ملف (إشكالات علم التفسير)
مدخل تعريفي

اعتنى مركز تفسير بإعداد ملف علميّ حول إشكالات علم التفسير، يعمل على تثويرها وإثراء النظر فيها، وتأتي هذه المقالة كمدخل تعريفي بالملف؛ لتبرز أغراضه وأهم موادّه وأقلامه.

  يُعَدّ علم التفسير أحد أهم العلوم الإسلامية وأكثرها شرفًا، وهو من العلوم المقصودة لذاتها؛ ولذا انطلقت شرارةُ ممارسة التفسير منذ بدايات العهد الإسلامي، ثم تتابعت وتراكمت بصورةٍ كبيرةٍ؛ وهو ما أسفر عن العديد والعديد من المصنفات التفسيرية.

وبرغم وفرة التطبيق وكثرة تآليف التفسير التي برزت عبر التاريخ، إلا أن علم التفسير يشتهر بأنه من العلوم التي لم تنضج ولم تحترق، كما أنه من العلوم التي وقع التشكيك والطعن في عِلْميّتها من قِبَل بعضهم، وهو ما يدلّ بصورة عامة على حاجة هذا العلم إلى مزيدٍ من العناية والضبط والتحرير والتأصيل في زوايا عديدة وجوانب مختلفة.

وإنّ المتأمل في مسيرة علم التفسير لا تخطئ عينه حالة عدم النضج التي تعتري هذا الفنّ، وأن هذا العلم يعاني من اختلاف في مفهومه وفي الحدود الضابطة له، وكذلك لم تتوفّر كبير عناية بمصنفاته واستخراج مناهج هذه المصنفات وضبط جوانب الاتفاق والافتراق المنهجي بينها، وغير ذلك؛ مما يجعلنا أمام خريطة واضحة وبيّنة السمات للنتاج التفسيري عبر التاريخ والمسارات العلمية والمعرفية لهذا النتاج، وغير ذلك من الإشكالات.

وبرغم ظهور حالة عدم النضج لعلم التفسير، وكذلك كثرة الإشكالات المحتفة به، إلا أن تناول هذا الأمر يعاني غيبةً بارزة بين الدارسين للتفسير وقلّةً شديدة في الاهتمام به والبحث في أسبابه وعلله ومحاولة وضع الحلول لها.

ومن هاهنا سعى «مركز تفسير» إلى ترتيب ملفٍّ علميٍّ حول الإشكالات العلمية لعلم التفسير بصورة خاصّة؛ لفتح النقاش حول هذه الإشكالات وتسليط الضوء عليها، لا سيّما وأن دراسة هذه الإشكالات لها أهمية بالغة في ضبط العمل البحثي في ميدان التفسير على صُعُد مختلفة، وكذا في ضبط مسيرة التفسير ذاته والنهوض بهذا العلم على النحو الأكمل والوجه الأمثل.

السياسة العامّة لإعداد المواد العلميّة في الملف:

في ضوء الهدف السابق، فقد اعتنينا بترتيب بعض المواد البحثيّة الجديدة التي تتناول الإشكالاتِ العلمية للتفسير، وقد اجتهدنا في أن تُعنى بعض هذه المواد رأسًا بالمعالجة النظرية لأهم إشكالات علم التفسير وطرح بعض المقاربات حول المنهج اللازم إزاء التعامل معها، وكذلك حاولنا أن تكون المواد والأعمال الأخرى رامية -بصورة عامّة في ما تعالجه من قضايا- إلى الإسهام في إثارة بعض إشكالات التفسير وبيانها والآثار الناجمة عنها في تناول القضايا محلّ المعالجة والبحث؛ ومن ثم حاولنا قدر الطاقة الاعتناء بـ:

- التركيز على الإشكالات الكلية والمركزية لعلم التفسير، دون الخوض في الإشكالات الجزئية والثانوية التي قد تتعلّق بالموضوع من هنا وهناك، مع طرح مقاربات عملية لحلّ بعض هذه الإشكالات.

- الاشتباك البحثي مع بعض الأمور المركزية والمؤثّرة في ساحة العلم ذاته، وفحص أسسها المنهجية ومعاقدها الكلية، وبيان الموقف العلمي الصحيح منها.

- طرح معالجات بحثية لقضايا وأفكار، وإبراز أثر إشكالات علم التفسير في دراستها والتعامل معها.

- التعريف ببعض الجهود والأعمال العلمية المهمّة التي اعتنت بإثارة إشكالات علم التفسير، وطرح خلاصات اشتغالها البحثي.

ولا شك أننا عبر هذه المسالك نستطيع الإسهام بصورة جيّدة في تثوير النَّظَر لإشكالات علم التفسير بصورة نظرية وتطبيقية، وبيان امتدادات هذه الإشكالات وآثارها في بعض المناحي، وكذلك وضع بعض الحلول لبعض الإشكالات المهمّة، وهو ما يعين بذلك على إذكاء النقاش بصورة جادّة في إشكالات التفسير وحُسن التبصُّر بها وبطرائق معالجتها والتعامل البحثي معها على صُعُد مختلفة وقضايا متعددة.

وقد حرصنا على تنويع المواد في الملف بين البحوث والمقالات والحوارات، وكذلك راعينا تعدُّد الأقلام البحثية بحسب ما تيسّر، وأن تكون لغالب هذه الأقلام عنايةٌ بالبحث في إشكالات العلم.

مواد الملف:

يحمل الملف عددًا من المواد العلمية المتميّزة؛ وفيما يأتي بيان لها:

- «إشكالات علم التفسير؛ حوار مع الدكتور/ محمد صالح سليمان»، في هذه المادة الحوارية قام الدكتور/ محمد صالح- بتسليط الضوء على مدخل النظر لإشكالات علم التفسير، وكذلك استعرض أبرز إشكالات العلم في جانب الاصطلاحات والمفاهيم، وكذا في علاقات علم التفسير وجانبه النظري.

- «مقاربة في ضبط معاقد التفسير؛ محاولة لضبط المرتكزات الكلية لعلم التفسير ومعالجة بعض إشكالاته» للباحث/ خليل محمود اليماني، وهي مقالة مطوّلة تستعرض بصورة نظرية موسّعة أهم الإشكالات الرئيسة لعلم التفسير، وكذلك تهتم بوضع مسار منهجي لمعالجة هذه الإشكالات والتعامل معها.

- «تصنيف التفاسير؛ قراءة في المنجز مع طرح تصنيف معياري للتفاسير» للباحث/ خليل محمود اليماني، وهو بحث يعالج منهجية تصنيف التفاسير -تلكم القضية بالغة الأهمية في ضبط النظر للتراث التفسيري وكيفية التعامل معه- من خلال تقويم طرح الدكتور/ محمد حسين الذهبي -رحمه الله- في «التفسير والمفسرون»، ويطرح تصنيفًا معياريًّا جديدًا للتفاسير يجاوز الإشكالات التي أبداها على طرح الذهبي، ويعين على تثوير النظر للتفاسير بصورة مختلفة، ويتوسّع في التدليل النظري على صحة هذا التصنيف وكذا التطبيقي من خلال تصنيف (33) تفسيرًا.

- «توظيف المنهج الإحصائي في التعامل مع التراث التفسيري؛ إشكالياته وحلوله -تفسير السلف نموذجًا-»، وفي هذه المقالة المطوّلة يحاول الدكتور/ عبد الرحمن المشدّ- استعراض أهمية توظيف هذا المنهج في ميدان التفسير -من خلال التطبيق على إطار محدّد هو تفسير السلف-، ويبين أهم الإشكالات التي تعترض حُسن التطبيق لهذا المنهج شديد الأهمية في دراسة المسائل في الميادين العلمية، وينبّه على كيفية التعامل المنهجي مع هذه الإشكالات والتغلب عليها.

- «هل يُعَدُّ تفسير الطبري تفسيرًا بالمأثور؟»، وفي هذه المقالة يحاول الباحث/ محمود حمد السيد- أن يثير بعض الإشكالات على تصنيف الطبري ضمن التفسير بالمأثور، كما يعتني بإبراز جانب اجتهادي في تفسير الطبري قلَّ التنبه له رغم أهمية استحضاره في الوعي بصنيع الطبري وحُسن تصنيفه، وكذا الوعي ببعض الإشكالات المتصلة بتفسير السلف وطريقة النظر إليه.

- «الاستطراد في تفسير الرازي؛ وقفات منهجية»، وفي هذه المقالة يحاول الباحث/ محمود حمد السيد- تتبع النقد الحاصل لتفسير الرازي وتوسّعه في التفسير، وبيان إشكالات هذا النقد وصلته بالجدل حول مفهوم علم التفسير نفسِه وحالة التفاوت الواقعة فيه.

- «بحث تفاوت مفهوم التفسير؛ الدلائل والآثار ومنهج التعامل، للدكتور/ محمد صالح؛ عرض وتعريف»، وفي هذه المادة يقوم الباحث/ محمد السيد صدّيق- بعرض أحد البحوث المهمّة التي اعتنت بدراسة إشكالية تفاوت مفهوم التفسير وبيان انعكاساتها وكيفية التعامل معها.

- «التدريس غير الأكاديمي للتفسير، والحاضنة المعرفيّة الغائبة»، وفي هذه المقالة يحاول الباحث/ محمد مصطفى عبد المجيد- الوقوف على أسباب غياب الحاضنة المعرفيّة كناتج عن عملية تدريس التفسير خارج الإطار الأكاديمي، ويستعرض أبرز الإشكالات التي تعتري هذه العملية، مع عرض بعض الحلول العلمية المتصلة بذلك.

- «القراءة الحداثية وإشكالات حقل التفسير»، وفي هذه المقالة يحاول الباحث/ طارق حجي- استعراض مشاغل الدرس الحداثي والقراءات الجديدة للقرآن ومدى مساسها بإشكالات علم التفسير، وإلى أي مدى تُمثل مشاغل علم التفسير رهانًا للقراءات الحداثية للقرآن.

ولا شك أن إثارة سائر إشكالات علم التفسير مسألة صعبة ويتعذّر القيام بها، إلا أننا نأمل أن نلفت -عبر هذا الملف- أنظارَ الباحثين لإشكالات التفسير، ونثوّر النقاش حول هذه الإشكالات ومسالك التعامل معها.

ويجدر الإنباه أننا سنقدّم مباشرة -بعد الانتهاء من هذا الملف- ملفًّا خاصًّا بالتفسير كذلك على نافذة: (ترجمات/ قسم الاستشراق)، وهذ الملف وإن كانت موادّه لا تركز على ذات الهدف في معالجة الإشكالات العلمية للتفسير، إلا أنّ تقديم بعض المواد التي تبرز جوانب منوعة من معالجة أمور التفسير في الواقع الغربي والاستشراقي له إفادته في تركيز النظر وإذكائه حول التفسير بصورة عامة والنقاشات المتعلقة بقضاياه.

ونسأل اللهَ أن ينفع بهذه الجهود، وأن يوفقنا لخدمة الدراسات القرآنية، واللهُ وليُّ التوفيق.

فريق موقع مركز تفسير

الكاتب

فريق موقع تفسير

موقع مركز تفسير للدراسات القرآنية

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))