الإدانة في القرآن وإنجيل متّى السُّرياني

المترجم : أمنية أبو بكر
في هذه الورقة يتبع عمران البدوي التقليد الاستشراقي في محاولة تسييق القرآن في إطار الكتب السابقة، وخصوصًا في التراث السرياني، عبر تحديد مدونة محدّدة للمقارنة مع القرآن، وهي إنجيل متّى السرياني، فيقارن بين النصّين في سياق محدّد هو سياق الإدانة الموجهة لليهود في عدم التزامهم بالناموس.

  رغم أنّ الدرس الاستشراقي المعاصر قد عرف الانفتاح على كثير من المنهجيات الأدبية المعاصرة ومنهجيات دراسة الكتاب المقدّس المتطورة التي أفادت في تحريك إشكال العلاقة بين القرآن والكتابات السابقة، من الاهتمام بقضية مصدر النصّ وأصوله كما كان في الاستشراق الكلاسيكي، نحو الاهتمام بالبناء الخاصّ للنصّ القرآني وطريقة تناوله مضامين الكتب السابقة عليه، إلّا أننا لا نستطيع القول بالغياب التامّ لمثل هذه الاهتمامات العتيقة على ساحة الدرس الاستشراقي المعاصر، بل لعلّها قد عادت للسطح بصورة أكبر مع ظهور الاتجاه التنقيحي الذي وصل لنفي كلّ أصالة عن القرآن حتى ليتحول لكتاب تلاوات وصلوات لبعض طوائف الوسط الديني في الشرق الأدنى.

ومن الأمثلة المهمّة على هذه الدراسات التي تستعيد الصيغة الكلاسيكية لنقاش هذا الإشكال بصورة كبيرة هي الدراسات التي تهتم بتسييق القرآن بصورة رئيسة في سياق المسيحية الشرقية السريانية، وتحاول تقديم أدلة على ارتباطه ببعض المدونات السريانية لهذا الوسط الديني مع تفاوت المدى الذي تضعه لهذه الصلة والنتائج التي تصل إليها من مقارنة القرآن بهذه المدونات.

في هذه الدراسة التي بين أيدينا، يقوم عمران البدوي الباحث في دراسات الشرق الأوسط بمركز هيوستن بمحاولة إعطاء أبعاد أكثر دقّة للدراسات المهتمّة بتسييق القرآن في الوسط السرياني، حيث يبغي تجاوز ما يلح على كونه نقصًا في الدراسات السابقة، والتي اكتفت -وفقًا له- بربط القرآن بهذا السياق عبر الإشارة إلى بعض الاشتراكات في المعجم أو المواضيع أو القصص، وهذا عبر تحديده مدونة محدّدة يتم مقارنة القرآن بها، سواء من حيث الاشتراك في المعجم اللفظي أو اللاهوتي أو البنية السردية والحجاجية لموضوعات بعينها.

في هذا الإطار يقوم البدوي بمقارنة القرآن بإنجيل متّى السرياني في موضوع محدّد وهو الإدانة المقدمة لعلماء اليهود في علاقتهم بناموس موسى، حيث يحاول مقارنة السياقات الجزئية للإدانة (إدانة الكتبة، الإدانة بقتل الأنبياء، الإدانة بالرياء، الإدانة الأخروية)، لغويًّا ولاهوتيًّا وحجاجيًّا؛ ليثبت الصلة بين النصّين باعتبار إنجيل متّى، وعبر الوسائط الشفوية الشعرية والليتورجية في الوسط الديني العربي.

ورغم أنّ البدوي يستحضر بوضوح استقلال النصّ القرآني وأصالته خصوصًا في إحالاته المتكرّرة على غريفث، إلّا أن دراسته تتنزّل في سياق إثبات الصّلة بإنجيل متّى أكثر من تنزّلها في سياق كشف الصنيع القرآني بقصص وجدالات وموضوعات الكتب السابقة عليه.

إنّ الهدف من ترجمة هذه المادة ضمن هذا الملف، هو إبراز أن الدرس الاستشراقي المعاصر يشهد تنوعًا كبيرًا، وأن القطع مع الإشكالات الكلاسيكية أو طريقة تناولها ليس بالحدية التي يمكن أن تتصور، وإن لم يعنِ هذا قطعًا المماثلة التامة معها.

كما يزيد من أهميتها تتبعها لمسار الدراسات القرآنية الغربية خصوصًا المتعلقة بالصلة بين القرآن والكتب السابقة، مما يجعلها تلخيصًا مفيدًا لهذا المسار منذ الدراسات الكلاسيكية وإلى السياق المعاصر.

المؤلف

عمران البدوي - Emran El-Badawi

باحث من أصل مصري، حاصل على الدكتوراه في لغات وحضارات الشرق الأدنى من جامعة شيكاغو، وهو أستاذ مشارك في دراسات الشرق الأوسط بجامعة هيوستن، وهو المدير التنفيذي المؤسس للجمعية الدولية للدراسات القرآنية IQSA.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))