الإظهار في مقام الإضمار في القرآن الكريم
مُحدّدات استحسانه، وسر شيوعه، وأغراضه
الأسماء الحسنى نموذجًا
قد يُخالِف البليغُ مُقتضى الظاهر، فيُصرِّح بالاسم في الموضع الذي يقتضي إضماره، ويُضمِرُه في الموضع الذي يقتضي إظهاره، وذلك لأغراض لا يتأتَّى مراعاتها أو التنبيه عليها بالالتزام بمقتضى الظاهر. ومما لا يعسر إدراكه على المستظهر للقرآن الكريم وغيره من النصوص العربية الموسومة بالبلاغة أنَّ هذا الأسلوب يجري في القرآن الكريم أكثر بكثير مما يقع في غيره من الكلام العربي البليغِ، وأنَّه أكثر ما يكون بإظهار الأسماء الحسنى -لا سيما الاسم الأجلّ واسم الربّ- في مقامات إضمارها. ولمَّا كان الإظهار في مقام الإضمار نوعًا من التكرار الأسلوبي، وكانت النفوس مجبولة على مُعاداة المُعاداتِ؛ تصوَّر بعضٌ ممَّن قلَّ في البلاغة حظُّه، ونبا عن البيان لفظُه؛ أنَّه يمكنه الحطُّ على البلاغة القرآنية من جهة هذا الأسلوب، فجاء هذا البحث كاشفًا عن جماليات إظهار الأسماء الحسنى في موضع إضمارها؛ بترسيم حدوده واستنباط معايير استحسانه واستهجانه، وتتبُّعِ أغراضه، والتنقيبِ عن دقائقه ولطائفه؛ مُنبِّهًا على أنَّ لأسماء الله تعالى خصوصية ليست لغيرها فيما يتعلَّق بتعليل أغراض إظهارها في مقام إضمارها، وإذا كان الواجب على المتدبِّر للقرآن أن يجتهد غاية الاجتهاد في تأمّله، ثم يتمهَّل في قبول ما يقع له من ثمرات تأمُّلِه؛ حتى يختبر جوازه؛ فإنَّ ما كان من ذلك متعلِّقًا بأسماء الله الحسنى أحقُّ بالتدقيق والتحقيق.
وعليه؛ قسَّم البحثُ الأغراض العامَّة المستنبطة للإظهار في مقام الإضمار من حيث صلاحيتها لتفسير التصريح بالأسماء الحسنى في مواضع الإضمار إلى أربعة أقسام: أغراضٌ يمكن أن يُقال بها في جميع مواضع إظهار الأسماء الحسنى في مقام الإضمار، وأغراض لا يمكن أن يقال بها، ولا تقع في كلام المؤمنين العارفين بالله وأسمائه وصفاته، وأغراض لم تقع -في حدود البحث- في هذا الباب، وأغراض تحتمل أن تكون مرادة في مواضع دون مواضع.
وتتبَّع البحث في معقده التطبيقيّ أغراض إظهار الأسماء الحسنى في مقام إضمارها في القرآن الكريم، بالشرح الوافي والتمثيل الكافي؛ مضيفًا أغراضًا صالحة لتفسير إظهار أسماء الله الحسنى في موضع إضمارها، لم تتناولها الدراسات السابقة؛ مع تقديم الأمثلة عليها.