المقاصد القرآنية عند محمد الغزالي
أنواعها، مضامينها، وأبعادها الحضارية

المؤلف : محمد زرمان
كان للشيخ محمد الغزالي عناية خاصة بمقاصد القرآن الكريم، ويأتي هذا البحث ليستعرض أنواع هذه المقاصد القرآنية عند الغزالي ومضامينها، كما يكشف طرفًا من أبعادها وامتداداتها الحضارية في ضوء رؤيته لها.

  يكاد يجمع الدارسون والباحثون في شؤون الحضارة أن القرآن الكريم هو المصدر الأساس الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية، والمنبع الأصلي الذي استقى منه المسلمون منظومتهم القيمية والمعرفية، وقطب الرحى الذي دارت حوله كلّ العلوم التي ازدانت بها هذه الحضارة، واصطبغت بصبغتها، فجاءت في غاية الفرادة لارتباطها في منطلقاتها وغاياتها بالوحي الإلهي.

لقد واجه المسلمون الأوائل العالمَ الذي فتحوه بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وهذا ما كانوا يملكون، فاتجهوا إلى القرآن والسنة يتأملون فيهما، ويستخرجون الحقيقة، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ الحياة الإسلامية كلها ليست سوى الوجه الآخر للتفسير القرآني.

واستجابةً لأمر الله بالسير في الأرض، والنظر في ملكوت السموات والأرض، والتأمّل في آياته الكونية اقتحم المسلمون ميدان العلوم التجريبية وأبدعوا فيها، ووضعوا الأساس للمنهج التجريبي، فكان لهم في هذا الميدان صولات وجولات.

لذلك كان هذا التخلّف المريع الذي أصاب المسلمين محلَّ تساؤل مرير من رواد النهضة في العصر الحديث، والذين أدركوا أن الداء الأصلي والخلل الكبير يكمن في علاقتهم بكتاب ربهم التي انحرفت عن مسارها، وأصابها كثيرٌ من التشويش والغبش.

وكان محمد الغزالي واحدًا من هؤلاء المفكرين الذين عكفوا على واقع المسلمين المتردِّي يدرسونه بعمق، وينظرون في طبيعة العلاقة التي تربطهم بمصدر الهداية الأول، وخرج بنتيجة مفادها أن: «كثيرًا من المسلمين جعلوا القرآن على هامش حياتهم، وتركوا حفظه ودرسه للمنقطعين والمصابين، وهم بهذا المسلك يخونون الله ورسوله، ويخونون أنفسهم»، في حين أن القرآن الكريم لا يجب أن يعتزل الحياة مطلقًا؛ لأنه إنما نزل ليُصَوِّب أو يُخطِّىءَ أفكار الناس وسلوكهم وأعمالهم، وليمحو أحوالهم أو يثبتها: «إنه كتاب الحياة المفعمة بالحركة المتجددة على الدهر، ولكنها الحياة القائمة على الحقّ، الدارجة على الصراط المستقيم».

وهذا ما حدا به إلى البحث في مقاصد القرآن، وتجليتها للمسلمين لتكون دليلهم في عالم نشيط وسريع ومتطور تكاد عجلته أن تدهسهم وتذرهم أثرًا بعد عين.

وقد انتهى الغزالي -بعد طول تأمل وتدبر- في كتاب الله إلى أن معانيه وآياته تدور في مجملها حول خمسة محاور أساسية تكاد تستوعب معطيات الوحي بكلّ شموليته واتساعه. والمتأمل في هذه المقاصد التي رأى الغزالي أنها تتضمن أمهات القضايا الكبرى التي نزل النصّ القرآني لبيانها، يجد أنها تحمل في طياتها أبعادًا حضارية كبرى، كان الغزالي يرى أنها كفيلة بتغيير وضع الأمة إلى الأفضل إذا ما تم تفعيلها لتحقيق الاستقطاب الموحِّد لفعاليات الأمة الإسلامية وتوجهاتها ضمن إطار قرآني جامع، وذلك من خلال إعادة القرآن الكريم إلى مركز الدائرة في ثقافة المسلم المعاصر، ليستعيد العقل المسلم عافيته ويسترد القرآن دوره في إنارته وعطائه، باعتباره وحيًا كاملًا متجدد العطاء، استجاب بقوة لما كان من حالات تاريخية سابقة ولا يزال مستمرًّا باتجاه المستقبل قادرًا على العطاء المستمر، ومن بين أهم هذه الأبعاد: البُعد الإيماني، والبعد العملي، والبعد السنني، والبعد التربوي، والبعد العمراني الذي يحقق للأمة الشهود الحضاري.

وإن كان محمد الغزالي قد اعتني أيضًا بالكلام في مقاصد السور والآيات، إلا أن هذا البحث يهتم بالدرجة الأولى بالبحث في المقاصد القرآنية الكلية عنده، بالتعرض لأنواعها ومضامينها وأبعادها الحضارية، فلا يندرج كلامه في مقاصد السورة والآيات ضمن حدود هذه الدراسة.

المؤلف

الدكتور محمد زرمان

أستاذ التعليم العالي بمعهد اللغة والأدب العربي بالجزائر، له عدد من المؤلفات والمشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))