موقف الفَرَّاء من القراءات القرآنية

الكاتب : علي ناصر غالب
كان للفرّاء (ت207هـ) في كتابه (معاني القرآن) اجتهاده الخاص في التعامل مع القراءات، وهذا المقال يسعى للكشف عن موقف الفرّاء من القراءات، بعد تمهيد يعرّف بموقف مدرستي البصرة والكوفة.

موقف الفرَّاء من القراءات القرآنية[1]

المقدّمة:

  تُعد القراءات القرآنية مصدرًا من مصادر النحويين سواء أكانوا بصريين أم كوفيين، فهي مبثوثة في كتبهم بوصفها شواهد على صحة القواعد التي استنبطوها.

وعلى الرغم من اختلاف مواقفهم من القراءات تبعًا لاختلاف مناهجهم في دراسة اللغة والنحو، إلا أنّ القراءات التي اختلفوا في صحة الاستشهاد بها أو القياس عليها لا تعدو أن تكون يسيرة إلى الدرجة التي يمكن حصرها وتوضيح جوانب الاختلاف حولها.

فمن المعروف أنّ الخليل وسيبويه لم يخطّئَا أية قراءة إلا أنّ البصريين فيما بعد كانوا متزمّتين إزاء قبول طائفة من القراءات، فضعّفوها ووصموا أصحابها بالوهم تارة، وباللحن وعدم معرفة النحو تارة أخرى.

أما الكوفيون فذهب بعض الدارِسين أنّ موقفهم أكثر انسجامًا مع طبيعة اللغة، فقد قبلوا القراءات واحتجّوا بها وعقدوا على ما جاء فيها كثيرًا من أحكامهم وأصولهم.

وقد مرَّت بي أثناء قراءتي كتاب الفرّاء (معاني القرآن) طائفةٌ من القراءات اتخذَ منها الفرّاء مواقف عدّة، فعمدتُ إلى تتبّع تلك القراءات في كتابه المذكور فحسب، ولكي يكون البحث وافيًا عرضتُ موقف البصريين من القراءات ثم موقف الكوفيين وأطلتُ الوقوف عند موقف الفرّاء بوصفه عماد مدرسة الكوفة في النحو في نظر عدد من الدارِسين، فتبيَّن لي أنّ له مواقف متباينة من القراءات، فمنها ما كان يقبله ويحتجّ به، ومنها ما قبله ووجد له وجهًا أو تفسيرًا على الرغم من رفض البصريين له، ومنها ما رجحه على غيره، ومنها ما تردّد في الطعن فيه، أو طعن فيه بغير تردّد، فدرستُ كلّ موقف على حِدَة ثم ختمتُ البحث بخاتمة أجملتُ فيها أهم نتائج البحث.

وبعد، فهذا عملي، لا أدّعي له الكمال، فالكمال لله وحده إنه نعم المولى ونعم النصير.

موقف البصريين من القراءات القرآنية:

اهتم الخليل وسيبويه بالقراءات القرآنية فلم يخطّئا قراءة، بل نظرَا إلى القراءات نظرة احترام وتقديس، فقد جاء في (الكتاب) في «باب حروف أجريت مجرى حروف الاستفهام وحروف الأمر والنهي»، «وقد قرأ بعضهم: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ إلا أن القراءة لا تخالَف؛ لأن القراءة السّنة»[2].

أما بعد الخليل وسيبويه فقد أخضع البصريون القراءات لأقيستهم وقواعدهم، فما وافق تلك المقاييس دون الحاجة إلى تأويل قبلوه، أما ما خالف تلك القواعد فضعَّفوه وعدُّوه شاذًّا[3].

وذهب بعض الباحثين إلى أنهم قد استبعدوا من منهجهم الاستشهاد بالقراءات إلا إذا كان هناك شِعْر يسندها أو كلام عربي يؤيّدها أو قياس يدعمها[4].

وقد عُرِف عن المازني أنه «كان يتشدّد في الأخذ بالقياس ويردّ ما لا يطّرد معه من لغة العرب ومن بعض القراءات للذِّكْر الحكيم»[5].

ومن القراءات التي رفضها البصريون قراءة ابن عامر: ﴿وَكَذَلِكَ زُيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهِمْ شُرَكَائِهُمْ﴾ [الأنعام: 137] حيث قرأها «زُيِّنَ» بضم الزاي وكسر الياء، و«قتلُ» بالرفع، و«أولادَهم» بالنصب، و«شركائِهم» بالخفض، وقرأ الباقون «زَيَّن» بفتح الزاي والياء، و«قتلَ» بالنصب، و«أولادِهم» بالخفض، و«شركاؤُهم» بالرفع[6].

وسبب رفض البصريين قراءة ابن عامر لكونه فصل بين المصدر المضاف إلى فاعله بالمفعول، فقد منع ذلك جمهور البصريين ورموا ابن عامر -وهو من القرّاء السبعة- بالجهل بأصول العربية ورفضوا الاحتجاج بقراءته[7].

وخطَّأوا قراءة إبراهيم وقتادة وحمزة[8] بخفض «الأرحامِ» من قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾[النساء: 1]، فقال النحاس بصدد هذه القراءة: «فأما البصريون فقال رؤساؤهم: هو لحنٌ لا تحلّ القراءة به»[9]، وذكر المبرد: «أن البصريين لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح كالضرورة، والقرآن إنما عمل على أشرف المذاهب، وقرأ حمزة: ﴿الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ﴾، وهذ مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر كما قال:

فاليوم قَرَّبْتَ تَهْجُونَا وتَشْتِمُنَا ** فاذْهَبْ فما بك والأيّامِ من عَجَبِ»[10]

وقد أنكر ابن يعيش على المبرّد غلوّه في مذهبه ذلك فقال: «وقد ردَّ أبو العباس محمد بن يزيد هذه القراءة وقال: لا تحلّ القراءة بها، وهذا القول غيرُ مُرْضٍ من أبي العباس؛ لأنه قد رواها إمام ثقة ولا سبيل إلى ردّ نقل الثقة، مع أنه قد قرأتها جماعة من غير السبعة كابن مسعود وابن عباس والقاسم وإبراهيم النخعي والأعمش والحسن البصري وقتادة ومجاهد، وإذا صحّت الرواية لم يكن سبيل إلى ردّها»[11].

وجنح النحّاس إلى موقف البصريين في رفض هذه القراءة ونَقَل رأي المازني في هذه المسألة: «وقال أبو عثمان المازني: المعطوف والمعطوف عليه شريكان لا يدخل في أحدهما إلا ما دخل في الآخر، فكما لا يجوز مررت بزيدٍ وكَ، وكذا لا يجوز مررت بك وزيدٍ»[12].

ورفض المازني قراءة نافع أبي نعيم: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَائشَ﴾ [الأعراف:10] حيث همز ﴿معايش﴾، فقال: «أصل أخذ هذه القراءة عن نافع ولم يكن يدري ما العربية وكلام العرب التصحيح في نحو هذا»[13].

وتابعه المبرد في تغليظ قراءة نافع فقال: «من قرأ ﴿معائش﴾ فهمز فإنه غلط، وإنما هذه القراءة منسوبة إلى نافع بن أبي نعيم ولم يكن له علم بالعربية»[14].

وذهب الزجّاج إلى أن: «جميع نحاة البصرة تزعم أن همزها خطأ، ولا أعلم لها وجهًا إلا التشبيه بصحيفة وصحائف، ولا ينبغي التعويل على هذه القراءة»[15].

وذهب النحاس مذهب البصريين في عدّ قراءة نافع لحنًا فقال: «وقرأ الأعرج ﴿معائش﴾ بالهمز، وكذا روى خارجة بن صعب عن نافع، قال أبو جعفر: والهمز لحن لا يجوز لأن الواحد معيشة فزدت ألف الجمع وهي ساكنة والياء ساكنة فلا بد من تحريك، إِذْ لا سبيل إلى الحذف والألف لا تحرك فحركت الياء بما كان يجب لها في الواحد»[16].

وقد دافع أبو حيان الأندلسي عن قراءة نافع فقال: «فهذا نقل عن الفرّاء عن العرب أنهم ربما يهمزون هذا وشبهه، وجاء به نقل القرّاء الثقات ابن عامر وهو عربي صراح، وقد أخذ القرآن عن عثمان قبل ظهور اللحن، والأعرج وهو من كبار قراء التابعين، وزيد بن علي وهو من الفصاحة والعلم الذي قلّ أن يدانيه في ذلك أحد، والأعمش وهو من الضبط والإتقانِ والحفظ والثقة بمكان، ونافع وهو قد قرأ على سبعين من التابعين وهم من الفصاحة والضبط والثقة بالمحلّ الذي لا يجهل، فوجب قبول ما نقلوه إلينا، ولا مبالاة بمخالفة نحاة البصرة في مثل هذا»[17].

وأنكر على المازني نقله القراءة عن نافع فحسب ودافع عن عربية نافع فقال: «إِذْ هو فصيح متكلم بالعربية ناقل للقراءة عن العرب الفصحاء، وكثير من النحاة يسيئون الظنّ بالقرّاء ولا يجوز لهم ذلك»[18].

وقد مالت طائفة من اللهجات العربية القديمة إلى التخلّص من أصوات المد الطويلة فجنحت لتحقيق الهمز[19]. وبذلك فما تنبّه إليه الفرّاء من هذا المنحى في سلوك تلك اللهجات يعد خير مبرّر لصحة هذه القراءة التي رفضها البصريون، فهي انعكاس لأثر لهجي غلب على طائفة من القراءات القرآنية وهذه واحدة منها[20].

وخطّأ البصريون ضمن ما خطأوه قراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة[21]: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ﴾ [إبراهيم: 22]، بكسر الياء من ﴿مُصْرِخِيِّ﴾، وعلى الرغم من أنّ القراءة مروية عن هؤلاء القرّاء الأعلام فقد عدّوها وهمًا، ونعتوها بالشّذوذ؛ لأنهم يرون أنّ في ياء المتكلّم لهجتين هما: «الفتح والتسكين إذا لم يكن قبلها ساكن، فإذا كان قبلها ساكن فالفتح لا غير»[22].

وقال الأخفش الأوسط فيها: «وهذه لحن لم نسمع بها من أحد من العرب ولا أهل النحو»[23].

وكذلك فعل الزجّاج[24]، وتابعهم أبو جعفر النحاس فقال: «فقد صار هذا بإجماع لا يجوز»[25].

أما في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى﴾ [النجم: 50]، فقد قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿عَادًا الأُولَى﴾ منونة، وقرأ نافع وأبو عمر بن العلاء: (عاد لُولى) مدغمة موصولة[26].

وقد عدّ المبرد قراءة نافع وأبي عمرو لحنًا ونقل عنه النحاس قوله: «ما علمت أنّ أبا عمرو لحن في صميم العربية في شيء من القرآن إلا في ﴿يُؤَدِّهْ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: 75]، وفي (وأنه أهلك عاد لولى)»[27].

وفي قوله تعالى: ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ﴾ [النور: 57]، فقد قرأ حمزة وابن عامر: ﴿لا يَحْسَبَنَّ﴾ بالياء وباقي السبعة قرأه بالتاء[28].

وعدّ أبو حاتم السجستاني هذه القراءة لحنًا إِذْ قال: «إنّ هذا لحن لا تحلّ القراءة به ولا يسمع لمن عرف الإعراب وعرّفه»[29]، فقد لحن قارئين من القرّاء السبعة على الرغم مما عرف عنهما من نزاهة ودراية بالعربية.

ذلك جزء مما تيسّر الوقوف عليه يمثّل موقف البصريين المتشدّد إزاء طائفة من القراءات التي رُويت عن قرّاء عُرِفُوا بنزاهتهم ومكانتهم في القراءة ومعرفة العربية، فلم يكن للقراءات التي خالفتْ منهجهم عاصم، فضعّفوها ورفضوها وطعنوا في أصحابها ورموهم باللّحن وبالوهم، وهم في نهجهم هذا يعاملون القراءات القرآنية معاملة النصوص اللغوية الأخرى فما لم يوافق هواهم عدوه شاذًّا أو يحفظ ولا يقاس عليه[30].

موقف الكوفيين من القراءات:

تُعَدّ القراءات مصدرًا من مصادر الكوفيين اللغوية، فتوسّعوا في قبولها مثلما توسّعوا في الاستشهاد بما سمعوه عن العرب بغضّ النظر عن مخالطة هؤلاء الكوفيين للقبائل الحضرية؛ لذا توسّعوا في دائرة السماع مثلما توسّعوا في دائرة القياس، فقال فيهم السيوطي: «لو سمعوا بيتًا واحدًا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلًا وبوّبوا عليه»[31].

وقال في موضع آخر: «إذا سمعوا لفظًا في شِعْر أو نادر كلام جعلوه بابًا أو فصلًا»[32].

وقد فرَّق الدكتور/ مهدي المخزومي بين موقف البصريين وموقفهم من القراءات فقال: «فأما الكوفيون فلهم موقف آخر يغاير موقف البصريين من القراءات كلّ المغايرة، فقد قبلوها واحتجوا بها وعقدوا على ما جاء فيها كثيرًا من أصولهم وأحكامهم، وهم إذا رجحوا القراءات التي يجتمع عليها القرّاء فلا يرفضون غيرها، ولا يغلطونها؛ لأنها صواب عندهم أيضًا»[33].

وقد ذهب أغلب الدارِسين مذهب المخزومي في كون الكوفيين أقلّ تزمتًا وأكثر حذرًا في مسألة تخطيء القراءات ورمي القرّاء بالوهم، وذلك لسيادة الطابع الديني على علماء الكوفيين ولا سيما الكسائي بوصفه أحد القرّاء السبعة[34].

ولعلّ الراجح في هذه المسألة أنّ مواقف النحويين اختلفتْ من القراءات كما اختلفتْ مواقفهم من مسائل اللغة والنحو فقد صدق هذا على مستوى المنهج النحوي: «أو قد يكون في مواقف يخالف فيها النحوي جماعة مذهبه ويوافق مذهبًا آخر أو قد ينفرد هو بالموقف دون أن يتفق مع أحد»[35]، ولعلّ هذا الرأي يصدق على مواقف الفرّاء المختلفة من القراءات فقد قبل ما رفضه البصريون وتميز بالخروج عن مذهب الكوفيين في التعامل مع النصوص اللغوية والقراءات، ففاضل بينها أو تردّد في قبولها أو رفضها، وتجده يطعن في طائفة من القرّاء ويرميهم باللحن والوهم، ولم يسلم من نهجه هذا حتى القرّاء السبعة بما فيهم أبو عمرو بن العلاء وحمزة الزيات، وذلك ما سنبيّنه في الصفحات الآتية.

موقف الفرّاء من القراءات القرآنية:

لم يطَّرد موقف الفرّاء من القراءات في نسق واحد؛ ولذلك قمتُ بجرد موقفه في كتابه (معاني القرآن)، ثم صنّفت هذا الموقف إلى موقف القبول وموقف المفاضلة والترجيح وموقف التردّد في الطعن في القراءات ثم موقف التخطيء، وإليك هذه المواقف مفصّلة على وفق الشواهد التي جمعتها حول موقفه من القراءات.

1- موقف القبول:

وهو موقف يشيع لديه إِذْ يروي القراءة دون أن يعقّب عليها، بل يذكر أوجه الاختلاف في القراءة ويحتج لكلّ وجه من غير مفاضلة أو ترجيح، ومما يعكس موقفه هذا قوله في قراءة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2].

اجتمع القرّاء على رفع ﴿الْحَمْدُ﴾ وأما أهل البدو فمنهم من يقول: ﴿الْحَمْدَ لِلَّهِ﴾، ومنهم من يقول: ﴿الْحَمْدِ لِلَّهِ﴾، وقال غيرهم: ﴿الْحَمْدُ لُلَّهِ﴾ فيرفع الدال واللام[36].

وقد قرأ الحسن البصري: ﴿الْحَمْدِ لِلَّهِ﴾، وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: ﴿الْحَمْدُ لُلَّهِ﴾ ورويت عن رؤية بن العجاج: ﴿الْحَمْدَ لِلَّهِ﴾[37].

ويعلّل الفرّاء هذه القراءات على اختلافها تعليلًا صوتيًّا فقال: «وأما من خفض الدال من ﴿الْحَمْد﴾ فإنّه قال هذه كلمة كثرت على ألسن العرب حتى صارت كالاسم الواحد، فثقل عليهم أن يجتمع في اسم واحد من كلامهم ضمّة بعدها كسرة أو كسرة بعدها ضمة، ووجدوا الكسرتين قد تجتمعان في الاسم الواحد مثل: (إِبل) فكسروا الدال ليكون على المثال من أسمائهم، وأما الذين رفعوا اللام فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان مثل: الحُلُم والعُقُب»[38].

فمن الواضح أن الفرّاء فسّر كلتا القراءتين وحاول أن يحتجّ لكلّ منهما بما يناسبها من النطق العربي السليم دون أن يشذّذها أو يخطئها كما فعل البصريون[39].

وقد ذكر النحاس أنّ قراءة الحسن البصري موافقة لهجة تميم وقراءة ابن أبي عبلة موافقة لهجة ربيعة[40].

وفسّر المحدَثون هذه القراءات على أنها اتباع حركي يهدف إلى الانسجام بين الحركات المتباينة في الكلمة الواحدة أو في الكلمات المتجاورة، ويحدث فيها تأثير إحدى الحركات ما يجاورها، وتعني هذه الظاهرة ميلًا إلى تقليل الجهد العضلي المبذول لتحقيق المجانسة بين أصوات المد القصيرة[41].

وينحو الفرّاء إلى عرض طائفة من القراءات وقبولها، من ذلك القراءات التي وردت في قوله تعالى: ﴿يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة: 37]، فقد قرأها عبد الله بن مسعود: ﴿يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وقرأها زيد بن ثابت: ﴿يُضِلّ﴾، وقرأها الحسن البصري: ﴿يُضِلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، فعرض الفرّاء هذه القراءات وعلّق على قراءة الحسن بقوله: «كأنه جعل الفعل لهم يضلّون به الناس وينسئونه لهم»[42].

وفعل نظير ذلك في الآية الكريمة: ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا﴾ [النبأ: 28]، فقال: «خففها علي بن أبي طالب -رحمه الله-: ﴿كِذَابًا﴾، وثقَّلها عاصم والأعمش وأهل المدينة والحسن البصري، وهي لغة يمانية فصيحة يقولون: كذّبت به كِذَّابًا، وخرّقتُ القميص خِرَّاقًا، وكلُّ فَعَّلْتُ فمصدره فِعَّال في لغتهم مشدّد، قال لي أعرابي منهم على المروة: الحَلْق أحبّ إليك أم القِصَّار؟ يستفتيني»[43].

فنجد الفرّاء يذكر القراءتين ويحتجّ لإحداهما بما وافقها من لهجات اليمن دون أن يضعّف الأخرى، وقد وردت طائفة من القراءات قبلها لأنها موافقة لإحدى اللهجات العربية القديمة[44].

وإلى جانب ما ذكرت من نماذج تمثل موقف القبول لديه فهنالك طائفة أخرى قبلها أو وجد مسوغًا لها لتقبل أو يقاس عليها[45].

2- موقف الترجيح والمفاضلة:

وفيه نجد الفرّاء يميل إلى ذِكْر قراءتين أو أكثر ثم يرجح إحداهما دون أن يخطّئ أية قراءة، بل يعمد في أحيان كثيرة إلى ذكر الشواهد التي تسند القراءة التي رغب عنها.

واستعمل طائفة من التراكيب تدلّ على ترجيحه لهذه القراءة على تلك، منها مثلًا قوله: «إنه لأحبّ الوجهين إليَّ»، و«الرفع أحبّ إليَّ من الجزم»، و«الرفع أجود»، و«الوجه الأول أحسن»، و«لست أشتهي ذلك»، و«لا يعجبني ذلك»، و«فالرفع في قراءتنا أجود من النصب»، و«لست أشتهيه»، ومثل هذه الأحكام نجدها مبثوثة في كتابه (معاني القرآن)[46].

والفرّاء في هذا الموقف يسلك سبيلين: فإما أن يفاضل بين القراءات ويرجّح إحداها على غيرها دون أن يذكر سبب الترجيح، أو يفاضل بين القراءات ثم يستشهد لما يسندها جميعًا بعد ذلك يميل لإحداها.

وأغلب الظنّ أنّ الفرّاء في موقفه هذا نهج نهجًا خاصًّا به لم يوافق ما عرف عن الكوفيين من ميل إلى القراءات وتوسّع في القياس والسماع، ويقترب من نهج البصريين المتشدّد في السماع والقياس معًا، إلا أنه لم يصل في هذا الموقف إلى ردّ القراءة أو رفضها، بل نجده في مواضع عدّة يميل إلى تصويب القراءات التي رفضها البصريون ويعطي من الحجج والشواهد ما يسند صحة استعمالها في اللغة مستشهدًا لها بالقرآن الكريم أو الشِّعْر أو أقوال العرب، أو يفسّر اختلاف القراءات باختلاف اللهجات.

ومن خلال تتبّع موقفه هذا تبيّن أنه أورد طائفة من الأمثلة التي سأذكر نماذج منها لكثرة ورودها من ذلك مثلًا:

1- «وقد قرأ بعض القرّاء: ﴿لا يَحْزُنْهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: 103] بالجزم وهم ينوون الرفع، وقرأوا: ﴿أَنُلْزِمْكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ [هود: 28]، والرفع أحبّ إليّ من الجزم»[47].

فعلى الرغم من ترجيحه الرفع في الفعل المضارع على الجزم أو اختلاس الحركة في قراءة أبي عمرو بن العلاء[48]، إلا أنه ذهب ليفسّر صواب قراءة أبي عمرو بقوله: «وقوله: ﴿أَنُلْزِمْكُمُوهَا﴾ العرب تسكن الميم التي من اللزوم فيقولون: ﴿أَنُلْزِمْكُمُوهَا﴾ وذلك أن الحركات قد توالتْ فسكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنها مرفوعة فلو كانت منصوبة لم تستثقل فتخفّف، إنما يستثقلون كسرة بعدها ضمة أو ضمة بعدها كسرة أو كسرتين متواليتين أو ضمتين متواليتين، فأما الضمتان فقوله: ﴿لا يَحْزُنْهُمُ﴾ جزموا النون لأنّ قبلها ضمة فخففت كما قال: (رُسْل)، وأما الضمة والكسرة فمثل قول الشاعر:

وناعٍ يخبِّرْنا بمهلك سيّد ** تقطعُ من وجْدٍ عليه الأناملُ

وقوله في الكسرتين:

إذا اعوجَجْنَ قلت صاحِبْ قوم[49].

وقد حكى الفرّاء عن تميم وأسد أنهم يسكنون المرفوع من «يعلمْهم» ونحوه[50].

وقد وردت قراءة أبي عمرو موافقة لهاتين اللهجتين اللتين تجنحان إلى اختلاس حركة الإعراب.

فرجّح الفرّاء إظهار حركة الإعراب لكونها توافق النطق العربي الفصيح إلا أنه لم يخطّئ القراءة الأخرى، بل ذكر من الشواهد ما يؤيّد صحّتها بالإضافة إلى أنه ذَكر أن تلك صفة من صفات اللهجات العربية القديمة التي عدت مصدرًا للغويين في مدة الجمع اللغوي.

2- وقوله في الأنعام: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ﴾ [الأنعام: 27]: «هي في قراءة عبد الله بالفاء: ﴿نُرَدُّ فَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ فمن قرأها كذلك جاز النصب على الجواب والرفع على الاستئناف؛ أي فلسنا نكذب، وفي قراءتنا بالواو فالرفع في قراءتنا أجود من النصب، والنصب جائز على الصرف»[51].

3- ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ﴾ [البقرة: 210]: «رفع مردود على الله تبارك وتعالى، وقد خفضها بعض أهل المدينة يريد: ﴿فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَفي الْمَلائِكَة﴾ والرفع أجود»[52]، ففضل رفع ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ عطفًا على لفظ الجلالة.

4- وقوله: ﴿فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: 51]: «قرأ الحسن والأعمش وعاصم: ﴿مَقَامٍ﴾، وقرأها أهل المدينة: ﴿فِي مُقَامٍ﴾ بضم الميم، والمقام بفتح الميم أجود في العربية لأنه المكان، والمُقام الإقامة، وكلّ صواب»[53]، فعلى الرغم من صواب القراءتين فإنه رجح الأولى بفتح الميم من ﴿مَقَامٍ﴾.

5- ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: 4]: «قرأ القرّاء «يسري» بإثبات الياء، و«يسرِ» بحذفها، وحذفها أحبّ إليّ لمشاكلتها رؤوس الآيات؛ ولأن العرب تحذف الياء وتكتفي بكسر ما قبلها»[54]، فهو يرجح القراءة بحذف الياء لكونها منسجمة مع الرسم القرآني لرؤوس الآيات، ولكونها توافق ميل بعض العرب لحذف ياء المضارعة؛ لأنها صوت مد طويل جنحت طائفة من اللهجات إلى تقصيره.

6- ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: 3]: «القرّاء يجتمعون على تشديد ﴿قَدَّرَ﴾، وكان أبو عبد الرحمن السلمي يقرأ ﴿قَدَرَ﴾ مخففة ويرون أنها من قراءة علي بن أبي طالب رحمه الله، والتشديد أحبّ إليّ لاجتماع القراء عليه»[55]، فرجح قراءة التشديد؛ لأن القراء مجتمعون عليها دون أن يُغلّط القراءة الثانية أو يرفضها.

7- ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: 17]: «وكان الحسن يقرأ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ بنصب ثمود وهو وجه، والرفع أجود منه؛ لأنّ أما تطلب الأسماء وتمتنع من الأفعال فهي بمنزلة الصلة للاسم»[56].

8- ﴿إِنّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ [طه: 63]: «وقد اختلف فيه القرّاء، فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلا نخالف الكتاب، وقرأ أبو عمرو: ﴿إِنّ هَذَين لَسَاحِرَانِ﴾، وقرأ بعضهم: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ خفيفة، وفي قراءة عبد الله: «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى أَنّ هَذَانِ سَاحِرَانِ»، وفي قراءة أبيّ: «إنْ ذانِ إلّا ساحران»، فقراءتنا بتشديد «إنّ» وبالألف على جهتين: إحداهما على لغة بني الحرث بن كعب، والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة وليست بلام فعل»[57].

فقد رجح القراءة المشهورة لكونها توافق الرسم القرآني؛ ولأنها تمثّل طائفة من اللهجات العربية القديمة منها قبيلة بالحارث بن كعب التي تلزم الألف المثنى في حالات الرفع والنصب والجر.

ونهج الفرّاء في الاعتداد بالرسم القرآني يظهر في أكثر من قراءة من القراءات[58].

9- ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ [الصافات: 12]: «قرأها الناس بنصب التاء ورفعها أحبّ إليّ لأنها قراءة علي وابن مسعود وعبد الله بن عباس»[59]، فرجح القراءة لكونها قراءة هؤلاء الأعلام.

10- ﴿مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا﴾ [الصافات: 8-9]: «بضم الدال، ونصبها أبو عبد الرحمن السلمي، فمن ضمّها جعلها مصدرًا كقولك: دحرته دُحورًا، ومن فتحها جعلها اسمًا كأنه قال: يقذفون بداحرٍ وبما يَدحَر، ولست أشتهيها؛ لأنها لو وجهت على ذلك على صحة لكانت فيها الباء، كما تقول: يقذفون بالحجارة، ولا تقول: يقذفون الحجارة وهو جائز، قال الشاعر:

نغالي اللحم للأضياف نيئًا ** ونُرخصُه إذا نضج القدور

والكلام: نغالي باللحم»[60]، فلم يرد القراءة بل أجازها واستشهد على صحتها إلا أن قراءة ضم الدال هي المفضلة لديه.

3- موقف التردّد:

على الرغم من قلة الشواهد على هذا الموقف فإني عثرت على نماذج توضّح المنحى لدى الفرّاء، فتجده أولًا يحاول أن يرفض القراءة أو يرمي أصحابها بالوهم، ثم تجده يعود عن موقفه الرافض فيقبل القراءة ويستشهدُ لِصوابها مما تيسّر لديه من كلام العرب أو لهجاتهم، فيظهر الفرّاء وكأنه واقع تحت تأثير منهجين كلّ منهما يشدّه إلى اتجاه يخالف الآخر، وسنتبين ذلك من خلال القراءات الآتية:

1- ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُم بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: 22]: قال الفراء: «أي الياء المنصوبة؛ لأن الياء من المتكلم تسكن إذا تحرك ما قبلها وتنصب إرادة الهاء كما قرئ ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ فنصبت وجزمت، فإذا سكن ما قبلها رُدّت إلى الفتح الذي كان لها، والياء من (مصرخيّ) ساكنة والياء بعدها من المتكلم ساكنة فحركت إلى حركة كانت لها، فهذا يطرد في الكلام»[61].

ثم يستشهد على صحة القراءة بما ورد من القرآن الكريم فقال: «ومثله: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ...﴾ [البقرة: 132]، ومثله: ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ...﴾ [البقرة: 38]، ومثله: ﴿مَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾ [الأنعام: 162]، وقد خفض الياء من قوله: ﴿بِمُصْرِخِيِّ﴾ الأعمش ويحيى بن وثَّاب جَميعًا. حَدَّثَنِي القاسم بن مَعْن عَن الْأَعْمَش عَن يَحْيَى أَنَّهُ خفض الياء. قَالَ الفرّاء: ولعلّها من وَهْم القرّاء طبقة يَحْيَى فإنه قلّ من سلم منهم من الوهم. ولعلّه ظَنَّ أن الباء فِي ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ خافضة للحرف كله والياء من المتكلم خارجة من ذلك»[62].

ففي الوقت الذي استشهد لقراءة النصب بنصوص من القرآن الكريم يذكر القراءة الأخرى التي وردت بكسر ياء المتكلم، فعدها أول الأمر من وهم القرّاء، إلا أنه عاد فنقض موقفه واستشهد على صحة قراءة الكسر إِذْ قال: «وقد سمعت بعض العرب تنشد:

قال لها هل لكِ ياتا فيِّ ** قالت له ما أنت بالمُرضيّ

فخفض الياء من (فيّ) فإن يكُ صحيحًا فهو مما يلتقي الساكنين فيخفض الآخر منهما وإن كان له أصل في الفتح، ألا ترى أنهم يقولون: لم أرَهُ مُذُ اليوم ومِذِ اليوم والرفع في الذّال هو الوجه لأنها أصل حركة مُذْ، والخفض جائز فكذلك الياء من «مصرخيّ» خفضت ولها أصل في النصب»[63].

ونوّه النحاس بموقف الفرّاء المتردّد من هذه القراءة، وذكر أن الفرّاء قد نقض موقفه الرافض لها[64].

وذكر صاحب الخزانة أن كسر ياء المتكلم من (فيّ) يوافق لهجة بني يربوع من تميم، لكنه عند النحاة ضعيف[65]؛ لأنه يمثل استعمالًا لهجيًّا محدودًا.

2- ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88]: ومما تردّد فيه الفرّاء موقفه من قراءة عاصم ﴿نُجِّيَ﴾ فقال: «وقد قرأ عاصم -فيما أعلم- ﴿نُجِّيَ﴾ بنون واحدة ونصب ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ كأنه احتمل اللّحن ولا نعلم له جهة إلا تلك؛ لأنّ ما لم يُسَمَّ فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر في ﴿نُجِّيَ﴾ فنوى به الرفع ونصب ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾، فيكون كقولك: ضُرِبَ الضربُ زيدًا، ثم تكني عن الضرب فتقول: ضرب زيدًا، وكذلك: نُجي النجاءُ المؤمنين»[66].

فتجده يجعل قراءة عاصم تحتمل اللحن أول الأمر؛ لأنه بنى الفعل للمجهول دون أن يرفع الاسم بعده، ثم يعود ليؤول قراءة عاصم ويجد لها مبررًا لغويًّا منسجمًا معها.

3- ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ [النساء: 115]اختلف القرّاء في أداء ضمير الغائب المتصل بالفعل المضارع أو الأمر من ذلك اختلافهم فيما ورد من [سورة النساء:115]، و﴿يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: 75]، و﴿نُؤْتِهِ﴾ [آل عمران: 145]، و﴿أَرْجِه﴾ [الأعراف: 111]، ﴿فَأَلْقِه﴾[النمل: 28].

فقد قرأ أبو بكر وأبو عمر وحمزة بإسكان الهاء من (نولّهْ، ونصلهْ).

وقرأ قالون بكسر الهاء فيهن من غير ياء، وقرأ الباقون بصلة الهاء بباء في الوصل[67].

وقد قرأ حمزة (يؤدهْ) و(نؤتهْ) و(أرجهْ) و(فألقهْ) بإسكان الهاء، وقرأ عاصم (نودهْ) و(نولهْ) و(نصلهْ) و(فألقهْ) و(نؤتهْ) بإسكان الهاء[68].

وقد خطأ الفرّاء أول الأمر من هذه القراءات فقال: «إن القوم ظنوا أن الجزم في الهاء وإنما هو فيما قبل الهاء فهذا وإن كان توهمًا خطأ»[69].

وقال في موضع آخر: «ومما نرى أنهم أوهموا فيه قوله: ﴿نُوَلِّهْ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهْ جَهَنَّمَ﴾ [النساء: 115]. ظنوا -والله أعلم- أن الجزم في الهاء، والهاء في موضع نصب وقد انجزم الفعل قبلها بسقوط الياء منه»[70].

ويتراجع عن موقفه هذا ليذكر: «أنّ من العرب من يجزم الهاء إذا تحرك ما قبلها فيقول: ضربتهْ ضربًا شديدًا، أو يترك الهاء إذ سكنها وأصلها الرفع بمنزلة: رأيتهمْ وأنتمْ»[71].

وعاد في الآية: ﴿أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ [الأعراف: 111] ليؤكّد أن تسكين الهاء هو لهجة عربية فقال: «وقد جزم الهاء حمزة والأعمش وهي لغة للعرب يقفون على الهاء المكني عنها في الوصل إذا تحرك ما قبلها»[72].

فوجدنا الفرّاء مرّة أخرى يرمي هذه القراءات بالخطأ والوهم، ثم يعود ليذكر أنّ هذه القراءات جاءت موافقة لإحدى اللهجات العربية القديمة إِذْ قال أبو حيان نقلًا عن الكسائي: «أن لغة عقيل وكلاب أنهم يختلسون الحركة في هذه الهاء إذا كانت بعد متحرك وأنهم يسكنون أيضًا»[73]، وعزا ابن جني تسكين ضمير الغائب إلى لهجة أزد السراة[74].

4- ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: 71]: قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وابن أبي إسحق وعيسى بن عمر ويعقوب ورويت عن أبي عمرو (شركاؤكم) برفع شركاء عطفًا على الضمير في (أجمعوا)، وقرأ الجمهور: ﴿وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ بالنصب مفعولًا به لفعل محذوف تقديره: (وادعوا)[75].

وتردّد الفرّاء في قبول قراءة الرفع؛ لمخالفتها للرسم القرآني ولضعف المعنى عنده[76].

5- ومما يمثل موقف التردّد قوله في قراءة الحسن البصري: ﴿وَلا أَدْرَأتكُمْ بِهِ﴾ [يونس: 16]: «فإن يكن فيها لغة سوى دريت وأدريت فلعلّ الحسن ذهب إليها، وأما أن تصلح من دريت وأدريت فلا؛ لأن الواو والياء إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحَّتا ولم تنقلبَا إلى ألف مثل: قضيت ودعوت، ولعلّ الحسن ذهب إلى طبيعة فصاحته فهمزها لأنها تضارع درأت الحد وشبهه»[77].

فلم يرفض القراءة رفضًا قاطعًا أول الأمر، بل تذرع بأن تكون قراءة الحسن موافقة لإحدى اللهجات أو يكون ذلك بسبب من تفاصح الحسن، ويعود في موضع آخر فيما بعد ليطعن في القراءة وبعدها مما يرفض من القراءة[78].

ولعلّ قراءة الحسن تمثّل ميله إلى تحقيق الهمز جريًا على منهج طائفة من اللهجات العربية القديمة التي جنحت إلى الهمز[79].

4- موقف التضعيف والطعن:

ضعّف الفرّاء طائفة من القراءات بل طعن فيها ووصم أصحابها بالوهم حينًا وباللحن حينًا آخر، وإليك ما يؤكّد هذا النهج لديه:

1- ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: 137]: قرأ بن عامر (زُيِّن) بضم الزاي وكسر الياء، و(قتلُ) بالرفع، و(أولادهم) بالنصب، و(شركائهم) بالخفض، وقرأ الباقون (زَيَّنَ) بفتح الزاي والياء، و(قتلَ) بالنصب، و(أولادِهم) بالخفض، و(شركاؤهم) بالرفع[80].

فضعف الفرّاء قراءة ابن عامر وهو من القرّاء السبعة فقال: «وليس قول من قال: ﴿مُخْلِفَ وَعْدَهِ رُسُلِهُ﴾ [إبراهيم: 47]، ولا ﴿زُيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهِمْ شُرَكَائِهُمْ﴾ بشيء، وقد فسّر ذلك، ونحويو أهل المدينة ينشدون قوله:

فزَجَجْتُهَا متمكنًا ** زجَّ القلوصَ أبي مَزاده

قال الفراء: باطل، والصواب: زجْ القلوصِ أو مَزَادَهْ»[81].

فنجده يحكم على القراءة بالضعف؛ ذلك لأنه لا يجوز الفصل بين المتضايفين بغير الظرف والجار والمجرور إلا إذا كان الفصل لضرورة الشِّعر في رأي الكوفيين[82]، أما أن يكون ذلك في القراءات فليس ضرورة.

غير أنّ المتأخرين من النحويين أجازوا أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف أو الجار والمجرور، فقد أجاز ابن مالك ذلك فقال:

فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فعلٍ ما نَصَبْ ** مفعولًا أو ظرفًا أجِزْ ولم يُعَبْ[83]

2- ﴿بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الكهف: 28]: «قرأ أبو عبد الرحمن السلمي (بالغدوة والعشي)، ولا أعلم أحدًا قرأ غيره، والعرب لا تُدخل الألف واللام في الغدوة لأنها معرفة بغير ألف ولام، وسمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغدوة قط؛ يعني غداة يومه، وذاك أنها كانت باردة، ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تدخلها الألف واللام، إنما يقولون: أتيتك غداة الخميس، ولا يقولون: غدوة الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة»[84].

فهو يضعّف القراءة لكونها تخالف سماع الفرّاء عن العرب، وأغلب الظنّ أن قراءة أبي عبد الرحمن السلمي هي من باب الميل إلى الضم الذي يُعد أحد صفات طائفة من اللهجات العربية القديمة.

3- ﴿لا يَلِتْكُمْ﴾ [الحجرات: 14]: قرأ أبو عمرو: (لا يألتكم) بزيادة همزة ساكنة بين الياء واللام ويبدل منها ألفًا إذا سهَّل الهمزة، وقرأ الباقون بغير همز ولا بدل[85].

وقال الفرّاء بصدد قراءة أبي عمرو: «وقد قرأ بعضهم (لا يألتكم) ولست أشتهيها، بغير ألف كتبت في المصاحف وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز... إنما اجترأ على قراءتها «يألتكم» أنه وجد: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: 21] في موضع مأخوذًا من ذلك، فالقرآن يأتي باللغتين المختلفتين، ألا ترى قوله: ﴿تُمْلَى عَلَيْهِ﴾ [الفرقان: 5] وهو في موضع آخر ﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ﴾ [البقرة: 282]، ولم تحمل إحداهما على الأخرى فتتفقا، ولات يليت وألت يألت لغتان»[86].

فقد وردت قراءة أبي عمرو موافقة لهجة أسد وغطفان إِذْ ورد أنهم يقولون: ألت يألت، بينما يقول الحجازيون: لات يليت[87]، وقد نزل القرآن باللهجتين معًا، فما هو وجه الاجتراء في قراءة أبي عمرو؟ ولماذا يؤاخذه الفرّاء عليها؟! في الوقت الذي توافق فيه لهجة قبيلتين من قبائل العرب التي عدت مصدرًا من مصادر اللغويين في مرحلة الجمع اللغوي، والفرّاء أعلم بفصاحتهما من غيره لكونه مولى بني أسد[88]، فكان الأجدر به أن يكون متسامحًا ويقبل القراءة دون تردد أو تضعيف.

4- ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ [الشعراء: 210]قرأ الحسن البصري: «وما تنزلت به الشياطون» فغلّط الفرّاء هذه القراءة وقال: «كأنه من غلط الشيخ، ظن أنه بمنزلة المسلمين والمسلمون»[89]. وعدّها في موضع آخر ضمن ما أوهم فيه القراء[90].

وذكر ابن خالويه[91] أن الحسن قرأ: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطون﴾ [البقرة: 102]، وقرأ ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطون﴾ [الأنعام: 71]، ولا أحسب أن أبا عمرو وهو ممن رسَّخ أصول النحو العربي يجهل أن يفرق بين جمع التكسير وجمع المذكر السالم، وذلك ما أخذه الفراء على أبي عمرو، إلا أن الراجح لديّ هو أن الحسن عاقب بين الواو والياء في قراءاته هذه، والمعاقبة صفة من صفات اللهجات العربية القديمة حيث أُثر عن الحجازيين ميلهم إلى الياء في ألفاظ معينة، بينما جنح أهل نجد من قيس وتميم وأسد إلى الواو[92]، وهذه المعاقبة لا تحدث بين أصوات المد الطويلة فحسب، بل تقع بين أصوات المد القصيرة.

5- ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النور: 57]قرأ حمزة وابن عامر: (لا يحسبَنّ)، وقرأ الباقون بالتاء[93]، وعدّ الفراء القراءة هذه ضعيفة في العربية، والصواب عنده أن تقرأ بالتاء[94].

6- وقرأ أبو عمرو[95]: ﴿إن هذين لَسَاحِرَانِ﴾ [طه: 63]: وعدّ الفراء قراءة أبي عمرو اجتراءً على كتاب الله فقال بعد أن ذكر القراءة هذه: «ولست أجترئ على ذلك»[96]؛ لكونها خالفت الرسم القرآني.

7- ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: 1]: ذكر الفراء أن ﴿ضُحَاهَا﴾ تقرأ ممالة، وكذلك كل الآيات التي تشاكلها على الرغم من أن طائفة من الأفعال المعتلة التي تشكّل رؤوس الآيات فيها أصل الألف واو فإنها تقرأ ممالة أيضًا مراعاة لما تقدمها؛ لأن السورة ابتدأت برؤوس آيات أصلها الياء، فقال: «الضحى هو النهار كله بكسر الضحى من ضحاها، وكلّ الآيات التي تشاكلها وإن كان أصل بعضها الواو، من ذلك: تلاها، وطحاها، ودحاها لما ابْتُدِئَت السورة بحروف الياء والكسر اتبعها ما هو من الواو، ولو كان الابتداء للواو لجاز فتح ذلك كله.. فإذا انفرد جنس الواو فتحته، وإذا انفرد جنس الياء فأنت فيه بالخيار إن فتحت وإن كسرت فصواب»[97].

ويوضح الفرّاء فيما تقدم سبل الإمالة في القراءة فلو انتهت رؤوس الآيات بألِف أصلها ياءٌ تمال الألفاظ التي تلحقها في السورة في رؤوس الآيات حتى لو كان أصل بعضها الواو، أما إذا انتهت بألف أصلها واو فتمتنع الإمالة في هذه الحالة، وأما إذا انتهت بألف أصلها ياء فيجوز للقارئ أن يميل أو يفتح، غير أنّ حمزة الزيات خالف مذهب الفرّاء في الإمالة حيث قرأ رؤوس الآيات ممالة إن كان أصل الألف فيها ياء وفتح ما كان أصله من الواو؛ ولذلك فقد عاب عليه الفراء قراءته وقال: «وكان حمزة يفتح ما كان من الواو ويكسر ما كان من الياء وذلك من قلة البصر بمجاري كلام العرب»[98].

فمن المعروف أن حمزة أحد القراء السبعة وقراءته ينبغي أن تكون واضحة صحيحة متواترة، فقد أخذ القراءة عن سليمان الأعمش الذي أخذ القراءة عرضًا على طائفة منهم زر بن حبيش وعاصم ومجاهد[99]، فأيّ طعن أشقّ على حمزة من طعن الفرّاء؟

ومن خلال ما تقدم يظهر الفرّاء أكثر تزمتًا من غيره من الكوفيين وهو يكاد لا يختلف عن البصريين[100] الذين طعنوا في طائفة من القراءات، فتراه يضعّف القراءة ويرمي طائفة من القراء بالوهم وباللحن، وقلّة البصر بالعربية.

ولعلّ نهج الفرّاء هذا لا يمثّل نهج الكوفيين بقدر ما يمثل موقفه الخاص به واجتهاده في علوم العربية والقراءات.

الخاتمة:

وبعد أن تم عرض هذه المواقف المختلفة إزاء طائفة من القراءات يمكن القول: أنَّ النحويين بصورة عامة كانوا لا يتحرّجون من الطعن في القراءات، بل اتجهوا إلى تغليظ ما لم يوافق منهجهم من القراءات، وهم في ذلك سواء أكانوا كوفيين أم بصريين، وخير دليل على ذلك مواقف الفرّاء المتباينة من القراءات، فعلى الرغم من عنايته بالقراءات إِذْ لا تخلو صفحة من صفحات معاني القرآن من ذكر أوجه الاختلاف فيها، فإنه خرج عما هو مألوف من الكوفيين لكونه مال إلى الترجيح لسبب أو لغير سبب، بل طعن في طائفة من القراءات والقراء.

أما ما أُشيع في طائفة من دراسات المحدَثين ما مفاده أن للكوفيين نهجًا متسامحًا في مجال الاعتداد بالقراءات، فذلك لا يصدق على موقف الفرّاء في الأصل بوصفه علم مدرسة الكوفة في النحو نظرًا لرميه طائفة من القراء بالوهم واللحن.

هذا ومن الله التوفيق

 

 


[1] نُشرت هذه المقالة في مجلة (المورد) بالعراق، العدد (4)، 1 أكتوبر 1988. (موقع تفسير).

[2] الكتاب، تحقيق: عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة 1971. (1/148)، ط، هارون، وينظر: دراسات في كتاب سيبويه، الدكتورة/ خديجة الحديثي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1980. ص36.

[3] مدرسة الكوفة، الدكتور/ مهدي المخزومي، ط. الثانية، مطبعة البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1958. ص377، وتابعه في الرأي عدد من الباحثين منهم د/ عبد الحميد السيد طلب في (تاريخ النحو وأصوله)، مطبعة العلوم، القاهرة. (1/82)، وعبد الجبار علوان في (الشواهد والاستشهاد)، ط. الأولى، مطبعة الزهراء، بغداد، 1976، ص203.

[4] القرآن وأثره في الدراسات النحوية، للدكتور/ عبد العال سالم مكرم، دار المعارف بمصر، القاهرة 1965، ص97.

[5] المدارس النحوية، الدكتور/ شوقي ضيف، ط. الثانية، دار المعارف بمصر، 1972. ص119.

[6] التبصرة في القراءات، لأبي محمد مكي بن أبي طالب، تحقيق: الدكتور/ محيي الدين رمضان، معهد المخطوطات العربية، ط. الأولى، الكويت، 1985. ص119.

[7] إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس، تحقيق: الدكتور/ زهير غازي زاهد، ط. الأولى، مطبعة العاني، بغداد، 1979. (1/ 582-583)، الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري، ط. الرابعة، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1961. (2/ 436).

[8] ينظر في القراءة، التبصرة، ص179.

[9] إعراب القرآن (1/390).

[10] الكامل في اللغة والأدب لأبي العباس المبرد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، (3/ 39).

[11] شرح لمفصل، لابن يعيش، المطبعة المنيرية بمصر، (3/ 87).

[12] إعراب القرآن (1/ 390-391).

[13] البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، نشر مكتبة النصر الحديثة (أوفيت) (4/ 271).

[14] المقتضب، لأبي العباس المبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، ط. الأولى، القاهرة، 1385هـ - 1388هـ، (1/ 123).

[15] البحر المحيط (4/ 271).

[16] إعراب القرآن (1/ 600- 601).

[17] البحر المحيط (4/ 271).

[18] البحر المحيط (4/ 271-272).

[19] الكتاب (4/ 179)، البحر (6/ 163)، شرح المفصل (9/ 107)، وعزى تحقيق الهمز إلى تميم وقيس وأسد ينظر في ذلك: زاد المسير: ط. الأولى، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر 1964، (3/ 79)، الإتحاف: للشيخ أحمد الدمياطي، المطبعة الميمنية، القاهرة، 1317هـ، ص179، وينظر: لهجة قبيلة أسد، علي ناصر غالب، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الآداب، جامعة البصرة، 1985، ص113.

[20] هنالك طائفة من القراءات حقّقت فيها الهمزة. ينظر مفصل ذلك لهجة قبيلة أسد، رسالة مقدمة إلى مجلس كلية الآداب- جامعة البصرة، ص121.

[21] ينظر في القراءة، التبصرة، ص237.

[22] إعراب القرآن (2/ 182).

[23] معاني القرآن، للأخفش الأوسط: تحقيق: الدكتور/ فائز فارس، ط. الثانية، الكويت، 1981، (2/ 375).

[24] البحر المحيط (5/ 419).

[25] إعراب القرآن (2/ 183).

[26] التبصرة، ص274.

[27] إعراب القرآن (3/ 276-277).

[28] التبصرة، ص274.

[29] إعراب القرآن (1/ 682-683).

[30] مدرسة الكوفة، ص337.

[31] الاقتراح، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أحمد محمد قاسم، مطبعة السعادة، القاهرة، 1976، ص105.

[32] همع الهوامع، لجلال الدين السيوطي، تصحيح: محمد بدر النعساني، دار المعرفة، بيروت (أوفيت). (1/ 45).

[33] مدرسة الكوفة، ص341.

[34] ينظر في ذلك مثلًا: دراسات في كتاب سيبويه، ص31، تاريخ النحو وأصوله، ص195.

[35] مجلة آداب المستنصرية، العدد الخامس عشر 1987 بحث الدكتور زهير غازي زاهد [النحويون والقراءات القرآنية]، ص120.

[36] معاني القرآن: تحقيق: أحمد يوسف نجاتي. ومحمد علي النجار، ط. الثانية، بيروت 1980. (1/ 3).

[37] المحتسب، لابن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف وآخرين، 1386هـ. (1/37)، مختصر في شواذ القراءات، ابن خالويه، تحقيق: ج. برغشتراسر، مطبعة الرحمانية، القاهرة 1934. ص1.

[38] معاني القرآن (1/ 3-4)، ينظر: إعراب القرآن للنحاس (1/ 120).

[39] إعراب القرآن (1/ 120).

[40] إعراب القرآن (1/ 120).

[41] في اللهجات العربية، الدكتور/ إبراهيم أنيس، ط. الرابعة، القاهرة، مطبعة: الأنجلو المصرية 1973. ص96.

[42] معاني القرآن (1/ 437).

[43] معاني القرآن (3/ 229)، وينظر في القراءة أيضًا: التبصرة، ص319.

[44] ينظر: معاني القرآن (2/ 78، 3/ 164، 254).

[45] من ذلك ما ورد في معاني القرآن (1/ 426- 427، 2/ 12، 3/ 254).

[46] معاني القرآن (1/ 276، 2/ 233، 364، 383، 3/ 14، 184، 256، 260).

[47] معاني القرآن (1/ 88).

[48] الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي، تحقيق: علي النجدي ناصف وآخرين، القاهرة، 1965، ص77-78.

[49] معاني القرآن (2/ 12)، ينظر تفسير سيبويه لهذه القراءة في الكتاب (4/ 202).

[50] النشر في القراءات العشر، مراجعة: علي محمد الضباع، المكتبة التجارية بمصر، (2/ 213)، الإتحاف، ص83.

[51] معاني القرآن (1/ 276).

[52] معاني القرآن (1/ 124).

[53] معاني القرآن (3/ 44).

[54] معاني القرآن (3/ 260).

[55] معاني القرآن (3/ 256).

[56] المعاني (3/ 14).

[57] المعاني (2/ 183-184).

[58] ينظر في ذلك المعاني (2/ 183، 350، 3/ 231، 260).

[59] المعاني (2/ 384).

[60] المعاني (2/ 383)، وقد ورد فيه (ترخصه) مصحفًا إلا أن رواية اللسان أصوب وهي (نرخصه) فلذلك أثبتها.

ينظر: لسان العرب (19/ 131) (غلا)، دار صادر، بيروت.

[61] المعاني (2/ 75).

[62] المعاني (2/ 75).

[63] المعاني (2/ 76)، وعزي البيت للأغلب العجلي، ينظر الخزانة: لعبد القادر بن عمر البغدادي، ط. الأولى، المطبعة المنيرية - بولاق، مصر، 1259هـ، (2/ 258).

[64] إعراب القرآن (2/ 182-138).

[65] الخزانة (2/ 258-259).

[66] المعاني (2/ 210).

[67] التبصرة، ص172.

[68] السبعة في القراءات، تحقيق: الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، ص212.

[69] المعاني (1/ 223).

[70] المعاني (2/ 75-76).

[71]المعاني (1/ 223).

[72] المعاني (1/ 388).

[73] البحر المحيط (2/ 499).

[74] المحتسب (1/ 244).

[75] إعراب القرآن للنحاس (2/ 67)، شواذ ابن خالويه، ص57.

[76] المعاني (1/ 473).

[77] المعاني (1/ 459).

[78] المعاني (2/ 216).

[79] لهجة قبيلة أسد، ص113.

[80] التبصرة، ص199.

[81] المعاني (2/ 81-82)، (1/ 385)، وينظر: شرح المفصل (3/ 19).

[82] الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 427) (المسألة 60).

[83] شرح ابن عقيل: تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. السادسة عشرة، دار الفكر – بيروت، 1974، (3/ 82).

[84] المعاني (2/ 139).

[85] التبصرة، ص333.

[86] المعاني (3/ 74).

[87] البحر المحيط (8/ 117).

[88] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 20ط. ليزك (أوفيت).

[89] المعاني (2/ 76).

[90] المعاني (2/ 284-285).

[91] شواذ ابن خالويه: 8، 38.

[92] إصلاح المنطق، ليعقوب بن إسحاق السكيت، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، ط. الثالثة، دار المعرف بمصر، 1970، ص139، المخصص، لابن سيده، المكتب التجاري- بيروت (أوفيت)، مج4 سفر 14/19.

[93] التبصرة، ص274.

[94] المعاني، (2/ 259).

[95] المعاني (2/ 293)، التبصرة، ص260.

[96] المعاني (2/ 293-294).

[97] المعاني (3/ 266).

[98] المعاني (3/ 266).

[99] غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، تحقيق: ج. برغشتراسر، ط. الأولى، مكتبة الخانجي، مصر 1932، (1/ 315).

[100] وقد عده الدكتور/ أحمد مكي الأنصاري هو الذي فتح الباب أمام البصريين للطعن في القراءات، ينظر: أبو زكريا الفراء، ص392، إلا أن الثابت أن أبا عمرو بن العلاء قد سبقه وسبق البصريين في مجال الطعن في القراءات، ينظر: أبو عمرو بن العلاء جهوده في القراءة والنحو، للدكتور/ زهير غازي زاهد، مركز دراسات الخليج العربي - جامعة البصرة، مطبعة جامعة البصرة، 1987، ص125-129.

الكاتب

الدكتور علي ناصر غالب

أستاذ ورئيس قسم الدراسات القرآنية واللغوية‏ ب‏الجامعة الإسلامية ببابل‏ - العراق، وله عدد من الأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))