مفسرو نيسابور
استقصاء أوّلي للمصنفات القرآنية
لابن حبيب (ت: 406/ 1016)، وابن فورَك (ت: 406/ 1015)، وعبد القاهر البغدادي (ت: 429/ 1037)

المترجم : مصطفى الفقي
في سياق الاهتمام الغربي بالتفسير وتاريخه ومناهجه، برز الاهتمام بما بات يُعرف بالمدرسة النيسابورية في التفسير، حيث يُعتبر أن ثمة مدرسة تفسيرية مهمة قد تشكلت في هذه المنطقة، هذه الورقة لمارتن نجوين، هي محاولة لتوسعة مساحات الدرس في هذه المدرسة لتشمل بعض الأعمال المخطوطة غير المهتمّ بها، وكذلك محاولة لاستكشاف أكثر تفصيلًا لطبيعة تكوين هذه المدرسة، والآثار التي تركتها على تاريخ التفسير وعلوم القرآن.

  يهتم معظمُ الباحثين الغربيين المعاصرين في دراستهم للتفسير بمحاولة تجاوز التصنيفات الاستشراقية الكلاسيكية لهذا الحقل، ومحاولة بناء صورة أكثر دقّة للتفسير في مختلف مراحله؛ سواء مرحلته المبكرة أو الكلاسيكية أو الوسيطة، ومحاولة توسعة مساحات الدرس لتشمل الأعمال المخطوطة والمدارس التفسيرية غير المهتم بها، من أجل رسم خريطة أكثر دقّة لتطورات التفسير.

ويُعَدّ من الطّروحات المهمّة في هذا السياق طَرْح وليد صالح حول المدرسة النيسابورية في التفسير؛ حيث يعتبر صالح أن ثمة مدرسة تفسيرية لها ملامح واضحة في نيسابور، تتميز بالأساس بالتكاملية الهرمنيوطيقية، أي: بالانطلاق من الدّمج بين عدد من المقاربات التفسيرية المتنوعة (التقليدية، اللغوية الفيلولوجية، الكلامية...)، وأنّ هذه المدرسة لها أهمية كبيرة في التقليد التفسيري وتطوّره، وإن كان هذا لا يظهر –بحسب صالح- في الدراسات المعاصرة بسبب تبنّي آراء شائعة في الفكر الإسلامي أو في الدراسات الغربية حول تاريخ التفسير ومرجعياته الكبرى ولحظاته الحاسمة.

هذه الورقة لمارتن نجوين، هي محاولة للسّيْر في مسار طرح وليد صالح، مع رؤى أكثر تفصيلًا؛ حيث يحاول نجوين أن يقدّم صورة عن تقليد أكثر اتساعًا مما ذكر صالح، فيحاول توسعة إطار هذه المدرسة لتشمل بعض التفسيرات الصوفية والكرّامية، في محاولة لبيان الدور الأكبر الذي لعبته هذه المدرسة في تفاسير نيسابور وفي التأثير على التفسير لاحقًا، كما أنه يحاول توسعة الاشتغال على بعض الأسماء في هذه المدرسة التي لم تحظَ -في تصوّره- باهتمام كبير ليبرز أثرها في التفسير وفي علوم القرآن كذلك.

لذا يقوم نجوين بدراسة لثلاثة أعلام، هم: ابن حبيب، وابن فورك، وعبد القاهر البغدادي، فيقدِّم عرضًا أوليًّا لأعمالهم المخطوطة في التفسير وعلوم القرآن، محاولًا بيان ارتباطاتهم مع المدرسة النيسابورية على مستوى التلمذة أو البناء المنهجي التفسيري، كما يحاول إبراز أثرهم اللاحق على بعض المفسِّرين وعلى بعض الكتابات المهمّة في علوم القرآن.

إنّ الأهمية الكبيرة لترجمة هذه الورقة، هو كونها تكشف عن اهتمام غربيّ متنامٍ بدراسة المدونات التفسيرية غير المدروسة، ومحاولة حثيثة لاستثمار معظم المساحات في إعادة بناء تصور عن تاريخ التفسير وبنائه وتطوّراته، وهو اهتمام من المهم أن نتعرّف عليه في السياق العربي وعلى أبرز مشاغله.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))