القول بانحصار توظيف المرويّات الإسرائيلية في القصص وعدم دخولها في العقائد والأحكام؛ قراءة نقديّة

من أبرز نتائج البحث في الإسرائيليات عند كثيرٍ من الباحثين: انحصار أبواب إيراد الإسرائيليات في القصص وأخبار الأمم ونحوها، وعدم دخوله في العقائد والأحكام، وهذه المقالة تستعرض هذه النتيجة في واقع الدراسات، وتسلّط الضوء على لوازمها وإشكالاتها.

مدخل:

  يعدُّ حضور الإسرائيليات وتوظيفها في التفسير أَحَد القضايا التي حظيت بنقاشات عديدة منذ قديم، وانبرت لمعالجتها العديد من الدراسات لا سيما في الحقبة المعاصرة.

كما أنها من أكثر الموضوعات التي تباينت حولها الأطروحات البحثيّة المعاصرة واختلفت نظرتها إليها بصورة كبيرة، ما بين نقدٍ لتوظيفها واستشكالٍ لصنيع مُوردِيها في التفسير ومطالبةٍ بتجريد كتب التفسير منها، وبين دفاع عن هذا التوظيف والإيراد. وبالرغم من الاختلاف الكائن في اتجاهات دراسة موضوع الإسرائيليات في التفسير، إلا أنه يُتّفق -بوجهٍ عامّ- على بعض النتائج حوله؛ من أبرزها القول بأن إيراد المرويّات الإسرائيلية لم يكن أبدًا متصلًا بالعقائد والأحكام، وإنما انحصر فقط في أبواب ليس من ورائها كبيرُ إشكال؛ كالقصص وأخبار الأمم وغير ذلك، فهذه مقولة تُطْبِق عليها سائرُ الدراسات في مقاربة الموضوع بِغَضّ النظر عن موقفها الذي تتبناه من هذه المرويات نقدًا أو دفاعًا، حتى إنها أضحت من قَبِيل المسلَّمات البحثية في هذا الموضوع كما سيظهر معنا.

وإنّ الناظر المدقّق في هذه النتيجة يلحظ أن بعض هذا القصص الذي ولجته هذه المرويات منه ما يتصل بالعقائد؛ كما في قصة هاروت وماروت وفتنة داوود وسليمان -عليهما السلام- وغير ذلك، بل إنّ عين ما وقع فيه النقد لموظِّفِي هذه المرويات في التفسير من قِبَل نقَدَة الإسرائيليات خاصّة كان في مثل هذه الأمور، وأنهم جَلَبُوا ما يتعارض مع موقف الإسلام من عصمة الأنبياء والملائكة، وهو الأمر الذي يثير إشكالًا حول هذه النتيجة.

وفي هذه المقالة سوف نسلّط الضوء على هذه النتيجة ونحاول مناقشتها وتقويمها، وكذلك نبيّن أسباب القول بها وشيوعها وشهرتها واتفاق البَحَثة عليها، بغضّ النظر عن الموقف الذي يتبنَّونه من هذه المرويات.

القول بعدم دخول المرويات الإسرائيلية في باب العقائد والأحكام في واقع الدراسات:

تعدّ هذه النتيجة بحقّ إحدى أبرز النتائج في موضوع الإسرائيليات التي توارد عليها البحث المعاصر بِغَضّ النظر عن موقفه إزاء هذه القضية، فالمقاربات المعاصرة التي انشغلت ببحث هذا الموضوع يمكننا تصنيفها بوجه عامّ إلى اتجاهين رئيسين:

الاتجاه الأول: نقد هذه المرويات ومَنْ ظهرت لهم عناية بتوظيفها؛ كالطبري وغيره، والمطالبة -أحيانًا- بتجريد كتب التفسير منها، وهذا التوجّه هو الأكثر حضورًا[1].

الاتجاه الثاني: عدم نقد هذه المرويات بشكلٍ عامّ والدفاع عن موظِّفيها في التفسير، وهو اتجاه لمَّا يتراكم فيه الجهد البحثي، وإن أخذ في الظهور[2].

وبرغم ما يظهر بين هذين الاتجاهين من تبايُن في النظر للمسألة، إلا أنّ المتأمّل لواقع الدراسات فيهما يلحظ تواردهما على تقرير القول بأنّ الإسرائيليات لم تكن في باب العقائد والأحكام وأنها انحصرت في باب القصص، ومن ذلك:

يقول د/ محمد أبو شُهبة -وهو من أبرز نَقَدَة الإسرائيليات-: «النقل عن أهل الكتاب الذين أسلموا ككعب الأحبار، ووَهْب بن منبّه، وعبد الله بن سلام، وتميم الداري وأمثالهم، وقد حمل هؤلاء الكثير من المرويات المكذوبة، والخرافات الباطلة، الموجودة في التوراة وشروحها، وكتبهم القديمة التي تلقّوها عن أحبارهم ورهبانهم جيلًا بعد جيل، وخلفًا عن سلف، ولم تكن هذه الإسرائيليات والمرويات مما يتعلق بأصول الدين، والحلال والحرام، وهي التي جرى العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدَهم على التثبُّت منها، والتحرِّي عن رواتها، وإنما كانت فيما يتعلق بالقصص، وأخبار الأمم الماضية، والملاحم، والفتن، وبدء الخلق، وأسرار الكون، وأحوال يوم القيامة»[3].

وكذلك تقول د/ آمال ربيع -التي عُنيت بتتبع المرويات الإسرائيلية في تفسير الطبري ونقدها: «...الإسرائيليات في جامع الطبري لم نجدها في مجالات العقيدة أو الأحكام أو الشرائع، ولم نجدها في صلب الدّين على الإطلاق، وإنما وجدناها في الجانب القصصي من تفسير القرآن الكريم، سواء في قصة الخلق أم في قصص الأنبياء أم الأنساب، وبعض القضايا المتفرّقة ذات الطابع القصصي كذلك، وهي مجالات لا خشية منها على جوهر الدين»[4].

ويقول د/ محمد صالح في مستهلّ نقدِه لأطروحة آمال ربيع بسبب هجومها الحادّ على الطبري لإيراده للمرويات الإسرائيلية مثمِّنًا قولها بخلوّ العقائد والأحكام من الإسرائيليات: «وقبل أن أدلِف إلى المآخذ العامّة على الرسالة، أحب أن أنوِّه بفائدة، هي في نظري من أهم فوائد هذه الرسالة...»[5]، ثم ساق النتيجة التي ذكرناها قبلُ عن أطروحة د/ آمال ربيع.

ويقول الدكتور مساعد الطيار -وهو بصدد ذِكْر موضوعات الإسرائيليات الواردة في كتب التفسير-: «لا تتعدى الإسرائيليات جانب الأخبار»[6]، وبعد أن علَّل ذلك بعدها بماهية أسفار بني إسرائيل ذاتها في عهديها القديم والجديد -قسَم القضايا الواردة في هذه الأسفار إلى قضايا تتعلق بالاعتقاد والتشريع والقصص، ثم قال في شأن قضايا الاعتقاد: «وهذه لم يتأثر بها الناقلون، ولم تكن محلًّا للتأثير على المسلمين»، وكذا قال في القسم الثاني المتعلّق بالتشريع، ثم بيَّن أنّ النقل كان القسم الثالث المتعلّق بالقصص.

وكذلك ذكرها ياسر المطرفي، فبعد أن عرض لبعض الإشكالات التي قد تَرِد على تفسير الصحابة في جوانب منهجيّة عديدة منها إشكال المصادر وأَخْذهم عن بني إسرائيل، بَيَّنَ أنّ الصحابة -فضلًا عن نقدهم لهذه المرويات- مارسوا عملية ترشيد لها، وأنهم لم يرجعوا لها في مختلف المجالات، فقال مبينًا أننا لو تأملنا هذه المرويات: «لوجدنا أنّ غالبها ينحصر في تفاصيل القصص القرآني -سواء تفاصيل بدء الخلق، أو قصص الأنبياء، أو القصص الأخرى-، وهذه التفاصيل: إمّا تفصيل لبعض الأحداث، أو تحديد بعض أسماء بعض الشخصيات، أو تحديد أنسابهم، أو ما شابه ذلك مما ليس له أثر كبير على معاني مفردات وألفاظ القرآن، سواء من جهة ذكرها أو عدمه»[7]، ثم استنتج بعدها -تبعًا لما ذكر- انحصارَ هذه المرويات في موضوعات محدّدة وبُعدها في التأثير عن دائرة العقائد والأحكام، فقال: «وبناء على ذلك؛ فمجالات هذه المرويات محدودة؛ فهي لم تتعرّض لأصول العقائد والأحكام»، وأحال في الحاشية على كتاب: د/ آمال ربيع.

فمن خلال ما مرّ معنا مِن نقولٍ يتّضح لنا جليًّا توارُد الباحثين على تقرير القول بأن الإسرائيليات لم تكن في العقائد والأحكام، وأنها انحصرت في القصص رغم اختلاف موقفهم من المسألة؛ فقد قرر هذه النتيجية الدكتور أبو شهبة، وكذلك د/ آمال ربيع، وهما مِن أبرز مَن تعرَّضا لنقد إيراد هذه المرويات في التفسير، وكذلك قررها د/ مساعد الطيار، و د/ محمد صالح، و د/ ياسر المطرفي، وهم ليسوا ضمن الخطّ الناقد لهذه المرويات وحضورها في التفسير، بل إن د/ مساعد، هو مِن أبرز مَن اعتنى بالدفاع عن إيراد هذه المرويات كما هو معلوم.

وهذه النتيجة لها جذور قديمة عند بعض العلماء، فمِن أقدم مَن اعتنى بالتصريح بتقريرها فيما وقفتُ عليه هو ابن خلدون، حيث قال وهو بصددِ تفسير دخول المرويّات الإسرائيلية لمدوّنات التفسير: «العرب لم يكونوا أهل كتاب، ولا علم، وإنما غلبَتْ عليهم البداوة، والأُمّية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود؛ فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قَبلهم،... وأهل الكتاب الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامّة من أهل الكتاب،... فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلُّق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها؛ مثل أخبار بدء الخليقة، وما يرجع إلى الحدثان، والملاحم، وأمثال ذلك، وهؤلاء مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم، وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم، وليست مما يرجع إلى الأحكام فتتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل، ويتساهل المفسِّرون في مثل ذلك»[8].

وعلى الرغم من الشهرة التي تحظى بها هذه النتيجة بَيْن الدارسين كما هو بَيِّن، إلا أن المتأمّل يلحظ أنه يحتفّ بها العديد من الإشكالات، وبيانها فيما يأتي:

إشكالات القول بعدم دخول المرويات الإسرائيلية في باب العقائد والأحكام:

يكتنف القول بعدم دخول الإسرائيليات في أبواب العقائد والأحكام وانحصارها في القصص إشكالات عديدة؛ أبرزها ما يلي:

أولًا: مصادمتها لواقع العمل التفسيري:
إِنّ الناظر في هذه النتيجة يجدها ترتكز في أصلها على النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير، وأنها كانت مجالًا لاستمداد المعلومات والتصوّرات، وأن المفسرين كانوا نَقَلة للمضامين كما هو الحال مع طوائف الإخباريين وأرباب التاريخ، وشاهِدُ ذلك بوضوح أن هذه المقولة تنحو لِمَيْز المجالات التي يمكن أن يكون النقل تم فيها وما ليس كذلك، وتحاول أن تبعد النقل عن المرويات في بعضها وتحصره في مجال معيَّن، وإلا فإنّ المفسِّر المبيّن للمعنى -وتبيين المعنى هو حيثية التفسير[9]- تصبح المروية الإسرائيلية لديه محضَ أداة يوظِّفها في تحصيل المعنى وتقريره كما الحال مع الأشعار الجاهلية مثلًا، ومِن ثَمّ لا يُنظر معه لمضمون الأدلة التي استند إليها في التبيين ويقال إنها حاضرة في مجال دون مجال، فالأمر لا علاقة له بالنقل عنده من هذه الأدلة وإنما التوظيف والاستدلال.

إننا تبعًا لبحث المسألة من منطلق حيثيّة التفسير (تبيين المعنى) وواقع العمل التفسيري؛ فإننا من الممكن أن نتأمل النصّ القرآني ونقسم فنيًّا الموارد التي وظَّفها المفسر كأدوات لتبيينه، وأن بعض الأدوات قد يغلب توظيفه في جانب من النصّ ونوع محدد من الآيات لِعِلَلٍ معيَّنة، وبالتالي نقول: إنّ المرويات الإسرائيلية غلب توظيفها في تبيين الآيات المتعلّقة بالقصص الإسرائيلي؛ لاتصالها به وإفادتها في تفسيره، كونها تفصيل له، والتفصيل أعْوَن على فكِّ المجملات وتبيُّن المرامي ولطيف الإشارات المكتنزة في النصّ...إلخ[10]، أمّا أن نقول بأن المرويات الإسرائيلية ولجَتْ بذاتها ودخلت في مجال القصص دون غيره، فهذا يعني أنّ مناط النظر أنها مثَّلَت موردًا نهل منه المفسرون، وأننا بالتالي أمام تفسير منقول عن المرويات نحاول تصنيفه وتحديد أيّ المجالات التي تمّ إيرادُه فيها، وهو أمر ظاهر الغلط في التفسير ولا يتعلق بواقعه والذي ينصبّ على الصنيع الاستدلالي لا النقلي، وحضور الأدوات التي يذكرها المفسِّر من مرويات وأشعار وغيرها هو حضور استدلالي وتوظيفي لتحصيل المعنى القرآني وتقريره، وليس سردًا ونقلًا كما الحال مع طوائف الإخباريين، وهو الأمر الذي فصّلناه في مقالات سابقة[11]، وبالتالي فإن هذه النتيجة لا معنى لها على الحقيقة في التفسير ولا وجه للقول بها في ميدانه.

ولا شك أنّ النتيجة المتّصلة بإحدى قضايا التفسير ما دام مبتناها وفق منطلق معارض لحيثية التفسير ومباين لواقعه؛ فإنها لا بد وأن تتصادم مع واقع المسألة، ولا يمكن أن يتيسّر من خلالها قرار علمي للنظر في المسألة، وهو ما سيظهر في النقطة التالية.

ثانيًا: مصادمتها للواقع التطبيقي لتوظيف الإسرائيليات في التفسير:
إنّ توظيف الإسرائيليات في التفسير وإن كان قد غلب عليه الحضور في القصص القرآني فعليًّا، إلا أنّ هذا القصص الذي وُظّفتْ فيه منه ما يتصل بالأنبياء وما يجوز أن يقع منهم من تصرفات، وذلك كالوارد في تفسير فتنة سيدنا داوود -عليه السلام- وأنها كانت في المرأة[12]، والهَمّ الذي وقع من سيدنا يوسف -عليه السلام- وأنه لم يكن هَمّ خطرات.

وكذلك منه ما يتّصل بالملائكة وما يجوز في حقهم وما لا يجوز؛ كالوارد في قصة الملَكين هاروت وماروت.

ولا شك أنّ بحث مسائل الأنبياء وما يجوز في حقّهم وما لا يجوز من المعاني وكذا الملائكة من أمور العقائد، وبالتالي فإذا كانت المرويّات الإسرائيلية تم استحضارها وتوظيفها في هذه المواضع فكيف يمكن القول بأن هذه المرويات لم تكن في باب العقائد ولم تؤثّر فيها؟!

ولهذا تجد أنّ هذه المواضع كالتي ذكرنا كانت من أكبر الأسباب التي هوجم بسببها مُوردو المرويات الإسرائيلية قديمًا وحديثًا كما هو معلوم، باعتبارهم -من وجهة نظر هؤلاء الناقدين- شوَّشوا بها على تعاليم الإسلام، وأوردوا أمورًا تعدُّ مدخلًا كبيرًا للطعن في الأنبياء والملائكة والقدح في عصمتهم والتقوّل عليهم بما لا يليق بجَنابهم...إلخ.

يقول أبو شهبة بعد أن نقَل المرويات في قصة هاروت وماروت: «...هذه من ناحية العقل غير مسلَّمة؛ فالملائكة معصومون عن مِثل هذه الكبائر التي لا تصدر من عِربيد، وقد أخبر الله عنهم بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون،... وهذه الخرافات التي لا يشهد لها نَقْل صحيحٌ ولا عقلٌ سليم، هي كذلك مخالفة لما صار عند العلماء المحدَثين أمرًا يقينًا...»[13].

ويقول كذلك: «ومن الإسرائيليات المكذوبة التي لا توافق عقلًا ولا نقلًا: ما ذكر ابن جرير في تفسيره، وصاحب (الدر المنثور) وغيرهما من المفسرين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّه} فقد ذكروا في هَمّ يوسف -عليه الصلاة والسلام- ما ينافي عصمة الأنبياء وما يخجل القلم من تسطيره، لولا أن المقام مقام بيان وتحذير من الكذب على الله وعلى رسله...»[14].

وتقول آمال ربيع: «نأتي إلى فصل آخر من فصول قصة داوود -عليه السلام-، نَقَلَ فيه الطبري آثارًا فيها افتئات كبيرٌ على شخص داود النبي -عليه السلام-، ولم يعلِّق بكلمة واحدة في عصمة النبيّ المرسَل»[15].

وتقول كذلك وهي بصدد التعليق على ما أورده الطبري في قصة داوود: «...فأين كان الطبري المسلِم المؤمِن بنبوَّة داود -عليه السلام- وعصمته وهو يردّد هذه الترّهات!»[16].

كما أنّ هذه المواطن هي التي جرى فيها ردّ مقولات المفسِّرين باعتبارها مخالفة لصحيح الدِّين، وتم إعادة تفسيرها تفسيرًا يتّسق -من وجهة نظر الطرَف الناقد- مع ما يقرّره الشرع في عصمة الأنبياء والملائكة[17].

ثالثًا: مصادمتها لطبيعة التعامل مع النصّ القرآني المفسَّر:
فالنصّ القرآني متى فُسّرت وبُيّنت آياته -بِغَضّ النظر عن تصنيف الآيات وهل تنتمي للقصص أم غير ذلك- فإنها صارت مجالًا رحبًا يعمل عليه العقل الإسلامي مستنبِطًا للأحكام ومستخرجًا للاستدلالات التي يتّخذ منها سنادًا في تقرير التصورات الشرعية في مختلف المناحي والمجالات العقدية والتشريعية وغيرها، وبالتالي فإذا ثبت أنّ الإسرائيليات تم إيرادها في آيات القصص؛ فإن تأسيس دعوى خلوّ الجانب التشريعي من هذه المرويات سيكون لازمًا لتقريره القول بأنّ سائر المعاني الواردة في هذه الآيات لم يجرِ استثمارها في بناء الأحكام والاستدلال عليها، لا مِنْ قِبَلِ مفسِّرِي السلف ولا من قِبَلِ سائر النظّار في طبقاتهم من غير المشتغلين بالتفسير ولا ممّن جاء بعدهم، وأنهم لم يؤسِّسُوا عليها وأبطلوا دلالتها، وهو أمرٌ ظاهرُ الإشكال.

إننا -ومن خلال ما سبق- يظهر لنا جليًّا كيف أنّ القول بأنّ الإسرائيليات لم تلج باب العقائد والتشريع وأنها انحصرت في جانب القصص هو قول مشكلٌ، ولا غرو فإنّ النظر لمسألة في أحدِ الفنون من خلال منطلق يتعارض جذريًّا مع طبيعة الفنّ لا يمكن أن يؤسّس نتيجة صحيحة وتقريرًا منضبطًا يحكم النظر للمسألة والتعامل معها.

على أنّ توارد البحَثة على هذه النتيجة -خاصة لدى نقَدَة هذه المرويات- وإنْ بدَا غريبًا لفَرْط ظهور إشكالها وتناقضها ومصادمتها لتطبيقات المفسرين، إلا أنه في ذات الوقت له ما يبرره، كما سنبينه في السطور التالية.

الغفلة عن إشكالات النتيجة لدى الباحثين؛ محاولة في التفسير:

لمّا كان تبيين المعاني هو الحيثيّة الرئيسة للتفسير كما بيّنّا قبلُ، فإنّ مناط النظر الكلي ومنطلقه عند بحث قضية المرويات الإسرائيليات في مجال التفسير يجب أن يكون مرتبطًا بهذه الحيثية، والتي تجعل هذه المرويات أحد أدلة التبيين الموظَّفة مِنْ قِبَلِ المفسِّرين كما الشعر الجاهلي وغيره، وبالتالي ينصبّ البحث في المسألة على تأمّل القرائن التي اعتمد عليها المفسِّر في توظيف هذه المرويات ليحرّر المعنى ويصل إليه ويقرّره.

إلا أنّ الإشكال أنّ النظر لمسألة الإسرائيليات في التفسير انحكم لدى كثيرٍ من النُّظَّار وفق منطلقٍ غريبٍ ومباينٍ لحيثيّة التفسير، وهو أنّ هذه المرويات كانت مجالًا للنقل المحض لا التوظيف الاستدلالي، ومن ذلك:

يقول ابن تيمية: «هذا القسم الثاني من المنقول؛ وهو ما لا طريق لنا إلى الجزم بالصدق منه، عامته مما لا فائدة فيه، فالكلام فيه من فضول الكلام...فما كان من هذا منقولًا نقلًا صحيحًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب؛ كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة»[18].

يقول ابن خلدون مبينًا أنّ: «كثيرًا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرّد النقل غثًّا أو سمينًا، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النّظر والبصيرة في الأخبار؛ فضَلُّوا عن الحقّ وتاهوا في بيداء الوَهْم والغلط...»[19].

يقول القاسمي: «...لا يخفى أنّ من وجوه التفسير معرفة القصص المجملة في غضون الآيات الكريمة، ثم ما كان منها غير إسرائيلي كالذي جرى في عهده -صلى الله عليه وسلم- أو أخبر عنه، فهذا تكفَّل ببيانه المحدِّثون، وقد رووه بالأسانيد المتصلة، فلا مغمز فيه، وأمّا ما كان إسرائيليًّا، وهو الذي أخذ جانبًا وافرًا من التنزيل العزيز، فقد تلقَّى السلف شرح قصصه، إمّا مما استفاض على الألسنة ودار مِن نَبَـئِهم، وإمّا من المشافهة عن الإسرائيليين الذين آمنوا، وهؤلاء كانوا تلقفوا أنباءها عن قادتهم... فيروُون ما شاؤوا غير مؤاخِذين ولا مناقِشين، فذاع ما ذاع، ومع ذلك فلا مغمز على مفسِّرينا الأقدمين في ذلك، طابَق أسفارهم أم لا؛ إِذْ لم يألوا جهدًا في نشر العلم وإيضاح ما بلَغهم وسمعوه، إمّا تحسينًا للظنّ في رواة تلك الأنباء وأنهم لا يروون إلا الصحيح، وإمّا تعويلًا على ما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عمرو بن العاص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بلِّغوا عنِّي ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ...»، فترخَّصوا في روايتها كيفما كانت، ذهابًا إلى أن القصد منها الاعتبار بالوقائع التي أحدثها الله تعالى لِمَن سلف لينهجوا منهج مَن أطاع فأثنى عليه وفاز، وينكبوا عن مهيع مَن عصى فحقَّت عليه كلمة العذاب وهلك، هذا ملحظهم -رضي الله عنهم-»[20].

إنّ إشكال النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير أنه يتجاهل حيثية التفسير المميزة في بحث المسألة -وهي تبيين المعاني وأنّ هذه المرويات كانت أحد أدواته- ويدرسها كما لو كان يتعامل مع الإخباريين والمؤرِّخين، وهو ما يجعل الأمر ينقلب تمامًا في تصوّر المسألة، فتصبح المروياتُ أداةً لاستمداد المعلومات بصورة مجرّدة لا أداة تبيين يحتفّ التفسير تبعًا للوارد عنها بقرائن يجب أن تدرس، ويصبح المفسرُ ناقلًا عنها لا موظِّفًا لها في بيان المعنى بطرائق تحتاج لتجليةٍ في مسالكها ونظرٍ في كيفياتها.

وهذا النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير يثير إشكالات عديدة؛ لأن هذه المرويات ليست من جنس الأدلة الشرعية التي يُستعان بها في تقرير أمور داخل الشريعة والدِّين وبها العديد والعديد مما يخالف الشّرع، وكذلك لأنّ مَن لجأ إليها هم طبقة السلف -رضوان الله عليهم-، وبالتالي فإنّ استحضار النظرة النقلية في التفسير عن هذه المرويات سيُفضي بنا حتمًا إلى اعتبار السلف قد استمدوا أمورًا معيَّنة من مصدر أجنبي مشكل ووقعوا تحت سطوة تأثيره، وهو قول مفضٍ للطعن في الدّين ذاته والتشكيك فيه؛ إِذ السلف هم حمَلَته ونقَلَته إلينا، واعتبارهم تأثَّروا في تصوّراتهم الشرعية بمصدر أجنبي عن الدّين ينزع عنهم أحد أهم خصائصهم كحقبة تمثِّل النبع الصافي في التصوّر الشرعي قبل ظهور المؤثِّرات الأجنبية على الأفكار، وهو الأمر الذي يتعذّر القول به ولا يسعُ أحدًا تقريرُه؛ ومن ثَمّ كان ظهور القول بأن هذه المرويات لم تلج العقائد وأنها كانت في باب القصص أمرًا حتميًّا لابد منه لإيجاد مخرج للدّين ذاته.

فهذه النتيجة تعترف بحضور المرويات الإسرائيلية في تفسير السلف -والذي هو حقيقة كالشمس لا يمكن نفيها- ولكنها تحاول في ظاهرها تحييد أثره وإبعاده عن أن يكون مشغّبًا على الدّين، وذلك بحصره في جوانب قصصية لا فائدة منها، لا سيما وأن الغالب على حضور المرويات في تفسير السلف هو الجانب القصصي لا سيما المتعلق ببني إسرائيل، وهو الأمر الذي من شأنه -في ظاهره- حلّ الإشكال الذي يثيره النظر النقلي عن المرويات.

فمن خلال هذه النتيجة تم الإقرار بحضور المرويات في تفسير السلف والذي لا يسع نكيره واستيعابه، وكذلك تحييد أثر ذلك الحضور في ذات الوقت بحصره في مجال يظنّ أن استحضار المرويات فيه ليس سوى توسُّعٍ في تفاصيل لا قيمة لها، وسردٍ لفرعيات لا كبير قيمة لها في التفسير، وليس لها أثرٌ كبيرٌ على معاني مفردات وألفاظ القرآن، سواء من جهة ذكرها أو عدمه كما ذكر ياسر المطرفي فيما نقَلْنا عنه قبلُ، غير أنّ منطلق النظر للمسألة متى كان مشكلًا وليس مرتكزًا على حيثية حضور المسألة في الفنّ فيستحيل أن تستقرّ النتائج وتبنى بصورة سليمة كما مرّ معنا في إشكالاتها.

ففي ضوء استحكام منطلق النظر النقلي عن المرويات في النظر للمسألة وما تُقدّمه نتيجة القول بعدم دخول المرويات في العقائد...إلخ، من حلٍّ للإشكالات التي يثيرها هذا المنطلق؛ فإنّ الغفلة عن لحظ إشكالها وعدم سلامتها رغم ظهور عوارها تبدو مسوغة جدًّا؛ لصعوبة أن يتّجه له الوعي بصورة عامّة، وإلَّا فإنّ لوازمه هي التشكّك في الدّين؛ إِذْ تصوّرات الدّين ومعاقده المركزيّة ستكون مشكلة؛ كونها ليست صافية في منابعها ومنابتها وإنما تَعَرَّضَت لتأثيرات من روافد أجنبية، وبالتالي تحتاج لإعادة نظر وتحرير، وكذلك سيلزمنا الأمر بنقد نَقَلة الدِّين من السلف نقدًا صارمًا، وهو ما يعود على الدّين كذلك بإشكال بَيِّن، وكِلا الأمرَيْن لا يمكن قبوله بل ولا تصوّره؛ ولذا كان التوارد على هذه النتيجة بين سائر الباحثين أمرًا لازمًا بصورة عامّة؛ لبداهة نفي ما هو خلاف هذه النتيجة ورفضه.

وبالرغم من أنّ البحث في المرويات الإسرائيلية في التفسير برز على ساحته مَنْ لا ينتقد إيراد المرويات، بل مَن التفَتَ لمنطلق توظيف هذه المرويات في التفسير وأنها كانت حاضرة في سياق تبيين المعنى، كما هو الحال مثلًا عند الدكتور مساعد الطيار، حيث قال: «المفسِّر الذي يرويها ويستفيد منها لم يُوردها ليأخذ منها أحكامًا تشريعية، ولا ليأخذ منها أحكامًا عقدية، وإنما أوردَها ليبين أمرًا في الآية أو يزيد تفاصيل على ما في الآية»[21]، إلا أنّ ذلك لم يكن داعية لتبيّن غلط النتيجة عندهم، بل التماهي مع تقريرها كما مرّ، وذلك يرجع لأمور عديدة؛ منها:

- ما تمثّله هذه النتيجة التي يقرّها الطرف الناقد ذاته بالنسبة لهذا الخطّ المدافع عن مُوردِي هذه المرويات من قُدرة على توسّل الدفاع على نحوٍ جيّد، ذلك أنّ ورود المرويات طالما أنه كان بعيدًا عمّا يمثّل صُلب الدّين فإنّ هجمة النقد على مُورِدِي هذه المرويات تفتقد بذلك لمسوِّغات وجودها بوجهٍ كبيرٍ.

- وكذلك كثافة التنظير للمسألة والمؤسَّس من خلال منطلق النظر النقلي عن المرويات الذي حكَم أبصار كثير من العلماء الكبار من أمثال ابن تيمية ممن تصدوا لبحث المسألة، وهو التنظير الذي عمِل من خلاله هذا الطّرف المدافع ذاته ولم ينشغل بتحليله ونقده؛ لوجاهة القائلين به من القدامى وكثرتهم وغير ذلك من الأسباب، وبالتالي بقي طرح هذا الخطّ مرتهنًا في كثيرٍ من جوانبه لهذا المنطلق النقلي ولم ينفكّ عن بعض تقريراته.

وقد كان تماهي هذا الفريق مع هذه النتيجة لما أسلفنا سببًا في وجود إشكالاتٍ في طرحه وقدرٍ من التناقض لا يخفى؛ ذلك أنّ النصّ القرآني متى كان حضور هذه المرويات في سياق تبيينه كما الحال مع الشعر الجاهلي مثلًا وغيره من أدوات التفسير، فلا مجال أصلًا للقول بأن هذه المرويات دخلت في مجال وأثَّرت فيه دون آخر؛ إِذْ أدلة التبيين وشواهده لا تأثير لها أصلًا ليتكلّم عنها، ولم يجرِ نقل من قِبل المفسرين لمضامينها، وإنما غاية الأمر هو التقسيم الفني لموارد الاستدلال والتوظيف للإسرائيليات وكثافة حضورها في نوع من الآيات دون غيره لعلل خاصّة، لا التقسيم للمجالات التي دخلت فيها بذاتها؛ فهي دليل من أدلّة التبيين وشواهده لا مادة لنقلِ التفسير.

خاتمة:

ظهر معنا من خلال ما سبق غلطُ النتيجة القائلة بأن المرويات الإسرائيلية لم تلج باب العقائد والأحكام وأنها انحصرت في مجال القصص، وأن هذه النتيجة المصادمة لواقع التفسير كان الباعث على القول بها هو منطلق النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير، والذي يثير إشكالات عديدة مثَّلَت هذه النتيجة خَلاصًا شكليًّا منها عَبْر القول بأنّ النقل عن المرويات كان في القصص لا في العقائد والتشريع.

كما ظهر معنا أنّ منطلق النظر النقلي عن المرويات الإسرائيلية هو الذي حكم أنظار جُلّ الدارسين: قدامى ومحدَثين، وحيث إنه منطلق يتعارض جذريًّا مع حيثية التفسير فإنّ سائر التقريرات والتأصيلات حول مسألة حضور المرويات الإسرائيلية وتوظيفها في التفسير تظلّ بحاجة لنقد جذري؛ إِذ المنطلق الخاطئ للمسألة لا يمكن أن يستقيم معه تقرير للمسألة يسهم في ضبط النظر إليها، بل إنه يكون مدعاة لمزيد من الإشكالات التي يتعذّر علاجها كما مرّ معنا في نقد النتيجة قيد المقالة، كما أنّ المسألة تبقى كذلك بحاجة لإعادة بحثها في ضوء حيثية حضورها الصحيحة في التفسير، حتى تؤسّس فيها النتائج والتقريرات التي تكشف أُطُر توظيفها وأنساقه على نحوٍ علمي منضبطٍ، والله الموفِّق.

 

[1] يمكن أن نمثّل هاهنا بالمؤلفات التالية: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير لمحمد أبو شهبة، الإسرائيليات في التفسير والحديث لمحمد حسين الذهبي، الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير لرمزي نعناعة، الإسرائيليات عند الطبري لآمال ربيع، وهناك عشرات الرسائل التي تتناول هذا الموضوع بنظرة نقدية تحت عنوان: (الدخيل في التفسير).

[2] جَمَعَتْ وحدة أصول التفسير -بمركز تفسير- عيون البحوث والكتابات في هذا الاتجاه تقريبًا، وجعلَتْها في مؤلَّف واحد عنونته بـ(مراجعات في الإسرائيليات)، وأصحاب البحوث والكتابات هم: د/ مساعد الطيار، د/ محمد صالح، د/ نايف الزهراني، د/ شافي بن سلطان، أ/ محمد العبادي.

[3] الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، ص(91).

[4] الإسرائيليات في تفسير الطبري، ص(138).

[5] عرض لكتاب: «الإسرائيليات في تفسير الطبري» وبيان بعض المآخذ عليه، ضمن البحوث المنشورة في كتاب «مراجعات في الإسرائيليات»، ص(68). وهو في أصله مقالة نُشِرَت قديمًا على ملتقى أهل التفسير بتاريخ 27/10/1428هـ، وقد نشرت على موقع تفسير ضمن ملف المرويات الإسرائيلية في التفسير على هذا الرابط: tafsir.net/article/5162

[6] تفسير القرآن بالإسرائيليات؛ نظرة تقويمية، وهو ضمن البحوث المنشورة في كتاب: (مراجعات في الإسرائيليات)، ص(169).

[7] العقائدية، ص(140).

[8] مقدمة ابن خلدون، ت: خليل شحادة، دار الفكر- بيروت، ط: 2، 1408- 1988، (1/ 554، 555).

[9] يراجع مقالتنا: قراءة نقديّة لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير (2-3)، وهي المقالة الثانية ضمن ثلاث مقالات نقديّة للطرح التيمي حول توظيف الإسرائيليات في التفسير، والمنشورة على موقع تفسير تحت الرابط التالي: tafsir.net/article/5166

[10] يراجع بحثنا: الإسرائيليات في التفسير بين ضرورة التوظيف وإمكان الاستغناء؛ قراءة تحليلية لمقولات المفسّرين لجواب السامري في سورة طه، وهو منشور على موقع تفسير على الرابط التالي: tafsir.net/research/25

[11] قد تتبّعْنا في مقالات سابقة هذا المنطلق النقلي عن المرويات الإسرائيلية في التفسير عند ابن تيمية وتوسّعْنا في نقاشه وبينّا ما يكتنفه من إشكالات، وأنه متعارض مع حيثية التفسير التي تنصبّ على ضبط المعنى وتقريره، ولا يتناسب مع بحث المسألة في التفسير، وأنه يثير عددًا من اللوازم الخطيرة؛ حيث يشغب على الدّين ويدفع لردّ مقالة السّلف والطعن فيهم، وغير ذلك. والمقالات منشورة على موقع تفسير على الروابط الآتية:
رابط المقال الأولى: tafsir.net/article/5165
رابط المقالة الثانية: tafsir.net/article/5166
رابط المقالة الثالثة: tafsir.net/article/5167

[12] يقول الطبري مثلًا في تفسير فتنة داوود: «القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}[ص: 23]، وهذا مَثَل ضربه الخصم المتسوِّرون على داود محرابه له، وذلك أن داود كانت له -فيما قيل- تسع وتسعون امرأة، وكانت للرجل الذي أغزاه حتى قُتل امرأة واحدة؛ فلما قُتل نكح -فيما ذكر- داودُ امرأتَه»، ثم سرد المرويات عن السلف. تفسير الطبري، ط: هجر، (20/ 58).

[13] الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص(163).

[14] الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص (220).

[15] الإسرائيليات في تفسير الطبري، ص(126).

[16] الإسرائيليات في تفسير الطبري، ص(147).

[17] وهذه الجراءة على ردّ مقولات السلف في التفسير وتسفيهها هو من أشكل آثار منطلق النظر النقلي عن المرويات؛ كونها تُعْتَبر -تبعًا لذلكم النظر- مجرد منقولات استُلَّت من مصدر مشكلٍ، وبالتالي لا كبير اعتبار لها، بل يجب ردّها والخلاص منها، وهو الأمر الذي وقع في أحيان كثيرة لا سيما في مسألة العصمة، حيث اعتبرت مقولات السلف التفسيرية للآيات الخاصّة بالأنبياء متأثّرة بالمرويات ومأخوذة منها، وبالتالي لا وجه لها، فبدلًا من أن تكون معبِّرة عن رؤيتهم لمسألة العصمة ذاتها، وأننا يجب أن نتأطّر بما قالوه فيها، صارت أقوالهم مدفوعة ولا قيمة لها، وهذه من المسائل التي تستحق الدراسة على نحوٍ خاصّ، وتبيُّن أثرها في درس مسألة العصمة بشكلٍ عامّ فيمن تلاهم؛ إذ ردّ مقولات السلف المتصلة بالأنبياء وعصمتهم باعتبارها منقولة عن المرويات الإسرائيلية سمح بتطوير النظر بشكلٍ عامّ لمسألة العصمة ذاتها؛ ومحاولة الإتيان فيها بمقولات مضادة لمقالات السلف هربًا من فكرة التأثّر بمرويات بني إسرائيل، والتي قد يقارب بعض الوارد في مضامينها العامّة -أحيانًا- ما ارتضاه السلف في التفسير، وبهذا صار بحث المسألة بعد السلف مفارقًا بصورة بيِّنة لِمَا كان عليه السلف ومقولاتهم التفسيرية للنصوص الخاصّة بالأنبياء في القرآن.

[18] مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية، ص(20).

[19] مقدمة ابن خلدون، (1/ 13).

[20] تفسير القاسمي، (1/ 31، 32).

[21] بحث «تفسير القرآن بالإسرائيليات؛ نظرة تقويمية»، ص(209، 210).

الكاتب

خليل محمود اليماني

باحث في الدراسات القرآنية، عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر، له عدد من الكتابات والبحوث المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))