مثّل اكتشاف مخطوطات صنعاء حدثًا مهمًّا في التلقّي البحثي العلمي بل والإعلامي، وثارت حوله الكثير من النقاشات العلمية وكذا الاستغلال الأيدولوجي، والذي قام به بعض الباحثين الغربيين في ترويج نتائج غير سليمة علميًّا عن هذه المخطوطات، هذه الورقة لصادقي وجودارزي محاولة لتقديم قراءة علمية في هذه الطروس وتفنيد لما ثار حولها من استغلال غير علمي.

  تظلّ دراسة المخطوطات القرآنية أحد أهم مناحي الاشتغال في الدَّرْس الاستشراقي سواء الكلاسيكي أو المعاصر، فمنذ منجانا وجيفري ومرورًا بشبتلر وبرجستراسر إلى كوربس كورانيكوم؛ يظلّ المخطوط القرآني أحد أهمّ موضوعات الدّرْس مع اختلاف المناهج والأدوات والسياقات، إلا أنّ التزايد المتأخّر للتشكيك في الأدبيات الإسلامية التقليدية ورَفْض السّرْدِيّة التي تقدّمها حول تاريخ القرآن، قد أدّى إلى الاهتمام الكبير بالمخطوطات القرآنية لإيجاد سردية أخرى مستندة على أُسس أركيولوجية، وهو ما ازداد مع بروز الاتجاه التنقيحي على سطح الدرس الاستشراقي في سبعينيات القرن العشرين بكتابَيْ وانسبرو وغونتر لولينغ.

لذا شكّل حدثُ اكتشاف مخطوطات قرآنية في الجامع الكبير بصنعاء عام 1972، أو ما عُرف إعلاميًّا وفي الأوساط العلمية بمخطوطات صنعاء؛ اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الغربية الدارسةَ للقرآن بمختلف الاتجاهات التشكيكية والتنقيحية والتقليدية -وفقًا لتقسيمات الباحثين في هذه الورقة-، كما تم كذلك استغلال هذا الحدث من قِبَل عددٍ من الصحفيين ووسائل الإعلام وللغرابة الباحثين لترويج بعض الرؤى المستهلَكة جماهيريًّا عن اكتشاف تاريخ إسلامي محتجب، وعن تواطؤ إسلامي لإخفاق حقائق صادمة عن القرآن، وهو المخالف للواقع فيما يرويه الباحثان في هذه الورقة من أنّ المسلمين لم يضعوا أيّ عائق على دراسة هذه المخطوطات، وأنّ بعض الباحثين الغربيين (جيرد بوين وفون بوتمر) هم مَنْ تسبّبوا في حَجْبها والاستئثار بها، حتى إنّ عمل بعض الباحثين على بعضٍ منها جاء عبر الوصول لبعضها عن طريق بعض المزادات المعينة التي ظهرت فيها!

وبعيدًا عن الاستغلال الإعلامي والصحفي وكذلك ما تمّ من بعض الأكاديميّين، فقد حاول كثيرٌ من الباحثين دراسة هذه المخطوطات لتكوين معرفة أدقّ حول تاريخ المصحف مستندًا لمخطوطات ربما يرجع تاريخها إلى ما قبل المصحف العثماني، في هذه الورقة يقوم الباحثان محسن جودارزي وبينام ساديغي بقراءة في إحدى هذه المخطوطات (الطرس السفلي)، مستخدِمين بعضَ الفرضيات حول علاقة الشفاهة والكتابة وعلاقة المصاحف الأولى، ومستعينين بالتقنيات العِلْمية مثل تحليل الكربون المُشِعّ للوصول إلى بعض النتائج حول هذه الطروس وبالتالي حول تاريخ المصحف، كما يقوم الباحثان بسردٍ سريع لأهم الاتجاهات حول تاريخ المصحف ورؤيتها للأدبيات الإسلامية ومدى الثقة فيها، ومسار الاهتمام الغربي بهذه المخطوطات من لحظة اكتشافها وأهمّ الدراسات التي تمّت حولها.

والهدف الأهم من إتاحة مثل هذه الدراسة باللغة العربية هو توفير هذه البيانات للباحثين في الدراسات القرآنية، بغية الاستفادة منها في مزيد معرفة تفصيلية بمحتويات الطرس محلّ الدراسة، والإفادة منها في فهم أكبر لجانب من جوانب تدوين المصحف الشريف وجهود الأُمّة في حفظه، بالإضافة إلى ما يتعلّق بذلك من بحث بعض قضايا علوم القرآن المتعلّقة بالمصاحف المخطوطة؛ كالوقوف على مدى إمكان حضور بعض القراءات قبل مصحف عثمان في تدوين بعض المصاحف القديمة، وطريقة الدراسة في ربطها بالمصادر التراثية التي اعتنتْ بذِكْر القراءات الشاذّة المخالفة للرّسم العثماني، فبحث أمثال هذه القضايا مهمّ وله أثر في إعادة التقييم لاعتراضات بعض المتأخِّرين من علماء المسلمين وباحثيهم على مذاهب المتقدِّمين وآرائهم وتوصيفهم لطبيعة القراءات والتدوين وتأريخه ونحو ذلك، هذا التوصيف الذي يتوافق معه عدد كبير من الدراسات الحديثة حول مخطوطات المصاحف، بخلاف ما أُحْدِث من نظريات تتعلّق بالجمع والتدوين ونحوهما، هذا بالإضافة إلى الإفادة في مسائل أخرى تتعلّق بظواهر الرَّسْم ونحوها.

كما تفيد هذه الدراسة في الكشف عن الدعاية السلبية التي مارستها بعض وسائل الإعلام حول محاولة إخفاء هذه المخطوطات، من خلال نقد الباحثين التفصيلي لهذه الدعوى.

المؤلفون

بهنام صادقي - Behnam Sadeghi

أستاذ مساعد في الدراسات الدينية بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا، مهتمّ بالفكر الإسلامي وبالقانون وبالإسلام المبكِّر.

محسن جودارزي - Mohsen Goudarzi

أستاذ الأديان بجامعة هارفرد

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))