مقولات المفسرين في متعلق {مِن} في قوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}
عرض وتحليل
تمهيد:
بذل المفسّرون على مرّ التاريخ جهودًا مطوَّلة في تحرير معاني القرآن الكريم وضبطها، وهذه المعاني تمثّل الثروة الرئيسة لفنّ التفسير وقطب رحاه والتي عليها مدار حيثيّته[1]، ومن ثمّ فإن الاشتغال بهذه المعاني له أهميته وقيمته العظمى وانعكاساته الكبرى على جمهور الدارسين للتفسير؛ لما يفيده في صقل الملَكات وتزكية المواهب والطاقات جرّاء التأمل في منازع المفسرين في توليد المعاني واعتباراتهم ومنطلقاتهم في التعامل معها، فضلًا عن أهميته وضرورته في فهم التراث التفسيري والوقوف على منتوجه واستيعاب ذلك النتاج وهضمه، والذي له فوائد لا تخفى.
وفي هذه المقالة سأحاول استعراض مقولات المفسرين في خلاف تفسيري قد لا يُتصور وجوده لدى كثيرين؛ عسى أن نفتح بذلك بابًا لتحريره من جانب وبيان صحيح القول فيه من ضعيفه، وأن نسهم كذلك من جانب آخر في إثارة الاهتمام بالمعاني التفسيرية ودراستها في كتب التفسير بصورة عامّة، وهو الأمر الذي يعاني إهمالًا شديدًا من قِبل الدارسين رغم فرط أهميته كما سنشير لاحقًا.
وهذا الموطن الخلافي الذي سنعمل على إبرازه وترتيب المقولات فيه والتعليق عليها يتصل -كما هو ظاهر من عنوان المقالة- بتحديد متعلق (مِن) في قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}؛ فالناظر في السورة يلحظ أنها أرشدت في صدرها إلى التعوُّذ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}[الناس: 1-5]، فأشارت إلى وجود موسوِس وموسوَس إليه، ثم جاء في عجزها قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}[الناس: 6]، وهو ما يفتح الباب بذلك أمام احتمالات في تحديد المستعاذ منه، وبالتالي مَن يقع منه الوسوسة (الموسوِس) ومَن تقع عليه الوسوسة (الموسوَس إليه) بحسب النظر لمتعلق (مِن) في الآية، وهل هو (الوسواس) أم (الناس) قبلها في قوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ}...إلخ؟ ولذا فإن تحديد هذا المتعلق كان مثار نزاع مطوَّل بين المفسرين، واختلفَت أنظارهم فيه بصورة واسعة كما سيظهر معنا.
وسوف أجعل المقالة في قسمين؛ يستعرض أولهما حصاد مقولات المفسرين في تحديد متعلق (مِن) في قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وبيان منازع الأقوال وواقع المفسرين إزاءها اختيارًا ونقدًا ودلائلهم في ذلك، والآخر لتسليط الضوء على بعض المسائل العلمية المتعلقة بمقولات المفسرين لا سيما المؤثرة في فهم أقوالهم، وبيان ذلك على النحو الآتي:
القسم الأول: العرض الوصفي لمقولات المفسرين في تحرير متعلق (مِن)[2]:
من خلال تأمّل مقولات المفسّرين في تحرير متعلق (مِن) يمكننا القول بأنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال؛ وهي:
أولًا: أن يكون تعلّق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ(الناس) في قوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ}:
والمعنى: أعوذ بربّ الناس من شرّ الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس الذين هم الجنة والناس، وعليه فالجنة والناس موسوَس إليهم، والجنّ داخلون في الناس في قوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ}.
ثانيًا: أن يكون تعلق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ{الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}:
والمعنى: أعوذ بالله من شرّ الوسواس الخناس الذي هو الجِنّة والناس أو الجِنّة فقط -عند بعضهم- بناءً على جعلِ الناس ليست معطوفة على الجِنة وإنما على الوسواس.
ثالثًا: أن يكون تعلق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ{أَعُوذُ}:
أي: إنّ {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} مستعاذٌ منهم كالوسواس، والمعنى: أعوذ برب الناس من شرّ الوسواس الخناس، ومن شرّ الجِنة والناس، فهي استعاذة من الشيطان خاصّة ومن شرور الجنّ والإنس عامة، وليس الناس على هذا ممن يوسوِس.
وفيما يلي تفصيل هذه الأقوال وما يتعلق بها من دلائل ونقود:
القول الأول: أن يكون تعلق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ(الناس) في قوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ}:
ذهب القائلون بهذا القول إلى أن الوسواس هو الشيطان، وبالتالي تكون (مِن) في قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} مبيِّنة للناس الموسوَس إليهم مما ورد قبلُ في قوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}، وعليه فالناس في الآية مشتملة على الصنفين: الجن والإنس.
وهذا القول قال به الكلبي[3]، والفرّاء[4]، وفسّر عليه الطبري، حيث قال: «وقوله: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ} يعني: من شرّ الشيطان»[5]، وبعد أن أورد الآثار التي فَسرت الوسواس بالشيطان، قال: «وقوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} يعني بذلك: الشيطان الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس: جنهم وإنسهم»[6].
ولما كان دخول الجنّ في الناس يبدو مستغربًا ذكر أرباب هذا القول جواز إطلاق الناس على الجنّ مستدلين بالآتي[7]:
- تسمية القرآن للجنّ بأسماء تطلق على الناس كالرجال والنّفَر، كما في قوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}[الجن: 1]، {وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ}[الجن: 6]؛ ومن ثم فلا مانع أن يسميهم القرآن في هذا الموضع بالنّاس كما سمّى الرجال من الجنّ والإنس.
- ما ورد عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث: إذ جاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم؟ فقالوا: ناسٌ من الجنّ[8].
وقد حظي هذا القول بنقود عديدة؛ أبرزها ما يأتي[9]:
أولًا: لفظ الناس أشهر وأعرف من أن يحتاج إلى تنويعه إلى الجنّ والإنس، لا سيما وأنه مذكور في القرآن في غير ما موضع.
ثانيًا: عدم وجود دليل يُثبت وسوسة الشيطان في صدور الجنّ.
ثالثًا: أنه يجعل قسيم الشيء قِسمًا منه وهو ممتنع؛ فهو يجعل الناس قسيم الجنّ ويجعل الجن نوعًا من الناس، كما نقول مثلًا: (أكرم العرب من العجم والعرب)، وهو مما لا يقال.
رابعًا: أنه غير مروي عن السلف، وسيأتي التعليق عليه.
وقد تعرّض ابن تيمية -في سياق نقده لهذا القول- لنقاش ما ساقه أرباب هذه القول من مستندات وحجج في جواز تسمية الجنّ ناسًا، مبينًا أن:
- تسمية الجنّ بالرجال ليس فيها دلالة على تسميتهم بالناس.
- ما ورد من القول: (جاء ناس من الجنّ) فهو من باب التقييد، كما يقال: (إنسان من طين وماء دافق)، ولا يلزم منه دخول الجنّ في لفظ الناس.
- لفظ الناس لا يشمل الجنّ في القرآن[10].
وجدير بالنظر أنّ الزمخشري بعد أن نقد هذا القول[11] ذكَر له تخريجًا يستقيم عليه، وذلك بأن يكون معنى الناس هو (الناسي)، فقال: «وأجود منه أن يراد بالناس: الناسي، كقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}[القمر: 6]، كما قرئ: {مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسِ}[البقرة: 199]، ثم يبين بالجنة والناس؛ لأنّ الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله عزّ وجل»[12].
وقد فهم بعضهم من تخريج الزمخشري أنه قول مستقلّ فعدُّوا تفسير الناس بالناسِي قولًا قائمًا بذاته، وسيأتي التعليق على ذلك.
القول الثاني: أن يكون تعلّق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ{الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}:
وهاهنا قولان:
1. أنّ الموسوِس هم الجِنة والناس والموسوَس إليه هم الناس فقط، وفي وقوع الوسوسة من الناس عندهم وجهان: أولهما: أنها من النفس البشرية إذ توسوس لصاحبها. وثانيهما: أنها من شياطين الإنس ممن يخدعون الناس بحيَلِهم. وهذا القول قال به قتادة، وابن جريج، وابن زيد، ويحيى بن سلام، وفَسّر عليه الأخفش، واقتصر عليه الماوردي وابن عطية، ولم يذكره ابن الجوزي، وهو قول غالب المفسرين.
وقد رجّح ابن تيمية هذا القول وانتصر له استنادًا إلى أنّ الواقع بيِّنٌ في أن الإنسان توسوس له نفسه وكذا شياطين الإنس والجن، وأنّ قَصْر الاستعاذة على شياطين الجنّ يجعلها بلا معنى، لا سيما وأن وسوسة النفس وشياطين الإنس قد تكون أوقع من غيرها.
يقول ابن تيمية: «الذي يوسوس في صدور الناس نفوسُهُم وشياطينُ الجن وشياطينُ الإنس، والوسواس الخناس يتناول وسوسة الجنة ووسوسة الإنس وإلّا أيّ معنًى للاستعاذة من وسوسة الجنّ فقط مع أن وسوسة نفسه وشياطين الإنس هي مما تضرّه، وقد تكون أضر عليه من وسوسة الجن»[13].
2. أن الموسوِس هو الشيطان فقط، والموسوَس إليهم هم الناس، باعتبار أن (الجِنة) مجرورة بـ(مِن)، و(الناس) بعدها ليست معطوفة على الجنة وإنما معطوفة على (الوسواس)، فهي استعاذة من شرور الجن والإنس عامّة، وهو قول الزجاج[14].
وقد نقد ابن تيمية هذا القول من وجوه -وإن اعتبره أرجح من إطلاق الناس على الجنّ كما في القول الأول- ومدار نقده كالآتي[15]:
الأول: أن شرّ الجنّ أعظم من شرّ الإنس، فكيف يطلق الاستعاذة من جميع الناس ولا يستعيذ إلا من بعض الجن؟!
الثاني: الوسواس الخناس إن لم يكن إلّا من الجِنة فلا حاجة إلى قوله: {مِنَ الجِنَّةِ} ومن {النَّاسِ}؛ إِذْ لا وجه إذًا لتخصيص الاستعاذة من وسواس الجِنة دون وسواس الناس.
الثالث: أنه إذا تقدّم المعطوفُ اسمًا كان عطفه على القريب أولى كما أن عَود الضمير إلى الأقرب أولى إلّا إذا كان هناك دليل يقتضي العطف على البعيد؛ ومن ثم فعطف {النَّاسِ} على {الجِنَّةِ} المقرون به أولى من عطفه على الوسواس.
الرابع: أنه غير مروي عن السلف.
القول الثالث: أن يكون تعلّق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ{أَعُوذُ}:
والمعنى: أعوذ بربّ الناس من الوسواس الخناس ومن الجِنة والناس؛ فقوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} معطوفة على قوله: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}، ومن ثم تعلقت بذات تعلقها وهو قوله: {أَعُوذُ} في صدر السورة.
وهذا القول ذكره الرازي وجهًا في تفسير الآية، وعلّق عليه مبينًا له بقوله: «كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد، ثم استعاذ بربه من الجميع: الجنة والناس»[16]. وكذا ذكره النيسابوري والشوكاني.
والموسوِس على هذا هو الشيطان والموسوَس إليهم هم الناس، وحاصل الاستعاذة عليه من الشيطان منفردًا ثم من الجنة والناس.
والناظر في هذا القول يلحظ أنه يأتي بناءً على تقدير عطف محذوف في قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}؛ فكأنه اعتبره: (ومن الجنة والناس) كما هو بيِّن، إلا أن النيسابوري في سياق ذِكره للقول جعله بدلًا من الوسواس لا معطوفًا عليه، فقال: «وقيل: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بدل من (الْوَسْواسِ)، كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد، ثم عمّم فاستعاذ به من جميع الجِنة والناس»[17].
وغير خافٍ أن تقدير العطف وإن كان مستغربًا ولا دليل عليه، إلّا أنَّ تخريجه بالقول بالبدل -كما ذكر النيسابوري- يبدو أكثر إشكالًا؛ لأن البدل لا يكون أعمّ من المبدل منه، وهو الحاصل هاهنا؛ إذ الجنة والناس أعمّ من الوسواس، لا سيما وأن القول قصَر تفسير الوسواس على الشيطان فقط.
ولم أعثر على نقد لهذا القول من قِبل أحد من المفسرين.
وبذلك نكون قد أنهينا عرض الأقوال، لندلف إلى القسم الثاني من مقالتنا وتحليل بعض المسائل الحافة بمقولات المفسرين.
القسم الثاني: تحليل مقولات المفسرين في تحرير متعلق (مِن):
كثيرة هي الجوانب التي تظهر عند التأمل في مقولات المفسرين السابقة والتي تحتاج لبسط في تحليلها وتفصيل القول فيها، غير أني سأحاول التركيز فقط على تناول أربعة أمور لها صلة بالأقوال ذاتها ومسالك التعامل معها بين المفسرين، والتي قد تمثل إشكالًا للناظر في الأقوال والمتصفح لها، وبيانها على النحو الآتي:
أولًا: تفسير الخُنوس تبعًا للأقوال:
وصَفَت السورة «الوسواس» بأنه خنّاس، وقد اهتم المفسرون بتوجيه معنى الخنوس تبعًا لما ذكروه في معاني الوسواس والتي يأتي حاصلها في ثلاثة أمور؛ بيانها على النحو الآتي:
1. شيطان الجنّ:
وردَ في خنوسه سببان:
الأول: أنه يخنس عند ذكر الله، وهو مرويّ عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وثور ومقاتل.
والثاني: أنه متى استُجيب لوسوسته خنَس، وهو مروي عن ابن عباس.
وكما وقع خلاف في سبب خنوسه أُثير كذلك خلاف في كيفية وسوسته ووجهها، وهل تكون بنفث الشيطان في قلب الإنسان عند الفرح والحزن أو غير ذلك، ورجّح ابن جرير العموم في كِلَا الأمرين (الخلاف في وَجْه وسوسة الشيطان وسبب خَنْسه)، فقال: «والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ الله أمر نبيَّه محمدًا أن يستعيذ به من شرّ شيطانٍ يوسوس مرة ويَخْنِسُ أخرى، ولم يَخُصَّ وسوسته على نوعٍ من أنواعها، ولا خُنُوسَه على وجْهٍ دون وَجْه، وقد يوسوس بالدعاء إلى معصية الله فإذا أُطِيع فيها خَنَس، وقد يوسوس بالنهي عن طاعة الله فإذا ذَكَر العبد أمر ربه فأطاعه فيه وعصى الشيطان خنس، فهو في كلّ حالتيه وَسْوَاسٌ خَنَّاس، وهذه الصفة صفته»[18].
2. شيطان الإنس:
قال الرازي في وجه خنوسه: «وكما أنّ شيطان الجنّ قد يوسوس تارة ويخنس أخرى فشيطان الإنس يكون كذلك؛ وذلك لأنه يرى نفسه كالناصح المشفق، فإنْ زجَره السامع يخنس، ويترك الوسوسة، وإن قَبِل السامع كلامه بالغ فيه»[19].
3. وسوسة الإنسان من نفسه:
قال ابن عطية في تفسير وجه الخنوس على ذلك: «وإذا فرضنا ذلك في الشهوات والغضب ونحوه فهو يخنس بتذكير النفس اللوامة بلمة الملَك، وبأن الحياء يردع، والإيمان يردع بقوة، فتخنس تلك العوارض المتحركة وتنقمع عند من أُعِين بتوفيق»[20].
ثانيًا: أقوال السلف في تفسير السورة:
الناظر في أقول السلف في تفسير سورة الناس يلحظ أمورًا:
أولًا: تنوعت مقولات السلف في تفسير السورة، إلا أن بعضها كان صريحًا في دلاته وبعضها ليس كذلك، بحيث يمكننا تصنيفها بوجهٍ عامٍّ إلى قسمين:
القسم الأول: أقوال يتضح منها وجه تعلّق قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بصورة ظاهرة:
وهي التي صرحت بتفسير الوسواس بأنه من الجنة والناس فهذه ظاهرة في ربط تعلق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ{الْوَسْوَاسِ}، أو التي صرحت بأن الجنّ والإنس موسوَس إليهم فهو بيِّن في ربط متعلق {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ{النَّاسِ} قبلها، أو التي صرحت بكون الاستعاذة من شر الوسواس وشر الناس فهو بيِّن في جعلِ المتعلق بـ{الْوَسْوَاسِ}، وأن الناس معطوفة على الوسواس لا الجِنة قبلها.
القسم الثاني: أقوال لا يتضح منها وجه تعلّق قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بصورة قاطعة:
وهي الأقوال التي بيّنَت أن الوسواس هو الشيطان ثم انصرفَت لبيان وجه وسوسته أو خنوسه، وهذه الأقوال هي أكثر الأقوال الواردة عن السلف، والإشكال أن هذه الأقوال يحتمل أن تكون مثالًا لا أكثر للوسواس، وحتى لو اعتبرنا قصدية التخصيص فيها بالشيطان وأنها ليست مثالًا فهي تحتمل أن تخرّج على نحو ما وردَ في قول الفراء والطبري أو ما قاله الزجّاج أو الوجه الذي أورده الرازي؛ ولذا يمكننا القول بأن دلالتها محتملة وغير صريحة، ومن ثم يختلف الموقف منها بحسب طريقة فهمها؛ فمن اعتبرها مثالًا لن ينتصر بها لأيٍّ من الأقوال الواردة، خلافًا لمن يعتبرها كذلك فإنه يلزمه لتصحيحها وتخريجها أن يبحث لقوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} عن متعلق خلافًا للوسواس بحسب ما يترجّح لديه، وهو ما قد يكون على نحو ما ذكر الفراء والطبري أو ما ذكر الزجاج أو الرازي.
ثانيًا: جرى التنصيص في أقوال السلف صراحة على القول الأول والاحتمال الأول من القول الثاني وإن تفاوتت في أعداد القائلين بها؛ فجُلُّ الأقوال مصرّحة بالاحتمال الأول في القول الثاني وأن الوسواس هو من الجنّ والناس، وأما القول الأول الذي ذهب إليه الفراء والطبري فقد صرّح به الكلبي فقط. وأما الاحتمال الثاني في القول الثاني الذي ذكره الزجّاج والقول الثالث الذي أورده الرازي فليس لهما -فيما بدا لنا- نسب صريح في مقولات السلف.
ثالثًا: أقوال السلف بين الطبري وابن تيمية:
ذكر ابن تيمية في سياق نقده لقولي الفرّاء والزجاج بأنهما ورَدَا عن بعض النحاة لا السلف، فقال: «ويكفي أن المسلمين كلهم يقرؤون هذه السورة من زمن نبيهم ولم يُنقَل هذان القولان إلّا عن بعض النحاة، والأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ليس فيها شيء من هذا»[21].
والإشكال هاهنا ليس في الفرّاء والزجّاج كونهما لم يعتنيا بنقل مقولات السلف وتعاطي بيان المعاني من خلالها كما هو معلوم، وإنما في أن الطبري -الذي يُعنَى بنقل مقولات السلف ولا يخرج عنها كما هو معلوم- فسَّر بذات قول الفراء -كما مرّ- وحشد كثيرًا من أقوال السلف باعتبارها مؤيدة لقوله. ويمكننا تفهُّم هذا الإشكال وتفسيره حال دققنا النظر في الآثار التي حشدها الطبري والتي كان جُلّها من القسم الثاني المحتمل مما سبقت الإشارة إليه، اللهم إلّا قول ابن زيد الصريح في أن الوسواس من الجنة والناس -إلّا أن الطبري لم يذكر خلافًا تبعًا له[22]- وهو ما يدفعنا إلى القول بأن الطبري ربما رأى أن الأقوال التي وقف عليها تظاهرَت على تفسير الوسواس بالشيطان[23] فلم يفهم منها أنها قد تكون مثالًا واعتبرها خصصَت تفسير الوسواس بالشيطان، ومن ثم نزع لتخريجها بما يصححها بما بدا له رجحانه في ذلك، وهو جعْلُ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} مفسِّرة للناس قبلها في قوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ}، خاصة وأنه قول لبعض اللغويين كالفراء، وذلك بخلاف مَن جاء بعد الطبري ووقف على مقولات أخرى للسلف لم تكن عنده جُلّها يصرح بجعلِ متعلق: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بــ{الْوَسْوَاسِ}، فإنه قد لا يرى في الأقوال المحتملة سوى أنها مثال لا يعطي أبدًا قولًا كالذي قال به الفراء، وبالتالي لا يعدُّه لازمًا منها، ومن ثم يسوغ له القول بخلوّ أقوال السلف من مثل ذلك؛ وبذلك تتفسر لنا دعوى ابن تيمية بخلوّ أقوال السلف مما قاله الطبري والموافق لمقالة للفراء[24]. وبغضّ النظر عن هذا التحليل، فإن دعوى ابن تيمية هذه -وإن كان لها وجاهتها الكبيرة- إلا أن هناك ما يشغب عليها؛ ذلك أن القول الذي فسر عليه الطبري له شاهد صريح من أقوال السلف وهو قول الكلبي كما تقدم[25].
رابعًا: كلام الزمخشري على قول الفرّاء وهل يُعَدّ قولًا مستقلًّا:
بعد أن بيَّن الزمخشري معنى قوله: {الْخَنَّاسِ} قال: «ويحسن أن يقف القارئ على: {الْخَنَّاسِ}، ويبتدئ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ} على أحد هذين الوجهين، {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيان الذي يوسوس، على أن الشيطان ضربان: جني وإنسي، كما قال: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}[الأنعام: 112]. (وعن أبي ذرّ -رضي الله عنه- قال لرجل: هل تعوّذتَ بالله من شيطان الإنس؟) ويجوز أن يكون {مِن} متعلقا بــ{يُوَسْوِسُ}، ومعناه: ابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجنّ ومن جهة الناس»، ثم عرج على قول الطبري والفراء ونقده كما ذكرنا، ثم قال: «وأجود منه أن يراد بالناس: الناسِي، كقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}[القمر: 6]، كما قرئ: {مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسِ}[البقرة: 199]، ثم يبين بالجنة والناس؛ لأنّ الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله عز وجل». وهذا القول من الزمخشري اختُلِف في النظر إليه؛ فهناك مَن جعله تخريجًا أجود لقول الفراء والطبري من القول بأن: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيان للناس قَبلها؛ كالرازي[26] والنيسابوري والآلوسي وغيرهم، وهناك من عدَّه قولًا مستقلًّا يضاف للأقوال[27].
والظاهر هو ما ذكرنا قبلُ من أنه تخريج أفضل وأوجَه لقول الفراء والطبري كونه الأبين في مجرى كلام الزمخشري؛ لأنه صدّر كلامه ببيان أن: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} قيل بأنها بيان للوسواس، وبعد أَنْ شرحه بيَّن القول الآخر بأن تكون بيانًا للناس قبلها، ثم ذكر أدلة هذا القول في إطلاق الناس على الجنّ وانتقدها، ثم قال: «وأجود منه أن يراد بالناس: الناسي...»، فكأنه يريد تقرير القول من وجه أجود لا أنه يذكره وجهًا على سبيل الاستقلال، وهو الفهم الذي توارد عليه غالب أهل التفسير ونقَلة الأقوال في مدونة التفسير.
خاتمة:
يظهر من خلال العرض السالف للمعاني التي قررها المفسرون أن متعلق (مِن) في قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} يرتد لثلاثة أقوال رئيسة؛ وهي: الأول: (الوسواس). الثاني: (الناس) قبلها في قوله {فِي صُدُورِ النَّاسِ}. الثالث: {أَعُوذُ} في صدر السورة.
وقد حملَت الأقوال بصورة عامة خروجًا ظاهرًا عن أقوال السلف تمثَّل في القول الثالث والاحتمال الثاني ضمن القول الثاني (قول الزجاج). وأغلب الأقوال في مدونة التفسير على القول الثاني وأنّ المستعاذ منه يتصل بالوسواس وأنه: {شَيَاطِين الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}، وهذا القول وإن بدا أرجح الأقوال وأظهرها، إلا أن الفصل في ذلك والقطع به مما يحتاج لموازنة مطوَّلة بين الأقوال والدرس الشامل والموعب لمستنداتها.
وإننا من خلال ما سبق نأمل أن نكون قد أسهمنا في تسليط الضوء على خلاف تفسيري قد لا يُنتبَه إليه رغم أهميته وأهمية تحريره، وأن نكون قد طرقنا بعض الأمور التي تُعِين على فهم هذا الخلاف وأسبابه وتيسر درسه والموازنة بين المقولات والفهوم فيه بصورة علمية أكثر توسعًا.
كما نأمل أن نكون قد سلّطنا الضوء على المعاني التفسيرية في مدونة التفسير، وكيف أنها لا تزال بحاجة لجهود علمية كبيرة ومتنوعة تُعنى بضبطها وتحليل منازعها والموازنة بينها، وغير ذلك، وهو ما يمكن أن يكون مسارًا بحثيًّا ممتدًّا في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، وعلّنا نفصل فيه القول وفي كيفيات مقاربته وضبط التعامل البحثي معه ومستوياته في مقالات لاحقة، لا سيما وأن هذه المعاني هي قطب الرحى في فنّ التفسير والتي عليها مدار اشتغاله كما حررناه وفصلنا فيه القول في مقالات سابقة[28]، والتي يصبح التفسير عبر الاشتغال بها درسًا علميًّا محكمًا ونقاشًا منهجيًّا خالصًا ويبتعد عن سياقات سرد الهدايات والإرشادات السلوكية والقلبية...إلخ، مما يحيل التفسير لدروس وَعْظيّة وخطب هدائيّة، والله الموفق.
[1] يراجع في تحرير حيثية التفسير وقيامها على بيان المعنى: المقالة الأولى ضمن ثلاثية: «منطلقات بحث توظيف الإسرائيليات في تفسير السلف؛ تحرير وتأصيل»، وهي منشورة على موقع تفسير تحت الرابط الآتي:tafsir.net/article/5201.
[2] مثّل تحرير أقوال المفسرين في تحديد المتعلق مشقة كبيرة؛ لتداخل الأقوال وتشابكها كما سيأتي، وإني لأسجل شكري للفاضلَين: أ/ محمود حمد السيد، أ/ محمد مصطفى عبد المجيد. على مشاركتهما في تحرير عرض الأقوال وضبط النظر إليها.
[3] قال الكلبي: «من الجِنّة والناس: يعني يدخل في الجني كما يدخل في الإنسي، ويوسوس للجني كما يوسوس للإنسي». تفسير البغوي (5/ 366)، موسوعة التفسير المأثور، (23/ 717).
[4] قال الفراء: «فالناس هاهنا قَدْ وقعت عَلَى الجِنة وعلى النَّاس، كقولك: يوسوس فِي صدور النَّاس: جِنتهم وناسهم). معاني القرآن (3/ 302).
[5] تفسير الطبري، ط: هجر، (24/ 753).
[6] تفسير الطبري، ط: هجر، (24/ 756).
[7] يراجع هذه الدلائل في تفسير السورة في كتابَي: معاني القرآن للفراء، وتفسير الطبري.
[8] ذكر الدكتور مساعد الطيار أنّ إطلاق الناس على الجنّ جاء عن ابن مسعود، وأورد قول ابن مسعود الوارد في البخاري: «كان ناسٌ من الإنس يعبدون ناسًا من الجِنِّ...». يراجع: تفسير جزء عمّ، مساعد الطيار، دار ابن الجوزي، ط:8، 1430هـ، (ص: 278).
[9] ينظر: مجموع الفتاوى، (17/ 511) وما بعدها. وقد أوردتُ نقود ابن تيمية؛ كونه أبرز من انبرى لنقد القول بشكل متوسّع في تفسيره لسورة الناس، وإن كان بعض نقده للقول أورده بعض المفسرين المتقدمين عليه.
[10] يقول ابن تيمية: «وإذا سمّاهم الله تعالى رجالًا لم يكن في هذا دليل على أنهم يسمَّون ناسًا، وإن قُدِّر أنه يقال: جاء ناس من الجنّ، فذاك مع التقييد كما يقال: إنسان من طين وماء دافق، ولا يلزم من هذا أن يدخلوا في لفظ الناس، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[النساء: 1]، فالناس كلهم مخلوقون من آدم وحواء مع أنه -سبحانه- يخاطب الجنّ والإنس، والرسول -صلى الله عليه وسلم- مبعوث إلى الجنسين لكن لفظ الناس لم يتناول الجنّ، ولكن يقول: يا معشر الجنّ والإنس». مجموع الفتاوى (17/ 512- 511).
[11] قال الزمخشري: «لأن الجن سُمُّوا «جنًّا» لاجتنانهم، والناس «ناسًا» لظهورهم، من الإيناس وهو الإبصار، كما سمُّوا بشرًا؛ ولو كان يقع الناس على القبيلَين وصح ذلك وثبت لم يكن مناسبًا لفصاحة القرآن وبُعده من التصنُّع».
[12] الكشاف (4/ 824). ويلاحَظ هاهنا أمران:
الأول: يريد الزمخشري أن يبين أن الأقرب أن يراد بالناس: الناسي بالياء كما في قراءة بعضهم: {مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسِ}[البقرة: 199] بالكسر، بحيث يكون سقوط الياء كسقوطها في قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}[القمر: 6]. ويلاحظ أن القراءة بالكسر -وهي غير متواترة- المراد بها -كما ذكر الزمخشري وغيره-: آدم -عليه السلام- لقوله تعالى في حقه: {فَنَسِيَ}[طه: 115]. وذكر ابن عطية أن سعيد بن جبير هو مَن قرأ بالكسر وبيّن أنه يجوز عند بعضهم تخفيف الياء فيقول: (الناسِ)؛ كالقاضِ والهادِ. ثم علق على ذلك بقوله: «أما جوازه في العربية فذكره سيبويه، وأما جوازه مقروءًا به فلا أحفظه». المحرر الوجيز، (1/ 276).
الثاني: من الغريب أن تخريج الزمخشري لقول الفراء والطبري هذا لم يجرِ نقده ولا التعليق عليه ممن تصدوا لنقد القول.
[13] مجموع الفتاوى (17/ 510-511). وقد أورد ابن تيمية اعتراضًا على هذا القول الذي رجّحه، حاصله أنه إذا كان أصل الشر كلّه من الوسواس الخناس فلا حاجة إلى ذكر الاستعاذة من وسواس الناس كونه تابعًا لوسواس الجنّ، وأجاب عنه.
[14] قال الزجاج: «الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ من الجنِّةِ الذين هم الجنُّ. و(النَّاس) معطوف على (الوَسْوَاس)، المعنى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ، ومِنْ شَرِّ النَّاسِ». معاني القرآن وإعرابه (5/ 381). وذكره ابن الجوزي (ت 597هـ).
[15] يراجع كلامه في تفسيره لسورة الناس في مجموع الفتاوى.
[16] تفسير الرازي، (32/ 378).
[17] تفسير النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان، (6/ 604).
[18] تفسير الطبري، (24/ 755).
[19] تفسير الرازي، (32/ 377).
[20] تفسير ابن عطية، (5/ 540).
[21] مجموع الفتاوى، (17/ 513).
[22] ربما لكون الطبري ارتأى أنه مخالف لغالب الأقوال فأهمله أو ربما لم ينتبه لمضمونه وسط المرويات الكثيرة الأخرى التي حشدها في تفسير الوسواس بالشيطان وهو أظهر؛ كون الطبري يجتهد في تصنيف الأقوال غالبًا تبعًا لمضامينها ويبوبها بما يناسبها كما هو معلوم، كما أنه من الممكن أن يردّ القول بدعوى مخالفته للإجماع كما هو معلوم من صنيعه في مثل هذه الأقوال التي تأتي خلافًا للكثرة وهو ما لم يفعله الطبري، فكأنه اعتبر سائر الأقوال قولًا واحدًا، مما قد يرجح أنه ربما غفل عن مضمون أثر ابن زيد ومخالفته لبقية الأقوال التي ذكرها، والله أعلم.
[23] لم ينقل الطبري -ضمن الأقوال التي رواها- قولَ الكلبي المصرح بأن «الناس» شاملة للجنّ والناس.
[24] يلاحظ أن ابن تيمية لا ينصّ على الطبري وإنما ينصّ على الفراء فقط رغم أن الطبري رجح ما قال به الفراء كما مرّ، وهو ما يثير احتمالًا حول ما إذا كان ابن تيمية وقف على تفسير الطبري في هذا الموضع أم لا؟ أم أنه يشير للفراء باعتبار أسبقيته بالقول، إلا أننا نرجح عدم اطلاعه على حاصل تفسير الطبري في هذا الموطن وإلّا لاعتنى ببيان الأمر والإشارة إليه، لا سيما وأنه يمدح الطبري بأنه يفسر بأقوال السلف ولا يتخطاها كما هو معلوم.
[25] يحمل مضمون قول الكلبي تقريرًا لأمرٍ غيبي وأن الجنّ من الموسوَس إليهم، وهو ما لا يتيسر تقريره من خلال قوله منفردًا بهذه الصورة لا سيما وأن الكلبي مجروح كما هو معلوم، وعلّ هذا سبب عدم ذكر ابن تيمية له، وإن كان هذا تخريجًا بعيدًا؛ لأنه لو وقف عليه لذكره وعلل عدم اعتباره في هذا الموضع.
[26] قال الرازي في سياق تعليقه على قولي الفراء والطبري: «وقال صاحب الكشاف: مَن أراد تقرير هذا الوجه، فالأولى أن يقول: المراد من قوله: يوسوس في صدور الناس، أي: في صدور الناسي...». تفسير الرازي، (32/ 378).
[27] قال الشوكاني: «وقيل: المراد بالناس الناسي وسقطت الياء كسقوطها في قوله: {يومَ يدعُ الداعِ} ثم بيّن بالجنة والناس؛ لأنّ كل فرد من أفراد الفريقين في الغالب مبتلًى بالنسيان». فتح القدير للشوكاني، (5/ 644).
[28] يراجع مقالَتَي:
1. معيار تقويم كتب التفسير؛ تحرير وتأصيل، وهي منشورة على الموقع تحت الرابط الآتي: tafsir.net/article/5110.
2. جامع البيان للطبري؛ قراءة في أسباب مركزيته في التفسير، وهي منشورة على الموقع تحت الرابط الآتي: tafsir.net/article/5139.
مواد تهمك
- هل يُعَدُّ تفسير الطبري تفسيرًا بالمأثور؟
- تفسير السلف؛ الأهمية والضرورة: قراءة في أسباب أهمية تفسير السلف، وكيفية توظيفه في حلّ إشكالات علم التفسير
- منطلقات دراسة توظيف الإسرائيليات في تفسير السلف؛ تحرير وتأصيل (1-3)
- جامع البيان للطبري؛ قراءة في أسباب مركزيته في التفسير
- الطبري وبيان معاني الأسماء الحسنى في سياقاتها القرآنية (2): الأسماء الحسنى المقترنة
- "الإسرائيليات في تفسير الطبري" للدكتورة آمال ربيع؛ عرض وتقويم