عرض كتاب "مراجعات في الإسرائيليات"
بالرغم مِن كثرة الدراسات في العقود الأخيرة حول مسألة المرويات الإسرائيلية وإيرادها في كتب التفسير؛ إلا أن أكثرها قد خلا –كما لا يخفى على مَن تأمَّلها- مِن العناية بالجانب التطبيقي؛ مِن خلال النظر في واقع تطبيقات المفسِّرين، وآلياتِ تعاملهم مع هذه المرويات، وطُرقِهم في إيرادها ومعالجتها، فكانت النتيجةُ الحكمَ بأحكامٍ مُسبَقة قبل الوُلوج إلى الدراسة، بانتقاد المفسرين في إيرادها انتقادًا مطلقًا، فضلًا عن دعاوى تجريد كتب التفسير منها.
وكان ينبغي لهذه العناية بالجانب التطبيقي أن تكون سابقةً على تقرير الأحكام وإصدارها؛ إذ هذا هو السبيل القويم -بل الأوحد- لمَن أراد أن يؤسِّس أحكامًا صحيحةً، قويمةَ المسلك، سالمةَ البناء، في مسألةٍ توارَد المفسرون مِن السلف فمَن بعدهم على التعاطي معها وإيرادها وتوظيفها في تفاسيرهم.
وقد صَدرت في الآونة الأخيرة عدةُ بحوثٍ ومقالاتٍ كُتِبت في أوقات مختلفة حول هذه القضية، إلا أنها يجمعها جميعًا طرح رؤية منهجية مغايرة تجاه التعامل مع الإسرائيليات من خلال النظر في واقعها التطبيقي في كتب التفسير، ومراجعة الموقف النقدي السائد إزاءها، فاعتنت وحدة أصول التفسير -التابعة لمركز تفسير للدراسات القرآنية- بجَمع هذه البحوث وترتيبها في نَسَقٍ متكامل يتمُّ من خلاله تجلية تلك الرؤية، وأصدرت هذا الجمع تحت عنوان: "مراجعات في الإسرائيليات"، والذي يوحي بالهدف من وراء إصداره، والمتمثِّل في إثارة الحراك البحثي حول موضوع الإسرائيليات، وفتح آفاق رحبة لمناقشتها، وإعادة النظر فيها والدرس لها، كما أشير إليه في مقدمة الكتاب.
وفي هذه المقالة سوف نستعرض هذا الكتاب الذي يباين ما هو مألوف من واقع الكتابات حول موضوع الإسرائيليات، ونتعرف على البحوث التي تضمنها.
بيانات الكتاب ومحتوياته:
كتاب "مراجعات في الإسرائيليات" هو الإصدار رقم (32) من إصدارات مركز تفسير للدراسات القرآنية، والإصدار رقم (9) في الدراسات التأصيلية، من إعداد نخبة من الباحثين، وقد صدرت طبعته الأولى عام 1436هـ الموافق 2015م، في 390 صفحة.
اشتمل الكتاب على تسعة مباحث لخمسة باحثين، بين مقالاتٍ سبق نشرها، أو بحوثٍ محكَّمةٍ، أو مباحثَ مستلَّةٍ من الرسائل الجامعية، وتم تقسيم هذه المباحث على ثلاثة فصول: إضاءات على الطريق، وخطوات في المنهج، وتطبيقات على المنهج.
وبين يدي هذه الفصول تقديم المدير العام لمركز تفسير، ثم مقدمة وحدة أصول التفسير، والتي اعتنت ببيان مسوِّغات إخراج هذه المراجعات المتمثِّلة في مجموعة المواد قيد الكتاب، والإطار العام الضابط لهذا العمل.
الفصل الأول: إضاءات على الطريق:
اشتمل الفصل الأول من المراجعات على ثلاثة مباحث، أصلها مقالات نُشرت في ملتقى أهل التفسير، وهذه المباحث هي:
1- وقفات مع الإسرائيليات في كتب التفسير، د. نايف بن سعيد الزهراني.
2- رأيٌ آخر في الإسرائيليات في كتب التفسير، د. مساعد بن سليمان الطيار.
3- عرضٌ لكتاب "الإسرائيليات في تفسير الطبري" وبيان بعض المآخذ عليه، د. محمد صالح سليمان.
وفيما يلي عرض لهذه المباحث.
المبحث الأول: وقفات مع الإسرائيليات في كتب التفسير:
الكاتب: د. نايف بن سعيد الزهراني.
عدد الصفحات: 13 صفحة.
أصل المبحث: مقالة نُشرت بتاريخ 1/3/1424هـ على ملتقى أهل التفسير.
عرض المبحث: هذا المبحث عبارة عن مقالة مكتوبة في صورة نقاط، جملتها اثنتا عشرة نقطة بعد مقدمات، وقد ذكر الباحث في مطلعها أنها أشبه ما تكون بإجابة على سؤال؛ حتى يتيسر بعدُ إضافةُ الشواهد والاستدلالات مستوفاة في بحثٍ كامل.
بدأ الباحث بتعريف الإسرائيليات بأنها كل ما رُوي عن بني إسرائيل مِن كتبهم أو عن علمائهم، وتكلَّم عن تعميم مصطلح الإسرائيليات عند بعض الباحثين ليكون أعمَّ مما يُذكَر عن اليهود، كأخبار النصارى، أو ما يورَدُ عمَّن يطعنون في الإسلام، أو ما يكون مِن قبيل الموضوعات في التفسير، وتوقَّف مع أثر هذا التعميم في الحكم جملةً على الإسرائيليات بالرَدِّ، وفائدة التفريق بين ما مصدره أخبار بني إسرائيل وما سُمِّي بذلك ممَّا ليس عنهم.
كما تناول شروط الاستشهاد بالإسرائيليات، وبيَّن عدم منهجية مسلك تجريد كتب التفسير من الإسرائيليات بزعم أنها غير مفيدة في التفسير، أو أنها من دسائس أعداء الإسلام التي انطلت على المسلمين.
وتوقَّف وقفاتٍ متنوعة حول البُعد الدعوي في الإذن النبوي في التحديث عن بني إسرائيل، وإسناد الإسرائيليات وفائدته، وأشهر الكتب المؤلفة في الإسرائيليات، وغير ذلك من الوقفات.
المبحث الثاني: رأي آخر في الإسرائيليات في كتب التفسير:
الكاتب: د. مساعد بن سليمان الطيار.
عدد الصفحات: 30 صفحة.
أصل المبحث: مقالة نُشرت بتاريخ 21/2/1424هـ على ملتقى أهل التفسير.
عرض المبحث: صدَّر الباحث بالتقسيم الثلاثي المشهور لأخبار بني إسرائيل: ما علمنا صحته مما بأيدينا ممَّا يشهد له بالصدق، وما علمنا كذبه بما عندنا ممَّا يخالفه، والمسكوت عنه الذي ليس من هذا القبيل ولا ذاك.
ونبَّه في القسم الثاني على أنه قد يقع من بعض الناس ردٌّ لبعض الإسرائيليات بدعوى مخالفة الشرع، ولا يكون ذلك صحيحًا في الحقيقة؛ لأن ما ينسبه إلى الشرع قد لا يكون صحيحًا؛ بل هو رأيٌ عقليٌّ محضٌ وقع فيه شبهة عنده أنه من الشرع، ويظهر هذا جليًّا فيما يتعلق بعصمة الأنبياء؛ إذ معرفة حدود هذه العصمة قد دخله التخريج العقلي بدعوى تنزيه الأنبياء، فظهر بذلك مخالفة ظاهر القرآن.
كما نبَّه على أن ضابط العقل أو الغرابة ليس ممَّا يُتَّفَق عليه، ومثَّل على ذلك بما ورد في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}[الأحزاب: 69]، وما ورد في السُّنَّة من فرار الحجر بثوب موسى –عليه السلام-، فهذا خبرٌ لا تخفى غرابته، وقد لا يحتمل العقلُ تصديقَه، لكن إذا عُلِم أنه خبرٌ مرويٌّ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سُلِّم له، وليس المراد أن يُصوَّب كلُّ خبر مع ما فيه من الغرابة؛ بل بيان أن الغرابة ليست ضابطًا كافيًا في ردِّ مثل هذه الأخبار.
ونبَّه أيضًا على أن رواية السلف للإسرائيلية لا يعني قبولَ كلِّ ما فيها مِن التفاصيل؛ فمرادهم هو بيان مجمل ما ورد في القرآن بمجمل ما ذكر في القصة، دون أن يَلزمَ ذكرَهم لها إيمانُهم بكل ما فيها مِن تفاصيل.
كما وضَّح أن كون الإسرائيليات مصدرًا يستفيد منه المفسر في حال بيان معنى كلام الله لا يعني أن يُقبل كل ما يُفسَّر به هذا من طريق هذا المصدر؛ فالإسرائيليات كالتفسير باللغة، وليس كلُّ ما فُسِّر من جهة اللغة يكون صحيحًا، وكذلك الحال هنا.
وضرب مثالين تطبيقيين للتعامل مع الإسرائيليات: الأول في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}[ص: 34]، والثاني في قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[ص: 21-26]، من خلال عرض بعض المرويات الإسرائيلية فيها، وطريقة المفسرين في التعامل معها، وتحليلها.
ثم ختم المبحث ببعض المسائل المتعلقة بالإسرائيليات، منها: قضية تعليق الأمر بالإسرائيلية دون راويها، فلا يُقال: يُتوقَّف في الخبر لأنه من رواية ابن عباس مثلًا لشهرته بالأخذ عن أهل الكتاب؛ لأن لازم هذا التوقف في كل خبر غيبي يرويه ابن عباس، بل يُنظر في الخبر نفسه: أفيه شبهة الخبر الإسرائيلي أم لا؟ دون أن يكون التعليق على هذا الخبر.
ومن هذه المسائل أيضًا: الموقف من كتب التفسير التي تروي الإسرائيليات، حيث ناقش توجيه النقد إلى كتب التفسير التي تروي الإسرائيليات دون نقدها، حيث إن هذا النقد -إذا تُؤمِّل- لوُجد في حقيقته يعود إلى نقد منهج السلف أنفسهم في التعامل مع الإسرائيليات.
المبحث الثالث: عرض لكتاب (الإسرائيليات في تفسير الطبري)، وبيان بعض المآخذ عليه:
الكاتب: د. محمد صالح محمد سليمان.
عدد الصفحات: 17 صفحة.
أصل المبحث: مقالة نُشر بتاريخ 27/10/1428هـ على ملتقى أهل التفسير.
عرض المبحث: تناولت هذه المقالة كتاب "الإسرائيليات في تفسير الطبري" لمؤلفته د. آمال ربيع بالعرض والمناقشة، وأصل الكتاب رسالة دكتوراه أشرف على طباعتها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وقدَّم لها الدكتور عبد الصبور مرزوق.
استعرض الباحث محتويات الكتاب، وخطة البحث التي انتهجتها مؤلفته، ثم عرض المآخذ العامة عليه، وجملتها ثمان نقاط.
وكان مما أخذه على البحث واعتبره من أهم المآخذ عليه: فكرة البحث الأساسية التي قام عليها، وهي المقارنة بين الآثار الإسرائيلية التي أوردها الطبري والمصادر العبرية التي أوردت هذه الإسرائيليات بهدف التأكيد على انتماء هذه الروايات للأصول الإسرائيلية، وهي نتيجةٌ مقرَّرةٌ سلفًا وغيرُ مختلف فيها، ولم يظهر مخالفٌ ينفي كونها من الإسرائيليات.
ثم إن وقوع النُّفرة والاشمئزاز من لفظ الإسرائيليات جعلها تقع في عدد من المآخذ التي نبَّه عليها الباحث؛ منها: القول بأن القِسم الذي يوافق الشرع من الإسرائيليات لا يجوز أن نُطلق عليه لفظ الإسرائيليات لأنه قد تمَّت أسلمته، ومعلومٌ أن الموافقة لا تُخرِج الخبر عن كونه إسرائيليًّا مصدرًا وأصلًا، كما هو معلوم أيضًا أن أهل الكتاب لم ينل التحريفُ كُلَّ كتبهم، بل فيها ما يوافق شرعنا، ولا يقول أحدٌ أن موافقتها لشرعنا تسلبها وصفها بأنها لبني إسرائيل.
بل أدى ذلك أيضًا إلى ردِّ بعض الأخبار التي جاء الشرع بموافقتها، كما في قصة دخول إبراهيم -عليه السلام- وزوجه سارة مصر، وإرادة ملكِها سوءًا بسارة، وكذلك اسم أبي يونس -عليه السلام-، وكلاهما مما ورد في الشرع موافقته.
ومن المآخذ التي ناقشها الكاتب: التقصير في فهم منهج الإمام الطبري، كوصف تجويز الإمام للأقوال بأنه تردُّدٌ في الحكم، أو ادعاء التناقض الراجع إلى عدم فهم صنيع الطبري، مع التسرع في إصدار الأحكام وإطلاق عبارات ما ينبغي أن تُقال في حق أهل العلم.
الفصل الثاني: خطوات في المنهج:
اشتمل الفصل الثاني من المراجعات مبحثين، كلٌّ منهما بحثٌ علميٌّ محكَّمٌ سبق نشره في إحدى المجلات، وهذا المبحثان هما:
1- الإسرائيليات بين المتقدِّمين والمتأخِّرين، د. شافي بن سلطان العجمي.
2- تفسير القرآن بالإسرائيليات؛ نظرة تقويمية، د. مساعد بن سليمان الطيار.
وفيما يلي عرض لهذين المبحثين.
المبحث الأول: الإسرائيليات بين المتقدِّمين والمتأخِّرين:
الكاتب: د. شافي بن سلطان العجمي.
عدد الصفحات: 71 صفحة.
أصل المبحث: بحث نُشر في مجلة "الشريعة والدراسات الإسلامية" بجامعة الكويت، ضمن العدد 81، جمادى الآخرة 1431هـ.
عرض المبحث: قصد هذا البحث إلى بيان منهج كلٍّ من المتقدمين والمتأخرين في رواية الإسرائيليات، حيث كَثُر النقد عند بعض المتأخرين لهذه الإسرائيليات، حتى كاد أن يكون من المسلَّمات، فعمد الباحث إلى تجلية الفرق بين المنهجين والموازنة بينهما.
وقد انتظم البحث بعد المقدمة في ثلاثة مباحث؛ الأول منها في بيان منهج المتقدمين، والثاني في بيان منهج المتأخرين، والثالث في التعارض والترجيح.
أما المبحث الأول والذي اختص ببيان منهج المتقدِّمين في رواية الإسرائيليات، فقد جعله في خمسة مطالب، تناول في أولها الكلام عن الرواة عن بني إسرائيل وجعلهم على ثلاث طبقات، وتناول بعضهم بالتعريف وذِكر بعض المعلومات حول روايته للإسرائيليات؛ لشهرته وأثر هذه المعلومات على نتائج البحث.
ثم تناول في المطلب الثاني أنواع الرواية عن بني إسرائيل، وقسَّمها من خلال عدة اعتبارات: اعتبار القبول والرد، واعتبار الرواة، واعتبار المضمون، واعتبار موافقة كتب أهل الكتاب.
ثم أفرد المطلب الثالث في ذكر الآيات والأحاديث الواردة في بني إسرائيل، وجعل المطلب الرابع في الكلام عن منهج الصحابة والتابعين في الرواية عن بني إسرائيل، ثم جمع في المطلب الخامس ما تحصَّل لديه من أسباب الرواية عن بني إسرائيل من خلال نظره في المرويات الإسرائيلية وطرق إيرادها لدى المتقدِّمين.
ثم انتقل إلى المبحث الثاني والذي يتناول منهج المتأخِّرين في الإسرائيليات، والمراد بهم كلُّ مَن فسر القرآن ممَّن جاء بعد القرن الثالث، والذين نجد فيمَن قرب عهده منهم بالمتقدمين تقاربًا في المنهج في الاختيار والتعقيب، بينما يختلف حالُ مَن بَعُدَ عهدُهم لا سيما في هذه المائة الأخيرة، فتعرَّض لبعض التفاسير وعرض لمناهج مؤلفيها من الإسرائيليات بدءًا من ابن جرير الطبري، مرورًا بابن عطية، ثم ابن كثير، وختامًا بالآلوسي، ومحمد رشيد رضا.
ثم جعل المبحث الثالث تحت عنوان: التعارض والترجيح بين المؤيدين والمعارضين لرواية الإسرائيليات، فعرض أدلةَ كلٍّ من الفريقين، ثم عقد مناقشةً بين الاتجاهين وعرض أجوبةً على أدلة كل منهما.
وخلص الباحث إلى أن غالب المفسرين المتقدمين لا سيما من الصحابة والتابعين لا بد أن تجد لهم رواية إسرائيلية، وفيهم المستقلُّ والمستكثر، وهذا يشبه الإجماع على جواز ذكرها، كما ذكر أنه عند المناقشة بين القولين تَبيَّن أن فريق الناقدين لإيراد الإسرائيليات يعمِّمون الإسرائيليات المردودة على كل الإسرائيليات، ويُدخِلون في النزاع ما هو خارج عنه أصلًا.
المبحث الثاني: تفسير القرآن بالإسرائيليات؛ نظرة تقويمية:
الكاتب: د. مساعد بن سليمان الطيار.
عدد الصفحات: 89 صفحة.
أصل المبحث: بحث نُشر في مجلة "معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية"، ضمن العدد 14، ذو الحجة 1433هـ.
عرض المبحث: قصد هذا البحث إلى بيان ماهية الإسرائيليات، وعلاقتها بتفسير القرآن، وموقف السلف من تفسير القرآن بها، والموازنة بين هذا الموقف وموقف كثير من المتأخرين والمعاصرين من ذلك، مع النقد والمناقشة وبيان الضوابط المتعلقة بالمسألة.
وقد ذكر الباحث في مُلخَّص البحث أن هذا البحث يُجيب عن أسئلة يمكن صياغتها على النحو الآتي: كيف تعامل الصحابة والتابعون وأتباعهم –وهم أعلم الأمة- مع الإسرائيليات؟ وهل موقف المفسرين من تفسير القرآن بالإسرائيليات متفقٌ عليه؟ وهل ورد في هذه المسألة أدلة شرعية يُستدل بها على الموقف الشرعي منها؟
وقد انتظم البحث في تمهيد، وثلاثة مباحث، وخاتمة.
تناول في التمهيد تعريف الإسرائيليات، وبيان مصدرها، وتاريخ دخولها في تفسير القرآن، وموضوعات الإسرائيليات الواردة في كتب التفسير، واتجاهات المعاصرين في الكتابة عن موضوع الإسرائيليات.
ثم تناول في المبحث الأول: الاستفادة من الإسرائيليات في التفسير بين القبول والرد، فعرض لأدلة القائلين بالمنع، وأدلة القائلين بالجواز، ثم حرَّر محل النزاع وهو الاستفادة من الإسرائيليات في بيان معنى آية أو شيء من مستتبعاته، لا أصل التحديث عن بني إسرائيل فهذا جائز بنص الحديث النبوي، ثم رجَّح جواز الاستشهاد بهذه الإسرائيليات، وبيَّن أوجه هذا الترجيح، ومناقشة أدلة المخالفين، ثم أفرد مطلبًا في أشهر المفسرين المعتنين بنقل الإسرائيليات في تفسير القرآن.
ثم جعل المبحث الثاني في مطلبين: الأول في ضوابط تفسير القرآن بالإسرائيليات، والثاني في مجالات الاستفادة منها في التفسير.
ففي ضوابط التفسير بالإسرائيليات ذكر خمسة ضوابط مستخلصًا لها من كلام الإمام ابن جرير الطبري عند تعليقه على الروايات الواردة في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[البقرة: 36]، وهي: موافقة كتاب الله، وألا يدفع الخبرَ الإسرائيلي خبرٌ عن المعصوم، وأن يكون تفسيرُها موافقًا للغة العرب، وأن يتتابع عليه قولُ الصحابة والتابعين، وأن يكون من الأمور الممكنة لا المستحيلة، ثم عمد إلى تطبيق هذه الضوابط على قصة هاروت وماروت.
ثم في مجالات الاستفادة من الإسرائيليات في تفسير القرآن ذكر أربعة مجالات ممثِّلًا على كلٍّ منها، وهي: تعيين المبهم، وتفصيل المجمل، وتوجيه الآية إلى المعنى المحتمل لها، وسبب القصة الإسرائيلية.
وأفرد مبحثًا لدراسة تطبيقية لمنهج المفسرين في التعامل مع الإسرائيليات، فعرض فيه نماذج لإسرائيليات استُفِيد منها في تفسير القرآن، ونماذج أخرى رُدَّت ولم تُقبل في التفسير، ثم أفرد مطلبًا لتحليل تاريخي لقصة إسرائيلية في كتب التفسير، وهي قصة فتنة داود -عليه السلام- في سورة ص؛ حيث عرض إحدى روايات هذه القصة، ثم عرض مسردًا تاريخيًّا بأقوال المفسرين في القصة في جدول اشتمل على ثلاثة وأربعين مفسرًا آخرهم ابن كثير، ثم عرض بعض أقوال المعاصرين في القصة، وقام بتحليل ما نقله، واستخلص منه بعض النتائج في محل اتفاق المتقدمين ومحل اختلافهم، وأول انتقاد صريح للقصة، وتتبُّع التغيير الذي وقع في القصة تاريخيًّا.
الفصل الثالث: تطبيقات على المنهج:
اشتمل هذا الفصل من المراجعات على أربعة مباحث:
1- منهج ابن جرير في الاستدلال بالروايات الإسرائيلية على المعاني، د. نايف بن سعيد الزهراني.
2- المعالم الكلية لنقد الإسرائيليات عند ابن عطية؛ نظرة وصفية، د. محمد صالح محمد سليمان.
3- نموذج تحليلي لآلية نقد الإسرائيليات عند ابن عطية، د. محمد صالح محمد سليمان.
4- نموذج تطبيقي على الإسرائيليات في تفسير ابن كثير، أ. محمد بن حامد العبادي.
وفيما يلي عرض لهذه المباحث.
المبحث الأول: منهج ابن جرير في الاستدلال بالروايات الإسرائيلية على المعاني:
الكاتب: د. نايف بن سعيد الزهراني.
عدد الصفحات: 56 صفحة.
أصل المبحث: مُستَلٌّ من رسالة الدكتوراه: "منهج ابن جرير الطبري في الاستدلال على المعاني في التفسير".
عرض المبحث: اشتمل هذا المبحث على أربعة مطالب حول منهج ابن جرير الطبري في الاستدلال بالروايات الإسرائيلية على المعاني، وهي: مفهوم هذا الاستدلال، وحجيته، وأوجهه، وضوابطه.
أما مفهوم الاستدلال بالإسرائيليات على المعاني فذكر أن المراد به: "إقامة الإسرائيليات دليلًا لتصحيح المعاني وقبولها، أو إبطالها وردها" أو: "الإبانة بالإسرائيليات عن صحة المعاني وبطلانها"، وذكر أمثلة على كلٍّ مِن صحة المعاني وبطلانها عند ابن جرير الطبري في تفسيره.
وأما حجية الاستدلال بالإسرائيليات على المعاني فذكر عدة صور مِن عناية الشريعة بهذا النوع من الأخبار، وبيَّن أثر ذلك في عناية السلف بمنهج الاستدلال بالإسرائيليات في التفسير أكثر من غيرها من الأخبار، ثم مَن سار على هديهم مِن المحقِّقين في علم التفسير.
ثم في مطلب أوجه الاستدلال بالروايات الإسرائيلية على المعاني ذكر أن ابن جرير يُورِد دليلَ الإسرائيليات مبينًا به المعنى في ثلاث صور: التصريح بالاستدلال بالإسرائيليات، وذِكر الإسرائيليات مباشرةً على سبيل التدليل، وإيراد الإسرائيليات على سبيل التعليل لقبول المعنى وردِّه، ومثَّل لكل واحدة منها مِن كلامه -رحمه الله-.
ويأتي المطلب الأخير في ضوابط الاستدلال بالروايات الإسرائيلية على المعاني ومسائله عند ابن جرير؛ حيث ذكر فيها أربعة عشر ضابطًا ومسألة كاشفة عن عدة جوانب في طريقة ابن جرير في الاستدلال بالإسرائيليات، وأسلوبه في إيرادها، وشروطه في الاستدلال بها، وطريقته في توكيدها بغيرها كإجماع أهل التأويل أو أخبار السلف أو ظاهر القرآن، وأغراضها لديه، إلى غير ذلك من المسائل التي يستعرضها مع التمثيل لكلٍّ منها من كلام ابن جرير.
المبحث الثاني: المعالم الكلية لنقد الإسرائيليات عند ابن عطية؛ نظرة وصفية:
الكاتب: د. محمد صالح محمد سليمان.
عدد الصفحات: 26 صفحة.
أصل المبحث: مُستَلٌّ من رسالة الدكتوراه: "النقد في التفسير عند الإمام ابن عطية الأندلسي".
عرض المبحث: يتناول هذا المبحث المعالم الكلية للمنهج النقدي للأخبار والإسرائيليات عند الإمام ابن عطية من خلال التتبُّع لمواطن هذه الأخبار في تفسيره، وقد عرضها الباحث في إحدى عشرة نقطة، يوضِّح كلَّ واحدة منها مع التمثيل لها.
فمن هذه النقاط: انتقاد ما لم يثبت سنده لناقله، والمراد بذلك الناقل من الصحابة أو غيرهم، أما المنقول نفسه فلا يؤثِّر فيه ثبوت الإسناد لقائله أو عدم ثبوته؛ لكون المقياس الذي يُحكَم به عليه هو موافقة المنقول للشرع أو عدم موافقته، لا الإسناد، فالمتأمِّل في صنيعه يلحظ أن ضعف بعض أسانيد الإسرائيليات لم يكن مانعًا له مِن الاستفادة منها أو مِن بعض ما اشتملت عليه، وأنه يُفرَّق بين ضعف السند وضعف المعنى.
وكذلك مِن هذه المعالم: انتقاده ما خالف القرآن والسنة، أو خالف الإجماع، أو منطق العقل، والواقع المشاهد، ومثَّل الباحث لكلٍّ منها بأمثلة من تفسيره.
ومن أهم هذه المعالم: ذِكر ابن عطية للاختلاف بين الروايات والقصص، ومسلكه في توجيهها، وطريقته في الترجيح بين الروايات والقصص، وتوقُّفه أحيانًا في ذلك.
وكذلك من هذه المعالم: اختصاره لكثير من القصص والأخبار المروية، وذلك لأسباب ظهرت للباحث، منها: حذف ما لا تمس الحاجة إليه في تفسير الآية وترك ما سواه، أو الاختصار لقلة الثبوت وتعذُّر الصحة، أو اقتصاره على أصح الروايات الموافقة لما تقتضيه ألفاظ الآية، أو اختصاره ما كان محتملًا للصدق والكذب، أو ما فيه بعد وغرابة، أو ما كانت الآية غير دالة عليه لا تضمُّنًا ولا لزومًا.
المبحث الثالث: نموذج تحليلي لآلية نقد الإسرائيليات عند ابن عطية:
الكاتب: د. محمد صالح محمد سليمان.
عدد الصفحات: 26 صفحة.
عرض المبحث: عمد الباحث في هذا النموذج إلى تحليل العقلية النقدية عند ابن عطية، من خلال معالجته للمرويات الإسرائيلية الواردة في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} إلى قوله: {فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 75-78].
اعتنى الباحث برصد النقد وكيفيته ومراقبة خَطوِه؛ بُغيةَ الوصول إلى كيفية صناعة ابن عطية للنقد، واستخلاص الإرشادات اللازمة لعملية النقد؛ لتكون نبراسًا يُقتدى ونموذجًا يُحتذى.
فبدأ بنقل كلام ابن عطية بنصِّه، ثم قام بعرض تحليلي لصنيع ابن عطية، وذِكر الاستفسارات حوله، والتنبيه على الدروس العملية فيه، ثم أخذ في بيان الإجراءات والخطوات النقدية التي سلكها ابن عطية وتجليتها، وختم بخلاصة دراسة النموذج ببيان الإرشادات النقدية المستفادة منه.
وقد ظهر في هذا النموذج بوضوح استفادةُ ابن عطية من تلك المرويات، وأنَّ له نظرةً نقديَّةً انتقائيَّةً حيالها لا تصل إلى الاعتماد الكليِّ عليها، ولا إلى الإهمال التامِّ لها؛ بل هي نظرة تقوم على إهمال كل ما لا يخصُّ الآية، مما قد يكون اللائقُ عدمَ التطويل بنقله، واختصارَ كتابته وذكره، وقد يحتاج لنقل القصة الطويلة وهو لا يريد سوى جزءٍ يسيرٍ منها له ارتباط بالآيات، كما ظهر أيضًا اعتناؤه ببيان ضعف الارتباط بين الآيات والخبر المنقول إن كان كذلك، مع ذكر عِلَّة تضعيفه، إلى غير ذلك من الإجراءات التي اجتهد الباحث في بيانها، واستخلاص الإرشادات منها.
المبحث الثالث: نموذج تطبيقي على الإسرائيليات في تفسير ابن كثير:
الكاتب: أ. محمد بن حامد العبادي.
عدد الصفحات: 14 صفحة.
عرض المبحث: عمد الباحث إلى نموذج من تفسير ابن كثير يتجلَّى منه جانبٌ مهمٌّ في رواية الإسرائيليات في التفسير، ويضيف وجهًا معتبرًا لإيرادها حتى عند مَن كان منهجه التحرُّز منها، وهو كلام الحافظ ابن كثير حول الخبر الذي ساقه في تفسير قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}[سبأ:54].
وقد ذَكر أن عددًا من الباحثين قد تناول موقف ابن كثير من الإسرائيليات، وكان في تناولهم له إجمالٌ شديدٌ، يقتصر في أكثره على ما انتقده مِن هذه الروايات سندًا أو متنًا، أو الوصف المُجمَل بأنَّ منهجه هو الحذر والتجافي عن رواية الإسرائيليات، ولكن الناظر المدقِّق في صنيعه يجد أنه وإن كان ممن ينتقد الإسرائيليات في مواضع عديدة؛ إلا أنه يوردها كثيرًا، ويُفيد منها، بل يُفيد مما ينتقده منها، وهذا يؤكد أهمية الوقوف مع صنيعه تحليلًا ودراسة.
قام المبحث على الوصف والتبيين أولًا لمعاقد كلام ابن كثير، ثم الوقوف على ما يُبيِّن منهجه في رواية هذا الخبر، واستنباط عِلَل هذا المنهج ومرتكزاته من خلال سياق حديثه وطريقته في التعليق، وقد ظهر في هذا النموذج كيف انتقد ابنُ كثير الخبرَ قبل إيراده وبعده، ثم إفادته منه في إمكان تنزيل معنى الآية على مُجمَل الخبر، مما يُبيِّن معيار قبول الإسرائيليات، وأنه ليس مجرد صحة السند أو ثبوت الخبر، وكذلك فإن عدم ثبوت الخبر أو وجود منكرات تُحِيلها العقول في مضمونه وتفاصيله لا يمنع الإفادة من مجمله، ولا يترتب على نكارة مضمونه انتفاء كل علاقة بين الآية والخبر.
خاتمة:
في ضوء العرض السابق نلحظ أن كتاب "مراجعات في الإسرائيليات" قد حوى مجموعة مهمة من البحوث والمقالات التي تقدم طرحًا مغايرًا في مسألة الإسرائيليات، مما لا نجد له نظيرًا في الكتابات المعاصرة حول هذه المسألة المثيرة للجدل.
إلا أنه ومع ذلك فإن المتأمل للكتاب يلحظ بعض الأمور، منها: عدم انسجام الكتاب والراجع إلى كونه جمعًا لموادَّ مكتوبةٍ سلفًا، وكذلك وقوع التكرار في كثير من المواضع لذات السبب، كما يلحظ اختلاف المنطلقات البحثية والمنهجية في النظر للمسألة بين بعض البحوث والمقالات، وصدور أغلبها عن مقرَّرات ومسلَّمات نظرية مشتَهِرة حول المسألة حتى لو كانت محلَّ اتفاق -في الجملة- مع الفريق الآخر؛ فإن هذه المقرَّرات كان من المفترض أن تكون موضع بحث ونظر، لا قبول وتسليم منهجي، إلى غير ذلك من الملحوظات التي يمكن الوقوف عليها عند التأمُّل.
ولا شكَّ أن هذا الطرح المتنوع لم يُقصَد به إنهاء البحث في المسألة من خلال هذه الرؤية المغايرة للسائد في العقود الأخيرة في غالب الدراسات، لكنه يُلقي حجرًا في الماء الراكد، ويشقُّ دربًا لمواصلة البحث على بصيرةٍ في موضوع كاد أن يكون بحثه من المسلَّمات، رغم حاجته إلى إعادة النظر المنهجي والدرس المؤصَّل، والذي هو السبيل القويم لبناء العلوم بناء صحيحًا، واستخلاص منهجياتها بصورة علمية مرضية.