عرض كتاب
مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية
تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه
ترجمة: د. حسام صبري، مصطفى الفقي

المؤلف : طارق محمد حجي
يُمثِّل «مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، 2020» دليلًا شاملًا للدراسات القرآنية الغربية المعاصرة، يُقدِّم هذا المقال قراءة في هذا الكتاب، تلقي الضوء على بنيته العامّة وتناقش جوانب من الأفكار التي أثارتها بعض دراساته.

  يضمّ هذا المرجع الذي صدر باللغة الإنجليزية عام 2020م بتحرير مصطفى شاه ومحمد عبد الحليم عددًا واسعًا ومتنوعًا من الدراسات، ويجمع الكثير من أهم الأسماء في حقل الدراسات القرآنية والحقول الحافة به، ويأتي هذا المرجع في ثمانية أبواب تضمّ سبعًا وخمسين دراسة (تتناول حالة الحقل، وسياق القرآن، وتاريخ المصحف، وبنية النصّ القرآني، وموضوعاته المركزية، والتفسير). وتمثّل المراجع والأدلة مساحة شديدة الأهمية في عرض وتلخيص التطوّرات الحاصلة داخل حقلٍ ما، مما يجعل من المهمّ محاولة تقديم قراءة في هذا المرجع؛ خصوصًا بعد ترجمته إلى العربية في هذا العام (2024)؛ لإلقاء الضوء عليه وعلى بعض مساحاته، وجاءت الترجمة لهذا المرجع في 1695 صفحة في مجلدين، وبالطبع فليس من المتوقع في حدود هذه المقالة تناول كلّ دراسات المرجع بالعرض والنقاش؛ لذا فإنّ محاولتنا هنا هي تقديم قراءة في أهمّ ما تقدمه هذه الدراسات من رؤى، وأبرز ما تشير إليه من ملامح الحقل في صورته الحالية، وأظهر ما تؤشّر عليه من إشكالات تكتنف أُسسه النظرية والمنهجية، وسنسمح لأنفسنا أثناء هذه القراءة بتجاوز تقسيم الكتاب في بعض الأحيان حين نرى في هذا فائدة لإضاءة بعض الأفكار التي تناقشها أكثر من دراسة، أو حين يكون هذا أكثر اتساقًا مع التصوّر الذي ننطلق منه في النظر لمساحات دراسة القرآن.

يجمع الباب الأول (وضع الدراسات القرآنية) عددًا من الدراسات التي تدور حول واقع الدراسة الغربية للقرآن والتفسير، والتي تثير عددًا من الإشكالات النظرية والمنهجية حول النظر لهذا الحقل؛ سواء في طبيعته أو حدوده أو تصنيفه، وكما أسلفنا في بحث آخر، فإنّ الالتفات لهذه النظرة الداخلية في فهم الحقل وطبيعته وتطوّراته مهمّة تمامًا في بناء تصوّر دقيق عن هذا الحقل وفي تجاوز النظرات التجزيئية والخارجية التي تشيع في معظم الكتابات العربية حوله[1]، إلا أنّ هذا لا يعني بطبيعة الحال الاتفاق التام مع هذه النظرات سواء في نتائجها أو في منطلقاتها، وإنما في أنها تمثّل منطلقًا جيدًا للنقاش حول الحقل يستحضر إشكالاته وتطوّراته الداخلية الخاصة.

يضمّ هذا الباب أربع دراسات، هي: (الدراسات الأكاديمية والقرآن: أندرو ريبين)، (التطورات الحديثة في الدراسات القرآنية: أوليفر ليمان)، (أصول الإسلام والقرآن: هربرت بيرج)، (الدراسات القرآنية: مسح ببليوغرافي: آنا أكاسواي)، وتثير هذه الدراسات عددًا من الإشكالات النظرية المهمّة؛ أوّل هذه الإشكالات هو إشكال تصنيف الدراسات القرآنية المعاصرة -داخل أوروبا وأمريكا وخارجهما-، وما يتعلق بهذا من مفاهيم أساسية في عملية التصنيف؛ مثل ثنائية (الشرق-الإسلام/ الغرب)، ومثل مفهوم (الدراسة النقدية)، كما تطرح عددًا من المفاهيم لتأطير الجماعة العلمية المشكِّلة لهذا الحقل؛ مثل (الجماعة التفسيرية) بغية تجاوز هذه التصنيفات.

بالأساس يبدأ ريبين في دراسته الأُولى في هذا الباب في تكرار رفضه (المعروف) لاعتبار أنّ تصنيف شرق/ غرب أو إسلام/ غرب هو تصنيف ذو كفاءة في تأطير وتحديد مساحات الدراسات المعاصرة للقرآن، لا ينبع هذا الرفض فحسب من مسألة وجود دارسين مسلمين ومن ذوي أصول عربية وإسلامية ينتجون داخل سياق الدراسات الغربية بالفعل -وهو السبب الذي اعتُبِر دومًا سببًا وجيهًا لتجاوز تصنيفات غرب/ إسلام-[2]، بل ينبع كذلك وبصورة أساسية مما يفترض ريبين من كون عدد من الدراسات الأكاديمية المعاصرة المهمّة لم تنشأ في سياق الأكاديميا الغربية في (أوروبا وأمريكا)، بل نشأت خارجهما، أي: في جامعات (العالم الإسلاماتي)؛ مثل جامعات ماليزيا وإندونيسيا وتركيا[3]؛ لذا فإنّ ريبين يفترض أنّ مفهوم (أكاديمي) هو الأكثر تعبيرًا عن طبيعة الدراسات المعاصرة أكثر من ثنائية غربي/ شرقي أو غربي/ إسلامي، كذلك فتعبير (أكاديمي) بالنسبة له أفضل من (نقدي)، على الأقل في صورة فهمه الشائعة، والتي باتت لا تتحدّد بالدراسة الموضوعية البعيدة عن التسليم المطلق والقائمة على وجود مسافة بين الدارس وموضوع دراسته، بل تركّز على (التخطئة) والذي هو ذاته -وكما يقول ريبين محقًّا- (حُكم تقديريّ) وغير محايد أو غير (نقدي) يشيع في (الكتابات الجدلية) حول الإسلام[4]!

ومِن أجلِ إعطاء مفهوم (الأكاديمي) -الذي يفضله ريبين- أهميةً وقدرةً أكبر على توصيف الدرس المعاصر للقرآن، فإنه يوظف مفهوم (الجماعة التفسيرية) لـ(ستانلي فيش)، والذي يعني به ريبين كون الدارسين المعاصرين للقرآن يجمع بينهم «منظور متفق عليه بين مجموعة من الأشخاص يدرسون في سياق التعليم العالي موضوعًا من الموضوعات في وقت من الأوقات، وهذا المنظور المتّفق عليه نفسه ليس بالمطلق بمرور الوقت، ولا هو بالمقيد المفرد في زمنٍ ما، كما أنه غير معلن في مجمله»[5]، فهذه الجماعة تنبثق كما يفترض ريبين من «افتراضات مشتركة».

ورغم أننا نتّفق مع ريبين في ضرورة تجاوز مصطلحات شرق/ غرب في تصنيف الدراسات المعاصرة، إلا أننا نفعل هذا لأسباب مختلفة تمامًا -بالأساس لعدم فعاليتها في تأطير النتاج المعاصر حول القرآن واستكشاف علاقاته والوقوف على أُسسه الكامنة في طبيعة التناول المعاصر للنصوص-، وليس للأسباب التي يذكرها ريبين والتي تتجاهل في ظنّنا الكثير من النقاط المهمّة إن لم تكن تتضمن بعض النقاط غير الدقيقة -أو حتى المُضلِّلة-؛ أوّل هذه النقاط التي تبدو غير دقيقة هي أن الدراسات (الإسلامية) التي يشير إليها ريبين خارج أوروبا وأمريكا، وكما يبدو من تصوّره لها، هي دراسات تنتمي لنفس النموذج الغربي الحديث في دراسة القرآن، وهذا الأمر ليس بالمستغرب، فثمة دراسات نشأت في العالم الإسلاماتي في سياق استقدام لـ(النموذج الغربي- التاريخي النقدي بالذات)، وهو ما تم في ستينيات القرن الماضي في بعض الدول مثل ماليزيا وإندونيسيا على سبيل المثال، عبر المراكز العلمية التي تستحضر وتترجم وتُدرِّس هذا النتاج، وكانَ أحد أهمّ الأسماء في فضاء هذا الاستقدام هو ريبين نفسه، الذي تم التعرّف على الدرس الغربي للقرآن (كنموذج لدراسة القرآن الحديثة) من خلاله[6]، هذا يعني أن هذه الدراسات ورغم كونها تتم في (العالم الإسلاماتي) إلا أنها امتداد للدراسات الغربية نفسها وتوسّع لحضور نموذجها في الدراسة، وبالتالي لا يمكن اعتبارها أساس مراجعة لفعالية مفهوم (الدراسات الغربية) كـ(فئة تصنيفية منظورية ومنهجية) في مقابل الدراسات العربية/ الإسلامية، فهذه الثنائية غرب/ إسلام- شرق تتحوّل مع ريبين إلى محض ثنائية (مكانية) إن صحّ التعبير! يكفي للتخلّص منها افتراض حركة الدراسات الغربية خارج المكان، وبالتالي تفقد بُعدها النظري والمنهجي الذي هو أساس عملية التصنيف، وكون ريبين يحصر ما يتم خارج أوروبا وأمريكا في هذا النوع من الدراسات يظهر في كونه يتجاهل ما يتم داخل (أكاديميات) العالم الإسلاماتي نفسه من دراسات لا تتبنّى الشكل (التاريخي- النقدي) في دراسة القرآن، أو حتى تقاومه، وبالطبع لا يهتم بما يجري في العالم العربي تحديدًا -وهي شكوى يعرضها وليد صالح داخل هذا الكتاب- مما يجعل حديثه دائرًا حول نمط واحد ومحدّد من الدراسة يُعتبَر وحده النموذج الأكاديمي العلمي لدراسة القرآن سواء تم في الغرب أو انتقل -بكليته وبنفس طبيعته!- إلى الشرق (الخالي وفق هذا المنظور من أيّ دراسة أصيلة منهجية للقرآن! -وإن وُجدت بعض هذه الدراسات فهي مجرد استثناء-)، فبشكلٍ مجمل يمكننا القول بأنّ تجاوز ريبين لثنائية شرق/ غرب لا يبدأ بالانفتاح على الدراسات غير الغربية ولا ينتهي إلى هذا، بقدر ما يمنح الإطلاقية للدراسة الغربية الحديثة للقرآن كنمط تنحصِر فيه (العلمية) وكنموذج ومثال على الجميع أن يحتذيه. النقطة الثانية التي يتجاهلها ريبين هنا -والمرتبطة بالنقطة الأُولى- هي مدى الاتفاق بين الدارسين المعاصرين (في الغرب) في طبيعة دراسة القرآن، أو بتعبير آخر مدى إمكان اعتبار الدراسات العلمية (الغربية) للقرآن -التي تحضر عند ريبين كنموذج للدراسة كما أسلفنا- (كلّ موحد) من الأساس، وهو ما ينقلنا لمناقشة توظيف ريبين مفهوم (الجماعة التفسيرية) لفيش، فهل يمكن الاتفاق مع ريبين في أن الدراسة المعاصرة للقرآن وللتفسير حتى داخل الجامعات (الغربية) نفسها في أوروبا وأمريكا تحظى بالاتفاق بالفعل؟! وحديثنا بالطبع ليس عن التفاصيل المنهجية والنظرية لهذه الدراسات بل عن طبيعة النظر للقرآن كموضوع للدراسة العلمية، أو ما أسميناه في موضع آخر بطبيعة إدارة حقل الدراسات القرآنية للعلاقة بين أبعاد الظاهرة التي يدرسها، (القرآن)، (المعنى)، (الأُمّة)[7]، فالأقرب للواقع ربما هو أنّ العلاقة بين هذه الأبعاد وبالتالي بنية الدراسات المعاصرة للقرآن تخضع للاستشكال والتفاوض بل وللنقد وإعادة التركيب بين الباحثين من جهة وبين المستقر في طبيعة الحقل منذ مرحلته الكلاسيكية من جهة أخرى أكثر ما تخضع للاتفاق كما يفترض ريبين!

وقد نجح بيتر كوبينز في ظنّنا وبشكلٍ كبيرٍ في إيضاح هذه الطبيعة التفاوضية للدرس المعاصر في أوروبا وأمريكا حيث تناول هذا الجدل المثار بسبب التغير الديموغرافي للدارسين، والذي يجعل الكثير من الدارسين من ذوي الخلفيات الإسلامية يشكّلون جزءًا أساسيًّا من هذا الحقل في واقعه الحالي في أوروبا وأمريكا -وهو شيء ينتبه له ريبين بالفعل كما أسلفنا، لكن دون انتباه لتداعياته على الحقل إن صحّ التعبير حيث يفترض اندماج هؤلاء الدارسين تمامًا داخل الدراسات الغربية![8]-، وما ينتج عن هذا من كون هؤلاء الدارسين يقدّمون اقتراحات حول طبيعة جديدة للدراسات الغربية للقرآن والتفسير تستطيع دمج الرؤى (المعيارية) و(الموضوعية) (مثل مفهوم (المعيارية المنفتحة تاريخيًّا) والذي يقترحه كوبينز ذاته) -في تجاوز لمفهوم النقد والموضوعية الذي يتحدّث عنه ريبين، وبالتالي باقتراح جديد للعلاقة بين (القرآن) (الأُمّة) (المعنى)[9]- والأهمّ وكما أشرنا في موضع آخر هو أن هذا (التفاوض) لا يتمّ في اتجاه واحد، بل إنه يتم كذلك من اتجاه الدراسات الغربية نفسها والجامعات والمراكز البحثية الغربية والتي تقدّم مشاريعها الخاصّة في محاولة (تدجين) المجتمعات المسلمة في أوروبا وأمريكا لضمان (خطاب إسلامي متوائم مع الحداثة) عبر استخدام نفس أدوات الدراسة الغربية للقرآن والتشكيل الواضح لحدود دراسته (الترجمة- إعادة الإنتاج- عزل المعنى)[10]، أو على الأقلّ تجد نفسها في سياق دفاع عن (حدود الحقل) يحتم عليها إدانة محاولات قبول (المعيارية) ولو كانت بأكثر الأشكال انفتاحًا[11][12]!

ولعلّ هذا يثير التساؤل كذلك حول مفهوم (الجامعة) أو (الأكاديمية) الذي يتحدّث عنه ريبين، حيث إنّ ريبين يتجاهل هنا الوظيفة الاجتماعية بل والأيديولوجية للجامعة، ويتعامل معها وكأنّها (كيان علمي مفارق) ومتجاوز للحدود، مثّل قِبلة لـ«نوع من المعرفة يفصل بين (الحقيقة) و(الحق)»[13]، وهو الأمر غير الدقيق تاريخيًّا ولا نظريًّا، خصوصًا في دراسات القرآن التي تشهد نشأتها العلمية في جامعات ألمانيا وخارجها على انخراط الجامعات بأقسامها الدارسة للدين بـ(شكل علمي) في صراعات الدمج/ الإقصاء للجماعات الدينية اليهودية[14]، والذي نتجت عنه مفارقة كون بعض الدراسات الرائدة في هذا الحقل مثل دراسة جيجر (ماذا أخذ محمد عن اليهودية؟)، هي نتاج تطوّر حدث خارج الجامعة وكان أحد روّاده جيجر نفسه -في سياق المجتمعات اليهودية التعليمية الموازية- بسبب تضييق الجامعات على اليهود! وأنّ أحد روّاد الحقل (نولدكه) تلقّى الكثير من معرفته بالعربية واللغات الشرقيّة خارج سياق الجامعة[15]، فضلًا عن كون دراسة الشرق والقرآن خاصّة وفي بدايتها العلمية في ألمانيا وإن كانت بدأت بعيدًا عن الأنشطة الاستعمارية الكبرى؛ فإنها لم تبدأ دون استفادة من نتاج سلب المستعمرات مخطوطاتها أو تسهيل السَّفَر إليها لشرائها بأبخس الأثمان كما تقول مارتشاند[16]، فلم تكن (الجامعة) هنا سياقًا منفصلًا عما يجري في عالم كولونيالي يتشكّل و(يُشكِّل) -أداتيًّا وليس فقط نصيًّا كما يصرُّ حلاق مخالفًا سعيد[17]- الشرق الذي يدرس! بل ساعد السلبُ الهولندي والإنجليزي والفرنسي الألمانَ في «تحسين عِلميتهم»[18] بتعبيرات مارتشاند، فضلًا عن التأثير الكبير للسياسة وللبنى الأيدولوجية في تشكيل طبيعة دراسة القرآن فيما قبل الحرب الثانية وبعدها كما يخبرنا فيلد[19]، يتجاهل ريبين كثيرًا من هذه التفاصيل التاريخية كما يتجاهل (بنيويًّا) كون الجامعة مؤسّسة أيديولوجية بالأساس -كما يرى ألتوسير ثم فوكو ثم ميتشل- تمثّل أحد فضاءات الفعل السياسي وأداة من أدوات التأطير وخلق الذوات وضبطهم -يزداد الأمر أيديولوجية قطعًا حين يكون موضوع الدراسة هو شعوب المستعمرات في الخارج أو (الأقليات المهاجرة) في الداخل-.

 تمامًا كما يتجاهل ريبين الأبعاد غير العلمية في الدارسين أو في (الجماعة التفسيرية)، إنّ ريبين يتجاهل كون هذه الجماعة سواء في الشرق أو في الغرب تظلّ جماعة مرتبطة بسياقات خطابية، وكثير منها بسياقات أيديولوجية وأدوار اجتماعية وتظلّ كذلك مرتبطة بانتظارات وتوقعات خاصة[20]، يتحكم كلّ هذا بشكلٍ كبيرٍ في طبيعة مقاربتها للظواهر وفي نتاجها، ويجعل التباين في المقاربة والنتاج وفق الموقع الاجتماعي والفكري داخل أوروبا وخارجها أساسيًّا تمامًا في فهم طبيعتها ونتاجها، مما يجعلنا في حقيقة الأمر أمام (جماعات تفسيرية) وليس (جماعة تفسيرية مشتركة)، وأمام فعالية كبيرة لسياقات إنتاج وتلقّي النصوص في تشكيلها، ولعلّ هذا -وللمفارقة- أقرب لمفهوم فيش.

إنّ الفارق الأساس في ظنّنا الذي يمكن الاستناد إليه في التفريق بين الدراسات المعاصرة واعتماده كمعيار ناجع لتصنيفها، هو الفارق بين مساحات الظاهرة المدروسة نفسها، حيث وانطلاقًا من معيار التأطير النصّي المعاصر للقرآن يمكن تحديد ثلاث مساحات داخل القرآن/ النص (ما قبل النص (سياق النص التاريخي والنصي- تاريخ تشكّل النص منذ كان مجموعة من البلاغات إلى أن جُمع ودُوِّن في نسخة ذات سلطة)، النص، ما أمام النص (عالم التلقّي التفسيري والجمالي والشعائري))، يضع هذا التأطير الدراسات في العالم الغربي وكذلك الكثير من دراسات العالم العربي والإسلامي في نتاج مشترك مرتبط بالطبيعة المعاصرة للتعامل مع النصوص، كذلك فهو وبسبب انطلاقه من التعامل المعاصر مع النصّ، فإنه يستحضر (في مقابله) الدراسات التقليدية أو التراثية، كما يستحضر الدراسات التي تتوسّل المناهج المعاصرة -الأدبية والنصية بالذات- في دراسة القرآن إلا أنها لا تنطلق من دراسة القرآن في ذاته ولا تمثّل جزءًا من (تيار دراسته العام أو الحي) ولا من «التأويلية العربية المعاصرة»[21]، فيكون لدينا (دراسات معاصرة (غربية- تأويلية عربية معاصرة)، دراسات تقليدية، دراسات حديثة أدبية ونصّية)، -وهذا التقسيم لا يتجاهل السياقات غير المعرفية لكلّ من هذه (الجماعات التفسيرية)- وهذا الاستحضار مهمّ في نظر أوسع لطبيعة الدراسات في العالم الإسلامي يغيب بوضوح عن دراسة أوليفر ليمان.

ففي حين يقوم ليمان بإطلالة على التعامل المعاصر مع القرآن فيدرس (الدعاة، الأكاديميون، التحديثيون)، فإنه لا يتلفت للدراسات التقليدية ولا للدراسات التي تطبق المناهج المعاصرة خارج دائرة (التأويلية المعاصرة)، إنّ مقالتَي ليمان وريبين يجسّدان بشكل واضح موضع النقد الذي قدّمه صالح في دراسته (ظهور التكلم القرآني) للدراسات الغربية، وهو تغييب الدراسات العربية والإسلامية، وكذلك حصر النظر المعاصر للدرس العربي الإسلامي في بُعد (التحديثيين) وحدهم، ناهيك عن اختزال الأكاديميين في الدارسين الغربيين وحدهم مثلما يفعل ليمان[22]!

تثير مقالتا ريبين وليمان كذلك إشكالًا مهمًّا وهو إشكال (تحديد حدود الحقل)، حيث تبرز محاولة لإقصاءٍ مقصودٍ لعدد من الكتابات المعاصرة عن أن تكون جزءًا من الحقل العلمي (الأكاديمي) الدارس للقرآن، مثل كتابات ابن الوراق ومنذر سفار وغيرهم، ومواقع الإنترنت التي تصطبغ بصبغة جدلية تجاه الإسلام -أو تجاه دراسته علميًّا أحيانًا مثل حالة محمد الأعظمي وفق ريبين-، أو المدفوعة أحيانًا بأجندات دينية لاهوتية، توصف هنا بأنّها (استخدام جدلي) للدراسات العلمية المعاصرة[23]، إلا أنه لا ينبغي أن نفهم من هذا كون (حدود الحقل) معروفة بشكل قاطع، بل إنها في حقيقة الأمر تخضع للتفاوت بين هؤلاء الدارسين أنفسهم، فبينما يُثمِّن بعض الدارسين مثل زاهنيزر -على سبيل المثال- مقاربة لولينغ لسياق القرآن وعلاقته بتراتيل مسيحية في مكة ويشيعها أسفًا كدراسة خضعت للتجاهل[24]!، ينظر إليها باحث مثل فرنسوا دي بلوا باعتبارها مجرّد رؤية لاهوتية مغرضة[25]، وهو أمر يمكن قوله كذلك وبصورة أكبر عن مقاربة لكسنبرج عن القراءة الآرامية السريانية للقرآن التي تشهد نفس الصراع في موقعتها ضمن الحقل العلمي ما بين مستهوٍ لها «جيليو»[26] ورافضٍ (فيلد، نويفرت).

أمّا دراسة بيرج (أصول الإسلام) فهي دراسة تلقِي ضوءًا على البناء النظري والمنهجي للدراسات الغربية، عبر تناول لافت لمفهوم (الأصول)، حيث يقوم بيرج بإبراز مدى أهمية هذا المفهوم في الدراسات الغربية عن القرآن ويبحث -بل دعنا نقول يفكّك- الأساس الفلسفي لهذا المفهوم، حيث يشير بيرج لِما يكتنف هذا المفهوم من (أبعاد لاهوتية) مرتبطة بالأصالة والنقاء، ورغم أنّ الاهتمامَ بالأصولِ الموروثَ من القرن التاسع عشر هو في ظنّنا جزء من حنين أشمل للأصول نجده في السياق المعرفي لهذا العصر كما يشير إلياد وسوزان مارتشاند، حيث «البحث عن الأصول ينزَع لأن يلعب لعبة الفائز بكلّ شيء»[27]، ففهم كلّ ظاهرة مرتبط بأصلها ورهين بتفكيكها لعناصرها الأُولى، إلا أنّ تفسير بيرج يضفي بُعدًا آخر لفهم استمرارية هذه المقاربة، كما يكشف البُعد اللاهوتي الكامن -وإن لم يكن بالضرورة الواعي في كل الحالات- في عملية التسييق التاريخي، والذي وحين ينزع الأصالة عن القرآن والعرب يضفي ربما بُعدًا أكثر أصالة على السياق المسيحي واليهودي.

كذلك يقوم بيرج بتفكيك مصطلح (إسلامي)، الثاني في تركيب (أصول إسلامية)، والذي يستلزم في تصوّره عملية إسقاط للتاريخ اللاحق على البدايات كما يشترك مع مفهوم الأصول في رؤية لاهوتية تمرجع السياق الأول وتمنحه أهمية كبرى!

تعتبر دراسة آنا أكاسواي الـمَسْحية من أهم دراسات الكتاب في ظنّنا، حيث تقدّم مسردًا ممتازًا جدًّا للكتب والدراسات الغربية المعاصرة -وسنقدّم في نهاية هذا المقال ملحقًا بالدراسات المترجمة للعربية في هذا السياق إكمالًا للفائدة للقارئ-، إلا أن ثمة بعض المساحات المهمة التي لم تتناولها هذه الدراسة الـمَسْحية[28]، لا بحكم تحديد إطارها الأكبر بالدراسات الصادرة بالإنجليزية في الخمس عشرة سنة الأخيرة كما توضح الكاتبة، وإنما بحكم الإطار التصنيفي الذي تنطلق منه، حيث نجد أن هذه الدراسة تتجاهل الدراسات الكثيرة في مساحات التلقّي الجمالي والشعائري للقرآن (العالم أمام القرآن) التي صدرت في هذه الفترة[29]، كذلك فإنها تتجاهل الدراسات الخاصة بالأبعاد المفهومية لنشأة سلطة النصّ القرآني، رغم وضوح مركزيتها في الدراسات المعاصرة عند كثير من الباحثين المصنِّفين والمحقِّبين للدراسات الغربية مثل ديفين ستيوارت[30]!

في الباب الثاني الذي يتناول (المحيط التاريخي للقرآن) نجد ستّ دراسات (سياق الشرق الأدنى في العصور القديمة المتأخرة: بعض المظاهر الاجتماعية والدينية: منتصر فايز الحمد، جون هيلي)، (السياق العربي للقرآن: التاريخ والنص: هاري مونت)، (المشهد اللغوي لشبه الجزيرة العربية قبل الإسلام: سياق القرآن: أحمد الجلاد)، (النموذج القصصي وقصص العصور القديمة المتأخرة: ماريانا كلار)، (القرآن واليهودية: ريفين فايرستون)، (القرآن والمسيحية: نيل روبنسون)، وتثار داخل هذه الدراسات عدد من الأسئلة المهمة حول الشكل المعاصر للدراسة التسييقية للقرآن ومحاولات ضبط مساحاتها، وربما من أهم ما أُثير في هذا السياق ما أثارته ماريانا كلار في دراستها حول القصص القرآني، فيما يتعلق بالسياق التاريخي الذي يتمّ تسييق القرآن فيه، وفي سياق آخر كنّا قد أشرنا لاختلاف الرؤى التاريخية في نظرها لـ(مدى التاريخ)، وافترَضْنا -متابعين المصباحي وأركون- إمكان تقسيم المقاربات المسيِّقة للقرآن تاريخيًّا إلى: (مقاربات تسيِّق القرآن في سياق قصير المدّة: نصر أبو زيد)، (مقاربات تسيِّق القرآن في سياق متوسط المدّة: فضل الرحمن مالك)، (مقاربات تسيّق القرآن في سياق التاريخ الطويل: أركون)، «مقاربات تسيّق القرآن في سياق التاريخ الرمزي والحكائي: العروي»[31]. ونظن أنّ هذا قد يفيد في ضبط ما تعتبره كلار خلافًا واسعًا في عملية التسييق هذه والاختلاف بين الدراسات في مدى التاريخ الذي يربطون به القرآن، حيث يمكن على سبيل المثال وضع اقتراح صالح بتوسيع التسييق ليشمل «التراث الأُسطوري العالمي المعاصر لتلك الحقبة من عالم العصور القديمة المتأخرة»[32] ضمن التاريخ متوسّط المدة. بل إننا نجد في تساؤل كلار عن التاريخ نفسه تساؤلًا حول الجغرافيا، حيث تشير كلار للاختلافات بين الدارسين في حدود سياق القرآن، هل يقتصر الأمر على الحجاز أم غرب الجزيرة أم جنوب الجزيرة أم الجزيرة ككلّ أم محيط الجزيرة القريب؟ ونظنّ أن هذا السؤال الجغرافي ينحل حتمًا للديموغرافيا ولدراسة اللغات، فهو في عمقه سؤال حول الجماعات الدينية وعلاقاتها وإستراتيجيات تأطيرها لحضورها الديني.

تثير كلار كذلك مسألة طبيعة الربط ذاتها بين القرآن والمدونات السابقة (في التاريخ أو الجغرافيا)، يتلاقى نقدها لمسألة السيولة التي تشهدها بعض الدراسات المعاصرة في الربط بين القرآن والكتب السابقة مع نقد ليمان[33]، وتفترض كلار ضرورة ضبط عملية الربط هذه عن طريق استكشاف أدقّ للموتيفات أو المعجمات التي يستخدمها القرآن، إذا ما أُريدَ تقديم طرح جدير بالتصديق وفق تعبيرها، وتحاول إبراز بعض النماذج التطبيقية لغياب هذه الدقة بالإشارة لدراسة كيفن بلاديل حول قصة ذي القرنين في سورة الكهف، حيث تشير لكون معظم ما يعتبره بلاديل تشابهًا بين القصتين مثل: (عبارة: (ستنهار الممالك فوق بعضها) وآية: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾) يصعب اعتباره كذلك[34]!

ويقدّم روبنسون دراسة عن القرآن والمسيحية، ورغم قصر هذه الدراسة واقتصارها على معالجة قضايا غير شاملة؛ مثل اسم (عيسى/ يسوع)، ومفاهيم (المسيح) و(البراقرايطس) و(الناصريون)، إلا أنها انطوت على بعض الرؤى المهمّة، لعلّ أهمها ما يطرح روبنسون من ضرورة النظر بدقة لطبيعة تعامل المجتمعات الدينية مع الكتب المقدسة في سياق الشرق الأدنى القديم والمتأخر، حيث يقوم هذا التعامل لا على الاقتباس بل على الاستدعاء التأويلي وإعادة التفسير وموضعة الذات ضمن رؤى الخلاص السابقة، مما يؤدّي لبعض التساهل في التعامل مع هذه الكتب وفق تعبيراته -ويمثّل بمخطوطات قمران والعهد الجديد-[35]، ولعلّ هذا النظر لطبيعة هذا العصر والذي نجده بكثافة أكبر في كتابات نويفرت والمؤسَّس على نظرة لهذا العصر كـ(عصر تأويلي معرفي)، والمؤطّر بعدد من المفاهيم حول طبيعة حضور الكتب المقدسة والأدوات التيبولوجية والليتورجية في استعادتها وتحيينها، يشكّل الأساس النظري لرؤية ترى العلاقة بين القرآن والنصوص السابقة بعيدًا عن الفرضيات الكلاسيكية عن الاقتباس والتبعية والتأثر وما يتعلق بها من دعوى وجود (أخطاء) قرآنية أو وجود تحرير لاحق شديد الحصافة لكثير من مقاطعه قائم على «تفسير كتابي متقن»[36].

بالطبع نستطيع أن نعزو إلى طبيعة المرجع عدم التوسع في دراسة (نشأة النص المُعتمَد) على مستوى الأدلة الإيبغرافية، فلم يحوِ المرجع دراسات متوسعة في دراسة المخطوطات القرآنية المبكرة، والعلاقة بين المصاحف، وموقع مصحف عثمان في التقاليد النصية الناقلة للمصحف، وتطور عملية النقل والتدوين، وكيفية نشأة النسخة (القياسية) المعيارية المُعتمَدة، حيث تتسم الدراسات من هذا النوع بالتوسّع والطول وكثرة التفاصيل، إلا أن طبيعة المرجع لا تفسّر غياب دراسات تتناول الجانب المفهومي من مسألة سلطة النصّ، أي: (السلطة كسِمَة من سمات المرجعيِّة الذاتيَّة للنصّ)، وهو جانب باتت له أهميته في السياق المعاصر مع تطور الدراسات الأدبية والكتابية واستلهامها في دراسة القرآن وتاريخه[37]، مما يجعل في إغفاله نقصًا؛ في النهاية ضمّ المرجع في بابه الثالث (النقل النصِّي، الجمع القرآني، والمخطوطات، والنقوش والإصدارات المطبوعة) ثلاث دراسات تلقِي الضوء على النقاش المعاصر لأهم المخطوطات القرآنية المبكّرة وتاريخها وعلاقتها بدراسة تاريخ تدوين القرآن وبدراسة تطور الخط؛ ففي دراسة (المخطوطات والتقاليد الأثرية: براهين مادية) يلقِي فرنسوا ديروش الضوء على الدراسات المعاصرة لمخطوطات المجمع الحجازي، مثل: المصحف الباريسي الذي قام بدراسته، ومخطوطة المكتبة البريطانية التي درسها دتون، وطرس صنعاء الذي درسه جودارزي وبيرجمان وصادقي وأسماء هلالي وإلينور سيلار، وكذلك مصاحف الفترة الأُموية، والتصوّرات التي يتداولها الدارسون حول تاريخ وطبيعة هذه الأدلة وعلاقتها بتصور تاريخ تدوين القرآن وتاريخ عملية التدوين والنقل، وفي دراسته (القراءات: التاريخ والنشأة والتأصيل)، يقدّم شاه تتبعًا جيدًا لتطور دراسة القراءات في السياق الغربي منذ نولدكه والموقع المهم لبرجستراسر وجيفري في هذا التقليد، سواء في الدراسة أو التحقيق أو جمع المخطوطات، ثم الجدالات المعاصرة حولها والمتعلقة بالمخطوطات أو بتصوّرات حول طبيعة التراث الإسلامي وموثوقية نقله لتاريخ القرآن، ورغم أن دراسات المرجع -وكما أسلفنا- لم تهتم لقضية (سلطة النصّ)، إلا أنها ألقت ضوءًا مع هذا على الخلافات المعاصرة في تاريخ النصّ ونشأة سلطته وموقع المخطوطات من هذا الجدل، وكان لها أهميتها في بيان تنوع الرهانات من دراسة تاريخ النصّ المبكّر والقراءات، حيث تستطيع هذه الدراسة أن تزيد من معرفتنا بالخطوط وتطوّرها وتطور طرق النقل والنَّسْخ، كذلك فقد قامت دراسة شاه بالتركيز الجيد على موقع تصور العلاقة بين القراءات والتفسير (جولدتسيهر، وانسبرو)، والفقه (بورتون، وانسبرو)، والخط والكتابة (لولينغ) من الجدل المعاصر حول سلطة النصّ وسياق نشأتها، أمّا دراسة دتون (شكل القرآن: معالم تاريخية: ياسين دتون) فهي أقرب لتلخيص عامّ لنشأة القراءات من منظور يرى أن المنهج الأمثل لإجابة سؤال التباين والاختلاف في القراءات، هو «أن نقبل الأخبار كما هي بدلًا من ردّها أو التعسف في تبرير ما يشوب الصورة من تناقضات ظاهرة، حتى نصل بهذا إلى فهم الأمر برمّته والصورة بمجملها»[38]، أمّا الدراسات الأخرى في هذا الباب؛ مثل دراسات شيلا بلير (تعظيم كلمة الله: المخطوطات القرآنية)، (نقش كلمة الله: نصوص قرآنية على العمارة والأجسام والحوامل الصلبة)، التي تناولت المخطوطات وفواتح المصاحف والنقوش القرآنية لبعض الآيات في مداخل المساجد وأبوابها ومحاريبها ومآذنها؛ فإنها في ظنّنا أقرب للتلقِّي الجمالي والاجتماعي والسياسي والثقافي للقرآن، حيث تجمع دراسات بلير -وجوناثان بلوم زوجها والذي تتشارك معه كثيرًا من الدراسات[39]- دومًا بين التحليل الجمالي للزخارف والسياق الاجتماعي والثقافي لإنتاج وتحيين واستدعاء المصاحف والآيات القرآنية؛ لذا فإنَّ جمع المرجع (النقل النصي، الجمع القرآني، والمخطوطات، والنقوش والإصدارات المطبوعة) كعنوان واحد لهذا الباب الذي يضم هذه المجموعة من الدراسات =ليس شديد الفائدة في ظنّنا، وإنما كان الأنسب اعتبار هذه الدراسات الخاصة بالتلقي نسيجًا خاصًّا يُجمع مع دراسات تتناول التلقِّي الجمالي والأدبي، وهي دراسات موجودة داخل هذا المرجع بالفعل لكن في أبواب أخرى كما سنوضح، ونريد التأكيد على أن هذا ليس خلافًا تنظيميًّا، بل يتعلّق في ظنّنا بفتح آفاق أوسع لفهم عملية التلقّي نفسها كفضاء (يخلقه النص أمامه)، وهو الأمر البعيد عن الاهتمام الغربي نتيجة عزل النص عن (المعنى) و(الأمّة) -بل وكذلك بعيد عن الاهتمام العربي المعاصر الذي يحصر (المعنى) في المعنى النظري- كما أسلفنا في موضع آخر[40].

ونستطيع اعتبار دراسة (القرآن والشِّعر العربي: شتيفان شبيرل) في نهاية الباب الرابع (الأبعاد البنيوية والأدبية في القرآن) هي دراسة لإحدى مساحات التلقّي الجمالي -الأدبي تحديدًا للقرآن- وهي واحدة من أجمل دراسات الكتاب وأمتعها، فهذه الدراسة تتناول الأثر الذي تركه القرآن في الشِّعر العربي، وهذا الأثر الذي يحاول شبيرل تتبعه يتجاوز عملية الاقتباس أو الاستحضار إلى محاولة استكشاف أثر القرآن في النظر للشِّعر وفي طبيعة الصور الشِّعرية، ويحدد الكاتب اشتغاله على ثلاث مراحل؛ مرحلة ظهور القرآن، ومرحلة الشِّعْر العباسي، والمرحلة الحديثة، ونظنّ أنّ ثمة مساحتين أساسيتين في دراسة شبيرل جديرتين بالانتباه؛ المساحة الأُولى ما يلفت إليه النظر من العلاقة بين بنية القصيدة الجاهلية وبنية السورة القرآنية، حيث يتساءل عن إمكان خضوع القصيدة لذات (النَّظْم الدائري أو الحلقي) الذي ينتظم بعض سور القرآن -يشير مثلًا لبنية إحدى قصائد امرئ القيس وبنية سورة النور، تركيبيًّا وكذا فيما يتعلق بالصور المستخدمة وبثنائية النور/ الظلام[41]-، هذا التساؤل ربما يعدّ تطويرًا لاشتغال نويفرت في كثير من دراساتها على العلاقة بين رؤية العالم التي تقدّمها القصيدة الجاهلية وبين رؤية العالم التي يقدّمها القرآن[42]، حيث يفكَّك القرآن وفقًا لها رؤية العالم التي تُقدِّمها القصيدة الجاهلية، إلا أن تساؤل شبيرل يعدّ أكثر اتصالًا بمسألة النوع الأدبي أو بمسألة نوع السرد والعلاقة بين المسارد في الشرق الأدنى، فهل تمثّل السورة القرآنية -وأثناء تفكيك رؤية القصيدة الجاهلية للعالم- اتفاقًا أم استثمارًا أم تفكيكًا لبنيتها الأدبية؟! يتماشى هذا التساؤل مع افتراض كون خلاف القرآن مع مسارد الشرق الأدنى -والذي يمكن النظر له كصراع حول السلطة كما يرى كرماني[43]- كان خلافًا (عقديًّا) أو خلافًا يتعلّق بـ(تأسيس العالم) حيث يتعلق بالسلطة على الغيب[44]، وهو خلاف ظهر أثره في اختلاف بنية التواصل الخاصة بالقصيدة من جهة والخاصة بالسورة من جهة أخرى كأنماط سرد عن المجهول/ الغيب: (شيطان- شاعر) (الله- جبريل- النبي)، فالتساؤل هو: هل تفكيك القصيدة الجاهلية يتجاوز بنية التواصل ويصل إلى حدود أعمق تتعلق بالبنية العامة للخطاب، أي بالبنية التي تجمع (مخطط السرد) و«البنية العاملية»[45]، من حيث القرآن «يُمثِّل قطيعة مع الجاهلية على مستوى أشكال الكلام»[46]؟!

يلفت شبيرل كذلك النظر للقصيدة الصوفية والتوسّل الصوفي بالشِّعر كطريق لله، وهو ما يشكّل من وجهة نظرٍ ما استعادةً مؤسلمة للشِّعْر، حيث لم يعد الشِّعْر يُنفى كـ(طريق لاستكشاف المجهول)، بل يتم استعادة هذه الوظيفة (الغائبة) في الإسلام كما يرى أدونيس[47]، لكن بعد تعديل طبيعة (العالم الديني)، حيث يصبح الشعر الصوفي نواة تواصل جديدة (الله- وليّ)، بدلًا عن (شيطان- شاعر)، مكرِّسة قيم التوحيد (الحقيقة بدلًا عن المجهول) والنبوّة والبيان.

المساحة الثانية التي يشير إليها شبيرل هي العلاقة بين ظهور القرآن وظهور الطبيعة المجردة والمجازية للفكر[48]، ورغم أن هذه العلاقة والتي تبرز في اكتشاف البديع، ليست فكرة خاصة بشبيرل -بل تناولها جيلدر في ذات المرجع على سبيل المثال-، لكن الخاص والأصيل هو ربطه لهذه الفكرة بطبيعة التصوير الشِّعْري، حتى في الشِّعْر الماجن، حيث يصبح مرجع (الصور الفردوسية) في الشعر هو الوصف القرآني الخلَّاب لجنة المآل المجاوزة للواقع وللخيال فـ«ربما كانت خطيئة هذا الماجن الأصلية، ودعواه الفوز والنجاة، كامنة تحديدًا في إدراكه أنّ سبب فتنته ومنشأ غوايته يحمل مسحة سماوية وبصمة علوية»[49]!

إنّ دراسة شبيرل تفتح الباب لتساؤلات تتعلق بدراسة سياق القرآن التاريخي وكذلك بالتلقّي الأدبي والجمالي للقرآن، مما يجعلها من أهم دراسات هذا المرجع في ظنّنا.

أمّا دراسة جيرت جان فان جيلدر (القرآن والتقاليد الأدبية العربية في العصور الوسطى) والتي تدخل في ذات سياق التلقّي الأدبي، فهي تتناول بتفصيل أكبر بعض مساحات الاقتباس والمحاكاة للقرآن في الأشعار والكتب الأدبية مثل: ((رسالة الغفران) و(الفصول والغايات) للمعري، (الفرج بعد الشدة) للتنوخي، (المقامة المضيرية) للهمذاني)، وكذلك أثر القرآن في الدراسات الأدبية وفي نشأة النقد وتطوّره.

أمّا باقي دراسات هذا الباب فهي ما ينطبق عليها بشكل أدقّ (الأبعاد البنيوية والأدبية في القرآن)، وإن كان الأكثر منطقية هو إفراد الدراسات الخاصة ببنية القرآن -أي باقي دراسات هذا الباب- بباب مستقلّ يختص بهذا باعتبار أن هذه المساحة هي واحدة من أهم مساحات الدرس المعاصر للقرآن، وتقدم هذه الدراسات -خصوصًا دراستي كويبرس (النَّظْم القرآني)، ومستنصر مير (البنية القرآنية: الديناميكية الداخلية للسورة القرآنية)- تلخيصًا شديد الجودة لطبيعة الدراسة البنيوية للقرآن، إلا أن الطبيعة المسْحيّة التي تميل لشمول معظم أعلام هذا الاتجاه والتي نجدها بصورةٍ أكبر مع مير الذي تناول في دراسته (كويبرس ونويفرت وزاهنيزر وسلوى العوا ومحمد الشرقاوي وغيرهم) أدّت بطبيعة الحال لنقد عام وكلّي في كثير من الأحيان، ورغم عدم وجود دراسات تطبيقية للقراءة البنيوية للقرآن في هذا الباب -تحتوي دراسة كويبرس على مثلٍ تطبيقي مُبسَّط لقراءة سورة (الفاتحة) وفق منهج التحليل البلاغي السامي وإشارة سريعة لبعض صور النَّظْم في سورتي (يوسف) و(التكوير)-، إلا أنه يضم دراسات مهمّة للغة القرآن وبنيته النحوية والأدبية، فعلى سبيل المثال تمثّل دراسة ماثياس زاهنيزر لطبيعة اللغة القرآنية قراءة شاملة في الخلافات المعاصرة حول طبيعة لغة القرآن وعلاقتها باللغة الشعرية وباللهجات العربية وعلاقة هذا بالنقاشات المعاصرة حول السياق الجاهلي اللغوي وسياق نشأة القرآن، كذلك فإن دراسة شاه (مفردات القرآن: المعنى في ضوء السياق) تبرز دور اعتبار بنية القرآن الخاصة في تجاوز النظر الكلاسيكي لمفردات القرآن، ففي حين كان النظر الكلاسيكي المؤطَّر برؤى التبعيَّة والتأثَّر يميل في تعامله مع الألفاظ التي يصعب إيجاد اشتقاق عربي لها، إلى اعتبارها (ألفاظ أجنبية) يتم ردَّها إيتمولوجيَّا لأصول لغويّة سابقة (سريانية، آرامية، نبطيّة، حبشيّة، يونانية) من أجل فهم معناها، يميل الكثير من المعاصرين وبنظرٍ لبنية القرآن واستحضارٍ لمدى حسْمها في تشكيل معانيه إلى بحث معنى هذه الألفاظ بالعودة إلى سياق النص نفسه[50].

أمّا عن دراسة أيمن الدسوقي (حول الإعجاز القرآني والوشيجة الكلامية) والتي تطرح للنقاش معضلة الحاجة إلى تأسيس كلامي معاصر للدراسة الأدبية للقرآن يقوم على استحضار (ألوهية) القرآن كمحدد أساس، فإنها تجعلنا نستعيد مرة أخرى النقاش السابق مع ريبين حول (الموضوعية) و(المعيارية) والعلاقة بين الدراسات الغربية والدراسات العربية الإسلامية، حيث إن هذا السؤال -بعيدًا عن مدى شرعيته وجدواه منذ طرحِ أبو زيد له[51]- لا يمثّل ربما جزءًا من (المشترك الأكاديمي) الذي يتحدث عنه ريبين! خصوصًا أن هذا المنظور ورغم توظيفه لفكرة اللقاء بالقدسي لأوتو (مباشرة الإلهي عبر الكلام)، -وبعيدًا عن مدى دقة أو كفاءة حصر هذه المباشرة ونتائجها في البُعد الجمالي والأدبي وتجاهل الأبعاد الشعائرية والعقدية كما تفعل دراسة الدسوقي- إلا أنه كذلك لا يبدو منظورًا ظاهراتيًّا بل هو منظور ديني، بل دعنا نقول عنه: منظور معياريّ! يخالف ما يفترضه ريبين من (رؤى مشتركة) لـ(جماعة تفسيرية) مُتخيَّلَة.

تضم الأبواب: السادس: (القرآن في ضوء السياق: الترجمة والثقافة)، والسابع: (الدرس التفسيري: الدراسات العلمية والتفاسير المبكّرة والكلاسيكية والحديثة)، والثامن: (تفسير القرآن: الخطابات، والبنى، والتأويل) ما يمكن تأطيره تحت عنوان: (العالم أمام النصّ)، حيث تضم ثلاثًا وعشرين دراسة -تقريبًا نصف الكتاب- تتناول التفسير والترجمة في العالم الإسلاماتي وفي أوروبا وكذلك حضور القرآن في السياق الأدبي والشعبي الأوروبي، إلا أننا نودّ هنا وقبل تناول ما تدرسه هذه الدراسات أن نلقِي الضوء على بعض الدراسات التي لا تظهر أهميتها وقدرتها على فتح آفاق دراسة أوسع، إلا عند تغيير النظر لمساحة ما بعد/ أمام القرآن من النظر النصّي إلى نظر أكثر شمولًا لمساحات التلقّي الإسلامي المتنوعة والثرية للقرآن. حيث، وكما يوضح شهاب أحمد، فإنّ التعامل الإسلامي مع القرآن لم يكن تعاملًا مع التمظهر النصِّي وحده، بل مع (ما قبل النصّ) أيضًا، أي (الوحي) وفق مفاهيم شهاب أحمد[52]، يبرز هذا في دراسات (التفسير الصوفي: البدايات والمآلات: ألكسندر كنيش)، و(التفاسير الفلسفية: جول يانسنس)، حيث يدور جزء كبير من هذه التفاسير حول (الصلة بالله)، يصبح التفسير هنا (معراجًا روحيًّا)، ويصبح (استبطان القرآن) وفق تعبير نويا الذي يستحسنه كنيش بحثًا عن باطن القرآن، أي: عن الوحي، وسيرًا نحو الله، ولا يمثّل (التفسير النصِّي) -الذي تهتم به الدراسة الغربية- في هذا المعراج الطويل إلا (الصدف) وفق تفريقات الغزالي، أو (النوبة الأُولى والثانية) وفق رشيد الدين الميبدي، أو التلاوة السابقة على (التلاوة العليا) وفق ابن برّجان الأندلسي، مما يعني أنّ دراسة هذا الجانب من التفسير ربما تحتاج مساحة خاصّة من التحليل لا توازي فحسب بل تقاوم وتفكك الأُطر النصية المفروضة على النظر للقرآن وعلى التلقّي الإسلامي له كذلك، وكما أسلفنا في بحث سابق، فإنّ تصنيف أحمد وبسبب تجاهله السياق التاريخي السابق على القرآن فإنه يفقد القدرة على تأطير الدراسات المعاصرة خصوصًا الغربية، إلا أنّ أهميته الكبرى والتي تدعونا لاستدعائه في بناء تصنيف لهذه الدراسات هي بُعده النقدي الكاشف لمدى ضيق هذه الأُطر المعاصرة في دراسة القرآن عن شمول الثراء الإسلامي في تلقيه كـ(كتاب) و«كلمة إلهية»[53]، جدير بالنظر كذلك أنّ تفسير سيد حسين نصر الذي أخرجه كامبانيني في دراسته الأخيرة في المرجع عن كونه «تفسير فلسفي بالمعنى الدقيق»[54]، يمكن بأحد الأشكال اعتباره تطورًا أو استلهامًا للمدرسة الصدرائية (الحِكمة المتعالية) كمدرسة تفسر فلسفيًّا وصوفيًّا (القرآن/ الوحي) وفق خطاطة شهاب أحمد.

يضمّ البابان السابع والثامن عددًا من الدراسات المهمّة التي تتناول الأبعاد النظرية والمنهجية للدراسة الغربية للتفسير، والتي تستحضر التطورات الحاصلة في هذا الحقل، فكما أسلفنا في غير موضع، فإنّ دراسات التفسير تأثرت بشكلٍ كبيرٍ بالتغير الحاصل في منعطف السبعينيات، فيما يتعلق بالمناهج (تطبيق المنهجيات الأدبية على مدونات التفسير)، وما يتعلق بالمصادر كذلك، وكذلك ما يتعلق بصِلة الحقل بالمناهج العلمية الاجتماعية والثقافية الأوسع التي انفتح عليها الحقل في محاولة لتجاوز الضيق المنهجي الذي اتسم به في مرحلته الكلاسيكية[55].

نجد في هذه الدراسات بروزًا كبيرًا لهذا الأثر سواء بإثارة الإشكالات النظرية المتعلقة بالتصنيف والتحقيب الغربي الكلاسيكي لحقل التفسير، أو في دراسة بعض المساحات الخاصة ذات الأهمية، حيث نجد دراسة مفردة للعلاقة بين التفسير والسيرة (البنى التفسيرية للسيرة: التفسير والسيرة) لماهر جرار، ورغم أنّ هذه العلاقة قديمة في الدراسات الغربية كما يقول ماهر جرار ويبرز باستعادته أسئلة جولدتسيهر ولامنس ووات حول هذه العلاقة، إلا أن الدراسة تبرز الأبعاد المعاصرة لهذا السؤال والتي فتحها بالأساس كتاب وانسبرو (الدراسات القرآنية، 1977)، حيث وبعد التشكيك في المرويات الإسلامية وكذا طرح منهجيات جديدة لدراسة هذه المدونات بات السؤال أكثر إلحاحًا حول طبيعتها والعلاقات بينها وبين التفسير وحول طبيعة تطور هذه المدونات والعلوم، كما أدّى هذا لبروز اهتمام أوسع بـ(المدونات المبكرة) بعيدًا عن (سؤال الأصول) كما يؤكّد ريبين[56]، حيث الاهتمام بدور هذه المدونات المبكرة في تشكيل تصور أعم حول الفترة المبكرة للإسلام، تبرز دراسة جرار كذلك وجراء اتساع في المنهجيات المطبقة تساؤلات حول وظيفة مدونات السيرة والتفسير، وعلاقة هذا ببناء (الذاكرة الثقافية الإسلامية) -ربما يتجاوب هذا مع تساؤل ريبين عن محفزات التفسير![57]- وأثر هذا في التشغيل المنهجي لها كمصادر تاريخية، كذلك يشير توتولي في دراسته عن الإسرائيليات (المرويات الإسرائيلية) لبعض الأبعاد المهمّة التي أثارها اكتشاف مخطوطات قمران وتركت أثرًا على بعض زوايا النظر للتفسير، حيث يشير إلى كيف حفظت بعض المرويات التفسيرية بعض القصص الكتابي السابق على الإسلام[58] -وهي مسألة نجد اهتمامًا بها في دراسات جون سي ريفز على سبيل المثال-، كذلك يشير إلى ما يمكن أن تفيده المرويات الإسرائيلية في فهم طبيعة العلاقات الإسلامية الكتابية في صدر الإسلام مثلما نجد في دراسات روبن ونيكل[59].

وفي نفس إطار الأسئلة النظرية والمنهجية حول الدراسة الغربية المعاصرة للتفسير تأتي دراسات صالح وبينك (تفسير القرآن في العصر الوسيط: العصر الذهبي لعلم التفسير: صالح)، (التأويل الكلاسيكي، يوهانا بينك) والتي تثير كعادة دراساتهما الكثير من الأسئلة حول عملية تصنيف وتحقيب التفاسير، وأثر عمليات الطباعة والنشر على تشكيل تاريخ الحقل في نظر الباحثين المعاصرين عربًا وغربيين[60]، ويكرّر صالح انتقاده لتجاهل الدراسات الغربية الدراسات الإسلاماتية حول التفسير وتمركزها في السياق السنّي العربي، واقتصارها كذلك على الدراسات التحديثية، بل وكذلك ينتقد تجاهل الدراسات العربية للدراسات الغربية والإسلاماتية كما يشير في تناوله لكتاب النيفر (القرآن والإنسان: وجهًا لوجه)، كما يهتم المرجع بوضوح وفي توافق مع هذا النقد المعاصر للدراسة الغربية الكلاسيكية للتفسير، بأن يوسِّع مساحات دراسته لتشمل التفاسير بعيدًا عن التمركز حول التفسير (السنّي العربي المكتوب)، ليتجه للتفاسير غير السنيّة: (الإباضية، الشيعية الاثني عشرية، الإسماعيلية) التي أفرد لكلّ منها فصلًا خاصًّا كتبه على الترتيب: سليمان بن عليّ الشعيلي، فاليري هوفمان، وسجاد رضوي، وإسماعيل بونوالا[61]، وإن كان المرجع لم يضمّ دراسات تتعلق بالتفسير غير المكتوب على سبيل المثال -أشارت آنا أكاسوي في دراساتها الـمَسْحية لبعض هذه الدراسات بالفعل-[62].

بالنسبة لدراسة التفاسير المعاصرة، فلعلّنا نتشكك تجاه رغبة صالح في تصنيف كلي (شامل) للتفاسير والقراءات المعاصرة في العالم أجمع، حيث إن عملية التصنيف تخاطر وحين تحاول أن تصبح شاملة بهذا الشكل، باتساع معيارها، وبالتالي تخاطر بتجاهل كثير من المحددات التاريخية والثقافية والاجتماعية التي تطبع عملية تقديم تفسير أو قراءة للقرآن في السياق الحديث والمعاصر -مثلًا حين تقوم بينك بتفعيل محدد واحد هو الدولة الوطنية ونشأة التحديث والصلة بالدين فإنها تكون بالفعل قد خاطرت بإخراج عدد كبير من التفاسير والقراءات التي لا تمثّل لا تفسيرات رسمية مؤسّسيَّة (بأمر من الدول لضبط سياق الديني)، ولا غير رسمية (عالمة- عامية)! حيث لا تستنفد هذه الثنائية بمحدِّدها الذي تستنِد عليه أنماط التفاعل المعاصر مع القرآن أو (التكلم القرآني) بتعبير صالح، فضلًا عن كون بعض التفسيرات ستظلّ قائمة في التصنيفات الثلاثة وفق هذا المعيار؛ فتفسير الشعراوي ضمن هذا المعيار سيصبح تفسيرًا عاميًّا وتفسيرًا لعالِم وكذلك علاقته المعقدة بالمؤسّسة الرسمية تجعله تفسيرًا غير رسمي لكن في ذات الوقت ليس مجرّد تفسير مثل بقية التفسيرات حيث هو وحده يحتل مساحة على تليفزيون الدولة في وقتٍ ذي أهمية شعائرية واجتماعية[63]-، هذه العوامل ومدى حسمها الشديد تجعل من الضروري لعملية التصنيف أن تكون غالبًا -دون إخفاء شعور الإحباط الذي تخلقه هذه الضرورة- عملية تبدأ من أسفل إلى أعلى، أو عملية تراوح في دائرة تأويلية بين المساحتين. إلا أن هذا الاهتمام بعملية التصنيف عند صالح وبينك على الخلاف في تفاصيله يعدّ في ذاته شديد الأهمية حيث يأتي على النقيض من تجاهل محدّدات التصنيف الذي يشيع في كتابات الدارسين الغربيين للمرحلة المعاصرة بالذات، والتي تميل في تناولها للبانورامية الشديدة -وليس التركيب الذي يطالب به صالح-، مثلما نجد عند كراج أو سها تاج فاروقي، أو مثلما نجد عند كامبانيني في دراسته (التأويلات المعاصرة: الإستراتيجيات والتطور) في هذا المرجع، ولعلّه يمكن القول بأن بعض الكتابات العربية -ومنها كتاب النيفر- تبرز اهتمامًا أكبر بمسألة تصنيف النتاج المعاصر ومعاييره، بعيدًا عن الاتفاق أو الاختلاف مع نجاعة هذه المعايير، وبالطبع مع الإقرار بالعيب الكبير في تجاهل هذه الكتابات للنتاجات غير العربية والعربية غير السنية[64].

وربما تعدّ دراسة (ظهور التكلّم القرآني) لصالح أهم دراسة في هذين البابين، حيث يقدم هذا المصطلح والذي يعني (التعبير عبر تفسير القرآن عن القضايا الفكرية المعاصرة) محاولة لتقديم قراءة أشمل للتفاعل العربي والإسلامي المعاصر مع القرآن، ويخرج من حيز الثنائيات التي تفصل التراث والحداثة، ويبرز طبيعة تعامل معقّد مع الموروث التفسيري الطويل في الدوائر غير الحداثية.

ورغم الفائدة التي ينطوي عليها مفهوم (التكلّم القرآني) لوليد صالح، إلا أن هذا المفهوم يفوِّت في ظنّنا الطبيعة الحاسمة لهذا (التكلم)، وهي (الطبيعة التأويلية)، فالتعامل العربي المعاصر مع القرآن ينخرط بشكل أساسي في نقاش التأويل ومناهجه، حتى في تلك المرحلة التي وصفناها سابقًا[65] بأنها (ضدّ التقليد) والتي افترضنا كونها ذات صلة سلبية بالتقليد وأنها لا تميل لطرح رؤية منهجية جديدة، إلا أن هذه الصلة السلبية ذاتها بالتقليد تعدّ نقاشًا ضمنيًّا حول التأويلية، لكنه قائم على رفض بعض الطرائق التقليدية بالأساس أكثر من قدرته على طرح منهجيات جديدة، في حين تقدم التأويلية المعاصرة (حداثية، منهجية قرآنية، نسوية) رؤى حول المنهجيات التأويلية بالأساس في محاولة لطرح تأويلية جديدة للقرآن. كذلك فإن هذه الطبيعة التأويلية تجد تفسيرها في طبيعة العلاقة بـ(التقليد) في القرن التاسع عشر جراء النقاشات الإصلاحية والكولونيالية، والتي قامت على أخذ مسافة منه، ومن ثم استعادة علاقة تأويلية مع القرآن/ الأصل تعمق هذه المسافة وتبني تأويلًا جديدًا في ذات الوقت، تأويلًا يبرز «إسلامًا حديثًا- متوائمًا مع قيم الحداثة والمدنية بل منتجًا لها»[66]، فما غاب هنا ليس (علم الكلام) كإطار لنقاش القضايا الفكرية والعقدية كما يفترض صالح، بل التقليد كاملًا كـ(ممارسة خطابية)، لا فقط لـ(التكلم) بل لتقديم أسس معرفية لـ(إنتاج الكلام)، من هنا بات أيّ (تكلم) معاصر حتمًا «قرآنيًّا»[67].

في الباب السادس نجد خمس دراسات؛ ثلاث منها عن الترجمة (ترجمات القرآن باللغات الغربية، زياد المرصفي)، (ترجمات القرآن: اللغات الإسلاماتية: بريت ويلسون) والتي تبرز الاهتمام الغربي المتنامي بالخروج من حيّز التمركز العربي نحو دراسات المساحات الإسلاماتية الأوسع، و(طرح القرآن بمعزل عن السياق: محمد عبد الحليم) وهي نموذج تطبيقي لمسألة تغييب السياق وأثره في الوقوع في بعض الأخطاء في الترجمة. ودراستان حول التلقّي الغربي الأدبي والشعبي للقرآن (الثقافة الشعبية والقرآن: السياقات الكلاسيكية والحديثة، بروس لورانس)، (التقليد الأدبي الغربي والقرآن: نظرة عامة: جفري آينبودن)، ورغم أن دراسة المرصفي تقتصر على الترجمة بعيدًا عن كونها (سياق تلَقٍّ أوروبيّ) للقرآن مثلما نجد في دراسات جان لوب وألكسندر بيفيلاكوا على سبيل المثال أو مجمل دراسات (القرآن الأوروبي) والتي أشارت إليها آنا أكاسوي في دراستها المسحية[68][69]، إلا أن هذا كان متروكًا ربما لدراسة جيفري آينبودن، والتي تناولت السياق الأوروبي الأدبي والثقافي المتلقِّي للقرآن منذ كوميديا دانتي وإلى ديوان جوته الشرقي ثم رواية دون ديليلو (الرجل الذي هوى) في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر والذي يبرز تناولًا ثريًّا ومعقدًا للقرآن على مر العصور على مستوى البنية الأدبية والصور والمجازات والعالم الذي يجسّده والموقف منه، أمّا دراسة بروس لورانس -وهو صاحب كتاب مهم حول تاريخ الترجمات الغربية للقرآن (القرآن في اللغة الإنجليزية: سيرة)[70]-، فقد أخذت دراسة هذا التلقي لسياق أوسع وهو سياق الثقافة الشعبية، ورغم التحفظات التي يمكن أن تثار حول دقة مفهوم (الشعبي) سواء في الثقافة أو الدين ومجموعة المفاهيم الحافة به (العامي)، والمقابلة له (العالم) (الرسمي) (العلمي)، خصوصًا حين يكون الحديث عن مجتمعات مختلفة (أمريكا، آسيا وأفريقيا- يضع الكاتب (القارتين) في ذات السياق!)، إلا أنه يمكن القبول بتحديد لورانس الإجرائي للمفهوم عبر قصره على العلاقة بين الموسيقى والسحر والطب في هذه الثقافة، يتناول لورانس كيف حضر القرآن بمفاهيمه ومصطلحاته ومجازاته في هذه المساحات عبر الاستناد لدراسات أنثروبولوجية في الهند وإندونيسيا وأفريقيا وهولندا تمّت على أغاني الهيب هوب وعلى التمائم والتعاويذ المنتشرة في الواقع أو على مواقع الإنترنت، وتبرز هذه الدراسة بوضوح كيفية استخدام الدراسات القرآنية المعاصرة للتطورات الحاصلة في (دراسات المناطق) ومحاولة دمجها ضمن حقل الدراسات القرآنية فيما يذكر بالتفاوض الذي أجراه الاستشراق مع هذه الدراسات والعلاقات المعقدة بينهم منذ هاملتون جب[71].

لعل أكثر ما يثير التأمل في هذا المرجع هو بابه الخامس، والمعنون: (موضوعات القرآن ومحاوره الكبرى)، وهذا ما حَدانا لجعله آخر ما نعلّق عليه، فهذا العنوان ليس دقيقًا في ظنّنا ولا يعبّر عن معظم الدراسات داخل هذا الباب؛ فدراسة شتيفان فيلد (السياسة والقرآن) وكذلك دراستا أسماء أفسر الدين (الجهاد والقرآن: التفاسير الكلاسيكية والحديثة)، و(المرأة والقرآن)، وكما يظهر في عناوينهم بالفعل هي دراسات عن موقع القرآن من قضايا المرأة والسياسة والجهاد، أي كيف تطورت النظرات الاجتماعية والعلمية لهذه القضايا داخل العالم الإسلامي، وكيف حضر القرآن أو تفسيره في سبيل إنتاج أو دعم أو مقاومة هذه النظرات، لكنه ليس قراءة لهذا الموضوع داخل القرآن كأحد موضوعاته ومحاوره الكبرى، على خلاف دراسات (الأخلاق القرآنية، إبراهيم موسى) و(الشريعة والقرآن: جوزيف لاوري) و(الوحي والنبوة في القرآن، أولريكا مارتنسون) و(الإسكاتولوجيا والقرآن: سابستيان غونتر)، والتي تنطلق من محاولة بحث هذه الموضوعات داخل القرآن -مع تفاوتها عمقًا بطبيعة الحال-، إنّ ما يفرق بين هذه الموضوعات (النبوة، الوحي، الأخلاق..) وبين الجهاد والمرأة والسياسة هو قطعًا كون هذه الثلاثة الأخيرة أكثر حساسية، وربما لا يُتوقَّع من مرجع يحاول تقديم رؤية شاملة للدراسات القرآنية أن يقدم (دراسة تأويلية) تقليدية كانت أو إصلاحية أو تقدّمية لإحدى هذه المساحات التي تعرف خلافًا معاصرًا واسعًا على مستوى التنظير والواقع.

وتطرح دراسة مارتنسون (الوحي والنبوة في القرآن) تساؤلًا مهمًّا حول مدى استفادة الدراسات القرآنية الغربية من دراسة الوحي والنبوة في سياق الشرق الأدنى القديم والمتأخِّر، وقد أشارت مارتنسون لبعض الدراسات المهمة في هذا السياق بالفعل، والتي يمكن أن ينضاف لها دراسات ديفيد باورز وفايرستون وجون سي ريفز على سبيل المثال، إلا أن استفادة أوسع من هذه الدراسات رهينة في ظنّنا بدمجها داخل صلب هذه الدراسات وليس اعتبارها مجرد (موضوع قرآني)، ويعني هذا دمجها ضمن دراسات (سلطة النص)، وهو ما تقدّمه بعض دراسات فايرستون وباورز بالفعل، وربما الأقرب وضعها في سياق (ما قبل النص) بشكل أشمل، إلا أنّ هذا رهين بتغيير التصور النصي المعاصر، والانفتاح الأوسع على دراسات الأديان ومن ثم النظر للقرآن كـ(كتاب) ضمن التقليد الديني الكتابي من حيث هو ـ(عالم ديني) قائم على الكلمة!.

خاتمة:

بالطبع لا يمكن انتقاد مرجع أو دليل للدراسات على تفويته لبعض المساحات، أو على كون بعض الأبواب أشمل أو أجود من أبواب أخرى، وفي كلّ حال فالأمران قليلان في هذا المرجع، فهو شامل بقدر كبير ومعظم دراساته جيدة وشديدة الإفادة للدخول في قلب الأسئلة المعاصرة للدراسات الغربية للقرآن، وكذلك -وكما حاولنا أن نوضح- في كشف بعض إشكالات هذه الدراسات سواء تفصيليًّا أو فيما يتعلق بالطبيعة النظرية والمنهجية المؤطّرة لهذا الحقل.

إلا أنّ مما يستحقّ الإشارة هو افتقاد هذا المرجع -ومعظم المراجع- في سياق تناولها النقدي لواقع وتاريخ الحقل -وهذا المرجع يقدِّم دراسات عميقة في هذا السياق كما أسلفنا-، إلى دراسات تتناول الأبعاد الخطابية لنشأة الحقل وصلة الحقل بالاستشراق كخطاب، فدراسات تقدّم صوتًا آخر في هذا السياق مثل دراسات جوزيف لمبارد أو سوزان هيشيل أو سجاد رضوي تستطيع أن تلقِي ضوءًا مهمًّا على الأُسس الأعمق لهذا الحقل، وفهم هذه الأسس شديد الحسم في ظنّنا في تكوين رؤية أدق عن الحقل ونشأته وصيرورته ودوره، فغريب أنّ حقلًا يصرُّ على دراسة السياق التاريخي كمفتاح لفهم القرآن، لا يزال يتجاهل دراسة سياقه هو التاريخي!

ومهمٌّ الإشارة في ختام هذا العرض إلى أن مقارنة بين الكتب والأدلة والموسوعات للدراسات الغربية للقرآن، ستبرز لنا بوضوح اختلاف هذه الكتب والأدلة والمراجع في الفضاء الذي تفرده لدراسة مساحة من مساحات القرآن، يرى ستيوارت في مراجعةٍ كتبَها للمرجع في مجلة الدراسات القرآنية أن هذا المرجع اهتمّ لإفراد مساحة أوسع للتفسير ربما لربطه بشدة بدراسة القرآن لتجاوز الفصل المعتاد بينهما [72] منذ المرحلة الكلاسيكية[73]، نستطيع أن نرى ذات الأمر في مرجع روتليدج الصادر بعد هذا المرجع بعام واحد، في حين سنرى في مراجع وكتب أخرى اهتمامًا بمساحات بعينها مثل سياق النص أو تركيبه أو تفسيره[74]، ولا شك أن الكتابة والنشر ليسا -وكما يخبرنا بيير زيما- مجرد فعلِ إعلامٍ بل هما فعلٌ يهدف أحيانًا إلى رسم حدود الحقل، فلعل هذه الأشكال المختلفة من الكتب لا تكشف فحسب عن قرارات ذات منطلق تحريري أو متعلقة بتعبيرات ريبين بـ(الأيدي العاملة)، بل تكشف عن هدف إدارة للحقل ورغبة في خلق نموذج معرفي شامل له يتجاوز صراع النماذج الذي يعيشه بعد تفكك «نموذجه المعرفي»[75] منذ السبعينيات، ويتجاوز إشكال التفكّك والتشذّر الذي تشهده بعض مساحاته -هذا حال اقتصرنا على الأهداف المعرفية-، وهي حالة تلقِي بظلالها على كل مقدّمة لكل مرجع من هذه المراجع، فشعور الأسف على حال الحقل الذي يصدِّر به شاه هذا الكتاب، ليس جديدًا، بل يمكن أن نسمع فيه رجع صدى لأسفٍ صُدِّر به معظم ما نُشر من مراجع وأدلة وكتب أكثر تخصصّا في العقدين الأخيرين!

يحتاج هذا المرجع بدراساته الثرية والمتنوعة وترجمته السَلِسة -والتي تحتفظ بطابع وضوحها على امتداد صفحاته في تجاوز ناجح لصعوبة التفاوت بين دراسات الأصل في الوضوح-، إلى قراءات أكثر توسعًا، تتناول بعض أبوابه أو دراساته بالتفصيل والنقاش، ما حاولناه هنا هو فقط تقديم إطلالة كلية على المرجع وإشارة لبعض المساحات التي لفتت نظرنا في تركيبه أو في بعض دراساته، آملين أن تحفز هذه القراءة قراءات أوسع وأكثر تفصيلًا.

ملحق الكتب والدراسات المترجمة للعربية في دراسة آنا أكاسوي المسحيّة[76]:

الدراسة

الكاتب، المترجم

الناشر

القرآن في محيطه التاريخي

تحرير: جبريل سعيد رينولدز، ترجمة: سعد المولى

منشورات الجمل، 2006

ديانة المشركين في القرآن، الله والآلهة الأدنى

باتريشيا كرون، ترجمة: هشام شامية

ضمن كتاب (مفهوم الله وأنداده عند العرب قبل الإسلام)

المركز الأكاديمي للأبحاث، ط1، بيروت، 2020

المشركون في القرآن والقيامة

باتريشيا كرون، ترجمة: هشام شامية

ضمن كتاب (المشركون والمسيحيون اليهود في القرآن)

المركز الأكاديمي للأبحاث، ط1، بيروت، 2019

القرآن والتاريخ- علاقة جدلية، تأملات حول تاريخ القرآن والتاريخ في القرآن

أنجيليكا نويفرت، ترجمة: إسلام أحمد

موقع تفسير

جمع القرآن: إعادة تقييم المقاربات الغربية في ضوء التطورات المنهجية الحديثة، موتسكي

هارالد موتسكي، ترجمة: مصطفى هندي

موقع تفسير

طرس صنعاء 1 وأصول القرآن

محسن جودارزي وبهنام صادقي، ترجمة: حسام صبري

موقع تفسير

موازنة بين مصحف عثمان وإحدى مخطوطات صنعاء (طرس صنعاء 1)

نظرات حول تاريخ تدوين القرآن

أوي بيرجمان وبهنام صادقي، ترجمة: حسام صبري

موقع تفسير

مصاحف الأُمويين: نظرة تاريخية في المخطوطات القرآنية المبكرة

فرنسوا ديروش، ترجمة: حسام صبري

مركز نهوض، 2023

الاستشراق في الدراسات الإسلامية، الدراسات القرآنية نموذجًا

أنجيليكا نويفرت، ترجمة: طارق عثمان

موقع تفسير

إسهامات النجاة المبكرة في جمع وتوثيق القراءات القرآنية: مدخَل لكتاب «السبْعة» لابن مجاهد

مصطفى شاه، ترجمة: حسام صبري

موقع تفسير

المسائل الكبرى في القرآن

فضل الرحمن مالك، ترجمة: محمد أعفيف

جداول للنشر والترجمة والتوزيع، ط1، بيروت، 2013

الله والإنسان في القرآن، علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم

توشيكيهو إيزوتسو، ترجمة وتقديم: هلال محمد الجهاد

المنظمة العربية للترجمة، ط1، بيروت، 2007

المفهومات الأخلاقية الدينية في القرآن

توشيكيهو إيزوتسو، ترجمة وتقديم: أ.د/ عيسى عليّ الكاعوب

دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، العراق، 2017

السيدة مريم في القرآن الكريم، قراءة أدبية

حسن عبود

دار الساقي، ط1، بيروت، 2010

السورة وحدة نصية: تطور في تفسير القرآن في القرن العشرين

مستنصر مير، ترجمة: حازم زكريا محيي الدين

مؤمنون بلا حدود، نوفمبر، 2021

في نظم القرآن

ميشيل كويبرس، ترجمة: عدنان المقراني وطارق منزو

دار المشرق، بيروت، ط1، 2018

ملاحظات أوّلية حول الكتابات المؤرخة للتفسير باللغة العربية، مقاربة مبنية على علم تاريخ الكتاب

وليد صالح، ترجمة: يوسف مدراري

التفاهم، العدد 69، صيف 2021، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مسقط

تشكّل التفسير الكلاسيكي، تفسير القرآن للثعلبي

وليد صالح، ترجمة: محمد إسماعيل خليل

نماء للبحوث والدراسات، ط1، بيروت، القاهرة، 2022

ابن تيمية وظهور الهرمنيوطيقا الراديكالية

وليد صالح، ترجمة: محمد بو عبد الله،

ضمن كتاب

(ابن تيمية وعصره، تحرير: يوسف ربوبورت، وشهاب أحمد)

الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، بيروت، 2018

القرآن والمرأة، إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي

آمنة ودود، ترجمة: سامية عدنان

مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة، 2006

دراسة التفسير القرآني في الحقبة الإسلامية الوسيطة والاستشراق الحديث

بروس فودج، ترجمة: مصطفى هندي

موقع تفسير

 

 


[1] تحقيب حقل الدراسات الغربية للقرآن، قراءة في المنجز، وتحقيب جديد مقترح، طارق حجي، موقع تفسير، ص25.

[2] Reflections on the History and Evolution of Western Study of the Qur’ān, from ca. 1900 to the Present, FRED M. DONNER.

ضمن كتاب:

TRENDS AND ISSUES IN QUR’ANIC STUDIES, Munʾim Sirry, editor, Lockwood Press, Atlanta, Georgia, 2019, p: 29

[3] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، نهوض للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 2023، ص97.

[4] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص105.

[5] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص96.

[6] يسرد يوسف رحمن في دراسته (Indonesian Muslim Responses to Non- Muslim Approaches to qur'anic studies) تجربة مهمّة للتثاقف مع الدراسات الغربية في ماليزيا وإندونيسيا، هذه التجربة بدأت بمحاولة (إصلاح) لجامعة (AIAN) وهي جامعة أُسّست في إندونيسيا في الستينيات لتكون شبيهة بجامعة الأزهر، وكانت المحاولة (الإصلاحية) المطروحة والمتبناة من وزارة الشؤون الدينية في ستينيات القرن الماضي، هي ضرورة إدخال الدراسات الغربية حول الإسلام كجزء من مقرّرات الدراسة في هذه الجامعة، تبع الأمرَ القيامُ ببعثات لمتخرجي الجامعة إلى الجامعات الغربية، كذلك يشير رحمن إلى تجربة (ISTAC) (المعهد الدولي للفكر الإسلامي والحضارة) في ماليزيا في ترجمة ونقاش بعض الكتابات الغربية الحديثة حول القرآن واستعانته في هذا بالتجربة الإندونيسية، هذه التجارب كانت مهمّة في تشكيل نقاش واسع حول طبيعة الدراسات الغربية والإسلامية، نجد أثرَ هذا النقاش بوضوح في كتاب ماجد دانشجار حول الجامعات الإسلامية ودراسات القرآن الغربية، ويعدّ نموذج الحالة الأساسي في عمل داشنجار هو ريبين، الذي كان أحد أهم الأسماء التي تعرَّف من خلالها الدارسون على الدرس الغربي للقرآن، وقد قدّم سجاد رضوي دراسة في كتاب دانشجار تناول من خلالها النظرات في ماليزيا وإندونيسيا للدراسات الغربية ومدى أهميتها وعلاقتها بالدراسات الإسلامية بعنوان: (Reversing the Gaze? Or Decolonizing the Study of the Qurʾan) (نظرة معكوسة، أم تفكيك كولونيالية الدراسات القرآنية) ، وهي دراسة قائمة على مفاهيم دراسات ما بعد الكولونيالية وتستحضر بعض النقاشات الشبيهة؛ مثل نقاشات جوزيف لمبارد، راجع: Western Non-Muslim Qurʾanic Studies in Muslim Academic Contexts: On Rippin’s Works from the Middle East to the Malay-Indonesian World, Majid Daneshgar,Islamic Studies Today: Essays in Honor of Andrew Rippin, BRILL, 2017.

[7] تحقيب حقل الدراسات الغربية للقرآن، قراءة في المنجز، وتحقيب جديد مقترح، طارق حجي، موقع تفسير.

[8] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص97.

[9] كما أسلفنا في بحث (تحقيب الدراسات الغربية للقرآن) فإنّ العلاقة بين (النصّ) (الأمّة) (المعنى)، وضبط الحدود بينها، هي مفتاح مهمّ لفهم تطور الدراسات الغربية منذ نشأتها كحقل علمي في المرحلة الكلاسيكية وإلى الآن، حيث يمثّل تصور هذه العلاقة وضبطها عبر إجراءات العزل والموضعة والأداتية أساس الحقل منذ تأسيسه علميًّا، وبالتالي يمثّل التشكيك في هذا التأطير أساسًا لتساؤلات كثيرة حول مستقبل هذا الحقل وطبيعته ما بين (التأويلية الضغائنية أو السلبية) و(التأويلية الموحبة أو الرحبة) وفق تعبيرات فتحي المسكيني.

[10] راجع: دراسات التفسير الغربية ومعضلة المعيارية، بيتر كوبينز، ترجمة: مصطفى هندي، موقع تفسير، وراجع: عرض كتاب (ترجمة جديدة للقرآن إلى الألمانية) لهارتموت بوبزين، أميدو أولالكان ساني، ترجمة: أمنية أبو بكر.

[11] راجع: دراسات التفسير الغربية ومعضلة المعيارية، بيتر كوبينز، ترجمة: مصطفى هندي، موقع تفسير.

[12] يتصور بعض الدارسين هذا الصراع بين الدراسات الغربية للقرآن وبين الدارسين من ذوي الخلفيات المسلمة، باعتباره صراعًا حول مناهج البحث والعقيدة الدينية، أي: بين (الدرس العلمي التاريخي) و(اللاهوت الإيماني)، إلا أن هذا في ظنّنا لا يشمل الوضع الحالي بدقّة، حيث إنّ كتابًا مثل تفسير سيد حسين نصر، يُعتبر -كما نظر له البعض بالفعل- جدلًا بين الدرس العلمي كنتاج للفلسفة الحديثة وبين الفلسفة التقليدية أو (الفلسفة الخالدة)، فهو ليس نقاشًا حول الإيمان والبحث العلمي والموضوعية بل حول الحقيقة، وبالتالي فهو نقاش أكثر عمقًا وجذرية للمنهج/ العقل الغربي ورؤيته للحقيقة والمعرفة.

[13] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص95.

[14] راجع: دراسات التفسير الغربية ومعضلة المعيارية، بيتر كوبينز، ترجمة: مصطفى هندي، موقع تفسير، ص281، 282.

[15] الاستشراق الألماني في زمن الإمبراطورية، سوزان مارشاند، ترجمة: رضوان السيد، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2021، ص281، 282.

[16] الاستشراق الألماني في زمن الإمبراطورية، سوزان مارشاند، ترجمة: رضوان السيد، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2021، ص120، 131.

[17] راجع: تحقيب حقل الدراسات الغربية للقرآن، طارق حجي، ص82.

[18] الاستشراق الألماني في زمن الإمبراطورية، سوزان مارشاند، ترجمة: رضوان السيد، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2021، ص368.

[19] راجع: ثلاث محاضرات حول القرآن؛ المحاضرة الأُولى: تاريخ القرآن، لماذا لا نحرز تقدُّمًا؟ شتيفان فيلد، ترجمة: د/ حسام صبري، موقع تفسير.

[20] انظر: دراسات التفسير الغربية ومعضلة المعيارية، بيتر كوبينز، ترجمة: مصطفى هندي، موقع تفسير.

[21] نستفيد مما طرحه إلياد حول المسافة في دراسات الأديان بين (المجالات المتخصصة) من ناحية، و(تيار الثقافة الحي) من ناحية أخرى، حيث يعتبر أنّ ثمة دراسات متخصّصة تدرس بعض المساحات من دراسات الأديان لكنها لا تشتبك مع الإشكالات الأعمّ في تيار الثقافة، في المقابل ثمة كتابات تحليلية يقدّمها كُتّابٌ كُثُر حول الدِّين لكنها غير منضبطة بأُطُر منهجية واضحة، ونستطيع القول كذلك بأن ثمة دراسات عربية معاصرة مختصة في اللغة وعلم النصوص والهرمنيوطيقا ودراسات الدين ودراسة الشعائر والدراسات الجمالية، لكنها لا تنطلق مِن همٍّ ثقافي ومعرفي أشمل في قراءة القرآن، فتأتي دراساتها بعيدة عن حقل النقاش الأعمّ، وثمة مساحة (القراءات التأويلية المعاصرة للقرآن)، والتي تتناول القرآن بشكل يتفاوت من حيث الصلابة المنهجية ويقلّ فيه الاستفادة من منجزات هذه الحقول، وبشكلٍ مجمل نوافق وصف الماجدي هذه القراءات بكونها (كتابات تحليلية وفكرية) أكثر من كونها كتابات علمية. علم الأديان، خزعل الماجدي، مؤمنون بلا حدود، ط1، 2016، ص374، 375. وانظر: البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ميرسيا إلياد، ترجمة: سعود المولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2007، ص157- 158- 159.

[22] لعلّ هذا يتضج كذلك في التجاهل الدائم لأسماء مثل حاج حمد أو العلواني، كذلك في تجاهل النسويات الأقرب لمنظور الرؤية المعرفية الحضارية الإسلامية، مثل أماني صالح وهند مصطفى، والاقتصار على النسويات الليبراليات كامتداد لذات المنظور المُقتصِر على الحداثيين.

[23] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص105، ص129، 130.

[24] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص557.

[25] انظر: عرض كتاب (قراءة آرامية سريانية للقرآن)، فرنسوا دي بلوا، ترجمة: هدى عبد الرحمن النمر، موقع تفسير.

[26] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص146.

[27] الاستشراق الألماني في زمن الإمبراطورية، سوزان مارشاند، ترجمة: رضوان السيد، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2021، ص581.

[28] تقسم أكاسواي دراستها إلى عِدّة أقسام: (دراسات مَسْحيّة ومقدّمات، القرآن وبيئته التاريخية، العلاقة بين القرآن والكتاب المقدس، التطور التاريخي والمادي، الجوانب الشكليّة، المحاور الدينية والأفكار الرئيسة في القرآن، الجوانب الأدبية، التفسير وجانب التطبيق العملي، التلقي الإسلامي في العصر الحديث، التلقي غير الإسلامي في العصر الحديث)، ومن الممكن أن نفهم تعديد هذه المساحات رغم إمكان دمج بعضها في أقسامٍ أقل باعتباره محاولة لتفصيل الدراسات في كل قِسْم، إلا أن ثمة بعض الاضطراب في هذه الأقسام نفسها وكذلك في عملية موضعة الدراسات داخلها، ففي قِسْم "دراسات مسحّية ومقدّمات" تختلط الدراسات التقديمية للقرآن مع الدراسات التقديمية للحقل نفسه، بل شمل هذا الِقسْم دراسات يصعُب اعتبارها دراسات تقديمية من الأساس مِثل كتاب "الإسلام وماضيه، الجاهلية والعصور القديمة المتأخرة"، وفي ظنّنا فإن الكتب التقديمية على أهمية دراستها كمسار في الكتابة الغربية حول القرآن، إلا أنّه من الضروري أن ننظر لها في ضوء علاقتها بالحقل وتطوراته، كذلك نجد ضمن قِسْم "التفسير والتطبيق العملي" بعض الدراسات حول تلاوة القرآن وعلاقته بالتعاويذ وحضوره في القنوات الفضائية، وهذا في ظننا أقرب لمساحة التلقي الإسلامي منها إلى التفسير بالمعنى الدقيق أو التطبيق العملي، وكثير من دراسات قِسْم "التلقي الإسلامي في العصر الحديث" أقرب إلى "التفسير في العصر الحديث"، مما يشي بقصر أكاسواي مفهوم التفسير على التفسير التراثي وحده، كذلك شمل القسم الأخير دراستيْن عن تناول القرآن فيما قبل العصر الحديث، في العصر المسيحي اللاتيني.

[29] نذكر في هذا مجموعة من الكتب، منها:

• Quarn an adab, noha alshaar

• Word of God, Art of Man: The Qur'an and its Creative Expressions, Fahmida Suleman

• The Art of Reciting the Qur'an, Kristina Nelson

[30] Reflections on the State of the Art in Western Qurʾanic Studies, Devin Stewart، منشورة ضمن كتاب: Islam and its Past: Jahiliyya, Late Antiquity, and the Qur'an, Carol Bakhos (ed.), Michael Cook (ed.), Oxford University Press, 2017, p: 6- 8, 14- 17

[31] القراءات الحداثية للقرآن، تحليل لسياقات النشأة ونقد لأسس الاشتغال، طارق حجي، تفسير للدراسات والنشر، ط1، الرياض، 2023، ص129، 130، 131.

[32] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص294.

[33] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص128، 129، 296، 297.

[34] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص302.

[35] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص341.

[36] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص340.

[37] نذكر من الدراسات المهمة في هذا السياق:

Qur’ānic self-referentiality as a strategy of self-authorization,Nicolai Sinai، ضمن كتاب Self-Referentiality in the Qur’an, edited by Stefan Wild, Wiesbaden, Harrassowitz
Referentiality and Textuality in Surat al-hijr. Some Observations on the Qur'anic "Canonical Process" and the Emergence of a Community, Angelika Neuwirth، ضمن كتاب Literary Structures of Religious Meaning in the Qur'an, edited byIssa J. Boullata, Routledge, 2000.

القرآن والتاريخ- علاقة جدليّة، تأملات حول تاريخ القرآن والتاريخ في القرآن، أنجيليكا نويفرت، ترجمة: إسلام أحمد، موقع تفسير.

حديث القرآن عن نفسه في السور المكيّة الأولى، آن سيلفي بواليفو، ترجمة: مصطفى أعسو، موقع تفسير.

[38] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص389.

[39] ترجم لهما للعربية كتابهما (الفن والعمارة الإسلامية (1250- 1800))، ترجمة: د/ وفاء عبد اللطيف زين العابدين، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، دار الكتب الوطنية، ط1، أبو ظبي، 2012.

[40] راجع: تحقيب حقل الدراسات الغربية للقرآن، قراءة في المنجز واقتراح تحقيب جديد، طارق حجي، موقع تفسير.

[41] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص780، 781.

[42] تتساءل حُسن عبود في دراستها لسورة مريم عن التشابه بين بنية سورة مريم وبنية القصائد الجاهلية، وكيف يمكن النظر للسورة كاستثمار لهذه البنية وإن كان عبر بثّ قيمٍ جديدة مختلفة عن القيم الجاهلية، حيث تدمج سورة مريم -وفقًا لها- ذات البنية الثلاثية لقصيدة المدح الجاهلية، لكن عبر صرف المدح من القبيلة إلى أنبياء الكتاب المقدس، راجع: السيدة مريم في القرآن، قراءة أدبيّة، دار الساقي، ط1، بيروت، 2010، ص66،67،68

[43] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص778.

[44] راجع: سورة الكهف ويوم الجمعة، التدبير التوحيدي للحدود، قراءة في شعائرية سورة الكهف، طارق حجي، موقع تفسير، ص40-43

[45] حاول أركون أن يصف بنية السرد القرآنية وكذا البنية العاملية للخطاب القرآني، حيث افترض أن بنية الوحدات النصية القرآنية هي بنية سردية صراعية أو دراماتيكية، وأن البنية العاملية التي يظهر فيها حركة الضمائر هي بنية تدور حول كلام هذه الأطراف المتصارعة (الله- النبي- المؤمنون)، ثم حاول دمج هذه البنى في مخطط واحد يبرز وفقًا له مسار الخطاب القرآني، وبعيدًا عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع عمل أركون، فإنّ ما نودّ الإشارة إليه هو: بأيّ قدرٍ تتفق أو تختلف هذه البنى مع بنى القصيدة الجاهلية؟ وهو عمق تساؤلات شبيرل. راجع: من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، محمد أركون، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2005، ص60- 63.

[46] السيدة مريم في القرآن، قراءة أدبيّة، دار الساقي، ط1، بيروت، 2010، ص85.

[47] في كتابه: (القرآن وآفاق الكتابة)، اهتم أدونيس لدراسة أثر حدث الوحي وظهور القرآن على الشعر العربي، وافترض أدونيس كون الشِّعْر الذي طالما مثّل نوعًا من النبوّة في الجاهلية؛ قد تحول في سياق ظهور القرآن ثم الحضارة الإسلامية إلى شعر بعيد عن المجهول، حيث تم تدجين هذا المجهول بظهور القرآن المنبئ عن الغيب، بهذا تحول الشِّعْر وفق أدونيس إلى مؤسسة، فهو الجماعة لا الفرد، الزواج لا الحُب، العادة لا الطاقة، الوصول لا المغامرة، يتحول الشاعر إلى وسيط بين الجماعة والجماعة، كما كان النبي وسيطًا بين الله والبشر. راجع: النصّ القرآني وآفاق الكتابة، أدونيس، دار الآداب، ط1، بيروت، 1993، ص61، 64.

[48] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص782، 783.

[49] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص786، 787.

[50] جديرٌ بالذكر أنّ الكثير من الكلمات القرآنية التي يتم تناولها في إطار التحري الفيلولوجي للمعجم القرآني مُنازَع في نسبها السرياني واليوناني والحبشي والآرامي، وهي لا تعني دومًا نفس المعنى في هذه المعاجم؛ فالكوثر مثلًا في السيريانية تحيل إلى الثبات، وفي اليونانية إلى الطهارة، ومثل هذه النتائج تشير لكثير من المشكلات في المناهج المستخدمة للتحري الفيلولوجي، وانحسام النتائج أحيانًا على أساس التفضيل المعرفي للباحث واللغة التي ينطلق منها في دراسته، فضلًا عن مشكلات أكثر دقة في هذه المنهجيات عن طريقة تحديدها للكلمات القرآنية المبحوثة وتحديد أسباب القول بعدم عروبتها ثم الطريقة التي يتمّ بها البحث عن ما يشابهها في المعاجم الأخرى (المجانسة اللفظيّة)، وهي مشكلات يطول شرحها؛ مما يجعل هذه الأبحاث في حاجة إلى تدقيق منهجي. راجع في هذا السياق: التحري الفيلولوجي للمعجم القرآني، بسام الجمل، مؤمنون بلا حدود، القرآن: التاريخ والخطاب والدراسات، 2014، ص63، 64، 66، 69.

[51] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص743.

[52] فشهاب أحمد يقسم القرآن/ الوحي إلى ثلاث مساحات؛ مساحة تتعلَّق بما قبل الوحي/ القرآن (ما يسبق النصّ)، وتشمل النظريات الإسلامية التراثية (الصوفية والفلسفية) حول طبيعة التواصل الإلهي البشري، ثم مساحة (النصّ) نفسِه، والمتعلِّقة بالقرآن كتعبير وتجلٍّ مكتوب لهذا الوحي، ثم (السياق)، ويقصد به (المجال أو المفردات الكاملة لمعاني الوحي التي أُنتِجت في التفاعل التأويلي الإنساني والتاريخي بالوحي، والتي تم تقديمها بعدها بوصفها دينًا يُدْعَى الإسلام). انظر: ما الإسلام؟ في مغزى أن تكون منتميًا إلى الإسلام، شهاب أحمد، ترجمة: بدر الدين مصطفى، محمد عثمان خليفة، مؤمنون بلا حدود، ط1، بيروت، 2020، ص418.

[53] الدراسات العربية والغربية المعاصرة حول القرآن الكريم، قراءة في منجز تصنيف الدراسات، وطرح تصنيف جديد، واستكشاف واقع الدراسات، طارق حجي، موقع تفسير، ص26 ،27

[54] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص1598.

[55] كما أسلفنا في بحث (تحقيب حقل الدراسات القرآنية الغربية)، فإنّ المرحلة الكلاسيكية من تاريخ الدراسات الغربية اتسمت بانغلاق منهجي، حيث اقتصرت في اشتغالها على القرآن على المناهج الفيلولوجية، وهو ما بات موضع نقد من دارسين منذ بيكر فيما قبل الحرب الثانية، إلا أنّ هذا الحقل ظلّ إلى حدود السبعينيات على انغلاقه، إلى أن بدأ ينفتح على بعض المنهجيات الأكثر تقدمًا في دراسة النصوص ودراسة الكتاب المقدس، كما أنه في العقود الأخيرة يبرز استفادة من المناهج الأنثروبولوجية والاجتماعية في دراسات المناطق، إلا أنه يمكن القول أن هذه الاستفادة تظل جزئية بقدر كبير ومعتمدة على الأفراد أكثر من كونها اتجاهًا شاملًا.

[56] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص1157، 1158، 1159.

[57] تساءل ريبين في دراسته (التفاسير المبكرة) حول محفزات التفسير، أي ما الذي دعا المسلمين لتفسير القرآن، ويستحضر ريبين العوامل التي ذكرها تزتفيان تودورف كعوامل محفزة لتفسير أيّ نص، ومنها: الغموض والتناقض وغيرها، ما يهمنا هنا هو الإشارة لتغييب ريبين لدور القرآن في بناء (الثقافة الإسلامية) بتعبيرات يستخدمها ماهر جرار في دراسته، حيث يكون تفسير القرآن مشاركة وتفعيل واستدماج للعالم الجديد الذي يخلقه، مما يعني أن التلقي المبكر للقرآن هو أشمل من التلقي التفسيري بالمعنى المحدد، وأن هذا التلقي التفسيري -مهما تعددت أسبابه- يظل منغرسًا في هذا التلقي الأشمل. انظر: مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص1167.

[58] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص1309.

[59] تهتم دراسات نيكل بشكل أساسي بالعلاقات الإسلامية الكتابية في الإسلام المبكر وفي صدر الإسلام، وتبرز كيف كانت تحضر الكتب الدينية وتأويلها في نقاشات هذه المرحلة والدور الكبير الذي كانت تقوم به، وكيف أثر هذا وفقًا له على تطور السيرة والتفسير، ويعد نيكل من أكثر الدارسين المعاصرين للتفسير والسيرة الذين يستفيدون من طروحات وانسبرو حول العلاقة بينهما وصلتهما بتأسيس التصورات المرجعية حول الكتاب والنبي.

[60] دراسة ما يتعلق بسياسات التحقيق والنشر في البلدان الإسلامية في القرن التاسع عشر، بات موضع اهتمام للكثير من الدارسين مثل صالح وبينك ويونس ميرزا وبيتر كوبينز وغيرهم، حيث يحاولون بحث أثر هذه السياسات في تشكيل تصور الباحثين الغربيين والعرب في هذه الفترة وبعدها لشكل التراث التفسيري ومدوناته المركزية، ومن ثم يحاولون تفكيك هذه الرؤية في سبيل الوصول لرؤى أدق لطبيعة حقل التفسير التراثي. راجع: التفسير باعتباره خطابًا، المؤسسات، والمصطلحات، والسلطة، يوهانا بينك، ترجمة: مصطفى هندي، ضمن كتاب: التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة: الجزء الأول: الإشكالات النظرية في الدراسة الغربية للتفسير، موقع تفسير.

[61] تهتم الكثير من الدراسات الغربية المعاصرة حول التفسير بالتفسير خارج مصر وتركيا والهند، فتهتم بالتفسير في الصين وأفريقيا، كما لا تُوقِف اهتمامَها عند التفاسير المكتوبة، بل تتوسع لتشمل التفاسير الشفهية، والتفاسير ضمن الخطب والدروس، ومن الكتب التي صدرت في هذه المساحة:

Approaches to the Qur'an in Sub- Saharan Africa, Edited by Zulfikar Hirji, OUP, 2019

Approaches to the Qur'an in Contemporary Iran, Edited by Alessandro Cancian, OUP, 2019

Approaches to the Qur'an in Contemporary Indonesia, Abdullah Saeed, OUP, 2006

كذلك فالكثير من الدراسات الغربية المعاصرة تهتم بدراسة التفاسير غير السنّية، مثل التفاسير الشيعية والصوفية، ومما صدر في هذا:

Sufi Hermeneutics,The Qur'an Commentary of Rashid al- Din Maybud, Annabel Keeler, OUP in association with the Institute of Ismaili Studies, 2006

Sufi Master and Qur'an Scholar: Ab ul- Qasim al- Qushayr i and the Lata'if al- Ish ar at, Martin Nguyen, OUP, 2012

The Spirit and the Letter: Approaches to the Esoteric Interpretation of the Qur'an, Annabel Keeler and Sajjad H. Rizvi, OUP, 2016

[62] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص187.

[63] راجع: التقليد والمرجعية والابتكار في التفاسير السنية المعاصرة، يوهانا بينك، ترجمة: حسام صبري، موقع تفسير، ص22، 24.

[64] لا بد أن في ظنّنا التفريق بين مسألتين؛ الأولى: تجاهل التفاسير والقراءات غير العربية وغير السنية لافتراض عدم أهميتها في رسم مشهد أوسع عن التلقي المعاصر للقرآن، وهو ما ينتقده صالح ونتفق معه. والثانية: احترام السياقات الخاصة لنشأة التفاسير والقراءات، حيث إن دراسة كتاب مثل سروش أو شبستري على سبيل المثال -وهو أمر يقوم به بعض الدارسين العرب ضمن تناولهم للحداثيين، مثل محمد حمزة وطه عبد الرحمن على سبيل المثال-، لا بد في ظنّنا أن تراعي السياق الخاص لنشأة هذه القراءات وهو سياق مختلف عن سياق الدول العربية السنية في ظنّنا، فيما يتعلق بسياقات التحديث والصلة بالتقليد، نفس الأمر لو تحدثنا عن دراسات مثل دراسات فريد إسحاق أو آمنة ودود، مما يعني أن رسم الصورة الكاملة لا بد ألّا يتجاهل الأجزاء الصغيرة المختلفة والمتنوعة لهذه الصورة.

[65] على أساس معيار (الصلة بالتقليد) صنّفنا قراءات (خارج التقليد) -ونقصد بها التعامل العربي الحديث والمعاصر مع القرآن منذ عصر النهضة - في مقابل (التفاسير التقليدية) إلى:
(قراءات ضد التقليد)، ومقصود بها القراءات التي لا تنشغل بصورة كبيرة بقضية تأسيس المنهج ولا تُجْرِي نقاشًا منهجيًّا مع الطرائق التقليدية في التفسير، بل إنها تتخفَّف من الأدوات التراثية وتحاولُ إنجاز طريقة جديدة في التفسير، جِدَتها مضمونية واتجاهية في الغالب، أي تتعلّق بمضامين التفسير وبالاتجاه العام لها -وربما ظرفية وانفعالية كذلك تتعلّق بالردّ على إحراجات فكرية غربيّة-، أمّا في المنهج فكانت جِدَتها في معظمها سلبية، تعمل على (تنقية) القرآن من صدأ الخرافات والإسرائيليات وتجريد تفسيره من ثِقَل الاصطلاحات الفنيّة.
ثم مجموعة (القراءات التأويلية المعاصرة) التي تطوّرت في اتجاه ملء الفراغ المنهجي بمنهجيات جديدة تواجه الشرعية العلمية والكفاءة العمليّة للطرائق القديمة (التقليد)؛ إمّا بتطوير منهجيات قرآنية، وهذه نطلق عليها (قراءات المنهجيّة القرآنية)، أو باستحداث منهجيات حديثة استفادت فيها من المنجَز المعرفي الغربي، وهي ما نعبِّر عنه بـ(القراءات الحداثية). انظر: (القراءات الحداثية للقرآن (1) مدخل: المحددات الرئيسة للقراءات الحداثية للقرآن)، طارق حجي، موقع تفسير.

[66] شاعت في بدايات ما يعرف بعصر النهضة العربي رؤية للإسلام/ القرآن كدِين متوائم مع قيم المدنية والحضارة، بل نظرت له كثير من الكتابات كمنتج لهذه الرؤية قبل أن تعرفها أوروبا، التي أعاقتها وفقًا لهذا المنظور (الكاثوليكية)، فكان العودة لما يشبه الإسلام (أي اللوثرية) إيذانًا بتقدّم أوروبا، ونحن نجد هذه الرؤية بوضوح عند محمد عبده الذي اعتبر أن تقدّم العالم المسيحي كان رهينًا بعودته لما يشبه الإسلام، وبشكل مقارب، ما يعتبره مالك بن نبي تأخرًا في ظهور الثورة الروحية المسيحية بسبب سيطرة الأفكار اليونانية والرومانية لفترات طويلة من عمر هذا الدين. انظر: شروط النهضة، مالك بن نبي، ترجمة: عمر كامل مسقاوي، عبد الصبور شاهين، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، دمشق، 1968، ص55، 56.

[67] يذكر هذا بأطروحة بينك في كتابها: (تفاسير المسلمين اليوم: الإعلام والأصول والمجتمعات التفسيرية)؛ حول المركزية المعطاة للقرآن في العصر الحديث، وكونها أكبر من مركزيته في سياق التقليد، وهو ما انتقده بعض الدارسين مثل هارفي. راجع: عرض كتاب (تفاسير المسلمين اليوم: الإعلام والأصول والمجتمعات التفسيرية)، ريمون هارفي، هدى عبد الرحمن النمر، منشورة ضمن الترجمات المنوعة على قسم الاستشراق بموقع تفسير.

[68] مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، مصطفى شاه، ترجمة: د/ حسام صبري، مصطفى الفقي، ص191.

[69] جدير بالذكر أن عدد يونيو 2023 من مجلة الدراسات القرآنية (Journal of Qur'anic Studies) كان يدور كذلك حول القرآن الأوروبي.

[70] قدّمت بينك عرضًا لهذا الكتاب. انظر: عرض كتاب (القرآن في اللغة الإنجليزية: سيرة)، يوهانا بينك، ترجمة: مصطفى هندي، موقع تفسير، وفي العموم تهتم بينك بصورة كبيرة بمسألة اللغات الإسلاماتية سواء في التفسير أو في الترجمة، كما يبرز في كثير من دراساتها، وقد صدر لها مؤخرًا (2023) عن روتليدج، تحريرها لكتاب حول الترجمة والتفسير في إندونيسيا،Qur'an Translation in Indonesia, Scriptural Politics in a Multilingual State

[71] ينبغي التنبه لكون العلاقة بين نتاجات هذه الدراسات والاستشراق أو الحقول الجزئية مثل دراسات القرآن لا تسير دومًا في اتجاه واحد، بل هي عملية تفاوض إن صح التعبير، فكما أنّ هاملتون جب ظلّ مع تثمينه لدراسات المناطق مصرًّا على مركزية وسلطة المستشرق التقليدي في فهم وتفسير شؤون الشرق حيث يمدّ نتائج الدراسات الاجتماعية المنفصلة بـ(القلب المركزي من معرفته وفهمه لغير المرئي- القيم والمواقف والعمليات العقلية التي تميز (الثقافة الكبرى) التي تشكّل الأساس التحتي... لأنه قادر على رؤية المعلومات في سياق واسع ومنظور طويل المدى للعادات والتقاليد الثقافية)، فإننا نجد نفس التفاوض ضمن الدراسات القرآنية الغربية المعاصرة، حيث يحاول الحقل ممثلًا في دورياته وأدلته ومراجعه الدورية أن يضم الدراسات المختصة بأفريقيا والصين وإيران وذات الصلة بالقرآن داخل فضاء حقل دراسات القرآن الغربي، ربما من منطلق شبيه بالذي انطلق منه جب، أي: من حيث قدرة هذا الحقل وحده على تفسير وفهم القرآن والتفسير وكلّ ما يتعلق بهما في الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية بل والجمالية المحيطة. انظر: تاريخ الاستشراق وسياساته، الصراع على تفسير الشرق الأوسط، زكاري لوكمان، ترجمة: شريف يونس، دار الشروق، ط1، القاهرة، 2007، ص218.

[72] Mustafa Shah and Muhammad Abdel Haleem (eds), The Oxford Handbook of Qur'anic Studies,Devin J. Stewart, Journal of Qur'anic Studies 24.1 (2022): p:131

[73] كما أوضحنا في بحث (تحقيب حقل الدراسات الغربية للقرآن)، فإن الدرس الغربي في مرحلته الكلاسيكية انبنى على إستراتيجيات العزل والموضعة، والتي أدّت لفصل القرآن عن التفسير، حيث فصل القرآن عن (المعنى) وعن (الأمّة الحية)، واعتبر التفسير نشاطًا فكريًّا يُدرس مستقلًّا ولا يمكن أن يفيد في فهم القرآن، الذي انحصرت دراسته على الدراسة التاريخية النقدية له معزولًا عن سياقه اللاحق ومفتتًا لعناصره الأُولى المفترضة، فمعنى القرآن يوجد وراءه لا أمامه!
كما أوضحنا هناك فإن هذا الفصل والعزل قد تضاعف بصورة كبيرة بعد نقد وانسبرو للمدوّنات المبكّرة للتفسير كتفسيرات تعمل كجزء من بناء سردية خلاص، ونتج عن ذلك أنّ محاولات تطبيق المناهج الأدبية على النصّ والتي قد تزامنت مع النقد التنقيحي تم التركيز فيها على المناهج التي تتعامل مع النصّ وحده معزولًا عن سياق تلقّيه؛ حيث يُمَثِّل هذا من جهة، دراسة للنصّ متماشية مع المنجزات الأدبية والكتابية بما يعنيه هذا من تجاوز عزل القرآن عن المناهج الحديثة ذات الكفاءة وتجاوز انغلاق الحقل منهجيًّا، لكنه في ذات الوقت يُمَثِّل من جهة أخرى عزلًا استشراقيًّا تقليديًّا للنصّ عن سياق المتلقّين له لكنه مؤسَّس هذه المرة على كون هذا النتاج الطويل لا يعدو أن يكون محض أدبيات ترسم تاريخَ خلاص أو تزييفًا وَرِعًا للتاريخ.

[74] نذكر في هذا السياق:

(The Qur'an in Context: Historical and Literary Investigations into the Qur'anic Milieu,Angelika Neuwirth, Nicolai Sinai, Michael Marx, BRILL, 2010 )، (Unlocking the Medinan Qur’an,Nicolai Sinai, BRILL, 2020 )، (Islam and its Past: Jahiliyya, Late Antiquity, and the Qur'an,Carol Bakhos and Michael Cook,, Oxford University Press, 2017), (The Qur'an's Reformation of Judaism and Christianity: Return to the Origins,Holger M. Zellentin, Routledge, 2019 ) 

[75] نقصد بالنموذج المعرفي هنا مجمل النظريات والمناهج التي تشكل أساس اشتغال العلماء ضمن حقل الدراسات القرآنية الغربي، فكما يرى توماس كون فإنّ النموذج المعرفي شديد الحسم والأهمية، حيث هو الذي يحدد نطاقات البحث والأسئلة المركزية وكيفية إجاباتها، وكما يخبرنا دونر فإنّ الأسئلة المركزية للحقل: (1- هل ممكن تعقُّب (القرآن الأصلي)؟ 2- ما طبيعة هذا القرآن في أصله، (هل كان يعِظ مجموعة من المسلمين بالفعل أم لا، هل هو نصّ ليتورجي، هل هو نصّ شفهي)؟ 3- بأيّ لغة كُتب القرآن؟ 4- كيف انتقل إلينا القرآن (قضايا الجمع والتحرير)؟ 5- كيف نشأت سلطته، وعلاقة هذا بالجمع؟) والتي كانت تحمل إجابات وطرق إجابة مشتركة إلى ستينيات القرن الماضي، تشهد خلافًا جذريًا في السياق الغربي المعاصر، حيث لا يوجد اتفاق على إجاباتها (بعد التشكيك في النظريات الغربية الكلاسيكية) ولا على طرق الوصول إلى [هذه الإجابة (بعد التشكيك في المنهجيات والمصادر المعتمدة وطرق الاستعانة بها). راجع: القرآن في أحدث البحوث الأكاديمية، تحديات وأمنيات، فرد دونر، ضمن كتاب (القرآن في محيطه التاريخي)، تحرير: جبريل سعيد رينولدز، ترجمة: سعد الله السعدي، منشورات الجمل، بيروت- بغداد، ط1، 2012، ص95.

[76] كذلك فكثير من الكتب التي تناولتها دراسة أكاسواي، مترجم لها بعض العروض أو مكتوب عنها تعريفات بالعربية، على سبيل المثال: التفسير وتاريخ الفكر الإسلامي، تحرير: يوهانا بينك وأندريارس غوركي، مترجم له عرض كتبه بيتر كوبينز، ترجمة: مصطفى هندي، كذلك، تفسير القرآن: تحرير: مصطفى شاه، عرض: أندرو ريبين، ترجمة: مصطفى هندي، كذلك، أهداف كتب التفسير ومناهجها وسياقاتها، كارين باور، عرض: أولريكا مارتنسون، ترجمة: هدى عبد الرحمن النمر، القرآن في بلاد فارس، الترجمة وبروز التفسير الفارسي، ترافيس زاده، عرض: بيتر كوبينز، ترجمة: هدى عبد الرحمن النمر، بالإضافة لتعريفات لكتب (العلَم الصوفي ومفسر القرآن، لطائف الإشارات للقشيري) لنجوين، و(التقليد المعتزلي في تفسير القرآن: تفسير جار الله الزمخشري) لأندرو لين، (هرمنيوطيقا القرآن: الطبرسي وصنعة التفسير) لبروس فودج، (الهرمنيوطيقا الصوفية، تفسير رشيد الدين الميبدي) لأنابيل كلير، وهذه العروض والتعريفات منشورة ضمن الجزأين الأول والثاني من كتاب (التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة)، على موقع تفسير، كذلك تعريفات لكتب (دليل بلاكويل إلى القرآن)، (دليل كامبريدج)، (واقع الدراسات القرآنية اليوم): مايكل سيلز وأنجيليكا نويفرت، (كلمة الله فن الإنسان)، (التماسك في القرآن: دراسة لمفهوم النظم عند إصلاحي في كتابه تدبر القرآن): مستنصر مير، (اكتشاف القرآن: مقاربة معاصرة لنص محجوب): نيل روبنسون -تضعه آكاسواي ككتاب تقديمي وهو في ظنّنا غير دقيق-، (القرآن: مدخل موجز): فريد إسحاق، (معنى الكلمة: المعجم والتفسير القرآني)، (القرآن والأدب: تشكيل التقاليد الأدبية في الإسلام الكلاسيكي)، (مقاربات للقرآن في إندونيسيا المعاصرة).
كذلك كتب (القرآن كنص) لشتيفان فيلد، عرض: دانييل ماديغان، ترجمة: هدى النمر، و(القراءة الآرامية السريانية للقرآن، مساهمة في فك شفرة لغة القرآن)، فرنسوا دي بلوا، ترجمة: هدى النمر، و(النص المقدس والشعر وصناعة المجتمع)، أنجيليكا نويفرت، عرض: ديفين ستيوارت، ترجمة: أمنية أبو بكر، (القرآن والكتاب المقدس كنص ضمني له)، جبريل رينولدز، عرض: أنجيليكا نويفرت، ترجمة: أمنية أبو بكر، و(الصورة الذاتية للقرآن: الكتابة والسلطة في كتاب الإسلام المقدس)، دانييل ماديغان، عرض: يامنة مرمر، ترجمة: هدى النمر، على موقع تفسير، بالطبع نحن نحاول هنا الإشارة فقط لبعض الأعمال التي أشارت لها أكاسواي في دراستها المسْحية وتُرجمت للعربية، وليس المقصود الإشارة لكل ما تُرجم للعربية أو حتى مما تضمّنه المرجع في المجمل -حيث تضمّنت دراسات أخرى الإشارة لبعض دراسات تمّت ترجمتها للعربية- إلا أننا بصدد إعداد سردٍ شاملٍ لما تُرجم للعربية في حقل الدراسات القرآنية في السنوات العشرين الأخيرة.

المؤلف

الأستاذ طارق محمد حجي

باحث مصري له عدد من المقالات البحثية والأعمال المنشورة في مجال الدراسات القرآنية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))