التفسير الفقهي؛ النشأة والخصائص

يُعدُّ التفسير الفقهي مركبًا من التفسير والفقه، وهذه المقالة تسلِّط الضوء على نشأته، وخصائصه، وأهم المؤلفات فيه، كما تتعرض لعدد من المسائل المهمة المتعلقة به؛ كبيان موضعه بين الأثر والرأي، ومناقشة لمسألة عدد آيات الأحكام، وغير ذلك.

التفسير الفقهي؛ النشأة والخصائص[1]

  يُعتبر المقصد التشريعي في القرآن الكريم من أهمّ المقاصد التي نزل من أجلها، وهو أمر أجمعَتْ عليه الأمة فاتخذَتْ من القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع، فكان قطب الرَّحى الذي تدور عليه أحكام الشريعة، وينبوع ينابيعها، والمأخذ الذي اشتقَّتْ منه أصولها وفروعها، وهذا المعنى تؤكّده نصوصٌ قرآنية وحديثية كثيرة.

فمن ذلك قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: 89]، قال مجاهد في معنى {كلّ شيء}: «كلّ حلال وكلّ حرام»[2]. وقد قال الشافعي: «فليست تنزل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلَّا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم: 1]»[3]، ولقد عدّ القرطبي من وجوه الإعجاز «ما تضمّنه القرآن من العلم الذي هو قوام جميع الأنام في الحلال والحرام وفي سائر الأحكام»[4].

ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: 9]، يقول الشاطبي: «أي: الطريقة المستقيمة. ولو لم يكمل فيه جميع معانيها (أي: معاني الشريعة) لَمَا صحَّ إطلاق هذا المعنى عليه حقيقةً، وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لِمَا في الصدور، ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كلّ شيء»[5].

ومن الأحاديث التي استدلّ بها الشاطبي في هذا المعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يَؤُمّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله)[6]، وبيَّن وجه الاستدلال بالحديث بقوله: «وما ذاك إلا أنه أعلم بأحكام الله؛ فالعالم بالقرآن عالم بجُملة الشريعة»[7].

ومما يؤكد أهمية القرآن الكريم من الناحية التشريعية ما يسميه الشاطبي (التجرية)؛ انطلاقًا من واقع تعامل العلماء المسلمين مع القرآن الكريم: «وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألةٍ إلا وجد لها فيه أصلًا، وعلى رأس هؤلاء أهل الظاهر، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل، وقال ابن حزم الظاهري: كلّ أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة»[8].

هذا الجانب التشريعي من القرآن الكريم هو الذي اهتم به علماء التفسير في ما يُعرف بالتفسير الفقهي أو تفاسير الأحكام.

التفسير الفقهي وتنوّع أحكام القرآن:

التفسير الفقهي مُرَكَّب من التفسير والفقه، أما التفسير فمِن أجمع ما قيل في تعريفه أنه: «عِلم يُفهَم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكَمه»[9]. وأما الفقه فأجمعُ تعريفٍ له أنه: «العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية»، وعليه فالتفسير الفقهي هو تفسير ما له صلة بالأحكام الشرعية العملية في القرآن الكريم، وهو ما يسمَّى تارة آيات الأحكام، وتارة فقه الكتاب.

أما أحكام القرآن فتنقسم إلى أنواع ثلاثة، تمثّل الأحكام الفقهية أو العملية نوعًا واحدًا منها، أما الأنواع الثلاثة فهي على التفصيل:

أولًا: الأحكام الاعتقادية، التي تتعلق بما يجب على المكلَّف اعتقاده في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو ما يُدرس ضمن مباحث العقيدة.

ثانيًا: الأحكام الخُلقية، التي تتعلق بما يجب على المكلَّف أن يتحلى به من الفضائل ويتخلّى عنه من الرذائل، وهو ما يتعلق بالجوانب التربوية من القرآن الكريم.

ثالثًا: الأحكام العمليّة، وهي التي تتعلّق بما يصدر عن المكلَّف من أقوال وأفعال وعُقود وتصرفات، وهذا النوع هو فقه القرآن وهو الذي اهتمّ به المفسرون ضمن ما عُرف بالتفسير الفقهي، وهو يتضمن نوعَين أساسيَّين:

1. أحكام العبادات: من صلاة وصيام وزكاة وحج ونذر ويمين، ونحو ذلك من العبادات التي يقصد بها تنظيم العلاقة بين الإنسان وربه.

2. أحكام المعاملات: من عُقود وتصرفات وعقوبات وجنايات وغيرها، مما يُقصد به تنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض، سواء كانوا أفرادًا أم جماعات.

وإذا كانت هذه الأمور من المسلَّمات، فإنّ أنصار الاتجاه العلماني يبذلون جهدًا استثنائيًّا لنفي المقصد التشريعي في القرآن إمّا كليًّا أو جزئيًّا؛ ليفصل بين القرآن والحياة فلا يعطِي للقرآن أكثر من أثرٍ أخلاقيّ، ومن ذلك ما يقوله أحدهم وهو يلخّص دراسته للجانب التشريعي في القرآن الكريم: «إذا نظرنا إلى الحصيلة النهائية لدراستنا للأحكام القرآنية... فإنّ الاستنتاج الأول الذي يبرز بكلّ وضوح هو أنّ القرآن لم يشرع بالأساس للمعاملات بين الناس»، وهو هنا ينفي جانب المعاملات ككلٍّ فلا يجعل التشريع للمعاملات مقصدًا من مقاصد القرآن الكريم، وفي موضع آخر يخصّ من ذلك الجانب السياسي فينفي وجود أيّ تصوّر سياسي في القرآن يقول: «كلّ هذا يدلّ على أنّ القرآن الكريم لم يأتِ بأيّ تصوّر سياسي... كما أنّ مراجعة الكتاب العزيز وخاصّة آيات الأحكام منه تدلّ على أنّ القرآن الكريم لم يَعتَنِ عمومًا بالتنظيم السياسي»، أما التبرير الذي يقدّمه لما يظنه نتيجة علمية فيلخّصه في قوله: «ذلك أنّ الإسلام والقرآن الكريم دعوة إلى قِيَم روحانية»، وهكذا يتحوّل الإسلام والقرآن في نظره إلى قيم روحانية خالية من الجانب التشريعي الملزِم. مما لا يمكن معه الحديث عن الشريعة الإسلامية؛ لتحلّ محلها القوانين الوضعية ما دام الجانب التشريعي -على حدِّ زعمه- ليس مقصدًا من مقاصد القرآن!

ومما يكشف إصرار أمثال هؤلاء على آرائهم المسبَقة أنّ هذا الباحث اعتمد في مصادره على كتاب «فجر الإسلام» لأحمد أمين، لكنه في هذه النقطة خالفه؛ لأنه لا يدعم توجهه العلماني. أما أحمد أمين فيؤكِّد ما قرره العلماء من اشتمال أحكام القرآن على كلّ مجالات النشاط الإنساني بقوله: «تعرَّض القرآن في آيات الأحكام إلى جميع ما يصدر عن الإنسان من أعمال: إلى العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج، إلى الأمور المدنيّة كبيع وإجارة ورِبًا، إلى الأمور الجنائية من قتل وسرقة وزِنًا وقطع طريق، إلى نظام الأسرة من زواج وطلاق وميراث، إلى الشؤون الدولية كالقتال وعلاقة المسلمين بالمحاربين وما بينهم من عهود وغنائم الحرب»[10]. والذي ذكره أحمد أمين هنا هو عَين ما يجحده كثيرٌ من العلمانيين، فقد جهلوا أو تجاهلوا أن القرآن تعرّض لكلّ ما يصدر عن الإنسان من أعمال.

التفسير الفقهي بين الأثر والرأي:

يميز العلماء عادة بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، وهو تمييز يقوم على التقريب والتغليب؛ ذلك أنه عند التحقيق لا تكاد تجد تفسيرًا قام على الأثر وحده، ولا تجد تفسيرًا قام على الرأي وحده. والتفسير الفقهي ليس استثناء من هذه القاعدة، وإن كان إلى الرأي أقرب؛ لما فيه من إعمالٍ للعقل وبذلٍ للجهد لاستنباط الدلالات البعيدة والقريبة للآية على الحكم. ولعلّ مما يُستدل به في هذا الباب استثناء ابن عطية التفسير الفقهي من التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه في حديث جندب بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)[11]، قال ابن عطية: «وليس يدخل في هذا الحديثِ أن يفسِّر اللغويون لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه، ويقول كلّ واحد باجتهاده المبنيّ على قوانين علم ونظر؛ فإنّ القائل على هذه الصفة ليس قائلًا بمجرّد رأيه»[12]؛ واستثناء تفسير الفقهاء واللغويين والنحاة إنما كان منه لأنه يعدّ كلّ ذلك من التفسير بالرأي، إلا أنّ التحذير الوارد في الحديث لا يشمله؛ لأنه رأيٌ مبنيٌّ على قوانين علم ونظر.

ولقد عدّ محمد الطاهر بن عاشور مشروعية التفسير الفقهي دليلًا على جواز التفسير بغير المأثور قال: «وهل استنباط الأحكام التشريعية من القرآن خلال القرون الثلاثة الأولى من قرون الإسلام إلا من قبيل التفسير لآيات القرآن بما لم يسبق تفسيرها قبل ذلك»[13].

وإذا كان التفسير الفقهي من التفسير بالرأي فهناك مَن عدَّه لأجل ذلك من الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، يقول: «التفسير الفقهي كما نراه يعدُّ لونًا من ألوان الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، يهدف إلى تفهُّم النصوص ومعرفة مراميها ودلالتها على الأحكام في كافة حالاتها وفق قواعد وضوابط تحفظ المجتهد من الخطأ».

التفسير الفقهي من تفاسير الاختصاص:

يعدُّ التفسير الفقهي مِن بين ما يمكن تسميته بتفاسير الاختصاص، وهو التحوّل الذي عرفه علم التفسير بالانتقال من الإحاطة والشمول إلى الاختصاص، ولقد انعكس ذلك على العناوين التي عُرفت بها هذه التفاسير. وهكذا وجدت كتب معاني القرآن، وإعراب القرآن، وغريب القرآن، وأحكام القرآن... وهي كتب اختص كلّ واحد منها بجانب من جوانب القرآن في مقابل الكتب الجامعة، مثل: (جامع البيان للطبري) ونحوه. وهذا التطوّر يشير إليه السيوطي وهو يتحدث عن اهتمام كلّ ذي علم من العلوم الإسلامية بالتفسير وسعيه إلى إيجاد الحجة من القرآن الكريم لما يذهب إليه، يقول: «ثم صنّف بعد ذلك قوم برعوا في علوم فكان كلّ منهم يقتصر في تفسيره على الفنّ الذي يغلب عليه: فالنحوي ليس له هَمٌّ إلا الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته، كالزجّاج والواحدي في البسيط وأبى حيان في البحر والنهر. والإخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاءها والإخبار عمَّن سلف، سواء كانت صحيحة أو باطلة كالثعلبي. والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمهات الأولاد، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلُّق لها بالآية، والجواب على أدلة المخالفين كالقرطبي»[14]، ومع ما يلاحظ على قول السيوطي من مبالغة إلا أنه يبقى مع ذلك محددًا لخاصّية من خصائص التفسير الفقهي، وهي تناوُل القرآن الكريم من زاوية فقهية محضة على غِرار تناوُل علماء آخرين القرآنَ من زاوية اختصاصاتهم العلمية، ضمن ما أسميناه تفاسير الاختصاص.

الاختلاف في عدد آيات الأحكام:

يختصّ التفسير الفقهي -كما تقدّم- بآيات الأحكام، وقد اختلف العلماء في تحديد عددها، وتأتي إشارتهم لهذا الموضوع عند الحديث عن شروط المجتهد، ومن ذلك ما قاله الغزالي في المستصفى: «لا يُشترط معرفة جميع الكتاب، بل ما تتعلق به الأحكام منه، وهو مقدار خمسمائة آية»[15]، وتابع الغزالي في هذا العدد الرازي وابن العربي.

في حين ذكر غيرهم أنها لا تتعدَّى المائة والخمسين أو المائتين، ومن أولئك صدِّيق بن حسن القنوجي الذي يقول: «وقد قيل: إنها خمسمائة آية، وما صح ذلك، وإنما هي مائتا آية أو قريب من ذلك، وإن عدَلْنا عنه وجعلنا الآيةَ كلَّ جملة مفيدة يصحّ عن أن تسمَّى كلامًا في عُرف النحاة؛ كانت أكثر من خمسمائة آية»[16].

وممن تعرَّض لعددِ آيات الأحكام وحدّدها في مائتين أحمد أمين الذي يسميها الآيات القانونية، فيقول: «هذه الآيات القانونية، أو كما يسميها الفقهاء آيات الأحكام، ليست كثيرة في القرآن، ففي القرآن نحو ستة آلاف آية ليس منها مما يتعلق بالأحكام إلا نحو مائتين، وحتى بعض ما عدَّه الفقهاء آيات أحكام لا يظهر أنها كذلك»[17].

وفي مقابل الاتجاه إلى تحديد عدد آيات الأحكام اتجه فريقٌ آخر من العلماء إلى عدم حصرها بعدد محدد، ومن هؤلاء الشوكاني الذي يقول: «ودعوَى الانحصار في هذا المقدار إنما هي باعتبار الظاهر؛ للقطع بأنّ في الكتاب العزيز من الآيات التي تُستخرج منها الأحكام الشرعية لَأضعاف أضعاف ذلك، بل مَن له فهم صحيح وتدبُّر كامل يَستخرج الأحكام من الآيات الواردة لمجرى القصص والأمثال، قيل: ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أوَّلية بالذات، لا بطريق التضمن والالتزام»[18].

ويؤكّد نفس المعنى العز بن عبد السلام بقوله: «إنّ معظم آيِ القرآن لا تخلو من أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جليلة، وإنّ الله -جلَّت قُدرتُه- إنما ضرب الأمثال تذكيرًا ووعظًا، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب، أو على إحباط عمل، أو على مدح أو ذمٍّ، أو نحو ذلك؛ فإنه يدلّ على الأحكام».

هذا.. ولعلّ السبب في الاختلاف في تعداد آيات الأحكام يرجع إلى نقطتين رئيستين:

الأولى: ما هو المراد بالحكم الفقهي؟ إن كان المراد به كلّ شيء مأمورٍ به أو منهيٍّ عنه يُقَرِّب من الله أو يُبعِد عنه؛ فإنّ عدد آيات الأحكام يكون كثيرًا جدًّا، مثلًا قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}[البقرة: 42]، فمَن نظر إلى التعميم في الحكم بأنْ جعله يشمل كلّ المأمورات وكلّ المنهيَّات، جعل هذه الآية من آيات الأحكام. وبهذا المقياس تُعتبر آيات القصص والأمثال وما يتعلق بالنفس الإنسانية وغيرها من آيات الأحكام، أما إذا استُثنِيَ ما عدَا ما هو صريح باشتماله على أحكام فقهية خالصة، فإنّ عددًا مهمًّا من الآيات لا يلتفت إليها في التفسير الفقهي؛ فتضيق دائرة آيات الأحكام.

الثانية: اختلاف العصور وتعاقب المذاهب والنظرات المختلفة للفقه وللأصول وللأحكام جعل الأنظار تختلف والمقاييس تتعدد، حيث إنّ كثيرًا من الآيات التي يُظَنّ أنها مجرد قصة ربما أخذها فقيه وجعلها من آيات الأحكام، وذلك مثلًا قوله تعالى في قصة شعيب مع موسى -على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام-: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[القصص: 27]، استدل بها الفقيه على أنّ المَهْر يمكن أن يكون منفعة.

والذي أراه راجحًا في هذه المسألة قول مَن قال بعدم حصر آيات الأحكام بعددٍ معيَّن ما دام الأمر يرجع إلى مَلَكة العالم وطاقته وقدرته على الاستنباط، في ارتباط مع متطلبات كلّ عصر وما يجدُّ فيه من القضايا والنوازل.

وهذه المسألة وإنْ بدَتْ ثانوية فإنّ لها أهمية خاصّة، ويتأكّد ذلك كلما استحضرنا مَن يحاول جاهدًا نفي المقصد التشريعي من القرآن الكريم، معتمدًا في ذلك على عدد آيات الأحكام التي يتجه إلى التقليل منها، مستعينًا بكلّ ما يخدم غرضه ومقصده؛ مثل توظيف الناسخ والمنسوخ لتقليل العدد ما أمكن! وهكذا وجدنا أحدهم يقول -مثلًا-: «يجب اعتبار منظومة الناسخ والمنسوخ، فمفعولها لا يكون إلا بالتخفيض في عددِ آيات الأحكام... إن الآيات التشريعية... تبلغ 200 آية فقط، نُسخ (أُلغي) منها حوالي مائة وعشرين آية، والباقي من الآيات التشريعية السارية حتى الآن مجرد ثمانين آية»، وهكذا بحسب هذا الزعم ليس في القرآن أكثر من ثمانين آية تشريعية! وهو قول بعيد كلّ البعد عن الصواب.

نشأة التفسير الفقهي:

تعود نشأة التفسير الفقهي إلى بداية الفقه، وهو الذي بدأ مع هذه الأمة منذ نشأتها، وظلّ يوجهها حتى في أحلك فترات التخلّف والتردّي العلمي؛ وذلك راجع إلى الحاجة الملحّة إليه إذ هو الضابط لسير الحياة. وبداية التفسير الفقهي كانت مع نزول القرآن الكريم، وفي هذا المعنى يقول الدكتور محمد قاسم المنسي في كتابه في التفسير الفقهي: «ومما لا شك فيه أنّ الاتجاه إلى فهم نصوص التشريع في القرآن والتعرّف على مراد الشارع من المكلَّفين، قد وُجد مع بدء نزول هذه النصوص ذاتها». ويمكن القول بأن أوَّل مَن فسَّر القرآن فقهيًّا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك من البيان الذي دلّ عليه قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: 44]، ثم كان عصر الصحابة -رضوان الله عليهم- والذين اجتهدوا في استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم للقضايا التي جدَّت في عصرهم، والكتب التي تؤرخ للتشريع الإسلامي تحفظ الكثير من المسائل التي اختلف فيها الصحابة، مثال ذلك قول عمر بن الخطاب: إنّ الحامل المتوفى عنها عِدّتها وضع الحمل، وقال عليٌّ: تعتدُّ بأبعد الأجلَين؛ وضع الحمل، أو أربعة أشهر وعشرًا. وسبب الخلاف أن الله جعل عِدَّة المطلقة الحامل وضع الحمل، وجعل عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا من غير تفصيل، فعليٌّ في فتواه عمل في المتوفى عنها بالآيتين جميعًا، وعمر جعل آية الطلاق حكمًا على آية الوفاة؛ يعني: مخصِّصة[19].

والصحابة كانوا القدوة لغيرهم في بذل الجهد في استنباط الأحكام من القرآن الكريم، فعن أبي عبد الرحمن السلمي -وهو من كبار التابعين- قال: «كنَّا إذا تعلَّمْنا عشر آيات من القرآن، لم نتعلم العَشر بعدها حتى نعرف حلالها من حرامها وأَمْرها ونهيها»[20].

ومع الاتساع الذي عرفته الرقعة الإسلامية وما استجدَّ من قضايا ونوازل ازدادت الحاجة إلى استنباط الأحكام من القرآن الكريم، باعتباره أوَّل ما يَرجع إليه المجتهد في عملية البحث عن أيّ حكم، فكثرت آيات الأحكام ولم يَعُد الحديث عن آية وآيتين، وإنما عن آياتٍ للأحكام جُمعَت في مؤلفات مستقلّة تحت عنوان: (تفاسير الأحكام).

يغلب عنوان أحكام القرآن على المصنفات الخاصّة بالأحكام الفقهية في القرآن الكريم، وهذه المصنفات متأخّرة بالنسبة لتدوين المذاهب الفقهية المتبعة، وأول كتاب عُرف في هذا الشأن هو (أحكام القرآن) لأبي النصر محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي الشيعي (ت 146هـ)، حسب ما أثبته عبد الله عبد الحميد في رسالة الماجستير: (أحكام القرآن من سورة الفاتحة إلى الآية العاشرة بعد المائتين من سورة البقرة لابن فرس) تحت إشراف الدكتور عبد العزيز الدردير موسى.

وبالنسبة لحاجي خليفة فإنّ أوَّل مَن وَضَع مؤلَّفًا في هذا الفن هو الإمام الشافعي، وفَاتَهُ أن «أحكام القرآن» للإمام الشافعي إنما هو مِن جمع البيهقي المتوفى سنة 485هـ. وجاء في مقدمة كتاب «أحكام القرآن» للكيا الهراسي أن أوّل كتابٍ عُرف في هذا الشأن هو «أحكام القرآن» للشيخ أبى الحسن علي بن حجر السعدي المتوفى سنة 244هـ، وهو بهذا لاحق لأبي النصر محمد بن السائب المتوفى سنة 146هـ، وليس سابقًا عليه.

المؤلفات في التفسير الفقهي:

قبل الحديث عن أهم كتب التفسير الفقهي تحسُن الإشارة إلى أن هذه الكتب لم تكن وحدها مهتمّة بجانب الأحكام في القرآن، بل شاركتها في ذلك كلّ كتب التفسير تقريبًا، فالفرق إذن بينها وبين غيرها أنها اختصت بالأحكام أساسًا وشاركها فيها غيرها، وإذا أخذنا تفسير الطبري مثلًا فهو لا يخلو من أحكام فقهية؛ لذلك قال عنه خليل محيي الدين الميس: «للطبري كتاب اختلاف الفقهاء... فهو فقيه دارس للمذاهب كلّها، بل مجتهد صاحب مذهب اختاره لنفسه، ومن البداهة أن يعرض للآراء الفقهية ويناقشها في مناسباتها من آيات الأحكام». ومن ذلك ما قاله القنوجي عن كتابه «فتح البيان»، فهو وإن كان أفرد أحكام القرآن بالتأليف في كتابه «نيل المرام»، فقد أشار إلى أنه تناولها أيضًا في «فتح البيان»، قال: «وألَّفتُ بعد ذلك تفسيرًا لمقاصد القرآن المسمَّى «فتح البيان»، جامعًا للرواية والدراية والاستنباط والأحكام»[21].

ومن جهة أخرى فإنّ كتب أحكام القرآن لم تخلُ من الإشارة إلى جوانب في التفسير غير الأحكام، فلقد احتوت على مباحث لغوية وعقدية وغيرها، وإذا أخذنا مثالًا على ذلك «أحكام القرآن» لابن العربي المعافري، فإنّ المسائل التي يتناولها تتجاوز الجانب الفقهي، بل في كتابه «الأحكام الصغرى» -رغم اختصاره- تناوَلَ بعض ذلك، وهو مما أشار إليه محقِّقُه بقوله: «ضمَّنه نحوًا من خمسمائة آية من آيات الأحكام، ونحو ألف حديث من الأحاديث الصحيحة... فهو كتاب فقه القرآن وفقه السنة معًا».

ومن ذلك -أيضًا- ما فعله محمد عليّ الصابونيّ الذي يشير إلى عشرة وجوه يتناول بها آيات الأحكام التي فسرها لا تمثل الأحكام الشرعية إلا وجهًا منها يقول: «فتناولتُ الآيات التي كتبتُ عنها من عشرة وجوه على الشكل الآتي: أولًا: التحليل اللفظي... ثانيًا: المعنى الإجمالي... ثالثًا: سبب النزول... رابعًا: وجه الارتباط بين الآيات السابقة واللاحقة. خامسًا: البحث عن وجوه القراءات...»[22] إلى أن يذكر الوجه الثامن وهو: «الأحكام الشرعية وأدلة الفقهاء مع الترجيح بين الأدلة»[23]، وعليه فما يذكر من كتب أحكام القرآن إنما هو ما اختص بالأحكام حتى عُرف بها.

وإذا كان التمييز يتمُّ عادةً بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، فإنّ تفاسير الأحكام تتنوَّع بتنوُّع المذاهب الفقهية المعروفة؛ فأحكام القرآن للجصاص يعبِّر عن اختيار الأحناف، وأحكام القرآن لابن العربي يعبِّر عن اختيار المالكية، وأحكام القرآن للهراسي يعبِّر عن اختيار الشافعية...، وهذا التنوُّع عند محمد حسين الذهبي مما طرأ على التفسير الفقهي الذي سبق المذاهب ونشأ مستقلًّا عنها ثم أصبح كما يقول: «يسير تبعًا للمذاهب ويتنوّع بتنوعها... وكلّ فريق من هؤلاء يجتهد في تأويل النصوص القرآنية حتى تشهد له أو لا تعارضه على الأقلّ، مما أدَّى ببعضهم إلى التعسّف في التأويل والخروج بالألفاظ القرآنية عن معانيها ومدلولاتها»[24]، وإذا كان التنوع مسلَّمًا، فإنّ تعميم القول بتأويل النصوص لتشهد للمذهب فيه نظر، والتسليم به يُفقِد كتب التفسير الفقهي علميتها، والأمر تابع لشخصية المفسِّر وقدرته الاجتهادية، ثم إنّ الاختلاف الفقهي كانت له مبرراته العلمية.

أما عن أهمّ ما كُتِب في التفسير الفقهي، ففي ما يلي عرض لطائفة من هذه الكتب مرتَّبة حسب المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة:

فعلَى مذهب المالكية نذكر من ذلك:

• أحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن سحنون القيرواني، المتوفى 255هـ.

• أحكام القرآن: القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل المالكي، المتوفى 282هـ.

• أحكام القرآن: القاضي أبو بكر بن محمد بن بكير البغدادي المالكي، المتوفى 305هـ.

• أحكام القرآن: لأبي الحكم منذر بن سعيد بن عبد الله بن نجيح القاضي البلوطي المالكي، المتوفى 355هـ.

• أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي، المتوفى 543هـ.

• الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، المتوفى 671هـ.

أما علَى مذهب الحنفية فنذكر:

• أحكام القرآن في أَلْف ورقة: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلمة الأزدي الطحاوي الحنفي، المتوفى 321هـ.

• أحكام القرآن: لأبي الحسن علي بن موسى بن يزداد القمي الحنفي، المتوفى 350هـ.

• أحكام القرآن: لأحمد بن علي الرازي، المشهور بالجصّاص الحنفي، المتوفى 370هـ.

• تخليص أحكام القرآن، تهذيب أحكام القرآن: جمال الدين محمود بن مسعود، المعروف بابن سراج القونوي الحنفي، المتوفى 770هـ.

• التفسيرات الأحمدية في بيان الآيات الشرعية: أحمد بن أبي سعيد بن عبيد الله الحنفي الميهوي، المعروف بملاجيون، المتوفى 1130هـ.

أما علَى مذهب الشافعية فنذكر:

• أحكام القرآن: للإمام الشافعي، المتوفى 204هـ، جمعه الإمام أبو بكر أحمد بن الحسن البيهقي النيسابوري، المتوفى 458هـ.

• أحكام القرآن: لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الشافعي، المتوفى 240هـ.

• أحكام القرآن: لعماد الدين أبي الحسين علي بن محمد الطبري، المعروف بالكيا الهراسي الشافعي، المتوفى 504هـ.

• الإكليل في استنباط التنزيل: جلال الدين السيوطي الشافعي، المتوفى 911هـ.

• أحكام الكتاب المبين: علي بن عبد الله بن محمود الشنفكي الشافعي، المتوفى 890هـ.

• هداية الحيران في بعض أحكام تتعلق بالقرآن: عبد الله بن محمد المغربي ثم القاهري الشافعي، المعروف بالطبلاوي، المتوفى 1027هـ.

أما علَى مذهب الحنابلة فنذكر:

• أحكام القرآن: لأبي يعلَى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي، المتوفى 458هـ.

• أحكام الراي في أحكام الآي: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنبلي، المتوفى 776هـ.

• أزهار الفلاة في آية قصر الصلاة: مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي المقدسي الحنبلي، المتوفى 1033هـ.

خاتمة:

إنّ الحاجة إلى التفسير الفقهي لا تبرز إلا بدرجة احتكامنا للقرآن الكريم، ونظرًا لكون أحكام الشريعة معطَّلة في أغلب الدول الإسلامية؛ فإنّ ذلك انعكس على المباحث الفقهية، ومنها التفسير الفقهي. وفي الوقت الذي يتزايد فيه إقبال الناس على ما يسمَّى بالتفسير العلمي، وهو الذي يُعْنَى بتتبُّع الآيات الكونية وتفسيرها على ضوء ما تُنتجه المختبرات ومراكز البحث في العلوم الدقيقة من معارف وحقائق علمية، فإنّ لَفْتَ الانتباه إلى الجانب التشريعي في القرآن الكريم يُعتبر خطوة منهجية لا يمكن تجاوزها، خاصّةً وقد وجدنا مَن يحاول لَيَّ أعناق الآيات؛ ليبرِّر مواقفه المسبَقة في كثير من القضايا، ومن ذلك قضية تعدُّد الزوجات، حيث يستدل بقوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[النساء: 129]؛ لإثبات استحالة العدل المشروط في قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء: 3]، مع أن كتب التفسير الفقهي تبيِّن بجلاء العدل المقصود في الآيتين، مع التمييز بين العدل المأمور به الذي هو في مقدور الإنسان؛ ويكون في المبيت والنفقة ونحوهما، والعدل المنفيّ الذي لا يُطيقه أحد وهو العدل في المحبة القلبية. وقُلْ نفس الشيء عن آيات الربا التي يحاول البعض التحايل عليها؛ لتبرير واقعٍ فاسد نشأ بعيدًا عن تعاليم القرآن الكريم، والتفسير الفقهي هو المؤهّل من بين اتجاهات التفسير لحسم النزاع في هذه القضايا وغيرها.

 


[1] نُشرت هذه المقالة بملتقى أهل التفسير بتاريخ 13/ 5/ 1426هـ - 20/ 6/ 2005م، وقد عزونا النقولات الواردة فيها إلى مصادرها مع ذكر الجزء والصفحة ما أمكن ذلك. (موقع تفسير).

[2] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (4/ 594) ط. دار طيبة.

[3] الرسالة، الشافعي (ص: 19) ط. مكتبة الحلبي. ت. أحمد شاكر.

[4] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (1/ 75) ط. دار الكتب المصرية.

[5] الموافقات، الشاطبي (4/ 184) ط. دار ابن عفان.

[6] أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة، 1/ 465/ رقم 673" عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعًا.

[7] الموافقات، الشاطبي (4/ 187).

[8] المرجع نفسه (4/ 189).

[9] التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي (1/ 13) ط. مكتبة وهبة.

[10] فجر الإسلام، أحمد أمين (ص: 232) ط. دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

[11] رواه الترمذي (2952).

[12] المحرر الوجيز، ابن عطية (1/ 41). ط. دار الكتب العلمية، بيروت.

[13] التحرير والتنوير، ابن عاشور (1/ 17). ط. الدار التونسية للنشر.

[14] الإتقان في علوم القرآن، السيوطي (4/ 243). ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب.

[15] المستصفى، أبو حامد الغزالي (ص: 342) ط. دار الكتب العلمية.

[16] نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، محمد صدّيق حسن خان (ص: 9) ط. دار الكتب العلمية.

[17] فجر الإسلام، أحمد أمين (ص: 228) ط. دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

[18] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول، الشوكاني (2/ 1028) ط. دار الفضيلة. الرياض.

[19] تاريخ التشريع الإسلامي، محمد الخضري (ص: 87). ط. دار الكتب العلمية.

[20] الجامع لأحكام القرآن (1/ 39).

[21] نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، محمد صدّيق حسن خان (ص: 10).

[22] روائع البيان تفسير آيات الأحكام، محمد علي الصابوني (1/ 11). ط. مكتبة الغزالي، دمشق.

[23] المرجع نفسه.

[24] التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي (2/ 321).

الكاتب

الدكتور مولاي عمر بن حماد

أستاذ التعليم العالي بالمغرب، وله عدد من المؤلفات والبحوث العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))