تعريف بمخطوط (الوجيز) للإمام الواحدي
المحفوظ بمكتبة جار الله بإستانبول

تعرِّف المقالة بمخطوط نفيس لكتاب (الوجيز) للإمام الواحدي، وهو المحفوظ بمكتبة جار الله بإستانبول، وتستعرض الجانب المادي للمخطوط بذكر بيانات الحفظ وحالة النسخة، وكذلك الجانب العلمي بذكر التعليقات عليها وقيمتها العلمية ورحلة المخطوط.

  أنالَ كتابُ العزيز -سبحانه- المؤمنين به شرفًا، فكان لأتباعه رِفعةً وعِزًّا ولطالبيه مكانةً وفوزًا، فجعلوا في قلوبهم قِيادَهُ وفي عقولهم مفادَهُ، فرتَّبُوا لذلك خُططًا وصارَ لأهل كُلِّ خُطَّةٍ متفنِّنون ولأرباب كلِّ صَنعةٍ مُفْتُون.

توطئة:

برع الإمام الواحدي أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عليّ[1] في التفسير، فكان كتابه: «الوجيز في تفسير القرآن العزيز» ذائعًا بين الكُوَر والأصقاع، منتشرًا بين الطلبة وأهل السَّمَاع، وأصل هذا الكتاب هو: «البسيط في التفسير»، ثم اقتضبه في «الوجيز» ثم صنع بعد هذا الكتاب: «الوسيط بين المقبوض والبسيط».

ولقد انتهى من تأليفه -رحمه الله- لكتابه هذا قبل وفاته بثمان عشرة سنة، ثم تتالت النُّسَّاخ على تكرار نَسْخِه، واعتنى أهل العلم بقراءته وروايته ودَرْسِه، وبين أيدينا نسخة من نُسَخِهِ النفيسة، نتكلم عنها ونستعرض جانبيها؛ المادي والعلمي.

أولًا: الجانب المادي:

1- بيانات الحفظ والحجم والخطّ:

هذه النسخة محفوظة بمكتبة جار الله في مكتبة السليمانية برقم حفظ (247-m)، في ثلاثمائة وخمس عشرة ورقة، في ثلاثة وعشرين سطرًا، بمقاس (272×199مم) للورق، و(217×141مم) للنصّ، بخط نسخ واضح متوسط الحجم بمداد أسود إلّا فواتح السور لُوِّنَت بالحمرة، مضبوطة كاملة التنقيط عدَا الورقة (140، 199) بوجهيها، فقد اختلف فيها الخط، ولعلها كانت ساقطة فأُكمِلَت، اختلف لون الورق في أثنائها.

2- حالة النسخة:

 قد أصاب النسخةَ البَلَلُ في بعض أوراقها ونالَت الأرَضَةُ من أطرافها، والرطوبةُ أثَّرت في مادتها وتأثر لذلك حِبرها، وأصاب التمزُّق والتفكُّك بعض أوراقها مما استدعى ترميمًا غطَّى بعض البيان في أوّلها، وخُطَّت بخطوطِ تنبيهٍ حمراء وسوداء في بعض أوراقها فوق الآيات.

3- الناسخ وتاريخ النَّسْخ:

انتهى إعمال القلم في هذه النسخة بعد العشرين وخمسمائة من الهجرة الشريفة بيدِ ماشِقها نصر بن عبيد الله بن نصر بن كثير. ولم يكن الوصول إلى معرفة الناسخ وتاريخه سهلًا، حيث كُتبت عبارة: «نقلتُ هذا الكتاب بأسْرِه، كتَبَهُ نصرُ بن عبيد الله بن نصر بن كثير» على هامش آخر النسخة مما دلَّ على الناسخ، وفُهِم تاريخ النسخ فهمًا من غير نصّ، حيث انتهت روايتها في العشرين وخمسمائة من الهجرة الشريفة وقُوبِلَت بعد ذلك بأحد عشر عامًا، فكان النسخ في ذلك الزمن.

ثانيًا: الجانب العلمي:

1- قيمة النسخة:

تُعَدُّ هذه النسخة مِن أنفسِ النُسَخ؛ لأنها قُوبِلَت وصُحِّحَت على نسخةٍ مقروءةٍ على المصنِّف مِن قِبَلِ الناسخ في ذي القعدة من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، ثم قُوبلَت ثانيةً ودُوِّن على هامشها تصحيحات وفوارق نَسْخٍ، وسُمِعَت النسخة عن طريق تلميذ الشيخ المصنِّف، وهو الشيخ أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عليّ الفرخان الصوفي السمناني (ت 531هـ)، ثم أجاز باقيها في بغداد سنة خمسمائة وعشرين، وهذه النسخة أصل روايته.

«بلغت المقابلة والتصحيح بأصلٍ قُرِئ على المصنِّف أبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي رحمه الله وكان الفراغ في شهر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة والحمد لله وحده».

«أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عليّ الفرخان السمناني -رضي الله عنه- سمعتُ عليه بعض الكتاب وأجاز لي باقيهِ ببغداد سنة عشرين وخمسمائة».

2- سَمَاعات وقراءات الأئمة الواردة على النسخة:

ومما زاد في نفاستها وعلوّ قيمتها أن هذه النسخة قد بُلِّغَت سَماعًا على أئمة أعلام، منهم الشيخ الإمام صابر الدين أبو بكر يحيى بن (سعدون) القرطبي، على الطلاب، في خمسٍ وستٍّ وخمسين وخمسمائة، وهذا نصّ قيد السَّمَاع:

«سَمِعَ جميعَ هذا الكتاب على سيدنا الشيخِ الأجلِّ العالم صابر الدين أبي بكر يحيى بن (سعدون) القرطبي وفّقه الله لمرضاته -الشيخُ الأجلُّ السيد العالم أبو المكارم هبة الله بن يوسف بن... وفي الطبقة المذكورة مع المسمَّين في شهر رمضان سنة ست وخمسين.

(وسمعَ) جميع كتاب الوجيز للواحدي، وهو هذا، على سيدنا الشيخ الإمام الفاضل صابر الدين أبي بكر يحيى بن... بقراءة جمال الدين أبي الفتوح عليّ بن الحسن بن عليّ (العالم الكرخي) الشيخ إسماعيل بن... بن هاشم... -(الشيخُ) أبو جعفر شرف الدين عمران بن عمرو والشيخُ الإمام أبو سعد عبد الملك وعليُّ بن عبد الله السلمي... والشيخ الإمام أبو نصر عمر بن أبي بكر... من قوله: {لا تحسبن الذين يفرحون} من آل عمران (إلى آخر الكتاب، وسمع من قوله): {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات} إلى آخر الكتاب، وقد أجزأه الشيخ بما فاته وسمعَ عليُّ بن صالح بن سليمان... الكتاب وسمع أبو السعادات بن أبي الحسن بن عليّ... من أول الكتاب إلى... ومن... وجميعه من أوله إلى آخره مثبت السماع كامل بن سعد... آخرها... سنة خمسٍ وخمسين وخمسمائة، والحمد لله، وصلى الله على...

سَمِع جميع هذا الكتاب، وهو كتاب الوجيز للواحدي... جمال الإسلام عن الأئمة: زين القراء أبي بكر يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي القرطبي... بطاعة -المشايخُ الصالحون: عبد الله بن يحيى الأندلسي، وكاتبُ السماع... محمد بن محمد بن هارون المقرئ المعروف بابن الكمال سماعًا، وسمع الأمير مجد الدولة... آخر سورة الواقعة، ومن أول سورة نون والقلم إلى آخر الكتاب، وسمع الشريف... عزّ السادة أبو طالب الحسن بن حيدرة العلوي العمري المعروف بابن النسّابة... قوله: {من يشفع شفاعة حسنة} إلى آخر سورة الواقعة، ومن أول سورة... وسمع الشيخ عليّ بن مسعود بن يحيى النجفي من أوله إلى آخر سورة براءة، ومن سورة... وسمع أبو السعادات بن أبي الحسن بن عليّ... الكتاب جميعه وما... وصح ذلك وثبت في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة ستٍّ وخمسين...

... الكتاب من أوله إلى آخره، وصح وثبت...».

وأيضًا بُلِّغَت سماعًا على الإمام عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي السنان في عدَّة أزمنة، لكثير من مَهَرة الطلبة، من سنة أربع عشرة وستمائة، وآخرها سنة ثلاثٍ وثمانين وستمائة بقراءة ولده أبي محمد الحسن، حيث توزَّعت بلاغاتها على أثناء النسخة ورُسِمَ بآخرها قيد هذه السماعات وهذا نصّه:

«سمعَ جميع هذا الكتاب وهو الوجيز للواحدي -رحمه الله- على السادة الشيخ الإمام العالم الفاضل الكامل عماد الدين فخر الأئمة أبي محمد عبد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن أبي السنان -أحسن الله توفيقه-: الجماعة الشيخ الإمام العالم الفاضل ركن الدين علي بن خضر بن خشنام، والشيخ الإمام... الدين أبي الفتح نصر الله بن الحسين بن أبي نصر المقرئ، ومثبت الأسماء عليّ بن المعافا بن إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن أبي السنان، وذلك بمسجد يعرف بالمسمِعِ في يوم... الثامن والعشرين من شعبان سنة أربع عشرة وستمائة، والحمد لله رب العالمين.

صحيح ذلك كتبه عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي السنان...

سمع جميع هذا الكتاب وهو الوجيز في تفسير القرآن العظيم للواحدي رضي الله عنه على المسنِدِ الأجلِّ الإمام العالم الفاضل الصدر الكبير الزاهد الورع عماد الدين ركن الإسلام مجد الأئمة بقية السلف أبي محمد عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي السنان الشاهد صان الله قدره... في مجالسَ آخرها في يوم الاثنين الرابع والعشرين من رمضان سنة تسع عشرة وستمائة بمسجده -عمره الله تعالى بالطاعات- بقراءة الأجلّ الفاضل الزاهد تاج الدين جمال الفضلاء أبي بكر محمد بن مسعود بن إبراهيم بن... وفّقه الله، الفقير إلى الله تعالى أبي أحمد بوزان بن سنقر بن عبد الله الرومي، والحمد لله حقّ حمده وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم كثيرًا، صحيح ذلك وكتب عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي السنان في التاريخ.

قرأتُ جميع هذا الكتاب على المولى السيد الوالد الإمام العالم الكامل الصدر الكبير عماد الدين زين الإسلام صدر الأئمة شيخ المشايخ بقية السلف الصالح أبي محمد عبد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن أبي الفتح بن أبي السنان أحسن الله توفيقه، بحق روايته لنفسه، الأول سماعًا على القرطبي ونصفه الآخر إجازة عنه، في مجالس عِدَّة آخرها عاشر شعبان من سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع ما قرأه ولدي أبو محمد الحسن، كتبه الفقير إلى الله تعالى عليّ بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن أبي السنان.

صحيح ذلك كتبه عبد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي السنان».

وأيضًا بلغت بقراءة على عمر بن محمد بن عليّ بن أبي نصر.

3- التعليقات والنِّكات والمطالعات:

على هوامشها بعض التعليقات والنِّكات والنُّقولات المفيدة والمهمّة، شارحة لِمُقْفَلِه معرِّفة لمبهَمِه موضِّحة لغامضه، وبعضها معلّق من خطّ صاحب المكتبة الشيخ وليّ الدين جار الله.

وطالعها رجل أوردَ اسمه بشكل مبهَم لم تُعرَف نسبته، فقال: «طالع محمد الفقير».

4- التملُّكات والوقفيات:

اعتنى المشتغلون بحيازة الكتب المهمّة والمصنَّفات الملمَّة. وهذه النسخة من أشرفها؛ بدلالة التملُّكات والوقفيات التي تناولتها، وهي:

تملُّك منسوب لمصطفى بن مصطفى، ونصُّه: «دخل في نوبة مصطفى بن مصطفى».

ثم تملُّك ليحيى بن محمد، ونصه: «تملكه الفقير يحيى بن محمد بن...».

وتملك لصاحب المكتبة أبي عبد الله وليّ الدين جار الله، وعليها ختم تملكه وفوقه نصّه، وهو: «مِن ألطفِ نعمِ الله على عبده أبي عبد الله وليّ الدين جار الله».

ثم وقفها متملكها هذا فنَصَّ في ختم وقفه، فقال: «وقَفَ هذا الكتاب أبو عبد الله وليّ الدين جار الله بشرط ألّا يخرج من خزانةٍ بَناها بجنب جامع سلطان محمد بقسطنطينية سنة 1147هـ».

5- رحلة المخطوط:

ولقد رحلَت هذه النسخة بين الأمصار والبلدان وطوَّفت بين أيدي العلماء والمشتغلين أزمنة وأمكنة، فلقد أُجِيزت من راويها السمناني بعد العشرين وخمسمائة ببغداد، ثم قُوبلَت من قِبَل الناسخ في إحدى وثلاثين وخمسمائة، وأُقرِئَت في خمسٍ وخمسين بعد الخمسمائة على القرطبي، ثم في ثلاثٍ وثمانين وستمائة على ابن أبي السنان، ثم انتقلَت في حيازة المتملِّكِين إلى أن وصلَت إلى يد جار الله في القرن الثاني عشر متملِّكًا لها، ثم متبرِّعًا بها موقوفة في مكتبته بإستانبول إلى الآن.

خاتمة:

وأخيرًا فإنّ الباحث عن النُّسَخ المعتمدة، في بحثه المتصل عن كتاب الوجيز، ليَشُمُّ رائحة الأصالة في هذه النسخة ويجعلها أُمًّا دون النُّسَخ المتوزعة حول العالم؛ لِما أسلَفْنا ذِكْرَه من أسباب تشهد بعلوّ مكانتها وارتفاعها على ما سواها بموثوقيّتها، اللهم إلّا أن نَقع على النسخة التي كتبها الواحدي بيمينه. والحمد لله حقّ حمده.

 

[1] هو الإمام المصنِّف المفسِّر النحوي، أستاذ عصره، وواحد دهره، أنفق صِباه وأيام شبابه في التحصيل، فأتقن الأصول على الأئمة، وطاف على أعلام الأُمّة، فتلْمَذ لأبي الفضل العَرُوضِيِّ الأديب، وقرأَ النحو على أبي الحسَن الضرير، وسافر في طلب الفوائد، ولازَم مجالس الثعالبيّ في تحصيل التفسير، وأخذ في التصنيف فجمَع كتاب «الوجيز»، وكتاب «الوسيط»، وكتاب «البسيط»، كلٌّ في تفسير القرآن المجيد، وأحسنَ كلّ الإحسان في البحث والتنقير، وقعد للإفادة والتدريس سنين، وتخرَّج به طائفةٌ من الأئمة سمعوا منه وقرؤوا عليه وبلَغوا محلَّ الإفادة. اهـ. قال الذهبيُّ في (سِيَرِه): «إمامُ أهل التأويل». وقال الداوودي في (طبقات المفسّرين): «كان أوْحَد عصره في التفسير». مات -رحمه الله- بنيسابور في جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وأربعمائة. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج18، ص339. معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ج4، ص1659، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ-1993م. طبقات الشافعية الكبرى، السبكي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1413هـ، ج5، ص240. طبقات المفسرين، الداوودي، دار الكتب العلمية - بيروت، ج1، ص394.

الكاتب

عبد العاطي الشرقاوي

باحث في مجال التراث الإسلامي، حصل على درجة الماجستير في التفسير والحديث من جامعة الشارقة، وله عدد من البحوث والتحقيقات والمؤلفات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))