تهتم الدراسات الغربية الكلاسيكية والمعاصرة بدراسة التفسير القرآني، يتركّز جزء كبير من اهتمام هذه الدراسات على التفاسير المبكّرة بالأساس، حيث يتم النظر إليها باعتبارها تفسِّر نشأة وطبيعة هذا الحقل، ورغم أن الكثير من الدارسين المعاصرين يُظهِرون انتقادًا لهذه الطريقة، ويحاولون لفت النظر لضرورة دراسة مرحلة نضج حقل التفسير وهي المرحلة الواقعة منذ الطبري وحتى المرحلة الوسيطة (أي مرحلة ظهور تفاسير مثل تفسير ابن كثير)، إلا أن هذا لم يعنِ غياب الاهتمام التامّ بهذه المرحلة، فلا يزال ثمة اهتمام كبير بمرحلة التفاسير المبكرة.

في هذه الدراسة التي بين أيدينا يتناول سيناي تفسير مقاتل بن سليمان، ويدرسه باعتباره يحمل سمات التفسير المبكّر، ويهتم لمحاولة اكتشاف ما يُبرِزُه هذا التفسير من شكل العلاقات بين العلوم الإسلامية الناشئة، سواءٌ التفسير أو الحديث أو أدب القصّاص، كما يحاول كذلك ربط نشأة التفسير بتبلور سلطة النصّ القرآني موظفًا طروحات وانسبرو في كتابه (الدراسات القرآنية).

كذلك يحاول سيناي -وعبر الاستناد لبعض الأمثلة التطبيقية من داخل الكتاب- اكتشاف المنهجية الخاصة للكتاب خصوصًا في العلاقة بين التعليق على الآيات القرآنية أو تفسيرها، وبين اندراج بعض الآيات في بعض الأحيان داخل إطار سردي شامل يتجاوزها، وكذلك في مسألة النظر الكلي للقرآن ومدى حضور هذا في تعليقات مقاتل على الآيات التي يتناولها في موضع محدّد.

وتهتم الكثير من الدراسات للتفسير المبكر والمنطلقة من طروحات وانسبرو مثل دراسة سيناي، بالتركيز على مسألة حضور المرويات القصصية داخل التفسير، حيث تَعتبر أن هذا يعود لغيومة الصلة بين التفسير وبين المعارف الأخرى مثل أدب القصّاص، وعدم وجود حدود واضحة بينها، وهذه المسألة تحتاج كثيرًا من التأمل حيث يَظهر فيها تغييب لفهم طبيعة وهدف التفسير الحاكم لورود المصادر داخله، ومسألة فهم هذه الطبيعة ذاتها هي مسألة يهتم لها كذلك كثير من الدارسين الغربيين المعاصرين.

وما يهم في هذه الدراسة ويدفع لترجمتها ليس النتائج التي يصل إليها سيناي، بل إلقاء الضوء على طريقة المعالجة الغربية المعاصرة لهذه المرحلة المهمة من مراحل التفسير الإسلامي، ولفت أنظار الدارسين إليها.