تحقيب التفسير
قراءة في التحقيب المعاصر مع طرح تحقيب معياري للتفسير
لا يخفى ما لتحقيب العلوم من أهميةٍ كبيرةٍ في فهم هذه العلوم ومعرفة مراحل تشكّلها والمنعطفات المركزية في تاريخها وغير ذلك من الأمور المهمّة، والتي دفعت المتخصّصين في شتّى العلوم إلى العناية بتحقيب العلوم والمعارف وتتبّع مراحل تكوّنها عبر التاريخ، وكان للتفسير حظٌّ من ذلك، خاصّة مع اتساع مدوّنته وكثرة مساراتها، للإحاطة بالتصوّر التاريخي لذات التفسير والمسارات الكلية التي تجسّدت فيها ممارساته وانتظمت عبرها الكتابات فيه.
وقد برزت اجتهاداتٌ في الفترات المتأخّرة في محاولة تحقيب التفسير وبيان تطوّراته الزمنية، ومحاولات تقسيم التفسير لمراحل ومحطات والكلام عليه من خلال هذه المراحل، إلّا أنّ الناظر في هذه الاجتهادات لا يظفر بتحقيبٍ معياري مدقّق للتفسير ينطلق من معايير محرّرة في قراءة تاريخ التفسير وتحديد نقلاته الأكثر تأثيرًا في ساحته، التي شكّلت واقع التفسير الذي نراه بكلّ تنوّعاته واختلافاته.
ويأتي هذا البحث لمناقشة الواقع المنهجي لتحقيب التفسير وتقويمه في الدّرس المعاصر، وذلك من خلال مناقشة أبرز محاولات هذا التحقيب وأهمّها في العصر الحديث، وهو ما قام به الدكتور محمد حسين الذهبي -رَحِمهُ اللهُ- في كتابه (التفسير والمفسرون)، والذي حظي طرحه في هذه القضية بقبول من قِبَل الدارسين، ومَثّل مَعْلَمًا بارزًا في الكلام على تاريخ التفسير والمراحل والمسارات الكلية التي انتظمته عبر التاريخ.
ثم مِن خلال نتائج هذا التقويم لتحقيب الذهبي، والذي يكشف عن عدّة إشكالات في منهجية ومعياريّة التحقيب؛ يسعى البحث إلى محاولة تحقيب التفسير من خلال معيار منهجي محدّد تمثَّل في حيثيّة التفسير، وبعد أن أخذ البحث في التأصيل النظري لهذا المعيار وبيان كفاءته المنهجية في التحقيب المنهجي للتفسير =حاول تقديم مقاربة تطبيقية لتحقيب التفسير من خلال هذا المعيار.
وقد حقّب البحثُ التفسيرَ إلى ثلاثة مراحل رئيسة، وبيّن الحدود التاريخية لهذه المراحل والخصائص التي كانت للتفسير في كلّ واحدة منها، ثم أثار بعضَ الملحوظات حول التفسير ووضعيته بشكلٍ عام في ضوء تحقيب تاريخه.