مقدمة:
نستكمل في هذا الجزء الثاني حوارنا مع الأستاذ/ محمد كنفودي حول القراءات الحداثية للقرآن، وبعد أن تناول الحديث في الجزء الأول[1] من هذا الحوار مسائل تحديد مفهوم الدراسات الحداثية والمحدّدات الرئيسة لهذه القراءة وأسباب نشأتها وبنائها المنهجي ورهاناتها، وعلاقتها بالتراث التفسيري وببعضها بعضًا، أي: ما يتعلق بالبناء النظري والمنهجي لهذه القراءات. يتناول هذا الجزء نتاج هذه الدراسة، أو بمعنى أدقّ، بعضًا من القضايا المهمّة التي أثارها اشتغال هذه القراءات على النصّ القرآني؛ مثل قضية التاريخية وكيفية قراءة القصص القرآني وعلاقته بالتاريخ، وقيمة وحدة النصّ القرآني وتماسكه البنيوي. وهي قضايا لها أهميتها على ساحة الدرس القرآني، وتعدُّ من أهم تلك المساحات التي يتّصل بها المنتج الحداثي حول القرآن.
وفيما يلي نص الحوار:
نص الحوار
المحور الثاني: قضايا مهمّة منبثقة عن الاشتغال الحداثي على القرآن:
س1: هناك قضايا معيَّنة يثيرها الاشتغال الحداثي على النصّ القرآني؛ مثل قضية التاريخية (تاريخية النصّ). ما الدلالة الدقيقة لهذا المفهوم والمحدّد المنهجي في القراءة؟ وهل يوجد بنفس الدلالة في القراءات الحداثية على اختلافها؟ وهل يطبق بنفس الحدود والاتساع أم يختلف من سياق لآخر؟
أ/ محمد كنفودي:
اصطلاح (تاريخية النصّ القرآني) يعدُّ من أهمّ ما أثارته وتثيره (القراءات الحداثية للقرآن)؛ توسلًا به باعتباره المدخل المناسب للفهم الموضوعي، ذلك أنّ النصّ القرآني كما هو عند الغلاة منهم (نصّ تاريخي)، ليس بمعنى أنه أُنزل تنجيمًا طيلة مدة ثلاث وعشرين سنة في أماكن معلومة، وإنما المعنى المقصود نصًّا في رحاب نصوص (القراءات الحداثية) قائم على اعتبار (العلاقة الجدلية الحتمية بين الواقع والنصّ)؛ فالنصّ القرآني ما هو إلا انعكاس تاريخي محايث لزمكان معيَّن وليس متعاليًا، فيكون النصّ القرآني بالتبع من جنس مختلف النصوص التاريخية، بشرية كانت أو منزلة في الأصل. إلّا أنّ هذا التحديد المغالَى فيه في حقيقة الأمر، لا يأخذ به -اتفاقًا- كلّ أهل (القراءات الحداثية للقرآن) بتلك الصورة الكلية والحدّة الصارمة، باستثناء محمد أركون، وإنما يختلفون في ذلك؛ إنْ على المستوى التنظيري أو على المستوى التنزيلي. لتوضيح الأمر نقدم ما يلي من الدلائل:
أولًا: ينصّ محمد أركون على أنّ القراءة الصحيحة للقرآن، بوصفه (مجموعة من العبارات الشفهية التي كان يتلفظ بها الرسول -عليه السلام- زمن النزول في ضوء حيثيات لفت الخطاب وإنْ لم تُنْقَل إلينا بحذافيرها)، هي القراءة التي سماها بـ(التزامنية التاريخية) التي تتعامل مع آيات القرآن إفرادًا وتركيبًا على مستوى تحديد المعنى، طبقًا لما كان سائدًا زمن النزول، قَصْد التمهيد للوصول للمعنى (الأوليّ والأصلي للخطاب)، فهي قراءة تتموضع في (زمن نزول) القرآن في شبه الجزيرة العربية؛ لأن الخطاب القرآني ارتبط بزمانٍ محدّد وبنظامٍ معرفي معيَّن بشكلٍ جدلي. فمثلًا كلمة (مؤمن) تتحدّد دلالتها في ضوء (القراءة التزامنية التاريخية) بضمان (الأمان بالمعنى السياسي والاجتماعي القَبَلي)، ولا علاقة لها بما سيحدث بعد ذلك في علم اللاهوت الإسلامي. بناء على هذا، حدّد المتن الأركوني جملة من الصفات لهذا الخطاب القرآني، نحو أنه: (خطاب ذو بنية صراعية)، (خطاب ذو بنية سردية)، (خطاب ذو بنية جدلية ديناميكية)، (خطاب ذو بنية انقلابية ثورية). فمفهوم (التاريخية التزامنية) في هذا السياق قائم على الاجتهاد في سبيل الكشف عن (المنشأ التاريخي للنصوص والمفاهيم والتصورات)، ما دام (أن لكلّ شيء تاريخية)، اعتمادًا على جمع الوثائق والوقائع الحاصلة بالفعل، مكتوبة كانت أو شفهية أو غيرها. وهذا المنهج يتيح حسب محمد أركون (أن نبقى دومًا في التساؤل النقدي)، ومن أهم السور القرآنية التي اعتبرها محمد أركون تعكس (تاريخية النص القرآني) بمختلف مفاهيمها ودلالاتها، سورة التوبة[2].
ثانيًا: يرى محمد عابد الجابري أنّ من أهمّ الضوابط المنهجية في (قراءة القرآن بعيدًا عن التوظيف الأيديولوجي والاستغلال الظرفي الدعوي) أنْ يتمَّ النظر في القرآن (تعبيرًا وزمانًا ومكانًا)؛ لذا نَصَّ على ضرورة مراعاة (المعهود الكلامي والتعبيري وكذا الثقافي والحضاري للعرب زمن النزول) في قراءة النصّ القرآني، لرفع (كثير من التأويلات التي شغلت اهتمام المفسرين قديمًا وحديثًا)، بناء عليه حدّد الجابري دلالة مفهوم (المحكم) و(المتشابه) بوصفهما يعكسان الاختلاف بين المعهود المعرفي العالم والعامّي يومئذ بين الناس. إنّ مفهوم (تاريخية النصّ القرآني)، لا تقتصر على (فهم كيف أنّ القرآن والنبي -عليه الصلاة والسلام- كانا مرتبطين ببعض أشكال التطور الاجتماعي، بل إنّ الصعوبة تتحدّد في فهمِ لماذا لا يزالان يولِّدان فينا متعةً فنيةً/بلاغيةً، ويحتفظان بقيمتهما من بعض الوجوه، كمعيار ونموذج لا مثيل له). هذا الجانب المفارق في النصّ القرآني بالنظر إلى الارتباط بواقع زمن النزول، سيتقلص كثيرًا ليكون مصدرًا لأخذ العِبَر فقط. من هذا الحيث، جاء الاجتهاد الجابري في سبيل إعادة ترتيب آيات النصّ القرآني وفق (مسار التكوُّن والتكوين)، اتساقًا بين القرآن وأحداث السيرة؛ بناء على هذا نرى محمد عابد الجابري يكثر من ذِكر التمييز الآتي في النصّ القرآني بصيغ عديدة، وهو (مجال التاريخي والنسبي في القرآن، والمطلق اللازمي فيه)[3].
ثالثًا: مفهوم (التاريخية) في (القراءة المعاصرة) لمحمد شحرور كثيرة متعلقاتها؛ فمنها ما سماه بـ(تاريخية القصص القرآني) عمومًا، و(القصص المحمدي) خصوصًا، إِذْ يكون (حصرًا) مصدرًا لأخذ (العبر)[4]. ومنها تاريخية بعض آيات نصّ الوحي المنزل؛ كآية الحجاب في سورة الأحزاب [59]، إِذْ هي من الآيات التي سماها محمد شحرور بـ(الآيات التعليمية) التي خوطب بها النبي -عليه السلام- في المصحف، والتي (لا تشريع فيها)[5].
رابعًا: إنّ منهج (التأريخ) في نظر طه عبد الرحمن، لا يهدف إلى (محو الحُكمية) القائمة على أنّ (القرآن جاء بأحكام ثابتة وأزلية)، توسلًا بـ(وصل الآيات بظروف بيئتها وزمنها وسياقاتها المختلفة)، اعتمادًا على مجموعة من المعابر المنهجية تراثية كانت أو غيرها، وإنما تسعى لـ(ترسيخ الأخلاق)، والقاضية بـ(إلغاء كلّ حُكمية في غير موضعها) بدءًا من (الحكمية الجامدة التي تضر ببعض القيم الإنسانية الأساسية). فيكون بالتّبع (خطة التأريخ المبدع) في القراءة الحداثية الطهائية التأريخية، عبارة عن (وصل الآيات القرآنية بظروف بيئتها وزمنها وسياقاتها المختلفة، ترسيخًا للأخلاق)، سعيًا لتثبيت ما سماه بـ(مبدأ الاعتبار) القائم على أن (الأحداث التاريخية التي تذكرها الآيات القرآنية ليست مجرد وقائع منضبطة بأسباب موضوعية، وإنما وقائع موجهة لتحقيق قيم ومقاصد مخصوصة؛ بحيث تنزل تلك الوقائع منزلة علامات كونية). من هذا الحيث، تبطل (المماثلة التاريخية) التي أقامتها (خطة التأريخ المقلدة) بين النصّ القرآني ومطلق ما عداه؛ إذ النصّ القرآني بوصفه خاتمًا، فراهنيته دائمة، لا يرتبط جدليًّا بزمكان أو معهود النزول[6].
س2: كذلك يثير الاشتغال الحداثي (قضية وحدة النصّ القرآني)، وجود مفاهيم ناظمة له ومقاصد عليا هي التي تؤسّس لفهم معظم مساحاته، ودومًا يتم إدانة التراث التفسيري لعدم وضوح هذه الوحدة كمبدأ منهجي في التفسير. ما رأيكم -مبدئيًّا- في هذه الإدانة؟ وهل نستطيع القول أنّ هذه القراءات استطاعت بلورة منهجيات واضحة من أجل استكشاف هذه الوحدة؟
أ/ محمد كنفودي:
من المعلوم لمن دقّق وحقّق النظر في نصوص (التراث التأسيسي)، يجد أنه أشبع القول في موضوع (وحدة النصّ القرآني)، استدلالًا وتعليلًا، ومن ذلك أنه تم التنصيص على أن آيات النصّ القرآني رُتِّبَت ترتيبًا (توقيفيًّا) لا دَخْل فيه للاجتهاد البشري، خصوصًا أثناء (التدوين الأصلي) في العهد النبوي، فضلًا عن (التدوين التقني) اللاحق في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعبد الملك بن مروان وغيرهم. وقد تم على المستوى المنهجي لاحقًا ما سُمي في التراث بـ(علم المناسبة)، وهو نظر اجتهادي قائم على البحث في وجوه الصلة والربط بين آيات القرآن الحكيم داخل المصحف الشريف؛ سواء تمّ التأليف فيه بصورة خاصة أو عامة. وكتُب علوم القرآن تحديدًا قد أفاضت القول في هذه الوحدة؛ لذا فإن وصف أهل التراث بعدم العناية والاهتمام بـ(وحدة النصّ القرآني) لا يصح منهجيًّا، بغضّ النظر عن جزئيات الاختلاف الحاصلة.
والناظر في الفكر الإسلامي المعاصر، يجد أنّ ممّن اشتغل على تيمة (إعادة ترتيب وحدة النصّ القرآني) أهل (القراءات الحداثية للقرآن) بصورة كلية، على غير ما هو معهود، بغضّ النظر عن تحقّق ذلك أو الإصابة فيه؛ تجد محمد أركون ومحمد عابد الجابري أساسًا، أما محمد شحرور فكان له اجتهاد آخر يتعلق حصرًا بموضوع (القراءات القرآنية) بالمعنى التراثي. وأما اشتغال أبي يعرب المرزوقي فقد انصبّ على أمرين: بيان صحة وسلامة وحدة الترتيب القرآني المعهود، فضلًا عن استشراف المآلات الوخيمة للدعوة إلى إعادة الترتيب من جديد.
ولبيان بعض وجوه النظر في المسألة من منظور أهل القراءات الحداثية، نورد التصورات الآتية:
أولًا: يقوم اجتهاد محمد أركون في النظر إلى (وحدة النصّ القرآني) على ضرورة (هدم وتدمير) المسلَّمة التراثية القائمة على (أن ما تم جمعه في المصحف صحيح صحة مطلقة)، كما يقتضي المبدأ المؤطّر للاجتهاد الأركوني، وهو (النقد والشك في كلّ شيء)، الأمر الذي جعله يميز في القرآن -نظير نصر حامد أبو زيد وغيرهما- بين (النصّ المكتوب) و(الخطاب الشفهي)، والانتقال القرآني من (الخطاب) إلى (النصّ) صحبه جزء من مادة القرآن، أو (ما فُقِدَ أثناء الطريق). وقد تضاربت تحديدات محمد أركون بشأن تحديد زمن الانتقال: مرّة يحددها بالزمن النبوي، وتارة ثانية بعد وفاة الرسول -عليه السلام-، وتارة ثالثة في زمن خلافة عثمان، وتارة رابعة أن ذلك تحقق في القرن الرابع الهجري. والقصد الأركوني من وراء التمييز بين (الخطاب) و(النصّ) في القرآن يرجع أساسًا إلى اختلاف نِسب الدلالات وتنوعها، وبقي قوله في الباب لا يتجاوز حدّ الدعوى. درءًا لإشكال (نفي القداسة) أو (صفة الوحي) عن النصّ القرآني، أكّد محمد أركون على ضرورة التمييز بين (الصحة الإلهية) للقرآن و(الصحة التاريخية)؛ لذا كانت من أهم خصائص بنية النصّ القرآني من المنظور الأركوني أنه (بنية غير متجانسة). ومردّ (اللا انسجام في بنية النصّ القرآني) -علاوة على ما سبق- أنه «غير خاضع لأيّ ترتيب زمني حقيقي، ولا لأيّ اعتبار منطقي؛ لذلك فإنّ ترتيبه يدهشنا بفوضاه»، وما يوجد بين نصوصه مجرد «تجاور نصّي قسري». وقد اتخذ محمد أركون من إعادة قراءة سورة الكهف دليلًا لإثبات دعواه القائمة على حصول التلاعب بمادة القرآن اللغوية زيادةً ونقصانًا، من خلال آية [25] من سورة الكهف: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}، خصوصًا التعبير بـ(سنين) بدل (سنة)، يجعلنا كما نقول: «نفترض العديد من الفرضيات حول شروط وظروف تثبيت الخطاب القرآني نصًّا»[7].
ثانيًا: يتحدّد اجتهاد محمد عابد الجابري أساسًا بالسعي في سبيل (إعادة ترتيب آيات النصّ القرآني وفق تسلسل النزول) اعتمادًا على (مرويات أسباب النزول)، فضلًا عن الاعتماد على بعض الاجتهادات التي رجحها الجابري، خصوصًا من قارة التفسير التراثي، وأحيانًا اجتهادات خاصّة به. ذلك أن ترتيب آيات القرآن في المصحف يجعلنا نكوّن عن القرآن فهمًا مقلوبًا. و(إعادة ترتيب آيات القرآن وفق تسلسل النزول) بالتوسل بـ(مرويات أسباب النزول) يفيد -كما ينصّ الجابري- في (الكشف عن المعنى الموضوعي لآيات النصّ القرآني)، ويتسنى من خلالها (وضع الآيات القرآنية بالتساوق مع مسار الدعوة والسيرة النبوية)، ومن خلالها يتم (الكشف عن المعهود الثقافي العربي الذي نزل القرآن على وفقه). إلّا أن ما وقف سدًّا منيعًا أمام الدعوى الجابرية على مستوى التحقيق هو أن كثيرًا من (مرويات أسباب النزول) بقدر كونها (غير صحيحة)، بل موضوعة، فهي قائمة على (مجرد التخمين) إن صحت، فضلًا عن أن الكثير من الآيات أنزل لغير سبب اقتضى النزول، الأمر الذي جعل الجابري يعوّل على أمر الاجتهاد القائم على التخمين[8].
ثالثًا: اجتهاد أبي يعرب المرزوقي في مسألة (وحدة النصّ القرآني) صالحة للاستدلال على فساد مختلف الدعاوى القائمة على (إعادة ترتيب آيات القرآن)، بعموم مسالكها ومعابرها المنهجية، للوصول إلى التشكيك في سلامة واكتمال النصّ القرآني، إذ اعتبر أن مختلف (المرويات) المعتمدة من قبل (أهل التشكيك) هي في الأصل روايات تراثية، إلّا أنهم وظفوها لأغراض أخرى من باب التأويل التعسفي، وأن كلّ ما يعول عليه من قبلهم لا يصل درجة (اليقين) للطعن في موثوقية النصّ القرآني؛ لقيامها على مجرد (التخمين)، لا (الدليل المادي أو العلمي القاطع)، وأنّ كلّ ما يعول عليه من قبلهم يرجع في حقيقة الأمر إلى البدايات الأولى لتأسيس عدّة الكتابة منهجيًّا؛ لذلك فإن النظر العقلي الموضوعي في المسألة يُفضي إلى القول بسلامة النصّ القرآني، عكس ما يروج له من قبل أهل التشكيك؛ بالنظر إلى تنبيه القرآن إلى ما وقع فيه أهل الكتاب بسبب التحريف، و(التنبيه) هنا في منزلة (الأمر) حفظًا وحفاظًا على النصّ القرآني من التحريف. دعوة القرآن الصريحة إلى تدوين المعاملات في عقود مكتوبة، والقرآن أجدر أن يُؤمر بتدوينه -عليه السلام-. لا معنى للنهي النبوي عن تدوين السنة إذا لم يكن تدوين القرآن مما جرى به العمل، ولا معنى لتسمية القرآن (كتابًا) إذا لم يكن مكتوبًا في نصّ يرجع إليه درءًا للنزاع والخلاف. وعليه فإنّ أهل التشكيك في سلامة وصحة النصّ القرآني لا تقوم مزاعمهم على دليل معتبر في المسألة، فالإيمان بتنزيه الوحي القرآني بقدر ما له من منطلق إيماني يقوم أيضًا على قواعد علمية مقطوع بها[9].
س3: في قضية القصص القرآني، وهي من أهم مساحات الاشتغال الحداثي على القرآن، إنْ لم تكن الأهم على الإطلاق. هل نستطيع الحديث عن وجود معالم عامّة وأُطُـر منهجية للتعامل الحداثي مع القصة القرآنية تشترك فيها القراءات الحداثية؟
أ/ محمد كنفودي:
مختلف (القراءات الحداثية للقرآن) قد شمل نظر أصحابها إعادة النظر في تيمة (القصص القرآني) باعتباره من آياته، بل هي الجزء الأعظم منه بحسب التصنيف السائد لآيات نصّ القرآن، فيكون بالتّبع القاسم المشترك بينهم هو ضرورة تجديد النظر في بعض (آيات القصص القرآني)، بالنظر إلى ما اكتنف منهج النظر التفسيري التراثي من أعطاب ومزالق، وأنظار منهجية ومعرفية لم تسلم من النقد والاعتراض. أما زاوية النظر والعدّة المنهجية له والنتائج المتحققة من وراء ذلك تحديدًا وتوصيفًا، فهو يختلف من قارئ لآخر، ولبيان بعض وجوه هذا الأمر، نوضحه بما يأتي:
أولًا: توسُّل محمد أركون بإعادة قراءة القصص القرآني تحكّمَت فيه مجموعةٌ من النواظم المنهجية والمعرفية، من أهمها: التنصيص على أن (القصص القرآني) يُعَدُّ من (النماذج التعبيرية الميثية-الأسطورية الرائعة)، المتحدّدة دلاليًّا بكونها تدلّ على (البُعد المثالي الخيالي الجميل الخلاق المدهش، الذي يعمر الأذهان ويشكّل المخيال الجماعي المليء بالصور الزاهية عن فترة معيّنة كفترة الرسول -عليه الصلاة والسلام-) فتكون بالتبع (القصة القرآنية هي الشكل النموذجي والأمثل للتعبير الأسطوري). ولا يقتصر هذا الوصف الأركوني على القصص القرآني المتعلق بالأولين، وإنما يشمل أيضًا القصص القرآني المتعلق بالمستقبل، أو قُل: بالغيب المستقبلي. وقد مثّل محمد أركون لذلك بـ(قصة أهل الكهف) في سورة الكهف، فضلًا عن ذلك اعتبر محمد أركون أنّ المنهج المعتمد من قِبَل التفسير الموروث تخللته أعطاب منهجية ومعرفية عديدة، من ذلك المغالاة في (النزعة الواقعية)؛ ذلك أنّ أهل التفسير التراثي فسروا القصص القرآني بوصفه (حالات معاشة حقيقة، ولم يفسّروها بصفتها مقاطع سردية)، لانخداعهم بجملة الأرقام الواردة في قصة أهل الكهف مثلًا، فضلًا عن ولعهم بما سماه بـ(الحكايات التأطيرية). ونظرًا لكون (القصص القرآني أسطوري) فإنّه بالتبع يقوم ويرتكز أساسًا على الجانب (العاطفي الخيالي)، وليس على الأخبار المطابقة لحقيقة الأمر نفسها، فقد نشأ في أحضان التفسير الموروث عقل غارق في (الأوهام) و(الخرافات) و(الأساطير)[10].
ثانيًا: إعادة محمد عابد الجابري للنظر في آيات القصص القرآني كان من أجلِ وضعِ معالم منهج لقراءته، إِذْ أكّد على أنه يقوم على المرتكزات الآتية: فهم القصص القرآني رهين مراعاة ترتيب النزول للقرآن، إِذْ مراعاة هذا المنهج يجعلنا نأخذ بعين الاعتبار (مسار الدعوة ومسار تكون القرآن بالتساوق)؛ بمعنى أن تتمّ قراءة القرآن بالسيرة، وقراءة السيرة بالقرآن. ضرورة التوسّل والاعتماد على التوراة والإنجيل، بالنظر إلى أنّ الحقيقة القرآنية التاريخية واحدة في مجال المقدّس، أمّا (مجال الإبداع والأصالة في القصص القرآني فراجع إلى طريقة العرض فقط). الابتعاد عن قراءة القصص القرآني بمنهج قراءة أدب القصة الأدبية في المرحلة المعاصرة. التجرد عن مطلق التأويلات المذهبية والأيديولوجية. الاقتصار على المادة التي يقدمها القرآن عن القصص والأخبار. الازدواج في النظر إلى القصص القرآني بين النظر التاريخي واستلهام العِبَر. قراءة محمد عابد الجابري لآيات سورة النازعات [6-14] على سبيل التطبيق، قرّر من خلالها جملة أمور، منها: أنّ كلّ ما خالف المعهود العربي الثقافي والحضاري في القرآن وجب تأويله؛ بناء عليه فإذا كان الإنسان العربي لا يؤمن بـ(عذاب القبر)، فإنه لا وجود لما يشهد له في القرآن. وإنّ الإنسان العربي إذا كان لا يقرّ بالوجود المادي في العالم الأخروي، فإن البعث يكون بالتبع روحيًّا لا ماديًّا[11].
ثالثًا: تناوُل أبي يعرب المرزوقي للقصص القرآني سيق مساق تأسيس مجموعة من الضوابط المنهجية في النظر إلى (القصص القرآني)، من أهمها: اعتبر نصوص القصص القرآني من جنس النصوص التشريعية الحُكمية، بالنظر إلى كون (القصص القرآني يشرع بالقصد التبعي في حال كونه يخبر). القصص القرآني يؤسّس للصور الكلية المتعالية، ولا يرتهن بالجزئيات التاريخية العابرة أو المحايثة. تأسيس منهج التأويل القائم على ناظم (معنى المعنى) بالتحديد الجرجاني، إذ القصة وإن كانت في ظاهرها حاملة للمعنى إلا أن المعنى المقصود هو معنى معناها. آيات القصص القرآني تضع المنهج العلمي الموضوعي في النقد والمراجعة التاريخية الجذرية الصارمة الشاملة الإصلاحية. من باب التمثيل توقّف أبو يعرب المرزوقي عند تفسير (قصة الرجل الصالح) في سورة الكهف، ليفنِّد من خلالها أسطورة أو وَهْم (العلم بالغيب)، أو (العلم اللدنّي)، مؤكدًا أن هذه القصة لا معنى لنسبتها إلى (شخصية الخضر الخرافية)، بدعوى أن القرآن يتحدث عن العبد أو الرجل الصالح فقط[12].
رابعًا: تناوُل طه عبد الرحمن للقصص القرآني -خصوصًا (قصة آدم وابنيه)- كان ذا منحى تأسيسي ونقدي؛ إِذْ من خلاله أسّس لمجموعة من المفاهيم والمعاني الكلية، منها: (أسبقية القيم على الوجود)، (فطرية القيم)، تحديد معيار إنسانية الإنسان ذاتيًّا وغيريًّا، التأسيس لمفهوم (اللباس الروحي)، التحديد الدلالي لمفهوم (العنف)، (الجهاد)، (الإسراء)، (العروج)، (الائتمان)، (الجهاد)، (الشهادة)، (الفتوَّة)، (الملك)، (الملكوت) ونحوها. فضلًا عن نقده لمجموعة من نظريات وتصورات الفكر الحداثي الغربي، بمختلف توجهاته، كما هو الغالب على مختلف مصنفات المتن الطهائي[13].
س4: بالطبع حين يتم الحديث عن القراءات الحداثية، فربما أول ما ينطلق للذهن هو تلك النتاجات التأويلية حول بعض آيات معيَّنة ومحدَّدة، مثل: آيات المرأة والميراث والجهاد، لكن الهدف المعلَن من قِـبَل روّاد القراءة الحداثية هو تجديد المنهج وطرح رؤى جديدة في مجمل الأُطُر الناظمة لدرس النصّ القرآني. بأيّ قدر ترون تحقّق هذا الهدف في هذه الكتابات؟ ومدى قدرتها على الابتعاد عن الوقوع في الجدل التفصيلي حول قضايا بعينها؟
أ/ محمد كنفودي:
قلَّما ينفصل الأمر التنظيري التجريدي عن الأمر التنزيلي التطبيقي، ذلك أنّ سلامة الأول كامنة في الثاني، وسلامة التطبيق متوقفة في الغالب أيضًا على صحة التنظير. وبالتبع فإن خوض أهل (القراءات الحداثية للقرآن) في آيات مواضيع معينة ذات طبيعة راهنية أو غيرها، بحكم الجدالات الإعلامية أو المجتمعية، راجع بالأساس إلى السعي في سبيل البرهنة على صحة التنظير تمثيلًا. فـ(آيات الحدود) مثلًا من منظور أهل (القراءات الحداثية للقرآن) ذات المنزع التاريخي، اعتبروها تاريخية؛ فـ(حدّ السرقة) إذًا هو القطع المادي من منظور التفسير التراثي إذا تحققَت جملة شروط تعدُّ مناط التعلُّق، فإن أهل (المنهج التاريخي) اعتبروها لا تدلّ على ذلك في السياق المعاصر؛ نظرًا لتغيّر طبيعة الدولة ومؤسّساتها، إِذْ تحوَّل المعنى إلى ما يتعلق حصرًا بمنع السارق من السرقة عن طريق السجن مثلًا. إِذْ هذا هو ما استقر عليه أهل المنهج التاريخي؛ كاجتهاد محمد عابد الجابري ومحمد شحرور وأبي يعرب المرزوقي وغيرهم، وقِس على ذلك باقي (الحدود الشرعية)، خصوصًا (حدّ الردة). ولا يبتعد الأمر كثيرًا عن تناول أهل (القراءات الحداثية للقرآن) لمسائل أخرى: كقضية التعدّد في الزواج، المساواة في الإرث، الوصية في الإرث، التبنِّي، العلاقة الجنسية الاتفاقية خارج دائرة الزواج ونحوها.
من زاوية أخرى، فإنّ المنشود الأعظم لأهل (القراءات الحداثية) هو الاجتهاد في سبيل بناء منهج جديد للنظر في آيات النصّ القرآني، يولِّد حلولًا ناجعة، ويفتح آفاقًا واسعة، على غير ما هو سائد في النظر التفسيري التراثي. إلّا أنّ نسبة تحقّق هذا المقصد لا ينزل على قدم المساواة فيما بينهم، بالنظر إلى عدة أسباب، أهمها:
أولًا: الاختلاف في وجود من يحمل جملة الاجتهادات ويعمل على تطويرها وتوسيع آفاق البحث فيها؛ فوجود الأتباع وكثرة التلاميذ خليق بتحقيق هذا المبتغى، وهذا متحقّق نسبيًّا لاجتهاد محمد شحرور وطه عبد الرحمن وأبي يعرب المرزوقي في الفضاء العربي، وهو ما لم يتحقق لاجتهادات محمد أركون ومحمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد مثلًا.
ثانيًا: تحقّق وجود الصلاحية النظرية أو العملية الملائمة للوجود الجمعي للناس اجتماعيًّا، وإن لم تكن متفَقًا عليها بين النظار في تاريخ الفكر الإسلامي، وهذا ما مكّنَ انتشارًا لبعض اجتهادات طه عبد الرحمن النقدية للفكر الحداثي الغربي، وكذا لجملة اجتهادات محمد شحرور، وإن كانت مخالفة للوعي الجمعي العربي الإسلامي.
ثالثًا: مدى بساطة النظر وجرأة الطرح لجملة من مشكلات وإشكالات الناس في المجتمع، وهذا ما جعل اجتهادات محمد أركون وطه عبد الرحمن وأبي يعرب المرزوقي نخبوية؛ بحيث يهتم بها فقط مَن له أفق إدراكي واسع؛ نظرًا للعمق الفكري والاصطلاح المفاهيمي، عكس بعض اجتهادات محمد شحرور.
رابعًا: اكتمال معالم المنهج تنظيرًا وتطبيقًا؛ بحيث إن كثيرًا من أهل القراءات الحداثية للقرآن كان هَمّ أمرهم الاجتهادي وضع وتأسيس صُوًى وأمارات لتكميل وتطوير البحث كما هو شأن الاجتهاد الأركوني. عكس الاجتهاد الطهائي الذي لا يترك مسألة من مسائل النظر الائتماني في مقاربة النصّ القرآني إلّا ويشبعها تفصيلًا، وإن كان بلغةٍ فَهْمُها واستيعابُها دونه خَرْط القتاد كما يقال.
س5: الأسماء الكبرى على ساحة الدرس الحداثي للنصّ إمّا رحلَتْ أو اتضحَتْ معالم مشاريعها بالفعل، ولم يظهر على الساحة ما يمكن اعتباره مشروعًا حداثيًّا مثيلًا لمشاريع نصر أبو زيد وأركون وشحرور، بل أصبحنا نرى التكرارَ المبجِّل لاشتغالهم والبعيدَ كثيرًا عن الروح النقدي. في ضوء هذا، كيف ترون مصير هذه القراءات؟
أ/ محمد كنفودي:
كثير من أهل (القراءات الحداثية للقرآن)، ترَكوا -أمواتًا أو أحياءً- العديدَ من الاجتهادات التي تعدُّ خميرة أساسية لتأسيس (أنموذج منهج فكري إسلامي معاصر للنظر في النصّ القرآني)، إلا أنه بحكم غياب ما يسمى بـ(الاجتهاد المؤسّسي)، يتقلّص أكثر دور اجتهاد هذا المفكر أو ذاك في حياته، وبعد مماته بوطأة أشد. علاوة على ذلك، أن في مختلف أزمنة طغيان (المذهبيات) و(الأيديولوجيات) المختلفة والمتناحرة تصارعًا، تَسُود ظاهرة إماتة الفكر المخالف بدعوى أنه مخالف، بوسائل شتى: تارة بإصدار (الحكم الديني) على صاحبه تكفيرًا وتفسيقًا وتبديعًا وزندقةً، وتارة بتزهيد الوعي الجمعي فيه، وتارة أخرى بتشويهه ذاتًا واجتهادًا ونحو ذلك. فيكون المآل موت الفكر بموت المفكِّر، بغضّ النظر عن صحة الفكر أو عدم صحته موضوعيًّا. فكأنَّ مَن بيده سلطةٌ ما، لا يريد من الآخرين سوى أن يكونوا مرآة تعكس ما يريد، وإلّا فقَدُوا الحياة[14]. جزء من هذا الوصف ينطبق على اجتهادات بعض أهل (القراءات الحداثية للقرآن) الذين قدموا اجتهادات مخالفة للسائد، كبعض اجتهادات نصر حامد أبو زيد أو محمد أركون أو محمد عابد الجابري أو محمد شحرور أو أبي يعرب المرزوقي وغيرهم على اختلافٍ فيما بينهم، وهذا شبيه ما كان حدث في بعض فترات تاريخ الفكر الإسلامي. الجزء المقابل لهذا الوصف، هو أنّ كثيرًا ممن نظر في اجتهادات أهل (القراءات الحداثية للقرآن)، صار في موقع المريد في علاقته بالشيخ، لا هَمّ له سوى المدح والتبجيل، وإنْ أحلَّ ما حرَّم الله ورسوله أو حرم ما أحل الله ورسوله، فتنعدم بالتبع كلّ إمكانية للتصحيح والتصويب الموضوعي النافذ، خصوصًا بعد موت من اجتهد، ويكثر هذا في مختلف وسائل الإعلام والتواصل، وينطبق هذا أكثر على سبيل المثال في تعامل بعض الناس مع جملةٍ مِن اجتهادات محمد شحرور. فكِلَا الوصفين: (غياب النقد الموضوعي، ورفض فكر المخالف)، من أهم ما أعاق تطوير النظر والدرس القرآني المعاصر، علمًا أن أهل (القراءات الحداثية للقرآن) بقدر ما لهم من إصابات تحتاج إلى تطوير وتوسيع، فقد وقعوا في المقابل في أسرِ الخطأ البيِّن.
وذلك بحكم الطبيعة البشرية القائمة على ثنائية الإصابة والخطأ، فيكون المشكل بالتبع كامنًا في مَن نظر في متون (القراءات الحداثية للقرآن).
الأفق المعرفي القادم يظهر أنه سيكون فيه للاجتهاد الحداثي -ليس بالمعنى المنقول، وإنما بالمعنى المأصول كما سلف القول- في قراءة النصّ القرآني دورٌ محوري ولا شك، بالنظر إلى أمور عديدة، أهمها: كثرة الإشكالات والمشكلات التي تفرض إيجاد إجابات وحلول فعالة ناجعة، تأخذ بعين الاعتبار ما استجدّ من أحوال الناس وعمرانهم. كون (مقلدة المتقدمين) ما زالوا إلى الآن -منذ أكثر من نصف قرن- لم يقدموا أنموذجًا في الاجتهاد التفسيري المعاصر للنصّ القرآني، بل غالب أمرهم ترديدُ وتكرار ما قاله مَن تقدَّم مِن سلف الأمة، تعلقًا بتعليلات لا تسمن ولا تغني من جوع: لم يترك المتقدمون للمتأخرين من شيء يضيفونه إلى تفسير القرآن. كما هي دعوى محمد حسين الذهبي.
أخيرًا وليس آخرًا، إنّ جملةً من أهل القراءات الحداثية للقرآن قدموا اجتهادات هي من صلب اهتمامات وانشغالات الناس في السياق المعاصر، وليس وقفًا على العرب أو المسلمين دون غيرهم ممن أُنيطَت بهم رسالة القرآن. إلا أن تقديم ما أفرزه هذا النظر الجديد في النصّ القرآني تتوقف نجاعته على الدراسة الموضوعية المنصفة، إحقاقًا للحقّ وإزهاقًا للباطل، مِن قِبل مَن يرى مِن ذاته القدرة والمُكْنَة من تحقيق هذا الأمر. ويكون النظر أنجع، لو تحقق ذلك من منظور (الاجتهاد المؤسّسي).
[1] يمكن الاطلاع على الجزء الأول من الحوار، عبر هذا الرابط: tafsir.net/interview/20 .
[2] الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص117، 133، 157، 255. تحرير الوعي الإسلامي، ص61، 62، 171، 178، 212. الإسلام الأخلاق والسياسة، ص22، 30، 26، 175، 210. القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب، ص48، 103. من هذا الحيث تجد محمد أركون يأخذ بالمنهج (التاريخي) بالمعنى السالف، ولا يأخذ بالمنهج (التاريخاني)، بالنظر إلى أنه لا يأخذ بالاعتبار إلا ما هو ملموس لا يتعداه. القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص51. الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص138، 200.
[3] مدخل إلى القرآن الكريم، ص8، 17، 21. فهم القرآن الحكيم، ج1، ص7، 28، 112، 153. ج3، ص166. مواقف إضاءات وشهادات، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2004، ع31، ص11، 28-32.
[4] انظر المقالة الرابعة من سلسلة المقالات التعريفية بـ(القراءة المعاصرة)، المنشورة بمركز تفسير، على هذا الرابط: tafsir.net/article/5194 .
[5] يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 59]، فآية الأحزاب ما دام أنها ابتدأت بـ{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، فهي بالتبع مجرد (تعليم لا تشريع فيها)، بناءً على التمييز الذي أقامه بين (مفهوم الرسول) و(مفهوم النبي)، في علاقتهما بمحمد -عليه الصلاة والسلام-؛ إِذْ من طبيعة التعليم أنه مرحلي يعكس ما كان موجودًا زمن النزول، عكس طبيعة التشريع. وتُبيِّن آية الأحزاب حسب (نظرية الحدود) لمحمد شحرور (الحد الأعلى) للباس المرأة، وتعلم بالتبع المؤمنات اللباس الخارجي، وهو ما يسمى حسب الآية بـ(الجلباب)، وهو دالّ على ما يغطِّي الشيء ويغشِّيه ويخمِّره. وبناءً عليه؛ فإنّ الواجب على المرأة أن تغطي من جسدها الأعضاء أو الأجزاء التي إن ظهرت للغير تسببَت لها في (الأذى)، والأذى الذي شرع اللباس من أجل تفاديه -حسب متن محمد شحرور- نوعان: أذى طبيعي مردُّه إلى المناخ الجغرافي العامّ وقتئذ، كدرجة الحرارة ونحوها. وأذى اجتماعي مردُّه إلى ما هو سائد من أعراف وقيم اجتماعية؛ كالسخرية والهمز واللمز ونحو ذلك. والأذى الذي تتعرض له المرأة إن خالفَت ما نصَّت عليه آية الأحزاب، من مراعاة الحد الأعلى للباس (الجلباب)، هو عين عقوبتها لا أكثر. أما بيان (الحد الأدنى) للباس المرأة، فقد ورد في سورة النور؛ يقول تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31]، فالآية إذًا تُبيِّن (الحد الأدنى) للباس المرأة، الذي يعدُّ من الفرائض الملزمة على المستوى العيني، ويتجلى في (حفظ الفرج) من نظر الغير، وبالأولى الزنى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}[المؤمنون: 5]، [المعارج: 29]؛ حيث من الواجب إخفاؤه وستره، وهو الذي يعدُّ من الزينة الخفية، المقصورة على (حفظ الجيوب)، والجيوب تتحدد -حسب محمد شحرور- بما بين الثديين وتحتهما وتحت الإبطين والإليتين، أمّا (الزينة الظاهرة) فهي ما أظهره الله تعالى بالخلق كالرأس والوجه واليدين والرجلين، والتي لا حرمة ولا عيب في نظر الغير إليها. و(الزينة الخفية) المتمثلة في حفظ الفروج والجيوب إنْ نظر إليها من استثناهم الله في الآية عرضًا، لا يدرج ذلك ضمن دائرة الحلال والحرام، بل ضمن دائرة العيب والحياء. الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، الأهالي، دمشق، سوريا، ط2، 1990، ص604-623. فقه المرأة نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط3، 2016، ص47.
[6] روح الحداثة، ص184، 202، 204.
[7] الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص90. أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ص60. الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص64، 65، 88. الهوامل والشوامل، ص140، 136، 145. القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص113، 114، 147، 149، 155. بناء على مفهوم (الخطاب) و(النص) في علاقتهما بـ(القرآن)، ميز محمد أركون أيضًا بين ثلاثة مفاهيم أخرى متعلقة بالقرآن بالمعنى الإسلامي المعهود، وهي: أولًا: (الوحي)، وهو: جملة نصوص مجموعة في مدونةٍ ما، من قِبَل طائفةٍ ما؛ كالسنة والشيعة والخوارج، لتحريك الفعل وإضفاء المعنى عليه، وهو قابل للتعديل في ضوء (مبدأ النسخ)، والتي تؤوَّل ضمن إطار الميثاق الأزلي المعقود بشكل حرّ بين الله والإنسان. ثانيًا: (القرآن)، وهو: نصّ تأسيسي، مركب من مجموعة من العبارات الشفهية الناجزة والمغلقة مِن قِبل السلطة الرسمية الحاكمة، والحاملة للعديد من الدلالات المفتوحة على مختلف السياقات. وقد سُمي الوَحْي قرآنًا باعتباره يتعلق بتلاوة مطابقة حرفيًّا لنصّ مسموع (شفهي)، ولا يتعلق الأمر أبدًا بنصّ مقروء (كتابي). وفي هذا السياق قسّم الوحي إلى: أ- أُمّ الكتاب: هو المحفوظ عند الله في السماء ولا يمكن لبشر أن يتوصل إليه. ب- القرآن: هو المصحف المكتوب بالعربية والموجود بين أيدينا. وبالتبع، فإن نصّ القرآن ليس إلا جزءًا من أُمّ الكتاب. ثالثًا: (المصحف)، وهو: المدونة النصية الرسمية الناجزة المغلقة النهائية المكتوبة باللغة العربية، والحاملة لجملة من الدلالات المتحينة أو المتجسدة. تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص69، 290. أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ص92. العلمنة والدين الإسلام المسيحية الغرب، ترجمة: هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط1، 1990، ص205. الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ص134. الهوامل والشوامل، ص135، 138. القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص114-115-116. قضايا في نقد العقل الديني، ص187.
[8] فهم القرآن الحكيم، ج3، ص370، 371، 380. ج2، ص231، 232. مواقف، ع59، ص15، 19. ع71، ص51، 13، 83. مدخل إلى القرآن الكريم، ص21. وبالتبع يكون تعريف القرآن هو أنه عبارة عن نصّ مرتب بالتدريج زمانيًّا بالتزامن مع مسار أحداث السيرة النبوية؛ فنصّ القرآن من منظور الجابري يختلف عن نصّ القرآن من منظور التلاوة/المصحف، والاختلاف يتجلى في مستوى التعامل الموضوعي والدلالي مع نصّ القرآن، فنصّ التلاوة يجعلنا كما يؤكد الجابري، نتعامل مع دلالاته بشكل (مقلوب)، فنؤخر ما ينبغي تقديمه ونقدم ما ينبغي تأخيره، أمّا ترتيب النزول فهو يجعلنا نلمس ونتابع التموّج الداخلي للبناء الدلالي القرآني شيئًا فشيئًا. مدخل إلى القرآن الكريم، ص14-230. فهم القرآن الحكيم، ج1، ص15.
[9] الجلي في التفسير، ج3، ص165. ج1، ص141، 242، 254، 256. النخب العربية وعطالة الإبداع في منظور الفلسفة القرآنية، الدار المتوسطية للنشر، تونس، ط1، 2007، ص4. فضلًا أن أبا يعرب المرزوقي، في سبيل الإبقاء على الحفاظ على وحدة النصّ القرآني تناول بالنقد ما يتعلق بإشكال(ترتيب آيات نصّ القرآن ومسألة تنجيم النزول)، إِذْ يتحدد منظوره لهذا الإشكال بناء على جملة محدّدات منهجية ومعرفية، نذكر من بينها ما يأتي: أ- إن عدم اعتبار ترتيب آيات نصّ القرآن كما هو عليه في المصحف الشريف والتقيد به على مستوى التفسير، من شأنه أن يفضي إلى الدخول في فرضيات لا تنتهي، بالنظر إلى كثرة الاجتهادات الظنيّة الاحتمالية التي لا تقوم على أيّ أساس يقيني، مما يُفضي إلى التشكيك في أصل نصّ وحي القرآن صحةً وسلامةً. ب- إنّ تركيز القول على إعادة ترتيب آيات نصّ القرآن باعتبار توالي أزمنة النزول زمن النبوة والنزول، من شأنه أن يجعل من القرآن نصًّا تجسيديًّا تاريخانيًّا، شأنه شأن مَن سبقه من الكتب المنزلة، مما يفضي إلى ترسيخ روح التقليد لمعهود الصدر؛ سواء كان تقليد نظر أو تقليد عمل أو تقليد غيرهما. ج- إن الولع بإعادة ترتيب آيات نصّ القرآن من قبل دعاة (أرخنة) النصّ القرآني بناء على مرويات أسباب النزول أو تصورات عقلية ذاتية مجردة أو غيرهما، من شأنه أن لا يتحقق من وراء ذلك أيّ ترتيب مهدي مرضي متفق عليه بين المسلمين غير ما عليه ترتيب آيات القرآن في المصحف الشريف. د- إن ما يتخذه أهل مذهب تاريخانية النصّ القرآني من التناقض الذهني الوهمي بين مقتضى ختم الوحي ومقتضى تنجيم القرآن، لا أساس له من الصحة المعتبرة؛ بالنظر إلى أن من يملك (الإستراتيجية)الكلية كاملة، يمكن أن ينجّمها دون أن يخفى عنه ذلك، خصوصًا على مستوى علاقة الجزء بالكلّ، وعلاقة الكلي بالجزئي؛ ذلك أن ناظم التنجيم كلية معلل في نصّ القرآن بضرورة التفريق. هـ- إنّ تشديد القول على إعادة ترتيب آيات نصّ القرآن باعتبار توالي أزمنة النزول مُوقع في آفة منهجية عصيّة الحل، وهي أن أغلب آيات القرآن أنزلت لغير سبب زمكاني اقتضاها أو استلزمها، حتى مع فرض صحة أغلب مرويات أسباب النزول. و- إنّ الدعوة إلى إعادة ترتيب آيات نصّ القرآن، من شأنه أن يجعل ما هو تاريخاني محايث-مرويات أسباب النزول، متحكم في ما هو متعالٍ مفارق-آيات القرآن؛ سواء على مستوى بنية نصّ القرآن التركيبية، أو على مستوى فقه دلالات لسان نصّ القرآن، وذلك مناقض لما يتفرد به نصّ القرآن من خصائص. بناء على جملة الأعطاب المنهجية والمعرفية التي انبثقت عن أزمنة التأويل في تاريخ الفكر الإسلامي؛ سواء صدرت عن المتقدمين ومن ارتضى منهج نظرهم من مقلدة المتقدمين، أو صدرت عن من ارتضى منظور المنهج الحداثي من مقلدة المتأخرين. يؤكد أبو يعرب المرزوقي أنّ المسألة في حاجة إلى ضبط تأصيل منهج النظر، درءًا لأيّ تلاعب بخصوصية ماهية إنيّة نصّ القرآن. ومما يؤسّس عليه منهج النظر الأمثل، نذكر ما يأتي: أ- إنّ ترتيب آيات نصّ القرآن كما هو عليه في المصحف الشريف، قد خضع ترتيبه لما اقتضاه نسق القرآن ومقومات (إستراتيجيته) الكلية؛ ذلك أن نزوله لم يكن خاضعًا في حقيقة الأمر لمقتضيات معهود أسباب النزول، بل كان خاضعًا لإرادة الله تعالى، فضلًا عن محددات النصّ الخاتم، كونه أولًا وأخيرًا رسالة لهداية الإنسان تجريدًا. ب- إنّ ترتيب آيات نصّ القرآن كما هو عليه في المصحف الشريف، قد تم تحت رعاية الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وما دام أنه مخالف لما هو تاريخي-ترتيب النزول؛ فذلك أمر دالّ على أنه ذو غاية عِلْمُها عند الله تعالى، تعيّن الاجتهاد والجهاد في سبيل البحث عنها وكشفها. ج- إنّ تأسيس منهج النظر وفق ترتيب الآيات في المصحف الشريف، ما دام أنه صادر عن ترتيب الوحي=الرسول -عليه الصلاة والسلام-، من شأنه أن يمهد الأرضية المعرفية التأسيسية المناسبة لتوالي إمكانات الإبداع من خلاله. د- إنّ أصل منهج النظر الأساس الذي جاء به أبو يعرب المرزوقي يتجلى في أن القرآن شأنه شأن عالم الطبيعة أو ظاهرات العالم، كلاهما يتضمنان وجهًا من الغيب ووجهًا من الشهادة؛ لذلك فإنّ منهج النظر يتعين أن يترك البحث في الوجه الغيبي من القرآن=(ترتيب النزول)، وتركيز البحث على الوجه الشاهد منه=(ترتيب المصحف)، إِذْ لا يمكن أن نتصوّر ترتيبه عقليًّا بناء على تصور ترتيب مداركنا أو مرويات معهود أسباب النزول أو غيرهما، وإلّا كان ترتيب الوحي=ترتيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا معنى له. الجلي في التفسير، ج1، ص34، 35، 162، 163، 168.
[10] تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص210. تحرير الوعي الإسلامي، ص94، 131، 223. الإسلام والحداثة، ترجمة: هاشم صالح، بدايات، سوريا، دمشق، ط2008، ص63. القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص161، 164، 167. الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص187، 188، 189. يقصد بـ(الحكاية التأطيرية)، أنها عبارة نصية تؤطر وتمهد لدراسة موضوعٍ ما، وتؤخذ مادتها في الغالب من النصوص الحديثية أو من السيرة النبوية، أو من الخطاب الاجتماعي القديم كالإسرائيليات، وتورد في الغالب على هيئة حكاية، وهي تعدُّ من أساسيات المنهج التفسيري الموروث. تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص85. القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص74. أمّا مفهوم (الأسطورة) فهو عبارة عن تقديم تصورٍ ما عن شيءٍ ما، غير مطابق لحقيقة الأمر الواقع نفسها، مع تدخل المخيال فيه؛ سواء كان فرديًّا أو جماعيًّا لتضخيمه مع توالي الأزمان وتحولاتها وانعطافاتها، خصوصًا في حياة الأمم والشعوب في عمومها. تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص210.
[11] مدخل إلى القرآن الكريم، ص230، 238، 239، 240، 242، 245، 246، 392. فهم القرآن الحكيم، ج1، ص15. ج2، ص182، 293. ج3، ص60، 61.
[12] النخب العربية وعطالة الإبداع في منظور الفلسفة القرآنية، ص41.الجلي في التفسير، ج1، ص248، 249، 225. الجلي في التفسير، ج1، ص280، 175، 179. ج2، ص142. الوعي العربي في قضايا الأمة ودورها في تحرير الإنسان، دار فرقد، دمشق، سوريا، ط1، 2000، ص5. في العلاقة بين الشعر المطلق والإعجاز القرآني، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط1، 2000، ص17.
[13] الحوار أفقًا للفكر، ص47. شرود ما بعد الدهرانية، ص473-489، 544-549. الحقّ العربي في الاختلاف الفلسفي، 171-179. ثغور المرابطة مقاربات ائتمانية لصراعات الأمة الحالية، مركز مغارب، ط2، 2019، ص193-212. سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية.
[14] فلسفة الوجود والجدوى نقد ثقافة الحَجر وبداوة الفكر، بنسالم حميش، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2004، ص13.
مواد تهمك
- الإسرائيليات في الدرس الحداثي للقرآن
- عبد المجيد الشرفي، القرآن وتحديث الإسلام
- القراءات الحداثية للقرآن (8): محمد أركون والرهان الإبستمولوجي للقراءة
- نصر أبو زيد وطبيعة القول القرآني، ثانيًا: تأسيس مقولة التاريخية
- القراءات الحداثية للقرآن (7): فضل الرحمن مالك؛ القرآن والحداثة والتأويلية الناجزة
- نصر أبو زيد وطبيعة القول القرآني، ثالثًا: القرآن من «النص» إلى «الخطاب»