كتاب (الوجيز في علوم القرآن العزيز) للدكتور/ عليّ بن سليمان العبيد
عرض وتقويم

الكاتب : هند الورداني
يُعَدّ كتاب (الوجيز في علوم القرآن العزيز) للدكتور/ عليّ بن سليمان العبيد أحد كتب علوم القرآن المعاصرة، وهذه المقالة تُعرِّف بهذا الكتاب، وتسلِّط الضوء على منهجه ومحتوياته، كما تعرض لأبرز مزاياه والملاحظات حوله.

تمهيد:

  القرآن الكريم أشرف الكتب، وعلومه أشرف العلوم، وهو بحرٌ زاخر، لا ينضب مَعِينُه، ولا تنتهي عجائبه؛ ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾[فصلت: 41- 42]، وقد تعهّد الله -عز وجل- بحفظ كتابه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9]، فسخّر لخدمته رجالًا مخلصين، ولدراسته وفهمه طلاب علمٍ عامِلِين، فتبارى العلماء عبر القرون في سبر أغواره، وبيان علومه وأسراره، نشرًا وتأليفًا، وبحثًا وتأصيلًا، آملين نيل شرف خدمة هذا الكتاب الكريم ونشر دين الله الحقّ القويم، وما زال القرآن يخبئ من جواهره الكثير، مناديًا طلبة العلم في كلّ زمان أن اجتهدوا فإن معجزة القرآن تتجدّد كلّ حين.

وفي هذا المقال نتناول بالعرض والتقويم كتاب (الوجيز في علوم القرآن العزيز)، للدكتور/ عليّ بن سليمان العبيد[1]، والداعي إلى اهتمامنا بعرض هذا الكتاب وتقويمه هو عنايته الفائقة بالمبتدئين والمتوسّطين من طلبة العلم -مع قلّة الكتب الأصولية التي تهتم بهذه الفئة-؛ فهو يعرض علوم القرآن بأسلوبٍ معاصر، ومنهجٍ سهل ميسَّر، بعيد عن دوّامات الحشو والخلافات، وبإيجاز لا يخلّ بتفاصيل البيان، فيروي ظمأ السائل، ولا يثقل كاهل الطالب، فكان جديرًا بالعرض والتقويم.

القسم الأول: كتاب (الوجيز في علوم القرآن العزيز)؛ عرض وبيان:

بيانات الكتاب:

كتاب (الوجيز في علوم القرآن العزيز) هو أحد المؤلّفات التي صدرَتْ عن دار التدمرية- الرياض- المملكة العربية السعودية، عام 1433هـ- 2012م، والكتاب يقع في مجلّد واحد كبير الحجم، ويبلغ عدد صفحاته (548) صفحة.

السبب الباعث على التصنيف:

الكتاب عبارة عن مجموعة من المحاضرات حول علوم القرآن كان المؤلِّف قد ألقاها على طلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد حاول ضبطها وتحريرها في هذا الكتاب. يقول المؤلِّف: «يسرّني أن أقدِّم بين يدي القارئ الكريم المعتني بالقرآن الكريم والدراسات المقدَّمة حوله = عددًا من موضوعات علوم القرآن كنت قد تناولتُها بالشرح والدرس على طلاب جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وحاولتُ أن أضبطها وأحرّرها فيسَّر الله ذلك في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم»[2].

محتويات الكتاب:

بدأ المؤلِّف كتابه بمقدّمة يسيرة ذكر فيها السبب الباعث على وضع الكتاب، موجهًا حديثه إلى القارئ المعتني بالقرآن الكريم والدراسات القرآنية، ونوّه أنّ بعض المباحث ستنال المزيد من الدرس والمراجعة، كموضوع نزول القرآن والأحرف السبعة؛ وذلك نظرًا لأهميتها ولتعدّد الأقوال فيها دون الوصول إلى نتيجة، ثم بيَّن المؤلِّف أنه قسّم كتابه إلى خمسة وعشرين موضوعًا، بدأها بمقدّمة أصولية حول أصول التفسير وعلوم القرآن، بيّن فيها تعريف كلٍّ منهما، والفرق بينهما، وفوائد دراسة علوم القرآن، ونشأتها، وأهم المؤلَّفات فيها، واضعًا هذه العناوين تحت بند «الموضوع الأول»، ثم جاءت بقية موضوعات الكتاب على النحو الآتي:

 (الوحي، نزول القرآن الكريم، أوّل ما نزل وآخر ما نزل، أسباب النزول، عموم اللفظ وخصوص السبب، المكي والمدني، فضل القرآن الكريم وآداب تلاوته، جمع القرآن الكريم وكتابته، الرسم العثماني، ترتيب الآيات والسور، الأحرف السبعة، الناسخ والمنسوخ، المحكم والمتشابه، الموهم والمختلف، الوجوه والنظائر، أمثال القرآن، الجدل في القرآن، قصص القرآن، أقسام القرآن، الاقتباس وما يجري مجراه، إعجاز القرآن، وجوه إعجاز القرآن الكريم، ترجمة القرآن، تفسير القرآن الكريم ونشأته).

منهج الكتاب:

يفتتح المؤلِّف كلّ موضوع من موضوعات الكتاب بعرض التعريفات الخاصّة به لغةً واصطلاحًا، ثم يبين فوائد دراسة هذا العلم وأهميته ونشأته وأهم الكتب المُؤلَّفَة فيه، ومن ثَمّ يبدأ في عرض التفاصيل وبسط الأدلة من القرآن والسنّة، ويبين الآراء المختلفة حول كلّ مبحث، مع عزو الأقوال إلى قائليها، ثم بعد ذلك يوضح الرأي الراجح طبقًا للدليل، وقد يشير في نهاية بعض الموضوعات إلى أهم الملاحظات الواردة فيها أو يردّ على شبهة مشهورة تعترضها.

القسم الثاني: كتاب (الوجيز في علوم القرآن العزيز)؛ نقد وتقويم:

أولًا: المزايا:

موضوعات الكتاب في الأصل تناولها الكاتب بالدرس والشرح في الجامعة قبل تأليف الكتاب، ومن ثَمّ فهي في ضوء طبيعتها جعلت الكتاب صالحًا لأن يكون للمبتدئين من طلاب العلم، وفي ضوء هذه الفكرة يمكننا ذكر مجموعة من المزايا له في هذا السياق تجعله من أفضل الكتب المعاصرة الخاصّة بهذه الفئة:

1- سهولة العبارة، وجمال العرض.

2- توسّط حجمه مقارنة بكتب علوم القرآن المخاطبة للمبتدئين والمتوسطين.

3- بُعده عن الإيجاز المُخِلّ والإسهاب الممِلّ في أغلب المسائل.

4- اهتمام الكتاب ببيان فوائد دراسة كلّ مبحث، والحِكَم والمقاصد، مما يعزّز استيعاب الموضوعات.

5- اهتمام الكتاب بالمباحث المركزية: كموضوع الوحي والأحرف السبعة.

6- عرض أبرز الكتب المؤلَّفَة في كلّ مسألة؛ للإحالة إليها لمن أراد التوسّع.

7- الاهتمام بالجانب العلمي التأسيسي، والبُعد عن التوغّل في القضايا الفرعية وردّ الشبهات إلا فيما يقتضيه المقام. وقد ألفينا العديد من كتب علوم القرآن المعاصرة تسهب في عرض شبهات هامشية ميتة وتميل إلى جدالات فرعية تثقل كاهل طلبة العلم -وخاصةً المبتدئين منهم- بلا طائل.

8- قوّة الصناعة الفقهية في الترجيح بين الأقوال في المسائل المختلَف فيها، وبذلك فإنّ المؤلِّف يؤكّد لطلاب العلم المبتدئين مدى الصلة الوثيقة بين علوم القرآن والعلوم الشرعية الأخرى، وكيفية الاستفادة من أصول الفقه في خدمة القرآن الكريم وعلومه. مثال: الترجيح في مسألة أوّل ما نزل من القرآن مطلقًا، فقد عرض المؤلِّف الأقوال كلّها، ولم يكتفِ ببيان الراجح فقط، وإنما قام بتوجيه بقية الأقوال، وقد أحسن فضيلته كثيرًا في توجيهه لحديث الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فيما يخصّ هذه المسألة.

مثال آخر: الترجيح في قضية الأحرف السبعة، وقد جمع الكاتب هنا بين قوة الصناعة وسلاسة العرض؛ فبدأ أوّلًا بانتقاد غلوّ الأقوال وكثرتها في هذا المبحث، إلى الدرجة التي دفعت السيوطي في (الإتقان) إلى عرض أربعين قولًا فيها، فنوّه المؤلِّف إلى أن أغلب هذه الأقوال متداخل، وبعضها لا قيمة له عند النظر والتحقيق، ثم حصر هذه الأقوال المختلفة في خمس نقاطٍ فقط قام ببيانها، فردّ الرأي الأول، ثم انتهى إلى الترجيح بالجمع بين الأقوال الأربعة الباقية؛ لأنه لا خلاف بينها، بل يُكمل بعضها بعضًا، وتحتملها المسألة.

9- الاهتمام بتخريج الأحاديث والآثار: وهذا يبيّن للمبتدئين أهمية تحرّي صحة الأقوال، وعزوها إلى قائليها؛ لأنها قد تفيدهم فيما بعد أثناء الترجيح، بالإضافة إلى ترسيخ قاعدة (بركة العلم نسبته إلى أهله) في نفوس طلاب العلم.

ثانيًا: الملاحظات:

1- موضوع أسباب النزول:

بما أن الكتاب يُخاطِب المبتدئين فقد كان من الأجدر أن يبيّن في بداية هذا الفصل أن آيات القرآن الكريم تنقسم إلى فئتين من حيث أسباب النزول؛ الأُولى: ما نزل ابتداءً (بلا حادث معيّن). والثانية: ما نزل بسبب (مرتبطًا بحادث معيّن). وبيان هذا الأمر مهمّ ويترتب عليه أمر آخر أشد أهمية، وهو أن نسبة النازل بسبب ضعيفة مقارنةً بالنازل ابتداءً من القرآن الكريم؛ وهذه الملاحظة ضرورية للردّ على دعاوى التيار العلماني «بتاريخية القرآن»، والتي يلوكها المبطلون المعاصرون بربط القرآن بالوقائع والأسباب الحادثة في عصر التنزيل فقط، وادّعاء أنّ كافة آيات القرآن الكريم قد نزلت بأسباب وحوادث.

والكتاب وإن كان للمبتدئين إلا أنه كان من المهم احتواؤه على هذا الأمر؛ فالواحدي قد روى في كتابه سبب نزول 472 آية فقط من إجمالي 6236 آية هي مجموع آيات القرآن الكريم، والسيوطي لم يتجاوز في لباب النقول بيان سبب نزول عدد 888 آية، وكلّ ذلك لا يتجاوز على الأكثر نسبة 14% من إجمالي آيات القرآن الكريم، وأمّا غالب الآيات فقد نزلت ابتداءً لهداية العباد، ولتكون منهاجًا لهم في كلّ زمان ومكان.

ولعلّ الكاتب قد استغنى بمبحث عموم اللفظ وخصوص السبب عن التنويه على هذه الملاحظة، إلا أننا نرى أن هذا المبحث لم يكن كافيًا لسدّ ثغر هذه النقطة.

2- موضوع تفسير القرآن ونشأته:

هو أحد أجمل موضوعات الكتاب عرضًا، إلا أن الكاتب اكتفى بالإشارة إلى قضية (الإسرائيليات) بشكل سريع في تفسير التابعين ودمج أغلبها ضمن مبحث مناهج المفسّرين، وكان من الأَوْلى في ضوء أهمية هذا الموضوع للمبتدئين إفراده في مبحث مستقلّ يبين نشأته وقواعد التعامل معه وتفاصيله وأهم المؤلّفات التي وردت فيه.

3- موضوع فضائل القرآن:

جاء ترتيب هذا الموضوع في منتصف الكتاب، وكان من الأفضل وضعه في بدايته؛ لأنّ بيان فضائل الأمر محلّ البحث (وهو القرآن الكريم) يجذب انتباه القارئ، ويشوِّقه لمعرفة علوم هذا الكتاب العظيم، ويحفزه لإكمال قراءة المباحث حتى آخر صفحةٍ فيها. أمّا وضعه هكذا في وسط الموضوعات فقد أعطى إيحاءً بانقطاع الصلة بينها.

الخاتمة:

في نهاية حديثنا عن كتاب (الوجيز في علوم القرآن العزيز) أودّ التأكيد على أن هذا الكتاب من أفضل ما قرأتُ في كتب علوم القرآن المعاصرة التي تستهدف شريحتي المبتدئين والمتوسّطين من طلاب العلم، بل وحتى القارئ العام، ومنهجه من أفضل المناهج التي تعتمد على عرض المباحث الضخمة بطريقة ميسَّرة سهلة الهضم، فجزى اللهُ الدكتور عليّ بن سليمان العبيد عنّا خيرًا، وأعان اللهُ بالتوفيق والسداد كلَّ من أراد خدمة كتابه الكريم، والحمد لله ربّ العالمين.

 

[1] هو فضيلة الدكتور/ عليّ بن سليمان العبيد، الأستاذ بقسم القرآن الكريم وعلومه، كلية أصول الدين- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، شغل فضيلته منصب وكيل الرئيس العام لشؤون المسجد النبوي الشريف، وله العديد من المؤلفات، من أبرزها: (تفاسير آيات الأحكام ومناهجها -وهي رسالته للدكتوراه-، ترجمة القرآن حقيقتها وحكمها، مناهج المفسرين، الوجيز في علوم القرآن العزيز -وهو موضوع المقالة-، مقاصد سور القرآن الكريم، وغيرها). انظر الرابط: tafsiroqs.com/article?article_id=4089.

[2] الوجيز في علوم القرآن العزيز، عليّ بن سليمان العبيد، ص5.

الكاتب

هند الورداني

حاصلة على ماجستير العلوم البيطرية - جامعة الإسكندرية، ولها بعض الأعمال المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))