the Quran. [المترجِم]
[7] انظر:
Mustansir Mir, »The sūrah as a unity: a twentieth century development in Qur’ān exegesis,« in Approaches to the Qur’ān, ed. G.R. Hawting & Abdul-Kader A. Shareef (London: Routledge, 1993) 211-24.
وأيضًا الفصل الأوّل من كتاب:
Salwa M. S. el-Awwa, Textual relations in the Qur’ān: relevance, coherence and structure (London: New York: Routledge, 2006).
ففيه عرضٌ جيّد للمُقارَبات التقليديّة والأكاديميّة في تناوُل بنية النصّ القرآنيّ.
وانظر أيضًا:
Nevin Reda, »Holistic approaches to the Qur’ān: a historical background,« Religion Compass 4 (2010), 1-12.
قلتُ: ترجَم «مركزُ نهوض للدراسات والبحوث» المقالةَ الأخيرة من هذه المصادر؛ وهي متاحة عبْر هذا الرابط بعنوان (المقاربات الكلية للقرآن؛ خلفية تاريخية): nohoudh-center.com/sites/default/files/2020-04/30-almqarbat-alklyt-llqran-khlfyt-tarykhyt.pdf. [المترجِم]
[8] الأكاديمية الأمريكية للأديان American Academy of Religion - أُسّسَت في العام 1909م، وهي أكبر رابطة عِلميّة في العالَم تجمع العلماء والأساتذة والباحثين في مجال الدراسات الدينيّة وما يتّصل به من علوم؛ سواء كانوا علماء أديان أو أساتذة في الجامعات أو باحثين مستقلّين، أو حتّى مهتّمين بالمجال ومطّلعين عليه من عموم الناس. [المترجِم]
[9] ليس المقصود هنا جزءًا من أجزاء القرآن الثلاثين، وإنّما أجزاء ومَقاطِع وأقسام من مُجمَل النصّ القرآنيّ. [المترجِم]
[10] ما بين هذَين المعكوفين [ ] في عموم الورقة هو من إضافة المترجِم للتوضيح.
[11] في هذا الموضع كان الأصل canon، وهي من أصعب الكلمات عند الترجمة. فهي تعني، من بين معانيها، مجموعة «النصوص» أو «الكتب» التي تراها جماعةٌ دينيّةٌ ما أو غير دينيّة نصوصًا وكتبًا ذات مرجعيّة ومصداقيّة وسلطة دينيّة أو ذات سلطةٍ في مجالها. لهذا أعتمد هنا تعبير «نصّ معياريّ» في مقابلها، مع استمرار إضافة المقابل الإنكليزيّ منعًا للالتباس، وليكون الأمر واضحًا أمام القارئ. خِلافُ تلك المواضع، فـ«النصّ» وحده يأتي في مقابل text. والله أعلَم. [المترجِم]
[12] من المقرر كما هو معلوم توقيفية ترتيب النص القرآني داخل السور، وأن ترتيب الآيات على وضعيتها التي بين أيدينا لم يتدخل فيه أحد باجتهاد من أي نوع، ومن هاهنا كان تتبع سياق النص في المقطع الذي ينتمي إليه وكذا في السورة التي يرد ضمنها =من أهم الأدوات التي يلجأ إليها المفسرون في بيان المعاني وضبط مرامي النص، غير أن ريبين فيما يبدو من طرحه لا يراعي هذا البعد بصورة دقيقة؛ إذ يفترض إمكان الفهم للمقاطع القرآنية -حتى المقطع الواحد- بدون مراعاة لزوم الترتيب ومؤشراته، وهو أمر مشكل، (قسم الترجمات).
[13] هذه هي لغة إدغار آلان پو E.A. Poe في حديثه عن كتابةِ الشعر، في مقالته «المبدأ الشعريّ» (The Poetic Principle)، التي كتبها في العام 1950م. نصّ هذه المقالة متاحٌ عبْر هذا الرابط: www.eapoe.org/works/essays/poetprnb.htm.
[14] لاستقصاء التحليل الذي يقدِّمه [الخطيب] الإسكافيّ [ت:420هـ = 1029م] لسورة المرسَلات، انظر:
Andras Hamori, »Did medieval readers make sense of form?: Notes on a passage of al-Iskāfī,« in In quest of an Islamic humanism: Arabic and Islamic studies in memory of Mohamed al-Nowaihi, ed. A. H. Green (Cairo: AUC Press, 1984), 39-47.
من النقاط التي تنبثق من هذا التحليل أنّ القراءات القديمة ليست دائمًا خطّيّة تمامًا، وأنّه كان هناك وعيٌ على مستوى عالٍ للغاية بالبنى الأدبيّة. وقد قدَّم مستنصِر مير، في ورقته التي قدّمها خلال مؤتمر «إعادة التفكير في القرآن» Rethinking the Quran، الخطوطَ العريضة لثلاث مُقارَبات لمسألة النَّظْم في أوساط المفسِّرين، تُساعدنا خلال التفكير في الجوانب المختلفة لقضيّة «الترابُط» في الفكر التفسيريّ: إذ تُضيف ثلاثيّته التصنيفيّة، من سياقٍ وتماسُك واستمراريّة، مزيدًا من الدقّة إلى هذا الجانب من تحليلي هنا.
[15] أمين أحسَن إصلاحيّ (1904- 1997م) Amin Ahsan Islahi - من كبار العلماء ومن أبرز الدعاة والمفسِّرين في شبه القارّة الهنديّة؛ وقد كان خطيبًا بارعًا، أُوتِيَ لغةً جزلة وبَيانًا. حفظ القرآن في كُتّاب قريته، ثمّ الْتحَق في سنّ العاشرة بـ«مدرسة الإصلاح»، التي أسّسها العلّامة الفراهيّ، وتتلمذ عليه وعلى كتبه وغيره من علماء المدرسة؛ وقد تأثّر كثيرًا بالفراهيّ في منهجه التفسيريّ ومن ذلك مفهوم «العَمود». درَس في تلك المدرسة بين عامَي 1914- 1922م فارتبط اسمُه بها، إذ منها جاء لقبُه «إصلاحيّ». من أبرز آثاره تفسيرٌ بعنوان: تدبُّر القرآن، تُرجِم إلى الإنگليزيّة، إضافةً إلى تدبُّر الحديث، وتزكية النفس، وتفهيم الدين، ومكانة المرأة في المجتمع الإسلاميّ، وسلسلة حقائق (حقيقة: الشرك، التوحيد، الرسالة، الصلاة، التقوى، المعاد). [المترجِم]
[16] يقول الشيخ إصلاحيّ في مقدِّمة تفسيره باللغة الأرديّة تدبُّر القرآن (صفحة "ل" من المقدِّمة): «...إنّ ما ذكرناه قبلَ هذا كان يتعلّق بداخل كلِّ سُورةٍ، أيْ إنّ لكلِّ سُورةٍ وَحدةً مُستقلّة من حيث العنوان والعَمود، ويتعلّق جميع أجزاءِ السورة بالعَمود تعلُّقًا تامًّا... وله جانبٌ ظاهرٌ لكلِّ واحدٍ، ولكنْ مع هذا له جانبٌ سِرّيٌّ [خَفِيّ] لا يتّضح إلّا بعد التدبُّر والتفكّر العميق في كتاب الله». [المترجِم]
[17] بِهنام صادقي (معاصِر) Behnam Sadeghi - أكاديميّ وباحث إيرانيّ في التاريخ؛ حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة في العام 2006م من جامعة پرنستون الأمريكية، ويعمل في جامعة ستانفورد، وحصل على زمالة معهد الدراسات المتقدِّمة بمدينة پرنستون. تناوَلت أبحاثُه الرؤى الإسلاميّة الأولى حول دور المرأة في المجال العامّ، وكيف تطوّرت تلك الأفكار والرؤى في المناطق المختلفة من البلاد الإسلاميّة، والأسباب التي أدّت إلى اختفاء بعض الأفكار ورسوخ أخرى في المدارس الفقهيّة القديمة. من كتبه: منطق صياغة القوانين في الإسلام: المرأة والصلاة في التراث التشريعيّ (2012م) The Logic of Law Making in Islam: Women and Prayer in the Legal Tradition. [المترجِم]
[18] انظر:
Behnam Sadeghi, »The chronology of the Qur’ān: a stylometric research program,« Arabica 58 (2011) 210-99.
وللاطّلاع على مُقارَبة تركّز على القافية واستخدام الكلمات، انظر:
Shawkat Toorawa, »Sūrah Maryam (Q. 19): lexicon, lexical echoes, English translation,« Journal of Qur’anic Studies 13 (2011), 25-78.
[19] مقطع صرفيّ morpheme - هو أقلّ لفظٍ أفادَ معنًى متضمّنًا فيه، ولا يمكن تفكيكه أو تجزئته إلى أدنى من ذلك. مثالُ ذلك كلمة «المُزارِع»، فيها هذه المقاطع الصرفيّة: «ال» التعريف، الجذْر «زرع» للدلالة على فعل الزراعة، ووَزن اسم الفاعل «مُزارِع» للدلالة على القائم بالفعل. ومثالٌ آخر كلمة «يَتلاوَمون»، مقاطعها الصرفيّة: ياء المُضارَعة للدلالة على زمن الفعل، وفعل «لوَم» للدلالة على فعل اللوم والعتاب، وواو الجماعة والنون التي تلحقها (ون) لإفادة الإعراب والجنس والجمع. ويُنظَر إلى المقطع الصرفيّ تبعًا لعلاقاته الوظيفيّة في النظام اللغويّ. [المترجِم]
[20] تقول نويفرت: «ينتظم كثيرٌ من السوَر وَفق نمطٍ معقّد، ويستخدم إستراتيجيّات بلاغيّة فعّالة»؛ انظر ص72 من فصل لها بعنوان:
«Meccan texts, Medinan additions? Politics and the re-reading of liturgical communications»
في كتاب:
Words, texts and concepts cruising the Mediterranean sea, ed. R. Arnzen, J. Thielmann (Leuven: Peeters, 2004).
بالنسبة إليها، فالصراع بين فكرة النصّ المقدَّس غير المشروط وبين التاريخ قد حُلّ عبْر تحديد الصِّيَغ الأدبيّة (المرتبطة تاريخيًّا) التي يُنظَر إليها باعتبارها تنقل معنًى. انظر أيضًا فصلًا لها بعنوان:
«Reclaiming Babylon: the multiple languages of the Qur’ān»
ويأتي في الصفحات 565- 591 من الكتاب التالي:
Islamic thought in the Middle Ages: studies in text, transmission and translation, in honour of Hans Daiber, ed. Anna Akasoy, Wim Raven (Leiden: Brill, 2008).
وإنّ القضيّة التي عادةً ما تثيرها نويفرت حول الوضع «ما قبل النصّيّ» pre-canonical و«ما قبل التنقيحيّ» pre-redactional للنصّ، تقع ضمن سياق السيرة النبويّة، وبالتالي لا تتيح ظهور ملاحظات أدبيّة فقط وإنّما ملاحظات تاريخيّة أيضًا.
[21] أنجليكا نويفرت (1943م-...) Angelika Neuwirth - باحثة ومُستعْرِبة ألمانيّة، أستاذة الدراسات القرآنيّة في جامعة برلين الحرّة وأستاذة زائرة في الجامعة الأردنيّة في عمّان. خلال دراستها الأكاديميّة تخصّصت في الدراسات الإسلاميّة والدراسات الساميّة وفقه اللغات القديمة؛ وقد دَرَسَتها في جامعات برلين وميونخ وغوتينغِن وطهران والجامعة العبريّة في القدس. وتنصبّ اهتماماتها البحثيّة على القرآن والتفسير والأدب العربيّ الحديث في بلاد الشام، وخصوصًا الشعر والنثر الفلسطينيّ حول الصراع العربيّ-الإسرائيليّ. تُشرِف على مشروع «كوربوس كورانيكوم» Corpus Coranicum؛ وأدارت من قبله المعهد الألمانيّ للأبحاث الشرقيّة، بفرعَيه بيروت (OIB) وإسطنبول (OI-Ist)، بين عامَي 1994- 1999م. حصلت في العام 2011م على عضويّة شرفيّة بالأكاديميّة الأمريكية للفنون والعلوم، وحصلت في العام التالي على الدكتوراه الفخريّة في الدراسات الدينيّة من جامعة ييل الأمريكية. وفي العام 2013م حازت جائزةَ سيغموند فرويد للنثر العلميّ، التي تمنحها الأكاديميّة الألمانيّة للغة والشعر، عن أبحاثها القرآنيّة. انتُخِبت في العام 2018م زميلةً في الأكاديميّة البريطانيّة. من أعمالها: القرآن كنصٍّ من العصور القديمة المتأخّرة: مُقارَبة أوروبيّة (2010م) Der Koran als Text der Spätantike: Ein europäischer Zugang، وصدرَت ترجمتُه إلى الإنجليزيّة في العام 2019م عن مطبعة جامعة أكسفورد بعنوان: The Qur’an and Late Antiquity: A Shared Heritage؛ وأسهمت مع نيكولاي سيناي ومايكل ماركس في تحرير كتاب القرآن في سياقه: تحقيقات تاريخيّة وأدبيّة في المحيط القرآنيّ (2010م أيضًا)، الصادر عن دار بريل اللايدنية في سلسلة «نصوص ودراسات حول القرآن». وصدَرَ لها في العام 2014م عن مطبعة جامعة أكسفورد في «سلسلة الدراسات القرآنيّة» كتابها النصّ المقدَّس والشعر وتكوين مجتمع: قراءة القرآن كنصٍّ أدبيّ (2014م) Scripture, Poetry and the Making of a Community: Reading the Qur’an as a Literary Text؛ وشاركَت مع مايكل سيلز في تحرير كتاب واقع الدراسات القرآنيّة اليوم (2016م) Qur’anic Studies Today الصادر عن دار روتلِدج اللندنيّة في سلسلة «دراسات روتلدج حول القرآن». وتسعى منذ العام 2010م إلى إصدار تفسير للقرآن بالألمانيّة مع ترجمة جديدة في 5 مجلّدات، صدَرَ منها -حتّى العام 2017م- المجلّدُ الأوّل والجزءُ الأوّل من المجلّدِ الثاني. [المترجِم]
[22] تقع دراسات كويپرس حول القرآن (وكذا دراساته حول أجزاء أخرى من النصّ) ضمن البنية النظريّة التي أعلنها رولان ميينه، المعروفة باسم «البلاغة الساميّة» Semitic rhetoric؛ انظر:
Michel Cuypers, »Semitic rhetoric as a key to the question of the nazm of the Qur’anic text,« Journal of Qur’anic Studies 13/1 (2011), 1-24.
يسعى عمل كويپرس إلى الكشف عن تماسُك التركيب القرآنيّ، ويقوم بهذا من خلال محاولة إثبات أنّ القرآنَ نموذجٌ للبلاغة الساميّة، وأنّ الصِّيَغ البلاغيّة الموجودة في الكتاب المقدَّس [العهدَين القديم والجديد، التوراة والإنجيل] يمكِنها أنْ تساعدنا في فَهْم النصّ المقدَّس لدى المسلمين.
[23] ميشيل كويپرس (1941م-...) Michel Cuypers - باحث بلجيكيّ في المعهد الدومينيكي للدراسات الشرقيّة في القاهرة، حيث يعيش منذ العام 1989م؛ وهو عضو أخويّة «إخوة يسوع الصغار». عاش 12 عامًا في إيران، وحصل على الدكتوراه في الأدب الفارسيّ من جامعة طِهران. تخصّص في الدراسات الأدبيّة والتحليل البلاغيّ للنصّ القرآنيّ، وتحديدًا جوانب تركيبة النصّ وعلاقاته بالنصوص المقدَّسة السابقة. من كتبه: نَظْم القرآن والبلاغة الساميّة (2012م) La Composition du Coran: Nazm al-Qur’an, Rhétorique sémitique (وصدَرَت ترجمته إلى الإنجليزيّة بعد ثلاثة أعوام بعنوان: The Composition of the Qur’an: Rhetorical Analysis)، والعِيد: قراءة في سورة المائدة (2007م) Le Festin: une lecture de la Sourate al-Ma’ida (وصدَرَت ترجمته إلى الإنجليزيّة بعنوان: The Banquet: A Reading of the Fifth Sura of the Qur’an في العام 2009م، وهو العام نفسه الذي حصل فيه على «الجائزة العالميّة لكتاب العام» من وزارة الثقافة في إيران). نشر أيضًا، بالاشتراك مع جينيفيف جوبيلو، كتابًا بعنوان: مفاهيم خاطئة عن القرآن: بين التقليد الإسلاميّ والقراءة الحداثيّة (2014م) Idées reçues sur le Coran: entre tradition islamique et lecture moderne. ونُشِر له أيضًا نهاية العالم في القرآن: قراءة في آخر ثلاث وثلاثين سورة (2014م) Une apocalypse coranique: Une lecture des trente-trois dernières sourates du Coran، وفيه يلخّص بعض مقالاته حول القرآن ويطوّرها. [المترجِم]
[24] يقول جابريل سعيد رينولدز، في مراجعته مقالةَ ميشيل كويپرس حول سورة المائدة، إنّ كويپرس يخلص إلى القول إنّ «النصّ القرآنيّ مرتّب ومنظّم بدقّة رياضيّة مذهِلة» (العدد 88 من مجلّة الإسلام: مجلّة تاريخ الشرق الأوسط وثقافته Der Islam، الصادرة بالألمانيّة والإنگليزيّة والفرنسيّة عن دار «دي غرويتر» De Gruyter الألمانيّة، [2012]، ص430). وتعلّق رايتشيل فريدمان على عمل نويفرت قائلةً إنّ نويفرت تؤكِّد على أنّ «القرآن يقوم بالفعل على أساسٍ من منطقٍ داخليّ يمكن للقارئ الفطِن المتيقّظ أنْ يكتشفه ويَستخلِصَه (وإنْ كان مِن الملحوظ أنّ أحدًا لَم ينتبه إلى هذا النمط من البنى في النصّ القرآنيّ، قبل أتباع المنهج البنيويّ مؤخّرًا)». (ص139 من مقالة بعنوان: «Interrogating structural interpretation of the Qur’ān»، في العدد 87 من مجلّة الإسلام Der Islam)
ودراسة فريدمان مترجمة على موقع تفسير، بعنوان «مساءلة التفسير البنيوي»، ترجمة: أمنية أبو بكر، يمكن مطالعتها ضمن الترجمات المنوعة على قسم الاستشراق بموقع تفسير، (قسم الترجمات).
[25] من الأعمال الأخرى:
Pierre Crapon de Caprona, Le Coran, aux sources de la parole oraculaire: structures rythmiques des sourates mecquoises (Paris: Publications Orientalistes de France, 1981).
Neal Robinson, Discovering the Qur’ān: a contemporary approach to a veiled text (London: SCM Press, 1996).
Mathias Zahniser, »Major transitions and thematic borders in two long sūrahs: al-Baqarah and al-Nisā’,« in Literary structures of religious meaning in the Qur’ān, ed. Issa J. Boullata (Richmond: Curzon, 2000), 26-55.
[26] غابريل سعيد رينولدز (1973م-…) Gabriel Said Reynolds - أستاذ اللاهوت والدراسات الإسلاميّة في جامعة نوتردام بولاية إنديانا الأمريكية منذ العام 2003م؛ وكان قد حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة من جامعة ييل في العام نفسه. يهتمّ بالدراسات القرآنيّة والعلاقات الإسلاميّة-المسيحيّة وفترة ظهور الإسلام. له إسهامات في موسوعة الإسلام Encyclopaedia of Islam، الصادرة عن دار بريلّ اللايدِنيّة. من كتبه: متكلِّمٌ في محيطٍ طائفيّ: القاضي عبد الجبّار ونقد المصادر المسيحيّة (2004م) A Muslim Theologian in the Sectarian Milieu: Abd al-Jabbar and the Critique of Christian Origins (وهو ترجمة وتعليق على جزء من كتاب تثبيت دلائل النبوّة للقاضي عبد الجبّار)، والقرآن ومضامينه من الكتاب المقدَّس (2010م) The Qur’an and Its Biblical Subtext، وظهور الإسلام: التقاليد القديمة في المنظور المعاصِر (2010م) The Emergence of Islam: Classical Traditions in Contemporary Perspective، والقرآن والكتاب المقدَّس: نصّ وتفسير (2018م) The Qur’an and the Bible: Text and Commentary، والله: الإله في القرآن (2020م) Allah: God in the Qur’an. حرَّر أيضًا كتابَ القرآن في سياقه التاريخيّ (2008م) The Qur’an in Its Historical Context الصادر عن دار روتلِدج اللندنيّة في سلسلة «دراسات روتلدج حول القرآن». [المترجِم]
[27] انظر:
Theodor Nöldeke, F. Schwally, G. Bergsträsser, O. Pretzl, Geschichte des Qorans. 3 vols (Leipzig: Dieterich’sche Verlagsbuchhandlung, 1909-38).
[28] تيودور نولدكه: 1836- 1930م Theodor Nöldeke - شيخُ المستشرقين الألمان. درَس في جامعات غوتينغِن وڤيينّا ولايدِن وبرلين (التي تسمّى اليوم جامعة هومبولت برلين HUB)؛ ثمّ درَّس في جامعة كيل الألمانيّة وستراسبورغ الفرنسيّة حتّى تقاعده في سنّ السبعين. حاز العديد من الجوائز العلميّة، منها جائزة الأكاديميّة الفرنسيّة للفنون والآداب في العام 1859م.أهمّ أعماله هو كتابه: تاريخ القرآن Geschichte des Qorâns، وهو في الأصل أطروحته لنَيل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة، التي نالها في العام 1860م. تُرجِم الكتاب إلى الإنجليزيّة عن دار بريلّ اللايدِنيّة في العام 2013م، وإلى العربيّة في مجلّد واحد في العام 2004م عن مؤسّسة كونراد أدناور الألمانيّة، أنجزها د. جورج نادر؛ وهناك ترجمة أخرى إلى العربيّة في 3 مجلّدات مع قراءة نقديّة في العام 2009م عن وزارة الأوقاف القطريّة منفردةً ثمّ بالتعاون مع دار النوادِر الكويتيّة في العام 2011م، وقد أنجزها د. رضا الدقيقيّ، وكانت في الأصل أطروحته لنَيل درجة الدكتوراه من جامعتَي الأزهر وغوتينغِن. من أعمال نولدكه أيضًا: حياة محمّد (1863م) Das Leben Mohammeds، وإسهامات في معرفة شعر العرب القدامَى (1864م) Beiträge zur Kenntnis der Poesie der alten Araber، والتاريخ الأدبيّ للعهد القديم (1868م) Die alttestamentliche Literatur، وصدَرَت ترجمته إلى الفرنسيّة بعد خمس سنوات، ومُوجَز قواعد اللغة السريانيّة (1880م) Kurzgefasste syrische Grammatik، ومقالات في التاريخ الفارسيّ (1887م) Aufsätze zur persischen Geschichte، ومُخطّطات من تاريخ المَشرق (1892م) Sketches from Eastern History، وهو ترجمة إنجليزيّة لمجموعة من مقالاته في المجلّات الألمانيّة وفي الموسوعة البريطانيّة وغيرها، وفي قواعد اللغة العربيّة الفصحَى (1896م) Zur Grammatik des klassischen Arabisch، وإسهامات في اللسانيّات الساميّة (1904م) Beiträge zur semitischen Sprachwissenschaft، وترجمة كليلة ودمنة إلى الألمانيّة (1912م). من أبرز تلاميذه: المستشرقان الألمانيّان كارل بروكلمان (1868- 1956م) Carl Brockelmann، وأوغست فيشر (1865- 1948م) August Fischer، صاحب فكرة المعجم التاريخيّ للغة العربيّة، التي عرضها على مَجمَع اللغة العربيّة في القاهرة، ولكن توقّف المشروع بسبب الحرب العالميّة الثانية.[المترجِم]
[29] أبرز وأهمّ الأمثلة على هذا:
Jakob Barth »Studien zur Kritik und Exegese des Qorāns,« Der Islam 6 (1915) 113-48.
وكتابات ريتشارد بيل Richard Bell (1876- 1952م)، خاصّة ترجمتُه القرآنَ في مجلّدين:
The Qur’ān, translated with a critical rearrangement of the sūrahs (Edinburgh: T & T. Clark, 1937-9).
[30] حميد الدين عبد الحميد بن عبد الكريم بن قربان قنبر الأنصاريّ الفراهيّ (1863- 1930م) - من أكابر علماء المسلمين في الهند، التي طافَ أرجاءَها طلبًا للعلم، فرَحَل إلى مدينتَي لَكْنَو ولاهور، ودرَس على عددٍ من علماء الهند، ومنهم ابن عمّته العلّامة شبلي النعمانيّ؛ ودرَسَ أيضًا في جامعة الله أباد التي حصل منها على ليسانس الفلسفة. أجاد اللغات الأورديّة والفارسيّة والعربيّة والإنگليزيّة والعبريّة، وقد تعلّم الأخيرة لمعرفة الكتب السماويّة السابقة وفَهْم مفردات القرآن وجذورها السامِيّة. من أعماله تفسيرٌ للقرآن بعنوان: نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، وإمعان في أقسام القرآن، ومُفرَدات القرآن: نظرات جديدة في تفسير ألفاظ قرآنيّة، ومنظومة باللغة الأورديّة في الإعراب بعنوان: تحفة الإعراب، وديوان الفراهيّ، وقد نظَمَ بالعربيّة والأورديّة والفارسيّة. أنشأ «مدرسة الإصلاح» التي انصبَّ اهتمامُها على تطوير أساليب تدريس اللغة العربيّة في الهند، وتخصّصَت أيضًا في القرآن وعلومه. درَّسَ في جامعته الأمّ (جامعة الله أباد) وفي جامعة «عليّ گَرْه» الإسلاميّة. من أبرز الأفكار التي عبّر عنها في أعماله العِلميّة تلك النظريّة حول اتّصال آيات القرآن، مع تشكيل كلّ سورة من سُوَر القرآن هيكلًا متماسكًا، ذا محورٍ وموضوعٍ خاصٍّ مركزيّ تتناوَله أجزاؤها كلُّها، وهو ما سمّاه «العَمود»؛ ولا يتّضح هذا «العَمود» إلّا عبر تدبُّرِ القرآن ودراستِه دراسةً وافية وإدامةِ تلاوته. [المترجِم]
[31] انظر: Mir, «The sūra as a unity», 211-24.
[32] هذا الاتّجاه الاعتذاريّ لا تنفرد به الدراسات القرآنيّة؛ إذ يمكن أيضًا ملاحظته في مجالات أخرى من الدراسات الدينيّة. انظر على سبيل المثال:
Emily T. Hudson, Disorienting Dharma: Ethics and the aesthetics of suffering in the Mahābhārata (New York: Oxford University Press, 2013), 20-1.
حيث تتحدّث إميلي هدسون (باستحسان) عن «تأويلات الاحترام» (hermeneutics of respect) التي «تسعى إلى الاستماع إلى النصّ، لا إلى تفريغه؛ فهي تفترض أنّ أهمّ شيء حول مهابهاراتا [أطول ملحمة شعريّة هنديّة] هو ما تحاول تلك الملحمة العظيمة قولَه عن نفسها، لا ما لديها من حديثٍ حول ما قبل تاريخ تدوينها أو المستقبل الذي أعقبها. لقد بدأ العلماء والباحثون اليومَ إداركَ أنّ كثيرًا من سماتِها الأدبيّة التي ازدراها أسلافُهم في مطلع القرن العشرين الميلاديّ -من جهة حجمها وألغازها وانفتاحها، بل ورؤيتها السوداويّة للعالَم-هي جزءٌ لا يتجزّأ من العبقريّة الأدبيّة المميِّزة للملحَمة».
[33] انظر: John Barton, Reading the Old Testament: Method in Biblical Studies (London: Darton, Longman and Todd, 1984), 43.
[34] بريڤارد س. تشايلدز (1923- 2007م) Brevard S. Childs - زميل الأكاديميّة الأمريكية للفنون والعلوم. درَس اللاهوت والكتاب المقدَّس في جامعة ميتشغان، ثمّ حصَل على دكتوراه في دراسات الكتاب المقدَّس من جامعة پرنستون الأمريكية (1950م) ثمّ على دكتوراه من جامعة بازل السويسريّة في اللاهوت (1955م). عمل بعد ذلك أستاذ دراسات الكتاب المقدَّس بجامعة ييل الأمريكية (1958- 1999م). يُعَدّ أهمَّ علماء الكتاب المقدَّس في القرن العشرين الميلاديّ. من أبرز أعماله: سِفر الخروج: تفسير لاهوتيّ نقديّ (1974م) The Book of Exodus: A Critical, Theological Commentary، وأزمة اللاهوت الكتابيّ (1970م) Biblical Theology in Crisis، وفيه أرسى قواعدَ مُقارَبته في تناوُل النصّ المقدَّس، ثمّ طبّقها في كتابه: مقدِّمة إلى العهد القديم كنصّ مقدَّس (1979م) Introduction to the Old Testament as Scripture، ومقدِّمة إلى العهد الجديد كنصٍّ معياريّ (1984م) The New Testament as Canon: An Introduction، واللاهوت الكتابيّ للعهدَين القديم والجديد: استنباطات لاهوتيّة من الكتاب المقدَّس المسيحيّ (1992م) Biblical Theology of the Old and New Testaments: Theological Reflection on the Christian Bible. [المترجِم]
[35] جيمس أ. ساندرز (1927- 2020م) James A. Sanders - أحد علماء العهد القديم والتوراة، ومن محرّري مخطوطات/ لفائف البحر الميّت. درَّس في مدرسة كليرمونت للاهوت بولاية كاليفورنيا؛ وفيها أسّس مركزًا لدراسة مخطوطات الكتاب المقدَّس القديمة ورقمَنتِها. من كتبه: من حكاية مقدَّسة إلى نصٍّ مقدَّس (1987م) From Sacred Story to Sacred Text، عمليّة التوحيد: أصولها وتطوّراتها (2014م) The Monotheizing Process: Its Origins and Its Developments. [المترجِم]
[36] في هذا العمل على سبيل المثال:
Angelika Neuwirth, »Vom Rezitationstext über die Liturgie zum Kanon: zu Entstehung und Wiederauflösung der Surenkomposition imVerlauf der Entwicklung eines islamischen Kultus,« The Qur’ān as text, ed. Stefan Wild (Leiden: E.J. Brill, 1996), 69-105.
تقرّ نويفرت بالفضل لتشايلدز وساندرز. ولكنّها في عملٍ أحدث شدّدت على أعمال جان أسمان ونظريّاته حول النصوص المعياريّة canon. بغضّ النظر عن هذا، ونظرًا للقبول الواسع لفكرة وحدة السورة، اعتمادًا على أسس نظريّة عدّة، فإنّ الوضع الحاليّ لا يمكن اعتبارُه مجرّد نتيجةٍ لتقديم نويفرت هذه الأفكارَ في حقل الدراسات القرآنيّة. عند التفكير في هذا كمنهجيّة فيما يتّصل بالقرآن، علينا إدراك أنّ مثل هذه الدراسات قد انبثقت، في حالة تشايلدز قطعًا، نتيجة مخاوف متزايدة من أنّ المناهج النقديّة لَم تكن «مُرضِية من الناحية اللاهوتيّة/ الكلاميّة» (انظر: Barton, Reading the Old Testament, 79)، وإدراك أنّ جسْرَ الفجوة بين الماضي والحاضر حين يتعلّق الأمر بقراءة الكتاب المقدَّس أمرٌ ضروريّ للمهمّة اللاهوتيّة/ الكلاميّة.
[37] انظر: Barton, Reading the Old Testament, chapter 10.
[38] من أجل بعض التأمّلات والأفكار المثيرة حول هذه الأمثلة في سياق دراسات الكتاب المقدَّس، انظر:
Yvonne Sherwood, Biblical Blaspheming: Trials of the sacred for a secular age (Cambridge: Cambridge University Press, 2012).
وخصوصًا الصفحات 83-89. إذ تُشير إيڤون شيروود (1969م-...) إلى تعقيدات البحث العِلميّ والأكاديميا في سياقنا العِلمانيّ حين يتعلّق الأمر بتناوُل نصٍّ كالكتاب المقدَّس الذي يؤكَّد، عبْر آليّة النقد، على كونه شيئًا «مقدَّسًا»؛ ودور النقد الأدبيّ هو التفاعُل مع ما رآه ممارسو ذلك النقد «الازدراء النازع للقداسة» الناجم عن النقد التحريريّ، وهو أيضًا ما نراه في الدراسات القرآنيّة. غير أنّ هذا ينمّ عن عمليّة معقّدة لتحوّل إدراك التوتّرات بين المقدَّس والعِلمانيّ في المجتمَع المعاصِر.
[39] انظر كيف اعتبرَ إرنست هذا «منظورًا ما بعد نصّيّ» post-canonical perspective، خلال رفضه المُقارَبات القائمة على الموضوع theme في تحليل النصّ القرآنيّ (ص10 من كتابه:كيف نقرأ القرآن How to Read the Quran).
[40] توشيهيكو إيزوتسو (1914- 1993م) Toshihiko Izutsu - علّامة ياپانيّ. مُستعرِب وفيلسوف لُغويّ وباحث في الدراسات الإسلاميّة والتصوّف. حدّدت أربعة عوامل مسارَه العلميّ والبحثيّ، وهي: علاقته بالبوذيّة ومقارنة الفلسفات وتأثّره بتيّار ما بعد الحداثة واهتمامه باللغات. وقد أجاد عشرات اللغات الشرقيّة والغربيّة، وترجَم القرآن إلى اليابانيّة، وهي أولى ترجمات القرآن إليها من العربيّة مباشرةً، وقد أنجزها في العام 1958م (أمّا الترجمة الأولى إلى اليابانيّة فكانت غير مباشرة، وكانت قبل هذا بعقدٍ من الزمن). درَّس في جامعات كيئو اليابانيّة وماك-غيل الكنديّة (1969- 1975م) وطهران الإيرانيّة (1975- 1979م). تحوّل من البوذيّة إلى الإسلام. من كتبه العديدة حول الإسلام والأديان الأخرى: اللغة والسحر: دراسات في الوظائف السحريّة للكلام (1956م) Language and Magic: Studies in the Magical Function of Speech، والمفاهيم الدينيّة-الأخلاقيّة في القرآن (1966م) Ethico-Religious Concepts in the Quran، ومفهوم الوجود وحقيقته (1971م) The Concept and Reality of Existence، ومفهوم الإيمان في العقيدة الإسلاميّة (1980م) Concept of Belief in Islamic Theology، والله والإنسان في القرآن (1980م)God and Man in the Koran، والصوفيّة والطاويّة: دراسة مقارنة للمفاهيم الفلسفيّة الأساسيّة (1984م) Sufism and Taoism: A Comparative Study of Key Philosophical Concepts، والخلق ونظام الأشياء الخالد: مقالات في الفلسفة الصوفيّة الإسلاميّة (1994م) Creation and the Timeless Order of Things: Essays in Islamic Mystical Philosophy. [المترجِم]
[41] على سبيل المثال:
Andrew Rippin «The Qur’ān as literature: perils, pitfalls and prospects,» British Society for Middle Eastern Studies Bulletin 10 (1983), 38-47.
مواد تهمك
- العهود والمواثيق في القرآن
- دور السياق في تفسير وترجمة القرآن
- عرض كتاب: التأليف المعاصر في قواعد التفسير؛ دراسة نقديّة لمنهجيّة الحُكْم بالقاعديّة
- سورة مريم: سلوى وعزاء للنبي؛ قراءة في البناء الموضوعي لسورة مريم
- هل تأخّر ترتيب القرآن لما بعد عهد النبوّة؟ أدلة جديدة على وحدة مصدر ترتيب القرآن وفرضية جديدة حول تدوين القرآن