مريم وعيسى
موازنة الآباء التوراتيين
قراءة جديدة لسورة مريم في ضوء سورة آل عمران (الآيات 1-62)

في هذه الورقة تقوم الباحثة الألمانية أنجيليكا نويفرت بتقديم قراءة لقصة مريم في سورة آل عمران، موظِّفة مستجدات المناهج الأدبية ومنهجيات قراءة الكتاب المقدس، ومنطلقة من علاقة القرآن بالوضعية الاجتماعية له والوضعية الحوارية الدينية في وسطه، لتفترض علاقة بين إعادة القرآن بناء قصة مريم وعيسى وبين مواجهته النسب الابراهيمي الأبوي للنبوة.

  تعدّ أنجيليكا نويفرت واحدة من أبرز الأسماء على ساحة الدرس الغربي للقرآن والمعروفة بتطبيق المناهج الأدبية المعاصرة ومناهج دراسة الكتاب المقدّس على القرآن، وكذلك من أهم الأسماء التي بلورت في الدرس الغربي النظر للسورة كوحدة أدبية خاصّة، وهذا في إطار رؤية منهجية أوسع تقوم بدراسة النصوص في ضوء وضعيتها الاجتماعية، باعتبارها تعكس الوضعيات الحوارية السائدة في مجتمع النصّ، والتي يبني في مقابلها حججه وإستراتيجياته.

في هذه الدراسة تقرأ الباحثة الألمانية قصة مريم في سورة آل عمران مستلهمة هذه المنطلقات والمداخل المنهجية، حيث تربطها بباقي أجزاء السورة، خصوصًا الحديث عن مفاهيم (أم الكتاب)، و(التأويل)، و(الزيغ)، و(الفتنة)، وتربطها بالوضعية الخاصّة للجدال مع يهود المدينة حول مرجعية القرآن، وحول النبوّة، بالإضافة لتوظيف مفهوم الجندر (النوع الاجتماعي)؛ لتقدّم قراءة عن نسب مريم ونبوّة عيسى باعتباره نسَبًا أُموميًّا يميل إلى تفكيك مركزية النسب النبوي الذكوري الممثَّل في آل إبراهيم وبني إسرائيل.

هذا الاستحضار وربط القرآن بالتوراة يساعد نويفرت على استكشاف بعض معانٍ خاصّة عن عملية التأويل، ويكثف معنى الزيغ، وابتغاء الفتنة، القرآنيّين، كما تستطيع الإشارة عبر مقارنة حضور مريم ونسبها في آل عمران بقصة مريم في بعض الأناجيل إلى المكانة الكبيرة التي يعطيها القرآن لها.

إلّا أن المادة من جهة أخرى تثير إشكال القراءة الدياكرونية للنصّ، وهل يمكن للقراءة التزامنية أن تعطي أُكلها مع التحقيب الزمني للآيات أم لا؟ حيث إنّ دلالة الآيات كانت ربما ستتغير لو قُرئت في ظلّ الرؤية القرآنية عن مريم وإبراهيم والأنبياء كاملة؛ لذا فربما ينبغي النظر للقراءة التحقيبية كخطوة ينبغي أن تصحّح في الإطار الكلي، وكما يرى شلايرماخر فالدائرة الهرمنيوطيقية تجعل الجزئي لا ينكشف إلّا بالكلي والعكس.

إلّا أن أهم ما في هذه الدراسة لنويفرت ليس نتائجها، بل ما تطرحه من إمكانات الاستفادة من الكتب السابقة لاستكشاف بعض مساحات النصّ القرآني، وما تثيره من أسئلة حول الاستخدام الأمثل للمنهجيتين الدياكرونية والسانكرونية في قراءة النصّ.

المؤلف

أنجيليكا نويفرت - ANGELIKA NEUWIRTH

أستاذ الدراسات السامية والعربية في جامعة برلين الحرة، تُعد من أشهر الباحثين الألمان والأوروبيين المعاصرين في الدراسات القرآنية والإسلامية.
درست الدراسات السامية والعربية والفيلولوجي في جامعات برلين وميونيخ وطهران، عملت كأستاذ ومحاضر في عدد من الجامعات، مثل: برلين وميونيخ وبامبرغ، كما عملت كأستاذة زائرة في بعض الجامعات مثل: جامعة عمان بالأردن، وجامعة عين شمس بالقاهرة.
أشرفت على عدد من المشاريع العلمية، منها مشروع (كوربس كورانيكوم).
ولها عدد من الكتابات والدراسات المهمّة في مجال القرآن ودراساته.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))