تجارب تفسير القرآن بلغة الإشارة في العالم العربي

قامت هذه الدراسة بتتبُّع التجارب المؤسَّسية المنجزة في تفسير القرآن الكريم بلغة الإشارة في العالم العربي، وسَعَت لتقويم البناء المنهجي الذي سارت عليه هذه التجارب في إعداد المحتوى التفسيري للصمّ، وقد أظهرت الدراسة مزايا هذه التجارب ومواطن الريادة فيها، كما كشفت بعض القصور فيها لتلافيه والسعي للتطوير.

  تأتي هذه الدراسة ضمن الإصدارات التي أنتجها مركز تفسير للدراسات القرآنية في إطار اهتمامه بتقويم واقع الدراسات والمشروعات ذات الصلة بتفسير القرآن الكريم وتحليلها وتقويمها للخطو بها نحو آفاق أكثر إفادة وإثراء ونفعًا.

وقد أعدّ الدراسةَ خمسةٌ من الباحثين: (أ.د/ فؤاد عيد الجوالده، أ.د/ مصطفى نوري القمش، د/ محمد صالح محمد سليمان، أ/ خليل محمود اليماني، أ/ عادل سليمان ضحوي).

وتتمثّل إشكالية الدراسة في التساؤل عن البناء المنهجي المعتَمَد في إنجاز المحتويات التفسيرية في العالم العربي التي خُصصت للصمّ وضعاف السمع بهدف تذليل معاني القرآن وتقريبه لهم وتيسير فهمهم للقرآن، ابتداء باعتماد هذه التجارب تحليل احتياجات ذوي الإعاقة السمعية، وضبط كيفية مراعاة المحتوى للتفاوت الحاصل بينهم في لغة الإشارة، وشدة الإعاقة وزمانها، وكذا التفاوت في العمر والثقافة وغيرها، ومرورًا بمحددات التجارب في اختيار المحتوى التفسيري، وتحرير أهدافه، والمعايير المعتمدة في إعداده، وكيفيات عرضه، ومقاييس اختيار المدخل التفسيري المناسب للمستهدفين سورًا كانت أو قصصًا أو موضوعات، والضوابط المعتمدة للترجمة والمترجم، ومؤشرات قياس أثر المحتوى على المستهدفين، وغير ذلك مما يستلزمه الضبط المنهجي لمحتوى خاص يخاطب فئة خاصة بوسائل خاصة ولغة خاصة.

وقد عملت الدراسةُ من خلال جملة أهداف، أبرزها ما يأتي:

1- استخلاص المنهجية المعتمدة الناظمة لتفاسير القرآن الكريم بلغة الإشارة، وتبَيُّن معالمها وكيفيات توظيفها.

2- تحليل تلك المنهجية وبيان مرتكزاتها وتجلية محدداتها في كافَّة ما يتعلق بالمحتوى التفسيري تخطيطًا له وإعدادًا وعرضًا وقياسًا لأثره وتحقيقًا لأهدافه.

3- تقويم المنهجية المعتمدة في مشروعات تفاسير القرآن بلغة الإشارة وبيان مزاياها وإشكالاتها.

4- إثراء ساحة البحث المنهجي في كيفية إعداد المحتويات العلمية والشرعية للصمّ من خلال ما تثيره الدراسة من مناقشات للتجارب قيدها وما تخرج به من نتائج وتوصيات.

5- الخروج بجملة من التوصيات والمقترحات، التي تسهم في النهوض بهذا النوع من التفسير، وتطويره وتحسينه، حتى يحقق أهدافه المرجوَّة من ورائه على النحو الأمثل.

وقد عملت الدراسة من خلال جملة محدّدات؛ ففيما يتعلّق بالحدود الموضوعية التزمَت الدراسة أن يكون المشروع الداخل فيها صادرًا عن مؤسسة أو جمعية، وأن تكون الوسيلة المعتمدة في تفسير القرآن للصم وضعاف السمع هي الفيديوهات المرئية التي تقدِّم التفسير بلغة الإشارة، وفيما يتعلق بالحدود المكانية والزمانية التي عملت من خلالها فقد التزمت بالدراسات الموجودة في العالم العربي من عام 2001 إلى عام 2020م.

وبعد البحث والاستقصاء لم تقف الدراسة إلّا على أربع تجارب ومشروعات لتفسير القرآن بلغة الإشارة في العالم العربي، وهي: (تجربة جمعية المحافظة على القرآن الكريم بالأردن، وتجربة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وتجربة بوابة الصمّ التابعة لموقع إسلام ويب، وتجربة جمعية المنابر القرآنية الكويتية).

وقد تقيدت الدراسة بهذه التجارب الأربع وعملت على تقويمها.

واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي والمنهج المقارن ثم المنهج التحليلي والمنهج النقدي، ولجأت إلى تقويم التجارب قيدها تجربةً تجربةً؛ هادفة من وراء ذلك الوقوف على الأطر الكلية المنهجية الضابطة لنسق التجارب فيما يتصل بإعداد محتوى تفسيري لشريحة الصم، وتبيُّن ملامح تلك المنهجية بصورتها الكاملة.

وجاءت الدراسة في قسمين يسبقهما مقدمة وتمهيد ويتلوهما خاتمة، أمّا المقدمة فكانت لبيان مشكلة الدراسة وأهدافها وأهميتها واستعراض الدراسات السابقة وبيان حدود الدراسة ومنهجها وإجراءاتها وصعوباتها وخطتها، واشتمل التمهيد على مدخل عام عن الإعاقة السمعية.

وأمّا القسم الأول فتناول: تجارب تفاسير القرآن بلغة الإشارة في العالم العربي عرضًا وتقويمًا. من خلال محورين؛ المحور الأول: العرض الوصفي لتجارب تفسير القرآن بلغة الإشارة في العالم العربي. والمحور الثاني: البناء المنهجي لتجارب تفسير القرآن بلغة الإشارة في العالم العربي عرضًا ونقدًا.

وتناول القسم الثاني: تقارير التجارب التفسيرية. متضمنًا للتقارير التقويمية للتجارب قيد الدراسة والتي جرى الاعتماد عليها بشكل أوّلي في تركيب الدراسة النظرية التقويمية في القسم الأول من الدراسة، وذلك من خلال أربعة محاور:

المحور الأول: تجربة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

المحور الثاني: تجربة جمعية المحافظة على القرآن الكريم.

المحور الثالث: تجربة موقع إسلام ويب.

المحور الرابع: تجربة جمعية المنابر القرآنية.

وقد خلصت الدراسة إلى نتيجة مركزيّة تمثّلت في خلو التجارب التفسيرية الداخلة في حد الدراسة من بناء منهجي متماسك تأسّس عملها عليه، مما يجعلها غير صالحة لعموم الصمّ أو أكثرهم، وغير ممكن الاكتفاء بها في مجال تفسير القرآن الكريم بلغة الإشارة، كما يجعل التأسيس عليها، وتتابع الجهود وتراكمها بعدها في خدمة تفسير القرآن الكريم للصم غير متيسر لافتقاد المعالم المنهجية والأسس الكلية والمعايير الضابطة التي يتم تتابع الجهود وتراكمها بناء على وجودها واستقامتها.

وأمّا النتائج التفصيلية للدراسة، فأبرزها ما يأتي:

1- كان مجمع الملك فهد أول المؤسسات التي قصدت لإنجاز تفسير بلغة الإشارة لبعض أجزاء القرآن حيث بدأ المجمع نشاطه في التخطيط والإعداد للمشروع والتنفيذ لبعض مراحله في عام 2004م، وكانت جمعية المحافظة على القرآن الكريم أسبق الجهات والمؤسسات في العالم العربي إلى إنجاز تفسير كامل للقرآن بلغة الإشارة، فقد أنجزت مشروعها كاملًا في تفسير القرآن بلغة الإشارة عام 2011م.

2- مثلت العناية بتفسير جزء عم قدرًا مشتركًا بين كافة التجارب عَدَا تجربة موقع إسلام ويب فلم تفسره كاملًا وإنما اقتصرت منه على (22) سورة من قصار السور.

3- لم تَظهر أيّ جهود للاستفادة من التجارب السابقة المماثلة في كل تجربة من تلك التجارب، ومن ثمَّ العمل على تطويرها وتجنب السلبيات التي وقعت فيها.

4- لوحظ على التجارب عدم العناية بذكر أهدافها ومنهج عملها ومعاييرها المعتمدة، وإن كانت هناك إشارات يسيرة لكنها لا ترقى لتقديم تعريف متكامل بالتجارب.

5- لم يكن هناك تحديد دقيق للفئة المستهدفة (الصم) في كل التجارب، من حيث درجة الإعاقة، ولا من حيث المرحلة العمرية أو غيرها، ولم تظهر أيّة مؤشرات تدل على اعتماد التجارب لاحتياجات الصم وإشكالاتهم أساسًا لانطلاق العمل في التجارب، كما لم تنطلق التجارب من احتياجات الفئة المستهدفة في حدود المستوى التفسيري ومعالمه وطريقة تقديمه.

6- لم يظهر أثر لوجود وسائل قياس مؤشرات الأداء أو استيعاب المحتوى، إضافة إلى خلو المحتوى المقدم في التجارب من أيّة أنشطة تعمل على التحفيز وإثارة دافعية المتلقين؛ كالتدريبات والتمارين وما أشبه ذلك.

 

الكتاب متوفر للبيع على متجر تفسير

Tafsir Center for Quranic Studies | مركز تفسير للدراسات القرآنية

www.tafsir.net