مدرسة "نولدكه" وتداعياتها على دراسة النصّ القرآني
يعتبر المستشرق الألماني تيودور نولدكه عند كثيرٍ من الباحثين شيخ المستشرقين الألمان، فقد أسّس في كتابه: «تاريخ القرآن» مدرسة استشراقية أصبحت عمدةً ومنطلقًا للدراسات القرآنية في أوروبا كلّها، كونه أكبر متخصّص في علوم القرآن، وعلى هذا فهو يصبح -بما قدّمه من آراء وتقريرات- عمدة لكثيرٍ من الدراسات الأخرى التالية عن القرآن الكريم، ليس فقط عند المستشرقين الغربيين، بل عند الدارسين العرب والمسلمين، رغم كلّ ما في أبحاثه من مآخذ منهجيّة وعلميّة وعقديّة.
وقد أخذ كثيرٌ من الباحثين العرب والمسلمين منهجَ نولدكه في دراسته للنصّ القرآني مثالًا يُحتذى، وراحوا (يبشِّرون) بمنهج وافٍ لدراسة النصّ القرآني، يعتمد على أدوات نولدكه البحثية، فعَدَا عن أن الذين يحاولون النَّيْل من الإسلام وكتابه الكريم وجدوا في أدوات نولدكه البحثية ضالّتهم لتقرير أن القرآنَ بشريّ وليس وحيًا، وبالتالي ألبسوا بحوثهم تلك لباسًا علميًّا برّاقًا يعتمد على سمعة نولدكه وشهرته التي نالها =فإن كثيرًا من أصحاب (النوايا الحسنة) صاروا يعدُّونه مُنصِفًا وصديقًا للإسلام ومعجَبًا بنبيّه ولغته العربية، وقد عميت -أو تعامت- أبصارهم وأفهامهم عن مثالب منهجه البحثي، ولم يكلّفوا أنفسهم عناء النظر في مطابقته لأبسط قواعد المنهج العلمي الموضوعي.
يحاول هذا البحثُ بيانَ سمات مدرسة المستشرق الألماني تيودور نولدكه وتأثيرها على دراسة النصّ القرآني عامة، وأثرها عند الباحثين العرب والمسلمين الذين استلهموا منها طريقتهم للتعامل مع القرآن الكريم ودراسته، مع بيان أهم مخاطر هذه المدرسة وانعكاساتها على الدراسات القرآنية والفهم التجديدي للقرآن.