تأملات في بعض القيم الصوتية في القرآن الكريم
نظرات في الإيقاع والفاصلة

الكاتب : تمام حسان
تحت عنوان القِيَم الصوتية يقع عددٌ من الظواهر، وتأتي هذه المقالة لتسلِّط الضوء على ظاهرتين منها، وهما: الإيقاع، والفاصلة؛ لتعرِّف بكلّ منهما، ثم تبيِّن علاقة كلّ منهما بالأسلوب القرآني.

تأملات في بعض القيم الصوتية في القرآن الكريم

نظرات في الإيقاع والفاصلة[1]

  تحت عنوان القيم الصوتية يقع عددٌ من الظواهر، منها: الإيقاع، والفاصلة، والحكاية، والمناسبة الصوتية، وحسن التأليف، وطلب الخِفَّة، وبعض ظواهر التلاوة. وفيما يلي نظرات في الإيقاع والفاصلة.

أولًا: الإيقاع:

لقد تعوَّدنا أَنْ تَحَكّمَ ربطُ مصطلح الإيقاع بالشعر الموزون، ولم تعرف تقاليدنا الفكرية الارتباط بين (الإيقاع) وصور التعبير الأخرى، بل إننا في معرفتنا بالأسلوب القرآني وبأنه ليس شعرًا: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}[يس: 69]، ربما أنكرنا لأول وهلة أن نسمع كلامًا عن الإيقاع منسوبًا إلى القرآن الكريم. ولكن هذا الإنكار يزول إذا علمنا المقصود بمصطلح (الإيقاع)، وعرفنا أنه شيءٌ مختلفٌ عن الوزن، وهاكم البيان.

إنّ المدخل إلى دراسة الإيقاع لا يكون إلا من خلال معرفة المقاطع العربية وكمياتها وقواعد النَّبْر في الكلام. لقد حاول العَرُوضيُّون بواسطة الأسباب والأوتاد أن يصلوا إلى دراسة أجزاء التفعيلات، وحين صاغوا عبارتهم المشهورة: «لم أَرَ على ظهر جَبَلٍ سمكة»[2]، لم يكونوا يدرسون المقاطع؛ لأن بعض كلمات هذه العبارة -بل أغلب كلماتها- مُكَوَّن من أكثر من مقطع واحد، أما دراسة المقاطع فلها شروطها التي لا بد أن تُراعَى، ومنها:

1- كلُّ حرف متحرك هو بداية لمقطع جديد.

2- كلُّ حرف ساكن هو نهاية لمقطع صوتي، وقد يُشَدَّد هذا الساكن عند الوقف.

3- هناك مقاطع صوتية ومقاطع أخرى تأصيلية، وعلاقة الأولى بالثانية كعلاقة (قال) بـ(قَوَلَ)، أي: علاقة الفرع المعدول به بالأصل المعدول عنه.

4- مِن هنا قد يوجد مقطعٌ في الأصل ولا يوجد في الفرع، وذلك في الحرف الساكن الذي لا يُبتدأ به، فتُجْتَلَب له همزةُ وصلٍ للتوصيل إلى النطق به، كالنون في (انطلق)، فيصير مع الهمزة مقطعًا صوتيًّا واحدًا.

5- نحن هنا معنيُّون بالمقاطع الصوتية، ولا نهتمُّ للمقاطع التأصيلية؛ لأن الإيقاع ظاهرة صوتية حسية مسموعة وليست تأصيلًا مجرَّدًا.

وفي اللغة العربية المقاطع التالية على المستوى الصوتي:

1- صوتٌ متحرِّك وليس بعد حركته صوتٌ ساكنٌ، مثل المقاطع الثلاثة في (كَتَبَ) مبنيًّا على الفتح، فكلُّ مقطع منها مبنيٌّ مِن صوت متحرك ليس بعده سكون. ويرمز لهذا المقطع بالرمز (ص ح).

 2- صوت متحرك بعد حركته صوت ساكن، مثل المقاطع التي في (لَمْ يَكْتُبْ)، فاللام في (لَمْ) متحركة وبعدها ميم ساكنة، والياء في (يَكْ)، والتاء في (تُبْ) مثلها تمامًا، ويرمز لهذا المقطع بالرمز (ص ح ص).

3- صوت متلوٌّ بالمدِّ، وليس بعد المدّ سكون، كما في (لا فيها) فكلّ من اللام والفاء والهاء بعده مدّ، وليس بعد المد سكون، ويرمز لهذا المقطع بالرمز (ص م).

 4- صوت متلوٌّ بالمدّ، وبعد المدّ سكون، كما في (الضالِّين)، و(الطامَّة)، و(الصاخَّة)، فالمقطع الطويل من كلِّ كلمة مِن هذه يرمز إليه بالرمز (ص م ص)، فالصاد الأولى من الرمز هي ضاد الضالين، أو طاء الطامة، أو صاد الصاخة، والمد هو المد، والساكن أول عُنْصُرَي التشديد في كلِّ كلمة، أما العنصر الثاني من التشديد فهو متحرِّك، وكلّ متحرِّك بداية مقطع جديد (الشرط الأول السابق).

 5- صوت متحرّك وبعد الحركة صوتان ساكنان، كما في الوقف على (قبل) و(بعد) و(شدّ)، وكالمقطع الثاني من (دويّبة) و(مويّدة) لتصغير دابة ومادة، ويرمز لذلك بالرمز (ص ح ص ص).

6- صوت متلوٌّ بالمدّ وبعد المدّ صوتان ساكنان، ولا يرد هذا المقطع إلا عند الوقف على مثل: (الحاجّ)، و(التامّ)، و(الخاصّ)، و(الضالّ)؛ فهو مقطع مرهون بموقع معين، ويرمز إليه بالرمز (ص م ص ص).

والمقطع الأول يُسمَّى اختصارًا بالقصير، والمقطعان الثاني والثالث يعرفان بالمتوسطين، وأولهما المقفل، والثاني المفتوح، والمقطع الرابع والخامس طويلان، أولهما طويل المد، والثاني طويل التشديد، أما السادس فهو مقطع الوقف.

وتبقى بعد ذلك ملاحظة لا بد منها، هي الإشارة إلى النقطة التي يختلف فيها المقطع الصوتي عن المقطع التأصيلي المجرَّد، وهي نقطة واحدة لا غير. نحن نعلم أن بنية بعض الكلمات العربية تبدأ في نظام اللغة بالساكن، ولكن الاستعمال الفعلي (الصوتي) يأبى البدء بالساكن، فيجتلب همزة قبل الساكن تعرف بهمزة الوصل، وذلك في أسماء معروفة وصيغ محددة؛ في ماضي الخماسي والسداسي وأمرهما ومصدرهما، وأمر الثلاثي، وفي أداة التعريف، ولقد قال ابن مالك: (أل حرف تعريف أو اللام فقط)، فأشار إلى أن الهمزة ليست من بنية الأداة، وإنما هي مجتلبة لتكون قنطرة يَعْبُرُ المتكلمُ فوقها إلى النطق بالساكن.

ولا شك أنّ الناطق ينطق الهمزة وحركتها والساكن الذي بعدها، فيكون المقطع من الناحية الصوتية (ص ح ص) ولكن نظام اللغة الذي يأبى أن يعترف بأنّ الهمزةَ جزءٌ من البنية مِن حَقِّه أن يقول إنّ هذا المقطع في النظام هو (ص) فقط، أو إذا راعينا اطِّراد ورود الحركة قبله في كلّ الحالات فرارًا من البدء بالساكن أو فرارًا عند الوصل من التقاء الساكنين؛ أمكن أن يُقال إنّ هذا المقطع في النظام هو (ح ص) مع حذف الصاد الأولى التي هي بإزاء همزة الوصل.

نخلص من ذلك إلى أن مقطع الوصل (وهذا هو اسمه) له صورتان:

أ- صورة صوتية يرمز إليها بالرمز (ص ح ص ).

ب- صورة تأصيلية يرمز إليها بالرمز (ص) فقط أو (ح ص)، والأول من رمزَيه أحوط.

وهكذا يمكن تلخيص بنية المقاطع الصوتية على النحو التالي:

- (ص ح) ويسمَّى القصير.

- (ص ح ص) ويسمى المتوسط المقفل.

- (ص م) ويسمى المتوسط المفتوح.

- (ص م ص) ويسمى طويل المد.

- (ص ح ص ص) ويسمى طويل التشديد.

- (ص م ص ص) ويسمى مقطع الوقف.

ولا يقع في اهتمام دراسة الإيقاع أن نتكلم في المقطع التأصيلي أو مقطع الوصل ما دام يحتسب من الناحية الصوتية من قبيل المتوسط المقفل (ص ح ص)، بإقامة الصاد التي في مطلع المقطع مقام همزة الوصل، وإقامة الحاء مقام حركة الهمزة، والصاد الثانية مقام الساكن الذي تم التوصل إلى النطق به بواسطة الهمزة وحركتها.

دعنا بعد ذلك نُلقِ نظرة على النَّبْر؛ ما معناه؟ وما قواعده؟ إذا سمع أحدنا غيره يتكلم فإنه سيلاحظ أنه لا يجعل كلّ أجزاء الجملة من كلامه في طبقة صوتية واحدة، وإنما يرفع صوته بأحد أجزائها إلى طبقة أعلى من الصوت مع بقية الأجزاء، وذلك ما يعرف بالتنغيم، وبه يرتبط معنى الجملة إثباتًا أو استفهامًا أو غير ذلك. أما المتكلم نفسه فإنه سيلاحظ أن الصوت الذي يتم عنده الانتقال من طبقة صوتية إلى طبقة صوتية أخرى يتطلب قدرًا من نبض الحجاب الحاجز يزيد مِن ضغط النَّفَس على الأوتار الصوتية، فيكون للصوت من أصوات الكلمة في الجملة عندئذٍ وضوح في السمع أكثر مما يكون لما يحيط به من أصوات، هذا الوضوح السمعِي النِّسْبي يسمى: النَّبْر.

حاول أن تنطق الصيغ الصرفية الآتية ولاحظ الاختلاف بينها من حيث النبر: (فَعِل - فاعِل - فعِيل)، وعندئذ ستحسّ أنّ النَّبر في الصيغتين الأوليين على المقطع الأول، وفي الصيغة الثالثة على المقطع الثاني، فإذا ثَنَّيت فقلت: (فَعِلان - فاعِلان - فعِيلان)، انتقل النَّبر في جميع ذلك إلى المقطع الأخير.

ويخضع النَّبْر في اللغة العربية لقواعد مطّردة قليلة العدد يسهل ضبطها وتذكُّرها، وهذه القواعد كما يلي:

1- يقع النّبر على المقطع الأخير في الكلمة -أو الصيغة- إذا كان هذا المقطع طويلًا سواء كان طوله بالمدّ، أم بالتشديد، أم كان مقطع الوقف، مثل: مفعولْ- يفعلانْ -فَعَلْتْ- البارْ.

2- ويقع في الكلمة الوحيدة المقطع على هذا المقطع أيًّا كان، مثل: قِ- قمْ- ما- قالْ- قلْ- حاجْ.

3- يقع النَّبر على المقطع الذي قبل الأخير في الحالات الآتية:

  • إذا كان ما قبل الأخير متوسط، والأخير إما قصير أو متوسط نحو: استلق -حذار- علِّم- قاتل- معلِّم- مقاتل- استوثِقْ.
  •  إذا كانت الكلمة من مقطعين هذا أولهما، أو من ثلاثة أولها مقطع همزة الوصل نحو: ارعو- كُتُبْ- صُوَرْ- انطلِق- اخرجي.

4- إذا كان ما قبل الآخر طويلًا اغتُفِر فيه التقاء الساكنين، ووقع النّبر عليه، ما لم يكن الآخر طويلًا مثله، فيقع النّبر عليهما نحو: الصافات- الضالين.

 5- يقع النّبر على المقطع الثاني مما قبل الآخر إذا كان قصيرًا أو متوسطًا بعده قصيران، أو قصير ومتوسط، نحو: عجلتك- علمَكَ- لن يصل- علّمكم- لم يصلوا- بينكم- بيتُكَ- أُخرِج- مُفكِّرٌ- نظرةٌ- ابتسامة.

6- يقع النبر على الثالث مما قبل الآخر إذا كان الآخر قصيرًا أو متوسطًا، وقبله ثلاثة قصار، نحو: ضربك- بقرةٌ- يرثني- يعدهم- نَكِرهُم- وَجدك.

 7- لا يقع النّبر على أيّ مقطع يسبق هذه الأخيرة.

وهناك ما يعرف باسم النّبر الثانوي، وهو يكون عند ما يكون ما قبل النّبر الأولي من الكلمة في كمية كلمة مستقلة، فيأتي النّبر الثانوي لإيجاد نوع من التوازن بين هذه الكمية وما يليها، وتحكمه القواعد الآتية:

1- تقع على المقطع السابق على النبر إذا كان طويلًا، نحو: الصافات- الضالين- أتحاجونِّي.

 2- وعلى الثاني قبل النبر إذا كان هو متوسطًا والذي بعده قصيرًا أو متوسطًا نحو: مستَيْقين- مستقيم- مستعدة- يستخفون- عاشرناهم- قاتلوهم.

 3- يقع النّبر على الثالث مما قبل النّبر الأولي إذا كان هذا المقطع قصيرًا أو متوسطًا وبعده قصيران، أو كان متوسطًا بعده قصيران، أو قصير ومتوسط، نحو: منطلقون- يستقيمون- بقرتان- يستَبِقُون- محترمون- مستطيلان- كلمتان- ضربناه.

وإذا تأملنا الكلام المتّصل لاحظنا تشابه المسافات بين نبر ونبر، أو تقارب هذه المسافات، فقد نجد بين المقطعين اللّذَين وقع النبر على كلّ منهما مقطعًا أو مقطعين أو ثلاثة على أكبر تقدير لم يقع النّبر على واحد منها، وقد يكون النبران المتواليان من قبيل النّبر الأولي، وقد يكون أحدهما ثانويًّا.

هذا التشابه والتقارب في المسافة بين كلّ نبرٍ وما يليه يعطي للأذن هذا الذي سمَّيناه الإيقاع، ويمنح النَّفْس إدراكًا لطابع إيقاعي للّغة تمتاز به عن كلّ لغة غيرها من لغات البشر.

غير أنّ في إمكان مُنشئ النصّ أن يُكسِبه من رشاقة الإيقاع ما لا يستطيعه المتكلم العادي، حتى إذا قرأتَ هذا النصّ المنثور أحسستَ له خفّة على اللسان وقبولًا في النفس، وبهذا يمتاز أديب عن أديب آخر، وإنّ بعض الأساليب النثرية ليستحق أحيانًا أن يوصف بأنه أسلوب موقَّع أو موسيقي أو رشيق دون أن يلجأ مُنشِئُه إلى محسنات لفظية من أيّ نوع. انظر مثلًا إلى أسلوب الجاحظ، أو إلى أسلوب أبي حيان التوحيدي، أو أسلوب طه حسين، أو أسلوب الزيَّات، وتأمَّل هذه الخاصية الإيقاعية وستجد أنها حقيقة واقعة تحسّ بها ولا تستطيع وصفها، أو كما قال بعضهم: «تحيط بها المعرفة ولا تدركها الصفة».

وحين أحسّ الشهاب الخفاجي بالإيقاع القرآني لم يستطع الإشارة إليه على علّاته، وإنما انتقى منه ما طوّعه لأوزان بحور الشعر، أما الإيقاع النثري فلم يكن في طوقه أن يبرزه؛ جاء بعبارات من القرآن الكريم على أوزان البحور وبنى عليها منظومته العروضية التي تعرف بمنظومة الشهاب الخفاجي، وحَسْبنا أن نورد أمثلة منها في هذا السياق لنوضح ما نقصده من ذلك، يقول الشهاب الخفاجي:

1. أطال عزولي فيك كفرانه الهوى ** وآمنت يا ذا الظّبيُ فائينس ولا تنفر

فعولن مفاعيل مفعولن مفاعلن ** فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ

2. إني بسطتُ يدي أدعو على فئةٍ ** لاموا عليكَ عسى تخلو أماكنُهمْ

مستفعلن فاعلن مستفعلن فعل ** فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ

3. يا مديدَ الهجرِ هل من كتابٍ ** فيهِ آياتُ الشفا للسقيم

فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ** تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ

وهكذا تمضي شواهده القرآنية لتكون نماذج لإيقاعٍ خاصّ موزون ليس هو الإيقاع القرآني النموذجي؛ قلنا قبل ذلك: إنّ النّبر قد يكون أوليًّا وقد يكون ثانويًّا، والفرق بين النبرين:

أ- أنّ النبر الأولي أصلي، والثانوي فرعي.

ب- أنّ الأصلي يحسب من آخر الكلمة أو الصيغة، وأنّ الثانوي يحسب من نقطة وقوع النّبر الأولي.

ج- أنّ النّبر الثانوي يقع في نقطة يصلح مقدار ما بينها وبين نقطة وقوع النبر الأولي أن يكون كلمة عربية.

د- أنّ النّبر الثانوي أضعف من النّبر الأولي؛ لأن ضغط الحجاب الحاجز على الرئتين عند إيقاعه أضعف منه عند إيقاع النبر الأولي.

وهكذا إذا نظرنا إلى كلمة مثل: (يستعينون)، وجدنا بها نبرًا أوليًّا على المقطع الأخير (نون)، ونبرًا ثانويًّا على المقطع الأول (يس)؛ لأنّ كمية ما قبل النّبر الأولي هي بمقدار كلمة عربية تامّة، فالذي قبل النّبر الأولي هو (يستعي) وكميته تشبه كمية كلمة تامّة مثل: (يرتقي)، أو (يستقي)، أو (مرتجي)، أو (جاهدوا)، أو أيَّة كلمة لها هذه الكمية. ولكن هذه الكمية لمَّا كانت جزء كلمة ولم تكن مستقلة -صالحة للإفراد- فقد وقع النبر عليها ثانويًّا لا أوليًّا، على حين يستحق كلّ من الكلمات السابقة ذات الكمية المشابهة نبرًا أوليًّا على أوَّلها؛ وذلك بسبب استقلالها وصلاحيتها للإفراد. ولو أنّ كلّ الكلمات العربية كانت من ثلاثة أصول لكان انتظام بنية الصيغ الصرفية واطّراد الزوائد التي تلحق بالكلمة سببًا في عدم اختلاف النّبر في الكلمة المفردة عنه في السياق، أو بعبارة أخرى: لكان النّبر يقع على الكلمة بطريقة واحدة في الإفراد والوصل، ولكن من الكلمات التركيبية العربية ما يأتي على حرف واحد، وما يأتي على حرفين، فيلحق بالكلمة الثلاثية الأصول ويغيّر من كميتها فيتغير موضع النّبر تبعًا لذلك، ومن هنا يخضع النّبر في السياق للخطة الإيقاعية، ويخضع في الإفراد للبنية الصرفية، فإذا نظرنا إلى السياق وجدنا المسافة بين النّبر والنّبر يحكمها مبدأ هام هو: ألّا تتجاوز مقدار كلمة عربية واحدة، سواء كانت هذه الكلمة من مقطع طويل بمقدار: (قال)، و(قبل). أو مقطعين متوسطين بمقدار: (علِّم)، و(قاتل)، و(صلَّى). أو بمقدار مقطعين أولهما قصير وثانيهما متوسط نحو: (سمك)، و(رمى). أو أيّ مقدار يكون لكلمة ذات صياغة عربية كما سبق في الأمثلة التي أوردناها بمناسبة قواعد النّبر، وكلما تقاربت الكميات أو انتظم اختلافها حسن إيقاعها، والعكس صحيح.

وهذا التقارب وذاك الانتظام هو الذي نجده في إيقاع الأسلوب القرآني كما يتضح من النماذج الآتية: (مع وضع علامة × على كلّ موضع نبر). وقد تم اختيار هذه النماذج اعتباطًا، فيصدق على غيرها ما يصدق عليها:

1- {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}[البقرة: 19].

2- {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ}[البقرة: 22].

3- {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[آل عمران: 14].

4- {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}[النساء: 20].

5- {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة: 45].

6- {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[الأنعام: 59].

7- {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأعراف: 85].

دعنا نجرب تقطيع الآية الأولى إلى دفعات النبر فيها؛ لنرى كيف يحدث الإيقاع من انتظام التوافق بين الدفعات، أو انتظام أنماط ائتلافها في مجموعات: أَوْكَ- صَيِّبٍ- مِّنَ السَّ- مَاءِ- فِيهِ ظُلُ- مَاتٌ وَ- رَعْدٌ وَ- بَرْقٌ- يَجْعَ- لُونَ- أَصَا- بِعَهُمْ- فِي آ- ذَانِهِم- مِّنَ الصَّ- وَاعِقِ- حَذَرَ الْ- مَوْتِ وَالْ- لَّهُ مُ- حِيطٌ- بِالْكَافِ- رِينَ.

حاولْ مثل هذا التقطيع في بقية الآيات السابقة وستعلمْ عندئذٍ أنّ المقصود بالإيقاع ليس هو الوزن وإنما هو التوازن، وسترى أنّ هذا التوازن هو مصدر رشاقة الأسلوب، وجزء مهم من أجزاء حسن استقبال النَّفْس له.

على أن هذا الانتظام الإيقاعي لو اطَّرد دون تخلُّف واستمرَّ دون انقطاع لكان أولى بالسامع أن يملَّ، وباليقظة عنده أنْ تتحوّل إلى خمول، ثم إلى نوم، وهذا الانتظام المطَّرد ذاته هو الذي تجده لدى الأُمّ حين تهز طفلها لينام، وهو الذي يجعل ضجيج الآلة عند انتظامه مدعاة للنوم، فإذا توقف الضجيج صحا النائم، ولو سمح للإيقاع القرآني أن يقع في هذا الانتظام المحكم لربما أدى بالسامع إلى الملل، ولكن الأداء القرآني أداء مرتل، وقد أمر الله رسوله أن يرتل القرآن ترتيلًا، بل إنه تعالى ينسب الترتيل إلى نفسه بقوله: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[الفرقان: 32]، والذي أفهمه من معنى الترتيل أنه يتمثل في جَعْل القرآن أَرْتالًا، بين كلّ رَتَلٍ منها وبين الآخر فترة، فأما الأَرْتال بالنسبة إلى نزول القرآن فكونه نزل منجَّمًا بحسب الوقائع فكان في صورة دفعات من الآيات بين كلّ رَتَلٍ منها وبين الآخر فترة زمانيةٍ ما، وهذا المعنى ثابت في تاريخ نزول القرآن، ولكن لا يفيدنا فيما نحن بصدده هنا، وأما الأرتال بالنسبة إلى الأداء القرآني فهو أن تجعل مقاطع القرآن (والمقصود المقاطع بمعناها الذي سبق شرحه) أرتالًا في القراءة بين كلّ رتلٍ منها وبين الآخر مسافة يحتلها مد أو غنة، فينقطع بالمد أو الغنة ذلك الانتظام المحكم الذي يدعو إلى الملل، وهكذا تصبح هذه المسافة نفسها -ممثلة في المدّ أو الغنّة- جزءًا من الإيقاع القرآني الذي يعتمد على جعل المقاطع أرتالًا، أو بعبارة أخرى: يعتمد على الترتيل.

ثانيًا: الفاصلة:

حين سمع الكفارُ من عَبَدَةِ الأصنام تلاوة القرآن لأوّل نزوله حاروا في أمر نَظْمِه، فلقد كانوا يعرفون من ضروب الكلام عندهم الشعر، والخطابة، والسحر، وسجع الكُهّان، ولم يكن القرآن في تراكيبه ولا في أسلوبه يشبه واحدًا ولا أكثر من واحد من هذه الأضرب. حين أرادوا أن ينسبوا القرآن إلى البشر وينكروا مصدره الإلهي كان عليهم أن يجعلوا القرآن واحدًا من أنواع كلامهم التي تقدّم ذكرها، فلما فكَّروا في هذا الأمر لم يستطيعوا نسبته إلى الخطابة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقم بينهم بالقرآن خطيبًا، ولم يستطيعوا نسبته إلى سجع الكهان لما في العبارة القرآنية من الوضوح الناصع في مقابل ما في سجع الكهان من غموض، فلم يبقَ أمامهم إلا أن يرصدوا أثر القرآن فيما كان من القطيعة بين بعض المؤمنين وبين أهليهم فنسبوا القرآن إلى السِّحْر، ثم أن يرصدوا ما في أسلوب القرآن من فواصل في أواخر الآيات فنسبوا القرآن إلى الشِّعْر، وهكذا اتخذ غلوُّهم في القرآن أحدَ هذين الاتجاهين.

كان من اليسير دفعُ الشّبهة الأولى عن القرآن؛ لأن السحر شيءٌ، والدعوة إلى الدين شيءٌ آخر؛ فالسحر لا يدعو إلى صلاح ولا ينتهي إلى إصلاح، ولا يجمع شملًا، ولا يوحِّد أُمّة، ولا يُنشئ شريعة ولا عقيدة، وقد كان كلّ ذلك من آثار القرآن الكريم، وقد عَلِم ذلك عامّتهم كما علمه الخاصّة منهم، فانتفى عندهم أنه سحرٌ.

أما دعواهم أنّ القرآن شعر؛ فإن دفعها يتطلّب معرفة بالفرق بين الوزن الشعري ومطلق الإيقاع من جهة، ثم بين القافية الشعرية والفاصلة القرآنية من جهة أخرى؛ لأن الوزن والقافية جزءٌ من تعريف الشعر، فنفيهما عن القرآن نفي لكونه شعرًا بحكم تعريف الشِّعر.

ولقد مرَّ بنا بيان المقصود بمطلق الإيقاع، واتضح الفرق بينه وبين الوزن، وعلينا الآن أن نوضّح الفرق بين الفاصلة القرآنية والقافية الشعرية.

إنّ تقفية الشعر تتطلب تطابق خواتيم الأبيات من الناحية الصوتية، وقد جعل الالتزام بالقافية جزءًا من عمود الشعر الذي لا يكون الشعر شعرًا إلا به، كما أنّ البيت -والمقصود خيمة الأعرابي- لا يقوم إلا على عمود أو عماد يعتمد بناؤه عليه، وفي القرآن من الفواصل ما يتشابه جرسه في الأذن، فحين سمع الكافرون هذه الفواصل غرتهم عن ملكاتهم وأذواقهم، فربطوا بينها بالباطل وبين القوافي، ثم ادّعَوا لأدنى ملابسة أنّ القرآن قول شاعر.

وإنّ المتأمل في الفاصلة القرآنية ليرى الفارق عظيمًا بينها وبين القافية، حتى ليمكن تلخيصه على النحو التالي:

1- تتطلّب القافية التطابق التامّ بين عددٍ من الحروف في آخر البيت الشعري، فإذا قرأت مثلًا قصيدة شوقي:

سَلُوا قَلْبِي غَدَاة سَلا وتَابا ** لعلّ على الجمالِ له عِتَابا

وجدتَ التقفية تحتّم أن تنتهي أواخر الأبيات بألف بعدها باء وألف، وأنّ ذلك يلتزم في نهاية كلّ بيت من أبيات القصيدة، بل إنّ ذلك التزم أيضًا فيه شطري مطلع القصيدة وهو ما يسمى (التصريع)، وكذلك الأمر إذا قرأتَ أيّة قصيدة جاهلية أو إسلامية تجري على حدود عمود الشعر.

أما الفاصلة فلا تلتزم بشيء من ذلك؛ إذ تراها تجري في عدد من آيات السورة على نمط، ولكنها سرعان ما تتحول عنه إلى نمط آخر، وفي خلال جريها على نمط واحد قد يكون الالتزام مقصورًا على حرف المدّ فقط، كما في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة: 7، 8].

وقد يكون بصفة من صفات الحرف كصفة الضّيق -والمقصود تضييق الفم بتقريب الأسفل من الفكّ الأعلى أثناء النطق- كالنظر إلى الواو كما لو كانت من قبيل الياء، كما في قوله تعالى بعد ذلك: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[البقرة: 9].

2- في كثير من السّور القرآنية لا يكون هناك التزام بشيء بعد حرف المد، كما في سورة الحج، فإذا قرأت هذه السورة مثلًا وجدت فواصل الآيات لا تحمل أيّ شبه بالتقفية؛ لأن فواصل الآيات تتمثل في الكلمات الآتية: عظيم- شديد- مريد- السعير- بهيج- قدير- القبور- منير- الحريق- للعبيد- المبين- البعيد- العشير- ما يريد- ما يغيظ- من يريد- شهيد- ما يشاء- الحميم- الجلود- حديد- الحريق- حرير- الحميد- أليم- السجود- عميق- الفقير- العتيق- الزور- سحيق- القلوب- العتيق- المخبتين- ينفقون- تشكرون- المحسنين- كفور- لقدير- عزيز- الأمور- ثمود- لوط- نكير- مشيد- الصدور- تعدون- المصير- مبين- كريم- الجحيم- حكيم- بعيد- مستقيم- عقيم- النعيم- مهين- الرازقين- حليم- غفور- بصير- الكبير- خبير- الحميد- رحيم- لكفور- مستقيم- تعملون- تختلفون- يسير- نصير- المصير- المطلوب- عزيز- بصير- الأمور- تفلحون- النصير.

وهكذا جاءت نهايات الآيات على النحو التالي:

اء -1                                يد-12

وب-2                               ور-8

يج -1                               ير-17

ود-3                                 يق-6

يم-12                               يز-2

ون-6                                وط-1

ين-6                                يظ-1

المجموع: 78

وانظر إلى فواصل سورة الرعد تجد الواو والنون قد ختمت الآيات الخمس الأُولى، ثم عدلت الفواصل التالية عن ذلك فلم تلتزم إلَّا ألِف المدّ، مع قطع النظر عمّا يتلوها من الحروف التي تختتم بها الآيات، فتجد من ذلك: العقاب- هاد- بمقدار- المتعال- بالنهار- وال- الثقال- المحال- ضلال- الآصال- القهار- الأمثال- المهاد- الألباب- الميثاق- الحساب- الدار- باب- الدار- متاع- أناب.

ثم تأتي كلمة (القلوب)، ثم تعود الألِف مرة أخرى فنجد: مآب- متاب- الميعاد- عقاب- هاد- واق- النار- مآب- واق- كتاب- الكتاب- الحساب- الحساب- الدار- الكتاب.

ويسود هذا التباين بين الفواصل في سورٍ كثيرة من القرآن منها: آل عمران- هود- إبراهيم- مريم- النور- لقمان- فاطر- الصافات- ص- الزمر- غافر- فصلت- الذاريات- الواقعة- الحشر- المعارج- المدثر- القيامة- المرسلات- النازعات- عبس- التكوير- الانفطار- الانشقاق- الطارق- الغاشية- الفجر- البلد- الشرح- العلق- وغير ذلك من قصار السور.

ولسنا نجد شيئًا مما التزمت به الفواصل القرآنية يصلح أن يكون قافية؛ فالواو والميم في الشعر لا تناسب الياء والنون، ومن ثمّ لا تُقَفِّيها، وكذلك لا يكفي للقافية أن تعتمد على وجود المد الضيق قبل الحرف الأخير من البيت مع حرية اختيار هذا الحرف الأخير؛ فكلمة: (أمين) لا تقفو كلمة: (إدريس)، ولا تُعَدُّ إحدى هاتين الكلمتين قافية بعد كلمة: (نوح) على رغم ضيق المدّ في هذه وتلك، وكذلك لا يكفي للقافية أن يكون الحرف الأخير ألِفًا مطلقة، فلا يُعَدُّ من التقفية توالي كلمات مثل: عجبًا- همسًا- تسليمًا- كثيرًا- أصيلًا- عزيزًا، كما في سورة الأحزاب.

ومغزى كلّ ذلك: أنّ مَطَالِب الفاصلة تختلف اختلافًا تامًّا عن شروط القافية، ومع ذلك تأتي الفاصلة في نهاية الآية لتحقِّق للنصّ جانبًا جماليًّا لا تخطئه الأُذن؛ لأننا مهما يكن من أمرٍ نَحسُّ أنها تُضفي على النصّ قِيَمًا صوتيةً منتظمةً، فينقسم سياق النصّ بها إلى وحدات أدائية تُعدّ معالم للوقف والابتداء، وتتضافر مع الإيقاع الذي سبق شرحه فينشأ من تضافرهما أثرٌ جماليّ يُشبه ما يُخَلِّفُه وزن الشعر وقافيته، ولكنه يمتاز عن ذلك بالحرية من كلّ قيد مما تفرضه الصّنعة على الوزن والقافية.

ولِأَمْرٍ ما كان الوقف على رؤوس الآي مسنونًا إلَّا أن يفسد به المعنى؛ ذلك أنّ الوصل بالقراءة إلى فاصلة الآية يتفق في الغالب من الحالات مع كمية النَّفَس لدى القارئ، فيقف القارئ عنده ليتزود بزاد نَفَس جديد، ويحسّ القارئ مع بلوغ الفاصلة بأنه قد انتهى من إحدى مراحل طريق متواصل تحفُّ به روائق الإيقاع وروائع المعنى من كلّ جانب، وللفاصلة علاقة بالآية التي اختتمت بها، قد تكون على إحدى صورتين:

1. أن تكون الفاصلة جزءًا من سياق الآية لا يتجزّأ، فلا يُتصور معنى الآية إلَّا به، كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ * فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: 74- 79]، فكلّ آية تنتهي بجملة هي جزء من سياق ما قبلها، شديد الارتباط به نحويًّا ودلاليًّا.

2. وقد تأتي الفاصلة بعد تمام المعنى، فتكون تذييلًا للآية أو تعقيبًا على محتواها، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[آل عمران: 152- 155].

فقوله تعالى: {واللهُ ذو فضلٍ عَلَى المؤمِنِينَ}، وقوله: {واللهُ خبيرٌ بما تعملونَ}، ثم قوله: {واللهُ عليمٌ بذاتِ الصدورِ}، وكذلك: {إنّ اللهَ غفورٌ حليمٌ}، إنما جاء بعد تمام المعنى، فكان تذييلًا للآية، أكسبها جمالًا على جمال أسلوبها، وحدّد معالم كلّ آية وميَّزها عن الأخرى، وأبرز ما لها من مضمونٍ خاصٍّ.

والملاحظ أنّ هناك انسجامًا وتآلُفًا بين مضمون الآية ومضمون التذييل، فليس في القرآن آية يدعو مضمونُها إلى العقاب تنتهي بتذييل من قبيل الرحمة، وليس فيه من آية تتضمن رضوانًا من الله تنتهي بتذييل يهدّد بشدّة العقاب، وهلمّ جرًّا.

والفاصلة قِيمة صوتية تُراعَى في كثيرٍ من آيات القرآن، وربما أدّت رعايتها إلى تقديم عنصر في الجملة عن موقعه أو تأخيره عنه. ولقد يتكلم البلاغيون في أغراض التقديم والتأخير فيوردون من أسباب ذلك أمورًا تدور حول رعاية المعنى، وربما جعلوا الاهتمام بمدلول اللفظ عنوانًا يندرج تحته الكثير من هذه الأمور، وهذا اتجاه لا اعتراض عليه، أما في القرآن فيُضاف إلى ذلك ما يعرف باسم (رعاية الفاصلة)، قارن من ذلك ما يلي:

1. (وينفقون مما رزقناهم). في مقابل: {ومما رزقناهم ينفقون}[البقرة: 3].

2. (وهم يوقنون بالآخرة). في مقابل: {وبالآخرة هم يوقنون}[البقرة: 4].

3. (وكانوا يظلمون أنفسهم). في مقابل: {وأنفسهم كانوا يظلمون}[الأعراف: 177].

4. {فلا يؤمنون إلا قليلًا}[النساء: 46، 155] - {فقليلًا ما يؤمنون}[البقرة: 88].

بل إنّ التقديم والتأخير قد يتناول التتابع التاريخي للأحداث لمناسبة الفاصلة، كما في قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء: 163- 164].

فلقد تقدّم عيسى في الآية على هارون وتقدّم سليمان على داود من أجل الفاصلة {زبورًا}، وجاء موسى آخر الأنبياء ذكرًا من أجل الفاصلة أيضًا {تكليمًا}، حتى عند التفصيل الذي يتسم بسِمة الطّباق نجد: {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا}[الأحزاب: 26]، بدل: (وفريقًا أسرتم)، وكذلك نجد: {ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون}[البقرة: 87]، بدل: (وفريقًا قتلتم).

ومن إخضاع الطّباق للفاصلة أيضًا قوله تعالى: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[النمل: 27] بدل: (أَمْ كَذَبْتَ)، وقوله: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ}[النمل: 41]، بدل: (أَمْ لَا)، فكلّ ذلك من قَبِيل رعاية الفاصلة من حيث هي قيمة صوتية ذات وظيفة جمالية.

والمعروف أنّ اللغة العربية أوسع من النحو العربي؛ لأنّ النحو يَنْظِم المطَّرد، ويَقْصُرُ عن غير المطَّرد، وكلاهما من اللغة. ومن قواعد النحاة أنفسهم قاعدة أصولية تقول: «الشذوذ لا ينافي الفصاحة»، ومن هنا تكون اللغة الفصيحة أرحب من القواعد وحدودها، ولقد نزل القرآن بلسانٍ عربيّ مبين لا بنحوٍ عربيّ مبين، فاتَّسم نَصُّه بسعة اللغة، لا بضيق القواعد النحوية، فهو يهيمن على اللغة كلّها ما اطَّرد منها وما لم يطَّرد.

أضف إلى ذلك أن القراءة سُنَّة متبعة؛ لأن القرآن مرويٌّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الذي تلقّاه عن جبريل -عليه السلام- وقد رواه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بالتواتر جمعًا عن جَمْعٍ، وأنّ النصّ المرويَّ ربما تحدى الأصل بالعدول، أو تحدّى القاعدة بالترخُّص، وقد يكون هذا العدول عن الأصل أو ذاك الترخّص في القرينة لرعاية الفاصلة.

ومن المقرّر في النحو أنّ الألِف المطلقة تنوب عن الفتحة والتنوين عند الوقف، ومِن ثمّ يخلو الاسم الذي ينتهي بها من أداة التعريف (ال)؛ لأن (ال) لا تجتمع مع التنوين وقد نابت الألِف عنه، ولكن القرآن يجمع بينهما رعايةً للفاصلة كما في قوله تعالى:

1. {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}[الأحزاب: 10].

2. {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}[الأحزاب: 66].

3. {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}[الأحزاب: 67].

ولقد تتوالى الفاصلة في آيات متتابعة، ومعناها مع تواليها واحد أو شبه متّحد، وإنما جاء التوالي لغرض لولا رعايته لأجزأَتْ عن ذلك فاصلة واحدة، من ذلك أنّ المؤمنين لا يؤمنون إلا مع رسوخ اليقين بما آمنوا به، ولا بد أن يكون هذا اليقين نتيجة تدبّر ودلالة عقلية، ومن ثمّ فهم يعقلون. أي: أنّ (المؤمنين) (يوقنون) و(يعقلون) و(يؤمنون)، وهذه الألفاظ الأربع تتوالى في موقع الفاصلة في قوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}[الجاثية: 3- 6]، ففي هذه الآيات القرآنية ذكرٌ لبعض الآيات الكونية التي تدركها الحواس، ولكن الإدراك الحسي ليس إلا وسيلة موصلة إلى الحكم العقلي المبني على اليقين والإيمان، وقد عدَّت الآيات القرآنية من ذلك ما يلي:

1. ما في السماوات والأرض من الآيات بصورة عامّة، وهي تتطلّب الإيمان أو تمنحه.

2. خلق الإنسان والحيوان (الدواب)، وهي توصل إلى اليقين.

3. اختلاف الليل والنهار (أي: تواليهما الواحد بعد الآخر) والمطر الذي يحيي الأرض بعد موتها، والرياح التي تهب حينًا وتسكن حينًا آخر، وكلّ ذلك مدعاة للنظر العقلي، ومن ثمّ كان موضوعًا للعلوم الطبيعية.

وأخيرًا يأتي سؤال يقول: هذه هي الآيات الصادقة، فأيّ شيء غيرها يوصل إلى الإيمان؟! وهذا نوع من الإجمال ثم التفصيل؛ لأن رقم 1 يشتمل على 2 و3، فأجمله أولًا وجعله موصلًا للإيمان، ثم سأل عنه آخرًا: أي شيء غيره يوصل للإيمان؟! وبين الإيمان في الآية الأولى، والإيمان في الآية الأخيرة جاءت عناصره مِن يقين وعقل (أي: نظر عقلي).

إنّ بعض الفواصل القرآنية يأتي قبل أن تستكمل الجملة عناصرها النحوية؛ رعاية للطابع النغمي وحفاظًا عليه أن يتخافت بسبب طول الكلام، وليكون أداءُ الفاصلة غرضها أبلغَ وأتمّ.

انظر على سبيل المثال إلى قوله تعالى في فاتحة الكتاب: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: 2- 4]، أو إلى قوله جلّ شأنه في سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة: 2- 3]، أو قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي}[طه: 29- 30]، إذ تقدّم المفعول الثاني {وزيرًا} وتأخّر المفعول الأول {هارون} وأصبح {هَارُونَ أَخِي} آية مستقلّة، والتقدير: (واجعل هارون أخي وزيرًا لي من أهلي)، أو قوله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم: 1- 5] إِذْ فصل بين الجار والمجرور والمتعلق مرارًا، أو قوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الصافات: 41- 44]، أو قوله تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ}[الذاريات: 1- 5]، واقرأ إن شئت سورة الرحمن، أو سورة الواقعة، أو سور الجزأين الأخيرين من القرآن، وستجد هذه الظاهرة شائعة.

ومعنى هذا: أنّ الفاصلة القرآنية لا تدلّ بالضرورة على تمام المعنى، ومِن ثَمَّ تُصبح وظيفتها في القرآن غير نحويّة ولا دلالية، فإذا لم يكن للفاصلة غرض نحوي أو دلالي، فماذا يكون الغرض منها؟! أغلب الظنّ أنّ الغرض منها جماليّ يرتبط أشدّ الارتباط بموسيقى النصّ القرآنيّ.

 

 

[1] نُشرت في مجلة مجمع اللغة العربية، الجزء الستين، رمضان 1407هـ - مايو 1987م، وأشير في حاشيتها أنها قدمت إلى مؤتمر المجمع في دورته الثالثة والخمسين (1407هـ - 1987م).

وقد أضفنا العنوان الفرعي: (نظرات في الإيقاع والفاصلة) لعنوان المقالة؛ كونها تختصّ بهاتين الظاهرتين من الظواهر الصوتية. (موقع تفسير).

[2] (لم أرَ على ظهر جبلٍ سمكة) عبارة تعليمية تجمع الأزواج الثلاثة التي تتكون منها التفعيلة، وهي: السبب؛ وينقسم إلى خفيف وثقيل، والوتد؛ وينقسم إلى مجموع ومفروق، والفاصلة؛ وتنقسم إلى صغرى وكبرى، وتقطيع هذه العبارة عَرُوضيًّا كالتالي: (/0 - //، //0 - /0/، ///0 - ////0)، وأسماؤها على الترتيب: سبب خفيف - سبب ثقيل، وتد مجموع - وتد مفروق، فاصلة صغرى - فاصلة كبرى. (موقع تفسير).

الكاتب

الدكتور تمام حسان

عميد كلية دار العلوم الأسبق وأستاذ علم اللغة، له العديد من الإسهامات العلمية، توفي عام 2011م.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))