من هم أصحاب الأخدود؟
آيات سورة البروج (4-10) في سياق الشرق الأدنى
لجأ التراث التفسيري الإسلامي إلى بعض القصص التاريخي أو الكتابي المعروف في الجزيرة العربية لتفسير بعض آيات القرآن التي تشير إلى بعض الوقائع، ومع تعدد القصص وتشابهه أحيانًا نجد اختلافًا في تحديد الواقعة المرادة، وهو ما ينعكس على فهم دلالة الآيات.
من الأمثلة على هذا قصة أصحاب الأخدود المذكورين في سورة البروج، فرغم ميل التراث التفسيري إلى تحديدهم على أنهم شهداء نجران الذين عذبهم ملك اليمن اليهودي، إلا أن ثمة بعض آراء تفسيرية حددتهم بالإشارة إلى واقعة تاريخية أخرى هي قصة أصحاب دانيال وقيام نبوخذ نصّر بإلقائهم في النار، وهذا الاختلاف يرتبط بالتساؤل حول من يعود عليهم الفعل المبني للمجهول (قُتِلَ) في قوله تعالى في سياق القصة: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} وهل هم المضطهِدين فتكون بمعنى (لُعِن) وهو ما يتماشى مع قصة عمد نبوخذ نصّر لإحراق دنيال وأصحابه، أم هم المضطهَدين فتكون بمعنى (استُشهِدوا) وهو ما يتماشى مع قصة شهداء نجران، وكذلك يعود بالتساؤل حول دلالة "قُتِلَ" ذاتها وهل تعنى في حالة المضطهِدين أنهم لقوا حتفهم، وهي الدلالة المتماشية مع قصة أصحاب دانيال؟، هذه الأسئلة مرتبطة بما يعتبره سيلفرستاين القراءة التاريخية لقصة أصحاب الأخدود الشائعة في التراث الإسلامي والغربي كذلك.
ويعتبر سيلفرستاين أنه وبالإضافة إلى هذا المنظور التاريخي فثمة منظور آخر إسكاتولوجي/ أخروي لقراءة هذه القصة، حيث ينفي علاقتها بأي قصة تاريخية ويعتبرها إنذارًا أخرويًا للمخالفين بالنار الأبدية، ومنطلق ورقته هو أن هذين المنظورين يغيّبان -ولو قليلًا- بعض الأسئلة الثيولوجية المهمّة حول الشهادة والمعجزة ونظرة المسيحية واليهودية لهما والتي تشكل في نظره الأساس الأهمّ لفهم المقصود القرآني ولتحديد الإشارة التاريخية المقصودة كذلك.
لذا يقوم سيلفرستاين باقتراح قراءة تجمع بين المنظورين؛ التاريخي، والإسكاتولوجي، وتُفعِّل القراءة الثيولوجية لهذه المسائل المهمّة "الشهادة- المعجزة- الامتحان- النار" لتتساءل عن السياق الأقرب أن يشير له القرآن.
يقوم سيلفرستاين بتسييق قصة أصحاب الأخدود وقصة أصحاب دانيال في سياق أوسع من القصص حول الامتحان بالنار، وحول الاختبار الإلهي بالنار المرتبط بمعجزة النجاة منها والتي ترد في كثير من قصص ديانات الشرق الأدنى القديم مثل اليهودية والمسيحية والزرادشتية، كما يبرز الأساس اللاهوتي في هذا القصص خصوصًا في جدل الشهادة والمعجزة.
ويعتمد سيلفرستاين على هذا التسييق ولفت النظر للأسس اللاهوتية لإبراز كون قصة دانيال هي المرشحة الأكبر لتكون هي المشار إليها في القرآن من حيث توافقها مع رؤية القرآن للمعجزة والاستشهاد والبارزة في بقية سورة البروج والقائمة على التعذيب الدنيوي للكافرين والتدخّل الإلهي بإنقاذ المؤمنين، حيث يتوافق هذا مع الرؤية التي تقوم عليها قصة دانيال التي توجد حتى في بعض القصص المسيحي المغلب في رأيه للاهوت الاستشهاد على المعجزة.
هذا ما يتعلّق بالمنظور التاريخي، أمّا في المنظور الإسكاتولوجي فيرفض سيلفرستاين استقلاله ونفيه البُعد التاريخي الذي برز في كلّ التراث الإسلامي المفسِّر للقصة، بل يفترض إمكان المزاوجة بين المنظورين، حيث يكون التحذير الأخروي قائمًا على حدث تاريخي مشار إليه، كما يقوم بافتراض إتيمولوجي جديد لكلمة أخدود يقربها من بيت خدودو والذي يشير في الكتاب المقدس إلى البيت الذي يسكنه عزازيل، مما يجعل الآيات هنا تلعن المعذِّبين للمؤمنين باعتبارهم سكان الجحيم في رسم أخروي قرآني لجحيم دنيوي معهود للسامعين هو جحيم بيت خدودو.
ما تتميز به هذه المادة بعيدًا عن نتائجها هو اعتمادها في المقارنة بين قصص القرآن وما سبقها على الأبعاد الثيولوجية الخاصّة وهي الأبعاد الأكثر أهمية في فهم الصنيع القرآني، تبالغ هذه المادة في اعتماد هذه الأبعاد حتى تجعلها معيارَ ربطِ القرآن بإحدى قصص الكتاب المقدّس بدلًا من سياق تاريخي خالٍ من تكثيف هذه الأبعاد.
مواد تهمك
- آيات سورة الروم (2-5) في سياق الشرق الأدنى
- بيان المسخ: تحوّل اليهود إلى قِرَدة خاسئِين "الآية: 166" من سورة الأعراف في سياق الشرق الأدنى
- قصص القرآن في كتاب (مصادر يهودية بالقرآن) لشالوم زاوي، قراءة تحليلية نقدية لنماذج مختارة
- الإسرائيليات في الدرس الحداثي للقرآن
- التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة؛ قضايا منهجية، مساحات جديدة في تناول التفسير - مدخل تعريفي
- التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الثالث: دراسة المعنى التفسيري