تفاسير القرآن
تاريخها، مناهجها، وظائفها
واقع دراستها في الأكاديميا الغربية
تظلّ محاولةُ تقديم تعريف عامّ بفنّ التفسير وتاريخه وإشكالاته مهمةً أصعب كثيرًا منها في أيّ فنّ آخر؛ وهذا لتشعّب هذا التاريخ ولطبيعة هذا الفنّ والتصنيف فيه، في هذه المادة التي كتبها وليد صالح كمقدمة للكتاب الصادر مؤخرًا: (دراسة القرآن؛ ترجمة جديدة وتعليق، السيد حسين نصر وجوزيف لمبارد ومحمد رستم وآخرون)، كمحاولة للتعريف بفنّ التفسير؛ نجده يسلّط الضوء بصورة أكبر على الصعوبات التي تواجه كلّ محاولة.
من هذه الصعوبات التي تتناولها ورقة صالح -سواء فيما يتعلّق بالكتابات العربية أو التناول الأكاديمي الغربي لفنّ التفسير- تجاهل الدراسة الأكاديمية للتفسير لعددٍ كبيرٍ من مصنَّفات التفسير؛ مثل الحواشي التي يعتبر صالح أن لها أهمية كبيرة في فهمنا لهذا الفنّ وتطوّره، كذلك إمعان الأكاديميا الغربية في الاهتمام بالتفسير المبكّر والنظر إلى التفسير الكلاسيكي على أنه مجرد تكرار لهذه الحقبة مما يفوت فرصة الوقوف على الأبعاد الدقيقة لهذه المرحلة ذات الأهمية الحاسمة في تاريخ التفسير، كذلك فإنّ محاولات التأريخ العربية المعاصرة للتفسير لا يمكن الاعتماد عليها -وفقًا لصالح- دون الانتباه لهذه القضية المركزية، وهي أنها مدفوعة بكثير من المنطلقات والأهداف الأيديولوجية المعاصرة المسقطة على هذا التاريخ.
ويعتبر صالح أن كتابة تاريخ هذا الفنّ ربما عليها أن تستفيد من تساؤلات الهرمينوطيقا حتى تستطيع كتابة تاريخ لهرمينوطيقا المفسرين، هذا مع تنبه صالح لكون كلّ مفسّر كان يستخدم عددًا من الهرمينوطيقات لا هرمينوطيقا واحدة، وينطلق صالح في محاولة لإلقاء ضوء سريع على تاريخ التفسير السُّنّي والشيعي عبر الجدل في هرمينوطيقا المفسّرين بين الفيلولوجي والمرتكزات التأويلية الموروثة، غير أن الاهتمام الأكبر لصالح هو إبراز كيف أن رؤانا حول هذا الفنّ ما زالت أوّلية، وأنّ بعضًا مما يعتبر عندنا راسخًا تجاهه يمكن لتدقيقٍ في أحد كتب التفسير المجهولة أو غير المهتم بها كثيرًا أن يضع رؤيتنا هذه موضع التشكيك ويبرز عدم دقتها.
يحاول صالح كذلك تقديم مقترح لتصنيف التفاسير على أساس طبيعة المؤلفات لا الأفكار أو المناهج كما حاول مَن سبقوه، ويختم ورقته بإبراز الأهمية الشديدة لفنّ التفسير في حياة المسلمين، وفي الحياة الفكرية لهم، وكيف أن هذا الفنّ يشكّل مسعًى فرديًّا وجماعيًّا في آنٍ، تقليديًّا ومطورًا للتقليد في ذات الوقت، وأن هذا الفنّ لا يزال حيًّا تمامًا، ويشير لأهمية دراسة التفاسير المعاصرة في علاقتها بالتقليد التفسيري وبالإشكالات المعاصرة السياسية والاجتماعية.
هذه المقالة بتناولها هذه التساؤلات المهمّة حول تاريخ هذا الفنّ وطريقة دراسته، يمكنها أن تقدّم للباحث العربي تكثيفًا لكثير من أبرز مشاغل الدرس الغربي حول فنّ التفسير.
الملفات المرفقة
مواد تهمك
- التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الثاني: الدراسة الداخلية لكتب التفسير
- بين التاريخ والتفسير: ملاحظات على الإستراتيجيات المنهجية للطبري
- تفسير البيضاوي "أنوار التنزيل" قراءة في تاريخ هيمنته وانتشاره في العمل التفسيري
- إعادة قراءة الطبري بعيون الماتريدي: إطلالة جديدة على القرن الثالث الهجري
- التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الأول: الإشكالات النظرية في الدراسة الغربية للتفسير
- مفسرو نيسابور: استقصاء أوّلي للمصنفات القرآنية؛ لابن حبيب، وابن فورَك، وعبد القاهر البغدادي