الجبل المرفوع واختيار إسرائيل في القرآن والتلمود

في هذه الورقة يقدّم مايكل جريفز قراءة في قصة رفع الجبل فوق بني إسرائيل في القرآن والتلمود، فيقارن بناء القصة وسياقها التاريخي بين كلّ منهما، كما يركّز على البُعد اللاهوتي للقصة القرآنية في تفكيك فكرة حصرية الميثاق الإلهي في شعب بعينه وإعلان عالمية الرسالة الأخيرة.

  في هذه الورقة يقدّم المتخصص في دراسة الكتاب المقدّس مايكل جريفز دراسة في موتيف (الجبل المرفوع)، حيث يقارن بناء قصة رفع الجبل فوق بني إسرائيل في علاقته باختيار بني إسرائيل بين الأمم وإعطائهم الميثاق في كلّ من التلمود والقرآن، فيقوم بتحليل عدد من تقاليد ورود القصة في المشنا والهاجاداه ويحاول بناء سياقها اللاهوتي والتاريخي ليقارنه بسياق القصة القرآنية اللاهوتي والتاريخي، ليصل في النهاية إلى تصور عن الوظيفة التي تؤديها كلّ قصة في كلّ من الكتاب المقدّس العبري والقرآن.

ولا يتوقف الكاتب عند السياق التاريخي بالمعنى المباشر للكلمة، بل يتخطى هذا لمحاولة استكشاف السياق العقدي أو اللاهوتي الذي يندرج داخله القصة، حيث يقرأ كلّ قصة وفقًا لتصور كلّ عقيدة عن النبوّة وحصرية الدخول في الميثاق الإلهي، فبينما تعبر القصة التلمودية في معظم تقاليدها عن عقيدة حصرية الميثاق باعتبار رفع الجبل هو دلالة على الاختيار الإلهي المخصوص لبني إسرائيل، تفكّك القصة القرآنية هذه العقيدة عبر اعتبار رفع الجبل إحدى علامات عصيان بني إسرائيل وأحد التذكيرات بخرق العهد الإلهي رغم النّعم التي اختص بها الإله بني إسرائيل، لتكون القصة بهذا الشكل إحدى حلقات تفكيك القرآن لفكرة حصرية الميثاق في شَعْب أو شخص أو أمّة وإعلانًا عن عالمية الرسالة الأخيرة المتمثلة في القرآن.

ورغم أن الكاتب يعقد مقارنة بين القصة في القرآن وفي التقاليد الكتابية السابقة، فيعتبرها مبنيّة في مقابل خلفية سردية تتحدّث عن القصة كعلامة على الاختيار الإلهي لبني إسرائيل، إلّا أننا لا نجد عنده قطعًا بصلة القرآن بأحد هذه التقاليد، وإن كان يربطها ببعض نسخ القصة التي يقدم فيها رفع الجبل باعتباره إدانة لبني إسرائيل، هذا التحاشي للربط المباشر والواثق للقرآن بأحد التقاليد السابقة لا يرتبط فقط بصعوبة هذا الربط خصوصًا مع تعقّد سياق الجزيرة العربية وتعدّد المكتشفات حول النصوص الكتابية والتقاليد المكتوبة والشفوية للأديان السابقة، ولكن كذلك بما يقف عليه المقارن من اختلاف بيِّن في بناء القصص وفقًا للقيم القرآنية، ففي هذه الورقة -ودون إبحار في المناهج الأدبية- استطاع جريفز وبكلّ وضوح التقاط القيمة الجديدة التي يقدّمها السرد القرآني للقصة وعلاقتها العميقة بإحدى الركائز العقدية وهو عدم حصرية الميثاق في شخص أو شَعب.

ولعلّ هذا مما يحفز على مثل هذه المقارنات بين القصص القرآني والقصص السابق عليه باتساعه وشموله، لاكتشاف تلك القيم التي يقوم عليها القصّ في كلّ مدونة، والوقوف على الصنيع القرآني الخاصّ في ما يسرد، والذي يبرز تمامًا عدم معقولية القول بالأثر والتأثّر أو النقل القرآني عن الكتب السابقة، ويوضح بشكل تطبيقي الدلالة العميقة للتصديق والهيمنة القرآنية كإحدى السمات الرئيسة التي وصف بها القرآن نفسه في علاقته بالكتب السابقة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))