منهج محمد الغزالي في الكشف عن المقاصد القرآنية

المؤلف : محمد زرمان
كان الشيخ محمد الغزالي من أبرز المعاصرين اهتمامًا بالكشف عن مقاصد القرآن الكريم، وهذا البحث يجتهد في الإحاطة بمعالم منهجه في ذلك، والنظر في خصائصه ومميزاته، وإلى أيّ حدٍّ وُفِّق في تطبيق هذا المنهج في أبحاثه.

  من المسَلَّم به أنّ الوصول إلى الحقيقة العلمية في أيّ مجال من مجالات العلوم المختلفة يحتاج إلى منهجٍ واضحٍ دقيقٍ يرتكز على القواعد العلمية والإجراءات التطبيقية، ويحدّد البدايات ويستشرف النتائج، ويرسم أسلوب السير فيه بينهما، وإلا كان عبثًا من العبث؛ فالمنهج يستمد أهميته من ضرورة توفره في كلّ ما ينتجه العقل إذا أُرِيدَ له أن يكون نافعًا ومؤثّرًا.

وقد أقبل عددٌ من العلماء والمصلحين في العصر الحديث على بحث المقاصد القرآنية، واجتهدوا ما وسعهم الجهد للإحاطة بأطراف هذا العلم، ووضع الشروط العلمية والضوابط المنهجية التي تتحكم في البحث فيه، والتأكيد على ضرورة وجود منهج علمي واضح المعالم للتعامل معه. وكان الشيخ محمد الغزالي واحدًا من هؤلاء العلماء الذين أخذت المقاصد القرآنية حيّزًا كبيرًا من اهتماماتهم.

وقد تبيَّن في البحثَيْنِ السابقَيْنِ حول المقاصد القرآنية عند محمد الغزالي[1] أنّ اهتمامه الواضح بالمقاصد القرآنية، وإثارته لمختلف القضايا المتعلقة بها، وتأكيده على حاجة الأمة الملحّة لإدراكها ثم تسخيرها، يوازيه اهتمام مماثل بضرورة امتلاك المنهج الأمثل الذي يتم به الكشف عن هذه المقاصد ورصدها. وقد احتلّ الحديث عن المنهج عنده حيّزًا كبيرًا في معالجته لموضوع المقاصد القرآنية، وهو يعتقد أن استخلاصها من كتاب الله يتطلب منهجًا خاصًّا يتناسب مع طبيعتها، وينسجم مع أبعادها، ويتطابق مع مراد الله منها، ذلك أنَّ الكشف عن المقاصد القرآنية مبنيٌّ على الاجتهاد، ودقة الاستنباط.

وإدراك هذه المقاصد مما تختلف فيه العقول والألباب كلٌّ بما فتح الله عليه فيه، فهو جهد عقليّ شاقٌّ لا يقف عند إدراك المعنى العام المبذول لجميع الأفهام، بل يتعداهُ إلى إشغال الذهن والغوص في ثنايا المعاني، واستنطاق المدلولات، والربط بين جزئياتها حتى يتمكن صاحبها من الولوج إلى روحها الخفية بما أوتي من صفاء الذهن ودقّة النظر. وهي مواهب وعطايا لا تُبذَلُ إلا لمن أدام التأمل في كتاب الله، وكرَّر وأعاد البحث والتحرِّي في سوره وآياته؛ لأن المقصود لا يظهر للباحث من أول مرة.

من هنا تباينَتْ مناهج العلماء في تناول المقاصد القرآنية واختلفَتْ باختلاف منطلقاتهم الفكرية، وأدواتهم البحثية، وتصوراتهم لجوانب الموضوع، وما فتح الله عليهم من الفهوم والمعاني التي التقطوها من طول مدارستهم لكتاب الله.

وهذا البحث محاولة للإحاطة بالمعالم الكبرى لمنهج الغزالي في الكشف عن المقاصد القرآنية من خلال الإجابة عن جملة من التساؤلات من أبرزها: هل يمتلك الغزالي منهجًا خاصًّا به في مقاربة المقاصد القرآنية؟ وإذا وُجِدَ هذا المنهج؛ فما مميزاته وخصائصه؟ وما معالمه الكبرى؟ وإلى أيّ حدٍّ وُفِّقَ في تطبيق هذا المنهج في أبحاثه ودراساته القرآنية؟

 

[1] البحثان منشوران على موقع تفسير:
1- المقاصد القرآنية عند محمد الغزالي؛ أنواعها، مضامينها، وأبعادها الحضارية: tafsir.net/research/22.
2- مركزية المقاصد القرآنية عند محمد الغزالي؛ مقاربة في المفهوم والمصطلح والضرورة: tafsir.net/research/29.

المؤلف

الدكتور محمد زرمان

أستاذ التعليم العالي بمعهد اللغة والأدب العربي بالجزائر، له عدد من المؤلفات والمشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))